ثبت عن الإمام مالك رضي الله عنه ما رواه الحافظ البيهقي في كتابه الأسماء والصفات ص 408، بإسناد جيد كما قال الحافظ في الفتح ج13 / 406 - 407 من طريق عبد الله بن وهب قال "كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال : يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى كيف استواؤه؟ قال: فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال : الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه ، قال : فأخرج الرجل"
وروى الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات ص 408 من طريق يحيى بن يحيى قال "كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال : يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى فكيف استوى ؟ قال : فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال :الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعا فأمر به أن يخرج"، قال البيهقي وروي في ذلك أيضا عن ربيعة بن عبد الرحمن أستاذ مالك بن أنس رضي الله عنهما.
قال المحدث الشيخ سلامة العزامي من علماء الأزهر في كتاب فرقان القرءان بين صفات الخالق وصفات الأكوان ص 22 "قول مالك عن هذا الرجل (( صاحب بدعة )) لأن سؤاله عن كيفية الاستواء يدل على أنه فهم الاستواء على معناه الظاهر الحسي الذي هو من قبيل تمكن جسم على جسم واستقراره عليه وإنما شك في كيفية هذا الاستقرار فسأل عنها وهذا هو التشبيه بعينه الذي أشار إليه الإمام بالبدعة".
قلنا وهذا فيمن سأل كيف استوى فما بالكم بالذي فسره بالجلوس والقعود والاستقرار؟ ثم إن الإمام مالكا عالم المدينة وإمام دار الهجرة نجم العلماء أمير المؤمنين في الحديث رضي الله عنه ينفي عن الله الجهة كسائر أئمة الهدى ، فقد ذكر الإمام العلامة قاضي قضاة الإسكندرية ناصر الدين بن المنير المالكي من أهل القرن السابع الفقيه المفسر النحوي الأصولي الخطيب الأديب البارع في علوم كثيرة في كتابه المقتفى في شرف المصطفى لما تكلم عن الجهة وقرر نفيها، قال "ولهذا المعنى أشار مالك رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم "لا تفضلوني على يونس بن متى" ( رواه البخاري)، فقال مالك: إنما خص يونس للتنبيه على التنزيه لأنه صلى الله عليه وسلم رُفع إلى العرش ويونس عليه السلام هُبط على قابوس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جل جلاله نسبة واحدة، ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه الصلاة والسلام أقرب من يونس بن متى وأفضل مكانا ولما نهى عن ذلك"، ثم أخذ الفقيه ناصر الدين يبين أن الفضل بالمكانة لا بالمكان.
ونقل ذلك عنه أيضا الإمام الحافظ تقي الدين السبكي الشافعي في كتابه السيف الصقيل ص 137 والإمام الحافظ محمد مرتضى الزبيدي الحنفي في إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين ج2 / 105 وغيرهما .
وأما ما يرويه سريج بن النعمان عن عبد الله بن نافع عن مالك أنه كان يقول "الله في السماء وعلمه في كل مكان"، فغير ثابت. قال الإمام أحمد "عبد الله بن نافع الصائغ لم يكن صاحب حديث وكان ضعيفا فيه" . وقال ابن عدي "يروي غرائب عن مالك"، وقال ابن فرحون "كان أصم أميا لا يكتب". وراجع ترجمة سريج وابن نافع في كتب الضعفاء، وبمثل هذا السند لا ينسب إلى مثل مالك مثل هذا. فبان مما ذكرناه أن ما تنسبه المشبهة للإمام مالك تقوٌّلٌ عليه بما لم يقُل.
وسئل الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه عن الاستواء فقال في الفقه الأبسط ص 49 فقال "من قال لا أعرف الله أفي السماء هو أم في الأرض فقد كفر"، لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه. وهذا القول ثابت عن الإمام أبي حنيفة نقله من لا يحصى كالإمام ابن عبد السلام في حل الرموز والإمام تقي الدين الحصني في دفع شبه من شبه وتمرد ص 18 والإمام أحمد الرفاعي في البرهان المؤيد ص 24 وغيرهم.
وقال رحمه الله في الفقه الأكبر ص 30 - 31 "والله واحد لا من طريق العدد ولكن من طريق أنه لا شريك له لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد لا يشبه شيئا من الأشياء من خلقه ولا يشبهه شئ من خلقه" وفيه أيضا ص 136 - 137 "ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كيفية ولا كمية ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة"، وقال في الوصية انظر شرح الفقه الأكبر ص 138 "لقاء الله تعالى لأهل الجنة حق بلا كيفية ولا تشبيه ولا جهة"، وفي الوصية أيضا انظر شرح الفقه الأكبر ص 70 "نقر بأن الله على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه وهو الحافظ للعرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوق ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله تعالى ! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا"، وفي الفقه الأبسط ص 57 "كان الله ولا مكان كان قبل أن يخلق الخلق كان ولم يكن أين ولا خلق ولا شئ وهو خالق كل شئ". وقال أيضا "فمن قال لا أعرف ربي أفي السماء هو أم في الأرض فهو كافر، كذلك من قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض".
وإنما كفر الإمام قائل هاتين العبارتين لأنه جعل الله مختصا بجهة وحيز وكل ما هو مختص بالجهة والتحيز فإنه محتاج محدث بالضرورة أي بلا شك، وليس مراده كما زعم المشبهة إثبات أن السماء والعرش مكان لله تعالى، بدليل كلامه السابق الصريح في نفي الجهة عن الله ومن ذلك قوله "ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان !". ففي هذه إشارة من الإمام رضي الله عنه إلى إكفار من أطلق التشبيه والتحيز على الله كما قال العلامة البياضي الحنفي في إشارات المرام ص 200 والشيخ الكوثري في تكملته ص 180 وغيرهما .
وفي شرح الفقه الأكبر ص 197 - 198 لملا علي القاري "وما روي عن أبي مطيع البلخي أنه سأل أبا حنيفة رحمه الله عمن قال لا أعرف ربي في السماء هو أم في الأرض ، فقال: قد كفر لأن الله تعالى يقول : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه ] ، وعرشه فوق سبع سمواته ، قلت : فإن قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض !، قال : هو كافر لأنه أنكر كونه في السماء فمن أنكر كونه في السماء فقد كفر لأن الله تعالى في أعلى عليين وهو يدعى من أعلى لا من أسفل. فالجواب أنه ذكر الشيخ الإمام ابن عبد السلام في كتابه حل الرموز أن الإمام أبا حنيفة قال "من قال لا أعرف الله تعالى في السماء هو أم في الأرض كفر لأن هذا القول بوهم أن للحق مكانا ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه". ولا شك أن ابن عبد السلام من أجل العلماء وأوثقهم فيجب الاعتماد على نقله لا على ما نقله الشارح شارح عقيدة الطحاوي، مع أن أبا مطيع رجل وضاع عند أهل الحديث كما صرح به غير واحد" انتهى كلام ملا علي القاري .
قال الشيخ مصطفى أبو السيف الحمامي في كتابه غوث العباد ببيان الرشاد ص 341 - 342 "ومن هذا الكلام يعلم أمور منها :
الأمر الأول: أن تلك المقالة ليست في الفقه الأكبر، وإنما نقلها عن أبي حنيفة رحمة الله عليه ناقل فيكون إسنادها إلى الفقه الأكبر كذبا يراد به ترويج البدعة.
الأمر الثاني: أن هذا الناقل مطعون فيه بأنه وضاع لا يحل الاعتماد عليه في نقل يبنى عليه حكم فرعي فضلا عن أصلي فالاعتماد عليه وحاله ماذكر خيانة يريد الرجل بها أن يروج بدعته .
الأمر الثالث : أن هذا الناقل صرح به إمام ثقة هو ابن عبد السلام بما يكذبه عن أبي حنيفة رحمة الله عليه بالنقل الذي نقله عن هذا الإمام الأعظم رضي الله عنه، فاعتماد الكذاب وإغفال الثقة خيانة يراد به تأييد بدعته وهي جرائم تكفي واحدة منها فقط لأن تسقط الرجل من عداد العدول العاديين لا أقول من عداد العلماء أو أكابر العلماء أو الأئمة المجتهدين ، ويعظم الأمر إذا علمنا أن الخيانات الثلاث في نقل واحد وهو مما يرغم الناظر في كلام هذا الرجل على أن لا يثق بنقل واحد ينقله فإنه لا فرق بين نقل ونقل، فإذا ثبت خيانته في هذا جاز أن تثبت في غيره وغيره" انتهى كلام الحمامي .
وأما ما نسبه المجسم ابن القيم إلى يعقوب وهو الإمام أبو يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنهما، قال الشيخ مصطفى الحمامي وهو من علماء الأزهر ص 342 "لا شك أنه كذب يروج به هذا الرجل بدعته". وكذا قال الكوثري في تكملته ص 108.
فبهذا ينتسف ما قاله المجسم ابن القيم وكذلك ما تنسبه الوهابية إلى أبي حنيفة أنه قال الله في السماء فغير ثابت ففي سنده أبو محمد بن حيان ونعيم بن حماد (انظر تهذيب التهذيب ج10 / 409 ونوح بن أبي مريم أبو عصمة انظر تهذيب التهذيب ج10 / 433، فالأول ضعفه بلديُّه الحافظ العسال، ونعيم بن حماد مجسم. وكذا زوج أمه نوح ربيب مقاتل بن سليمان شيخ المجسمة. فنوح أفسده زوج أمه ونعيم أفسده زوج أمه، وقد ذكره كثير من أئمة أصول الدين في عداد المجسمة، فأين التعويل على رواية مجسم فيما يحتج به لمذهبه؟!، قال الحافظ ابن الجوزي في الباز الأشهب ص 69 - 70 عن نعيم بن حماد "قال ابن عدي (الكامل في الضعفاء ج 7/16 ): كان يضع الأحاديث وسئل عنه الإمام أحمد فأعرض بوجهه عنه وقال : حديث منكر مجهول".
فإن قالت الوهابية ذكره الذهبي نقلا عن البيهقي في الأسماء والصفات. قلنا رواه البيهقي في الأسماء والصفات ص 429 وقال "إن صحت الحكاية"، فهذا يدل على عدم أمانة الذهبي في النقل حيث أغفل هذا القيد ليوهم القارئ أن القول بأن الله في السماء كلام إمام مثل أبي حنيفة.
قال الشيخ الكوثري في تكملته ص 180 "وقد أشار البيهقي بقوله : "إن صحت الحكاية" إلى ما في الرواية من وجوه الخلل".
والإمام البيهقي ذكر في الأسماء والصفات في كثير من المواضع أن الله منـزه عن المكان والحد ومن ذلك قوله ص 400 "واستدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه – تعالى – بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( أنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ )) (رواه مسلم) وإذا لم يكن فوقه شئ ولا دونه شئ لم يكن في مكان".
وقوله ص 415 "وما تفرد به الكلبي وأمثاله يوجب الحد والحد يوجب الحدث لحاجة الحد إلى حاد خصه به والبارئ قديم لم يزل". وقوله ص 448 - 449 "وانّ الله تعالى لا مكان له"، ثم قال "فإن الحركة والسكون والاستقرار من صفات الأجسام والله تعالى أحد صمد ليس كمثله شئ". فوضح بعد هذا البيان الشافي أن دعوى إثبات المكان لله تعالى أخذا من كلام أبي حنيفة رضي الله عنه افتراء عليه وتقويل له بما لم يقل .
وقال إمامنا الشافعي رضي الله عنه لما سئل عن الاستواء "ءامنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل واتهمت نفسي في الإدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك". ذكره الإمام أحمد الرفاعي في البرهان المؤيد ص 24 والإمام تقي الدين الحصني في دفع شبه من شبه وتمرد ص 18 وغيرهما كثير، وقال أيضا"ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله". ذكره الإمام المحدث عبد الله الهرري في كتابه الصراط المستقيم ص 50 والإمام الحصني في دفع شبه من شبه وتمرد ص 56 والشيخ سلامة العزامي وغيرهم، ومعناه لا على ما قد تذهب إليه الأوهام والظنون من المعاني الحسية والجسمية التي لا تجوز في حق الله تعالى.
ولما سئل عن صفات الله تعالى قال "حرام على العقول أن تمثل الله تعالى وعلى الأوهام أن تحد وعلى الظنون أن تقطع وعلى النفوس أن تفكر وعلى الضمائر أن تعمق وعلى الخواطر أن تحيط إلا ما وصف به نفسه – أي الله – على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم". ذكره الشيخ ابن جهبل في رسالته انظر طبقات الشافعية الكبرى ج9 / 40 في نفي الجهة عن الله التي رد فيها على المجسم ابن تيمية.
وقال الإمام المجتهد محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه "إنه تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفة الأزلية كما كان قبل خلقه المكانَ لا يجوز عليه التغييرُ في ذاته ولا التبديل في صفاته". نقله عنه الزبيدي فـي كتابه إتحاف السادة المتقين ج2 / 24.
وقال الشافعي رضي الله عنه أيضا جامعا جميع ما قيل في التوحيد "من انتهض لمعرفة مدبره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه وإن اطمأن إلى العدم الصرف فهو معطل وإن اطمأن لموجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحد" انظر شرح الفقه الأكبر ص 152.
قلنا ما أدقها من عبارة وما أوسع معناها شفى فيها صدور قوم مؤمنين فرضي الله عنه وجزاه عنا وعن الإسلام خيرا وقد أخذها من قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ} [سورة الشورى]، ومن قوله عز وجل {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ} [سورة النحل]. ومن قوله تعالى {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [سورة مريم]، ومن قوله تعالى {أَفِي اللّهِ شَكٌّ} [سورة إبراهيم]. وكل هذا يدل على أن الإمام الشافعي رضي الله عنه على تنزيه الله عما يخطر في الأذهان من معاني الجسمية وصفاتها كالجلوس والتحيز في جهة وفي مكان والحركة والسكون ونحو ذلك، وقد روى السيوطي في الأشباه والنظائر ص 598 وغيره أن الإمام الشافعي قال "المجسم كافر".
قال الشيخ الإمام المتكلم ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ص/287 مخطوط نقلا عن الشيخ الإمام أقضى القضاة نجم الدين في كتابه المسمى كفاية النبيه في شرح التنبيه في قول الشيخ أبي إسحاق رضي الله عنه في باب صفة الأئمة "ولا تجوز الصلاة خلف كافر لأنه لا صلاة له فكيف يقتدى به". قال "وهذا يفهم من كفره مجمع عليه ومن كفرنا من أهل القبلة كالقائلين بخلق القرءان وبأنه لا يعلم المعدومات قبل وجودها ومن لم يؤمن بالقدر وكذا من يعتقد أن الله جالس على العرش كما حكاه القاضي حسين هنا عن نص الشافعي رضي الله عنه".
وأما ما ترويه المشبهة عن الشافعي مما هو خلاف العقيدة السنية ففي سنده أمثال العشارى وابن كادش. أما ابن كادش فهو أبو العز بن كادش أحمد بن عبيد الله المتوفى سنة 526هـ من أصحاب العشارى اعترف بالوضع، راجع الميزان ج1 / 118 وحكم مثله عند أهل النقد معروف. وأما العشارى فهو أبو طالب محمد بن علي العشارى المتوفى سنة 452 هـ مغفل وقد راجت عليه العقيدة المنسوبة إلى الشافعي كذبا وكل ذلك باعتراف الذهبي نفسه في الميزان ج3 / 656 وغيره، وكذا ما ينسب للشافعي "وصية الشافعي" فهو رواية أبي الحسن الهكاري المعروف بوضعه كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل انظر ميزان الاعتدال ج3 / 112 و ذيل تاريخ بغداد ج18 / 173 لابن النجار، فليحذر تمويهات المجسمة فإن هذا دأبهم ذكر ما يوافق هواهم وإن كان كذبا وباطلا.
وسئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن الاستواء فقال "استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر" ذكره الإمام أحمد الرفاعي في البرهان المؤيد ص 24 والإمام الحصني في دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك على السيد الجليل أحمد ص 17، وغيرهما.
فانظر رحمك الله بتوفيقه إلى هذه العبارة ما أرشقها فهي اعتقاد قويم ومنهاج سليم إذ فيها تنزيه استواء الله على العرش عما يخطر للبشر من جلوس واستقرار ومحاذاة ونحو ذلك، أما المشبهة ففسروا الاستواء بما يخطر في أذهانهم في جلوس وقعود ونحو ذلك، وهذا فيه دليل على تبرئة الإمام أحمد رضي الله عنه من المنتسبين إليه زورا الذين يحرفون كلمة استوى فيقولون جلس، قعد، استقر، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا كالمجسم ابن تيمية حيث صرح في مجموع الفتاوى ج4 / 374 فقال "إن محمدا رسول الله يجلسه ربه على العرش معه". وقال فيما رءاه الإمام أبو حيان الأندلسي بخطه "إن الله يجلس على الكرسي وقد أخلى مكانا يقعد فيه رسول الله" كما في النهر الماد ج1 / 254 إلى غير ذلك من تخريفاته وتحريفاته.
والإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه من أبعد الناس عن نسبة الجسم والجهة والحد والحركة والسكون إلى الله تعالى، فقد نقل أبو الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها في كتابه اعتقاد الإمام أحمد ص 45 عن الإمام أحمد أنه قال "وأنكر – يعني أحمد- على من يقول بالجسم وقال إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل". ونقله الحافظ البيهقي عنه في مناقب أحمد ص 42. ونقل أبو الفضل التميمي في كتاب اعتقاد الإمام أحمد ص 38 -39 عن الإمام أنه قال "والله تعالى لا يلحقه تغير ولا تبدل ولا تلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش، وكان ينكر- الإمام أحمد – على من يقول إن الله في كل مكان بذاته لأن الأمكنة كلها محدودة".
وبين الإمام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه دفع شبه التشبيه ص 56 براءة أهل السنة عامة والإمام أحمد خاصة من مذهب المشبهة وقال "وكان أحمد لا يقول بالجهة للبارئ".
وقال القاضي بدر الدين بن جماعة في كتابه إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل ص 108 "إن الإمام أحمد كان لا يقول بالجهة للبارئ تعالى".
وعبارته المشهورة التي رواها عنه أبو الفضل التميمي الحنبلي "مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك" دليل على نصاعة عقيدته وأنه على عقيدة التنـزيه.
وقال المحدث الفقيه بدر الدين الزركشي في كتابه تشنيف المسامع ج4 / 648 "ونقل صاحب الخصال من الحنابلة عن أحمد أنه قال عن من قال جسم لا كالأجسام كفر".
وروى الحافظ البيهقي في مناقب أحمد عن الحاكم عن أبي عمرو بن السماك عن حنبل عن أحمد بن حنبل تأول قول الله {وَجَاء رَبُّكَ} [سورة الفجر ] أنه جاء ثوابه، ثم قال البيهقي "وهذا إسناد لا غبار عليه". نقل ذلك ابن كثير في تاريخه ج10 / 648.
وقال الحافظ البيهقي أيضا في مناقب أحمد "أنبأنا الحاكم قال حدثنا أبو عمرو بن السماك قال حدثنا حنبل ابن إسحاق قال سمعت عمي أبا عبد الله – يعني أحمد – يقول : ((احتجوا علي يومئذ – يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين – فقالوا تجيء سورة البقرة يوم القيامة وتجيء سورة تبارك، فقلت لهم : إنما هو الثواب قال الله تعالى : { وَجَاء رَبُّكَ } [سورة الفجر] إنما يأتي قدرته وإنما القرءان أمثال ومواعظ". قال الحافظ البيهقي "وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب والنزول الذي وردت به السنة انتقالا من مكان إلى مكان كمجيء ذوات الأجسام ونزولها وإنما هو عبارة عن ظهور ءايات قدرته فإنهم لما زعموا أن القرءان لو كان كلامَ الله وصفةً من صفات ذاته لم يجز عليه المجيء والإتيان فأجابهم أبو عبد الله بأنه إنما يجيء ثواب قراءته التي يريد إظهارها يومئذ فعبر عن إظهاره إياه بمجيئه، وهذا الذي أجابهم به أبو عبد الله لا يهتدي إليه إلا الحذاق من أهل العلم المنزهون عن التشبيه".
وقال الإمام المحدث الشيخ عبد الله الهرري في المقالات السنية ص 194 "وهذا دليل على أن الإمام أحمد رضي الله عنه ما كان يحمل ءايات الصفات وأحاديث الصفات التي توهم أن الله متحيز في مكان أو أن له حركة وسكونا وانتقالا من علو إلى سفل على ظواهرها كما يحملها ابن تيمية وأتباعه فيثبتون اعتقادا التحيز لله في المكان والجسمية ويقولون لفظا ما يموهون به على الناس ليظن بهم أنهم منـزهون لله عن مشابهة المخلوق فتارة يقولون (( بلا كيف )) كما قالت الأئمة وتارة يقولون (( على ما يليق بالله )) ، نقول : لو كان الإمام أحمد يعتقد في الله الحركة والسكون والانتقال لترك الآية على ظاهرها وحملها على المجيء بمعنى التنقل من علو وسفل كمجيء الملائكة ، وما فاه بهذا التأويل".
وورد في صحيفة 2/196 من الفتوحات الربّانية على الأذكار النووية للعالم المفسّر محمد بن علاّن الصدّيقي الشافعي الأشعري المكّي المتوفّى سنة 1057 هجرية رحمه الله تعالى في باب الحثّ على الدعاء والإستغفار في النصف الثاني من كلّ ليلة "وأنّه تعالى منـزّه عن الجهة والمكان والجسم وسائر أوصاف الحدوث، وهذا معتقد أهل الحقّ ومنهم الإمام أحمد وما نسبه إليه بعضهم من القول بالجهة أو نحوها كذب صراح عليه وعلى أصحابه المتقدمين كما أفاده ابن الجوزي من أكابر الحنابلة".
وذكر الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى في تبيين كذب المفتري فيما نُسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري صحيفة 164 "ذكر ابن شاهين قال : رجلان صالحان بُليا بأصحاب سوء، جعفر بن محمد، وأحمد بن حنبل".
وذكر في صحيفة 144 من الفتاوى الحديثية لإبن حجر الهيتمي المُتوفّى سنة 973 هجرية "عقيدة إمام السُنّة أحمد بن حنبل: هي عقيدة أهل السُنّة والجماعة من المبالغة التامّة في تنـزيه الله تعالى عمّا يقول الظالمون والجاحدون عُلُوّا كبيرا مِن الجهة والجسمية وغيرهما مِن سائر سمات النقص بل وعن كل وصف ليس فيه كمال مُطْلق، وما اشتُهِرَبين جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد مِنْ أنّه قائل بشيء مِن الجهة أو نحوها فكذب وبهتان وافتراء عليه فلَعن اللهُ مَنْ نسبَ ذلك إليه أو رماه بشيء من هذه المثالب التي برّأه الله منها".
ونقل الإمام الحافظ العراقي والإمام القرافي والشيخ ابن حجر الهيتمي وملا علي القاري ومحمد زاهد الكوثري وغيرهم عن الأئمة الأربعة هداة الأمة الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بتكفير القائلين بالجهة والتجسيم. الله موجود بلا مكان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق