بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 أغسطس 2018

إبطال مزاعم القائلين بحرية المعتقد

الحمد لله ربّ العالَمين وصلّى الله وسلَّمَ على سيّدنا محمد النبيّ الأمّيّ الأمين وعلى
ءاله وصحبه الطيّبين الطاهرين.وبعد ,

قال الله عَزّ وجَل: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

اعلَم أنّ مِن جُملة مَن بُلِيَبت بهم هذه الأمّة في هذا الزمن أناسٌ يَقُولون بأنّ الإسلام يضمَن حريّة المعتَقَد ويَصُون ذلك ويُجِيز لأيّ إنسانٍ عِبادة ما يشاء،
ويستَنِدُون إلى جُملَة أمور مِنها ثلاثة:

1.تفسيرهم الباطل لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾.
2.تفسيرهم الباطل لآية: ﴿لَكُمْ دِيْنُكُم وَلِيَ دِينِ﴾.
3.تَمَسُّكُهُم بآيات: ﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ﴾ و﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ ونحو ذلك وتفسيرها على هواهُم لإثبات شُبَهِهِم.
4.قصة نصارَى نَجْران وما زِيدَ فيها من الافتراء على الرسول.

ونقول في الرَدّ عليهم وبيانِ الحقّ:
أوّلا: في بيان معنَى قوله تعالَى: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾.
لا يَجوز تفسير قوله تَعالَى ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ علَى مَعنى أنّ الإنسان له حريّة اختيار ما شاء إيمانًا كان أو كُفرًا ولا مؤاخذَة عليه في ذلك،
لأنّ في ذلك:

أ‌.رَدًّا للنصوص وإبطالًا للمعنى الآتي في سياق الآية وهو قولُه تعالَى: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾.

ب‌.وأيّ معنًى يكون لقوله تعالى: ﴿إنّ الدِينَ عِندَ اللهِ الإسْلامُ﴾ بعد ادّعائهم هذا؟!

ج‌.وماذا تكون وظيفة الأنبياء بعد هذا الادّعاء؟ وقد قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾.

د‌.وماذا فَعَل هؤلاء بقَول الله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾؟ فالبُشرَى بالجنّة والنعيم جزاءٌ علَى أيّ عَمَلٍ يكون؟ 
والإنذار والتخويف بالعقوبة والنار علَى أيِّ شىء يحصل؟
وقد فَسَّر العُلماء قول الله تعالَى: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ بِما يُوافِقَ القرءانَ، لأنّ الآيات لا تَتَعارَض.


1)قال القرطبي في تفسيره:
عن ابن عباس: قوله: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ يقول: من شاء اللهُ له الإيمانَ ءامَنَ، ومَن شاء الله له الكُفْرَ كَفَرَ.
قال ابن زيد في قوله: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ وقوله:﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾، قال: هذا كُلُّه وَعِيدٌ.

2)قال الزَّجّاجُ اللغوي في "معاني القرءان":
ألا ترى أن قوله بعد: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ فهذا مما يؤكِّد أمرَ الوَعِيدِ.﴿فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾، وهذا كلام يستعمله الناس في التهدد والوعيد.
تقول: متى أَسَأتَ إلى فلانٍ انتَقَمتُ مِنْكَ ومتى أحْسَنتَ إليه أَحسَنتُ إليك، فاعْمَلْ ما شِئْتَ واخْتَرْ.

3)قال الثعلبي في "الكشف والبيان":
وقوله: ﴿فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ ليس بترخيص وتخيير، إنما هو وعيد وتهديد.

4)قال البَغَويّ في تفسيره:
﴿فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ كَقَوْلِهِ: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾.

5)قال أبو حنيفة في الفقه الأبسط:
وَقَوله تَعَالَى ﴿فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر﴾ فَهُوَ وَعِيد.

ثانيًا: في بيان معنَى قوله تعالَى: ﴿لَكُمْ دِيْنُكُم وَلِيَ دِينِ﴾
ولا يجوز تفسير هذه الآية علَى معنَى أنّ كُلَّ إنسانٍ له الحريّة في اختيار ما شاء مِن الأديان الباطِلة دُونَ الإسلام.

1)قال ابن فُورَك في تفسيره:
معنى ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ لكُم جَزاؤكُم علَى عِبادةِ الأوثانِ – وهو النار - وَلِيَ جَزاءٌ على عِبادة رَبّي – وهو الجنّة - فانظروا ما مُقتَضَى كُلٍ مِن الأَمْرَين.

2)قال الماوَرديُّ في تفسيره:
وهذا تهديد منه لهم، ومعناه: وكَفَى بِجزاء عَمَلِي ثوابًا، قاله ابن عيسى. قال ابن عباس: ليس في القرءانِ سُورةٌ أَشَدّ لِغَيْظ إبليسَ مِن هذه السورةِ لأنها
تَوحِيدٌ وبراءةٌ مِن الشِرك.

3)قال الخازِن في تفسيره:
﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ أي لكم كُفْرُكُم وُلِيَ إخلاصِي وتَوْحِيدي، والمقصود منه التّهديدُ، فهو كقوله: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾.

وقد قال كثير من المفسِّرين بأنّ هذه الآية مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الجِهَادِ ليس علَى أنّ اختيار غير الإسلام كان مُباحًا مَرضِيًّا ثم صارَ مُحَرَّمًا ممنوعًا، لا، إنما بَعدَ ذلك نَزَل الأمر بقِتال الكُفّار، فقال تَعالى: ﴿وقاتِلُوهُم حتى لا تَكُونَ فِتنةٌ ويكونَ الدِينُ كُلُّهُ للهِ﴾ 

ومعنى ﴿حتى لا تَكُونَ فِتنةٌ﴾: أي حتى لا يَمنع الكُفّارُ مَن أرادَ الدخولُ في الإسلام مِن الدُخولِ فِيه اتّباع الحق.

ومعنى ﴿ويكونَ الدِينُ كُلُّهُ للهِ﴾: أي حتى يَدخل الناسُ في دين الإسلام، وهذه الآية صريحةٌ لكُلِ ذي بَصِيرة في أن المقصودَ مِن قتال الكُفّار إِدخالهُم في دين الله، دينِ الإسلام، ويدل على ذلك أيضًا الحديثُ الذي رواه البخاري ومسلم وهو حديث متواتر في إسنادِه العَشَرةُ المبَشَّرُون بالجنة وهو قَولُه صلى الله عليه وسلم: "أُمِرتُ أن أقاتِلَ الناس حتى يَشهَدُوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فَعَلُوا ذلك عَصَمُوا
مِنّي دِماءَهُم وأموالَهُم إلا بِحَقِّ الإسلامِ".

فَمَن رَدَّ هذا يكون رَادًّا لنَصِّ القرءان والحَدِيث. قال الإمام النَسَفِيُّ في عقيدته: وَرَدُّ النُصُوصِ كُفْرٌ.

ثالِثًا: في بيان معنَى قوله تعالَى: ﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ﴾ وقولِه: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾

-قال تَعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤمنِينَ﴾.

1)قال الإلبيري المالكي (ت399هـ) في تفسيره:
﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤمنِينَ﴾ أَيْ: لا تَسْتَطِيعُ فِعْلَ ذَلِكَ إِنَّمَا يُؤْمِنُ مَنْ يُرِيدُ اللَّهُ عَزّ وَجل أَن يُؤمِنَ.

2)قال الرازي في تفسيره:
وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْقَاهِرَةَ وَالْمَشِيئَةَ النَّافِذَةَ لَيْسَتْ إِلَّا لِلْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ثم قال الرازي: وَالْمَعْنَى أَنَّكَ مَا أُمِرْتَ إِلَّا بِالتَّذْكِيرِ.
وأتبَعَ الرازي قائلًا: قَالُوا: ثُمَّ نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ، هَذَا قَوْلُ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ.

-قال تَعالى: ﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ﴾.

نزلت قبل ءايات الجهاد ونُسِخَت بها، وقال بعد العلماء: هو خاصٌّ بأهل الكتاب الذين إذا امتَنعوا من القتال ودَفَعوا الجزية لإمام المسلمين تَرَكَ قِتالهَم.

1)قال الطبري في تفسيره:
ثُمَّ إِنَّهُ نَسَخَ: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، فَأُمِرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ.
ثم قال: وقال ءخَرُون: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لا يُكْرَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى الدِّينِ إِذَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ، وَقَالُوا: الْآيَةُ فِي خَاصٍّ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ.

2)قال ابن عادِل الحنبلي في تفسيره:
وقال ابن مسعود كان هذا في ابتداء الإسلام قبل أن يُؤمَرَ بالقتال، فصارت منسوخةً بآية السَّيف (وهي: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ
وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾).

3)قال الآلوسي في تفسيره:
وأما قوله تعالى ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ وأمثالُه فمَنسُوخٌ بالقِتال.

رابِعاً: قصة نصارَى نَجران وبيان ما في بعض رواياتها من الافتراء على النَّبيّ
وهي قِصّة يَروِيها بعض أصحاب كُتُب الحديث والتاريخ يقولونه فيها:
إنَّ وفد نصارى نجران قدموا المدينة المنوّرة ودعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فلم يُسلِموا ورَضُوا بالجزية.فزاد بعض الحاكِين للقصة زاعِمِين أنّه كان قد حان وقتُ صلاتهم فقام النصارى متَّجِهِين إلى المشرِق، فعلَى زَعْم الراوي قال النبيّ لهم دَعُهم يؤدُّون صلاتَهم في مَسْجِدي!!!

فكيف يَصِحُّ هذا والله تعالى أرسَل النبيّ ءامِرًا بالمعروف ناهِيًا عن المُنكر، وقال تعالَى في كِتابِه العزيز: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾.فالحَقُّ ظاهِرٌ بَيِّنٌ.
وكَثير مِمَّن يستدل بهذه الشُّبُهات والأباطيل ويُحَرِّف التفاسير يسعَى إلى ما يُسَمَّى بـ (حِوار الأديان) والتحريض على الخروج من دين الإسلام تحت عنوان "حريّة المعتَقَدَ" وإرضاءً للكافِرِين،

نسأل الله العافيةَ والثَّباتَ علَى التَّوحيد والوَفاةَ على كامل الإيمان بجاه النَّبيّ المصطفى عليه الصَّلاة والسَّلام.والحمد لله ربّ العالَمِين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...