بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

الطلاق


الطلاق معرفة أحكامه مهمّة جدًّا لأنّ كثيرين من الناس يحصل منهم الطّلاق على زوجاتهم ولا يدرون أنّهن طَلَقْن فيعاشرونهنّ بالحرام.

والطلاق قسمان: صريح وكناية.

فالصريح ما لا يحتاج إلى نيّة يقع الطلاق به نوى أو لم ينوِ، وهو خمسة ألفاظ: الطلاق، والفِراق، والسَّراح، والخلع، ولفظ المفاداة من الخلع، واللفظ الخامس قول الشخص: نعم في جواب من أراد منه أن يطلِّق زوجته الآن، فنعم هنا كأنّها ألفاظ الطلاق الأربعة الأُول التي وردت في القرءان، وأمّا من قال: نعم في جواب من أراد أن يستخبر يكون إقرارًا بالطلاق، أي أنّه سبق له أن طلّقها وليس معناه الآن أُطلِّقها، وإن جُهل مراد القائل حُمل على الاستخبار.

والكناية
 هو ما لا يكون طلاقًا إلا بنيّة كقوله: أنت خلية، أو برية، أو بائن، أو بَتّة، أو بَتْلَة، أو اعتدِّي، وكذلك من الكناية: اخرجي، سَافري، تستري، لا حاجة لي فيك، أنت وشأنك، سلام عليك، لأنّ هذه الألفاظ تحتمل الطلاق وغيره احتمالا قريبًا.


فمن أتى بالصريح وقع الطلاق نوى به الطلاق أم لم ينوِ، ومن أتى بألفاظ الكناية فلا يقع الطلاق إلا أن ينوي به الطلاق وتكون النيّة مقرونة بأوّلها.


والطلاق إن كان ثلاثًا بلفظ واحد أو في أوقات متفرّقة حتى لو قال: أنتِ طالق ونوى به الثلاث فهو طلاق ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره بعد عدة منه وعدة من الزوج الآخر، فمن قال لزوجته: أنتِ طالقٌ ثلاثًا طَلَقَت ثلاثًا وإن قال: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق ولم ينوِ به تأكيد الطلقة الواحدة فهو طلاقٌ ثلاث، وإن نوى به تأكيد الطلقة الواحدة وهي الأولى فلا يُعدُّ طلاقًا ثلاثًا بل يعدُّ طلاقًا واحدًا. وتصح إشارة الأخرس كأن قيل له طلّق امرأتك فأشار بثلاثة أصابع فصريحة، ثم إن كانت إشارته يفهمها كلُّ أحد فهي صريحة وإن اختصّ بفهمها الفطنُ فكناية تحتاج إلى نيّة. وأمّا الناطق إذا اقتصر على الإِشارة كأن قالت له طلِّقني فأشار بيده أن اذهبي فلغوٌ.


وكثير من الناس يجهلون هذا فيرجعون إلى زوجاتهم إذا أوقعوا طلاقًا ثلاثًا بلفظ واحد يظنُّون أنّه طلاق واحد وأنّه يجوز لهم أن يرتجعوهن قبل مضيّ العدة بلا عقد جديد ويظنُّون أنّه بعد مضي العدة يكفيهم تجديد العقد فهؤلاء يعاشرون أزواجهم بالحرام. ولا فرق في الطلاق بين أن يكون منجزًا وبين أن يكون معلّقًا بشىء فإذا قال: أنتِ طالق إن دخلت دار فلان أو إن فعلت كذا فدخلت أو فعلت ذلك الشىء وقع الطلاق، فإن كان قال: إن دخلت دار فلان فأنتِ طالق بالثلاث فدخلت كان ثلاثًا، فتحرم عليه فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره. ولا يجوز إلغاء هذا الطلاق، ولا عبرة برأي أحمد بن تيمية الذي خرق به الإِجماع في قوله: إنّ الطلاق المعلّق المحلوف به لا يقع مع الحِنث وليس عليه إلا كفّارة اليمين، فرأيُ ابن تيمية هذا خلاف الإِجماع، وقد نقل الإِجماع على هذا الحكم الفقيه المحدّث الحافظ الثقة الجليل محمّد بن نصر المَرْوَزي وجماعة غيره.


والطلاق يختصُّ بأحكام عن فرقة الفسخ، وفرقة الخلع، وفرقة الإِيلاء وهو الذي يحلف على أن لا يجامع امرأته أكثر من أربعة أشهر أو يطلق بلا تحديد، وفرقة الحكميْن.

وفرقة الفسخ أنواع:


(1) فرقة إعسار أي عجز عن المهر أو النفقة؛ فإِذا أعسر الزوج بهما بعد إمهاله ثلاثة أيّام جاز الفسخ أي فسخ عقد النكاح.
(2) وفرقة لعان.
(3) وفرقة عَتِيقَة بأن كانت الأمة متزوجة بشخص ثم أعتقت.
(4) وفرقة عيوبٍ كأن وجدها برصاء أو مجنونة.
(5) وفرقة غرور.
(6) وفرقة وطء شبهة كأن وطىء أم زوجته أو ابنتها بظن الزوجية، وكأن سُبِيَ الزوجان الحرّان أو أحدهما قبل الدخول أو بعده وذلك بسبب الكفر.
(7) وفرقة إسلام من أحد الزوجين.
(8) وفرقة ردّة من أحدهما.
(9) وفرقة ملكِ أحد الزوجين الآخر.
(10) وفرقة عدم الكفاءة.
(11) وفرقة انتقال من دِينٍ إلى ءاخر كانتقال أحد الزوجين من اليهوديّة إلى النصرانية.
(12) وفرقة رضاع.

ثمَّ الطلاق إمّا جائز سنّي وهو ما خلا عن الندم واستعقب الشروع في العدّة وكان بعد الدخول وهي ممن عدّتها بالأقراء وكان في طهر لم يطأها فيه ولا في حيض قبله، قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[سورة الطلاق:1] أي في قُبُل عدتِهنَّ أي طلاقًا يستعقب العدّة، وفي البخاري ومسلم أن ابن عمر طلّق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال[مُرْه فليراجعها، ثمّ ليمسكها حتى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر، فإن شاء أمسكها وإن شاء طلّقها قبل أن يجامع، فتلك العدّة التي أمر الله أن يطلّق لها النّساء] أي أذن.


وإما بدعي كأن يطلِّق بعد الدخول في حيض أو نفاس، أو في طهر وطئها فيه ولم يظهر بها حمل.

وإنّما كان طلاق الحائض والنفساء بدعيًّا لأنها تتضرّر بطول مدة الانتظار، وأمّا الثاني فإنه يؤدّي إلى الندم عند ظهور الحمل، لأن الإنسان قد يطلّق الحائل دون الحامل وعند الندم قد لا يمكنه التدارك فيتضرّر هو والولد. وإما لا ولا أي لا يسمى سنيًّا ولا بدعيًّا وهو أن يطلّقها قبل الدخول، أو طلّق غير بالغة، أو طلّق ءايسة، أو طلّقها حاملًا منه، وكذلك طلاق الإِيلاء، وطلاق الحكمين، وفرقة المختلِعة والمتحيرة وهي المستحاضة التي لا تعرف وقت ابتداء الدم ولا قدره، فطلاقهنَّ لا يدخل في السنيّ ولا في البدعي.


ولا فرق بين طلاق الجِد وطلاق المزح لقوله صلى الله عليه وسلم [ثلاث جِدُّهن جِدٌّ وهزلهن جِدٌّ: النكاح والطلاق والرجعة] رواهُ أبو داود في السنن. فإذا حصل النكاح بشروطه وكان الولي والزوج مازحين ثبت النكاح، وكذلك الطلاق إن كان الزوج والزوجة مازحين أو أحدهما جادًّا كأن طلبت الزوجة الطلاق بجدّ وهو أوقعه بجدّ، أو كانا مازحين أو كان أحدهما مازحًا فقد ثبت الطلاق، فإن كان الطلاق واحدًا أو اثنين تصح الرجعة قبل انتهاء العدة بقول: أرجعتك إلى نكاحي ونحوه، فإن انتهت العدّة قبل أن يرتجعها لا تحلّ له إلا بعقد جديد بوليّها وشاهدين مسلمين: والجِد خلاف الهزل وهو _ بكسر الجيم _ لأنه _ بفتح الجيم _ لا يأتي لهذا المعنى بل معناه الغِنى، ويطلق الجَد _ بالفتح _ على العظمة قال الله تعالى {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا}[سورة الجن:3]، والجَدّ الذي هو أبو الأب أو أبو الأم.


والفسخُ لا يحصر بعدد بخلاف الطلاق فإنّ نهايته ثلاث، أمّا الفسخ لو فسخ النكاح ثلاث مرّات أو أكثر لا يحتاج إلى أن تتزوّج المرأة بزوج ءاخر، إنما يحتاج إلى تجديد العقد.


واحتجّ القائلون بأن الثلاثة إذا أوقعت بلفظٍ واحدٍ طلقةٌ واحدة بحديث مسلم أن ابن عبّاس قال [كان الطلاق طلاق الثلاث على عهد رسول الله وأبي بكر وصدر من خلافة عمر واحدًا، ثم قال عمر: إنّ الناس استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم]، ولا حجّة لهم فيه لأمور:


أحدها: أنّ هذا الحديث قال عنه الإِمام أحمد: شاذ، والشاذ لا يُحتجّ به.
والثاني: أن ابن عبّاس ثبت عنه أنّه أفتى بوقوع الثلاث بلفظٍ واحدٍ ثلاثًا، روى ذلك عنه ثمانية من كبار أصحابه الثِّقات كما بيَّن البيهقي ذلك في السنن الكبرى، والحديث إذا خالفه عمل الراوي لا يحتجّ به عند بعض المحدّثين، وعلى ذلك أبو حنيفة وأتباعه، وبعيد أن يروي عبد الله بن عبّاس هذا الحديث على حسب ظاهره مع حمله على الظاهر ثم يفتي بخلافه.
والثالث: أن أبا بكر بن العربي قال في كتابه القَبَس: كانت البتةُ في عهد رسول الله وأبي بكر وصدر من خلافة عمر واحدةً، ثم قال عمر: إِنَّ الناس استعجلوا في أمرٍ كانت لهم فيه أناةُ فلو أمضيناه عليهم فأمضى عليهم، وعزا هذا اللفظ لمسلم ولعل ذلك في بعض نسخ مسلم عند المغاربة.
والرابع: أنَّه مؤول بوجوه ذكرها الحافظ ابن حجر منها: أن بعض الرواة رواه عن ابن عبّاس بالمعنى على حسب ما فهمه، ليس باللفظ الذي قاله ابن عبّاس، فسقط الاستدلال به على جعل الثلاث بلفظ واحد طلاقًا واحدًا.

وبعض هؤلاء المحرّفين للحكم الشرعي في مسئلة الطلاق قال في شخص طلَّق طلقتين بلفظٍ واحد ثم طلَّق بعد مدة طلقة: هذا طلاقان ليس ثلاثًا، وادّعى بعضهم أنّ في قولِ الله تعالى {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ}[سورة البقرة:229] دليلًا على ما زعموه، قالوا: لا يتم الطلاق الثلاث بمرَّة واحدة، والجواب أنّ قوله تعالى
 {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِفيه تقديرٌ، أي الطلاق الذي بعده رجعة مرَّتان بقرينة ما بعد ذلك من قوله {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، ويلزم على ما ذهب إليه هؤلاء أَنَّ الطلاق لا يصح أصلًا إلا بمرتين وهذا ظاهر الفساد، وإنما تأويل هذه الجملة {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} عدد الطلاق الذي بعده رجعة مرتان، فيكون هنا تقديرُ مضافٍ وهو لفظ عدد فيطابق الخبر المبتدأَ، لأنّ العدد يطلق على الاثنين والثلاثة وما بعد ذلك. الله موجود بلا مكان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...