الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى
الحمد لله الذي فضل أهل السنة والجماعة بأتقى وأعلم وأصدق العلماء العاملين، وخص أهل الزيغ والبدعة بأكذب وأجهل المتعالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد قدوة العلماء الربانيين، وعلى آله وصحبه الصادقين الهادين المهتدين.
وبعد؛ فقد رفع الله تعالى بفضله وكرمه ذكر بعض العلماء وبسط لكتبهم القبول، وأنزلهم محل الرضا عند جميع المؤمنين المخلصين، وذلك لما عُرفوا به من العلم والحفظ للدين والصدق في نقل الأقوال العلمية والسيرة الطيبة المرضية، ومن هؤلاء بل ومن أبرزهم في كل زمان الإمام الحافظ العالم العلامة الشيخ محي السنة والدين النووي رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مستقره ومثواه، فقد حباه الله تعالى بحب كتابه وسنة رسوله، وزاده في العلم بسطة، ووفقه لإنشاء مؤلفات تزينت بها جميع المكتبات الإسلامية لطيلة قرون طويلة وانتفع الناس بجميع مستوايتهم بها طلبة ومشايخ وعلماء، وذلك لما تواتر من صدقه وعلمه وإخلاصه لربه وحبه لنبيه صلى الله عليه وسلم، فكان كلامه محل قبول بين الخاص والعالم، لا يتهم في دينه ولا في صدق لهجته، ولا يتوقف أحد في أمانته وشرفه.
وبالمقابل، فقد خص الله تعالى بحكمته البالغة بعض المشايخ بالزيغ والخذلان، فكلما تكلموا كانوا محل اتهام، وكلما نقلوا اتفاقا أو إجماعا صاحبهم الكذب والخذلان، فكانوا سبب إنشاء فتن كبيرة بين المسلمين، وضلال كثير من العوام والغفل عن سنن الهدى وعن الصراط المستقيم، فإنهم أحدثوا مقالات في أصول الدين وفروعه غير مرضية، ونسبوها زورا وبهتانا إلى جماهير علماء الأمة الإسلامية، وقد كان من هؤلاء للأسف ـ قبل توبته إن صحت ـ الشيخ ابن تيمية.
وقد تصدى له في عصره الفضلاء والحكام، وبينوا انحرافه وسوء اعتقاده وخروجه عن سبيل الرشاد وعن الإجماع الحقيقي للعلماء المسليمن، غير أن مقالاته الردية بقيت فتنة وابتلاء لمن يأتي بعده من الذين يدعون أنهم من أهل العلم والدين، وفعلا قد انتشرت بعد قرون طويلة من موته فشقت صفوف المسلمين، وأحيت بدعا وشرورا قد أخمدت نارها قبل مئات السنين، وتخرج من فكرها التكفيريون والمبدعون والمفسقون، الذين فاقوا الخوارج بأشواط في إحداث الفرقة وإلحاق الضرر بالمسلمين.
ولكي لا أستطرد كثيرا عن مقصد هذا المقال، فسأبين شدة التناقض الكبير بين الإجماع الحقيقي الذي نقله شيخ الإسلام الحافظ النووي في مسألة مهمة جدا في أصول الدين وهي رؤية الله عز وجل، وبيان الإجماع والاتفاق الخرافي الزائف المناقض لأول كليا والذي ادعاه ابن تيمية فيما يتعلق برؤية الله تعالى جريا على مذهبه التجسيمي، بل ادعى لشدة خروجه عن المعقول أن ما قاله هو من بدائه العقول، وهذه الدعوى لا يصدقها إلا مجنون مهبول.
قال ابن تيمية متحدثا عن رؤية الله جل جلاله وتعالى شأنه عن وصف المشبهين: د
إذا ثبتت رؤيته فمعلوم في بدائه العقول أن المرئي القائم بنفسه لا يكون إلا بجهة من الرائي وهذه الرؤية التي أخبر بها النبي ﷺ حيث قال : «ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر».
فأخبر أن رؤيته كرؤية الشمس والقمر وهما أعظم المرئيات ظهورًا في الدنيا، وإنما يراهم الناس فوقهم بجهة منهم بل من المعلوم أن رؤية مالا يكون داخل العالم ولا خارجه ممتنع في بدائه العقول، وهذا مما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم من السلف والأئمة وأهل الحديث والفقه والتصوف وجماهير أهل الكلام المثبتة والنافية والفلاسفة. .بيان تلبيس الجهمية ج2/ص432
قال الحافظ النووي: اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا، وأجمعوا أيضا على وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين.
ثم قال الحافظ رضي الله عنه: مذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه، ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك، لكن جرت العادة في رؤية بعضنا بعضا بوجود ذلك على جهة الاتفاق، لا على سبيل الاشتراط، وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بدلائله الجلية، ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة، تعالى عن ذلك، بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة. (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ج3/ص16)
فأيهما سيصدق المسلم الواعي عند قراءة هذين الحكمين المتناقضين كليا؟؟
هل سيصدق ابن تيمية الذي جرحه مجتهدو عصره وعرف في زمانه وبعده بالتشكيك في القواعد الثابتة والخروج عن الإجماعات المتحققة والسفسطة والتلاعب والروغان في الكلام، أم سيصدق الإمام الحافظ الطاهر الصادق النقي الذي لم يجرحه عالم ولا شهد عليه مخالف بسوء، صاحب الكتاب الذي قلما تجد بيتا مسلما لا يحويه ولم ينتفع بما فيه، وصاحب شرح صحيح مسلم الذي لا يوجد له نظير.. وغير ذلك من حسناته رضي الله عنه؟؟؟
إن الجواب واضح وضوح الشمس، لا سيما أنا إذا استقرينا أقوال عظماء هذه الملة الإسلامية الذين حفظ الله تعالى بهم كتابه وسنة نبيه وجدناهم في توافق تام مع الحافظ النووي رضي الله تعالى عنه وأرضاه:
ـ فهاهو إمام القراء وحجتهم أبو عمرو الداني يصرح ويقول بكل ثقة وعلم وشجاعة مبينا العقيدة الصحيحة في الرسالة الوافية: ورؤيته تعالى بغير حدٍّ، ولا نهايَة، ولا مقابلَة، ولا محاذاة، لأنه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}. اهـ
ـ وهاهو الإمام المفسر المنقطع النظير الذي أفنى حياته في علم التفسير الإمام الواحدي يقول في الوسيط: إن الباري تعالى يُرَى ولا يدرك؛ لأن معنى الإدراك: الإحاطة بالمرئي، وإنما يجوز ذلك على من كان محدودًا وله جهات. (ج2/ص306، 307)
ـ وهاهو الإمام المفسر المعاصر للإمام الطبري والذي يدانيه فضلا وعلما أبو بكر النقاش يقول في تفسيره إشفاء الصدور في قوله تعالى: «إن الله عز وجل يُرَى بالأعين، بلا حدّ، ولا نهاية، ولا مقابَلة، ولا محاذاة؛ لأنه ليس كالأشياء فيرى كما تُرَى الأشياء». (مخطوط، ق34/ب)
ـ وهاهو الإمام الحافظ المحدث أبو بكر الإسماعيلي (ت371هـ) يقول في كتاب اعتقاد أهل السنة عن المؤمنين أنهم يرون الله عز وجل من غير اعتقاد التجسيم في الله تعالى ولا التحديد له، ولكن يرونه جلّ وعزّ بأعينهم على ما يشاء بلا كيف». (ص43. تحقيق جمال عزون. نشر دار ابن حزم 1999م)
فعن أي عقول يتكلم ابن تيمية وعن أي بدائه؟؟ ومن هم العقلاء والسلف والمحدثين والفقهاء والصوفية ينقل إجماعهم؟؟؟ سبحانك هذا بهتان عظيم وإفك مبين.
وأما تشبيه ابن تيمية لرؤية الله تعالى برؤية القمر والشمس بجامع أن كلا منهما في جهة، فهو تحريف ظاهر مكشوف للحديث النبوي بإجماع جميع شراح هذا الحديث الشريف من جميع المذاهب الإسلامية، فقد أجمعوا على أن التشبيه واقع بين الرؤية والرؤية في الجلاء والوضوح، وليس بين المرئي والمرئي في التحيز والجهة كما يدعي ابن تيمية.
ـ فقد قال الحافظ ابن رجب في شرح البخاري: وقوله: «كما ترون هذا القمر» شبَّه الرؤية بالرؤية، لا المرئي بالمرئي سبحانه وتعالى، وإنما شبه الرؤية برؤية البدر لمعنيين:
ـ أحدهما: أن رؤية القمر ليلة البدر لا يشك فيه ولا يمترى.
ـ والثاني: يستوي فيه جميع الناس من غير مشقة. (فتح الباري ج4/ص320)
ـ وقال الإمام ابن قتيبة المنزه الذي يحاول المجسمة تحريف عقيدته، قال في مختلف الحديث: «فيراه المؤمنون كما يرون القمر في ليلة البدر، ولا يختلفون فيه كما لا يختلفون في القمر، ولم يقع التشبيه بها على كل الحالات في التدوير والمسير والحدود وغير ذلك». (ص190)
ـ وقال العلامة السندي في شرح سنن ابن ماجه قَوْله ( كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَر ) أَيْ مِنْ غَيْر مُزَاحَمَة كَمَا يُفِيدهُ آخِر الْكَلَام وَإِلَّا فَهَذِهِ رُؤْيَة فِي جِهَة وَتِلْكَ رُؤْيَة لَا فِي جِهَة. اهـ
ـ ونقل الحافظ ابن حجر كلاما في فتح الباري وأقره وهو: إِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ فِي جِهَاتكُمْ كُلّهَا وَهُوَ مُتَعَالٍ عَنْ الْجِهَة وَالتَّشْبِيه بِرُؤْيَةِ الْقَمَر لِلرُّؤْيَةِ دُون تَشْبِيه الْمَرْئِيّ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ . اهـ
ـ وقال الإمام العيني في عمدة القاري: فإن قلت: الكاف في «كما ترون» للتشبيه، ولابد أن تكون مناسبة بين الرائي والمرئي؟ قلت: معنى التشبيه فيه أنكم ترونه رؤية محققة لا شك فيها ولا مشقة ولا خفاء، كما ترون القمر كذلك، فهو تشبيه للرؤية بالرؤية، لا المرئي بالمرئي. (عمدة القاري، ج5/ص64)
فثبت بجميع هذه النصوص أن ابن تيمية مخالف لجمهور أهل العلم سلفا وخلفا عقدا ونقلا، وأن كتبه ورسائله سبب كثير من الفتن بل سبب أكثرها اليوم بين المسلمين، لكن الله تعالى بفضله وكرمه جعل لعباده المهتدين علامات يهتدون بها في ظلمات الفتن.. وهم العلماء الربانيون كالإمام النووي رضي الله عنه وأمثاله، والحمد لله رب العالمين..
الحمد لله الذي فضل أهل السنة والجماعة بأتقى وأعلم وأصدق العلماء العاملين، وخص أهل الزيغ والبدعة بأكذب وأجهل المتعالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد قدوة العلماء الربانيين، وعلى آله وصحبه الصادقين الهادين المهتدين.
وبعد؛ فقد رفع الله تعالى بفضله وكرمه ذكر بعض العلماء وبسط لكتبهم القبول، وأنزلهم محل الرضا عند جميع المؤمنين المخلصين، وذلك لما عُرفوا به من العلم والحفظ للدين والصدق في نقل الأقوال العلمية والسيرة الطيبة المرضية، ومن هؤلاء بل ومن أبرزهم في كل زمان الإمام الحافظ العالم العلامة الشيخ محي السنة والدين النووي رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مستقره ومثواه، فقد حباه الله تعالى بحب كتابه وسنة رسوله، وزاده في العلم بسطة، ووفقه لإنشاء مؤلفات تزينت بها جميع المكتبات الإسلامية لطيلة قرون طويلة وانتفع الناس بجميع مستوايتهم بها طلبة ومشايخ وعلماء، وذلك لما تواتر من صدقه وعلمه وإخلاصه لربه وحبه لنبيه صلى الله عليه وسلم، فكان كلامه محل قبول بين الخاص والعالم، لا يتهم في دينه ولا في صدق لهجته، ولا يتوقف أحد في أمانته وشرفه.
وبالمقابل، فقد خص الله تعالى بحكمته البالغة بعض المشايخ بالزيغ والخذلان، فكلما تكلموا كانوا محل اتهام، وكلما نقلوا اتفاقا أو إجماعا صاحبهم الكذب والخذلان، فكانوا سبب إنشاء فتن كبيرة بين المسلمين، وضلال كثير من العوام والغفل عن سنن الهدى وعن الصراط المستقيم، فإنهم أحدثوا مقالات في أصول الدين وفروعه غير مرضية، ونسبوها زورا وبهتانا إلى جماهير علماء الأمة الإسلامية، وقد كان من هؤلاء للأسف ـ قبل توبته إن صحت ـ الشيخ ابن تيمية.
وقد تصدى له في عصره الفضلاء والحكام، وبينوا انحرافه وسوء اعتقاده وخروجه عن سبيل الرشاد وعن الإجماع الحقيقي للعلماء المسليمن، غير أن مقالاته الردية بقيت فتنة وابتلاء لمن يأتي بعده من الذين يدعون أنهم من أهل العلم والدين، وفعلا قد انتشرت بعد قرون طويلة من موته فشقت صفوف المسلمين، وأحيت بدعا وشرورا قد أخمدت نارها قبل مئات السنين، وتخرج من فكرها التكفيريون والمبدعون والمفسقون، الذين فاقوا الخوارج بأشواط في إحداث الفرقة وإلحاق الضرر بالمسلمين.
ولكي لا أستطرد كثيرا عن مقصد هذا المقال، فسأبين شدة التناقض الكبير بين الإجماع الحقيقي الذي نقله شيخ الإسلام الحافظ النووي في مسألة مهمة جدا في أصول الدين وهي رؤية الله عز وجل، وبيان الإجماع والاتفاق الخرافي الزائف المناقض لأول كليا والذي ادعاه ابن تيمية فيما يتعلق برؤية الله تعالى جريا على مذهبه التجسيمي، بل ادعى لشدة خروجه عن المعقول أن ما قاله هو من بدائه العقول، وهذه الدعوى لا يصدقها إلا مجنون مهبول.
قال ابن تيمية متحدثا عن رؤية الله جل جلاله وتعالى شأنه عن وصف المشبهين: د
إذا ثبتت رؤيته فمعلوم في بدائه العقول أن المرئي القائم بنفسه لا يكون إلا بجهة من الرائي وهذه الرؤية التي أخبر بها النبي ﷺ حيث قال : «ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر».
فأخبر أن رؤيته كرؤية الشمس والقمر وهما أعظم المرئيات ظهورًا في الدنيا، وإنما يراهم الناس فوقهم بجهة منهم بل من المعلوم أن رؤية مالا يكون داخل العالم ولا خارجه ممتنع في بدائه العقول، وهذا مما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم من السلف والأئمة وأهل الحديث والفقه والتصوف وجماهير أهل الكلام المثبتة والنافية والفلاسفة. .بيان تلبيس الجهمية ج2/ص432
قال الحافظ النووي: اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا، وأجمعوا أيضا على وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين.
ثم قال الحافظ رضي الله عنه: مذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه، ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك، لكن جرت العادة في رؤية بعضنا بعضا بوجود ذلك على جهة الاتفاق، لا على سبيل الاشتراط، وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بدلائله الجلية، ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة، تعالى عن ذلك، بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة. (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ج3/ص16)
فأيهما سيصدق المسلم الواعي عند قراءة هذين الحكمين المتناقضين كليا؟؟
هل سيصدق ابن تيمية الذي جرحه مجتهدو عصره وعرف في زمانه وبعده بالتشكيك في القواعد الثابتة والخروج عن الإجماعات المتحققة والسفسطة والتلاعب والروغان في الكلام، أم سيصدق الإمام الحافظ الطاهر الصادق النقي الذي لم يجرحه عالم ولا شهد عليه مخالف بسوء، صاحب الكتاب الذي قلما تجد بيتا مسلما لا يحويه ولم ينتفع بما فيه، وصاحب شرح صحيح مسلم الذي لا يوجد له نظير.. وغير ذلك من حسناته رضي الله عنه؟؟؟
إن الجواب واضح وضوح الشمس، لا سيما أنا إذا استقرينا أقوال عظماء هذه الملة الإسلامية الذين حفظ الله تعالى بهم كتابه وسنة نبيه وجدناهم في توافق تام مع الحافظ النووي رضي الله تعالى عنه وأرضاه:
ـ فهاهو إمام القراء وحجتهم أبو عمرو الداني يصرح ويقول بكل ثقة وعلم وشجاعة مبينا العقيدة الصحيحة في الرسالة الوافية: ورؤيته تعالى بغير حدٍّ، ولا نهايَة، ولا مقابلَة، ولا محاذاة، لأنه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}. اهـ
ـ وهاهو الإمام المفسر المنقطع النظير الذي أفنى حياته في علم التفسير الإمام الواحدي يقول في الوسيط: إن الباري تعالى يُرَى ولا يدرك؛ لأن معنى الإدراك: الإحاطة بالمرئي، وإنما يجوز ذلك على من كان محدودًا وله جهات. (ج2/ص306، 307)
ـ وهاهو الإمام المفسر المعاصر للإمام الطبري والذي يدانيه فضلا وعلما أبو بكر النقاش يقول في تفسيره إشفاء الصدور في قوله تعالى: «إن الله عز وجل يُرَى بالأعين، بلا حدّ، ولا نهاية، ولا مقابَلة، ولا محاذاة؛ لأنه ليس كالأشياء فيرى كما تُرَى الأشياء». (مخطوط، ق34/ب)
ـ وهاهو الإمام الحافظ المحدث أبو بكر الإسماعيلي (ت371هـ) يقول في كتاب اعتقاد أهل السنة عن المؤمنين أنهم يرون الله عز وجل من غير اعتقاد التجسيم في الله تعالى ولا التحديد له، ولكن يرونه جلّ وعزّ بأعينهم على ما يشاء بلا كيف». (ص43. تحقيق جمال عزون. نشر دار ابن حزم 1999م)
فعن أي عقول يتكلم ابن تيمية وعن أي بدائه؟؟ ومن هم العقلاء والسلف والمحدثين والفقهاء والصوفية ينقل إجماعهم؟؟؟ سبحانك هذا بهتان عظيم وإفك مبين.
وأما تشبيه ابن تيمية لرؤية الله تعالى برؤية القمر والشمس بجامع أن كلا منهما في جهة، فهو تحريف ظاهر مكشوف للحديث النبوي بإجماع جميع شراح هذا الحديث الشريف من جميع المذاهب الإسلامية، فقد أجمعوا على أن التشبيه واقع بين الرؤية والرؤية في الجلاء والوضوح، وليس بين المرئي والمرئي في التحيز والجهة كما يدعي ابن تيمية.
ـ فقد قال الحافظ ابن رجب في شرح البخاري: وقوله: «كما ترون هذا القمر» شبَّه الرؤية بالرؤية، لا المرئي بالمرئي سبحانه وتعالى، وإنما شبه الرؤية برؤية البدر لمعنيين:
ـ أحدهما: أن رؤية القمر ليلة البدر لا يشك فيه ولا يمترى.
ـ والثاني: يستوي فيه جميع الناس من غير مشقة. (فتح الباري ج4/ص320)
ـ وقال الإمام ابن قتيبة المنزه الذي يحاول المجسمة تحريف عقيدته، قال في مختلف الحديث: «فيراه المؤمنون كما يرون القمر في ليلة البدر، ولا يختلفون فيه كما لا يختلفون في القمر، ولم يقع التشبيه بها على كل الحالات في التدوير والمسير والحدود وغير ذلك». (ص190)
ـ وقال العلامة السندي في شرح سنن ابن ماجه قَوْله ( كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَر ) أَيْ مِنْ غَيْر مُزَاحَمَة كَمَا يُفِيدهُ آخِر الْكَلَام وَإِلَّا فَهَذِهِ رُؤْيَة فِي جِهَة وَتِلْكَ رُؤْيَة لَا فِي جِهَة. اهـ
ـ ونقل الحافظ ابن حجر كلاما في فتح الباري وأقره وهو: إِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ فِي جِهَاتكُمْ كُلّهَا وَهُوَ مُتَعَالٍ عَنْ الْجِهَة وَالتَّشْبِيه بِرُؤْيَةِ الْقَمَر لِلرُّؤْيَةِ دُون تَشْبِيه الْمَرْئِيّ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ . اهـ
ـ وقال الإمام العيني في عمدة القاري: فإن قلت: الكاف في «كما ترون» للتشبيه، ولابد أن تكون مناسبة بين الرائي والمرئي؟ قلت: معنى التشبيه فيه أنكم ترونه رؤية محققة لا شك فيها ولا مشقة ولا خفاء، كما ترون القمر كذلك، فهو تشبيه للرؤية بالرؤية، لا المرئي بالمرئي. (عمدة القاري، ج5/ص64)
فثبت بجميع هذه النصوص أن ابن تيمية مخالف لجمهور أهل العلم سلفا وخلفا عقدا ونقلا، وأن كتبه ورسائله سبب كثير من الفتن بل سبب أكثرها اليوم بين المسلمين، لكن الله تعالى بفضله وكرمه جعل لعباده المهتدين علامات يهتدون بها في ظلمات الفتن.. وهم العلماء الربانيون كالإمام النووي رضي الله عنه وأمثاله، والحمد لله رب العالمين..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق