من كتاب دفع شبه من شبه وتمرد للإمام الحصني في ذم على ابن تيمية
يقول الفقيه الشيخ تقي الدين الحصني الشافعي رحمه الله في كتابه دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى الإمام المبجل أحمد بن حنبل:
(مختصرًا)
…أنَّ أهل التشبيه والتَّجسيم والمزدرين بسيّد الأوَّلين والآخرين تبعًا لسلالة القردة والخنازير لهم وجود وفيهم كثرة وقد أخذوا بعقول كثير من الناس لما يزينون لهم من الإطراء على قدوتهم ويزخرفونَ لهم بالأموال والأفعال ويموّهون لهم بإظهار التنسّك والإقبال على كثرةِ الصلاةِ والصومِ والحجّ والتّلاوة وغير ذلك مما يحسن في قلوب كثير من الرّجال لا سيّما العوام المائلينَ مع كلّ ريح أتباع الدّجال فانقادوا لهم بسبب ذلكَ وأوقعوهم في أسر المهالك فرأيت بسبب هذه المكايد والخزعبلات أن أتعرض لسوء عقيدتهم قمعًا لهذا الزائغ عن طريق أهل الحق. وقد بالغ جمع من الأخيار من المتعبدين وغيرهم من العلماء كأهل مكَّة وغيرها أن أذكر ما وقعَ لهذا الرجل من الحيدةِ عن طريق هذه الأئمَّة ولو كان أحرفًا يسيرة إمَّا بالتَّصريح أو بالتلويح مشيرة فاستخرت الله عزَّ وجلَّ في ذلكَ مدَّة مديدة ثمَّ قلت لا أبا لك وتأملت ما حصلَ وحدث بسببه من الاغواء والمهالك فلم يسعني عند ذلكَ أنْ أكتمَ ما علمتُ: وإلاَّ أُلجِمت بلجام من نار ومقت وها أنا أذكر الرجل وأشير باسمه الذي شاع وذاع: واتسع به الباع وسار بل طار في أهل القرى والأمصار وأذكر بعض ما انطوى باطنه الخبيث عليه وما عول في الإفساد بالتصريح أو الإشارة إليه ولو ذكرت كثيرًا مما ذكره ودونه في كتبه المختصرات. لطال جدًا فضلاً عن المبسوطات وله مصنَّفات أخر لا يمكن أن يطلع عليها إلاَّ منْ تحقَّق أنَّهُ على عقيدته الخبيثة ولو عصر هو وأتباعه بالعاصرات: لما فيها من الزيغ والقبائح النحسات: قال بعض العلماء من الحنابلة في الجامع الأمويّ في ملأ منَ الناس لو اطلع الحصنى على ما اطلعنا عليه من كلامه لأخرجه من قبره وأحرقه وأكد هؤلاء أن أتعرض لبعض ما وقفت عليه وما أفتى به مخالفا لجميع المذاهب وما خطىء فيه وما انتقد عليه وأذكر بعض ما اتفق له من المجالس والمناظرات، فأول شىء سلكه من المكر والخديعة أن انتمى إلى مذهب الإمام أحمد وشرع يطلب العلم.
ولم يزل ينتقل من سجن إلى سجن حتى أهلكه الله عز وجل في سجن الزندقة والكفر ومن قواعده المقررة عنده وجرى عليها أتباعه التوقي بكل ممكن حقاً كان أو باطلاً ولو بالأيمان الفاجرة سواء كانت بالله عز وجل أو بغيره وأما الحلف بالطلاق فإنه لا يوقعه البتة ولا يعتبره سواء كان بالتصريح أو الكناية أو التعليق أو التنجيز وإشاعته هو وأتباعه أن الطلاق الثلاث واحدة خزعبلات ومكر وإلا فهو لا يوقع طلاقًا على حالف به ولو أتى به في اليوم مائة مرة على أي وجه.
ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ولهذا لم يزل فيهم التعازير والضرب بالسياط والحبوس وقطع الأعناق مع تكتمهم ما يعتقدونه والمبالغة في التكتُّم حتى انهم لا ينطقون بشىء من عقائدهم الخبيثة إلا في الأماكن الخفيَّة بعد التحرز وغلق الأبواب والنطق بما هم عليه بالمخافتة.
واعلم أني لو أردتُ أنْ أذكرَ ما هم عليه من التلبيسات والخديعة والمكر لكان لي في ذلك مزيد وكثرة وفيما ذكرته أنموذج ينبه بعضه على غيره لا سيما لمن له أدنى فراسة وحسن نظر بموارد الشرع ومصادره.
فاعلم أني نظرت في كلام هذا الخبيث الذي في قلبه مرض الزيغ: المتتبع ما تشابه في الكتاب والسنة ابتغاء الفتنة وتبعه على ذلك خلْق من العوام وغيرهم ممن أراد الله عز وجل إهلاكه فوجدت فيه ما لا أقدر على النطق به ولا لي أنامل تطاوعني على رسمه وتسطيره لما فيه من تكذيب ربّ العالمين في تنزيهه لنفسه في كتابه المبين وكذا الازدراء بأصفيائه المنتخبين وخلفائهم الراشدين وأتباعهم الموفقين فعدلت عن ذلك إلى ذكر ما ذكره الأئمة المتقون وما اتفقوا عليه من تبديعه واخراجه ببعضه من الدين فمنه ما دون في المصنفات ومنه ما جاءت به المراسيم العليات وأجمع عليه علماء عصره ممن يرجع إليهم في الأمور الملمات والقضايا المهمات وتضمنه الفتاوي الزكيات.
وقد رسمنا بأن ينادى في دمشق المحروسة والبلاد الشامية. وتلك الجهات الدنيَّة والقصيَّة: بالنهي الشديد. والتخويف والتهديد. لمن اتبع ابن تيمية في هذا الأمر الذي أوضحناه. ومن تابعه تركناه في مثل مكانه وأحللناه. ووضعنا من عيون الأمة كما وضعناه. ومن أصر على الامتناع. وأبَى إلا الدفاعَ أمرنا بعزلهم من مدارسهم ومناصبهم. وأسقطناهم من مراتبهم مع إهانتهم. وأن لا يكون لهم في بلادنا حكم ولا ولاية. ولا شهادة ولا إمامة. بل ولا مرتبة ولا إقامة. فإنا أنزلنا دعوة هذا المبتدع من البلاد. وأبطلنا عقيدته الخبيثة التي أضلَّ بها كثيرًا من العبادِ أو كاد. بل كم أضلَّ بها من خلق وعاثوا بها في الأرضِ الفساد. ولتثبت المحاضر الشرعيَّة. على الحنابلة بالرجوع عن ذلك وتسير المحاضر بعد إثباتها على قضاة المالكية. وقد أعذرنا وحذرنا.
كلام ابن تيمية في الاستواء ووثوب الناس عليه
فمن ذلكَ ما أخبر به أبو الحسن علي الدمشقي في صحن الجامع الأموي عن أبيه قال كنا جلوس في مجلس ابن تيمية فذكر ووعظ وتعرض لآيات الاستواء ثم قال:" واستوى الله على عرشه كاستوائي هذا" قال فوثب الناس عليه وثبة واحدة وأنزلوه من الكرسي وبادروا إليه ضربًا باللكمِ والنعال وغير ذلك. وكان قد غره بنفسه العوام عليه وكذا الجامدين. من الفقهاء العارين عن العلوم التي بها يجتمع شمل الأدلة على الوجه المرضى وقد رأيت في فتاويه ما يتعلق بمسألة الاستواء وقد أطنب فيها وذكر أمورًا كلها تلبيسات . وهذا وغيره مما هو كثير في كلامه يتحقق به جهله وفساد تصوره وبلادته وكان بعضهم يسميه حاطب ليل وبعضهم يسميه الهدار المهدار وكان الإمام العلامة شيخ الإسلام في زمانه أبو الحسن علي بن إسماعيل القونوي يصرح بأنه من الجهلة بحيث لا يعقل ما يقول ويخبر أنه أخذ مسألة التفرقة عن شيخه الذي تلقاها عن أفراخ السامرة واليهود الذين أظهروا التشرف بالإسلام وهو من أعظم الناس عداوة للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
واتفق الحذَّاق في زمانه من جميع المذاهب على سوء فهمه وكثرة خطئه وعدم إدراكه للمآخذ الدقيقة وتصورها. فسمع القاضي بذلكَ فاجتمع بالأمراءِ وقال يجب عليه التضييق إذا لم يُقتل وإلاَّ فقد وجب قتله وثبت كفره، فنقلوه إلى الجبّ بقلعة الجبل.
قدم بريدي من الديار المصرية ومعه مرسوم شريف باعتقال ابن تيمية فاعتقل في قلعة دمشق وكان السبب في اعتقاله وحبسه أنه قال: "لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد وإن زيارة قبور الأنبياء لا تشد إليها الرَّواحل كغيرها كقبر إبراهيم الخليل وقبر النبيّ صلى الله عليه وسلم". ثمَّ إنَّ الشاميين كتبوا فتيا أيضاً في ابن تيمية لكونه أول من أحدث هذه المسألة التي لا تصدر إلا ممن في قلبه ضغينة لسيد الأولين والآخرين، فكتب عليها الإمام العلامة برهان الدين الفزاري نحو أربعين سطرًا بأشياء، وءاخر القول أنه أفتى بتكفيره، ووافقه على ذلك الشيخ شهاب الدين بن جهبل الشافعي وكتب تحت خطه كذلك المالكيّ وكذلك كتب غيرهم ووقع الاتفاق على تضليله بذلك وتبديعه وزندقته .
ورسمنا بقراءة الفتوى على القضاة والعلماء فذكروا جميعًا من غير خلف أنَّ الذي أفتى به ابن تيمية في ذلك خطأ مردود عليه وحكموا بزجره وطول سجنه ومنعه من الفتوى مطلقاً وكتبوا خطوطهم بين أيدينا على ظاهر الفتوى المجهزة بنسخة ما كتبه ابن تيمية وقد جهزنا إلى الجناب العالي طي هذه المكاتبة فيقف على حكم ما كتب به القضاة الأربعة ويتقدم اعتقال المذكور في قلعة دمشق ويمنع من الفتوى مطلقاً ويمنع الناس من الاجتماع به والتردد إليه تضييقاً عليه لجرأته على هذه الفتوى فيحيط به علمك الكريم ويكون اعتماده بحسب ما حكم به الأئمة الأربعة وأفتى به العلماء في السجن للمذكور وطول سجنه فإنه في كل وقت يحدث للناس شيئاً منكرًا وزندقة يشغل خواطر الناس بها ويفسد على العوام عقولهم الضعيفة وعقلياتهم وعقائدهم فيمنع ما ذلك وتسد الذريعة منه فليكن عمله على هذا الحكم ويتقدم أمره به وإذا اعتمد الجناب الرفيع العالي هذا الاعتماد الذي رسمنا به في أمر ابن تيمية فيتقدم منع من سلك مسالكه أو يفتي بهذه الفتاوى أو يعمل بها في أمر الطلاق أو هذه القضايا المستحدثة وإذا اطلع على أحد عمل بذلك أو أفتي به فيعتبر حاله فإن كان من مشايخ العلماء فييعزر تعزير مثله وإن كان من الشبان الذين يقصدون الظهور كما يقصده ابن تيمية فيؤدّ بهم ويردعهم ردعًا بليغًا.
واتفقوا على تبديعه وتضليله وزيغه وأهانوه ووضعوه في السجن. وذكر الشيخ الإمام العلامة شمس الدين الذهبي بعض محنته وان بعضها كان في سنة خمس وسبعمائة وكان سؤالهم عن عقيدته وعما ذكر في الواسطة وطلب وصورت عليه دعوى المالكي فسجن هو وأخواه بضعة عشر شهرًا ثم أخرج ثم حبس في حبس الحاكم وكان مما ادعى عليه بمصر أن قال {الرحمن على العرش استوى} حقيقة وأنه تكلم بحرف وصوت ثم نوديَ بدمشقَ وغيرها من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه . وذكر أبو حيان النحوي الأندلسي في تفسيره المسمى بالنهر في قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} ما صورته: وقد قرأت في كتاب لأحمد بن تيمية هذا الذي عاصرناه هو بخطه سماه كتاب العرش : إنَّ اللهَ يجلس على الكرسيّ وقد أخلى مكاناً يقعد معه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحيل عليه التاج محمد بن علي بن عبد الحق وكان من تحيّله عليه أنه أظهرَ أنه داعية له حتى أخذ منه الكتاب وقرأنا ذلك فيه. ورأيت في بعض فتاويه أنَّ الكرسيَّ موضع القدمين. وذلك من أقوى الأدلة على أنه من أعظم الزائغين ومن له أدنى بصيرة لا يتوقف فيما قلته.
مبحث الرد عليه في القول بقدم العالَم
ومما انتقد عليه: وهو من أقبح القبائح ما ذكره في مصنفه المسمى بحوادث لا أول لها وهذه التسمية من أقوى الأدلة على جهله .
ومما انتقد عليه: تكذيبه النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن نبوته. وتكلَّم بكلام لبس فيه على العوام وغيرهم من سيّئي الأفهام يقصد بذلكَ الازدراء برسول الله صلى الله عليه وسلم والحطّ من قَدْرِهِ ورُتبتِهِ.
وهذا الخبيث حريص على حط رتبته والغض منه تارة يقع ذلك منه قريبًا من التصريحِ وتارة بالإشارةِ القريبة وتارة بالإشارات البعيدةِ التي لا يدركها إلاَّ أهلها. فمن الفجور نسبته نفسه إلى الإمام أحمد والإمام أحمد وأتباعه براء منه ومما هم عليه وهو لا يلتف إليهِ إلاَّ إذا كان له في ذكره غرض أمَّا إذا لم يكن فلا يلوي على قوله ويسفهه حتى فيما ينقله ويكفره فيما يعتقده إذا كان على خلاف هواه. ومن مواضع تسفيهه الإمام أحمد مسألة الطلاق فإنَّ الإمام أحمد قال الذي أخبرنا بأنَّ الطلاق واحدة أخبرنا بأنَّ الطلاق ثلاث وعلى ذلك جرى الأئمةُّ من جميعِ المذاهب.
وذكر الإمام أبو زكريا يحيى النووي في شرح مسلم ذلك فقال قال القاضي عياض: أجمعوا على أنَّ موضع قبره أفضل بقاع الأرض وأقره على ذلك: فسكوت الخبيث عن مثل ذلك دليل على خبثٍ في باطنه في حقّ سيّد الأوَّلينَ والآخرين صلى الله عليه وسلم.
ومن الأمور الخبيثة التي وقفتُ عليها في فتاويهِ ما فيهِ أنَّ بعض المكاسين مثاب في وظيفة المكس بل أبلغ من ذلك. وأقبض عنان الكلام فيه لما أخشى مما يترتب على التصريح من أهل المكْسِ وتجرئهم عليه . فهم خلف إمامهم في المكر والخديعة والكذب وقد خاب من افترى . ومن الأمور المنتقدة عليه: وهو من أقبح القبائح وشر الأقوال وأخبثها مسألة التفرقة التي أحدثها غلاة المنافقين من اليهود وعصوا أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم واستمر عليها أتباعهم الذين يظهرون الإسلام وقلوبهم منطوية على بغض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقدروا أن يتوصلوا إلى الغض منه إلاَّ بذلك.
ابن تيمية الذي كان يوصف بأنه بحر في العلم لا يستغرب فيه ما قاله بعض الأئمة عنه من أنه زنديق مطلق وسبب قوله ذلك أنه تتبع كلامه فلم يقف له على اعتقاد حتى إنه في مواضع عديدة يكفر فرقة ويضللها وفي ءاخر يعتقد ما قالته أو بعضه مع أن كتبه مشحونة بالتشبيه والتجسيم والإشارة إلى الازدراء بالنبي صلى الله عليه وسلم والشيخين وتكفير عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأنه من الملحدين وجعل عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما من المجرمين وأنه ضال مبتدع ذكر ذلك في كتاب له سماه "الصراط المستقيم والرد على أهل الجحيم" وقد وقفت في كلامه على المواضع الذي كفر فيها الأئمةَ الأربعة وكان بعض أتباعه يقول انه أخرج زيف الأئمة الأربعة يريد بذلك إضلال هذه الأمة لأنها تابعة لهذه الأئمة في جميع الأقطار والأمصار وليس وراء ذلك زندقة . وهو مبتدع جاهل قامت البينة عليه بأشياء من هذا القبيل وعزر على ذلك التعزير البالغ بالضرب المبرح والحبس وغير ذلك في شهور سنة خمس وعشرين وسبعمائة بالقاهرة.
زيغ ابن تيمية وحزبه في جواب الفتوى التي زعم أنها سئل عنها
إذا تأملت ما قاله في هذا الجواب اقشعر جلدك وقضيت العجب مما فيه من الخبائث والفجور وادعاء اتفاق المسلمين وما فيه من الرمز إلى تكفير الأنبياء وتضليلهم والتلبيس على الأغبياء بقصة عمر رضي الله عنه وليت شعري من أي الدلالات أن من توجه إلى قبر سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم وتوسل به في حاجة الاستسقاء أو غيرها يصير بذلك ظالماً ضالاً مشركًا كافرًا. هذا شىء تقشعر منه الأبدان ولم نسمع أحدًا فاه بل ولا رمز إليه في زمن من الأزمان. ولا بلد من البلدان. قبل زنديق حران. قاتله الله عز وجل وقد فعل: جعل الزنديق الجاهل الجامد قصة عمر رضي الله عمه دعامة للتوصل بها إلى خبث طويته في الازدراء بسيد الأولين والآخرين وأكرم السابقين واللاحقين وحط رتبته في حياته وان جاهه وحرمته ورسالته وغير ذلك زال بموته وذلك منه كفر بيقين وزندقة محققة فإنه عليه الصلاة والسلام حرمته وقدره ومنزلته عند ربه ما زالت ولم تزل وهو سيد ولد ءادم وأكرمهم على الله عز وجل على الدوام ومن تأمل القرءان العظيم وجده مشحوناً بذلك وقد ذكرت جملة من ذلك في مولده عليه الصلاة والسلام وأشير هنا إلى نبذة يسيرة من ذلك ليتحقق السامع هنا أنَّ خبث هذا الزنديق وما انطوى عليه باطنه من الخبث بإبداله هذه الأنواع من التعظيم بالازدراء وما فاه به من الفجور والافتراء.
قلت وبلغني أنه لما دفنَ ابن تيمية قال شخص بعد ثلاثة أيام قد اضطرب القول في هذا الرجل والله لأنظرن ما صنع الله به، قال فحفر قبره فوجد على صدره ثعباناً عظيماً هاله منظره فكان الرجل يحذّر الناسَ من اعتقادهم ويُعلِمهم بما رأى.
مع أنَّ الكتب المشهورة بل والمهجورة وعمل الناس في سائر الأعصار على الحث على زيارته من جميع الأقطار، فزيارته من أفضل المساعي وأنجح القرب إلى رب العالمين وهي سنة من سنن المرسلين ومجمع عليها عند الموحدين ولا يطعن فيها إلا من في قلبه مرض المنافقين ومن هو من أفراخ اليهود وأعداء الدين من المشركين الذين أسرفوا في ذم سيّد الأولين والآخرين. ولم تزل هذه الأمة المحمدية على شدّ الرحال إليه على ممر الأزمان من جميع الأقطار والبلدان سار في ذلك الزرافات والوحدان والعلماء والمشايخ والكهول والشبان حتى ظهر في ءاخر الزمان مبتدع من زنادقة حران لبس على أشباه الرجال ومن شابههم من سَيّىءِ الأذهان وزخرف لهم من القول كما صنع إمامه الشيطان فصدهم بتمويهه عن سبيل أهل الإيمان وأغواهم عن الصراط المستقيم إلى ثنيات الطريق ومدرجة النيران فهم برزيته في ظلمة الخطأ يعمهون وعلى منوال بدعته يهرعون وسأذكر لك ما تحقق به فجوره وبدعته وتضليل من مشى خلفه وهلكته وأبين ما أظهره من القول الباطل وما رمز إليه وأوضحه لكل من سمعه ووقف عليه ثم أردف ذلك بما يدل على المنهج من ذلك فلا يزيغ عنه بعد ذلك إلا هالك.
وذكر العلامة الإمام هبة الله في كتاب توثيق عرى الإيمان: فهذا نقل الإجماع على خلاف ما نقله هذا الزائغ الفاجر المبالغ في فجوره وعزوه إلى السلف.
وتعرضت لما فيه من الخلل وسوء الفهم وفجوره في النقل والعزو، وها أنذا أذكر هنا بعض الجواب وأبين ما فيه من الخطأ وعدم صحة الاحتجاج بما احتج به كحديث:" لا تشد الرحال" ولا أدقق في الجواب لأن قصدي بيان جهله وأنه لا حجةَ له في الحديث جرياً على القواعد التي عليها مدار الاستدلال صحة وبطلاناً وأذكر ما ذكره في أحاديث الزيارة وما ادعاه فيها من الفجور وما رمز إليه في تكفير الأئمة الذين رووها وأنه قال قولاً مفتى لم يسبقه إليه أحد ولا رمز ولا أشار إليه.
وهو شديد الاعتناء بهذا القصد الخبيث في الكلام على ءايات الصفات وأحاديثها فليحذر الواقف على كلامه في ءايات المتشابه وأحاديثه غاية الحذر، فإن الخطأ فيها كفر بخلاف غيرها من مسائل الفروع.
وهذا مما يعرفك أن ابن تيمية يكذب في الإجماع ومن تتبع ذلك وجده صحيحاً وينقل في بعض الأحيان شيئاً وهو كذب محقق وإذا نقل كلام الغير لم ينقله على وجهه وإن نقله على وجهه دسَّ فيه ما ليس من كلام ذلك المنقول فاعلم ذلك وتنبه واحذر تقليده تهلك كما هلك.[هل الذي يبلغ في الخيانة في النقل إلى هذه الدرجة يعد من متوسّطي المؤمنين فضلاً عن أفاضل العلماء فضلاً عن الأئمة المجتهدين وأنت تعلم أنَّ العالِم لا يكون عالِمًا ويثق الناس بؤلفاته إلاَّ إذا كان أميناً أمانة لا يتطرق إليها الشك أصلاً لأنه يتكلم في دين الله وأنا لا أدري من هذا حاله كيف مدحه بعض الناس لا سيما إذا لوحظَ ما تقدم من تكفيره بإجماع علماء المذاهب الأربعة وقد أجاد وأفاد من قال أن ذلك المدح صدر ممن مدح في أوائل أمر هذا الرجل فإنه كان يتظاهر بما يمدح به ولكن لما تبيَّن حاله لم يمدحه إلا من يوافقه على مشربه لا بل هذا ذمه كل الذم ونصحه وقول المؤلف المنقول أي عنه]. وبهذا وغيره يعرف أن دعوى أن الحديث يدل على منع الزيارة من كلام الجهلة العارين عن العلوم التي بها يصح الاستدلال والاستنباط وعلى سوء الفهم وبلادة الذهن وجموده وأن مثل هذا لا يحل لأحد تقليده ولا الأخذ بقوله لتحقق جهله ببعض ما قررنا. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور. ومثل هذا لا يزال يتخبط في ظلمة جهله هو وأتباعه. وما رأيت أجرأ منه على الفجور ولا أكذب في دعوى الاتفاق والإجماع، وقصده بذلك الترويج على الاغمار ولا عليه من غضب الجبار.
وفيها تحقق أن ابن تيمية من أعظم الكذبة والفجار. وقد انكشف لك ذلك كما انشكف ضوء النهار. الإجماع على طلب الزيارة بعُدت المسافة أو قصُرت وعمل الناس في ذلك في جميع الأعصار من جميع الأقطار فكيف يحل لأحد أن يبدعهم بالقول الزور ويضلل أئمة أمة المختار بل من المصائب العظيمة أن يوقع وفد الله تعالى في جريمة عظيمة وهي عصيانهم بشد رحالهم لزيارة قبره عقب ما رجوه من المغفرة وبتركهم الصلاة التي هي أحد أركان الدين لأنهم إذا لم يجز لهم القصر وقصروا فقد تركوا الصلاة عامدينَ ومن تركها متعمداً قتل إما كفرًا وإما حداً ولا يصدر هذا إلا ممن هو شديد العداوة لوفد الله تعالى ولحبيبهم الذين يرتجون بزيارتهم له استحقاق الشفاعة التي بها نجاتهم.
انظر أدامَ الله لك الهداية وحماك من الغواية إلى فجور هذا الخبيث كيف جعلَ الأحاديث المرويَّة في زيارة قبر خير البرية كلها ضعيفة ثم أردف ذلك بقوله باتفاق أهل العلم بالحديث ولم يجعل الأئمة الذين أذكرهم من أهل الحديث والعجب أنه روى عنهم في مواضع عديدة من كتبه وهذا من جهله وبلادة ذهنه وعماوة قلبه من أنه لا يعلم تناقض كلامه ونقضه بذلك ثم إنه لم تخمد نار خبثه بما ذكره من الفجور حتى أردف ذلك بأن الأحاديث المروية في زيارة القبر المكرم موضوعة يعني أنها كذب وهذا شىء لم ير أحد من علماء المسلمين ولا من عوامهم فاه به ولا رمز إليه لا من في عصره ولا من قبله قاتله الله تعالى ولقد أسفرت هذه القضية عن زندقته بتجرئه على الافك على العلماء وعلى أنه لا يعتقد حرمة الكذب والفجور ولا يبالي بما يقول، وإن كان فيه عظائم الأمور. وإذا عرفت هذا فينبغي أيها المؤمن الخالي من البدعة والهوى أن لا تقلده فيما ينقله ولا فيما يقوله بل تفحص عن ذلك وتسأل غير أتباعه ممن له رتبة في العلوم وإلا هلكت كما هلك هو وأتباعه.
فكيف يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجعله ضعيفاً فضلاً عن أن يجعله كذباً وأقل درجات الثقة الخائف أن يقول صححه فلان وأما القول بوضعه وبتكذيب هذا الإمام وأمثاله فلا يصدر إلا من زِنديق محقق الزندقة بهذه القرينة وغيرها عائذاً بالله عز وجل من ذلك. وإذا تقرر لك ذلك فانظر أرشدكَ الله تعالى وعافاك هذا الخبيث الطوية كيف طعن في هذه الأئمة الأعلام في علوم الحديث الذي بهم يقتدى وعليهم يعول وعند ذكرهم تتنزل الرحمة ورماهم بالوضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن في هذه الأخبار المروية عن هذه الأئمة. وهذا شأنه قاتله الله تعالى كلما جاء إلى شىء لا غرض له فيه طعن فيه وإن كان مشهورًا ومعمولاً بين الأئمة ولا عليه لا من الله عز وجل ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا وغيره يدل على أن عنده ضغينة للنبي صلى الله عليه وسلم ولصاحبيه وكذا لأمته ليفوت عليهم هذا الخير الذي رتبه على زيارة قبره عليه أفضل الصلاة والسلام فاحذروه واحذروا تزويق مقالته المطوي تحتها أخبث الخبائث فإنها لا تجوز إلا على عامى أو بليد الذهن كالحمار يحمل أسفاراً. تأمل بصَّرك الله تعالى وفهمك كيف بعد تضليل هذه الأئمة وفجوره بادعاء أن هذه الأحاديث المتعلقة بالزيارة كذب كيف أردف ذلك بهذا الحديث محتجاً به على منع زيارة القبر الشريف وفيه من أقوى الأدلة على تدليسه وسوء فهمه إذ الحديث ليس فيه تعرض للزيارة البتة وإنما فيه منع اتخاذ القبور مساجد ونحن لم نتخذ قبره المكرم المعظم مسجداً ولا نصلي فيه ولا إليه بل نزوره وندعو مع الأدب والخشوع والسكينة ورؤية العظمة لعلمنا بأنه يسمعنا ويجيبنا وعلى ذلك جرت عادة المؤمنين قال بعضهم رأيت أنس بن مالك رضي لله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه قد افتتح الصلاة فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف.
ولما كان يوم الأربعاء أحضر ابن قيم الجوزية مجلس شمس الدين المالكي وأرادوا ضرب عنقه فما كان جوابه إلا أن قال إنَّ القاضي الحنبلي حكم بحقن دمي وبإسلامي وقبول توبتي فأعيد إلى الحبس إلى أن أحضر الحنبلي فأخبر بما قاله فأحضر وعزر وضرب بالدرة وأركب حماراً وطيف به في البلد والصالحية وردوه إلى الحبس ولم يزل هذا في أتباعه، وحضر شخص إلى دمشق يقال له أحمد الظاهري وكان قد حفظ ءايات المتشابه وأحاديثه فكان يسردها على العوام وءاحاد الناس من الفقهاء فعظمه أتباع ابن تيمية وأكرموه. ثم إنه توجه إلى القاهرة فشرع يسرد الآيات والأحاديث فعلم به الإمام العلامة الشيخ سراج الدين البلقيني فطلبه وأعلم به برقوق فأخذوه وقيدوه وكانوا يضربونه بالسياط أول النهار ثم يستعملونه في العمارة فإذا كان ءاخر النهار أعادوا عليه الضرب ثم بلغني أن ءاخر الأمر أن ضربوا عنقه وكان الشيخ زين الدين ابن رجب الحنبليّ ممن يعتقد كفر ابن تيمية وله عليه الرد وكان يقول بأعلى صوته في بعض المجالس معذور السبكي يعني في تكفيره والحاصل أنه وأتباعه من الغلاة في التشبيه والتجسيم والازدراء بالنبي صلى الله عليه وسلم وبغض الشيخين وبإنكار الأبدال الذين هم خلفوا الأنبياء ولهم دواهي أخر لو نطقوا بها لأحرقهم الناس في لحظة واحدة فنسأل الله تعالى العافية ودوامها إنه على ما يشاء قدير. وبالإجابة جدير:( وجرسوا) ابن القيم وابن كثير وطيف بهما في البلد وعلى باب الجوزية لفتواهم في مسألة الطلاق.
لا يحل أن يقلده ولا يأخذ عنه ولا ينظر في كلامه ولا يسمعه إلا من يكون له رتبة التمييز بين الحق والباطل وإلاَّ هلكَ وهو لا يشعر".
يقول الفقيه الشيخ تقي الدين الحصني الشافعي رحمه الله في كتابه دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى الإمام المبجل أحمد بن حنبل:
(مختصرًا)
…أنَّ أهل التشبيه والتَّجسيم والمزدرين بسيّد الأوَّلين والآخرين تبعًا لسلالة القردة والخنازير لهم وجود وفيهم كثرة وقد أخذوا بعقول كثير من الناس لما يزينون لهم من الإطراء على قدوتهم ويزخرفونَ لهم بالأموال والأفعال ويموّهون لهم بإظهار التنسّك والإقبال على كثرةِ الصلاةِ والصومِ والحجّ والتّلاوة وغير ذلك مما يحسن في قلوب كثير من الرّجال لا سيّما العوام المائلينَ مع كلّ ريح أتباع الدّجال فانقادوا لهم بسبب ذلكَ وأوقعوهم في أسر المهالك فرأيت بسبب هذه المكايد والخزعبلات أن أتعرض لسوء عقيدتهم قمعًا لهذا الزائغ عن طريق أهل الحق. وقد بالغ جمع من الأخيار من المتعبدين وغيرهم من العلماء كأهل مكَّة وغيرها أن أذكر ما وقعَ لهذا الرجل من الحيدةِ عن طريق هذه الأئمَّة ولو كان أحرفًا يسيرة إمَّا بالتَّصريح أو بالتلويح مشيرة فاستخرت الله عزَّ وجلَّ في ذلكَ مدَّة مديدة ثمَّ قلت لا أبا لك وتأملت ما حصلَ وحدث بسببه من الاغواء والمهالك فلم يسعني عند ذلكَ أنْ أكتمَ ما علمتُ: وإلاَّ أُلجِمت بلجام من نار ومقت وها أنا أذكر الرجل وأشير باسمه الذي شاع وذاع: واتسع به الباع وسار بل طار في أهل القرى والأمصار وأذكر بعض ما انطوى باطنه الخبيث عليه وما عول في الإفساد بالتصريح أو الإشارة إليه ولو ذكرت كثيرًا مما ذكره ودونه في كتبه المختصرات. لطال جدًا فضلاً عن المبسوطات وله مصنَّفات أخر لا يمكن أن يطلع عليها إلاَّ منْ تحقَّق أنَّهُ على عقيدته الخبيثة ولو عصر هو وأتباعه بالعاصرات: لما فيها من الزيغ والقبائح النحسات: قال بعض العلماء من الحنابلة في الجامع الأمويّ في ملأ منَ الناس لو اطلع الحصنى على ما اطلعنا عليه من كلامه لأخرجه من قبره وأحرقه وأكد هؤلاء أن أتعرض لبعض ما وقفت عليه وما أفتى به مخالفا لجميع المذاهب وما خطىء فيه وما انتقد عليه وأذكر بعض ما اتفق له من المجالس والمناظرات، فأول شىء سلكه من المكر والخديعة أن انتمى إلى مذهب الإمام أحمد وشرع يطلب العلم.
ولم يزل ينتقل من سجن إلى سجن حتى أهلكه الله عز وجل في سجن الزندقة والكفر ومن قواعده المقررة عنده وجرى عليها أتباعه التوقي بكل ممكن حقاً كان أو باطلاً ولو بالأيمان الفاجرة سواء كانت بالله عز وجل أو بغيره وأما الحلف بالطلاق فإنه لا يوقعه البتة ولا يعتبره سواء كان بالتصريح أو الكناية أو التعليق أو التنجيز وإشاعته هو وأتباعه أن الطلاق الثلاث واحدة خزعبلات ومكر وإلا فهو لا يوقع طلاقًا على حالف به ولو أتى به في اليوم مائة مرة على أي وجه.
ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ولهذا لم يزل فيهم التعازير والضرب بالسياط والحبوس وقطع الأعناق مع تكتمهم ما يعتقدونه والمبالغة في التكتُّم حتى انهم لا ينطقون بشىء من عقائدهم الخبيثة إلا في الأماكن الخفيَّة بعد التحرز وغلق الأبواب والنطق بما هم عليه بالمخافتة.
واعلم أني لو أردتُ أنْ أذكرَ ما هم عليه من التلبيسات والخديعة والمكر لكان لي في ذلك مزيد وكثرة وفيما ذكرته أنموذج ينبه بعضه على غيره لا سيما لمن له أدنى فراسة وحسن نظر بموارد الشرع ومصادره.
فاعلم أني نظرت في كلام هذا الخبيث الذي في قلبه مرض الزيغ: المتتبع ما تشابه في الكتاب والسنة ابتغاء الفتنة وتبعه على ذلك خلْق من العوام وغيرهم ممن أراد الله عز وجل إهلاكه فوجدت فيه ما لا أقدر على النطق به ولا لي أنامل تطاوعني على رسمه وتسطيره لما فيه من تكذيب ربّ العالمين في تنزيهه لنفسه في كتابه المبين وكذا الازدراء بأصفيائه المنتخبين وخلفائهم الراشدين وأتباعهم الموفقين فعدلت عن ذلك إلى ذكر ما ذكره الأئمة المتقون وما اتفقوا عليه من تبديعه واخراجه ببعضه من الدين فمنه ما دون في المصنفات ومنه ما جاءت به المراسيم العليات وأجمع عليه علماء عصره ممن يرجع إليهم في الأمور الملمات والقضايا المهمات وتضمنه الفتاوي الزكيات.
وقد رسمنا بأن ينادى في دمشق المحروسة والبلاد الشامية. وتلك الجهات الدنيَّة والقصيَّة: بالنهي الشديد. والتخويف والتهديد. لمن اتبع ابن تيمية في هذا الأمر الذي أوضحناه. ومن تابعه تركناه في مثل مكانه وأحللناه. ووضعنا من عيون الأمة كما وضعناه. ومن أصر على الامتناع. وأبَى إلا الدفاعَ أمرنا بعزلهم من مدارسهم ومناصبهم. وأسقطناهم من مراتبهم مع إهانتهم. وأن لا يكون لهم في بلادنا حكم ولا ولاية. ولا شهادة ولا إمامة. بل ولا مرتبة ولا إقامة. فإنا أنزلنا دعوة هذا المبتدع من البلاد. وأبطلنا عقيدته الخبيثة التي أضلَّ بها كثيرًا من العبادِ أو كاد. بل كم أضلَّ بها من خلق وعاثوا بها في الأرضِ الفساد. ولتثبت المحاضر الشرعيَّة. على الحنابلة بالرجوع عن ذلك وتسير المحاضر بعد إثباتها على قضاة المالكية. وقد أعذرنا وحذرنا.
كلام ابن تيمية في الاستواء ووثوب الناس عليه
فمن ذلكَ ما أخبر به أبو الحسن علي الدمشقي في صحن الجامع الأموي عن أبيه قال كنا جلوس في مجلس ابن تيمية فذكر ووعظ وتعرض لآيات الاستواء ثم قال:" واستوى الله على عرشه كاستوائي هذا" قال فوثب الناس عليه وثبة واحدة وأنزلوه من الكرسي وبادروا إليه ضربًا باللكمِ والنعال وغير ذلك. وكان قد غره بنفسه العوام عليه وكذا الجامدين. من الفقهاء العارين عن العلوم التي بها يجتمع شمل الأدلة على الوجه المرضى وقد رأيت في فتاويه ما يتعلق بمسألة الاستواء وقد أطنب فيها وذكر أمورًا كلها تلبيسات . وهذا وغيره مما هو كثير في كلامه يتحقق به جهله وفساد تصوره وبلادته وكان بعضهم يسميه حاطب ليل وبعضهم يسميه الهدار المهدار وكان الإمام العلامة شيخ الإسلام في زمانه أبو الحسن علي بن إسماعيل القونوي يصرح بأنه من الجهلة بحيث لا يعقل ما يقول ويخبر أنه أخذ مسألة التفرقة عن شيخه الذي تلقاها عن أفراخ السامرة واليهود الذين أظهروا التشرف بالإسلام وهو من أعظم الناس عداوة للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
واتفق الحذَّاق في زمانه من جميع المذاهب على سوء فهمه وكثرة خطئه وعدم إدراكه للمآخذ الدقيقة وتصورها. فسمع القاضي بذلكَ فاجتمع بالأمراءِ وقال يجب عليه التضييق إذا لم يُقتل وإلاَّ فقد وجب قتله وثبت كفره، فنقلوه إلى الجبّ بقلعة الجبل.
قدم بريدي من الديار المصرية ومعه مرسوم شريف باعتقال ابن تيمية فاعتقل في قلعة دمشق وكان السبب في اعتقاله وحبسه أنه قال: "لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد وإن زيارة قبور الأنبياء لا تشد إليها الرَّواحل كغيرها كقبر إبراهيم الخليل وقبر النبيّ صلى الله عليه وسلم". ثمَّ إنَّ الشاميين كتبوا فتيا أيضاً في ابن تيمية لكونه أول من أحدث هذه المسألة التي لا تصدر إلا ممن في قلبه ضغينة لسيد الأولين والآخرين، فكتب عليها الإمام العلامة برهان الدين الفزاري نحو أربعين سطرًا بأشياء، وءاخر القول أنه أفتى بتكفيره، ووافقه على ذلك الشيخ شهاب الدين بن جهبل الشافعي وكتب تحت خطه كذلك المالكيّ وكذلك كتب غيرهم ووقع الاتفاق على تضليله بذلك وتبديعه وزندقته .
ورسمنا بقراءة الفتوى على القضاة والعلماء فذكروا جميعًا من غير خلف أنَّ الذي أفتى به ابن تيمية في ذلك خطأ مردود عليه وحكموا بزجره وطول سجنه ومنعه من الفتوى مطلقاً وكتبوا خطوطهم بين أيدينا على ظاهر الفتوى المجهزة بنسخة ما كتبه ابن تيمية وقد جهزنا إلى الجناب العالي طي هذه المكاتبة فيقف على حكم ما كتب به القضاة الأربعة ويتقدم اعتقال المذكور في قلعة دمشق ويمنع من الفتوى مطلقاً ويمنع الناس من الاجتماع به والتردد إليه تضييقاً عليه لجرأته على هذه الفتوى فيحيط به علمك الكريم ويكون اعتماده بحسب ما حكم به الأئمة الأربعة وأفتى به العلماء في السجن للمذكور وطول سجنه فإنه في كل وقت يحدث للناس شيئاً منكرًا وزندقة يشغل خواطر الناس بها ويفسد على العوام عقولهم الضعيفة وعقلياتهم وعقائدهم فيمنع ما ذلك وتسد الذريعة منه فليكن عمله على هذا الحكم ويتقدم أمره به وإذا اعتمد الجناب الرفيع العالي هذا الاعتماد الذي رسمنا به في أمر ابن تيمية فيتقدم منع من سلك مسالكه أو يفتي بهذه الفتاوى أو يعمل بها في أمر الطلاق أو هذه القضايا المستحدثة وإذا اطلع على أحد عمل بذلك أو أفتي به فيعتبر حاله فإن كان من مشايخ العلماء فييعزر تعزير مثله وإن كان من الشبان الذين يقصدون الظهور كما يقصده ابن تيمية فيؤدّ بهم ويردعهم ردعًا بليغًا.
واتفقوا على تبديعه وتضليله وزيغه وأهانوه ووضعوه في السجن. وذكر الشيخ الإمام العلامة شمس الدين الذهبي بعض محنته وان بعضها كان في سنة خمس وسبعمائة وكان سؤالهم عن عقيدته وعما ذكر في الواسطة وطلب وصورت عليه دعوى المالكي فسجن هو وأخواه بضعة عشر شهرًا ثم أخرج ثم حبس في حبس الحاكم وكان مما ادعى عليه بمصر أن قال {الرحمن على العرش استوى} حقيقة وأنه تكلم بحرف وصوت ثم نوديَ بدمشقَ وغيرها من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه . وذكر أبو حيان النحوي الأندلسي في تفسيره المسمى بالنهر في قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} ما صورته: وقد قرأت في كتاب لأحمد بن تيمية هذا الذي عاصرناه هو بخطه سماه كتاب العرش : إنَّ اللهَ يجلس على الكرسيّ وقد أخلى مكاناً يقعد معه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحيل عليه التاج محمد بن علي بن عبد الحق وكان من تحيّله عليه أنه أظهرَ أنه داعية له حتى أخذ منه الكتاب وقرأنا ذلك فيه. ورأيت في بعض فتاويه أنَّ الكرسيَّ موضع القدمين. وذلك من أقوى الأدلة على أنه من أعظم الزائغين ومن له أدنى بصيرة لا يتوقف فيما قلته.
مبحث الرد عليه في القول بقدم العالَم
ومما انتقد عليه: وهو من أقبح القبائح ما ذكره في مصنفه المسمى بحوادث لا أول لها وهذه التسمية من أقوى الأدلة على جهله .
ومما انتقد عليه: تكذيبه النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن نبوته. وتكلَّم بكلام لبس فيه على العوام وغيرهم من سيّئي الأفهام يقصد بذلكَ الازدراء برسول الله صلى الله عليه وسلم والحطّ من قَدْرِهِ ورُتبتِهِ.
وهذا الخبيث حريص على حط رتبته والغض منه تارة يقع ذلك منه قريبًا من التصريحِ وتارة بالإشارةِ القريبة وتارة بالإشارات البعيدةِ التي لا يدركها إلاَّ أهلها. فمن الفجور نسبته نفسه إلى الإمام أحمد والإمام أحمد وأتباعه براء منه ومما هم عليه وهو لا يلتف إليهِ إلاَّ إذا كان له في ذكره غرض أمَّا إذا لم يكن فلا يلوي على قوله ويسفهه حتى فيما ينقله ويكفره فيما يعتقده إذا كان على خلاف هواه. ومن مواضع تسفيهه الإمام أحمد مسألة الطلاق فإنَّ الإمام أحمد قال الذي أخبرنا بأنَّ الطلاق واحدة أخبرنا بأنَّ الطلاق ثلاث وعلى ذلك جرى الأئمةُّ من جميعِ المذاهب.
وذكر الإمام أبو زكريا يحيى النووي في شرح مسلم ذلك فقال قال القاضي عياض: أجمعوا على أنَّ موضع قبره أفضل بقاع الأرض وأقره على ذلك: فسكوت الخبيث عن مثل ذلك دليل على خبثٍ في باطنه في حقّ سيّد الأوَّلينَ والآخرين صلى الله عليه وسلم.
ومن الأمور الخبيثة التي وقفتُ عليها في فتاويهِ ما فيهِ أنَّ بعض المكاسين مثاب في وظيفة المكس بل أبلغ من ذلك. وأقبض عنان الكلام فيه لما أخشى مما يترتب على التصريح من أهل المكْسِ وتجرئهم عليه . فهم خلف إمامهم في المكر والخديعة والكذب وقد خاب من افترى . ومن الأمور المنتقدة عليه: وهو من أقبح القبائح وشر الأقوال وأخبثها مسألة التفرقة التي أحدثها غلاة المنافقين من اليهود وعصوا أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم واستمر عليها أتباعهم الذين يظهرون الإسلام وقلوبهم منطوية على بغض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقدروا أن يتوصلوا إلى الغض منه إلاَّ بذلك.
ابن تيمية الذي كان يوصف بأنه بحر في العلم لا يستغرب فيه ما قاله بعض الأئمة عنه من أنه زنديق مطلق وسبب قوله ذلك أنه تتبع كلامه فلم يقف له على اعتقاد حتى إنه في مواضع عديدة يكفر فرقة ويضللها وفي ءاخر يعتقد ما قالته أو بعضه مع أن كتبه مشحونة بالتشبيه والتجسيم والإشارة إلى الازدراء بالنبي صلى الله عليه وسلم والشيخين وتكفير عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأنه من الملحدين وجعل عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما من المجرمين وأنه ضال مبتدع ذكر ذلك في كتاب له سماه "الصراط المستقيم والرد على أهل الجحيم" وقد وقفت في كلامه على المواضع الذي كفر فيها الأئمةَ الأربعة وكان بعض أتباعه يقول انه أخرج زيف الأئمة الأربعة يريد بذلك إضلال هذه الأمة لأنها تابعة لهذه الأئمة في جميع الأقطار والأمصار وليس وراء ذلك زندقة . وهو مبتدع جاهل قامت البينة عليه بأشياء من هذا القبيل وعزر على ذلك التعزير البالغ بالضرب المبرح والحبس وغير ذلك في شهور سنة خمس وعشرين وسبعمائة بالقاهرة.
زيغ ابن تيمية وحزبه في جواب الفتوى التي زعم أنها سئل عنها
إذا تأملت ما قاله في هذا الجواب اقشعر جلدك وقضيت العجب مما فيه من الخبائث والفجور وادعاء اتفاق المسلمين وما فيه من الرمز إلى تكفير الأنبياء وتضليلهم والتلبيس على الأغبياء بقصة عمر رضي الله عنه وليت شعري من أي الدلالات أن من توجه إلى قبر سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم وتوسل به في حاجة الاستسقاء أو غيرها يصير بذلك ظالماً ضالاً مشركًا كافرًا. هذا شىء تقشعر منه الأبدان ولم نسمع أحدًا فاه بل ولا رمز إليه في زمن من الأزمان. ولا بلد من البلدان. قبل زنديق حران. قاتله الله عز وجل وقد فعل: جعل الزنديق الجاهل الجامد قصة عمر رضي الله عمه دعامة للتوصل بها إلى خبث طويته في الازدراء بسيد الأولين والآخرين وأكرم السابقين واللاحقين وحط رتبته في حياته وان جاهه وحرمته ورسالته وغير ذلك زال بموته وذلك منه كفر بيقين وزندقة محققة فإنه عليه الصلاة والسلام حرمته وقدره ومنزلته عند ربه ما زالت ولم تزل وهو سيد ولد ءادم وأكرمهم على الله عز وجل على الدوام ومن تأمل القرءان العظيم وجده مشحوناً بذلك وقد ذكرت جملة من ذلك في مولده عليه الصلاة والسلام وأشير هنا إلى نبذة يسيرة من ذلك ليتحقق السامع هنا أنَّ خبث هذا الزنديق وما انطوى عليه باطنه من الخبث بإبداله هذه الأنواع من التعظيم بالازدراء وما فاه به من الفجور والافتراء.
قلت وبلغني أنه لما دفنَ ابن تيمية قال شخص بعد ثلاثة أيام قد اضطرب القول في هذا الرجل والله لأنظرن ما صنع الله به، قال فحفر قبره فوجد على صدره ثعباناً عظيماً هاله منظره فكان الرجل يحذّر الناسَ من اعتقادهم ويُعلِمهم بما رأى.
مع أنَّ الكتب المشهورة بل والمهجورة وعمل الناس في سائر الأعصار على الحث على زيارته من جميع الأقطار، فزيارته من أفضل المساعي وأنجح القرب إلى رب العالمين وهي سنة من سنن المرسلين ومجمع عليها عند الموحدين ولا يطعن فيها إلا من في قلبه مرض المنافقين ومن هو من أفراخ اليهود وأعداء الدين من المشركين الذين أسرفوا في ذم سيّد الأولين والآخرين. ولم تزل هذه الأمة المحمدية على شدّ الرحال إليه على ممر الأزمان من جميع الأقطار والبلدان سار في ذلك الزرافات والوحدان والعلماء والمشايخ والكهول والشبان حتى ظهر في ءاخر الزمان مبتدع من زنادقة حران لبس على أشباه الرجال ومن شابههم من سَيّىءِ الأذهان وزخرف لهم من القول كما صنع إمامه الشيطان فصدهم بتمويهه عن سبيل أهل الإيمان وأغواهم عن الصراط المستقيم إلى ثنيات الطريق ومدرجة النيران فهم برزيته في ظلمة الخطأ يعمهون وعلى منوال بدعته يهرعون وسأذكر لك ما تحقق به فجوره وبدعته وتضليل من مشى خلفه وهلكته وأبين ما أظهره من القول الباطل وما رمز إليه وأوضحه لكل من سمعه ووقف عليه ثم أردف ذلك بما يدل على المنهج من ذلك فلا يزيغ عنه بعد ذلك إلا هالك.
وذكر العلامة الإمام هبة الله في كتاب توثيق عرى الإيمان: فهذا نقل الإجماع على خلاف ما نقله هذا الزائغ الفاجر المبالغ في فجوره وعزوه إلى السلف.
وتعرضت لما فيه من الخلل وسوء الفهم وفجوره في النقل والعزو، وها أنذا أذكر هنا بعض الجواب وأبين ما فيه من الخطأ وعدم صحة الاحتجاج بما احتج به كحديث:" لا تشد الرحال" ولا أدقق في الجواب لأن قصدي بيان جهله وأنه لا حجةَ له في الحديث جرياً على القواعد التي عليها مدار الاستدلال صحة وبطلاناً وأذكر ما ذكره في أحاديث الزيارة وما ادعاه فيها من الفجور وما رمز إليه في تكفير الأئمة الذين رووها وأنه قال قولاً مفتى لم يسبقه إليه أحد ولا رمز ولا أشار إليه.
وهو شديد الاعتناء بهذا القصد الخبيث في الكلام على ءايات الصفات وأحاديثها فليحذر الواقف على كلامه في ءايات المتشابه وأحاديثه غاية الحذر، فإن الخطأ فيها كفر بخلاف غيرها من مسائل الفروع.
وهذا مما يعرفك أن ابن تيمية يكذب في الإجماع ومن تتبع ذلك وجده صحيحاً وينقل في بعض الأحيان شيئاً وهو كذب محقق وإذا نقل كلام الغير لم ينقله على وجهه وإن نقله على وجهه دسَّ فيه ما ليس من كلام ذلك المنقول فاعلم ذلك وتنبه واحذر تقليده تهلك كما هلك.[هل الذي يبلغ في الخيانة في النقل إلى هذه الدرجة يعد من متوسّطي المؤمنين فضلاً عن أفاضل العلماء فضلاً عن الأئمة المجتهدين وأنت تعلم أنَّ العالِم لا يكون عالِمًا ويثق الناس بؤلفاته إلاَّ إذا كان أميناً أمانة لا يتطرق إليها الشك أصلاً لأنه يتكلم في دين الله وأنا لا أدري من هذا حاله كيف مدحه بعض الناس لا سيما إذا لوحظَ ما تقدم من تكفيره بإجماع علماء المذاهب الأربعة وقد أجاد وأفاد من قال أن ذلك المدح صدر ممن مدح في أوائل أمر هذا الرجل فإنه كان يتظاهر بما يمدح به ولكن لما تبيَّن حاله لم يمدحه إلا من يوافقه على مشربه لا بل هذا ذمه كل الذم ونصحه وقول المؤلف المنقول أي عنه]. وبهذا وغيره يعرف أن دعوى أن الحديث يدل على منع الزيارة من كلام الجهلة العارين عن العلوم التي بها يصح الاستدلال والاستنباط وعلى سوء الفهم وبلادة الذهن وجموده وأن مثل هذا لا يحل لأحد تقليده ولا الأخذ بقوله لتحقق جهله ببعض ما قررنا. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور. ومثل هذا لا يزال يتخبط في ظلمة جهله هو وأتباعه. وما رأيت أجرأ منه على الفجور ولا أكذب في دعوى الاتفاق والإجماع، وقصده بذلك الترويج على الاغمار ولا عليه من غضب الجبار.
وفيها تحقق أن ابن تيمية من أعظم الكذبة والفجار. وقد انكشف لك ذلك كما انشكف ضوء النهار. الإجماع على طلب الزيارة بعُدت المسافة أو قصُرت وعمل الناس في ذلك في جميع الأعصار من جميع الأقطار فكيف يحل لأحد أن يبدعهم بالقول الزور ويضلل أئمة أمة المختار بل من المصائب العظيمة أن يوقع وفد الله تعالى في جريمة عظيمة وهي عصيانهم بشد رحالهم لزيارة قبره عقب ما رجوه من المغفرة وبتركهم الصلاة التي هي أحد أركان الدين لأنهم إذا لم يجز لهم القصر وقصروا فقد تركوا الصلاة عامدينَ ومن تركها متعمداً قتل إما كفرًا وإما حداً ولا يصدر هذا إلا ممن هو شديد العداوة لوفد الله تعالى ولحبيبهم الذين يرتجون بزيارتهم له استحقاق الشفاعة التي بها نجاتهم.
انظر أدامَ الله لك الهداية وحماك من الغواية إلى فجور هذا الخبيث كيف جعلَ الأحاديث المرويَّة في زيارة قبر خير البرية كلها ضعيفة ثم أردف ذلك بقوله باتفاق أهل العلم بالحديث ولم يجعل الأئمة الذين أذكرهم من أهل الحديث والعجب أنه روى عنهم في مواضع عديدة من كتبه وهذا من جهله وبلادة ذهنه وعماوة قلبه من أنه لا يعلم تناقض كلامه ونقضه بذلك ثم إنه لم تخمد نار خبثه بما ذكره من الفجور حتى أردف ذلك بأن الأحاديث المروية في زيارة القبر المكرم موضوعة يعني أنها كذب وهذا شىء لم ير أحد من علماء المسلمين ولا من عوامهم فاه به ولا رمز إليه لا من في عصره ولا من قبله قاتله الله تعالى ولقد أسفرت هذه القضية عن زندقته بتجرئه على الافك على العلماء وعلى أنه لا يعتقد حرمة الكذب والفجور ولا يبالي بما يقول، وإن كان فيه عظائم الأمور. وإذا عرفت هذا فينبغي أيها المؤمن الخالي من البدعة والهوى أن لا تقلده فيما ينقله ولا فيما يقوله بل تفحص عن ذلك وتسأل غير أتباعه ممن له رتبة في العلوم وإلا هلكت كما هلك هو وأتباعه.
فكيف يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجعله ضعيفاً فضلاً عن أن يجعله كذباً وأقل درجات الثقة الخائف أن يقول صححه فلان وأما القول بوضعه وبتكذيب هذا الإمام وأمثاله فلا يصدر إلا من زِنديق محقق الزندقة بهذه القرينة وغيرها عائذاً بالله عز وجل من ذلك. وإذا تقرر لك ذلك فانظر أرشدكَ الله تعالى وعافاك هذا الخبيث الطوية كيف طعن في هذه الأئمة الأعلام في علوم الحديث الذي بهم يقتدى وعليهم يعول وعند ذكرهم تتنزل الرحمة ورماهم بالوضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن في هذه الأخبار المروية عن هذه الأئمة. وهذا شأنه قاتله الله تعالى كلما جاء إلى شىء لا غرض له فيه طعن فيه وإن كان مشهورًا ومعمولاً بين الأئمة ولا عليه لا من الله عز وجل ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا وغيره يدل على أن عنده ضغينة للنبي صلى الله عليه وسلم ولصاحبيه وكذا لأمته ليفوت عليهم هذا الخير الذي رتبه على زيارة قبره عليه أفضل الصلاة والسلام فاحذروه واحذروا تزويق مقالته المطوي تحتها أخبث الخبائث فإنها لا تجوز إلا على عامى أو بليد الذهن كالحمار يحمل أسفاراً. تأمل بصَّرك الله تعالى وفهمك كيف بعد تضليل هذه الأئمة وفجوره بادعاء أن هذه الأحاديث المتعلقة بالزيارة كذب كيف أردف ذلك بهذا الحديث محتجاً به على منع زيارة القبر الشريف وفيه من أقوى الأدلة على تدليسه وسوء فهمه إذ الحديث ليس فيه تعرض للزيارة البتة وإنما فيه منع اتخاذ القبور مساجد ونحن لم نتخذ قبره المكرم المعظم مسجداً ولا نصلي فيه ولا إليه بل نزوره وندعو مع الأدب والخشوع والسكينة ورؤية العظمة لعلمنا بأنه يسمعنا ويجيبنا وعلى ذلك جرت عادة المؤمنين قال بعضهم رأيت أنس بن مالك رضي لله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه قد افتتح الصلاة فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف.
ولما كان يوم الأربعاء أحضر ابن قيم الجوزية مجلس شمس الدين المالكي وأرادوا ضرب عنقه فما كان جوابه إلا أن قال إنَّ القاضي الحنبلي حكم بحقن دمي وبإسلامي وقبول توبتي فأعيد إلى الحبس إلى أن أحضر الحنبلي فأخبر بما قاله فأحضر وعزر وضرب بالدرة وأركب حماراً وطيف به في البلد والصالحية وردوه إلى الحبس ولم يزل هذا في أتباعه، وحضر شخص إلى دمشق يقال له أحمد الظاهري وكان قد حفظ ءايات المتشابه وأحاديثه فكان يسردها على العوام وءاحاد الناس من الفقهاء فعظمه أتباع ابن تيمية وأكرموه. ثم إنه توجه إلى القاهرة فشرع يسرد الآيات والأحاديث فعلم به الإمام العلامة الشيخ سراج الدين البلقيني فطلبه وأعلم به برقوق فأخذوه وقيدوه وكانوا يضربونه بالسياط أول النهار ثم يستعملونه في العمارة فإذا كان ءاخر النهار أعادوا عليه الضرب ثم بلغني أن ءاخر الأمر أن ضربوا عنقه وكان الشيخ زين الدين ابن رجب الحنبليّ ممن يعتقد كفر ابن تيمية وله عليه الرد وكان يقول بأعلى صوته في بعض المجالس معذور السبكي يعني في تكفيره والحاصل أنه وأتباعه من الغلاة في التشبيه والتجسيم والازدراء بالنبي صلى الله عليه وسلم وبغض الشيخين وبإنكار الأبدال الذين هم خلفوا الأنبياء ولهم دواهي أخر لو نطقوا بها لأحرقهم الناس في لحظة واحدة فنسأل الله تعالى العافية ودوامها إنه على ما يشاء قدير. وبالإجابة جدير:( وجرسوا) ابن القيم وابن كثير وطيف بهما في البلد وعلى باب الجوزية لفتواهم في مسألة الطلاق.
لا يحل أن يقلده ولا يأخذ عنه ولا ينظر في كلامه ولا يسمعه إلا من يكون له رتبة التمييز بين الحق والباطل وإلاَّ هلكَ وهو لا يشعر".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق