شرح حديث : مَن عمِلَ عَمَلاً لَيسَ علَيهِ أَمرُنا فهوَ رَدٌّ
الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى ءاله الطيبين الطاهرين.
أما بعد: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن عمِلَ عَمَلاً لَيسَ علَيهِ أَمرُنا فهوَ رَدٌّ"حديث صحيحٌ رواه مسلمٌ وغيرُه.
المعنى أنَّ كُلَ عَملٍ يعْمَله المسلمُ إذا لم يُوافق شَرِيعَتنا فهو مردودٌ لا يقبلُهُ الله، أي أنَّ الصَّلاةَ والصِّيَامَ والزَّكَاةَ والحَجَّ والذِّكْرَ والدُّعاءَ كُلَّ ذَلِكَ إِذا لم يُوَافِق شَرِيعتَنا فهو مردودٌ لا يَقبلُهُ الله، مِن هنا قال الفُقَهاء ( مَن تَلَبَّسَ بِعِبَادَةٍ فاسِدَةٍ فَقدْ عَصَى ) أي أنّ الذي يَعمَلُ في عِبادةٍ فاسِدَةٍ مُخالفَةٍ للشَرِيعَةِ عليهِ مَعصية، الصَّلاةُ إذا لم تُوافِقِ الشّرعَ فهِيَ فاسِدَةٌ وَكَذَلِكَ سَائِرُ العِبَادَات.
والأصْلُ في موافَقَةِ الشَريعَةِ مَعْرِفَةُ اللهِ والإيمانُ بِرَسُولِهِ مُحمد صلى الله عليه وسلم، هذا الأصلُ فَبدُونِ هذا لا تُقْبَلُ الأعمالُ، الصَّدَقاتُ وَبِرُّ الوَالِدَين وَإِغَاثَةُ المَنْكُوبِينَ وَكِسْوَةُ العَارِي كلُّ ذلكَ ليسَ فيه ثوابٌ بدُونِ هذا الأصل، ومُوافَقةُ الأعمالِ في الشّرع لا تُعْرَفُ إلاَّ بِتَعَلُّمِ عِلمِ الدِّينِ على مَذهَبِ أهلِ السُنَّة، لأَنَّ مَذْهَبَ أهلِ السُّنَّةِ هوَ الموافِقُ للشّرع، وما لم يُوافِق مَذهَبَ أَهلِ السُّنةِ فهوَ غَيرُ مَقبُول.
ومَذهَبُ أهلِ السّنّةِ هوَ المذهَبُ الذي كانَ علَيهِ الصّحابة، لأنّ الدِّينَ إِنما عُرِفَ بِوَاسِطَةِ الصَّحَابَة، الصحابةُ رضيَ الله عنهُم كانُوا على عقِيدةٍ واحِدَةٍ وَهِيَ الإِيمَانُ بِأَنَّ اللهَ موجُودٌ لا يُشْبِهُ شَيْئَاً ولا يُشْبِهُه شَىءٌ مِنَ العالم، ليس جِسماً لطِيفاً كالنُّورِ والرُّوحِ وَليسَ جِسْمَاً كَثِيفَاً كالشَّمْسِ والقَمَرِ وليس مُتَّصِفَاً بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ البَشَرِ كالحَرَكَةِ والسُّكُونِ والتّحَولِ مِن صِفةٍ إلى صِفةٍ.
وأنّهُ لا يَتَحَيَّزُ في مَكَانٍ مِنَ الأمكِنَة ولا هوَ مُتَحيِّزٌ في جميعِ الأمكنَةِ، لأنَّ كلَّ شَىءٍ يَتَحَيَّزُ في جِهَةٍ أو مكانٍ فَهُوَ محدُودٌ أي لهُ مِقْدَارٌ خَاصٌّ ومَا لهُ مِقْدَارٌ يَحتَاجُ إلى مَنْ خَصَّهُ بِذَلِكَ المِقْدَار.
الإنسانُ لهُ مِقْدَارٌ في الطُولِ والعَرضِ وكذلكَ السّمواتُ لها مِقدَارٌ وكذلكَ العرشُ وكذلكَ النَّيِّرَانِ الشَّمسُ والقَمَرُ، كُلُّ هذهِ الأشياء لها مِقدارٌ فَتَحْتَاجُ إلى خَصَّهَا بِذَلِكَ المِقْدَار.
الذي يحتاجُ إلى غَيرِهِ حَادِثٌ يَحتاجُ إِلى مَن أحْدَثَهُ وَخَلَقَهُ على ذَلِكَ المِقْدَار، والله تباركَ وتَعالى لو كانَ لَهُ مِقْدَارٌ لاحْتاجَ إلى مَنْ جَعَلَهُ على ذلكَ المِقْدَار.
وَمِن هُنا يُعْلَمُ أنَّ الشَّمسَ مَعَ كَثْرَةِ نَفْعِهَا وَحُسْنِ لَونِهَا وَكِبَرِ جِرْمِهَا لا يَجُوزُ أنْ تَكونَ إلَهًا، لأنَّ لَها مِقدَاراً مُعيَّنًا وَلهَا لونٌ خَاصٌ ولها شَكْلٌ خَاصٌّ وهيَ الاستِدَارة، فلا يصِحُّ في العقلِ أنْ تَكونَ هي أوجَدَتْ نفسَهَا على هذا المقدارِ وَعلى هذِهِ الصَّفَةِ في الحرارَة.
وهكذَا كلُّ شَىءٍ لهُ مِقْدَارٌ يَتَحيَّزُ في جِهَةٍ مِنَ الجِهَاتِ مَخْلُوقٌ، فالعَرْشُ الكَرِيمُ مَعَ كَونِهِ أكبرَ شَىءٍ خلقَهُ اللهُ مِن حيثُ المِسَاحَةِ مَخْلُوقٌ حادِثٌ، فالذي أحدَثَ كُلَّ هَذِهِ الأشياءَ موجُودٌ ليسَ لهُ مقدَارٌ أي لا يُوصَفُ بِأنَّهُ كَبِيرُ الحَجْمِ ولا يُوصَفُ بِأنهُ صَغِيرُ الحَجمِ ولا يُوصَفُ بِأنه في جِهَةِ فوقٍ وَغَيرِهَا مِنَ الجِهَات.
ثمَّ أيضَاً مِن صِفَاتِ الخَلْقِ الحَرَكَةُ والسُّكُونُ والانتِقالُ مِن جِهَةٍ إلى جِهَة، فاللهُ تَبارَكَ وتَعالى مُنَزَّهٌ عن ذلكَ كُلِّه، فلا يُوصَفُ اللهُ تعالى بِصِفَةٍ تُشْبِهُ صِفَاتِ الخَلْقِ، فحَيَاتُهُ ليستْ كَحَيَاةِ غَيْرِهِ، حَياتُهُ أزَلِيَّةٌ أبَدِيَّةٌ ليسَ لَهَا ابْتِدَاءٌ ولا انتِهَاءٌ، ليسَت مُقَدَّرَة بِزَمَنٍ لأنَّ الزَّمَنَ حادِثٌ مَخْلُوقٌ، كذلكَ عِلمُهُ ليسَ كعِلمِ غَيرِهِ لأنَّ عِلْمَ غيرِهِ يَزِيدُ ويَنْقُصُ واللهُ تَباركَ وتعالى عِلْمُهُ لا يزِيدُ ولا ينْقُصُ، عِلْمٌ واحِدٌ شَامِلٌ لِكُلِّ شَىء، وَكَذلِكَ قُدْرَتُهُ قُدْرَةٌ وَاحِدَةٌ شَامِلَةٌ لِكُلِّ المُمْكِنَات، كذلِكَ إِرَادَتُهُ، اللهُ تعالى شَاءَ كُل مَا حَصَلَ في العالمِ وكُلَّ مَا سَيَحْصُلُ إلى مَا لا نِهَايَةَ لَه بِمَشِيئَةٍ واحِدَة، كَذلكَ اللهُ مُتَكَلِّمٌ بِكلامٍ ليسَ صوتًا ولا حَرفًا، لا يَجُوزُ أن يكونَ اللهُ مُتَكَلِّمًا بِكلامٍ لَهُ ابتِدَاءٌ وانتِهَاءٌ مُرَكَّبٌ مِنَ الحُرُوفِ لأنَّ هَذَا صفاتُ المَخْلُوق.
فهو تباركَ وتعالى تَكَلَّمَ بِكلامٍ واحِدٍ شَاملٍ لِكُلِّ مُتَعَلّقاتِهِ، لا يعرفُ المَخلوق حَقيقَتهُ لأنَّهُ شىءٌ لا يُشْبِهُ كلامَ المَخلوق، كالقُرءَانِ والتوارةِ والإنجيلِ والزَّبُورِ، كلامُ اللهِ ليسَ بِمَعْنَى الحُروفِ التي تُقرأ، هذِه الحُرُوف الذي تُقرأ التي بَعْضُهَا بِلُغَةِ العَرَبِ وبَعضُهَا بِغيرِ لُغَةِ العرب، هذه عِباراتٌ عن كلامِ اللهِ الذي ليسَ حَرفًا ولا صَوتًا ومَعَ ذلكَ يُقالُ لها كلامُ الله، ليسَ بمعنى أنَّ الله قرَأهُ هكذا بالحرفِ والصَوتِ إِنَّما اللهُ كتَب هذِه الكتبَ بقُدرَتِهِ في اللَّوحِ المحفُوظِ وأَمَرَ جِبْرِيلَ أن يُنَزِّلَها على بَعضِ الأنبياء وقَرَأهَا جبريل.
فالذي يعتَقِدُ أنَّ اللهَ مُتَحَيِّزٌّ في جِهَةٍ كَفَوق جعَله مِثلَ خَلقِهِ فهوَ جَاهِلٌ بِخَالِقِهِ فهوَ كافِر، قالَ الإمامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: من قالَ بِأَنَّ اللهَ قَاعِدٌ على العرشِ كافر .
وَهَكَذَا الحُكْمُ عِنْدَ الإمَامِ أبي حَنِيفَةَ وَأحْمَدٍ ومَالِكٍ والإمام مُحَمَّد بن الحَسَنِ الشَّيْبَانِي وَكُلّ السَّلَفِ أي الصَّحَابَةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُم، فَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِصِفَةِ المَخْلُوقِ فَهُو جَاهِلٌ بِخَالِقِهِ وَهُوَ كَافِرٌ.
بَعْدَ أَنْ مَضَى نَحْو سِتِّينَ سَنَةً مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ حَصَلَ أُنَاسٌ يَدَّعُونَ الإسْلامَ يَقُولُونَ لا إِلَهَ إلاَّ الله، ويُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ حَصَلَ مِنْهُم اعْتِقَادَاتٌ فَاسِدَةٌ، مُخَالِفَةٌ لِعَقِيدَةِ الصَّحَابَة.
أَوَّلُ مَا حَصَلَ مِنَ العَقَائِدِ المُخَالِفَةِ للصَّحَابَةِ عَقِيدَةُ الشِّيعَةِ، الصَّحابَةُ كَانُوا يَقُولُونَ أبُو بَكْرٍ أخَذَ الخِلافَةَ بِحَقٍّ ثُمَّ عُمَرُ أَخَذَهَا بِحَقٍّ ثُمَّ عُثْمَانُ أَخَذَهَا بِحَقٍّ ثُمَّ عَلِيٌّ أَخَذَهَا بِحَقٍّ.
الشِّيعَةُ خَالَفُوا وَقَالُوا الحَقُّ لِعَليٍّ وَهَؤُلاءِ الثَلاثةُ ظَلَمُوه، وَلَكِنْ لِمُجَرَّدِ هَذَا لا يُكَفَّرُون وَلَكِنَّهُ غَلَطٌ، هُوَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ بَايَعَ أبا بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَان، لَو كَانُوا عَلَى بَاطِلٍ مَا كَانَ يُبَايِعهُم، وَكَانَ يُصَلِّي خَلفَ أبي بَكْرٍ في عَهْدِ أبي بَكْرٍ وكَانَ يُصَلِّي خَلْفَ عُمَرَ في عَهْدِ عُمَر وَكَانَ يُصَلِّي خَلْفَ عُثْمَانَ في عَهْدِ عُثْمَان، وَكَانَ هَؤُلاءِ الأرْبَعَة مُتَحَابِّينَ مَحَبَّةً كَامِلَةً.
لِذَلِكَ سَيِّدنا عَليٌّ زَوَّجَ عُمَرَ بِنْتَاً لَهُ يُقَالُ لَهَا أمُّ كُلْثُوم كَانَتْ صَغِيْرَةً بِنْتُ نَحْوِ تِسع سِنِين َوَعُمَرُ كَانَ فَوقَ الخَمْسِين، لَولا أنَّهُ يُحِبُّهُ مَحَبَّةً كَامِلَةً هَلْ كَانَ يُزَوِّجَهُ هَذِهِ البِنتَ الصَغِيرَة؟ والشِيعَةُ يَعْلَمُونَ هَذَا وَمَشَايخُ الشِيعَةِ يَعْلَمُونَ هَذَا وَمَعَ هَذَا يَسُبُّونَ أبا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَان!
ثُمَّ الخَوَارِجُ وَهِم عقيدتهم عَقِيدَة فاسِدَةٌ، الخَوَارِجُ تَمَرَّدَتْ عَلَى سَيِّدِنا عَلِيّ فَحَارَبَهَا، هَؤُلاءِ الَّذِينَ حَارَبَهُم سَيِّدُنا عَليٌّ عَقِيدَتُهُم فَاسِدَة، كَانُوا يَقُولُونَ أيُّ مُسْلِمٍ يَرْتَكِبُ مَعْصِيَةً مُخَلَّدٌ في جَهَنَّم، هَؤُلاءِ ضَالُّونَ كُفَّار.
ثُمَّ حَدَثَت فِرَقٌ أخْرَى كَالْمُشَبِّهَةِ الذِينَ يُشَبِّهُونَ اللهَ بِخَلْقِهِ يَقُولُونَ اللهُ نُورٌ أي ضَوءٌ وبَعْضُهُم يَقُولُون اللهُ جِسْمٌ كَبِيرٌ قَاعِدٌ عَلَى العَرْشِ وَهَؤُلاءِ هُمُ الوَهَّابِيَةُ مِثْلُ حَسَن قَاطَرْجِي هَذَا وَهَّابِيٌّ تَعَلَّمَ عِنْدَهُم ثُمَّ عَيَّنُوهُ دَاعِيًا لَهُم في لِبْنَان يَقْبِضُ خَمْسَةَ ءَالافِ دُولار شَهْرِياً مِنهم لأنَّهُم اعْتَبَرُوهُ قَوِيًّا في دَعْوَةِ النَّاسِ إِلَى عَقِيَدَتِهِم.
هَؤُلاءِ الوَهَابِيَّةُ يَقُولُونَ اللهُ قَاعِدٌ على العَرْشِ هَؤُلاءِ كُفَّارٌ، لا يَجُوزُ تَزويجُ البِنْتِ المُسْلِمَةِ مِنْهُم ولا أكْل ذَبَائِحِهِم، كُلُّ الأئِمَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أن مَنْ وَصَفَ اللهَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الخَلْقِ كَافِرٌ كَمَا قالَ الطَحَاوِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.وَعَلَى هَذَا كَانُوا الصَّحَابَةُ وَمَنْ تَبِعَهُم إِلى يَومِنَا هَذَا، أهْلُ السُنَّةِ عَلَى هَذَا، هَؤُلاءِ الوَهَّابِية خَالَفُوا أهْلَ السُنَّةِ، هُمْ كُفَّار مَا عَرَفُوا خَالِقَهُم، لَو كَانُوا يُصَلُّونَ ويَصُومُونَ وَلَو كَانُوا يَحْكُمُونَ مَكَّةَ والمَدِينَة مُنْذُ مِائَةِ سَنَةٍ، هُمْ كُفَّارٌ لأنَّهُم مَا عَرَفُوا خَالِقَهُم وَمَعَ كُفْرِهِم يُكَفِّرُونَ المُسْلِمُين، المُسْلِمُونَ اليَوم مِلْيَار وَنِصْف والوَهَّابِيَّةُ شِرذِمةٌ قَليلة.
والله تعالى أعلم وأحكم.
تعديل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق