بسم الله والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد رسول الله وءاله وصحبه وسلم وبعد،
فانه قد قيل في قصة قتال معاوية لسيدنا علي رضي الله عنه ما يلي:
فانه قد قيل في قصة قتال معاوية لسيدنا علي رضي الله عنه ما يلي:
لما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه اجتمع طلحة والزبير وأكثر المهاجرين والأنصار وأتوا علياً ليبايعوه فأبى وقال :"أكون وزيراً لكم خيراً من أن أكون أميراً ومن اخترتم رضيته". فألحوا عليه وقالوا : لا نعلم أحداً أحق منك ولا نختار غيرك ، فخرجوا به إلى المسجد وبايعوه وكان أول من بايعه طلحة، ثم الزبير، ثم بايعه الناس .
وكان رضي الله عنه لما خرج إلى المسجد للمبايعة قال: هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أردتم وقد افترقنا أمس وأنا كاره فأبيتم إلا أن أكون عليكم، فقالوا: نحن علىما افترقنا عليه الأمس، قال: "اللهم اشهد".
ثم بعد المبايعة خطب الناس ووعظهم ثم دخل بيته وذلك يوم الخميس لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
ثم ظهر القول واللغط في قتل الخليفة عثمان وإقامة الحد والقود على من قتله فقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: لا قدرة لي الآن على ما تريدون حتى يهدأ الناس وننظر الأمور فتؤخذ الحقوق. وهرب مروان وبنو أمية إلى الشام، وأشار المغيرة بن شعبة على أمير المؤمنين أن يبقي العمال والولاة حتى يستقر الأمر فأبى إلا أن يعزلهم، ثم جاء المغيرة في الغد وسأله فأشار عليه بعزل العمال، فجاء ابن عباس وأخبره بخبر المغيرة فقال: نصحك في الأمس وغشك اليوم. قال عليّ: فما الرأي عندك؟ قال: تقر معاوية الآن، فقال علي رضي الله عنه : والله لا أعطيه إلا السيف،قال ابن عباس: أنت رجل شجاع ولست صاحب رأي في الحرب أما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " الحرب خدعة" قال: بلى ، قال ابن عباس: والله ان أطعتني لأتركنهم ينظرون في دبر الأمور ولا يعرفون ما كان في وجوههم من غير نقصان عليك، فقال علي: يا ابن عباس لست من هنيئاتك وهنيئات معاوية في شيء، فقال ابن العباس: أطعني والحق بمالك بينبع وأغلق بابك فإن العرب تجول وتضطرب فلا تجد غيرك وإن نهضت مع هؤلاءالقوم يحمّلك الناس دم عثمان غداً فأبى علي،قال علي لابن عباس: سر إلى الشام فقد وليتكها، قال : إذن يقتلني معاوية. وكان المغيرة يقول : نصحته فلم يقبل.
ثم أن معاوية جمع جنداً ليطالب بدم عثمان فبلغ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: "اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان" وعزم على الخروج من المدينة إلى الشام وأمر بالتجهيز ودفع اللواء إلى ولده محمد بن الحنفية واستخلف على المدينة تمام بن العباس وذلك سنة "36" فلقيه عبد الله بن سلام فقال: يا أمير المؤمنين لا تخرج من المدينة فوالله لئن خرجت منها لا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا.
فبدر الناس إليه فقال: دعوه فنعم الرجل من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم. ولحقه ابنه الحسن عليه السلام ولامه وعذله في خروجه فلم يقبل منه وتوجه أمير المؤمنين بالجنود قاصداًالكوفة.
و أما خبر وقعة الجملفإن عائشة كانت قد خرجت من المدينة إلى مكة وعثمان محصور في بيته فقضت نسكها وأرادت الرجوع إلى المدينة فبلغها أن عثمان قد قتل فتأسفت أسفاً شديداً وقالت: قتل عثمان مظلوماً، ورجعت إلى مكة فاجتمعت الغوغاء من القبائل وأهل الأمصار وتكلم معها طلحة والزبير في مداركة هذا الأمر، وأركبها يعلى بن منبه جملاً اسمه عسكر كان اشتراه بمائة دينار وتوجهوا من مكة بنحو ثلاثة آلاف فيهم مروان،وطلحة، والزبير، وابان، والوليد ولدا عثمان يطالبون بدم عثمان حتى مروا بمحل فنبحت عليهم كلاب فسألت عائشة ما اسم هذا المحل قالوا: ماء الحوْأب (موضع بئر في طريق البصرة) فقالت: ردوني وأناخت بعيرها، وقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول وعنده نساؤه "ليت شعري أيتكنّ تنبحها كلاب الحوْأب" (أورد الهيثمي في المجمع 7/234 روايتين الأولى عزاها لأحمد وأبي يعلي والبزار وقال: رجال أحمد رجال الصحيح،والثانية وعزاها للبزار وقال: رجاله ثقات .
وأقامت بهم يوماً وليلة إلى أن قيل النجاء النجاء قد أدرككم علي بالعسكر فارتحلوا نحو البصرة فجاء القعقاع فبدأ بعائشة فقال: أي أماه ما أشخصك؟ قالت: أريد الاصلاح بين الناس وقرأت ((لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)) (سورة النساء-114) ثم ذهب إلى طلحة والزبير وقال لهما: سألت أم المؤمنين ما أقدمها فقالت، الاصلاح،قالا: كذلك، قال: فأخبروني ما هو الاصلاح؟ قالا: قتلة عثمان فإن تركهم ترك للقرآن،قال: فقد قتلتم منهم ستمائة من أهل البصرة فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف فإن قاتلتم هؤلاء كلهم اجتمعت مضر وربيعة على حربكم فأين الاصلاح؟ قالت عائشة: فما تقول أنت؟ قال: هذا الأمر دواؤه التسكين، فإن سكن سكنت الأمور، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح خير ولا تعرضونا للبلاء فنتعرض له فيصرعنا وإياكم، قالوا، قد أصبت وأحسنت فإن قدم عليّ وهو على مثل رأيك صلح الأمر.
فرجع القعقاع وأخبر علياً فأعجبه وأشرف القوم على الصلح . ثم خطب أمير المؤمنين وأمرهم بالرحيل من الغد وأرادوا الانصراف فحضر قبائل من العرب بنو بكر بن وائل،وعبد القيس وأشاروا على عليّ بالمناجزة واجتمع جماعة على الزبير وأشاروا عليه بالمناجزة فاعتذر كل منهما بما وقع بينه وبين القعقاع.
ثم اجتمع عليّ والزبير فقال له عليّ: أما بايعتني؟ قال: نعم والسيف على عنقي (يعني من أصحاب الفتنة الموجودين في المدينة وقت قتل عثمان) .
ثم قال عليّ للزبير: أتذكر يوم قال لكرسول الله صلّى الله عليه وسلم "لتقاتلنه وأنت له ظالم" (أورده الهيثمي في المجمع 7/235 وعزاه لأبي يعلي وقال فيه عبد الملك بن مسلم) فقال: اللهم نعم ولو ذكرت قبل مسيري ما سرت ووالله لا أقاتلك أبدا، فقال عليّ: لأصحابه أن الزبير قد عهد أن لايقاتلكم.
ورجع الزبير إلى عائشة وقال: ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا أعرف أمري غير موطني هذا، قالت: فما تريد أن تصنع؟ قال: ادعهم واذهب.
وكان مع عائشة من قبائل العرب نحو ثلاثين ألفاً ومع عليّ رضي الله عنه نحو عشرين ألفاً كلهم مسلمون فبات الذين يحبون الفتنة من الفريقين يتشاورون فاتفقوا على إنشاب الحرب بين الناس فجاؤا في الغلس (ظلمة آخر الليل) ولا يشعر بهم أحد وباشروا الحرب فبعث طلحة والزبير رجلاً يسأل ما هذا الذي وقع، وسمع عليّ الضجة فقال: ما هذا؟ وركب ونادى في الناس أن كفوا فلم يرجعوا والتحم القتال حتى انهزم أصحاب الجمل وأصيب طلحة بسهم في رجله ودخل البصرة إلى أن توفي رضي الله عنه سنة ست وثلاثين عن ست وستين سنة من عمره.
فلما رآه عليّ رضي الله عنه جعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: عزيز عليّ أبا محمدأن أراك مجندلاً تحت نجوم السماء، إلى الله أشكو عُجري وبُجري (همومي وأحزاني) وترحم عليه.
وهو أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بنتيم بن مرة لقب طلحة الخير والجواد والفياض وهو من العشرة المبشرين بالجنة ومن السابقين، أسلم هو وأبو بكر فأخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية وكان شديداً قوياً فشدهما في حبل ليمنعهما عن الصلاة فلما جاء وقت صلاتهما انحل الحبل فانطلقا يصليان فلذا كانا يسميان القرينين. هاجر وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يشهد بدرا لأن النبي صلّى الله عليه وسلم كان قد أرسله مع سعيد بن زيد إلى طريق الشام يتجسسان الأخبار فلما رجع قال له النبي صلّى الله عليه وسلم: لك أجرك وسهمك (رواه الحاكم في المستدرك 3/368 باب مناقب طلحة بن عبيد الله) وأبلى يوم أُحد بلاء عظيماً، ووقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنفسه كان يتقي عنه النبل بيده حتى شلت يده (رواه البخاري في صحيحه في المناقب : باب ذكر طلحة بن عبيد الله) وحمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ظهره ليصعد الصخرة فيراه الصحابة، وآخى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بينه وبين الزبير بمكة، وبينه وبين أبي أيوب بالمدينة، كان من أغنياء الصحابة كانت غلته كل يوم ألف دينار.
قيل رآه رجل في المنام يقول له: حولوني فقد أذاني الماء، رأى ذلك ثلاث ليال فأخبر ابن عباس فحفروه فإذا شقه الذي يلي الأرض قد اخضرّ من نزّ الماء ولم يتغير جسمه فاشتروا له داراًبالبصرة ودفنوه فيها.
ثم ذهب الزبير إلى وادي السباع بعد أن ذكره عليّ رضي الله عنه فمر بعسكر الأحنف وتبعه ابن الجرموز فكان يؤانسه ويسالمه حتى إذا قام يصلي غدر به فقتله، ورجع بفرسه وسلاحه وخاتمه إلى الأحنف فقال: والله ما أدري أأحسنت أم أسأت، وجاء عمرو بن الجرموز إلى عليّ رضي الله عنه وقال للحاجب: استأذن لقاتل الزبير، فقال عليّ: "بشره بالنار" (رواه الحاكم في المستدرك 3/367 في ذكر مقتل الزبير، ورواه بنحوه أحمد في فضائل الصحابة 2/747) ولم يأذن له.
وهو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي أمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو ابن أخي خديجة جدة الأشراف، أسلم بعد أبي بكر بزمن يسير وهو ابن خمسةعشر سنة وهو حواريّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم هاجر الهجرتين، وأول من سل سيفاً في سبيل الله، شهد بدراً وأُحداً والمشاهد كلها، وفتح مصر كان من الأغنياءالأسخياء، كان له ألف مملوك يؤدون إليه خراجهم فكان يتصدق به وعمره سبع وستون سنة.
وكان رضي الله عنه لما خرج إلى المسجد للمبايعة قال: هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أردتم وقد افترقنا أمس وأنا كاره فأبيتم إلا أن أكون عليكم، فقالوا: نحن علىما افترقنا عليه الأمس، قال: "اللهم اشهد".
ثم بعد المبايعة خطب الناس ووعظهم ثم دخل بيته وذلك يوم الخميس لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
ثم ظهر القول واللغط في قتل الخليفة عثمان وإقامة الحد والقود على من قتله فقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: لا قدرة لي الآن على ما تريدون حتى يهدأ الناس وننظر الأمور فتؤخذ الحقوق. وهرب مروان وبنو أمية إلى الشام، وأشار المغيرة بن شعبة على أمير المؤمنين أن يبقي العمال والولاة حتى يستقر الأمر فأبى إلا أن يعزلهم، ثم جاء المغيرة في الغد وسأله فأشار عليه بعزل العمال، فجاء ابن عباس وأخبره بخبر المغيرة فقال: نصحك في الأمس وغشك اليوم. قال عليّ: فما الرأي عندك؟ قال: تقر معاوية الآن، فقال علي رضي الله عنه : والله لا أعطيه إلا السيف،قال ابن عباس: أنت رجل شجاع ولست صاحب رأي في الحرب أما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " الحرب خدعة" قال: بلى ، قال ابن عباس: والله ان أطعتني لأتركنهم ينظرون في دبر الأمور ولا يعرفون ما كان في وجوههم من غير نقصان عليك، فقال علي: يا ابن عباس لست من هنيئاتك وهنيئات معاوية في شيء، فقال ابن العباس: أطعني والحق بمالك بينبع وأغلق بابك فإن العرب تجول وتضطرب فلا تجد غيرك وإن نهضت مع هؤلاءالقوم يحمّلك الناس دم عثمان غداً فأبى علي،قال علي لابن عباس: سر إلى الشام فقد وليتكها، قال : إذن يقتلني معاوية. وكان المغيرة يقول : نصحته فلم يقبل.
ثم أن معاوية جمع جنداً ليطالب بدم عثمان فبلغ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: "اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان" وعزم على الخروج من المدينة إلى الشام وأمر بالتجهيز ودفع اللواء إلى ولده محمد بن الحنفية واستخلف على المدينة تمام بن العباس وذلك سنة "36" فلقيه عبد الله بن سلام فقال: يا أمير المؤمنين لا تخرج من المدينة فوالله لئن خرجت منها لا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا.
فبدر الناس إليه فقال: دعوه فنعم الرجل من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم. ولحقه ابنه الحسن عليه السلام ولامه وعذله في خروجه فلم يقبل منه وتوجه أمير المؤمنين بالجنود قاصداًالكوفة.
و أما خبر وقعة الجملفإن عائشة كانت قد خرجت من المدينة إلى مكة وعثمان محصور في بيته فقضت نسكها وأرادت الرجوع إلى المدينة فبلغها أن عثمان قد قتل فتأسفت أسفاً شديداً وقالت: قتل عثمان مظلوماً، ورجعت إلى مكة فاجتمعت الغوغاء من القبائل وأهل الأمصار وتكلم معها طلحة والزبير في مداركة هذا الأمر، وأركبها يعلى بن منبه جملاً اسمه عسكر كان اشتراه بمائة دينار وتوجهوا من مكة بنحو ثلاثة آلاف فيهم مروان،وطلحة، والزبير، وابان، والوليد ولدا عثمان يطالبون بدم عثمان حتى مروا بمحل فنبحت عليهم كلاب فسألت عائشة ما اسم هذا المحل قالوا: ماء الحوْأب (موضع بئر في طريق البصرة) فقالت: ردوني وأناخت بعيرها، وقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول وعنده نساؤه "ليت شعري أيتكنّ تنبحها كلاب الحوْأب" (أورد الهيثمي في المجمع 7/234 روايتين الأولى عزاها لأحمد وأبي يعلي والبزار وقال: رجال أحمد رجال الصحيح،والثانية وعزاها للبزار وقال: رجاله ثقات .
وأقامت بهم يوماً وليلة إلى أن قيل النجاء النجاء قد أدرككم علي بالعسكر فارتحلوا نحو البصرة فجاء القعقاع فبدأ بعائشة فقال: أي أماه ما أشخصك؟ قالت: أريد الاصلاح بين الناس وقرأت ((لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)) (سورة النساء-114) ثم ذهب إلى طلحة والزبير وقال لهما: سألت أم المؤمنين ما أقدمها فقالت، الاصلاح،قالا: كذلك، قال: فأخبروني ما هو الاصلاح؟ قالا: قتلة عثمان فإن تركهم ترك للقرآن،قال: فقد قتلتم منهم ستمائة من أهل البصرة فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف فإن قاتلتم هؤلاء كلهم اجتمعت مضر وربيعة على حربكم فأين الاصلاح؟ قالت عائشة: فما تقول أنت؟ قال: هذا الأمر دواؤه التسكين، فإن سكن سكنت الأمور، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح خير ولا تعرضونا للبلاء فنتعرض له فيصرعنا وإياكم، قالوا، قد أصبت وأحسنت فإن قدم عليّ وهو على مثل رأيك صلح الأمر.
فرجع القعقاع وأخبر علياً فأعجبه وأشرف القوم على الصلح . ثم خطب أمير المؤمنين وأمرهم بالرحيل من الغد وأرادوا الانصراف فحضر قبائل من العرب بنو بكر بن وائل،وعبد القيس وأشاروا على عليّ بالمناجزة واجتمع جماعة على الزبير وأشاروا عليه بالمناجزة فاعتذر كل منهما بما وقع بينه وبين القعقاع.
ثم اجتمع عليّ والزبير فقال له عليّ: أما بايعتني؟ قال: نعم والسيف على عنقي (يعني من أصحاب الفتنة الموجودين في المدينة وقت قتل عثمان) .
ثم قال عليّ للزبير: أتذكر يوم قال لكرسول الله صلّى الله عليه وسلم "لتقاتلنه وأنت له ظالم" (أورده الهيثمي في المجمع 7/235 وعزاه لأبي يعلي وقال فيه عبد الملك بن مسلم) فقال: اللهم نعم ولو ذكرت قبل مسيري ما سرت ووالله لا أقاتلك أبدا، فقال عليّ: لأصحابه أن الزبير قد عهد أن لايقاتلكم.
ورجع الزبير إلى عائشة وقال: ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا أعرف أمري غير موطني هذا، قالت: فما تريد أن تصنع؟ قال: ادعهم واذهب.
وكان مع عائشة من قبائل العرب نحو ثلاثين ألفاً ومع عليّ رضي الله عنه نحو عشرين ألفاً كلهم مسلمون فبات الذين يحبون الفتنة من الفريقين يتشاورون فاتفقوا على إنشاب الحرب بين الناس فجاؤا في الغلس (ظلمة آخر الليل) ولا يشعر بهم أحد وباشروا الحرب فبعث طلحة والزبير رجلاً يسأل ما هذا الذي وقع، وسمع عليّ الضجة فقال: ما هذا؟ وركب ونادى في الناس أن كفوا فلم يرجعوا والتحم القتال حتى انهزم أصحاب الجمل وأصيب طلحة بسهم في رجله ودخل البصرة إلى أن توفي رضي الله عنه سنة ست وثلاثين عن ست وستين سنة من عمره.
فلما رآه عليّ رضي الله عنه جعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: عزيز عليّ أبا محمدأن أراك مجندلاً تحت نجوم السماء، إلى الله أشكو عُجري وبُجري (همومي وأحزاني) وترحم عليه.
وهو أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بنتيم بن مرة لقب طلحة الخير والجواد والفياض وهو من العشرة المبشرين بالجنة ومن السابقين، أسلم هو وأبو بكر فأخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية وكان شديداً قوياً فشدهما في حبل ليمنعهما عن الصلاة فلما جاء وقت صلاتهما انحل الحبل فانطلقا يصليان فلذا كانا يسميان القرينين. هاجر وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يشهد بدرا لأن النبي صلّى الله عليه وسلم كان قد أرسله مع سعيد بن زيد إلى طريق الشام يتجسسان الأخبار فلما رجع قال له النبي صلّى الله عليه وسلم: لك أجرك وسهمك (رواه الحاكم في المستدرك 3/368 باب مناقب طلحة بن عبيد الله) وأبلى يوم أُحد بلاء عظيماً، ووقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنفسه كان يتقي عنه النبل بيده حتى شلت يده (رواه البخاري في صحيحه في المناقب : باب ذكر طلحة بن عبيد الله) وحمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ظهره ليصعد الصخرة فيراه الصحابة، وآخى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بينه وبين الزبير بمكة، وبينه وبين أبي أيوب بالمدينة، كان من أغنياء الصحابة كانت غلته كل يوم ألف دينار.
قيل رآه رجل في المنام يقول له: حولوني فقد أذاني الماء، رأى ذلك ثلاث ليال فأخبر ابن عباس فحفروه فإذا شقه الذي يلي الأرض قد اخضرّ من نزّ الماء ولم يتغير جسمه فاشتروا له داراًبالبصرة ودفنوه فيها.
ثم ذهب الزبير إلى وادي السباع بعد أن ذكره عليّ رضي الله عنه فمر بعسكر الأحنف وتبعه ابن الجرموز فكان يؤانسه ويسالمه حتى إذا قام يصلي غدر به فقتله، ورجع بفرسه وسلاحه وخاتمه إلى الأحنف فقال: والله ما أدري أأحسنت أم أسأت، وجاء عمرو بن الجرموز إلى عليّ رضي الله عنه وقال للحاجب: استأذن لقاتل الزبير، فقال عليّ: "بشره بالنار" (رواه الحاكم في المستدرك 3/367 في ذكر مقتل الزبير، ورواه بنحوه أحمد في فضائل الصحابة 2/747) ولم يأذن له.
وهو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي أمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو ابن أخي خديجة جدة الأشراف، أسلم بعد أبي بكر بزمن يسير وهو ابن خمسةعشر سنة وهو حواريّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم هاجر الهجرتين، وأول من سل سيفاً في سبيل الله، شهد بدراً وأُحداً والمشاهد كلها، وفتح مصر كان من الأغنياءالأسخياء، كان له ألف مملوك يؤدون إليه خراجهم فكان يتصدق به وعمره سبع وستون سنة.
ولما بلغت الهزيمة البصرة ورأوا الخيل طافت بالجمل وشبت الحرب ورموا الهودج بالنبال، وصارت عائشة تستغيث، وتكثر الدعاء على قتلة عثمان، وضج الناس بالدعاء فقال عليّ رضي الله عنه: ما هذا؟ قالوا: يدعون على قتلة عثمان، فقال: "اللهم العن قتلةعثمان" وأحاطوا بالهودج يحمونها وهم يتساقطون من السهام فنادى عليّ اعقروا الجم ليتفرقوا فضربه رجل فسقط الجمل له صوت شديد. وجاء القعقاع وزفر بمن معهما وحملواالهودج ووضعوه على الأرض وهو كالقنفذ من السهام وأمر عليّ رضي الله عنه بحمل الهودج من بين القتلى وأمر محمد بن أبي بكر أن يضرب عليها قبة وينظر هل بها جراحات. وأتاها عليّ رضي الله عنه فقال: كيف أنت يا أمه، قالت: بخير، قال:غفر الله لك،قالت: ولك.
وجاء وجوه الناس إليها وفيهم القعقاع بن عمرو فسلموا عليها فقالت: وددت أني مت قبل اليوم بعشرين سنة، وقال عليّ رضي الله عنه مثل قولها.
ولما دخل الليل أدخلها أخوها محمد البصرة إلى بيت صفية بنت الحارث بن أبي طلحة من بني عبدالدار ام طلحة الطلحات.
ثم صلّى عليّ على القتلى من الجانبين وكانوا نحو عشرة آلاف قتيل، ثم دخل البصرة فبايعه أهلها، وبلغه أن بعض أهل الغوغاء عرّض لعائشة بالقول والإساءة فأحضرهم وأوجعهم ضرباً.
ثم جهزها عليّ رضي الله عنه إلى المدينة بما احتاجت إليه وبعثها مع أخيها محمد وأرسل معها أربعين من نسوة البصرة لمرافقتها، وجاء يوم ارتحالها فودعها واستعتبت له واستعتب لها، ومشى معها أميالاً وشيعها بنوه مسافة يوم، وذلك في غرة رجب فذهبت إلى مكة فقضت الحج ثم رجعت إلى المدينة.
وأما خبر وقعة صفين
وهو موضع قريب من الرقة على شاطئ الفرات" فإنه لما كانت محاصرة عثمان بالمدينة خرج عمرو بن العاص منها إلى فلسطين ومعه ابناه عبد الله ومحمد فلما بلغه الخبر بقتل عثمان ارتحل يبكي كما تبكي النساء، وقصد دمشق وبلغه بيعة عليّ فاشتد الأمر عليه وأقام ينتظر ما يفعله الناس، ثم بلغه سير عائشة وطلحة والزبير وسمع أن معاوية بالشام لم يبايع علياً رضي الله عنه فاستشار ابنيه في المسير إلى معاوية، فقال له عبد الله: توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلم والشيخان بعده وهم راضون عنك فأرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى تجتمع الناس، وقال له محمد: أنت ناب من أنياب العرب فكيف يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صيت، فقال: يا عبد الله أمرتني بما هو خير لي في ديني، ويا محمد أمرتني بما هو خير لي في دنياي وشر لي في آخرتي.
فلما رجع عليّ رضي الله عنه من وقعة الجمل إلى الكوفة أجمع على التوجه إلى الشام بعسكره، وقد كان عسكر معاوية سلك الفرات فشكى الناس إلى عليّ العطش فبعث صعصعة بن صوحان إلى معاوية بأنا سرنا ونحن عازمون على الكف عنكم حتى نعذر إليكم فسابقنا جندكم بالقتال ورأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك وقد منعتم الماء والناس غير منتهين فابعث إلى أصحابك يخلون عن الماء حتى ننظر بيننا وبينكم. فأشار عمرو بتخلية الماء وأشار ابن أبي سرح والوليد بن عقبة بمنع الماء فتشاتم معهم صعصعة ورجع وجاء الأشعث بن قيس إلى الماء فقاتلهم وجاء عليه الأشتر بجماعته فملكوا الماء وأرادوا منعهم منه فنهاهم عليّ رضي الله عنه عن ذلك وأقاموا يومين.
ثم بعث عليّ إلى معاوية يدعوه إلى الطاعة وذلك أول ذي الحجة سنة ست وثلاثين فدخلواعلى معاوية وتكلم معه بشير بن عمرو بعد أن حمد الله وأثنى عليه أمره بالموعظة الحسنة وناشده الله أن لا يفرق بين الجماعة ولا يسفك الدماء فقال: هلا أوصيت صاحبك بذلك، فقال: بشير ليس مثلك هو أحق بالأمر بالسابقة والقرابة، قال: فما رأيك؟ قال: تجيبه إلى ما دعا إليه بالحق، قال معاوية: ونترك دم عثمان لا والله لا أفعله أبداً،فقال شيث بن ربعي: يا معاوية إنما طلبت دم عثمان تستميل به هؤلاء السفهاء الطغام (أوغاد الناس) إلى طاعتك، ولقد علمنا أنك أبطأت على نصرة عثمان لطلب هذه المسألة فاتق الله ودع عنك ما أنت عليه ولا تنازع الأمر أهله، فأجابه معاوية بما لا يرضي،وقال: انصرفوا فليس بيني وبينكم إلا السيف، فقال شيث: أقسم بالله لنعجلنها لك، ورجعوا إلى عليّ بالخبر فأقاموا يقتتلون ثم جاء المحرم فذهبوا إلى الموادعة حتى ينقضي طمعاً في الصلح، ثم جرت المخابرات والإنذارات والمواعظ من أمير المؤمنين رضي الله عنه إلى معاوية وهو يطاول ويطلب قتلة عثمان فلما انسلخ المحرم نادى أمير المؤمنين في الناس بالقتال وعبّى الكتائب وقال: لا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم، فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا، ولا تأخذوا مالاً، ولا تهيجواامرأة وإن شتمتكم فإنهن خِساف الأنفس والقوى (الخاسف: المهزول والمراد هنا ضعافالأنفس والقوى والله أعلم) ، ثم حرضهم ودعا لهم .
وكان مع عليّ رضي الله عنه تسعون ألفاً وكان مع معاوية مائة وعشرون ألفاً كلهم مسلمون فابتدؤا القتال مناوبة قبيلة لقبيلة إلى خمسة أيام، وخرج عمار بن ياسر وقال: اللهم إني لا أعمل عملاً أرضى من جهاد هؤلاء الفاسقين، ثم نادى : من سعى في رضوان الله فلا يرجع إلى مال ولا ولد فأتاه عصابة فقال: اقصدوا بنا هؤلاء الذين يطالبون بدم عثمان يخادعون بذلك عما في نفوسهم من الباطل، حتى دنا من عمرو بن العاص وقال: يا عمرو بعت دينك بمصر تباً لك، فقال: إنما أطلب دم عثمان، قال: أتشهد أنك لا تطلب وجه الله؟ فالتحم القتال حتى قُتل عمار بن ياسر بن عامر المدلجي ثم العنسى من أجلاء الصحابة ومن السابقين هو وأبوه وأمه شهد بدراً وأُحداً والخندق وبيعة الرضوان.
قال صلّى الله عليه وسلّم: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن ام عبد" (عزاه السيوطي في الجامع الصغير 1/197 للترمذي عنابن مسعود، والروياني عن حذيفة، وابن عدي 7/2654 عن أنس ورمز السيوطي له بالصحة: وذكره ابن عدي أيضاً عن ابن مسعود 2/666)، وقال: "من عادى عماراً عاداه الله ومن أبغض عماراً أبغضه الله" (رواه أحمد في مسنده 4/89-90) فلما قُتل عمار حمل عليّ رضي الله عنه ومعه ربيعة ومضر وهمدان حملة شديدة يقولون: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية" (رواه البخاري في الصلاة: باب التعاون في بناء المسجد ومسلم في الفتن: باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، ورواه الترمذي في المناقب: مناقب عمار بن ياسر، وأحمد في مسنده 2/161، 164، 206) فلم يبق لأهل الشام صف إلا انتفض حتى بلغوا معاوية فناداه عليّ: علام يقتل الناس بيننا هلمّ أحاكمك إلى الله فأينا قتل صاحبه استقام له الأمر، فقال عمرو: أنصفك، قال معاوية: لكنك ما أنصفت، ثم اشتد القتال وخرج الأشتر وقتل صاحب رايتهم فلما رأى عمرو شدة أهل عليّ وخاف من الهلاك قال لمعاوية: مر الناس يرفعوا المصاحف على الرماح ويقولوا: كتاب الله بيننا وبينكم فإنه يرتفع القتال، ففعلوا فقال الناس: نجيب إلى كتاب الله، وقال عليّ: يا عباد الله امضوا على حقكم فإن معاوية وابن أبي معيط وابن أبي سرح والضحاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعرف بهم صحبتهم أطفالاً ورجالاً فكانوا شر أطفال وشر رجال، وويحكم والله ما رفعوها إلا مكيدة وخدعة، فقالوا: لا يسعنا أن نُدعى إلى كتاب الله فلا نقبل، فقال: إنما قاتلناهم ليدينوا بكتاب الله، فقال: مسعر بن فك التيمي وزيد بن حسين الطائي في عصابة صاروا بعد ذلك خوارج يا عليّ: أجب إلى كتاب الله وإلا دفعنا برمتك (أعطيت الشيء برمته أي بجماعته) إلى القوم وفعلنا بك ما فعلناه بابن عفان، فقال: ان تطيعوني تقاتلوا، وان تعصوني فافعلوا ما بدا لكم قالوا: فابعث إلى الأشتر فكفه عن القتال فبعث إليه فأبى وقال: قد رجوت أن يفتح الله لي، وبعث الأشعث بن قيس إلى معاوية لأي شيء رفعتم المصاحف قا للنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله في كتابه تبعثون رجلاً ترضونه ونحن نبعث رجلاً آخر ونأخذ عليهما أن يعملا بكتاب الله ثم نتبع ما اتفقا عليه فقال الأشعث رضينا وقبلنا فرضي أهل الشام عمرو بن العاص ،
فقال الأشعث والقراء الذين صاروا خوارج: رضينا بأبي موسى الأشعري، فقال عليّ: لا لا أرضاه، فقالوا : لا نرضى إلا به، فقال عليّ: إنه فارقني، فقالوا: لا نرضى إلا رجلاً هو منك ومن معاوية سواء قال: فاصنعوا ما بدالكم، فبعثوا إلى أبي موسى وكان قد اعتزل القتال فقالوا له: إن الناس قد اصطلحوا فحمد الله قالوا: وقد جعلوك محكماً فاسترجع، وجاء أبو موسى العسكر وطلب الأحنف بنقيس من عليّ أن يكون معه فأبى الناس ذلك.
وحضر عمرو بن العاص عند عليّ لكتابة القضية فكتبوا بعد البسملة: "هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين، فقال عمرو: ليس هو بأميرنا، فقال الأحنف: إني أتطير بمحوها فمكث ملياً فقال الأشعث: امحها، فقال عليّ رضي الله عنه (الله أكبر)، وذكر قصة الحديبية وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعليّ : "إنك ستدعى إلى مثلها فتجيبها" (رواه بنحوه النسائي في خصائص علي ص/108 بألفاظ(
فكتب هذا ما تقاضى عليه عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان قاضى عليّ على أهل الكوفة ومن معهم ومعاوية على أهل الشام ومن معهم، إنا ننزل عند حكم الله وكتابه، وأن لا يجمع بيننا غيره وأن كتاب الله بيننا من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا ونميت ما أمات مما وجد الحكمان في كتاب الله وهما أبو موسى عبد الله بن قيس، وعمرو بن العاص، وما لم يوجد في كتاب الله فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة، وأخذ الحكمان من عليّ ومعاوية ومن الجند العهود والمواثيق أنهما آمنان على أنفسهما وأهلهما والأمة لهما أنصار على الذي يتقاضيان عليه وعلى عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه أن يحكما بين هذه الأمة ولا يورداها في حرب ولا فرقة حتى يقضيا. ثم أجّلا القضاء إلى شهر رمضان وأن مكان قضيتهما مكان عدل بين أهل الكوفة وأهل الشام، وشهد رجال من أهل العراق ورجال من أهل الشام، ووضعوا خطوطهم في الصحيفة وأرّخوا الكتاب لثلاث عشرة خلت من صفر سنة (37) واتفقوا على أن يوافي على موضع الحكمين بدومة الجندل (وهي على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، معجم البلدان 2/487) أو باذُرح (بلد في أطراف الشام، معجم البلدان 1/129) في شهر رمضان.
ورجع عليّ رضي الله عنه وقومه حتى دخلوا الكوفة ولم يدخل معه الطائفة التي صارت فيما بعد من الخوارج ورجع الناس من صفين وكان إقامة الجميع بصفين مائة وعشرة أيام كان فيها بين الفريقين تسعون وقعة وأحصيت القتلى من الجانبين فكانوا من قوم معاوية خمسة وأربعين ألفاً، ومن قوم عليّ رضي الله عنه خمسة وعشرين ألفاً من صحابة وتابعين، منهم ستة وعشرون رجلاً من أهل بدر.
وإلى الله المشتكى وإليه يرجع الأمر كله.
وجاء وجوه الناس إليها وفيهم القعقاع بن عمرو فسلموا عليها فقالت: وددت أني مت قبل اليوم بعشرين سنة، وقال عليّ رضي الله عنه مثل قولها.
ولما دخل الليل أدخلها أخوها محمد البصرة إلى بيت صفية بنت الحارث بن أبي طلحة من بني عبدالدار ام طلحة الطلحات.
ثم صلّى عليّ على القتلى من الجانبين وكانوا نحو عشرة آلاف قتيل، ثم دخل البصرة فبايعه أهلها، وبلغه أن بعض أهل الغوغاء عرّض لعائشة بالقول والإساءة فأحضرهم وأوجعهم ضرباً.
ثم جهزها عليّ رضي الله عنه إلى المدينة بما احتاجت إليه وبعثها مع أخيها محمد وأرسل معها أربعين من نسوة البصرة لمرافقتها، وجاء يوم ارتحالها فودعها واستعتبت له واستعتب لها، ومشى معها أميالاً وشيعها بنوه مسافة يوم، وذلك في غرة رجب فذهبت إلى مكة فقضت الحج ثم رجعت إلى المدينة.
وأما خبر وقعة صفين
وهو موضع قريب من الرقة على شاطئ الفرات" فإنه لما كانت محاصرة عثمان بالمدينة خرج عمرو بن العاص منها إلى فلسطين ومعه ابناه عبد الله ومحمد فلما بلغه الخبر بقتل عثمان ارتحل يبكي كما تبكي النساء، وقصد دمشق وبلغه بيعة عليّ فاشتد الأمر عليه وأقام ينتظر ما يفعله الناس، ثم بلغه سير عائشة وطلحة والزبير وسمع أن معاوية بالشام لم يبايع علياً رضي الله عنه فاستشار ابنيه في المسير إلى معاوية، فقال له عبد الله: توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلم والشيخان بعده وهم راضون عنك فأرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى تجتمع الناس، وقال له محمد: أنت ناب من أنياب العرب فكيف يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صيت، فقال: يا عبد الله أمرتني بما هو خير لي في ديني، ويا محمد أمرتني بما هو خير لي في دنياي وشر لي في آخرتي.
فلما رجع عليّ رضي الله عنه من وقعة الجمل إلى الكوفة أجمع على التوجه إلى الشام بعسكره، وقد كان عسكر معاوية سلك الفرات فشكى الناس إلى عليّ العطش فبعث صعصعة بن صوحان إلى معاوية بأنا سرنا ونحن عازمون على الكف عنكم حتى نعذر إليكم فسابقنا جندكم بالقتال ورأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك وقد منعتم الماء والناس غير منتهين فابعث إلى أصحابك يخلون عن الماء حتى ننظر بيننا وبينكم. فأشار عمرو بتخلية الماء وأشار ابن أبي سرح والوليد بن عقبة بمنع الماء فتشاتم معهم صعصعة ورجع وجاء الأشعث بن قيس إلى الماء فقاتلهم وجاء عليه الأشتر بجماعته فملكوا الماء وأرادوا منعهم منه فنهاهم عليّ رضي الله عنه عن ذلك وأقاموا يومين.
ثم بعث عليّ إلى معاوية يدعوه إلى الطاعة وذلك أول ذي الحجة سنة ست وثلاثين فدخلواعلى معاوية وتكلم معه بشير بن عمرو بعد أن حمد الله وأثنى عليه أمره بالموعظة الحسنة وناشده الله أن لا يفرق بين الجماعة ولا يسفك الدماء فقال: هلا أوصيت صاحبك بذلك، فقال: بشير ليس مثلك هو أحق بالأمر بالسابقة والقرابة، قال: فما رأيك؟ قال: تجيبه إلى ما دعا إليه بالحق، قال معاوية: ونترك دم عثمان لا والله لا أفعله أبداً،فقال شيث بن ربعي: يا معاوية إنما طلبت دم عثمان تستميل به هؤلاء السفهاء الطغام (أوغاد الناس) إلى طاعتك، ولقد علمنا أنك أبطأت على نصرة عثمان لطلب هذه المسألة فاتق الله ودع عنك ما أنت عليه ولا تنازع الأمر أهله، فأجابه معاوية بما لا يرضي،وقال: انصرفوا فليس بيني وبينكم إلا السيف، فقال شيث: أقسم بالله لنعجلنها لك، ورجعوا إلى عليّ بالخبر فأقاموا يقتتلون ثم جاء المحرم فذهبوا إلى الموادعة حتى ينقضي طمعاً في الصلح، ثم جرت المخابرات والإنذارات والمواعظ من أمير المؤمنين رضي الله عنه إلى معاوية وهو يطاول ويطلب قتلة عثمان فلما انسلخ المحرم نادى أمير المؤمنين في الناس بالقتال وعبّى الكتائب وقال: لا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم، فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا، ولا تأخذوا مالاً، ولا تهيجواامرأة وإن شتمتكم فإنهن خِساف الأنفس والقوى (الخاسف: المهزول والمراد هنا ضعافالأنفس والقوى والله أعلم) ، ثم حرضهم ودعا لهم .
وكان مع عليّ رضي الله عنه تسعون ألفاً وكان مع معاوية مائة وعشرون ألفاً كلهم مسلمون فابتدؤا القتال مناوبة قبيلة لقبيلة إلى خمسة أيام، وخرج عمار بن ياسر وقال: اللهم إني لا أعمل عملاً أرضى من جهاد هؤلاء الفاسقين، ثم نادى : من سعى في رضوان الله فلا يرجع إلى مال ولا ولد فأتاه عصابة فقال: اقصدوا بنا هؤلاء الذين يطالبون بدم عثمان يخادعون بذلك عما في نفوسهم من الباطل، حتى دنا من عمرو بن العاص وقال: يا عمرو بعت دينك بمصر تباً لك، فقال: إنما أطلب دم عثمان، قال: أتشهد أنك لا تطلب وجه الله؟ فالتحم القتال حتى قُتل عمار بن ياسر بن عامر المدلجي ثم العنسى من أجلاء الصحابة ومن السابقين هو وأبوه وأمه شهد بدراً وأُحداً والخندق وبيعة الرضوان.
قال صلّى الله عليه وسلّم: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن ام عبد" (عزاه السيوطي في الجامع الصغير 1/197 للترمذي عنابن مسعود، والروياني عن حذيفة، وابن عدي 7/2654 عن أنس ورمز السيوطي له بالصحة: وذكره ابن عدي أيضاً عن ابن مسعود 2/666)، وقال: "من عادى عماراً عاداه الله ومن أبغض عماراً أبغضه الله" (رواه أحمد في مسنده 4/89-90) فلما قُتل عمار حمل عليّ رضي الله عنه ومعه ربيعة ومضر وهمدان حملة شديدة يقولون: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية" (رواه البخاري في الصلاة: باب التعاون في بناء المسجد ومسلم في الفتن: باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، ورواه الترمذي في المناقب: مناقب عمار بن ياسر، وأحمد في مسنده 2/161، 164، 206) فلم يبق لأهل الشام صف إلا انتفض حتى بلغوا معاوية فناداه عليّ: علام يقتل الناس بيننا هلمّ أحاكمك إلى الله فأينا قتل صاحبه استقام له الأمر، فقال عمرو: أنصفك، قال معاوية: لكنك ما أنصفت، ثم اشتد القتال وخرج الأشتر وقتل صاحب رايتهم فلما رأى عمرو شدة أهل عليّ وخاف من الهلاك قال لمعاوية: مر الناس يرفعوا المصاحف على الرماح ويقولوا: كتاب الله بيننا وبينكم فإنه يرتفع القتال، ففعلوا فقال الناس: نجيب إلى كتاب الله، وقال عليّ: يا عباد الله امضوا على حقكم فإن معاوية وابن أبي معيط وابن أبي سرح والضحاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعرف بهم صحبتهم أطفالاً ورجالاً فكانوا شر أطفال وشر رجال، وويحكم والله ما رفعوها إلا مكيدة وخدعة، فقالوا: لا يسعنا أن نُدعى إلى كتاب الله فلا نقبل، فقال: إنما قاتلناهم ليدينوا بكتاب الله، فقال: مسعر بن فك التيمي وزيد بن حسين الطائي في عصابة صاروا بعد ذلك خوارج يا عليّ: أجب إلى كتاب الله وإلا دفعنا برمتك (أعطيت الشيء برمته أي بجماعته) إلى القوم وفعلنا بك ما فعلناه بابن عفان، فقال: ان تطيعوني تقاتلوا، وان تعصوني فافعلوا ما بدا لكم قالوا: فابعث إلى الأشتر فكفه عن القتال فبعث إليه فأبى وقال: قد رجوت أن يفتح الله لي، وبعث الأشعث بن قيس إلى معاوية لأي شيء رفعتم المصاحف قا للنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله في كتابه تبعثون رجلاً ترضونه ونحن نبعث رجلاً آخر ونأخذ عليهما أن يعملا بكتاب الله ثم نتبع ما اتفقا عليه فقال الأشعث رضينا وقبلنا فرضي أهل الشام عمرو بن العاص ،
فقال الأشعث والقراء الذين صاروا خوارج: رضينا بأبي موسى الأشعري، فقال عليّ: لا لا أرضاه، فقالوا : لا نرضى إلا به، فقال عليّ: إنه فارقني، فقالوا: لا نرضى إلا رجلاً هو منك ومن معاوية سواء قال: فاصنعوا ما بدالكم، فبعثوا إلى أبي موسى وكان قد اعتزل القتال فقالوا له: إن الناس قد اصطلحوا فحمد الله قالوا: وقد جعلوك محكماً فاسترجع، وجاء أبو موسى العسكر وطلب الأحنف بنقيس من عليّ أن يكون معه فأبى الناس ذلك.
وحضر عمرو بن العاص عند عليّ لكتابة القضية فكتبوا بعد البسملة: "هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين، فقال عمرو: ليس هو بأميرنا، فقال الأحنف: إني أتطير بمحوها فمكث ملياً فقال الأشعث: امحها، فقال عليّ رضي الله عنه (الله أكبر)، وذكر قصة الحديبية وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعليّ : "إنك ستدعى إلى مثلها فتجيبها" (رواه بنحوه النسائي في خصائص علي ص/108 بألفاظ(
فكتب هذا ما تقاضى عليه عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان قاضى عليّ على أهل الكوفة ومن معهم ومعاوية على أهل الشام ومن معهم، إنا ننزل عند حكم الله وكتابه، وأن لا يجمع بيننا غيره وأن كتاب الله بيننا من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا ونميت ما أمات مما وجد الحكمان في كتاب الله وهما أبو موسى عبد الله بن قيس، وعمرو بن العاص، وما لم يوجد في كتاب الله فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة، وأخذ الحكمان من عليّ ومعاوية ومن الجند العهود والمواثيق أنهما آمنان على أنفسهما وأهلهما والأمة لهما أنصار على الذي يتقاضيان عليه وعلى عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه أن يحكما بين هذه الأمة ولا يورداها في حرب ولا فرقة حتى يقضيا. ثم أجّلا القضاء إلى شهر رمضان وأن مكان قضيتهما مكان عدل بين أهل الكوفة وأهل الشام، وشهد رجال من أهل العراق ورجال من أهل الشام، ووضعوا خطوطهم في الصحيفة وأرّخوا الكتاب لثلاث عشرة خلت من صفر سنة (37) واتفقوا على أن يوافي على موضع الحكمين بدومة الجندل (وهي على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، معجم البلدان 2/487) أو باذُرح (بلد في أطراف الشام، معجم البلدان 1/129) في شهر رمضان.
ورجع عليّ رضي الله عنه وقومه حتى دخلوا الكوفة ولم يدخل معه الطائفة التي صارت فيما بعد من الخوارج ورجع الناس من صفين وكان إقامة الجميع بصفين مائة وعشرة أيام كان فيها بين الفريقين تسعون وقعة وأحصيت القتلى من الجانبين فكانوا من قوم معاوية خمسة وأربعين ألفاً، ومن قوم عليّ رضي الله عنه خمسة وعشرين ألفاً من صحابة وتابعين، منهم ستة وعشرون رجلاً من أهل بدر.
وإلى الله المشتكى وإليه يرجع الأمر كله.
ولما أنقضى الأجل وحان وقت اجتماع الحكمين بعث عليّ رضي الله عنه أربعمائة رجل فيهم أبو موسى وعبد الله بن عباس ليصلي بالناس ولم يحضر عليّ رضي الله عنه، وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة رجل وجاء معاوية واجتمعوا بدومة الجندل وشهد معهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير والمغيرة بن شعبة واجتمع الحكمان وتفاوضا، فطلب عمرو من أبي موسى أن يجعل الأمر إلى معاوية فأبى فقال: لم أكن أوليه وأدع المهاجرين الأولين، وطلب أبو موسى من عمرو أن يجعل الأمر إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب فأبى عمرو فقال عمرو: ما ترى أنت؟ قال : أرى أن نترك علياً ومعاوية ونجعل الأمر شورى بين المسلمين يختارون من يشاؤن، فأظهر له عمرو أن هذا هو الرأي.
ثم أقبلا على الناس وقد اجتمعوا ينتظرون وكان عمرو قد عهد إلى أبي موسى أن يتقدمه في الكلام لم اله من الصحبة والسن، قال: يا أبا موسى أعلم الناس أن رأْينا قد اتفق، فقال: إنارأينا أمراً نرجو الله أن يصلح به الأمة، فجاء إليه عبد الله بن عباس وقال له: ويحك أظنه خدعك فاجعل له الكلام قبلك، فأبى، فصعد أبو موسى وقال: أيها الناس إنا نظرنا في أمر الأمة فلم نر أصلح لهم مما اتفقنا عليه، وهو أن نترك علياً ومعاوية ويولي الناس أمرهم من أحبوا وإني قد تركتهما فولوا من رأيتموه أهلاً، فجاء عمرووقال:إن هذا قد ترك صاحبه وقد تركته كما تركه وأثبت معاوية فهو ولي ابن عفان وأحق الناس بمقامه، فقال له أبو موسى: لا وفقك الله مالك غدرت وفجرت.
وركب أبو موسى ولحق بمكة حياءً، وانصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة ورجع عبد الله بن عباس بالخبر إلى عليّ رضي الله عنه فمن ذلك أخذ أمر علي بالضعف وأمر معاوية بالقوة.
وأما خبر مقتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه
فإنه اجتمع ثلاثة من الخوارج وهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي، وعمرو بن بكير التميمي، والبرك بن عبدالله التميمي واسمه الحجاج فتذاكروا في شأن المقتولين بالنهروان وقالوا: لو قتلنا أئمة الضلالة أرحنا العباد ، فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم عليّ بن أبي طالب، وقال البرك: وانا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان، وقال عمرو ابن بكير: أنا أكفيكم عمرو بن العاص فتعاقدوا وتعاهدوا واتخذوا سيوفاً مسمومة وتواعدوا لسبع عشرة ليلة منشهر رمضان سنة (40) .
فوثب ابن ملجم وقد خرج عليّ رضي الله عنه إلى صلاة الصبح فضربه بالسيف في جبهته فمسكوه وأحضروه مكتوفاً بين يدي عليّ رضي الله عنه فقال: أي عدو الله ما حملك على هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحاً وسألت الله أن يقتلك به، قال: أراك مقتولاً به، ثم قال عليّ رضي الله عنه: إن هلكت فاقتلوه وإن بقيت رأيت فيه رأيي، يا بني عبد المطلب لا تحرضوا على دماء المسلمين وتقولون قتل أمير المؤمنين لا تقتلوا إلا قاتلي.
ثم دعا الحسن والحسين ووصاهما فقال: أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا، وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء زوى عنكما، وقولا الحق، وارحما اليتيم، وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم ناصراً، واعملا بما في كتاب الله ولا تأخذكما في الله لومة لائم، وقال لمحمد بن الحنفية: أوصيك بمثل ذلك وتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك، ولا تقطع أمراً دونهما ووصاهما به.
كانت وفاته رضي الله عنه وكرّم الله وجهه لإحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين أو تسع وخمسين سنة من عمره فكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر.
فتولى غسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وصلى عليه الحسن عليه السلام ودفن سحراً قيل فيما يلي قبلة مسجد الكوفة، وقيل عند قصر الإمارة، وقيل بالنجف والصحيح أنهم غيبوا قبره الشريف خوفاً عليه من الخوارج.
أولاده رضي الله عنه
الحسن والحسين ومحسن (مات صغيراً) وزينب وأم كلثوم تزوجها عمر بن الخطاب من أبيها ليتبرك بنسب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهؤلاء الخمسة من فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وله أولاد من غيرها وهم: العباس، وجعفر، وعبد الله، وعثمان، وعبد الله، وأبو بكر، ومحمد الأصغر، ويحيى، وعمر، ورقية، ومحمد الأوسط، ومحمد الأكبر المعروف بابن الحنفية، وأم حسن، ورملة الكبرى، وأم هانئ، وميمونة، وزينب الصغرى، ورملة الصغرى، وأم كلثوم الصغرى، وفاطمة، وامامة، وخديجة، وأم الكرام، وأم سلمة، وأم جعفر، وجمانة، ونفيسة، فجملة أولاده الذكور أربعة عشر لم يعقب منهم إلا خمسة الحسن والحسين، ومحمد بن الحنفية،والعباس وعمر عاش خمساً وثمانين سنة ومات بينبع وحاز نصف ميراث أبيه.
وأما البرك بن عبد الله فإنه وثب على معاوية في تلك الليلة فضربه بالسيف فوقع في إلييه فأمسكوه فقال لمعاوية: إني أبشرك فلا تقتلني، فقال: بماذا؟ فقال: إن رفيقي قتل علياً في هذه الساعة، فقال معاوية: لعله لم يقدر عليه، قال: بلى، إن علياً ليس معه من يحرسه فقتله معاوية فمن ذلك اتخذ معاوية المقصورة وحرس الليل وقيام الشرط على رأسه إذا سجد.
وأما عمرو بن بكير فإنه جلس تلك الليلة لعمرو بن العاص فلم يخرج للصلاة وأمر خارجة بن أبي حبيبة صاحب شرطته ان يصلي بالناس فخرج وضربه عمرو بن بكير فقتله يظنه عمرو بن العاص فأخذوه إلى عمرو بن العاص فقال: من هذا؟ قالوا : عمرو بن العاص، فقال: قتلت من؟؟قالوا: خارجة، فقال: أردت عمراً وأراد الله خارجة، وعليه قيل:
وليتها إذا فدت عمراً بخارجة فدت علياً بمن شاءت من البشر
ثم أمر عمرو بقتله فقتل أهــــ
ثم أقبلا على الناس وقد اجتمعوا ينتظرون وكان عمرو قد عهد إلى أبي موسى أن يتقدمه في الكلام لم اله من الصحبة والسن، قال: يا أبا موسى أعلم الناس أن رأْينا قد اتفق، فقال: إنارأينا أمراً نرجو الله أن يصلح به الأمة، فجاء إليه عبد الله بن عباس وقال له: ويحك أظنه خدعك فاجعل له الكلام قبلك، فأبى، فصعد أبو موسى وقال: أيها الناس إنا نظرنا في أمر الأمة فلم نر أصلح لهم مما اتفقنا عليه، وهو أن نترك علياً ومعاوية ويولي الناس أمرهم من أحبوا وإني قد تركتهما فولوا من رأيتموه أهلاً، فجاء عمرووقال:إن هذا قد ترك صاحبه وقد تركته كما تركه وأثبت معاوية فهو ولي ابن عفان وأحق الناس بمقامه، فقال له أبو موسى: لا وفقك الله مالك غدرت وفجرت.
وركب أبو موسى ولحق بمكة حياءً، وانصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة ورجع عبد الله بن عباس بالخبر إلى عليّ رضي الله عنه فمن ذلك أخذ أمر علي بالضعف وأمر معاوية بالقوة.
وأما خبر مقتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه
فإنه اجتمع ثلاثة من الخوارج وهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي، وعمرو بن بكير التميمي، والبرك بن عبدالله التميمي واسمه الحجاج فتذاكروا في شأن المقتولين بالنهروان وقالوا: لو قتلنا أئمة الضلالة أرحنا العباد ، فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم عليّ بن أبي طالب، وقال البرك: وانا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان، وقال عمرو ابن بكير: أنا أكفيكم عمرو بن العاص فتعاقدوا وتعاهدوا واتخذوا سيوفاً مسمومة وتواعدوا لسبع عشرة ليلة منشهر رمضان سنة (40) .
فوثب ابن ملجم وقد خرج عليّ رضي الله عنه إلى صلاة الصبح فضربه بالسيف في جبهته فمسكوه وأحضروه مكتوفاً بين يدي عليّ رضي الله عنه فقال: أي عدو الله ما حملك على هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحاً وسألت الله أن يقتلك به، قال: أراك مقتولاً به، ثم قال عليّ رضي الله عنه: إن هلكت فاقتلوه وإن بقيت رأيت فيه رأيي، يا بني عبد المطلب لا تحرضوا على دماء المسلمين وتقولون قتل أمير المؤمنين لا تقتلوا إلا قاتلي.
ثم دعا الحسن والحسين ووصاهما فقال: أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا، وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء زوى عنكما، وقولا الحق، وارحما اليتيم، وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم ناصراً، واعملا بما في كتاب الله ولا تأخذكما في الله لومة لائم، وقال لمحمد بن الحنفية: أوصيك بمثل ذلك وتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك، ولا تقطع أمراً دونهما ووصاهما به.
كانت وفاته رضي الله عنه وكرّم الله وجهه لإحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين أو تسع وخمسين سنة من عمره فكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر.
فتولى غسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وصلى عليه الحسن عليه السلام ودفن سحراً قيل فيما يلي قبلة مسجد الكوفة، وقيل عند قصر الإمارة، وقيل بالنجف والصحيح أنهم غيبوا قبره الشريف خوفاً عليه من الخوارج.
أولاده رضي الله عنه
الحسن والحسين ومحسن (مات صغيراً) وزينب وأم كلثوم تزوجها عمر بن الخطاب من أبيها ليتبرك بنسب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهؤلاء الخمسة من فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وله أولاد من غيرها وهم: العباس، وجعفر، وعبد الله، وعثمان، وعبد الله، وأبو بكر، ومحمد الأصغر، ويحيى، وعمر، ورقية، ومحمد الأوسط، ومحمد الأكبر المعروف بابن الحنفية، وأم حسن، ورملة الكبرى، وأم هانئ، وميمونة، وزينب الصغرى، ورملة الصغرى، وأم كلثوم الصغرى، وفاطمة، وامامة، وخديجة، وأم الكرام، وأم سلمة، وأم جعفر، وجمانة، ونفيسة، فجملة أولاده الذكور أربعة عشر لم يعقب منهم إلا خمسة الحسن والحسين، ومحمد بن الحنفية،والعباس وعمر عاش خمساً وثمانين سنة ومات بينبع وحاز نصف ميراث أبيه.
وأما البرك بن عبد الله فإنه وثب على معاوية في تلك الليلة فضربه بالسيف فوقع في إلييه فأمسكوه فقال لمعاوية: إني أبشرك فلا تقتلني، فقال: بماذا؟ فقال: إن رفيقي قتل علياً في هذه الساعة، فقال معاوية: لعله لم يقدر عليه، قال: بلى، إن علياً ليس معه من يحرسه فقتله معاوية فمن ذلك اتخذ معاوية المقصورة وحرس الليل وقيام الشرط على رأسه إذا سجد.
وأما عمرو بن بكير فإنه جلس تلك الليلة لعمرو بن العاص فلم يخرج للصلاة وأمر خارجة بن أبي حبيبة صاحب شرطته ان يصلي بالناس فخرج وضربه عمرو بن بكير فقتله يظنه عمرو بن العاص فأخذوه إلى عمرو بن العاص فقال: من هذا؟ قالوا : عمرو بن العاص، فقال: قتلت من؟؟قالوا: خارجة، فقال: أردت عمراً وأراد الله خارجة، وعليه قيل:
وليتها إذا فدت عمراً بخارجة فدت علياً بمن شاءت من البشر
ثم أمر عمرو بقتله فقتل أهــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق