بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 16 يوليو 2019

الله سبحانه وتعالى هو مصدر البركة

أن الله سبحانه وتعالى هو مصدر البركة، وهو الذي يبارك الأشياء، ولا بركة ذاتية للمخلوقات؛ إنما البركة من الله لمن شاء أن يباركه، والله سبحانه بحكمته يختار من الأماكن ما يباركها،

قال سبحانه: {وَأَوْرَثْنَا القَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَتِى بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف :137].

قال تعالى : {سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الإسراء :1].

وقال سبحانه : {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَتِى بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء :71]. وقد بارك البيت الحرام0

فقال تعالى : {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران :96] .

ويختار سبحانه من الأشخاص من يباركهم، فبارك الأنبياء وأهل بيتهم، قال تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} [هود :73].

وبارك أتباع الأنبياء، ومن تبعهم، قال تعالى : {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود :48].

وأثبت سبحانه أن أنبيائه عليهم السلام يصطحبون بركتهم أينما ذهبوا، فقال سبحانه : {وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًا} [مريم :31].

وقوله تعالي {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}ويبارك الله المؤمنين المتبعين لمنهج الله،

فقال سبحانه : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف :96].

ويبارك الله الأقوال، فبارك كلامه سبحانه، قال تعالى : {وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} [الأنبياء :50].

وبارك تحية المؤمنين : {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تعْقِلُونَ}[النور :61].
ويستحب للمؤمن أن يلتمس بركة هذه الجهات التي ثبتت بركتها من عند الله سبحانه وتعالى0

وأما التبرك بآثار الصالحين، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تبرك بآثار أيدي المسلمين، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال : « قيل : يا رسول الله، الوضوء من جر مجمر أحب إليك أم من المطاهر ؟ قال : «لا بل من المطاهر إن دين الله الحنيفية السمحة» ، قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يبعث إلى المطاهر فيؤتى بالماء فيشربه أو قال : فيشرب يرجو بركة أيدي المسلمين»

قال الله تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام لإخوته: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً}

ثم قال تعالى {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}

- وقال تعالى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً}

الزكاة التطهير والبركة والتنمية في وجوه الخير والبر أي جعلناه مباركا للناس يهديهم وقيل المعنى زكيناه بحسن الثناء عليه كما تزكى الشهود إنسانا وقيل زكاة صدقة به على أبويه.

وجعلني مباركا أي ذا بركات ومنافع في الدين والدعاء إليه ومعلما له

وفي تفسير الطبري: « قوله: ]وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً[ اختلف أهل التأويل في معنى ذلك فقال بعضهم معناه وجعلني نفاعا، فعن مجاهد: ]وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً[ قال نفاعًا»

وفي تفسير ابن كثير: «قوله: ]وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ[، قال مجاهد وعمرو بن قيس والثوري وجعلني معلما للخير وفي رواية عن مجاهد نفاعا »

*وقال الحافظ الذهبي في معجم شيوخه: عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يكره مسّ قبر النبي صلي الله عليه وسلم قلت (القائل الذهبي): كره ذلك لأنه رآه إساءة أدب. وقد سئل أحمد بن حنبل عن مسّ القبر النبوي وتقبيله فلم ير بذلك بأساً. رواه عنه ولده عبدالله بن أحمد

وفعل الصحابة رضوان الله عليهم كما في هذه الاحاديث

الحديث الأول: أخرج أبو الحسين يحيى بن الحسين بن جعفر في (أخبار المدينة) عن المطلب بن عبدالله بن حنطب قال: أقبل مروان بن الحكم فإذا رجل ملتزم القبر فأخذ مروان برقبته ثم قال: هل تدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فقال: نعم إني لم آت الحجر ولم آت اللبن إنما جئت رسول صلي الله عليه وسلم لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله.

قال المطلب: وذلك الرجل: أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه.

وهو مروي في مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم وللطبراني في الكبير.

وفي أحد رواياته (واضعا وجهه على القبر) وهو صحيح بمجموع طرقه وصححه الحاكم والذهبي والسيوطي وغيرهم.

الحديث الثاني: عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال: « رأيت أسامة يصلي عند قبر رسول الله صلي الله عليه وسلم فخرج مروان بن الحكم فقال: تصلي عند قبره؟ قال إني أحبه فقال له قولا قبيحا…» الحديث.

رواه ابن حبان في صحيحه والطبراني وأحمد في مسنده حديث صحيح.

الحديث الثالث: أخرج الحاكم في مستدركه عن علي بن الحسين عن أبيه: «أن فاطمة بنت النبي صلي الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده » قال الحاكم: (هذا الحديث رواته عن آخرهم ثقات). فهو حديث صحيح، وهو تبرك بعم رسول الله صلي الله عليه وسلم.

فالحاصل أن الصلاة والدعاء عند القبر تبركا بصاحبه إلى الله به ليس فيها مخالفة، بل هي سنة صحابية مع أنهم عاينوه حياً، وقبلوا يده، وكادوا يقتتلون على وضوئه، واقتسموا شعره المطهر يوم الحج الأكبر، وكان إذا تنخم لا تكاد نخامته تقع إلا في يد رجل فيدلك بها وجهه.

يقول الذهبي: « … ونحن لما لم يصح (أي لم يقع) لنا مثل هذا النصيب الأوفر ترامينا على قبره بالالتزام والتبجيل والاستلام والتقبيل. ألا ترى كيف فعل ثابت البناني؟ كان يقبل يد أنس بن مالك ويضعها على وجهه ويقول: يد مست يد رسول الله صلي الله عليه وسلم.

وهذه الأمور لا يحركها من المسلم إلا فرطُ حبه للنبي الكريم إذ هو مأمور بأن يحب الله ورسوله أشد من حبه لنفسه وولده والناس أجمعين، ومن أمواله ومن الجنة وحورها، بل خلق من المؤمنين يحبون أبا بكر وعمر أكثر من حب أنفسهم.

ألا ترى الصحابة في فرط حبهم للنبي الكريم قالوا: ألا نسجد لك؟ فقال: لا.

فلو أذن لهم لسجدوا له سجود إجلال وتوقير، لا سجود عبادة، كما قد سجد إخوة يوسف عليه السلام ليوسف.

وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي صلوات الله وسلامه عليه على سبيل التعظيم والتبجيل لا يكفر به أصلاً، بل يكون عاصياً، فليعرف أن هذا منهي عنه، وكذلك الصلاة الى القبر». انتهى كلام الحافظ الذهبي.

وقال الذهبي: قال مصعب بن عبدالله: حدثني إسماعيل بن يعقوب التيمي قال: كان ابن المنكدر يجلس مع أصحابه، فكان يصيبه صمات (أي إغلاق واعتقال في اللسان) فكان يقوم كما هو حتى يضع خده على قبر النبي صلوات الله وسلامه عليه ثم يرجع، فعوتب في ذلك! فقال: إنه يصيبني خطر فإذا وجدت ذلك استعنت بقبر النبي الكريم. وكان يأتي موضعا من المسجد (مسجده صلي الله عليه وسلم ) يتمرغ فيه ويضطجع، فقيل له في ذلك؟ فقال: إني رأيت النبي صلي الله عليه وسلم في هذا الموضع.

وجاء نصه في تاريخ الاسلام للذهبي (حوادث سنة 121 – 140): إنه تصيبني خطرة، فإذا وجدت ذلك استغثت بقبر النبي صلي الله عليه وسلم. انتهى.

ولقد ثبت أن النبي r في رحلة الإسراء والمعراج قد صلى في بعض الأماكن تبركاً بأصحابها:

*وروى النسائي في (المجتبى) حديث الإسراء والمعراج بسند صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه في كتاب الصلاة باب فرض الصلاة وفيه: « …فسرت فقال: انـزل فصل فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهاجرة ثم قال انـزل فصل فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى، ثم قال: انـزل فصل فصليت فقال: أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام …» إلى آخر الحديث.

يقول الإمام السندي في الحاشية: « صليت بطور سيناء وهذا أصل كبير في تتبع آثار الصالحين والتبرك بها والعبادة فيها»أ.هـ.
وروى الحافظ الثقة محمد بن اسماعيل الترمذي حديث الإسراء عن شداد بن أوس رضي الله عنه وذكر فيه نـزول النبي صلي الله عليه وسلم للصلاة في المواضع الثلاثة ورواه عنه الإمام البيهقي بطريقين وقال إن إسناده صحيح وذكر له شواهد كثيرة تؤيده انظر دلائل النبوة للبيهقي

وفي هذا الحديث نرى النبي الكريم صلى بطور سيناء وببيت لحم مولد عيسى عليه السلام فسن لنا بذلك سنة الصلاة لله في الأماكن المباركة، وما مكان مولد عيسى عليه السلام بأفضل من مكان مولد محمد صلي الله عليه وسلم.

فهذا الحديث أصل كبير في تتبع المواطن المباركة والصلاة فيها لله.

*وقصة الإمام الشافعي حين بعث له الإمام أحمد قميصه فقال لحامله :" بله وادفع إلي الماء لأتبرك به " شهيرة أخرجها ابن عساكر في تاريخ دمشق 7/170 وابن الجوزي في مناقب أحمد ص 456

بل إنه كان يتبرك بقبر أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه فقد روى الخطيب البغدادي بسنده في تاريخ بغداد 1/ 122 عن علي بن ميمون قال سمعت الشافعي يقول : اني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء الى قبره في كل يوم يعني زائرا فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت الى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضى "

النصوص في إثبات التبرك كثيرة جداً وفهم منها السادة الفقهاء الحفاظ الأعلام جواز التبرك بالسادة الصالحين قدس الله سرهم.
وقول التبرك خاص برسول الله وخاص بحياته , وهذا التخصيص باطل بدعة، لم يقل به أحد من السلف، ولا المعتبرون من الخلف، وذلك لأن نصوص التبرك بالنبي صلي الله عليه وسلم عامة ولا يجوز تخصيصها إلا بدليل من الكتاب أو السنة، ومن زعم أنها مخصوصة ولم يأت بدليل مخصص فقد أخطأ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...