بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 4 فبراير 2025

تعريف البدعة ....والفرق بين الحسن منها والقبيح

 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ المُرْسَلِينَ

فإن من المهم معرفة تحديد البدعة المذمومة حتى لا تلتبس بالبدعة الحسنة ولا سيما في هذا العصر الذي كثر فيه المشوشون فإنهم لبَّسوا الأمور على الناس بقولهم عن الأمر الذي لا يعجبهم إنه بدعة ويحملون على ذلك حديث العرباض بن سارية: "وإياكم ومحدثات الأمور فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة......الحديث" رواه أبو داود والترمذي هذا الحديث الصحيح هؤلاء المشوشون يحملونه على اشياء ليست داخلة تحت هذا الحديث وإنما هي تدخل تحت حديث "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها......الحديث"  الذي رواه مسلم وذاك الحديث وكلا الحديثين صحيح الإسناد وإن كان حديث مسلم هذا "من سن في الإسلام سنة حسنة" أقوى إسنادا من ذلك الحديث والحديثان ليس بينهما تعارض عند من يفهم، من فهم معنى البدعة التي ذمها رسول الله في قوله "وكل بدعة ضلالة" لا يُطبِّقُ ذلك على السنة الحسنة التي عناها رسول الله بقوله "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها" فالقاعدة عند علماء الحديث وعلماء الأصول أنه إذا تعارض في الظاهر حديثان صحيحان يُجمع بينهما يُوفق بينهما يُفسر هذا تفسيرا لائقًا به ويفسر هذا تفسيرا لائـقًا به فيكون كلا الحديثين معمولا بهما وهذا هو طريق أهل الحديث وأهل أصول الفقه، فمن الفهم الفاسد مَن يفهم من حديث "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" أنه يشمل كل ما لم يفعله رسول الله فمن كان هذا فهمه فقد أفسد على الناس أمور دينهم وزاغ هو في حد نفسه زيغًا كبيرًا.

فتعريف البدعة التي عناها رسول الله بقوله "وكل بدعة ضلالة" ما أُحدث على خلاف الكتاب والسنة والإجماع ما أُحدث أي ما فعله الناس ولم يفعله رسول الله ولا أمر به وكان مخالفا للقرءان والحديث فهذا هو البدعة التي ذمها رسول الله بقوله "وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" هذا مَحْمِلُ هذا الحديث، على هذا يُحمل هذا الحديث، حديث "وكل بدعة ضلالة" على ما أُحدث مما يُخالف الكتاب والسنة والإجماع ثم هذا أيضا إما محرّم وإما أكثر من مجرد التحريم فإنه قد تصل بعض البدع إلى الكفر ومن البدع ما يصل إلى الكراهة هذا تعريف البدعة المذمومة.

وأما البدعة التي سماها رسول الله "سنة حسن" في حديث جرير بن عبد الله البجلي الذي رواه مسلم فهي ما أحدثه أهل العلم على وفاق القرءان والحديث والاجماع فمن هنا أحدث السلف والخلف أشياء لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت على وفاق القرءآن والحديث فعُدَّت سنة حسنة وتسمى بدعة حسنة وتسمى بدعة مستحبة، العلماء يطلقون عليها العبارات الثلاث بدعة حسنة وبدعة مستحبة وسنة حسنة من هذا نقط المصاحف.

القرءان الكريم أملاه رسول الله على من كتب عنه الوحي القرءاني فلم ينقطوه كتبوه بغير نقط كذلك عثمان بن عفان في خلافته لما كتب ست نسخ أو خمس نسخ كانت غير منقوطة هذه المصاحف التي كتبها عثمان بن عفان وَوَجَّه بعضا منها إلى الأمصار كالبصرة ومكة واتخذ لنفسه واحدا منها هذه كانت غير منقوطة بعد ذلك نقط المصاحف رجل من التابعين يقال له يحيى بن يعمر رضي الله عنه وكان من العلماء المحدثين الثقات.

هذا الكتاب يذكر وهو كتاب معتمد معروف عند السلف والخلف اسمه كتاب المصاحف تأليف عبد الله ابن أبي داود هذا أبو داود الذي هو أحد أصحاب الكتب الستة له ابن يسمى عبد الله هو ألفه، هنا باب نقط المصاحف: حدثنا عبد الله قال حدثنا محمد بن عبد الله المخزومي قال حدثنا أحمد بن نصر بن مالك قال حدثنا الحسن بن الوليد عن هارون بن موسى قال: أول من نقط المصاحف يحيى بن يَعْمَر أمـا إذا قيل لكم كيف يترك الرسول ما كتب عنه من القرءان غير منقوط؟ يقال لهم في ذلك حكمة وهي أن القرءان أنزل على الرسول بعدة أوجه اللفظ الواحد الرسول قرأه مرة بالتاء ومرة بالياء ومرة بلفظ المفرد ومرة بلفظ الجمع [يعملون] ببعض المواضع الرسول قرأ يعملون بالياء ثم قرأ أيضا بالتاء [تعملون] فلما كتب غير منقوط صار صالحا بأن يُقرأ بالياء وبأن يُقرأ بالتاء ونحو ذلك من الحكم لهذا كتب من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منقوط كذلك عثمان بن عفان كتب تلك المصاحف أي استنسخها بغير تنقيط يُقال نَقَّط ويقال نَقَطَ كِلا الوجهين صحيح، ثم أصحاب رسول الله الذين كانوا عندما نقط يحيى بن يعمر المصاحف ما اعترضوا عليه بل رضوا بذلك وأعجبهم لأن فيه تسهيلا على الناس ثم كان الاعتماد في القراءة عند الصحابة وكذلك التابعون على التلقي الشفوي هذا يتلقى من أصحاب رسول الله في هذه القراءة وءاخر يتلقى القرءان بالقراءة الثانية وهذا يتلقى بالقراءتين من استاذه الذي أقرأه القرءان كان اعتمادهم على التلقي الشفوي كانوا يعتمدون على الحفظ لذلك الذي يعتمد في القراءة على المصحف لا يُسمى مقرئا ولا قارئا يُسمى مُصحفيا فرقا بين الذي تلقى من أهل المعرفة من أهل التجويد كما تُلقيَ من لفظ رسول الله فرقا بينه وبين الذي يقرأ في المصحف بدون تلقي يتلقى الشىء القليل منه خمس سور أو ستة سور من القصار أو نحو ذلك ثم ما سوى ذلك يتخذ المصحف مقرئا له هذا الذي يُسمونه مصحفي لا يسمونه مقرئا كذلك في الحديث الذي يتلقى من أفواه أهل المعرفة ثم يضبطه كتابا على النسخة الأصلية هذا يُسمى محدِّثًا أما الذي يعتمد على المطالعة في المؤلفات في الحديث من غير تلقي من أفواه أهل المعرفة أو القراءة عليهم فلا يُسَمَّى مُحَدِّثًا.

كانت عادة علماء الحديث إما أن يسمع الحديث من الذي سمع من رسول الله ثم الآخر يتلقى من الذي سمع مِن مَن سمع من أصحاب رسول الله ثم الذي بعده كذلك يتلقى من هذا الذي تلقى مِن مَن تلقى من أصحاب رسول الله وهكذا، هذا الذي أخذ الحديث بالتلقي سَماعا من لفظ المحدث أو المحدثُ يُعطيه كتابه الذي ضبطه الذي دَوَّنَ فيه أحاديثه التي رواها مِن مَن تلقى عنهم يُعطيه يقرأ في هذا على هذا المحدث يقرأ فإن وجد منه غلطا يرده. وبعضهم كانوا يستنسخون من هذه الأصول التي عند المحدثين ثم يعرضونها على الأصل على النسخة الأصلية فيعتمدون عليها بعد ذلك، فمن كان تلقيه لعلم الحديث على هذه الطريقة يُقال له مُحَدِّث أما من لم يكن على هذه الطريقة إنما اشترى كُتُبا ثم طالع بنفسه هذا يُقال له الصحفيٌّ لا يُسمى محدثا.

ثم حصل من أصحاب رسول الله غيرُ هذا مما هو سُنة حسنة ويُقال لـه بدعة مستحبة وبدعة حسنة ما حصل من بعض الصحابة وهو أن أحد أصحاب رسول الله يُقال لـه خُبَيْب وهو من الأنصار من أهل المدينة، الكفار كفار مكة قبل أن يفتح رسول الله مكة لما كان المشركون هم متغلبين على مكة كان لهم ثأر منه لأنه قتل بعض أقرباء هؤلاء الكفار، في الجهاد أسره الكفار قتلوه صبرا أي أسيرا وهو أسير مأسور في أيديهم قتلوه عندما ساقوه للقتل قال لهم أمهلوني حتى أصلي ركعتين فصلى ركعتين، قال أبو هريرة رضي الله عنه: فكان خبيب أول من سن الصلاة عند القتل معناه قبل خبيب ما أحد فعل هذا الفعل وهو صلاة ركعتين عند القتل ولا قال رسول الله لأصحابه إذا قدمكم الكفار للقتل فصلوا ركعتين لم يقل الرسول، ما أخذه من قول رسول الله من نص رسول الله، إنما خبيب وجد هذا الأمر موافقا للقرءان والحديث فرضي به، فهذا الفعل الصحابة أٌعجبوا به من غير أن يكون قال الرسول لأصحابه إذا قدمكم المشركون للقتل فصلوا ركعتين من غير أن يكون سبق من رسول الله ذلك من غير أن يكون سبق منه هذا القول هو فعله هذا الصحابي  رضي الله عنه هذا من جملة السنة الحسنة والبدعة التي تسمى البدعة الحسنة والبدعة المستحبة.

فمن هذه الحادثة حادثة صلاة خبيب رضي الله عنه ركعتين عندما قُدم للقتل وحادثة تنقيط المصاحف التي أول من فعلها يحيى بن يَعمر يُعْلَمُ بطلان قول هؤلاء لما يُنكرون على الناس أشياء هي من البدع الحسنة هذا ما فعله الرسول، هذا ما فعله الرسول ليشوشوا بذلك على الناس، هؤلاء إذا أردتم أن تُسكـتوهم قولوا لهم هذه المصاحف التي تتخذونها منقوطة أم غير منقوطة؟ فإن قالوا منقوطة هذا قولوا لهم التنقيط ما فعله الرسول ما قال للذين كتبوا من لفظه نقطوها ما قال ولا الصحابة فعلوا ذلك فهذا الشئ لم يفعله الرسول ولا أمر به نصا وأنتم لا نراكم تتجنبون هذه المصاحف بل تستعملونها وتتخذونها في بيوتكم فإن كنتم صادقين فابدؤا بكشط المصاحف، إزالة النقط عنها، وأسماء السور أيضا في أوائل السور، أسماء السور ما كانت مكتوبة في مصاحف عثمان ما كتب في أول البقرة سورة البقرة، في أول سورة ءال عمران ما كان مكتوبا في تلك المصاحف التي كتبها الصحابة كل هذا أزيلوه جردوا القرءان من كل هذا من النقط ومن أسماء السور ومن الإعراب كذلك.

كانوا أول ما فعلوا بعض الأعمال في المصحف كانوا بين ءاية وءاية ثلاث نقط كانوا يضعون ثم بعد ذلك تحولوا إلى وضع دائرة مع الأرقام، كذلك لم تكن في مصاحف الصحابة كتابة عدد ءايات السورة أما اليوم هذه المصاحف فيها التنقيط فيها ذكر أنها مدنية أو مكية وفيها أشياء أخرى وفيها التعشير أي وضع علامة على كل عشر ءايات، كذلك علامة على كل حزب وعلى كل جزء ورقم الصفحة كل هذا ما كان أيام الرسول ما فعله الرسول ما أمر بفعل ذلك.

وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى أَعْلَمُ وَأَحْكَمْ

وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين


الاثنين، 3 فبراير 2025

معنى ما ورد في الايات والاحاديث عن اليد والقبضة والاصابع بين الحقيقة والمجاز

 قال الله تعالى [وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامه والسماوات مطويات بيمينه سبحانه .........]الزمر (آية:67):


مامعنى قبضته ...مامعنى مطويات بيمينه ...

وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:[قلب ابن آدم بين اصبعين من اصابع الرحمن...]


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته التي ذكر أنها بيان عقيدة أهل السنة والجماعة ما نصه: "تعالى الله عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات" اهـ.


فأهل السنة والجماعة -سلفا وخلفا- نزّهوا الله عن الأعضاء والجوارح والأعداد فلم يقل قائل منهم إن "اليد" في حق الله "عضو" ولا قالوا "جارحة" ولا قاسوها بعدد.


الحمد لله الذي جعل العربية افضل اللغات وجعلها لغة اهل الجنة ولغة القرءان ولغة النبي صلى الله عليه وسلم


فلا يجوز تفسير القرءان بغير لغة العرب فأقول قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ...والمقصود أن يد الجارحة مستحيلة ( يعني الله لا يجوز ان يوصف بالجارحة والجارحة هي التي لدينا ولا ينفع ان يقال له يد يعني عضو ولكن لا يشبه اعضائنا فهذا من الفساد والتجسم وهو كفر ) قوله فضحك رسول صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قال الحبر تصديقا له ثم قرأ وما قدروا الله حق قدروه ولأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ظاهر الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم صدق الحبر فى قوله إن الله تعالى يقبض السموات والأرضين والمخلوقات بالأصابع ثم قرأ الآية التى فيها الاشارة الى نحو ما يقول


قال القاضى وقال بعض المتكلمين ليس ضحكه صلى الله عليه وسلم وتعجبه وتلاوته للآية تصديقا للحبر بل هو رد لقوله وانكار وتعجب من سوء اعتقاده فان مذهب اليهود التجسيم


وقال ايضا


وأما إطلاق اليدين تعالى فمتأول على القدرة وكنى عن ذلك باليدين لأن أفعالنا تقع باليدين فخوطبنا بما نفهمه ليكون أوضح وأوكد فى النفوس وذكر اليمين والشمال حتى يتم المثال لأنا نتناول باليمين ما نكرمه وبالشمال ما دونه ولأن اليمين فى حقنا يقوى لما لا يقوى له الشمال ومعلوم أن السموات أعظم من الأرض فأضافها الى اليمين والأرضين الى الشمال ليظهر التقريب فى الاستعارة وان كان الله سبحانه وتعالى لا يوصف بأن شيئا أخف عليه من شىء ولا أثقل من شىء هذا مختصر كلام المازرى فى هذا قال القاضى وفى هذا الحديث ثلاثة ألفاظ يقبض ويطوى ويأخذ كله بمعنى الجمع لأن السموات مبسوطه والأرضين مدخوة وممدودة ثم يرجع ذلك الى معنى الرفع والازالة وتبديل الأرض والسموات فعاد كله الى ضم بعضها الى بعض ورفعها وتبديلها تغيرها قال فأتى النبى صلى الله عليه وسلم أصابعه وبسطها تمثيل لقبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها وحكاية للمبسوط والمقبوض وهو السموات والارضون لا اشارة الى القبض والبسط الذى هو صفة القابض والباسط سبحانه وتعالى ولا تمثيل لصفة الله تعالى السمعية المسماة باليد التى ليست بحارحة


وقال النووي قال عياض


قال والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم فيما ورد فى هذه الأحاديث من مشكل ونحن نؤمن بالله تعالى وصفاته ولا نشبه شيئا به ولا نشبهه بشىء ليس كمثله شىء وهو السميع البصير وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه فهو حق وصدق فما أدركنا علمه فبفضل الله تعالى وما خفى علينا آمنا به ووكلنا علمه اليه سبحانه وتعالى وحملنا لفظه على ما احتمل فى لسان العرب الذى خوطبنا به ولم نقطع على أحد معنييه بعد تنزيهه سبحانه عن ظاهره الذى لا يليق به سبحانه وتعالى وبالله التوفيق . انتهى كلام النووي


ان كلام العلماء هو تنزيه الله تعالى عن هذا الظاهر المتبادر الى بعض اذهان الناس وما هذا الا من تمويهات الوهابية فانه يصفون الله تعالى بالجارحة ولكن يقولون ليس كجوارحنا


قال الحافظ السيوطي في كتابه: "الإتقان": "من المتشابه آيات الصفات، ولابناللَّبَّان فيها تصنيف مُفْرد، نحو: "الرحمن على العرش استوى"، "كل شيء هالك إلاوجهه"، "ويبقى وجه ربك"، "ولتصنع على عيني"، "يد الله فوق أيديهم"، "لما خلقت بيدي"، "والسموات مطويات بيمينه". وجمهور أهل السنة، منهم السلف وأهل الحديث: على الإيمان بها، وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى، ولا نُفَسِّرها مع تنزيهناله عن حقيقتها" ا.هـ المراد


فلو نظرنا الى كلام الامام عن قوله تنزيهنا له عن حقيقتها وحقيقة قبضة اليد اي الجسم اي العضو فالله منزه عن العضو

وقد قال الامام الطحاوي ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر


اما بالنسبة للصورة يعني الهيئة يعني الشكل والعياذ بالله فالله تعالى منزه عن هذه الاشياء لان من كان له صورة او شكل حتى لو كنا لا نعلم هذا الشكل ولا هذه الصورة فانه لا شك محتاج لمن خصه بهذا الشكل وهذه الصورة عن غيرها من الاشكال والصور ومن كذلك فهو مخلوق ولا حول ولا قوة الا بالله


قال الإمام الجوزي عقب الحديث: ولما كان القلب بين إصبعين ذليلا مقهورا دلَّ بهذا على أن القلوب مقهورة لمقلِّبها


وقال البيهقي عقب ذكره الحديث: فقد قرأت بخط أبي حاتم أحمد بن محمد الخطيب في تأويل هذا الخبر قيل: معناه تحت قدرته وملكه وفائدة تخصيصها بالذكر أن الله تعالى جعل القلوب محلا للخواطر والإيرادات والعزوم والنيات وهي مقدمات الأفعال ثم جعل سائر الجوارح تابعة لها في الحركات والسكنات ودل بذلك على أن أفعالنا مقدورة لله تعالى مخلوقة لا يقع شىء دون ارادة الله


فالعلماء اثبتوا ان الله تعالى يستحيل عليه ان يكون له اعضاء بل السلف قالوا هذا ومنهم الامام الطحاوي رضي الله عنه فقال في عقيدته تعالى الله عن الغايات والاركان والاعضاء .... فالسلف ينزهون الله عن الاعضاء ولكن الوهابية مدعي السلفية يثبتون لله الاعضاء

=========================


اللغة العربية فيها المجاز


ففي لسان العرب ما نصه: "ابن الأَعرابي: اليَدُ النِّعْمةُ، واليَدُ القُوَّةُ، واليَدُ القُدْرة، واليَدُ المِلْكُ، واليَدُ السُلْطانُ، واليَدُ الطاعةُ، واليَدُ الجَماعةُ، واليَدُ الأَكْلُ" اهـ.


وفيه: "واليَدُ النَّدَمُ، ومنه يقال: سُقِط في يده إِذا نَدِمَ، وأُسْقِطَ أَي: نَدِمَ. وفي التنزيل العزيز: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}[الأعراف] أَي: نَدِمُوا، واليَدُ الغِياثُ، واليَدُ مَنْعُ الظُّلْمِ، واليَدُ الاسْتِسلامُ، واليدُ الكَفالةُ في الرَّهْن؛ ويقال للمعاتِب: هذه يدي لكَ" اهـ.


وفيه: "وفي الحديث: "أَنه -صلى الله عليه وسلم- قال في مناجاته ربه وهذه يدي لك". أَي: اسْتَسْلَمَتُ إِليك وانْقَدْت لك، كما يقال في خلافِه: نزَعَ يدَه من الطاعة. ومنه حديث عثمان -رضي الله تعالى عنه-: "هذه يَدي لعَمَّار". أَي: أَنا مُسْتَسْلِمٌ له مُنْقادٌ فليَحْتَكِمْ عليَّ بماشاء" اهـ.


وفيه: "ويقال: اليَدُ لفلان على فلان أَي: الأَمْرُ النافِذُ والقَهْرُ والغَلَبةُ، كما تقول: الرِّيحُ لفلان.


وقوله عز وجل: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة].

قيل: معناه عن ذُلٍّ وعن اعْتِرافٍ للمسلمين بأَن أَيْدِيَهم فوق أَيْدِيهم، وقيل: عن يَدٍ أَي: عن إِنْعام عليهم بذلك لأَنَّ قَبول الجِزْية وتَرْكَ أَنْفُسهم عليهم نِعمةٌ عليهم ويَدٌ من المعروف جَزِيلة، وقيل: عن يَدٍ أَي: عن قَهْرٍ وذُلٍّ واسْتِسْلام، كما تقول: اليَدُ فيهذا لفلان أَي: الأَمرُ النافِذُ لفُلان" اهـ.


وفيه: "وفي حديث الهجرة: "فأَخَذَ بهم يَدَ البحرط. أَي: طريق الساحل" اهـ.


وفي الحديث: "المُسْلِمُونَ تتَكافَأُ دماؤُهم ويَسْعَى بذِمَّتهم أَدْناهم وهم يَدٌ على مَن سِواهم" أَي: كَلِمَتُهم واحدة، فبعضُهم يُقوّيبَعْضًا، والجمع أَيْدٍ، قال أَبو عبيد: معنى قوله: يَدٌ على مَن سواهمأَي: هم مجتمعون على أَعدائِهم وأَمرُهم واحد، لا يَسَعُهم التَّخاذُل بليُعاوِنُ بعضُهم بعضًا، وكَلِمَتُهم ونُصْرَتُهم واحدةٌ على جميع المِلَلِ والأَدْيانِ المُحاربةِ لهم، يتَعاوَنون على جميعهم ولا يَخْذُل بعضُهم بعضًا، كأَنه جعل أَيْدِيَهم يَدًا واحدةً وفِعْلَهم فِعْلاً واحدا.


.وقوله تعالى: {بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ} [المائدة].


قالوا: نعمته وقدرته.


ففي لسان العرب: "يقال: فلان طَوِيلُ اليَدِ وطويلُ الباعِ إِذا كان سَمْحاً جَوادا" اهـ.


وفيه: "واليَدُ: الغِنَى والقُدْرةُ، تقول: لي عليه يَدٌ أَي: قُدْرة" اهـ.

*وقوله تعالى: {لِمَا خَلَقتُ بِيَديَّ} [ص].


قالوا: نعمته وإحسانه.


وفي لسان العرب ما نصه: "والعرب تقول: ما لي به يَدٌ أَي: ما لي به قُوَّة، وما لي به يَدانِ، وما لهم بذلك أَيْدٍ أَي: قُوَّةٌ، ولهم أَيْدٍ وأَبْصار وهم أُولُو الأَيْدي والأَبْصار" اهـ.


وفيه: "يقال: فلان طَوِيلُ اليَدِ وطويلُ الباعِ إِذا كان سَمْحاً جَوادا" اهـ.

*وقوله تعالى: {وَالسَماء بَنَيناها بِأَيْدٍ} [الذاريات].


قالوا: أي بقوة.


وفي التنزيل العزيز: {أُولِي الأيْدِي وَالأَبْصَارِ} [ص] قيل: معناه أُولي القُوَّة والعقول.


*وقوله تعالى: {خَلَقنا لَهُم مِمَّا عَمِلَت أَيدينا أَنعامًا} [يس]


قالوا: أي مما عملنا نحن أي مما أبدعناه وعملناه من غير واسطة ولا وكالة ولا شركة، كما في [الجامع لأحكام القرءان للقرطبي].


وفي حديث يأْجُوجَ ومأْجُوجَ: "قد أَخْرَجْتُ عِبادًا لِي لا يَدانِ لأَحَدٍ بِقِتالِهمْ". أَي: لا قُدْرَةَ ولا طاقَة.


ولو ان شخص اخذ بظاهر هذه الاية وغيرها

{ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ } (171) سورة النساء


ومعنى روح منه اي انها اي روح المسيح عليه السلام صادرة خلقا وتكوينا من الله وليس المعنى ان لله روح وعيسى عليه السلام جزء من الله لكان حصل منه ما حصل من النصارى


فان من اعتقد ان لله يد بمعنى العضو يعني الجارحة او قبضة بمعنى العضو يعني الجارحة او غير ذلك مما ورد بالحديث او الايات فاعتقد انها عضو فهذا مشبه ولو زعم وقال انا لست مشبه ولو قال انا انفي ان اقول هي كاعضائنا لانه بمجرد وصف الله بالعضو صار تشبيه


وهذا القول اي نسبة العضو لله في نسبة الجزء من الكل وفيه نسبة التجسيم لله تعالى


ومعتقد هذا الكلام كافر بربه عليه الرجوع للاسلام بالنطق بالشهادتين بقول لا اله الا الله محمد رسول الله


الخميس، 30 يناير 2025

حديث (للهُ أَشَدُّ أذَنًا لِقَارِئٍ حَسَنِ الصّوتِ مِن صَاحِبِ القَيْنَةِ إلى قَيْنَتِه)

 حديث (للهُ أَشَدُّ أذَنًا لِقَارِئٍ حَسَنِ الصّوتِ مِن صَاحِبِ القَيْنَةِ إلى قَيْنَتِه) رواه أحمد والبيهقي والحاكم والطبراني وابن ماجه وابن حبان، معناهُ الذي يَقرَأ القرءانَ بصَوتٍ حسَنٍ عندَ اللهِ محبُوب، هذا أحسَنُ مِنَ الذي يكونُ لهُ مُغَنّيَة تُغَنّي لهُ، في الـماضي كانَ يَكونُ لهم جَوارٍ يُغَنّيْن.


الأذَنُ الاسْتِمَاعُ، قال في النّهاية في غَريب الحديث (القَيْنَةُ الأمَةُ غَنَّت أو لـم تُغَنّ والـماشِطةُ وكثيرًا ما تُطْلَق على الـمغَنِيَة منَ الإماء وجَمْعُها قَيْنَات).


وقَدْ زَاغَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ عِلْمَ التَّنْزِيهِ مِمَّنِ اقْتَصَرَ عَلَى حِفْظِ القُرْءانِ مِنْ دُونِ تَلَقٍّ لِعِلْمِ الدِّينِ تَفَهُّمًا مِنْ أَفْواهِ أَهْلِ العِلْمِ الَّذِينَ تَلَقَّوْا مِمَّنْ قَبْلَهُمْ، فَقَالَ إِنَّ اللهَ لَهُ ءَاذَانٌ، فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ أَلَيْسَ قَالَ الرَّسُولُ (لَلَّهُ أَشَدُّ ءاذَانًا)، فَقِيلَ لَهُ أَنْتَ حَرَّفْتَ الْحَدِيثَ، الْحَدِيثُ (أَذَنًا) وَلَيْسَ ءَاذَانًا، هُوَ ظَنَّ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ عَالِمٌ، فَتَجَرَّأَ عَلَى تَحْرِيفِ هَذَا الْحَدِيثِ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ الصَّوابُ، وَالأَذَنُ في اللُّغَةِ الاسْتِمَاعُ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَ الإِمامُ الأَوْزَاعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْحَدِيثَ، وَقَوْلُ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ أَفْحَشِ الكَذِبِ عَلَى اللهِ، لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُشَبِّهَةِ قَبْلَهُ فِيمَا نَعْلَمُ.

وَكَمَا ذَكَرنَا مَعْنَى الْحَدِيثِ الَّذِي هُوَ (لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا لِقَارئِ الْقُرْءانِ مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلى قَيْنَتِهِ) أنَّ اللهَ يُحِبُّ قِرَاءَةَ الْقُرْءانِ مِنَ الَّذِي يُتْقِنُهَا مخلصًا أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ الاسْتِمَاعَ إِليها وقد اشْتَرَاهَا وَعَلَّمَهَا الْعَرَبِيَّةَ حَتَّى تُغَنِّيَ لَهُ.


اﻷصل في الدين علم العقيدة

 اﻷصل في الدين علم العقيدة


ليسَ الأصلُ في دِينِ اللهِ الطّريقَة ثم إنّ الإنسانَ إذا كانَ مُجتَهدًا، تَعلَّم العِلمَ الضّرُوريّ من الدّين، الذي يتَعلّق بالاعتقاد بمعرفةِ الله، والعِلم الذي يتَعلّق بالواجِبات القَلبِية والواجِبات البَدنيّة وأدّى ذلكَ كمَا أمَرَ اللهُ هذا يَصِيرُ وَليّا إن أكثَر مِن نَوع النّوافل كقضاءِ حاجَاتِ الناس لوجه الله، بعضُ النّاس لهم ولَهٌ بقَضاءِ حَاجاتِ النّاس لوَجهِ اللهِ ليسَ لكي يَكسِبُوا سُمعَةً عندَ النّاس أي أن يُقالَ لهُ فُلانٌ فَاعلُ خَير، إنّما قَصدُه امتِثالُ أَمرِ الله لأنّ اللهَ أَمَر بالمعروف، هذا الإنسانُ يَصِيرُ وَليّا ليسَ هناكَ ما يَمنَعُه لأنّه أَدّى الفرائض، أدّى الواجِباتِ واجتَنَبَ المحَرّمَاتِ، وأَكثَر مِن نَوع مِن النّوافل كقراءةِ القُرءان، أكثَر مِن قِراءَة القرءان، هذا يَصِيرُ وَليّا مِن غَيرِ أن يَأخُذَ الطّريقةَ وكثيرٌ ممن يَأخُذونَ الطّريقةَ أَغلَبُهم لا يَصِلُونَ إلى الولاية لأنّهم ما تَزكّت نفُوسُهم، ما وصَلَت إلى الحالَةِ التي يَكُونُونَ مِنَ المستَقِيمِينَ بطَاعةِ الله، مَا وصَلُوا إلى أَداءِ الواجِبَات كما يجبُ واجتِنابِ المحَرّمَات كما يجبُ بل يَأكلُونَ المالَ الحرَامَ، أنَا أَعرف إنسانًا أَخَذَ الطّريقةَ النّقشَبنديّة منذُ أربعَ عَشْرَة عامًا وهوَ بَعدُ يتَعامَل بالرّبا في بنُوك الرّبا، هذا لا يَصِيرُ وَليّا لمجَرّد أنّه أخَذ العَهدَ على شَيخٍ للطّريقةِ النّقشَبَنديّة، حرَامٌ عليهِ الولايةُ حتى يتُوبَ لأنّ أوّلَ شَرطٍ، أَوّلَ قدَم يَضَعُه الإنسانُ لتَطبِيقِ الوصُولِ إلى الوِلايَةِ التّوبَةُ أي التّخَلّي عن الذّنُوب كُلّها، هذا مُتَلبِّسٌ بكَبائر الذُّنُوب وقَد أخَذَ العَهدَ للطّريقَة النّقشَبنديّة منذُ أربعَ عَشْرَة سنة، هذا حرَامٌ عليهِ أن يَصِيرَ وليّا، العِبرَةُ بأَداءِ الواجِباتِ واجتِنابِ المحَرّمَاتِ ليسَت العِبرَةُ بالانتِسَاب إلى طَريقَةِ شَيخ مِن المشَايخ أنَا أعرِف امرأةً مُسِنّةً أخَذَت الطّريقةَ النّقشبَنديّة وتُدِيرُ خَتمًا للنّساء يَجتَمِعُ علَيها نَحوُ سَبع وعِشرينَ امرأةً لإدارة الختْم النّقشَبنديّ، العياذُ بالله هي في غَمرة الكُفر،ٍ قالت جِبريل يَزُورني وقالت عن الله إنّه أَجلَسَني في حِضنه وأَطْعَمَني كاتُو وقالت بعدَ هذه الكلمة كلمةً يَستَحي اللّسان مِن ذِكرها، انظُروا هذه أَخذَت الطّريقةَ النّقشَبَنديّة وتعَيّنَت مُديرةً للخَتْم النّقشَبَنديّ لكنّها جَاهلة بعِلم الدّين، ما تعَلّمَت العِلم الضّروريّ، فَرضٌ عَظِيمٌ مِنَ الفُروض تعَلُّم العِلم الضّروريّ الذي يَعرف بهِ الإنسانُ ما هوَ الذي فرَضَه الله على العبادِ مِنَ الاعتقاد ومِنَ الأعمال البَدنيّة وما يحِلّ مِنَ المال وما يَحرُم مِنَ المال وما يَحِلُّ مِن الكلام وما يَحرُم مِنَ الكلام وما يحِلُّ منَ النّظَر وما يَحرُم مِنَ النّظَر وما يحِلُّ منَ المشْي وما يَحرُم مِنَ المشْي وما يحِلّ أَكلُه ومَا يَحرُم أَكلُه وما يَحِلُّ شُربُه وما يَحرُم شُربُه، ما تعَلّمَت هذا، كانَت في غَمرَةِ الجَهْل، ما كانت كبِيرةَ السّنّ وانتَسَبت للطّريقة النّقشَبنديّة، أخَذَت العَهدَ على شَيخ من مشَايخ النّقشبَنديّة واقتصَرت على هذا ثم ما قالَت أنا يَنقُصني العِلم الضّروريّ فلْأتعَلّمْ فَورًا بل ركَنَت إلى جَهلِها واستَمرّت على ذلك فتَلاعَب بها الشّيطان وأوقَعَها في الكفريّاتِ والعياذُ بالله، امرأةٌ أُخرَى قالت إنّه يَأتِيني الشّيطان وهو لابس الطّربوش يَأخذُني إلى شجَراتِ الزّيتُون ويقولُ ليْ أنَا رَبُّك فقلتُ لهُ تَأمُر فصَرختُ علَيها قلتُ لها هذا مَخلوقٌ مِثلُك كيفَ تَقُولينَ لهُ تَأمر، وهذه أيضا دخَلَت في النّقشبَنديّة، انظُروا إلى نَتِيجَةِ الجَهْل، الجاهلُ بعِلم الدّين لا يَكُونُ وَليّا، حَرامٌ علَيه أن يكونَ وَليّا لو أَخَذَ العَهدَ على قُطبِ زمَانِه، على رئيسِ الأولياء في عَصره حَرامٌ عَليه أن يكونَ وَليّا أو أن يَصِيرَ قَريبا منَ الله تعالى، حرامٌ عليه لأنّه تَركَ الطّريق الذي يُقَرّب إلى اللهِ ورَكَن إلى ما يُبعِدُه مِنَ الله، ركَن ثَبَت واستَمرَّ على ما يُبعِدُه مِنَ الله بدَلَ أن يَمشِي قُدُمًا إلى ما يُقَرّبُه إلى الله لأنّ الذي يتَعلّم عِلمَ الدّين الضّروريَّ وعَمِلَ بهِ شَيئًا فشَيئًا إن لم يَعمَلْ بهِ دَفعَةً واحِدَةً أي إن لم يُطَبّقْ ذلكَ على نَفسِه دَفعَةً واحِدَةً، بل صارَ يَعمَلُ بهِ يَومًا فيَومًا حتى طَبّقَ ذلكَ كُلَّه هذا وَصَل، أمّا ذاكَ الذي ركَنَ إلى جَهلِه واكتَفَى بأنْ قالَ أنَا حَجَجْتُ حَجّاتٍ أو أَخَذْتُ الطّريقَةَ مِن الشّيخ الفُلاني،الطّريقةَ القَادريّةَ أو النّقشبنَديّةَ أو الرّفاعيّةَ فهَذا خَاسرٌ مِنَ الخَاسِرينَ مَغرُورٌ يتَلاعَبُ بهِ الشّيطان، هذا حَرامٌ مُستَحِيلٌ أن يَصِيرَ وَليّا ما دامَ على هذه الحَال، لا يَغُرّنّكُم قولُ كَثِيرٍ مِنَ النّاس نَأخُذ الطّريقةَ، الطّريقةُ هيَ تعَلمُّ العِلم الضّروريّ وأداء مَا أوجَب الله على عِبادِه واجتِنَابُ ما حَرّم اللهُ على عبادِه، هذه هيَ الطّريقةُ الموصِلَةُ إلى الله، وهذه طَريقَةُ الولاية، كثيرٌ منَ الأخفياءِ الذينَ ما انتَسَبوا إلى طَريقةٍ مِنَ الطُّرُق صَاروا أولياءَ الله لأنّهم تَعلّمُوا الضّرورياتِ مِن أهلِ المعرفة، مِن إنسَانٍ يَعلَمُ العِلمَ الضّروريَّ تعَلَّمَه ممن قَبلَه وهكذا بالتّسَلسُل إلى الصّحابةِ والصّحابَةُ عن رسولِ الله، تَعلُّم العِلم الضّروريّ مِن إنسانٍ عَارفٍ بهِ ثِقَةٍ ثم جَدَّ في العَمل وليسَ مَعرُوفًا عندَ النّاس بالعِلم ولا بالمشْيَخَة ولا بالطّريقةِ لكنّه مَعمُورُ القَلب صَاف مُلتَزمٌ بالتّوبة سَالكٌ إلى اللهِ تَبارك وتعالى.

مُنذ سَبع سنَوات تُوفي رَجُلٌ مِنَ الأخفِياء، لا يُعرَف بالمشيَخة إنّما كان حَسَن المعامَلة للنّاس يؤدّي فرائضَ الله ويَعمَلُ مَولِدًا في شَهرِ رَبيع الأوّل حُبّا برسولِ الله مِن مَالٍ حَلال اكتَسبَه بطَريقٍ حَلالٍ ويُطعِمُ النّاسَ الطّعامَ الفَاخِرَ، هذا الرّجلُ لما ماتَ خَرجَ النّاسُ لتَشيِيعِه فدَفنُوه وبَعدَ إتْمام الدّفْن عندَ الانصرافِ سَمِعُوا صَوتًا هَائلا فظَنُّوا أنّ هذا الصّوتَ مِن غَارةٍ جَوّيّة ظَنُّوا أنّ هذه صَوتَ غَارةٍ جَوّية ثم عَلِمُوا أنّ هذا الصّوتَ مِن القَبر ليسَ مِن غَارة فانشَقّت الأرض مما يلِي القَبر بمترَين فخَرج هذا الوليّ، خَرَج وهو بكفَنِه طَارَ في الجوّ ما عُرِف مَصِيرُه بعدَ ذلك، هذا ما كانَ مَعرُوفًا بالمشيخَة ولا كانَ أحَدٌ يقُولُ عنه هذا صاحِب الطّريقة القَادرية أو الطّريقة الفلانية، كانَ تقيّا فيما بينَه وبينَ ربّه، تَعلّمَ العلمَ الضّروريَّ لكنّه ما وَصَل إلى حَدّ أن يُقالَ لهُ عَالم لأنّه ليسَ شَرطًا للولاية أن يكونَ الرّجلُ عالما، إنّما الشّرطُ أن يكونَ تعلّم العلمَ الضّروريّ أي ما يُصَحّح به الاعتقادَ والعَمل ويَعرف بهِ الحَلال والحرام تَلَقّيا مِن أهلِ المعرفة، ليسَ مِن مُطَالعَة الكتُب، الذي يُريد أن يَصيرَ عَالما بِعِلم الدّين بمطَالعة الكتب مِن غَيرِ تَلقّ مِن أهلِ المعرفة فهوَ تائهٌ ضَائع.


وسبحان الله والحمدُ لله ربّ العالمين.



عقائد كبار علماء مكة في أوائل حكم ٱل سعود

 الشيخ حسن المشاط المالكي المكي


كان القاضي الشيخ حسن المشاط المالكي المكي المتوفى سنة 1399 ھجري، من كبار المدرسين بالحرم المكي، ورئيس المدرسين بالمدرسة الصولتية بمكة، ونائب رئيس المحكمة الشرعية الكبرى في مكة المكرمة في بداية العهد السعودي.


عُيّن الشيخ في زمن الملك سعود بن عبد العزيز عضوا في مجلس الشورى في المملكة، إضافة إلي تدريسه في المسجد الحرام.

ألف رحمه الله كتاب البهجة السنية في بيان عقيدة التوحيد، قال فيه في حق الله تعالى ما نصه (لا يجوز أن يتصف بجهة من الجهات فلا يقال إنه فوق الجرم ولا تحته ولا يمينه ولا شماله ولا خلفه ولا أمامه وهو منزه عن الاتصال والانفصال فلا يقال إنه متصل بالعالم اتصال الحوادث ولا منفصل، ﻷن هذه الأمور من سمات [صفات] الحادث [المخلوق] والله سبحانه وتعالى قديم [لا بداية لوجوده] ليس حادثا). انتهى


العلامة محمد العربي التباني المالكي

قال شيخ علماء الحرم المكي المدرس في المسجد الحرام في زمن الحكم السعودي إلى عهد الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود الشيخ العلامة محمد العربي التباني المالكي المتوفى سنة 1390 ھجري في كتابه براءة الأشعريين، ما نصه (اتفق العقلاء من أهل السنة الشافعية والحنفية والمالكية وفضلاء الحنابلة وغيرهم على أن الله تبارك وتعالى منزه عن الجهة والجسمية والحد والمكان ومشابهة مخلوقاته). انتهى


الاثنين، 2 سبتمبر 2024

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

 


حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري

تقديم

الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا

فمن ابتغى حظرًا بترك نبينا … ورآه حكمًا صادقًا وصوابا

قد ضل عن نهج الأدلة كلها … بل أخطأ الحكم الصحيح وخابا

لا حظر يمكن إلا إن نهى أتى … متوعدًا لمخالفيه عذابا

أو ذم فعل مؤذن بعقوبة … أو لفظ تحريم يواكب عابا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا سواء السبيل، ووفقنا لمعرفة الحجة والدليل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وءاله الأكرمين، ورضي الله عن صحابته والتابعين.

أما بعد: فقد طلب مني تلميذنا الفاضل الأستاذ محمود سعيد أن أحرر رسالة في مسئلة الترك، تزيل عن قارئها كل حيرة وشك، وذكر أنه وجد في [إتقان الصنعة] إشارة إليها موجزة، فأجبت طلبه وأسعفت رغبته، وكتبت هذا المؤلف محررًا ليكون قارئه في ميدان الاستدلال على بصيرة من أمره، ويعرف الدليل المقبول من غيره، والله الموفق والهادي وعليه اعتمادي.

المقدمة

الأدلة التي احتج بها أئمة المسلمين جميعًا هي:

الكتاب والسنة -لا خلاف بينهم في ذلك- وإنما اختلفوا في الإجماع والقياس، فالجمهور احتج بهما وهو الراجح لوجوه مقررة في علم الأصول. وتوجد أدلة مختلف فيها بين الأئمة الأربعة، وهي الحديث المرسل، وقول الصحابي، وشرع من قبلنا، والاستصحاب، والاستحسان، وعمل أهل المدينة والكلام عليها مبسوط في كتاب الاستدلال من جمع الجوامع للسبكي.

ما هو الحكم الشرعي؟

الحكم الشرعي هو خطاب الله المتعلق بفعل المكلف، وأنواعه خمسة:

1- الواجب أو الفرض: وهو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه مثل الصلاة والزكاة وصوم رمضان وبر الوالدين.

2- الحرام: وهو ما يعاقب فاعله ويثاب تاركه، مثل الربا والزنا والعقوق والخمر.

3- المندوب: وهو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، مثل نوافل الصلاة.

4- المكروه: وهو ما يثاب تاركه ولا عقاب على فاعله، مثل صلاة النافلة بعد صلاة الصبح أو العصر.

5- المباح أو الحلال: وهو ما ليس في فعله ولا تركه ثواب ولا عقاب، مثل أكل الطيبات والتجارة. فهذه أنواع الحكم التي يدور عليها الفقه الإسلامي. ولا يجوز لمجتهد صحابيًا كان أو غيره أن يصدر حكمًا من هذه الأحكام إلا بدليل من الأدلة السابقة، وهذا معلوم من الدين بالضرورة لا يحتاج إلى بيان.

ما هو الترك؟

نقصد بالترك الذي ألفنا هذه الرسالة لبيانه:

أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا لم يفعله أو يتركه السلف الصالح من غير أن يأتي حديث أو أثر بالنهي عن ذلك المتروك يقتضي تحريمه أو كراهته.

وقد أكثر الاستدلال به كثير من المتأخرين على تحريم أشياء أو ذمها، وأفرط في استعماله بعض المتنطعين المتزمتين، ورأيت ابن تيمية استدل به واعتمده في مواضع سيأتي الكلام عليها بحول الله.

أنواع الترك

إذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا فيحتمل وجوهًا غير التحريم:

1- أن يكون تركه عادة: قدم إليه صلى الله عليه وسلم ضب مشوي فمد يده الشريفة ليأكل منه فقيل: إنه ضب، فأمسك عنه، فسئل: أحرام هو؟ فقال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه!.. والحديث في الصحيحين وهو يدل على أمرين:

أحدهما: أن تركه للشيء ولو بعد الإقبال عليه لا يدل على تحريمه.

والآخر: أن استقذار الشيء لا يدل على تحريمه أيضًا.

2- أن يكون تركه نسيانًا، سها صلى الله عليه وسلم في الصلاة فترك منها شيئًا فسئل: هل حدث في الصلاة شيء؟ فقال: “إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني”.

3- أن يكون تركه مخافة أن يفرض على أمته، كتركه صلاة التروايح حين اجتمع الصحابة ليصلوها معه.

4- أن يكون تركه لعدم تفكيره فيه، ولم يخطر على باله. كان صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة إلى جذع نخلة ولم يفكر في عمل كرسي يقوم عليه ساعة الخطبة، فلما اقترح عليه عمل منبر يخطب عليه وافق وأقره لأنه أبلغ في الإسماع. واقتراح الصحابة أن يبنوا له دكة من طين يجلس عليها ليعرفه الوافد الغريب، فوافقهم ولم يفكر فيها من قبل نفسه.

5- أن يكون تركه لدخوله في عموم ءايات أو أحاديث، كتركه صلاة الضحى، وكثيرًا من المندوبات لأنها مشمولة لقول الله تعالى: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} وأمثال ذلك كثيرة.

6- أن يكون تركه خشية تغير قلوب الصحابة أو بعضهم. قال صلى الله عليه وسلم لعائشة: “لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام فإن قريشًا استقصرت بناءه” وهو في الصحيحين. فترك صلى الله عليه وسلم نقض البيت وإعادة بنائه حفظًا لقلوب أصحابه القريبي العهد بالإسلام من أهل مكة. ويحتمل تركه صلى الله عليه وسلم وجوهًا أخرى تُعلم من تتبع كتب السنة. ولم يأت في حديث ولا أثر تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك شيئًا لأنه حرام.

الترك لا يدل على التحريم

قررت في كتاب [الرد المحكم المتين] أن ترك الشيء لا يدل على تحريمه، وهذا نص ما ذكرته هناك:

والترك وحده إن لم يصحبه نص على أن المتروك محظور لا يكون حجة في ذلك بل غايته أن يفيد أن ترك ذلك الفعل مشروع. وإما أن ذلك الفعل المتروك يكون محظورًا فهذا لا يستفاد من الترك وحده، وإنما يستفاد من دليل يدل عليه.

ثم وجدت الإمام أبا سعيد بن لب ذكر هذه القاعدة أيضًا، فإنه قال في الرد على من كره الدعاء عقب الصلاة: غاية ما يستند إليه منكر الدعاء أدبار الصلوات أن [التزامه] على ذلك الوجه لم يكن من عمل السلف، وعلى تقدير صحة هذا النقل، فالترك ليس بموجب لحكم في ذلك المتروك إلا جواز الترك وانتفاء الحرج فيه، وأما تحريم أو لصوق كراهية بالمتروك فلا، ولا سيما فيما له أصل جملي متقرر من الشرع كالدعاء.

وفي [المحلى] [ج:2 ص:254] ذكر ابن حزم احتجاج المالكية والحنفية على كراهية صلاة ركعتين قبل المغرب بقول إبراهيم النخعي أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يصلونها، ورد عليهم بقوله: لو صح لما كانت فيه حجة، لأنه ليس فيهم أنهم رضي الله عنهم نهوا عنهما.

قال أيضًا: وذكروا عن ابن عمر أنه قال: ما رأيت أحدًا يصليهما. ورد عليه بقوله: وأيضًا فليس في هذا لو صح نهى عنهما، ونحن لا ننكر ترك التطوع ما لم ينه عنه.

وقال أيضًا في [المحلى] [ج2 ص271] في الكلام عن ركعتين بعد العصر: وأما حديث علي، فلا حجة فيه أصلاً، لأنه ليس فيه إلا إخباره بما علم من أنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما، وليس في هذا نهي عنهما ولا كراهة لهما، فما صام عليه السلام قط شهرًا كاملاً غير رمضان وليس هذا بموجب كراهية صوم شهر كامل تطوعًا اهـ. فهذه نصوص صريحة في أن الترك لا يفيد كراهة فضلاً عن الحرمة.

وقد أنكر بعض المتنطعين هذه القاعدة ونفى أن تكون من علم الأصول فدل بإنكاره على جهل عريض، وعقل مريض. وها أنذا أبيّن أدلتها في الوجوه الآتية:

أحدها: أن الذي يدل على التحريم ثلاثة أشياء:

[1] النهي، نحو: {ولا تقربوا الزنا}، {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}.

[2] لفظ التحريم، نحو: {حرّمت عليكم الميتة}..

[3] ذم الفعل أو التوعد عليه بالعقاب، نحو: “من غش فليس منا”، والترك ليس واحدًا من هذه الثلاثة، فلا يقتضي التحريم.

ثانيهما: أن الله تعالى قال: {وَمَا ءاتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ولم يقل وما تركه فانتهوا، فالترك لا يفيد التحريم.

ثالثها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما أمرتكم به [فأتوا] منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه” ولم يقل: وما تركته فاجتنبوه. فكيف دلّ الترك على التحريم؟

رابعها: أن الأصوليين عرّفوا السنة بأنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره ولم يقولوا: وتركه، لأنه ليس بدليل.

خامسها: تقدّم أن الحكم خطاب الله، وذكر الأصوليين: أن الذي يدل عليه قرءان أو سنة أو إجماع أو قياس، والترك ليس واحدًا منها فلا يكون دليلا.

سادسها: تقدم أن الترك يحتمل أنواع غير التحريم، والقاعدة الأصولية أن ما دخله الاحتمال سقط به الاستدلال، بل سبق أنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك شيئا لأنه حرام، وهذا وحده كاف لبطلان الاستدلال به.

سابعها: أن الترك أصل لأنه عدم فعل، والعدم هو الأصل والفعل طارىء والأصل لا يدل على شيء لغة ولا شرعًا، فلا يقتضي الترك تحريمًا.

أقوال غير محررة

قال ابن السمعاني: إذا ترك الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا وجب علينا متابعته فيه، واستدل بأن الصحابة حيت رأوا النبي صلى الله عليه وسلم أمسك يده عن الضب توقفوا وسألوه عنه.

قلت: لكن جوابه بأنه ليس بحرام -كما سبق- يدل على أن تركه لا يقتضي التحريم. فلا حجة له في الحديث، بل الحجة فيه عليه.

وسبق أن الترك يحتمل أنواعًا من الوجوه، فكيف تجب متابعته في أمر محتمل لأن يكون عادة أو سهوًا أو غير ذلك مما تقدّم؟!

كلام ابن تيمية

سئل عمن يزور القبور ويستنجد بالمقبور، في مرض به أو بفرسه أو بعيره، ويطلب إزالة الذي بهم ونحو ذلك؟

فأجاب بجواب مطول، وكان مما جاء فيه قوله: “ولم يفعل هذا أحد من الصحابة والتابعين ولا أمر به أحد من الأئمة”، يعني أنهم لم يسألوا الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كما كانوا يسألونه في حال حياته.

وقلت في الرد عليه: وأنت خبيربأن هذا لا يصح دليلا لما يدعيه وذلك لوجوه:

أحدها: أن عدم فعل الصحابة لذلك يحتمل أن يكون أمرًا اتفاقيًا، أي اتفق أنهم لم يطلبوا لم يطلبوا الدعاء منه بعد وفاته. ويحتمل أن يكون ذلك عندهم غير جائز، أو يكون جائزًا وغيره أفضل منه فتركوه إلى الأفضل.. ويحتمل غير ذلك من الاحتمالات.. والقاعدة أن ما دخله الاحتمال سقط به الاستدلال انتهى المراد منه.

وقلن يوؤيّد أنه لم يتركوه لعدم جوازه أن بلال بن الحارث المزني الصحابي ذهب عام الرمادة إلى القبر النبوي وقال: “يا رسول الله استسق لأمتك” فأتاه في المنام وقال له: “اذهب إلى عمر وأخبره أنكم مُسقون وقل له: عليك الكيس الكيس”. فأخبر عمر فبكى وقال: “اللهم ما ءالوا إلا ما عجزت عنه” ولم يعنفه على ما فعل ولو كان غير جائز عندهم لعنّفه عمر.

[ذكر] حديث صحيح لا يرد قولنا

قال البخاري في صحيحه: “باب الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم” وروى فيه ابن عمر قال: “اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ذهب فاتخذ الناس خواتيم من ذهب. فقال: إني اتخذت خاتمًا من ذهب”. فنبذه وقال: “إني لن ألبسه أبدًا” فنبذ الناس خواتيمهم. قال ابن الحافظ: اقتصر على هذا المثال لاشتماله على تأسيهم به في الفعل والترك.

قلت: في تعبيره في الترك تجوز، لأن النبذ فعل، فهم تأسوا به في الفعل، والترك ناشئ عنه.

وكذلك لما خلع نعله في الصلاة، وخلع الناس نعالهم، تأسوا به في خلع النعل، وهو فعل نتيجته الترك.

وليس هذا محل بحثنا كما هو ظاهر.

وأيضًا فإننا لا ننكر اتباعه صلى الله عليه وسلم في كل ما يصدر عنه، بل نرى فيه الفوز والسعادة لكن ما لم يفعله كالاحتفال بالمولد النبوي وليلة المعراج، لا نقول إنه حرام، لأنه افتراء على الله، إذ الترك لا يقتضي التحريم.

وكذلك ترك السلف لشيء -أي عدم فعلهم له- لا يدل على أنه محظور. قال الإمام الشافعي: “كل ما له مستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف”. لأن تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام لهم في الوقت، أولما هو أفضل منه أو لعله لم يبلغ، جميعهم علم به.

ماذا يقتضي الترك؟

بيّنا فيما سبق أن الترك لا يقتضي تحريمًا، وإنما يقتضي جواز المتروك، ولهذا المعنى أورده العلماء في كتب الحديث. فروى أبو داود والنسائي عن جابر رضي الله عنه قال: “كان ءاخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيّرت النار”.

وأورده تحت ترجمة: [ترك الوضوء مما مسّت النار].

والاستدلال به في هذا المعنى واضح، لأنه لو كان الوضوء مما طبخ بالنار واجبًا ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم وحيث تركه دل على أنه غير واجب.

قال الإمام عبد الوهاب التلمساني في مفتاح الوصول: “ويلحق في الفعل بالدلالة، الترك. فإنه كما يستدل بفعله صلى الله عليه وسلم على عدم التحريم يستدل بتركه على عدم الوجوب. وهذا كاحتجاج أصحابنا على عدم وجوب الوضوء مما مسّت النار به”.

روى أنه صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ، وكاحتجاجهم على أن الحجامة لا تنقض الوضوء، بما روى أنه صلى الله عليه وسلم احتجم ولم يتوضأ وصلى. أنظر مفتاح الوصول ص: 93 طبعة مكتبة الخانجي ومن هنا نشأت القاعدة الأصولية: جائز الترك ليس بواجب.

إزالة اشتباه

قسّم العلماء ترك النبي صلى الله عليه وسلم لشيء ما، على نوعين: نوع لم يجد ما يقتضيه في عهده ثم حدث له مقتض بعده صلى الله عليه وسلم، فهذا جائز على الأصل.

وقسم تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضى لفعله في عهده، وهذا الترك يقتضي منع المتروك، لأنه لو كان فيه مصلحة شرعية لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، فحيث لم يفعله دل على أنه لا يجوز.

ومثل ابن تيمية في ذلك بالأذان لصلاة العيدين الذي أحدثه بعض الأمراء وقال في تقريره: فمثل هذا الفعل تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود ما يعتقد مقتضيًا له مما يمكن أن يستدل به من ابتدعه، لكونه ذكر الله ودعاء للخلق إلى عبادة الله وبالقياس على أذان الجمعة.

فلما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالأذان للجمعة، وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة، دل تركه على أن ترك الأذان هو السنة، فليس لأحد أن يزيد في ذلك.. +إلخ كلامه.

وذهب إلى هذا أيضًا الشاطبي وابن حجر الهيثمي وغيرهما، وقد اشتبهت عليهم هذه المسئلة بمسئلة السكوت في مقام البيان.

صحيح أن الأذان في العيدين بدعة غير مشروعة، لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم تركه ولكن لأنه صلى الله عليه وسلم بيّن في الحديث ما يعمل في العيدين ولم يذكر الأذان، فدل سكوته على أنه غير مشروع.

والقاعدة: أن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر.

وإلى هذه القاعدة تشير الأحاديث التي نهت عن السؤال ساعة البيان.

روى البزار عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرّم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا ثم تلا: {وما كان ربك نسيا}”.

قال البزار إسناده صالح، وصححه الحاكم.

وروى الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدّ حدودًا فلا تعتدوها وحرّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها”.

في هذين الحديثين إشارة واضحة إلى القاعدة المذكورة. وهي غير الترك الذي هو محل بحثنا في هذه الرسالة، فخلط إحداهما بالأخرى مما لا ينبغي.

ولذا بيّنت الفرق بينهما حتى لا يشتبها على أحد. وهذه فائدة لا توجد إلا في هذه الرسالة والحمد لله.

تتميم

قال عبد الله بن المبارك: أخبرنا سلام بن أبي مطيع عن ابن أبي دخيلة عن أبيه قال: كنت عند ابن عمر فقال: “نهى رسول الله عن الزبيب والتمر يعني أن يخلطا”.

فقال لي رجل من خلفي ما قال؟ فقلت: “حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر والزبيب” فقال عبد الله بن عمر: “كذبت”! فقلت: “ألم تقل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه؟ فهو حرام” فقال: “أنت تشهد بذلك؟” قال سلام كأنه يقول: ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم فهو أدب.

قلت: انظر إلى ابن عمر -وهو من فقهاء الصحابة- كذب الذي فسّر نهى بلفظ حرّم، وإن كان النهي يفيد التحريم. لكن ليس صريحًا فيه بل يفيد الكراهة أيضًا وهي المراد بقول سلام: فهو أدب. ومعنى كلام ابن عمر: أن المسلم لا يجوز له أن يتجرأ على الحكم بالتحريم إلا بدليل صريح من الكتاب أو السنة، وعلى هذا درج الصحابة والتابعون والأئمة.

قال إبراهيم النخعي وهو تابعي: كانوا يكرهون أشياء لا يحرمونها، وكذلك كان مالك والشافعي وأحمد كانوا يتوقون وقف إطلاق لفظ الحرام على ما لم يتيقن تحريمه لنوع شبهة فيه، أو اختلاف أو نحو ذلك، بل أحدهم يقول أكره كذا، لا يزيد على ذلك.

ويقول الإمام الشافعي تارة: أخشى أن يكون حرامًا، ولا يجزم بالتحريم يخاف أحدهم إذا جزم بالتحريم أن يشمله قول الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}.

فما لهؤلاء المتزمتين اليوم يجزمون بتحريم أشياء مع المبالغة في ذمها بلا دليل إلا دعواهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها، وهذا لا يفيد تحريمًا ولا كراهة، فهم داخلون في عموم الآية الذكورة.

نماذج من الترك

هذه نماذج لأشياء لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم:

1. الاحتفال بالمولد النبوي.

2. الاحتفال بليلة المعراج.

3. إحياء ليلة النصف من شعبان.

4. تشييع الجنازة بالذكر.

5. قراءة القرءان على الميت في الدار.

6. قراءة القرءان عليه في القبر قبل الدفن وبعده.

7. صلاة التراويح أكثر من ثمان ركعات.

فمن حرّم هذه الأشياء ونحوها بدعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها فاتل عليه قول الله تعالى {ءآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}.

لا يقال: وإباحة هذه الأشياء ونحوها داخلة في عموم الآية لأنا نقول: ما لم يرد نهي عنه يفيد تحريمه أو كراهيته، فالأصل فيه الإباحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “وما سكت عنه فهو عفو” أي مباح.

وبعد: فقد أوضحنا مسئلة الترك، وأبطلنا قول من يحتج به بما أبديناه من الدلائل التي لم تدع قولا لمُنصف ولا تركت هربًا لصاحب جدل ولحاج.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين.


الخميس، 29 أغسطس 2024

رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام الفاكهاني

 رد بعض الشبه حول المولد النبوي الشريف

رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام الفاكهاني


يحتج المنكرون لعمل المولد النبوي الشريف بكلام ابي حفص تاج الدين عمر بن علي الفاكهاني المالكي، فيوردون كلاما قاله عن المولد في كتاب المورد في عمل المولد ونص عبارته (أما بعد فإنه تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد هل له أصل في الشرع أو هو بدعة وحدث في الدين وقصدوا الجواب عن ذلك فقلت وبالله التوفيق لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة ولم ينقل عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسكون بآثار المتقدمين بل هو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا إما أن يكون واجباً أو مندوباً أو مباحاً أو مكروهاً أو محرماً وليس بواجب إجماعاً ولا مندوباً لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه وهذا لم يأذن فيه الشرع ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت ولا جائز أن يكون مباحاً لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً أو حراماً وحينئذ يكون الكلام فيه في فصلين والتفرقة بين حالين). انتهى

والجواب على هذه الشبهة أن يقال أن تحليل أمر أو تحريمه إنما هو وظيفة المجتهد كالإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم، وليس لأي شخص ألّف مؤلفًا صغيرًا أو كبيرًا أن يأخذَ وظيفة الأئمة الكرام فيُحلل ويحرّم دون الرجوع إلى كلام الأئمة المجتهدين. ثم ان علماء المذاهب الأربعة المعتبرة ينقسمون إلى مراتب المجتهد المطلق والمجتهد المنتسب وأصحاب الوجوه وأصحاب الترجيح و النقلة والعبرة في كل مذهب بأقوال المجتهدين وأصحاب الوجوه، وأما من هم دون ذلك فليس لهم الأهلية لاستنباط الأحكام.

والتاج الفاكهاني لم يقل عنه واحد من الفقهاء ولا من أصحاب طبقات المالكية أنه كان من المجتهدين أو من أصحاب الوجوه، فلا عبرة بكلامه إذا خالف كلام من هو أعلى درجة منه في العلم كالإمام محمد بن أحمد عليش المالكي المتوفى سنة 1299هـجري، حيث قال في كتابه القول المنجي ما نصه (لا زال أهل الإسلام يحتفلون ويهتمون بشهر مولده عليـه الصلاة والسلام ويعملون الولائم ويتصدقـون في لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم، وأول من أحدث فعل المولد الملك المظفر أبو سعيد صاحب إربل فكان يعمله في ربيع الأول ويحتفل احتفالاً هائلاً). انتهى

وقد تكلم ابن عليش في كتابه فتح العلي المالك عن بعض المنكرات التي قد تحصل في المولد وحذر منها فقال عمل المولد ليس مندوبًا، خصوصًا إن اشتمل على مكروه، كقراءة بتلحين أو غناء، ولا يسلم في هذه الأزمان من ذلك وما هو أشدّ. انتهى

ولم يطلق ابن عليش بتحريم المولد ان سلم من المنكرات كما يزعم بعض المُنكرين.

وقد خالف الفاكهاني أيضا كبار أئمة المالكية أيضا ومنهم:


أبو العباس السبتي المتوفى سنة 633 هـجري، حيث قال في الدُّر الـمُنَظَّم في مولد النبي المعظم ما نصه (كان الحجاج الأتقياء والمسافرون البارزون يشهدون أنه في يوم المولد في مكة لا يتم بيع ولا شراء، كما تنعدم النشاطات ما خلا وفادة الناس إلى هذا الموضع الشريف، وفي هذا اليوم أيضاً تفتح الكعبة وتزار). انتهى

محمد بن أبي إسحق بن عباد النفزي المتوفى سنة 805 هـجري، حيث نقل عنه صاحب المعيار المعرب بخصوص الاحتفال بذكرى المولد النبوي قوله الذي يظهر أنه عيد من أعياد المسلمين، وموسمٌ من مواسمهم، وكل ما يقتضيه الفرح والسرور بذلك المولد المبارك، من إيقاد الشمع وإمتاع البصر، وتنزه السمع والنظر، والتزين بما حسن من الثياب، وركوب فاره الدواب أمر مباح لا ينكر قياساً على غيره من أوقات الفرح. انتهى

وقال وادعاء أن هذا الزمان ليس من المواسم المشروعة لأهل الإيمان، ومقارنة ذلك بالنيروز والمهرجان، أمر مستثقل تشمئز منه النفوس السليمة، وترده الآراء المستقيمة. انتهى

ثم إن الفاكهاني كان من كبار الصوفية، فهو عندهم مشرك بالله، فقد نقل عنه الإمام ابن حجر في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة أن الشيخ تاج الدين الفاكهاني قال كان الشيخ أبو العباس الشاطر الدمنهوري يقول لا يحجبني عن أصحابي التراب فكان فطلبت من الله تعالى عنده ثلاث حوائج تزويج البنات من فقراء صالحين، وحفظ كتاب الله كان تعسر علي، والحج وكنت أعوز من النفقة ألف درهم…. انتهى

أي أنه يثبت تصرف الأولياء بعد موتهم، فما معنى احتجاجهم برأيه في المولد؟

والفاكهاني أيضا ليس ممن يرضاه القوم في مسألة الزيارة التي يبدعون الناس بها، وله في ذلك كتاب أسماه التحفة المختارة في الرد على منكر الزيارة.

وقد تصدى الحافظ السيوطي للرد على رسالة الفاكهاني فقال وقد ادعى الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني من متأخري المالكية أن عمل المولد بدعة مذمومة، وألف في ذلك كتابا سماه المورد في الكلام على عمل المولد، وأنا أسوقه هنا برمته وأتكلم عليه حرفا حرفا… انتهى

ثم قال السيوطي أما قوله لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، فيقال عليه نفي العلم لا يلزم منه نفي الوجود، وقد استخرج له إمام الحفاظ أبو الفضل ابن حجر أصلا من السنة، واستخرجت له أنا أصلاً ثانياً، وسيأتي ذكرها بعد هذا.

وقوله بل هو بدعة أحدثها البطالون… إلى قوله ولا العلماء المتدينون يقال عليه قد تقدم أنه أحدثه ملك عادل عالم، وقصد به التقرب إلى الله تعالى، وحضر عنده فيه العلماء والصلحاء من غير نكير منهم، وارتضاه ابن دحية، وصنف له من أجله كتاباً، فهؤلاء علماء متدينون رضوه وأقروه ولم ينكروه.

وقوله ولا مندوبا لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع يقال عليه إن الطلب في المندوب تارة يكون بالنص، وتارة يكون بالقياس، وهذا وإن لم يرد فيه نص ففيه القياس على الأصلين الآتي ذكرهما.

وقوله ولا جائز أن يكون مباحا لأن الابتداع في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين كلام غير مسلم، لأن البدعة لم تنحصر في الحرام والمكروه، بل قد تكون أيضا مباحة ومندوبة وواجبة.

قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات البدعة في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله علبه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة.

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة، قال والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإذا دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فهي محرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة.

وذكر لكل قسم من هذه الخمسة أمثلة إلى أن قال وللبدع المندوبة أمثلة منها إحداث الربط والمدارس، وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول، ومنها التراويح، والكلام في دقائق التصوف، وفي الجدل، ومنها جمع المحافل للاستدلال في المسائل إن قصد بذلك وجه الله تعالى.

وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا، فهذه البدعة الضلالة.

والثاني ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة.

وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان (نعمت البدعة هذه) يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى.

هذا آخر كلام الشافعي.

فعرف بذلك منع قول الشيخ تاج الدين ولا جائز أن يكون مباحا… إلى قوله وهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة إلى آخره لأن هذا القسم مما أحدث، وليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع، فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي، وهو من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام.

وقوله والثاني …إلى آخره، هو كلام صحيح في نفسه غير أن التحريم فيه إنما جاء من قبل هذه الأشياء المحرمة التي ضمت إليه، لا من حيث الاجتماع لإظهار شعار المولد، بل لو وقع مثل هذه الأمور في الاجتماع لصلاة الجمعة مثلا لكانت قبيحة شنيعة، ولا يلزم من ذلك ذم أصل الاجتماع لصلاة الجمعة كما هو واضح، وقد رأينا بعض هذه الأمور يقع في ليالي من رمضان عند اجتماع الناس لصلاة التراويح، فهل يتصور ذم الاجتماع لأجل هذه الأمور التي قرنت بها، كلا، بل نقول أصل الاجتماع لصلاة التراويح سنة وقربة وما ضم إليها من هذه الأمور قبيح شنيع، وكذلك نقول أصل الاجتماع لإظهار شعار المولد مندوب وقربة وما ضم إليه من هذه الأمور مذموم وممنوع.

وقوله مع أن الشهر الذي ولد فيه … إلى آخره جوابه أن يقال:

أولاً إن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم علينا، ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم، والصبر والسلوان والكتم عند المصائب، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة، وهي إظهار شكر وفرح بالمولود، ولم يأمر عند الموت بذبح ولا غيره، بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته.

وقد قال ابن رجب في كتاب اللطائف في ذم الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتما لأجل قتل الحسين لم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف ممن هو دونهم. انتهى


تعريف البدعة ....والفرق بين الحسن منها والقبيح

 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ المُرْسَلِ...