الرد على عبد العزيز ءال الشيخ في موضوع الاحتفال بالمولد النبويّ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على السراج المنير سيدنا وقرة اعيننا محمد النبيّ العربي الأمين أما بعد.
يقول الله تعالى في القرءان الكريم: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}.
حبًّا بالآخرة وحبًّا بالنبي الأعظم وفرحًا وسرورًا وازدهاءً نحتفل بهذه الذكرى العظيمة الطيبة، فإنّ الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلّم سنّة للمسلمين وعادة درجوا عليها من قرون وقرون في بلاد الإسلام كلها يتوارثونها ولدًا عن والدٍ وخلفًا عن سلف، يهتمون بها ويهيئون لها ويجعلونها مناسبة يشكرون الله تعالى فيها بأنواع القربات والصدقات من تلاوة قرءان وذكر لله وتذكير بفضل خاتم الأنبياء والمرسلين، هي مناسبة يظهر فيها جمهور المسلمين شوكتهم وحقية اعتقادهم قمعًا لأهل البدع وإرغامًا للمجاهرين بالفسوق والعصيان، مناسبةٌ يقترب فيها المسلمون أكثر من تاريخهم وسيرة نبيهم تنبيهًا للغافل ودعوة للمعالي وحثًّا على الإنابة للمتلوث الخاطىء، هذه المناسبة العطرة التي أدخلت إلى قلوب المسلمين الفرح والسرور وذكرتهم بفضائل وشمائل حبيبهم محمد صلى الله عليه وسلم .
ومع ذلك طالعتنا جريدة الشرق الأوسط برأيٍ غريب وفتوى مستهجنة للشيخ عبد العزيز ءال الشيخ يحرّم فيها الاحتفال بذكرى المولد الشريف ويدّعي أنّ ذلك بدعة محرّمة، فرأينا أن لا نسكت لكلامه لما فيه من تحريف حكم الشرع وتحريم ما أحلّ الله، واتهامه جمهور الأمة وسوادها الأعظم بالشذوذ في العقيدة والخروج عن معتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد احتج هذا الرجل لتحريم فعل المولد بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على هذا الأمر ولا فعله في حياته ولا فعله غيره في حياته فأقرّه، فلذلك هو بدعة محرمة على زعمه. قلنا: لو كان عدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم لأمر وعدم نصه عليه أو إقراره له يوجب تحريمه لكانت طاعات وخيرات كثيرة فعلها الصحابة والتابعون وأتباع التابعين من بعدهم من العلماء محرمة، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلّم لم يجمع الناس على إمام واحد لقيام رمضان وفعل ذلك سيدنا عمر بن الخطاب وقال: "نعمت البدعة هذه" وما زال عمل المسلمين جاريًا على هذا حتى اليوم. وأنّ النبي لم يأمر بأذانين يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة بل كان يؤذن أذانًا واحدًا في زمانه وأول من زاد الأذان الثاني هو سيدنا عثمان فقبل منه كل الصحابة ذلك وما زال عملهم جاريًا على هذا إلى أيامنا وعبد الله بن عمر لم يبلغه ولم يسمع أنّ رسول الله كان يقول في التشهد في الصلاة "وحده لا شريك له" ومع ذلك صار عبد الله بن عمر يقوله في الصلاة ويقول: "وأنا زدتها" ا.هـ. رواه أبو داود.
فعلى مقتضى كلام الشيخ عبد العزيز يكون هؤلاء الصحابة الكبار وبقية الصحابة الذين وافقوهم وعلماء الحديث الذي دونوا ذلك في كتبهم وعلماء الفقه الذين ذكروا أفعالهم هذه في فتاويهم يكون هؤلاء كلهم مبتدعين ضالين لأنّهم فعلوا في الدين أمرًا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نص عليه ولا أقره.
ومن المعلوم أنّ شرع الله واحد للصحابة ولمن جاء بعدهم، ليس هناك شرع خاص للصحابة مختلف عن شرع من جاء بعدهم.
ثمّ إنّ الصحابة لم ينقطوا المصحف وقد نقطه بعض التابعين ولم ينشئوا المحاريب المجوفة في المساجد للدلالة على جهة القبلة وقد أنشأها بعض التابعين وقد عمّ هذان الأمران بعد ذلك بلاد المسلمين كلها بحيث لا يقرأ الناس اليوم إلا في مصحف منقوط ولا يقام في المساجد إلا محاريب مجوّفة فهل يجوز أن يقال إنّ التابعين والمسلمين من بعدهم كلهم على ضلال لأنّهم فعلوا ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نص عليه ولا أقره!
قطعًا لا يجوز ذلك. إنما كل أمر استُحدِث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ينظر فيه الفقهاء المجتهدون فإن رأوه موافقًا لقواعد الدين ولما جاء في القرءان والسنة أجازوه وأخذوا به ومدحوا فاعله وإن رأوه منافيًا لقواعد الدّين ولما جاء في القرءان والسنة ردّوه ونبذوه.
وليس في أصل الاحتفال بالمولد إلا ذكر الله ورواية الحديث وإطعام الطعام وإظهار الفرح والبهجة وكل ذلك لا حرج فيه ولا محظور في شرع الله تعالى فكيف يجرؤ بعد هذا كله أحد على ادعاء أنّ الاحتفال بالمولد حرام.
والعجيب أنّ هذه الفئة أنفسهم الداعين إلى منع الاحتفال بالمولد، يحتلفون هم أنفسهم بذكرى تأسيس الدولة ويحتفلون بذكرى مولد رأس دعوتهم محمد بن عبد الوهاب ويقيمون فيها المحاضرات والندوات فيحرمون الاحتفال بذكرى مولد سيد الخلق ويحتفلون بذكرى من لا يجيء شيئًا بجانبه صلى الله عليه وسلم، أفليس هذا عجيبًا؟! ولكنه الهوى يعمي ويصمّ.
ثمّ زعم الشيخ عبد العزيز أنّ أول من بدأ الاحتفال بالمولد الشريف هم العبيديون الملقبون بالفاطميين.
ونقول في هذا إنّ الفاطميين ليسوا هم أول من فعل ذلك ولا اعتماد المسلمين في الشرق والغرب على قيام هؤلاء العبيديين بفعل الاحتفال وإنما أول من فعله هو الملك المظفر ملك إربل كما ذلر ذلك الحافظ السيوطي وغيره. وللحافظ السيوطي رسالة سماها " حسن المقصد في عمل المولد" قال فيها: "قد وقع السؤال عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول ما حكمه من حيث الشرع وهل هو محمود أم مذموم؟ فالجواب عندي أنّ أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرءان ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط فيأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها كما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في الصحيحين أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجا موسى، فنحن نصومه شكرًا لله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم: "نحن أولى بموسى منكم" فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنَّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة.
والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة وأي نعمةٍ أعظمُ من بروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وقد قال صلى الله عليه وسلم بعد أن سئل عن صوم يوم الاثنين "ذاك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه"
أخي القارىء إنّ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف قد انعقد عليه الإجماعُ الفعلي حتى ابن تيمية وهو الأصل الذي يرجع إليه الوهابية في كل أصولهم ومبادئهم الشاذة لم يحرم الاحتفال بالمولد وقد قال في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم "فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجرٌ عظيمٌ لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وءاله وسلم".
فمع من تكون هذه الفئة الشاذة الوهابية لا هي مع أهل السنة ولا هي مع زعيمها ابن تيمية فليرجعوا إلى أنفسهم باللوم وليرجعوا عن غيهم. والله نسأل أن يثبتنا على الحق مع أهل الحق إلى الممات.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق