بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 7 ديسمبر 2020

أعيان الصوفية

أعيان الصوفية


 


لما ظهرت البدع وكثر من ابتدع، وحصل التداعي بين الفرق، فكل فريق ادعوا أنّ فيهم زهادا وعبادا، انفرد خواص السنة الحافظون قلوبهم عن طوارق الفتنة فهم ودائع مدد الله وخزائن أسراره اليه يرجعون وبه يهيمون وعليه يتوكلون وإلى غيره لا يلتفتون، وهم رضي الله عنهم على مشارب وأطوار، منهم المتحلي بالتجرّد عن الآثار، ومنهم المطيلس بطليسان الذل لله والانكسار، ومنهم الذين سلكوا طريق الفقر والافتقار، واشتهروا باسم الصوفية والفقراء.


ونحن نذكر في هذا الفصل أسماء جماعة من شيوخ هذه الطريقة العلية من الطبقة الأولى:


رويم بن أحمد (توفي سنة 303) هو أبو أحمد رويم بن أحمد بغدادي من أعظم المشايخ، كان مقرئا وفقيها على مذهب داود.


ومن كلامه رحمه الله: "من حكم الحكيم أنّه يوسع على إخوانه في الأحكام ويضيق على نفسه فيها، فان التوسعة من اتباع العلم، والتضييق على نفسه من حكم الورع".


ابراهيم بن أدهم (توفي سنة 161) هو أبو إسحاق ابراهيم بن أدهم بن منصور، من بلخ كان من أبناء الملوك فخرج يوما يتصيّد فأثار ثعلبا أو أرنبا وهو في طلبه فهتف به هاتف: يا ابراهيم ألهذا خلقت أم بهذا أمرت؟


ثمّ هتف به: ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت فنزل عن دابته وصادف راعيا لأبيه فأخذ جبة للراعي من صوف ولبسها وأعطاه فرسه وما معه، ثمّ إنّه دخل البادية ثم دخل مكة وصحب سفيان الثوري والفضيل بن عياض، ثم دخل الشام ومات فيها، وكان يأكل من عمل يده كالحصاد والعمل في البساتين وغير ذلك.


ومن كلامه رحمه الله: إعلم أنّك لن تنال درجة الصالحين حتى تجتاز ست عقبات:


أولاها: تغلق باب النعمة وتفتح باب الشدة.


والثانية: نغلق باب العز وتفتح باب الذل.


والثالثة: تغلق باب الراحة وتفتح باب الجهد.


والرابعة: تغلق باب النوم وتفتح باب السهر.


والخامسة: تغلق باب الغنى وتفتح باب الفقر.


والسادسة: تغلق باب الأمل وتفتح باب الاستعداد للموت.


حاتم الأصم: هو أبو عبد الرحمن حاتم بن علوان المعروف بالأصم من أكابر مشايخ خرسان، كان تلميذ شقيق البلخي وأستاذ أحمد بن خضرويه، ويقال: إنّه لم يكن أصم وإنّما تصامم مرة فسمي بذلك.


قال الأستاذ أبو الدقاق رحمه الله تعالى: "جاءت امرأة فسألت حاتما عن مسألة فاتفق أنّه خرج منها في تلك الحالة صوت فخجلت فقال حاتم: ارفعي صوتك، فأرى من نفسه أنّه أصم، فسرّت المرأة بذلك، وقالت: إنّه لم يسمع الصوت، فغلب عليه اسم الأصم".


أحمد الأنطاكي: هو أبو علي أحمد بن عاصم الأنطاكي من أقران بشر بن الحارث وسري السقطي والحارث المحاسبي، وكان أبو سليمان الداراني يسميه جاسوس القلوب لحدة فراسته.


ومن كلامه رضي الله عنه: اذا طلبت قلبك فاستن عليه بحفظ اللسان.


أبو حمزة البزار (توفي 289) كان من أقران الجنيد ومات قبله، وصحب سري السقطي والحسن المسوحي، وكان فقيها عالما بالقراءات، وكان أحمد بن حنبل يقول له في المسائل: ما تقول يا صوفي.


ومن كلامه رضي الله عنه: "من رزق ثلاثة أشياء فقد نجا من الآفات: بطن خال مع قلب قانع، وفقر دائم مع زهد حاضر، وصبر كامل مع ذكر دائم".


أبو يزيد البسطامي (188-261) هو طيفور بن عيسى البسطامي كان جدّه مجوسيا وقد أسلم، وكانوا ثلاثة أخوة: ءادم وطيفور وعلي وكانوا زهادا عبادا، أما أبو يزيد فكان أجلّهم حالا.


من كلامه رضي الله عنه: "لو نظرتم إلى رجل يرتقي في الهواء فلا تقتدوا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة".


شقيق البلخي (توفي 194) هو أبو علي شقيق بن إبراهيم البلخي من مشايخ خرسان وكان أستاذ حاتم الأصم قيل: كان سبب زهده أنّه كان من أبناء الأغنياء خرج للتجارة إلى أرض الترك وهو حدث فدخل بيتا للأصنام فرأى خادما للأصنام قد حلق رأسه ولحيته ولبس ثيابا أرجوانية، فقال شقيق للخادم: إن لك صانعا حيا عالما قادرا فاعبده ولا تعبد هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع فقال: إن كان كما تقول فهو قادر على أن يرزقك ببلدك، فلماذا أتعبت نفسك بالمجيء إلى ههنا للتجارة فانتبه شقيق وأخذ في طريق الزهد.


من كلامه رضي الله عنه: "إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر إلى ما وعده الله ووعده الناس فبأيهما يكون قلبه أوثق".


وقال أيضا: "تُعرف تقوى الرجل في ثلاثة أشياء: في أخذه ومنعه وكلامه".


محمد بن الفضل البلخي (توفي سنة 319) هو أبو عبد الله محمد بن الفضل البلخي سكن سمرقند ومات فيها صحب أحمد ابن خضرويه وغيره، وكان أبو عثمان الحيري يميل اليه جدا.


من كلامه رضي الله عنه: "إذا رأيت المريد يستزيد من الدنيا فذلك من علامات إدباره".


وسئل عن الزهد فقال: "النظر إلى الدنيا بعين النقص، والإعراض عنها تعززا وتشرفا".


سهل التستري (200-283) هو أبو محمد سهل بن عبد الله التستري أحد أئمة القوم، لم يكن في وقته نظير في المعاملات والورع، وكان صاحب كرامات، ولقي ذا النون المصري بمكة وقال: قال: كنت ابن ثلاث سنين وكنت أقوم الليل أنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار وكان يقوم الليل، فربما كان يقول: إذهب يا سهل فنم فقد شغلت قلبي. قال لي خالي (محمد بن سوار) يوما: ألا تذكر الله تعالى الذي خلقك، فقلت كيف أذكره، فقال: قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك الله معي الله ناظر إلي، الله شاهدي فقلت ذلك ثلاث ليال، ثمّ أعلمته. فقال لي: قل في كل ليلة سبع مرات فقلت ذلك ثم أعلمته فقال لي: قل في كل ليلة احدى عشر مرة، فقلت ذلك فوقع في قلبي حلاوة، فلما كان بعد سنة قال لي خالي: إحفظ ما علمتك وداوم عليه إلى أن تدخل القبر فانّه ينغعك في الدنيا والآخرة، فلم أزل على ذلك سنين فوجدت لها حلاوة في سري.


أحمد بن الجلاء: هو أبو عبد الله أحمد بن يحيى الجلاء بغدادي الأصل أقام بالرملة ودمشق وكان من أكابر مشايخ الشام صحب ذا النون المصري وأباه الجلاء، من كلامه رضي الله عنه: "من استوى عنده المدح والذم فهو زاهد، ومن حافظ على الفرائض فهو عابد، ومن رأى الأفعال كلها من الله عز وجل فهو موحّد".


بنان الجمال (توفي سنة 316) هو أبو الحسن بُنان بن محمد الجمال واسطي الأصل، أقام بمصر وكان عظيم الشأن وصاحب كرامات.


يقول أبو علي الروذباري: "ألقي بنان الجمال بين يدي السبع يشمه ولا يضره، فلما أخرج قيل له: ما الذي كان في قلبك حين شمّك السبع، قال كنت أفكر في اختلاف العلماء في سؤر السباع".


بشر الحافي (150-227) هو أبو نصر بشر بن الحارث الحافي: أصله من مرو، وقد سكن بغداد ومات فيها، وكان كبير الشان.


وسبب توبته أنه أصاب في الطريق ورقة مكتوب فيها اسم الله عز وجل وقد وطئتها الأقدام، فأخذها واشترى بدرهم كان معه غالية (نوع من الطيب) فطيب بها الورقة وجعلها في شق حائط، فرأى فيما يرى النائم كأنّ قائلا يقول: يقول لك إلهك: يا بشر طيبت اسمي لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة.


ومن كلامه رضي الله عنه: "لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس".


عمر الحداد (توفي سنة 260) هو أبو حفص عمر بن مسلمة الحداد من قرية يقال لها: كوردا باذ في طريق بخارى، وكان أحد الأئمة والسادة.


قال: "من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا تعده في ديوان الرجال".


سمنون بن حمزة (توفي سنة 290) هو أبو الحسن سمنون بن حمزة، صحب السري السقطي وأبا أحمد القلانسي ومحمد بن علي القصاب، وكان سمنون ظريف الخلق، أكثر كلامه في المحبة، كما كان كبير الشأن.


سعيد الحيري (توفي سنة 298) هو أبو عثمان سعيد بن اسماعيل الحيري كان من الري ويقيم في نيسابور، صحب شاه الكرماني ويحيى بن معاذ الرازي، ثم ورد نيسابور مع شاه الكرماني على أبي حفص الحداد وأقام عنده وتخرج به، وزوجه أبو حفص ابنته.


عبد الله بن خبيق: هو أبو محمد عبد الله بن خبيق من زهاد الصوفية، كوفي الأصل وسكن أنطاكية وصحب يوسف بن أسباط.


ومن كلامه رضي الله عنه: "أنفع الخوف ما حجزك عن المعاصي، وأطال منك الحزن على ما فاتك، وألزمك الفكر بقية عمرك، وأنفع الرجاء ما سهل عليك العمل".


وقال: "طول الاستماع الى الباطل يطفىء حلاوة الطاعة من القلب".


أحمد الخرّاز (توفي سنة 277) هو أبو سعيد أحمد بن عيسى الخرّاز من أهل بغداد، صحب ذا النون المصري والسري السقطي وبشر بن الحارث.


قال: "صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال، لأني كنت معهم على نفسي".


أحمد بن خضرويه (توفي سنة 240) من كبار مشايخ خرسان وكان كبيرا في الفتوة، صحب أبا تراب النخشبي، قدم نيسابور وزار أبا حفص، وخرج إلى بسطام في زيارة أبي يزيد البسطامي وكان أبو يزيد يقول عنه: "أستاذ أحمد".


ومن كلامه رضي الله عنه: "لا نوم أثقل من الغفلة، ولا رق أملك من الشهوة، ولولا ثقل الغفلة عليك لما ظفرت بك الشهوة".


ابراهيم الخواص (توفي سنة 291) هو أبو اسحاق ابراهيم بن أحمد بن اسماعيل الخواص، من أقران الجنيد والنوري وله في التوكل والرياضيات حفظ كبير.


من كلامه رضي الله عنه: "دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرءان الكريم بالتدير، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرّع عند السحر، ومجالسة الصالحين".


عبد الحمن الداراني (توفي سنة 215) هو أبو سليمان عبد الرحمن بن عطية الداراني من قرية داران إحدى قرى دمشق.


من كلامه رضي الله عنه: "ربما تقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة".


وقال: "إذا سكنت الدنيا في القلب رحلت منه الآخرة، وأفضل الأعمال خلاف هوى النفس، ولكل شىء صدأ وصدأنور القلب شبع البطن".


أحمد الدينوري (توفي سنة 340) هو أبو العباس أحمد بن عمر الدينوري صحب يوسف بن الحسين وابن عطاء والجريري، وكان عالما فاضلا، ورد نيسابور وكان يعظ الناس، ويتكلم على لسان المعرفة، ثمّ ذهب الى سمرقند ومات بها.


ومن كلامه رضي الله عنه: "لسان الظاهر لا يفيد حكم الباطن".


يحيى بن معاذ الرازي (توفي سنة 258) هو أبو زكريا يحيى بن معاذ الرازي الواعظ فريد عصره، له لسان في الرجاء وكلام في المعرفة، خرج الى بلخ وأقام فيها مدة، ثمّ رجع الى نيسابور.


ومن كلامه رضي الله عنه: "كيف يكون زاهدا من لا ورع له، تورّع عما ليس لك ثم ازهد فيما لك".


وقال: "الزهد ثلاثة أشياء: القلة والخلوة والجوع".


يوسف بن الحسين الرازي (توفي سنة 304) هو أبو يعقوب يوسف بن الحسين الرازي كان شيخ الري والجبال في وقته عالما أديبا، وصحب ذا النون المصري وأبا تراب النخشبي ورافق أبا سعيد الخراز.


قال: "رأيت ءافات الصوفية في صحبة الأحداث، ومعاشرة الأضداد، ومرافقة النساء".


أحمد بن محمد الروذباري (توفي سنة 322) هو أبو علي أحمد بن محمد الروذباري بغدادي أقام بمصر ومات فيها، صحب الجنيد والنوري، وكان أعلم المشايخ في الطريقة. وكان أستاذه في التصوف الجنيد، وفي الفقه أبو العباس بن شريح، وفي الأدب ثعلب، وفي الحديث ابراهيم الحربي.


من كلامه رضي الله عنه: "من علامة الاغترار أن تسيء فيحسن الله اليك فتترك التوبة والإنابة توهّما أنّك تُسامح في الهفوات وترى أن ذلك من بسط الحق لك".


وسئل عن التصوف فقال: "هذا مذهب كله جدّ فلا تخلطوه بشىء من الهزل".


دلف الشبلي (247-334) وهو أبو بكر دلف بن جحدر الشبلي، بغدادي المولد، صحب الجنيد ومن في عصره من العلماء، وكان شيخ وقته حالا وظرفا وعلما، مالكي المذهب وقبره ببغداد.


كانت مجاهداته في بدايته فوق العادة، وقال أبو علي الدقاق عنه: "بلغني أنّه اكتحل بكذا وكذا من الملح ليعتاد السهر ولا يأخذه النوم".


محمد بن خفيف الشيرازي (276-371) هو أبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي، صحب رويما والحريري وأحمد بن عطاء وغيرهم، كان شيخ الشيوخ وواحد زمانه.


وسئل عن القرب فقال: "قربك منه تعالى (أي القرب المعنوي) بملازمة الموافقات".


ودخل فقير على الشيخ أبي عبد الله بن خفيف الشيرازي فقال الفقير: بي وسوسة فقال الشيخ: عهدي بالصوفية يسخرون من الشيطان.


عبد الله المرتعش (توفي سنة 329) هو أبو محمد عبدالله بن محمد المرتعش النيسابوري من محلة الحيرة، صحب أبا حفص وأبا عثمان ولقي الجنيد وكان كبير الشأن، وكان يقيم في مسجد الشونيزية، وقد مات ببغداد.


ومن كلامه رضي الله عنه: "الإرادة حبس النفس عن مرادها، والإقبال على أوامر الله تعالى، والرضا بموارد القضاء عليه".


الفضيل بن عياض (105- 187) هو أبو علي الفضيل بن عياض من ناحية مرو، وقيل ولد بسمرقند ونشأ بأبيورد، ومات بمكة المكرمة في شهر المحرم.


قال الفضيل بن موسى: "كان الفضيل ابن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدار إليها سمع قارئا يتلو قوله تعالى: {ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله(16)} [سورة الحديد]، فقال: يا رب قد ءان، فرجع فآواه الليل إلى خربة فاذا فيها رفقة فقال بعضهم: نرتحل، وقال قوم: حتى نصبح فان فضيلا على الطريق يقطع علينا، فتاب الفضيل وأمنهم، وجاور الحرم حتى مات".


حمدون القصار (توفي سنة 271) هو أبو صالح حمدون ابن أحمد بن عمارة القصار النيسابوري، صحب أبا تراب النخشبي.


قال رجل لأبي صالح أوصني فقال: "إن استطعت أن لا تغضب لشىء من الدنيا فافعل".


وقال: "لا تُفش على أحد ما تحب أن يكون مستورا منك".


الحارث المحاسبي (توفي سنة 243) هو أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي لا نظير له في زمانه علما وورعا ومعاملة وحالا، بصري الأصل مات ببغداد.


قال الأستاذ أبو علي الدقاق: "كان الحارث المحاسبي إذا مدّ يده الى طعام فيه شبهة تحرّك على إصبعه عرق فكان يمتنع منه".


وقال الحارث: "من صحح باطنه بالمراقبة والاخلاص زيّن الله ظاهره بالمجاهدة واتباع السنة".


أحمد بن مسروق (توفي سنة 298) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق، من أهل طوس، سكن بغداد وصحب الحارث المحاسبي وسري السقطي، وتوفي في بغداد.


ومن كلامه رضي الله عنه: "من راقب الله تعالى في خطرات قلبه عصمه الله تعالى في حركات جوارحه".


وقال: "شجرة المعرفة تسقى بماء الفكر، وشجرة الغفلة تسقى بماء الجهل، وشجرة التوبة تسقى بماء الندامة، وشجرة المحبة تسقى بماء الاتفاق والموافقة".


ذو النون المصري (توفي سنة 245) هو أبو الفيض ذو النون ثوبان بن إبراهيم المصري، كان أبوه نوبيّا من نواحي مصر فائق الشأن وأوحد زمانه علما وورعا وحالا وأدبا، سعوا به إلى المتوكل فاستحضره من مصر فلما دخل عليه وعظه فبكى المتوكل وردّه إلى مصر مكرما، وكان المتوكل إذا ذكر بين يديه أهل الورع يبكي ويقول: "إذا ذكر إليّ الورع فحيهلا لي بذي النون"، وكان ذو النون رجلا نحيفا تعلوه حمرة.


ومن كلامه رضي الله عنه: "حب الجليل، واتباع التنزيل، وخوف التحويل والاستعداد للرحيل".


وقال: "من علامات المحب لله عز وجل متابعة حبيب الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه".


وسئل عن السفلة فقال: "من لا يعرفون الطريق إلى الله تعالى ولا يتعرفونه".


وقال: "لا تسكن الحكمة معدة ملئت طعاما".


سعيد المغربي (توفي سنة 373) هو أبو عثمان سعيد بن سلام المغربي واحد زمانه، صحب ابن الكتاب وحبيب المغربي وأبا عمرو الزجاجي وغيرهم. مات بنيسابور، وأوصى بأن يصلي عليه أبو بكر بن فورك.


ومن كلامه رضي الله عنه: "التقوى هي الوقوف على الحدود، لا يقصر فيها ولا يتعداها".


وقال: "من ءاثر صحبة الأغنياء على مجالسة الفقراء ابتلاه الله تعالى بموت القلب".


عسكر النخشبي (توفي سنة 245) هو أبو تراب عسكر بن حصين النخشبي صحب حاتما الأصم، وأبا حاتم العطار المصري.


ومن كلامه رضي الله عنه: "الفقير قوته ما وجده، ولباسه ما ستره، ومسكنه حيث نزل".


وقال: "إذا صدق العبد في العمل وجد حلاوته قبل أن يعمله، فاذا أخلص وجد حلاوته ولذته وقت مباشرة العمل".


جعفر بن نصر (253- 348) هو أبو محمد جعفر بن محمد بن نصر ولد ونشأ في بغداد، صحب الجنيد، وانتمى اليه، وصحب النوري ورويما وسمنون وغيرهم، ومات ببغداد.


ومن كلامه رضي الله عنه: "إنما بين العبد والوجود أن تسكن التقوى قلبه، فإذا سكنت التقوى قلبه نزلت عليه بركات العلم وزالت عنه رغبة الدنيا".


ابراهيم النصر ءاباذي (توفي سنة 369) هو أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصر ءاباذي شيخ خرسان في وقته صحب دلف الشبلي وأبا علي الروذباري والمرتعش وجاور بمكة المكرمة حرسها الله تعالى، وكان عالما بالحديث كثير الرواية.


ومن كلامه رضي الله عنه: "إعلم أن الأمر والنهي باق، والتحليل والتحريم مخاطبون به، ولن يجترىء على الشبهات إلا من تعرّض للمحرمات".


اسحاق النهرجوري (توفي سنة 330) هو أبو يعقوب إسحاق بن محمد النهرجوري (والنهرجور قرية قرب الأهواز) صحب أبا عمرو المكي وأبا يعقوب السوسي والجنيد وغيرهم، مات بمكة مجاورا.


ومن كلامه رضي الله عنه: "الدنيا بحر، والآخرة ساحل، والمركب هو التقوى، والناس سفر"، وقال: "أفضل الأحوال ما قارن العلم".


أحمد النوري (توفي سنة 295) هو أبو الحسين أحمد بن محمد النوري، ولد ونشأ في بغداد، صحب سري السقطي وابن أبي الحواري وكان من أقران الجنيد رحمه الله، وكان كبير الشأن حسن المعاملة واللسان.


ومن كلامه رضي الله عنه: "أعز الأشياء في زماننا شيئان: عالم يعمل بعمله، وعارف ينطق عن حقيقة".


وقال: "من رأيته يدّعي مع الله تعالى حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربنّ منه".


محمد الواسطي (توفي سنة 331) هو أبو بكر محمد بن موسى الواسطي، خراساني الأصل من فرغانة، صحب الجنيد والنوري، وكان عالما كبيرا وقد أقام بمرو.


ومن كلامه رضي الله عنه: "الخوف والرجاء زمامان يمنعان من سوء الأدب".


محمد الوراق: هو أبو بكر بن محمد بن عمرو الوراق الترمذي أقام ببلخ وصحب أحمد خضرويه وغيره، له تصانيف في الرياضة.


من كلامه: "من أرضى الجوارح بالشهوات غرس في قلبه شجر الندامات".


شعيب بن حرب (توفي سنة 297) هو أبو صالح شعيب بن حزب نزل المدائن واعتزل ثم خرج إلى مكة فنزل بها إلى أن مات بها، وكان قد بنى كوخا على شط دجلة. وبلغ أحمد بن حنبل زهده وورعه فقال عنه: "شعيب بن حرب حمل على نفسه في الورع"، سمع شعيب بن حرب من شعبة وسفيان الثوري وزهير بن معاوية وغيرهم.


من كلامه رضي الله عنه: "من أراد الدنيا فليتهيأ للذل".


وقال لرجل: "إذا دخلت القبر ومعك الإسلام فأبشر".


وقال: "لا تحقرن فلسا تطيع الله في كسبه ليس الفلس يراد إنّما الطاعة تراد".


هشيم بن بشير بن أبي خازم (توفي سنة 183) هو أبو معاوية السلمي واسم أبي خازم القاسم بن دينار، كان يكتب الحديث وجالس أبو شيبة القاضي. وقال إبراهيم الحربي: "كان حفاظ الحديث أربعة هشيم شيخهم"، سمع الحديث من عمرو بن دينار والزهري ويونس بن عبيد وأيوب السختياني وابن عون ومنصور بن زاذان وغيرهم.


أويس بن عامر: من التابعين، هو أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد. أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يلتقه، وقد ورد فيه أحاديث صحيحة منها ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن خير التابعين أويسا القرني". كان بارا بأمه متزودا بالعمل الصالح، وقد ذكره الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء: "فمن الطبقة الأولى من التابعين سيد العباد وعلم الأصفياء الزهاد أويس بن عامر القرني بشّر به النبي صلى الله عليه وسلم وأوصى به".


ومن كلامه رضي الله عنه: "أن رجلا مرّ عليه فقال له: كيف أصبحت قال: أصبحت أحمد الله عز وجل، فقال: كيف الزمان عليك قال: كيف الزمان على رجل ان أصبح ظنّ أنه لا يمسي، وان أمسى ظنّ أنه لا يصبح، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار، يا أخا مراد ان الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحا، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له في ماله فضة ولا ذهبا، وإن قيامه لله بالحق لم يترك له صديقا".


الربيع بن خثيم: من التابعين هو أبو يزيد الربيع بن خثيم رأى عبد الله بن مسعود وأسند عنه وكان عبد الله يقول للربيع بن خثيم: لو رءاك رسول الله لأحبك، قالت له ابنته مرة: يا أبتاه مالي أرى الناس ينامون وأنت لا تنام فقال لها: جهنم لا تدعني أنام.


من كلامه رصي الله عنه: "أما بعد فأدِّ زادك وخذ في جهازك وكن وصي نفسك"، وقال: "كل ما لا يُبتغى به وجه الله يضمحل"، وقال مرة لأصحابه: "الداء الذنوب والدواء الاستغفار والشفاء أن تتوب فلا تعود".


وقيل له مرة كيف أصبحت يا أبا يزيد قال: "أصبحنا ضعفاء مذنبين نأكل رزقنا وننظر ءاجالنا".


سليمان بن مهران الأعمش (58-147) هو أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش مولى لبني كاهل، وأدرك جماعة من الصحابة وعاصرهم ورأى أنس بن مالك وكان يحيى بن القطان إذا ذكر الأعمش قال: "كان من النساك" وعن عيسى بن يونس قال: "ما رأينا في زماننا مثل الأعمش، ما رأيت الأغنياء والسلاطين في مجلس أحد أحقر منهم في مجلس الأعمش وهو محتاج إلى درهم".


مسعر بن كدام بن ظهير (توفي سنة 155) هو أبو سلمة مسعر بن كدام بن ظهير أسند عن أعلام التابعين، وتوفي بالكوفة، وعن ابنه محمد بن مسعر قال كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرءان، فإذا فرغ من ورده لف رداءه ثم هجع عليه هجعة خفيفة، ثم يثب كالرجل الذي قد ضل شيئا فهو يطلبه فإنما هو السواك والطهور، ثم يستقبل المحراب كذلك إلى الفجر، وكان يجهد في إخفاء ذلك جيدا.


وعن سفيان الثوري قال: لم يكن في زماننا مثله (يعني) مسعرا ومن شعره:


الا قد فسد الدهرُ ... فأضحى حلوه مرا


وقد جربت من أهوى ... فقد أنكرتهم طرا


فألزم نفسك اليأسَ ... من الناس تعش حرا


ويقول أيضا:


تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ... من الحرام ويبقى الاثم والعارُ


تبقى عواقب سوء من مغبتها ... لا خير في لذة من بعدها النارُ


محمد بن صبيح بن السماك (توفي سنة 183) هو أبو العباس محمد بن صبيح بن السماك، كوفي قدم بغداد فمكث بها مدة ثم عاد إلى الكوفة فتوفي فيها، وكان الخليفة هارون الرشيد يختلف إليه وابن السماك يعظه حتى يبكي هارون، أسند عن الأعمش وهشام بن عروة وغيرهم وروى عنه يحيى بن يحيى النيسابوري وأحمد بن حنبل زغيرهم.


من كلامه رضي الله عنه: "من امتطى العبر قوي على العبادة، ومن أجمع اليأس استغنى عن الناس، ومن أحب الخير وفق له، ومن كره الشر جنبه، ومن رضي الدنيا من الآخرة فقد أخطأ حظ نفسه".


وقال: "من أذاقته الدنيا حلاوتها لميله اليها، جرعته الآخرة مرارتها لتجافيه عنها".


عامر بن عبد الله: هو أبو عمرو وقيل أبو عبد الله من بني تميم وهو الذي يقال له ابن عبد قيس، أدرك عمر بن الخطاب لكنه اشتغل بالعبادة عن الرواية وكان كعب يقول عنه هذا راهب الأمة. وكان مشهورا بالزهد والورع، وهو الذي مرّ بقافلة قد حبسهم الأسد على طريقهم فنزل عن دابته فقالوا له: إنّا نخاف عليك الأسد، فقال: إنما هو كلب من كلاب الله عزوجل إن شاء أن يسلطه سلطه، وإن شاء أن يكفه كفه فمشى إليه حتى أخذ بيديه أذني الأسد فنحاه عن الطريق وقال: إني لأستحي من ربي تبارك وتعالى أن يرى في قلبي أني أخاف غيره.


ومن كلامه: "اني أحببت الله عز وجل حبّا سهل عليّ كل مصيبة ورضاني كل قضية، فما أبالي مع حبي اياه ما أصبحت عليه وما أمسيته".


وقال لأبي المتوكل الناجي: "عليك بما يرغبك في الآخرة ويزهدك في الدنيا ويقربك إلى الله عزوجل، فقال أبو المتوكل: ما هو فقال: تقصر عن الدنيا همك، وتشحذ إلى الآخرة نيتك، وتصدق ذلك بفعلك، فاذا كانت كذلك لم يكن شىء أحب إليك من الموت ولا شىء أبغض اليك من الحياة".


الرفيع الرياحي (توفي سنة 90) هو أبو العالية الرياحي أعتقته امرأة بني رياح، أسند عن أبي بكر وعمر وعلي وأبيّ بن كعب وأبي موسى وأبي هريرة وابن عباس في جماعة من الصحابة، وكان إذا جلس اليه أكثر من أربعة قام ومن كلامه: "كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام فأول ما أتفقده من أمره صلاته، فإن وجدته يقيمها ويتمها أقمت وسمعت منه، وإن وجدته يضيعها رجعت ولم أسمع منه، وقلت هو لغير الصلاة أضيع".


وقال: "قال لي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: "لا تعمل لغير الله فيكلك الله عز وجل إلى ما عملت له".


هرم بن حيان العبدي: كان عاملا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعن الحسن قال: "مات هرم بن حيان في يوم صائف شديد الحر، فلما نفضوا أيديهم عن قبره جاءت سحابة تسير حتى قامت على قبره فلم تكن أطول منه ولا أقصر فرشته حتى روته ثم انصرفت".


وعن قتادة قال: "أمطر قبر هرم بن حيان من يومه وأنبت العشب من يومه".


ومن كلامه: "ما رأيت كالنار نام هاربها، ولا كالجنة نام طالبها".


وقال: "ما ءاثر الدنيا على الآخرة حكيم".


مطرف بن عبد الله بن الشخير (توفي سنة 87) هو أبو عبد الله مطرف بن عبد الله بن الشخير، وكان يسكن البادية. أسند عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبيّ بن كعب وغيرهم، وتوفي في زمن الحجاج بعد الطاعون الجارف.


وعن سليمان بن المغيرة قال: "كان مطرف بن عبد الله إذا دخل بيته سبّحت معه ءانية بيته".


وعن ثابت بن مطرف أن أباه أقبل من البادية فجعل يسير بالليل فأضاء له سوطه.


ومن كلامه: "إن هذا الموت أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فاطلبوا نعيما لا موت فيه".


وقال: "انّ أقبح ما طلب به الدنيا عمل الآخرة". (أي الرياء).


وقال مرة لبعض اخوانه: "يا فلان إذا كانت لك حاجة فلا تكلمني فيها ولكن اكتبها في رقعة ثمّ ارفعها اليّ، فانني أكره أن أرى في وجهك ذلّ السؤال".


صفوان بن محرز المازني: من التابعين من بني تميم، أسند عن ابن عمر وأبي موسى الأشعري وعمران بن حصين وحكيم بن حزام في ءاخرين، وتوفي في البصرة، وكان يجتمع مع إخوانه فيقولون: يا صفوان حدث أصحابك فيقول: الحمد لله فيرق القوم وتسيل دموعهم.


من كلامه: "إذا أكلت رغيفا أشد به صلبي، وشربت كوز ماء فعلى الدنيا وأهلها العفاء".


مالك بن دينار (130) هو أبو يحيى مالك بن دينار، مولى لامرأة من بني سامة بن لؤي وكان يكتب المصاحف، أسند مالك عن أنس بن مالك وعن جماعة من التابعين كالحسن وابن سيرين.


من كلامه: "ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر الله تعالى".


وقال: "لا تجعلوا بطونكم جربا للشياطين يوعي فيها إبليس ما شاء".


وقال: "لقد هممت أن ءامر إذا مت أن أغلّ فأدفع إلى ربي مغلولا كما يُدفع الآبق إلى مولاه".


وقال: منذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم ولم أكره مذمتهم قيل: ولم ذاك؟ قال: لأن حامدهم مفرط وذامهم مفرط".


وقال: "عجبا ممن يعلم أن الموت مصيره والقبر مورده كيف تقر بالدنيا عينه وكيف يطيب بها عيشه".


وقال: "كان الإبرار يتواصلون: بسجن اللسان وكثرة الاستغفار والعزلة".


وقال: "إن القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب كما أن البيت إذا لم يسكن خرب".


وقال: "أخذ السبع صبيا لامرأة فتصدقت بلقمة فألقاه فنوديت لقمة بلقمة".


وقال: إن الله جعل الدنيا دار مفر والآخرة دار مقر، فخذوا لمقركم من مفركم، وأخرجوا الدنيا من قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، ففي الدنيا حييتم ولغيرها خلفتم، إنما مثل الدنيا كالسم، أكله من لا يعرفه واجتنبه من يعرفه، مثل الدنيا مثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل، يحذرها ذوو العقول، ويهوى إليها الصبيان بأيديهم.


وقيل لمالك بن دينار: "لا تستسقي؟ فقال: أنتم تستبطئون المطر لكني استبطىء الحجارة".


وقيل: دخل اللصوص إلى بيت مالك بن دينار فلم يجدوا في البيت شيئا فأرادوا الخروج من داره فقال مالك: ما عليكم لو صليتم ركعتين!.


ملخص لهذا المقال:


·    التصوف الإسلامي علم وعمل مستقى من كتاب الله وسنة النبي


·    التصوف الحقيقي بريء من الشعوذة والخرافات


·    التصوف هو علم وعمل وزهد في الدنيا


·    كثير من أدعياء التصوف تركوا العلم وشذوا


·    الشيخ أحمد الرفاعي الكبير إمام علم وعمل وتقوى وورع وزهد


·    كرامات الأولياء ثابتة


·    ثبتت كرامة الشيخ أحمد الرفاعي تقبيله يد النبي بالتواتر


·    كرامات الأولياء دلالة على صدقهم لاتباع النبي محمد


وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


التحذير من أقوال وأفعال واعتقادات شائعة بين مدعي التصوف.



إن مما يجب التحذير منه كتاب "مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم لعبد القادر الحمصي الشاذلي" فانّه مذكور فيه كفريات مثل هذه الأبيات ونصّها:


واعلم أنّ الله عينُ العيان ... وأجمعُ خلق الله في الوحدة


ما في إلا الله في الوجود ... إسمع قول الله وارع الحدود


كذلك يجب التحذير من كتاب منسوب لابن عجيبة الشاذلي يسمّى "معراج التشوف إلى حقائق التصوف" فيه أنّ الله تعالى قد يسمّى عند الصوفية الخمرة وعبارته: أما الخمر فقد يطلقونها على الذات العلية لأن القلوب تغيب بها كما تغيب بالخمرة الحسية. وفيه أنّ شروط القطب خمسة عشر منها معرفة الله معرفة عيانية.


ومن الغلو القبيح ظنّ بعض جهلة المتصوفة أنّ الشيخ من المشايخ يجل عن الخطأ وهذا مخالف للحديث الشريف ولكلام الصوفية الصادقين، أما الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد الا يؤخذ من قوله ويترك غير رسول الله" رواه الحافظ الطبراني بإسناد حسن، وأمّا كلام الصوفية فقول الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه: "إذا علم المريد من الشيخ خطأ فلينبهه، فان رجع فذاك الأمر وإلا فليترك خطأه وليتبع الشّرع" قال ذلك في أدب المريد، وقال الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه: "سلم للقوم أحوالهم ما لم يخالفوا الشرع فاذا خالفوا فكن مع الشرع"، وكتب الصوفية بمثل هذا.


ومما يجب التحذير منه كتاب منسوب لرجل في الحبشة يدعى الشيخ نبراس ألف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر فيه مؤلفه هذا الكلام والعياذ بالله من الكفر "اللهم صلّ على سيدنا محمد وزير الله الأعظم".


ومما يجب التحذير منه ما في كتاب "تحفة المحتاج لشرح المنهاج" من أنّ الولي اذا قال (أنا الله) وأوّل بتأويل مقبول لا يحكم بكفره.


واعلم أن قوله "أنا الله" لا تأويل له بل هو كفر صريح، فأي إنسان يقول عن نفسه أنا الله فهو كافر إلا أنّه إذا خرج هذا الكلام من ولي مجذوب في حال غيبته لا يكفّر، لأنّ الولي في الغيبة غير مكلف وحكمه حكم المجنون حتى يعود إلى صحوته.


قال الشيخ يوسف الأردبيلي في كتابه "الأنوار لأعمال الأبرار" في كتاب الردة ما نصه "ولو قال أنا الله كفر". وقد حصل من بعض الدجالين الذين يدعون التصوف والولاية أنّه كان يدخل على جماعة ويقول: "لا إله إلا أنا رب العالمين أغفر الذنوب" ليوهم الناس أنّه من أهل مرتبة خاصة، وهذا مغرور أوقع نفسه في الكفر وأوقع من وافقه على ذلك.


وقال الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي في فتاويه "التأويل البعيد لا يُقبل"، وقال الجنيد سيد الطائفة الصوفية: "لو كنت حاكما لضربت عنق من سمعته يقول: "لا موجود إلا الله".


واعلم أنّ ممّا يمتنع شرعا إطلاق بعضهم على الله تعالى: "الخمار والساقي وراهب الدير وصاحب الدير والقسيس وليلى ولبنى وسعدى وأسماء ودعد وهند والكنز الأكبر ونحو ذلك"، كذلك لا يجوز إجماعا ما يقوله بعض الغلاة من المتصوفة:


أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا


وقول بعضهم:


تمازجت الحقائق بالمعاني ... فصرنا واحدا روحا ومعنى


ومما ينبغي اجتنابه قول بعضهم "ما في الوجود إلا الله" وقولهم "إنّ الله في قلوب العارفين وإنّما الصواب أن يُقال "ما في الوجود في الأزل إلا الله، ومعرفة الله في قلوب العارفين".


كذلك ممّا ينبغي تركه قول بعض المنتسبين إلى التّصوف: "حضرة الحق، وحضرة الله، وجناب الحق، وجناب الله" فقد منع العلماء منها كما ذكر ذلك الشيخ شهاب الدين الرملي صاحب حاشية كتاب "أسنى المطالب شرح روض الطالب" للشيخ زكريا الأنصاري وذلك لأن الحضرة المكان القريب، والجناب ما حول الشخص وهذا من صفات الأجسام، تعالى الله عز وجل عن ذلك.


ولا ذكر لهاتين العبارتين في كتب السادة الصوفية المعتبرين إنّما يستعملها بعض من ينتسب إلى التصوف من المتأخرين وتبعهم على ذلك غيرهم بدون تحقيق.


ومما يجب التحذير منه أيضا ما شاع عند بعض جهلة المتصوفة أنّ الأولياء والخواص لا حاجة لهم إلى علم الدين ولا إلى النصوص الشرعية بل يكفيهم الإلهام والفيوضات فالجواب ما ذكره الشيخ الفقيه يوسف الأردبيلي في كتابه "الأنوار لأعمال الأبرار" ونصه: "ولو قال: الله يلهمني ما أحتاج اليه من أمر الدين فلا أحتاج إلى العلم والعلماء فمبتدع كذاب يلعب به الشيطان" اهـ.


وقال الحافظ ابن حجر في شرح صحيح البخاري ما نصه: "ذهب قوم من الزنادقة إلى سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام الشريعة فقالوا: إنّه يستفاد من قصة موسى والخضر أن الأحكام الشرعية العامة تختص بالعامة والأغبياء وأما الأولياء والخواص فلا حاجة بهم إلى تلك النصوص، بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب على خواطرهم لصفاء قلوبهم عن الأكدار وخلوها عن الأغيار فتنجلي لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية فيقفون على أسرار الكائنات ويعلمون الأحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات كما اتفق للخضر فانه استغنى بما ينجلي له من تلك العلوم عما كان عند موسى، ويؤيده الحديث المشهور: "إستفت قلبك وإن أفتاك المفتون" رواه أحمد.


قال القرطبي: وهذ القول زندقة وكفر لأنه إنكار لما عُلم من الشرائع فإنّ الله قد أجرى سنته وأنفذ كلمته بأن أحكامه لا تُعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه المبينين لشرائعه وأحكامه كما قال تعالى: {الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس(75)} [سورة الحج] وقال: {الله أعلم حيث يجعل رسالته(124)} [سورة الأنعام]، وأمر بطاعتهم في كلّ ما جاؤا به وحث على طاعتهم والتمسك بما أمروا به فإن فيه ا لهدى، وقد حصل العلم اليقين وإجماع السلف على ذلك، فمن ادّعى أنّ هناك طريقا أخرى يُعرف بها أمره ونهيه غير الطرق التي جاءت بها الرسل يستغني بها عن الرسل فهو كافر يقتل ولا يستتاب، وهي دعوى تستلزم إثبات نبوة بعد نبينا لأنه من قال: "إنه ياخذ عن قلبه لان الذي يقع فيه هو حكم الله وإنه يعمل بمقتضاه من غير حاجة منه إلى كتاب وسنة" فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "ان روح القدس نفث في روعي" أخرجه الحاكم في المستدرك.


وقال: وقد بلغنا عن بعضهم أنه قال: "أنا لا ءاخذ عن الموتى وإنّما ءاخذ عن الحي الذي لا يموت"، وكذا قال ءاخر: "أنا ءاخذ عن قلبي من ربي"، وكل ذلك كفر باتفاق أهل الشرائع ونسأل الله الهداية والتوفيق.


وقال غيره: من استدل بقصة الخضر على أن الولي يجوز أن يطلع على خفايا الأمور على ما يخالف الشريعة ويجوز له فعله فقد ضل، وليس ما تمسك به صحيحا فإن الذي فعله الخضر ليس في شىء منه ما يناقض الشرع، فان نقض لوح من ألواح السفينة لدفع الظالم عن غصبها ثم إذا تركها أعيد اللوح جائز شرعا وعقلا، ولكن مبادرة موسى للإنكار بحسب الظاهر، وقد وقع ذلك واضحا في رواية أبي اسحاق التي أخرجها مسلم ولفظه "فإذا جاء الذي يسخرها فوجدها منخرقة فتجاوزها فاصلحوها بخشبة" أخرجه مسلم في صحيحه، ويستفاد منه وجوب التأني عن الإنكار في المحتملات، وأما قتله الغلام فلعله كان في تلك الشريعة، وأما إقامة الجدار فمن باب مقابلة الإساءة بالإحسان" اهـ.

والحمدلله أولاً وءاخراً

وصلى الله على سيدنا محمّدٍ الامين وءالهِ الطاهرين وصحابته الطيبين.


من مواعظ سيدي أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه

يقول رضي الله عنه: "إياك والتقرب إلى أهل الدنيا، فان التقرب منهم يُقسّي القلب، واتخذِ الفقراء أصحابا وأحبابا، وعظّمهم وكن مشغولا بخدمتهم، وإذا جاءك واحد منهم فانتصب له على قدمبك واسأله الدعاء الصالح، وجاهد نفسك لكي تكون منهم وكن شبيها بهم، من تشبّه بقوم فهو منهم ومن أحب قوما حشر معهم، ولو عرف الناس ربهم حق المعرفة كما عرفه الفقراء لانقطعوا عن معاش الدنيا وأحوالها بالكُلّية، ومن علامة الفقير أنه إذا أعطى عطاءا أعطاه لوجه الله ومرضاته لا شىء ءاخر غير ذلك".


وقال رضي الله عنه: "شرط الفقير أنه لا يعلق نظره بملبوسات الخلق وغيرها، فإنه إن علقه بذلك التبس عليه الأمر، وكلما اختلط الفقير بالخلق ظهرت عيوبه، أي أخي لا تنظر إلى عيوب الخلق فان نظرت أظهر الله فيك جميع العيوب، وإن كان فيك عيب لا تنحرف عن الطريق المستقيم، ولا تراع هوى النفس وشهواتها بل راع التقوى وأنواع الطاعة وملازمة السنة والجماعة، وإذا جلست بالخلوة فاحذر الوسواس، وصفّ خواطرك من الكدورات والرعونات البشرية، وإذا صدر من أخيك عيب فاصفح عنه الصفح الجميل واستر الستر الجليل، وعامل عباد الله بالصلاح والنصح والتقوى، وعظم أهل الخشوع والمراقبة، ومن كان لك عليه حق أو له عليك حق، فداره كي يعطيك حقك أو أن تعطيه حقه، بل إذا كان لك حق عند أحد فسامحه يُعطيك الله ويعوّض عليك، وكن مع الخلق بالأدب، وعليك ترك الدنيا ومخالفة النفس، والحذر من الهوى والهوس فإنّهما أكبر أعدائك، واعلم أن التوفيق في جميع الأحوال إنّما هو من الله سبحانه وتعالى".


ويقول أيضا: "ومما ينبغي أن يجعل المرء نفسه قائلا بالنصائح والمواعظ، ويكون متلبسا بأفعال المعروف ممتثلا للأوامر والنواهي، واقفا مع الحق وطريق الشرع، حتى اذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر قُبل منه وامتثل له، وكان لأمره تأثير في نفس المأمور ولنهيه وإلا فلا يُقبل منه ذلك ولا يُسمع ما يقول وكان من العظيم عليه قوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون(2) كبُر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون(3)} [سورة الصف] ولهذا كانت قلوب الصالحين مهبط الأنوار، وان لم يكن القلب منورا بنور العبادة والطاعة وأفعال الخيرات كان مهبط الشيطان ويلقي صاحبه في ظلم الباطل ويجره إلى الشقاوة، فنعوذ بالله من ذلك".


وكان يقول رضي الله عنه ناصحا وواعظا أحد مريديه: "عليك بملازمة الشرع بأمر الظاهر والباطن، وبحفظ القلوب من نسيان ذكر الله، وبخدمة الفقراء والغرباء، وبادر دائما بالسرعة للعمل الصالح من غير كسل ولا ملل، وقم في مرضاة الله تعالى، وقف في مرضاة الله تعالى، وقف في باب الله تعالى، وعوّد نفسك القيام في الليل، وسلمها من الرياء في العمل، وابك في خلواتك وجلواتك على ذنوبك الماضية، واعلم أنّ الدنيا خيال وما فيها زوال، همة أبناء الدنيا دنياهم، وهمة أبناء الآخرة ءاخرتهم.


واشغل ذهنك عن الوسواس، واحذر نفسك من مصاحبة صديق السوء فان عاقبة مصاحبته النّدامة والتأسف يوم القيامة كما قال الله تعالى مخبرا عمن هذا حاله: {ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا(28)} [سورة الفرقان]. فبئس القرين، فاحفظ نفسك من القرين السوء.


يا ولدي إن ما أكلته تفنيه، وما لبسته تبليه، وما عملته تُلاقيه، والتوجه إلى الله حتما مقضيا، وفراق الأحبة وعدا مأتيا، والدنيا أولها ضعف وفتور، وءاخرها موت وقبور، لو بقي ساكنها ما خربت مساكنها، فاربط قلبك بالله (أي بطاعته ومحبته)، وأعرض عن غير الله، وسلم في جميع أحوالك لله، واجعل سلوكك في طريق الفقراء بالتواضع، واستقم بالخدمة على قدم الشريعة، واحفظ نيّتك من دنس الوسواس، وأمسك قلبك من الميل الى الناس، وكل خبزا يابسا وماء مالحا من باب الله، وتمسك بسبب لمعيشتك بطريق الشرع من كسب حلال، وايّاك من كسر خواطر الفقراء، وصل الأرحام، وأكرم الأقارب، واعف عمّن ظلمك، وأكثر زيارة القبور، وليّن كلامك للخلق، وكلّمهم على قدر عقولهم، وحسّن خُلقك، وأعرض عن الجاهلين، وقم بقضاء حوائج اليتامى وأكرمهم، وبادر بخدمة الأرامل، وارحم تُرحم، وكن مع الله تر الله معك، واجعل الإخلاص رفيقك في سائر الأقوال والأفعال، واجتهد بهداية الخلق لطريق الحق، ولا ترغب للكرامات وخوارق العادات فإنّ الأولياء يستترون من الكرامات كما تستتر المرأة من دم الحيض، ولازم باب الله، ووجه قلبك لرسول الله، وقم بنصيحة الإخوان، وألف بين قلوبهم، وأصلح بين الناس، واجمع الناس مهما استطعت على الله بطريقتك، وعمّر قلبك بالذكر، وجمّل قالبك بالفكر، واستعن بالله، واصبر على مصائب الله، وكن راضيا عن الله، وقل على كل حال الحمد لله، وأكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن تحرّكت نفسك بالشهوة أو بالكبر فصُم تطوعا لله واعتصم بحبل الله، واجلس في بيتك ولا تكثر الخروج للأسواق ومواضع الفُرج فمن ترك الفُرج نال الفَرج، وأكرم ضيفك، وارحم أهلك وولدك وزوجتك وخادمك، واعمل للآخرة، وقل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون.


هذه نصيحتي لك ولكل من سلك طريقي ولاخواني ولجميع المسلمين والمحبين كثرهم الله، وأستغفر الله العظيم من جميع الذنوب خفيها وجليها وكبيرها وصغيرها".


وقال أيضا: "ترك الوسواس يكون في ترك الحرام، وحسن الإخلاص يكون من خوف الله، والتجرد عن الناس يكون من ذكر الموت والأدب على أحسن قياس يكون من الندم على الماضي من الذنوب، والفكر نور العقل، والذكر نور القلب، والاخلاص نور السر، والتقوى نور الوجه".


ثم قال: "الوصول باب، والعناية مفتاح، والسخاوة سلُم، والاخلاص قوة، فإذا أخلصت صعدت الى السلم، وإذا صرت سخيا وصلت الى المفتاح وفتحت الباب باذن الفتّاح، بُنيَ الطريق على الصدق والإخلاص وحسن الخلق والكرم، والغنى بالعلم، والزينة بالحلم، والكرامة بالتقوى، والعزة بمخالفة النفس، أكثر من الدعاء المشهور، ومل عن الطريق المشهور، وتذلل للفقير المستور، وعُدّ نفسك من أهل القبور".


"قف في باب الاستقامة، واسكن في باب المداومة، والزم الصبر على العمل، ومن طرق الباب بالخضوع، فتح له بالقبول".


"الذكر حفظ القلب من الوسواس وترك الميل الى الناس، والتخلي عن كل قياس".


"القلب جوهرة مظلمة مغمورة بتراب الغفلة، جلاؤها الفكر، ونورها الذكر، وصندوقها الصبر".


"الصدق سلم العناية، والتقوى بيت الهداية، والتسليم عين الرعاية، والإخلاص حسن الوقاية، والانكسار لله هو الولاية".


"لسان الورع يدعو إلى ترك الآفات، ولسان التعبد يدعو إلى دوام الاجتهاد".


"الحكمة خوف الله، والرباط التوكل على الله، والتدبير التفويض إلى الله، والتسليم العمل بسر {قل كلّ من عند الله(78)}" [سورة النساء].


"انّ الصلاة عليه (أي على النبي صلى الله عليه وسلم) تسهل المرور على الصراط، وتجعل الدعاء مستجابا، وان قدرتم أعطوا الصدقة فإنها تبرد النار وتزيل غضب الله، والإحسان للوالدين وبرهم يهوّن سكرات الموت".


"يا ولدي التصوف الإعراض عن غير الله، وعدم شغل الفكر بذات الله، والتوكل على الله، وإلقاء زمام الحال في باب التفويض، وحسن الظن به في جميع الحالات".


"يا ولدي إذا سمعت نقلا حسنا وتعلمت علما فاعمل به، ولا تكن من الذين يعلمون ولا يعملون، ولا تضيع أوقاتك باللهو والطرب وسماع الآلات وكلمات المضحكين، واترك الفرح فإن الفرح في الدنيا جنون، والحزن فيها عقل وكمال، والخلود فيها محال، والانكباب عليها فعل الجهال، واجعل فكرك مشغولا بمن سلف قبلك من الجبابرة والسلاطين ماتوا وكأنهم ما كانوا، هم السابقون ونحن اللاحقون، فسر على منهج الصالحين لتحشر في زمرتهم ولتكون من فرقتهم".


"اخواني ان غركم لباس الحكام والأعيان وزينتهم وضاقت صدوركم بهذا فاذهبوا إلى المقابر وانظروا ءاباءكم وءاباءهم تجدوا الكل في التراب والله أعلم بمن هو في النعيم وبمن هو في العذاب فأنتم كذلك مع هؤلاء تتساوون {وسيعلم الذين ظلموا أيّ مُنقلَب ينقلبون(227)} [سورة الشعراء]."


"يا ولدي إياك من الاشتغال بما لا يعنيك من الكلام والأعمال وغيرها، وارجع بنفسك عن طريق الغفلة، وادخل من باب اليقظة، وقف بميدان الذل والانكسار، واخرج من مقام العظمة والاستكبار فإنك مضغة ابتداؤك، وجيفة انتهاؤك، فقف بين الابتداء والانتهاء بما يليق لمقامها".


"واياك من الحسد فان الحسد أم الخطايا، والكذب والحسد والكره سبب لطرد العبد من باب الرب، فلا تعوّد نفسك على هذه الخصال قطعا، واقطع نفسك إلى الله، واعلم بأن الرزق مقسوم، فإذا تحققت من ذلك ما تكبرت، واعلم بأنك محاسَب، فإذا تحققت من ذلك ما كذبت، واغضض طرفك عن النظر إلى أعراض الناس فضلا عن العمل الردىء فإنك كما تدين تُدان، وكما أنّ لك عينا فلغيرك عيون، وكما يولى عليك، وأمسك لسانك عن مذمة الخلق فان للخلق ألسنا، نظرك فيك يكفيك، وكما تقول بالناس قد يقولون فيك، وحاسب نفسك في كل يوم، واستغفر الله كثيرا، وكن طبيب نفسك ومرشدها، ولا تغفل عن حساب نفسك، وإياك من الاشتغال بحظ النفس، وإياك والظهور فالظهور يقصم الظهور".



والحمدلله أولاً وءاخراً وصلى الله على سيدنا محمّدٍ الامين وءالهِ الطاهرين وصحابته الطيبين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...