بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 21 أبريل 2021

التبرك ليس هو إلا توسلاً إلى الله سبحانه وتعالى بذلك المتبرَّك به سواء أكان أثراً أو مكاناً أو شخصاً .

 التبرك ليس هو إلا توسلاً إلى الله سبحانه وتعالى بذلك المتبرَّك به سواء أكان أثراً أو مكاناً أو شخصاً .

أما الأعيان فلاعتقاد فضلها وقربها من الله سبحانه وتعالى مع اعتقاد عجزها عن جلب خير أو دفع شر إلا بإذن الله .
وأما الآثار فلأنها منسوبة إلى تلك الأعيان فهي مشرفة بشرفها ومكرمة ومعظمة ومحبوبة لأجلها .
وأما الأمكنة فلا فضل لها لذاتها من حيث هي أمكنة وإنما لما يحل فيها ويقع من خير وبر كالصلاة والصيام وجميع أنواع العبادات مما يقوم به عباد الله الصالحون ، إذ تتنزل فيها الرحمات وتحضرها الملائكة وتغشاها السكينة وهذه هي البركة التي تطلب من الله في الأماكن المقصود لذلك .
وهذه البركة تطلب بالتعرض لها في أماكنها بالتوجه إلى الله تعالى ودعائه واستغفاره وتذكر ما وقع في تلك الأماكن من حوادث عظيمة ومناسبات كريمة تحرك النفوس وتبعث فيها الهمة والنشاط للتشبه بأهلها أهل الفلاح والصلاح ، وإليك هذه النصوص الخاصة في موضوع البركة .
التبرك بشعره وفضل وضوءه وبصاقه وعرقه :
1- عن جعفر بن عبد الله بن الحكم أن خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك ، فقال : أطلبوها ، فلم يجدوها – فقال : أطلبوها فوجدوها ، فإذا هي قلنسوة خلقة – أي ليست بجديـدة ، فقال خـالـد : اعتمـر رسول الله  فحلق رأسه فابتدر الناس جوانب شعره – فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة ، فلم أشهد قتالاً وهي معي إلا رزقت النصر .
قال الحافظ الهيثمي : رواه الطبراني وأبو يعلى بنحوه ، ورجالهما رجال الصحيح ، وجعفر سمع من جماعة من الصحابة فلا أدري سمع من خالد أم لا (9/349) ، وذكره ابن حجر في المطالب العالية (ج4 ص90) ، وفيه يقول خالد : (فما وجهت في جهة إلا فتح لي) .
2- وعن مالك بن حمزة بن أبي أسيد الساعدي الخزرجي عن أبيه عن جده أبي أسيد وله بئر بالمدينة يقال لها : بئر بضاعة ، قد بصق فيها النبي  فهو يشربها ويتيمن بها . رواه الطبراني ورجاله ثقات .
وصف عروة بن مسعود حال الصحابة مع النبي  :
3- قال الإمام البخاري بسنده : ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي  بعينه قال : فوالله ما تنخم رسول الله  نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له ، فرجع عروة إلى أصحابه ، فقال : أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إن رأيت( ) ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد  محمداً ، والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له. رواه البخاري في كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد. (فتح الباري ج5 ص330).
تعليق الحافظ ابن حجر على هذه القصة :
وفيـه طهـارة النخامة والشعر المنفصل والتبرك بفضلات الصالحين الطاهـرة
ولعل الصحابة فعلوا ذلك بحضرة عروة وبالغوا في ذلك إشارة منهم إلى الرد على ما خشيه من فرارهم ، وكأنهم قالوا بلسان الحال : من يحب إمامه هذه المحبة ويعظمه هذا التعظيم كيف يظن به أنه يفر عنه ويسلمه لعدوه ؟ بل هم أشد اغتباطاً به وبدينه وبنصره من القبائل التي يراعي بعضها بعضاً بمجرد الرحم ، فيستفاد منه جواز التوصل إلى المقصود بكل طريق سائغ .
(كذا في فتح الباري ج5 ص341)
النبي  يرشد إلى المحافظة على بقية وضوئه :
4- عن طلق بن علي قال : خرجنا وفداً إلى رسول الله  فبايعناه وصلينا معه وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا فاستوهبناه من فضل طهوره ، فدعا بماء فتوضأ وتمضمض ثم صبه لنا في إداوة وأمرنا فقال لنا : [اخرجوا فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم وانضحوا مكانها بهذا الماء واتخذوها مسجداً] ، قلنا : إن البلد بعيد والحر شديد والماء ينشف ، فقال : [مدّوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيباً] .
رواه النسائي كذا في المشكاة (رقم 716) . وهذا الحديث من الأصول المعتبرة المشتهرة الدالة على مشروعية التبرك به وبآثاره وبكل ما هو منسوب إليه فإنه  أخذ وضوءه ثم جعله في إناء ثم أمرهم أن يأخذوه معهم إجابة لطلبهم وتحقيقاً لمرادهم ، فلابد أن هناك سراً قوياً متمكناً في نفوسهم دفعهم إلى طلب هذا الماء بخصوصه ، والمدينة مملوءة بالمياه ، بل وبلادهم مملوءة بالماء فلم هذا التعب والتكلف في حمل قليل من الماء من بلد إلى بلد مع بعد المسافة وطول السفر وحرارة الشمس ؟ .
نعم كل ذلك لم يهمهم لأن المعنى الذي يحمله هذا الماء يهون عليهم كل مشقة ألا وهو التبرك به وبآثاره وبكل ما هو منسوب إليه وهو لا يوجد في بلدهم ولا يتوافر على كل حال عندهم ، بل ويتأكد تأييده لهم  ورضاه عن فعلهم بجوابه لهم لما قالوا : إن الماء ينشف لشدة الحر إذ قال لهم : [مدوه من الماء] ، فبين لهم أن بركته التي حلت في الماء لا تزال باقية مهما زادوا فيه فهي مستمرة متصلة.
التبرك بشعره  بعد موته :
5- عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال : أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر النبي  وكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها مخضبة قال : فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمراء . رواه البخاري في كتاب اللباس باب ما يذكر في الشيب .
قال الإمام الحافظ ابن حجر في الفتح : وقد بينه وكيع في مصنفه فقال : كان جلجلاً من فضة صيغ صوانا لشعرات النبي  التي كانت عند أم سلمة والجلجل – هو شبه الجرس يتخذ من الفضة أو الصفر أو النحاس ، وقد تنزع منه الحصاة التي تتحرك فيه فيوضع فيه ما يحتاج إلى صيانته .
كذا في فتح الباري (ج10 ص353) .
قال الإمام العيني : وبيان ذلك على التحرير : أن أم سلمة كان عندها شعرات من شعر النبي  حمر في شيء مثل الجلجل ، وكان الناس عند مرضهم يتبركون بها ، ويستشفون من بركتها ، ويأخذون من شعره ويجعلونه في قدح من الماء ، فيشربون الماء الذي فيه الشعر ، فيحصل لهم الشفاء ، وكان أهل عثمان أخذوا منها شيئاً وجعلوه في قدح من فضة ، فشربوا الماء الذي فيه ، فحصل لهم الشفاء ، ثم أرسلوا عثمان بذلك القدح إلى أم سلمة ، فأخذته أم سلمة ، ووضعته في الجلجل ، فاطلع عثمان في الجلجل ، فرأى فيه شعرات حمراء .
(قوله : وكان إذا أصاب الإنسان إلى آخره) كلام عثمان بن عبد الله بن موهب : أي كان أهلي كذا فسره الكرماني .
وقال بعضهم : وكان أي الناس إذا أصاب الإنسان : أي منهم ، والذي قاله الكرماني أصوب يبين به أن الإنسان إذا أصابه عين أو شيء من الأمراض بعث أهله إليها : أي إلى أم سلمة ، مخضبة – بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الضاد المعجمة والباء الموحدة – وهي الإجانة ، ويجعل فيها ماء وشيء من الشعر المبارك ، ويجلس فيها ، فيحصل له الشفاء ، ثم يرد الشعر إلى الجلجل .
(عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج18 ص79) .
النبي  يقسم شعره بين الناس :روى مسلم من حديث أنس :
((أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ، ثم أتى منزله بمنى ونحر ، وقال للحلاق : خذ ، وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ، ثم جعل يعطيه الناس)) ..
وروى الترمذي من حديث أنس أيضاً قال : (لما رمى رسول الله  الجمرة نحر نسكه ثم ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه ، فأعطاه أبا طلحة ، ثم ناوله شقه الأيسر فحلقه ، فقال : اقسم بين الناس) .
ثم ظاهر رواية الترمذي : أن الشعر الذي أمر أبا طلحة بقسمته بين الناس هو شعر الشق الأيسر ، وهكذا رواية مسلم من طريق ابن عيينة ، وأما رواية حفص بن غياث وعبد الأعلى ففيهما : أن الشق الذي قسمه بين الناس هو الأيمن وكلا الروايتين عند مسلم .
توزيع شعره صلى الله عليه وسلم شعرة شعرة :
وقد جاء في رواية حفص عند مسلم أيضاً بلفظ : (فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس ، ثم قال بالأيسر فصنع به مثل ذلك) .
وقال أبو بكر في روايته عن حفص : (قال للحلاق : هاء ، وأشار بيده إلى الجانب الأيمن هكذا ، فقسم شعره بين من يليه ، قال : ثم أشار إشارة إلى الحلاق إلى الجانب الأيسر فحلقه فأعطاه أم سليم) .
الناس يتهافتون على شعره  :وفي رواية أحمد في المسند ما يقتضي أنه أرسل شعر الشق الأيمن مع أنس إلى أمه – أم سليم – امرأة أبي طلحة – فإنه قال فيها : (لما حلق رسول الله  رأسه بمنى أخذ شق رأسه الأيمن بيده ، فلما فرغ ناولني فقال : ياأنس! انطلق بهذا إلى أم سليم ، قال فلما رأى الناس ما خصنا به تنافسوا في الشق الآخر ، هذا يأخذ الشيء وهذا يأخذ الشيء) .
تحقيق الكلام في الموضوع :
وقد اختلفت الروايـات في هذا الموضـوع كما ترى ، ففي بعضهـا أن الذي
أعطاه لأبي طلحة هو الشق الأيمن ، والذي قسمه بين الناس هو الأيسر ، وفي بعضها العكس ، وفي بعضها أنه أعطى الأيسر لأم سليم .
ويجمع بين هذه الروايات بما جاء عن صاحب المفهم إذ قال : [إن قوله : لما حلق رسول الله  شق رأسه الأيمن أعطاه أبا طلحة] ليس مناقضاً لما في الرواية الثانية : أنه قسم شعر الجانب الأيمن بين الناس وشعر الجانب الأيسر أعطاه أم سليم ، وهي امرأة أبي طلحة وهي أم أنس – رضي الله عنها – قال : وحصل من مجموع هذه الروايات : أن النبي  لما حلق الشق الأيمن ناوله أبا طلحة ليقسمه بين الناس ، ففعله أبو طلحة ، وناول شعر الشق الأيسر ليكون عند أبي طلحة ، فصحت نسبة كل ذلك إلى من نسب إليه والله أعلم .
وقد جمع المحب الطبري في موضع إمكان جمعه ، ورجح في مكان تعذره فقال : والصحيح أن الذي وزعه على الناس الشق الأيمن ، وأعطى الأيسر أبا طلحة وأم سليم ، ولا تضاد بين الروايتين لأن أم سليم امرأة أبي طلحة ، فأعطاه  لهما فنسب العطية تارة إليه وتارة إليها . انتهى .
وفيه التبرك بشعره  وغير ذلك من آثاره بأبي وأمي ونفسي هو ، وقد روى أحمد في مسنده إلى ابن سيرين أنه قال : فحدثنيه عبيدة السلماني ، يريد هذا الحديث فقال : لأن يكون عندي شعرة منه أحب إليَّ من كل بيضاء وصفراء على وجه الأرض وفي بطنها ، وقد ذكر غير واحد أن خالد بن الوليد – رضي الله عنه – كان في قلنسوته شعرات من شعره  ، فلذلك كان لا يقدم على وجه إلا فتح له ، ويؤيد ذلك ما ذكره الملا في السيرة أن خالداً سأل أبا طلحة حين فرق شعره  بين الناس أن يعطيه شعر ناصيته ، فأعطاه إياه فكان مقدم ناصيته مناسباً لفتح كل ما أقدم عليه . انتهى عمدة القاري شرح البخاري (ج8 ص230-231) .
التبرك بـعـرقـه :
6- عن عثمان عن أنس أن أم سليم كانت تبسط للنبي  نطعاً فيقيل عندها على ذلك النطـع ، قال : فإذا نـام النبي صلى الله عليه وسلم أخذت من عرقـه
وشعره فجمعته في قارورة ثم جمعته في سُكّ وهو نائم ، قال : فلما حضر أنس ابن مالك الوفاة أوصى إلى أن يجعل في حنوطه من السك قال : فجعل في حنوطه . رواه البخاري في كتاب الاستئذان باب من زار قوماً فقال عندهم .
7- وفي رواية عند مسلم دخل علينا النبي  فقال عندنا فعرق ، فجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ فقال : يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين ؟ قالت : هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب .
8- وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة [عرق فاستنقع عرقه على قطعة أديم عتيدة فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها فأفاق ، فقال : ما تصنعين ؟ قالت : نرجو بركته لصبياننا ، فقال : أصبت .
ووفي رواية أبي قلابة [فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير فقال : ما هذا ؟ قالت : عرقك أذوف به طيبي] .
ويستفاد من هذه الروايات إطلاع النبي  على فعل أم سليم وتصويبه ولا معارضة بين قولها إنها كانت تجمعه لأجل طيبه وبين قولها للبركة ، بل يحمل على أنها كانت تفعل ذلك للأمرين معاً . انتهى. (فتح الباري الجزء الحادي عشر ص72).
التبرك بمس جلده صلى الله عليه وسلم :عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال : كان أسيد بن حضير رضي الله عنه رجلاً صالحاً ضاحكاً مليحاً ، فبينما هو عند رسول الله  يحدث القوم ويضحكهم ، فطعن رسول الله  في خاصرته ، فقال : أوجعتني قال  : اقتص قال : يا رسول الله ! إن عليك قميصاً ولم يكن عليَّ قميص ، قال : فرفع رسول الله  قميصه فاحتضنه ثم جعل يقبل كشحه ، فقال : بأبي أنت وأمي يارسول الله ! أردت هذا .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي فقال : صحيح.
وأخرجه ابن عساكر عن أبي ليلى رضي الله عنه مثله كما في الكنـز (ج7 ص701) قلت: والحديث عند أبي داود والطبراني عن أسيد بن حضير نحوه كما في الكنـز (ج4 ص43) .
وأخرج ابن إسحاق عن حبان بن واسع عن أشياخ من قومه أن رسول الله  عدل صفوف أصحابه يوم بدر ، وفي يده قدح يعدل به القوم ، فمر بسواد ابن غزية رضي الله عنه – حليف بني عدي بن النجار ، وهو مستنصل من الصف أي خارج – فطعنه في بطنه بالقدح وقال : إستو يا سواد ، فقال : يارسول الله ! أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني ، فكشف رسول الله  عن بدنه ، فقال : استقد ، فاعتنقه ، فقبل بطنه فقال : ما حملك على هذا يا سواد ؟ قال : يارسول الله ! حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك ، فدعا له رسول الله  بخير . وقاله كذا في البداية (ج3 ص271) .
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن أن النبي  لقى رجلاً مختضباً بصفرة وفي يد النبي  جريدة ، فقال النبي  : خط ورس ، فطعن بالجريدة بطن الرجل وقال : ألم أنهك عن هذا ؟ فأثر في بطنه دماً أدماه ، فقال : القود يارسول الله ! فقال الناس : أمن رسول الله  تقتص ؟ فقال : ما لبشرة أحد فضل على بشرتي ، فكشف النبي  عن بطنه ثم قال : اقتص ، فقبل الرجل بطن النبي  وقال : أدعها لك أن تشفع لي يوم القيامة( ). كذا في الكنـز (ج15 ص91) .
وأخرج ابن سعد (ج3 ص72) عن الحسن أن رسول الله  رأى سواد بن عمرو هكذا قال إسماعيل : متلحفاً ، فقال : خط خط ورس ورس ، ثم طعن بعود أو سواك في بطنه فماد في بطنه فأثر في بطنه فذكر نحوه .
وأخرج عبد الرزاق أيضاً كما في الكنز (ج15 ص19) عن الحسن قال : كان رجل من الأنصار يقال له : سوادة بن عمر رضي الله عنه يتخلق كأنه عرجون ، وكان النبي  إذا رآه نغض له فجاء يوماً وهو متخلق فأهوى له النبي  بعود كان في يده فجرحه ، فقال له : القصاص يارسول الله ! فأعطاه العود وكان على النبي  قميصان فجعل يرفعهما فنهره الناس وكف عنه حتى إذا انتهى إلى المكان الذي جرحه رمى بالقضيب وأخذ يقبله وقال : يانبي الله ! بل أدعها لك تشفع لي بها يوم القيامة .
وأخرج البغوي نحوه كما في الإصابة (ج2 ص96) .
  
((خـبـر زاهــر)) :
وكان  يقول : زاهر باديتنا ونحن حاضرته وكان  يحبه فمشى  يوماً إلى السوق فوجده قائماً فجاء من قبل ظهره وضمه بيده إلى صدره فأحس زاهر بأنه رسول الله .. قال : فجعلت أمسح ظهري في صدره رجاء بركته .
وفي رواية الترمذي في الشمائل : فاحتضنه من خلفه ولا يبصره فقال : أرسلني ، من هذا ؟ فالتفت فعرف النبي  ، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي  حين عرفه فجعل رسول الله  يقول : من يشتري العبد ، فقال له زاهر : يارسول الله ! إذا تجدني كاسداً ، فقال  : أنت عند الله غال .
وفي رواية للترمذي أيضاً : لكن عند الله لست بكاسد أو قال : أنت عند الله غال . اهـ (المواهب اللدنية ج1 ص297) .
التبرك بدم النبي خبر عبد الله بن الزبير :
عن عامر بن عبد الله بن الزبير – رضي الله عنهما – أن أباه حدثه أنه أتى النبي  وهو يحتجم ، فلما فرغ قال :
((يا عبدالله ! اذهب بهذا الدم فاهرقه حيث لا يراك أحد ، فلما برز عن رسول الله  عدل إلى الدم فشربه ، فلما رجع قال : يا عبد الله ! ما صنعت بالدم ؟ قال : جعلته في أخفى مكان علمت أنه يخفى عن الناس ، قال : لعلك شربته ؟ قال : نعم ، فقال  : ولم شربت الدم ؟ ويل للناس منك وويل لك من الناس)) ..
قال أبو موسى : قال أبو عاصم : فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم ، كذا في الإصابة (ج2 ص310) . وأخرجه الحاكم (ج3 ص554) والطبراني نحوه ، قال الهيثمي (ج8 ص270): رواه الطبراني والبزار باختصار ، ورجال البزار رجال الصحيح غير هنيد بن القاسم وهو ثقة انتهى .
وأخرجه أيضاً ابن عساكر نحوه كما في الكنز (ج7 ص57) مع ذكر قول أبي عاصم، وفي رواية : قال أبو سلمة : فيرون أن القوة التي كانت في ابن الزبير – رضي الله عنهما – من قوة دم رسول الله  .
وعند أبي نعيم في الحلية (ج1 ص33) عن كيسان مولى عبد الله ابن الزبير – رضي الله عنهما – قال :
(( دخل سلمان – رضي الله عنه – على رسول الله  وإذا عبد الله ابن الزبير معه طست يشرب ما فيها ، فدخل عبد الله على رسول الله  فقال له : فرغت ؟ قال : نعم ، قال سلمان : ما ذاك يا رسول الله ؟ قال : أعطيته غسالة محاجمي يهريق ما فيها ، قال سلمان : ذاك شربه والذي بعثك بالحق ، قال : شربته ؟ قال : نعم ، قال : لم ؟ قال : أحببت أن يكون دم رسول الله  في جوفي ، فقام وربت بيده على رأس ابن الزبير ، وقال : ويل لك من الناس وويل للناس منك ، لا تمسك النار إلا قسم اليمين)) ..
وأخرجه ابن عساكر عن سلمان نحوه مختصراً ، ورجاله ثقات ، كذا في الكنـز (ج7 ص56) ، وروى نحوه الدارقطني في سننه .
وفي رواية أن ابن الزبير لما شرب دم رسول الله  قال له  : فما حملك على ذلك ؟ قال : علمت أن دمك لا تصيبه نار جهنم فشربته لذلك ، فقال : ويل لك من الناس . وعند الدارقطني من حديث أسماء بنت أبي بكر نحوه وفيه: ولا تمسك النار . وفي كتاب الجوهر المكنون في ذكر القبائل والبطون أنه لما شرب أي عبد الله بن الزبير دمه تضوع فمه مسكاً وبقيت رائحته موجودة في فمه إلى أن صلب رضي الله عنه . (كذا في المواهب للحافظ القسطلاني) .
خبر سفينة مولى النبي  :
وأخرج الطبراني عن سفينة – رضي الله عنه – قال :
((احتجم النبي  ثم قال : خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير والناس ، فتغيبت فشربته ، ثم ذكرت ذلك له فضحك)) .
قال الهيثمي (ج8 ص280) : رجال الطبراني ثقات .
خبر مالك بن سنان :
وفي سنن سعيد بن منصور من طريق عمرو بن السائب أنه بلغه أن مالك ابن سنان والد أبي سعيد الخدري لما جرح النبي  في وجهه الشريف يوم أحد مص جرحه حتى أنقاه ولاح – أي ظهر – محل الجرح بعد المص أبيض ، فقال له  : مجه ، فقال : ولا أمجه أبداً ، ثم ازدرده – أي ابتلعه – فقال النبي  :
((من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا فاستشهد بأحد)) ..
رواه الطبراني أيضاً ، وفيه :
((قال  : من خالط دمي دمه لا تمسه النار)) ..
قال الهيثمي : لم أر في إسناده من أجمع على ضعفه اهـ .
وروى سعيد بن منصور أيضاً أنه  قال :
((من سره أن ينظر إلى رجل خالط دمي دمه فلينظر إلى مالك بن سنان)) .
((حجام آخر يشرب دمه )) :
روى ابن حبان في الضعفاء عن ابن عباس قال : حجم النبي  غلام لبعض قريش فلما فرغ من حجامته أخذ الدم فذهب به من وراء الحائط فنظر يميناً وشمالاً فلم ير أحداً فحسا دمه حتى فرغ ثم أقبل فنظر في وجهه فقال : ويحك ما صنعت بالدم ؟ قلت : غيبته من وراء الحائط ، قال : أين غيبته ؟ قلت : يا رسول الله ! نفست على دمك أن أهريقه في الأرض فهو في بطني ، فقال : اذهب فقد أحرزت نفسك من النار . (ذكره الحافظ القسطلاني في المواهب اللدنية).
((خبر بركة خادم أم حبيبة)) :
قال الحافظ ابن حجر روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : (أخبرت أن النبي  كان يبول في قدح من عيدان ثم يوضع تحت سريره فجاء فإذا القدح ليس فيه شيء ، فقال لامرأة يقال لها : بركة كانت تخدم أم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة : أين البول الذي كان في القدح ؟ قالت : شربته ، قال : صحة يا أم يوسف ، وكانت تكنى أم يوسف ، فما مرضت قط حتى مرضها الذي ماتت فيه . (كذا في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ج1 ص32).
قلت : وقد رواه أبو داود والنسائي مختصراً ، قال الحافظ السيوطي : وقد أتمه ابن عبد البر في الاستيعاب وفيه أنه سألها عن البول الذي كان في القدح ، فقالت : شربته يا رسول الله ، وذكر الحديث . (كذا في شرح السيوطي على سنن النسائي ج1 ص32) .
((خبر أم أيمـن)) :
قال الإمام الحافظ القسطلاني في المواهـب : أخرج الحسـن بن سفيـان في مسنده والحاكم والدارقطني والطبراني وأبو نعيم من حديث أبي مالك النخعي عن الأسـود بن قيس عن نبيح العنزي عن أم أيمن قالت : قام رسول اللــه  من الليل إلى فخارة في جانـب البيـت فبال ، فقمـت من الليل وأنا عطشانة فشربت
ما فيها وأنا لا أشعر ، فلما أصبح النبي  قال : يا أم أيمن ! قومي فأهريقي ما في تلك الفخارة ، فقلت : قد والله شربت ما فيها ، قالت : فضحك رسول الله  حتى بدت نواجذه ، ثم قال : أما والله لا يجعنّ بطنك أبداً .
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص : وصحح ابن دحية أنهما قضيتان وقعتا لامرأتين وهو واضح من اختلاف السياق وواضح أن بركة أم يوسف غير بركة أم أيمن مولاته .
( فـائـدة ) : وقع في رواية سلمى امرأة أبي رافع أنها شربت بعض ماء غسل رسول الله  فقال لها : ((حرم الله بدنك على النار)) . أخرجه الطبراني في الأوسط من حديثها ، وفي السند ضعف – كذا في التلخيص (ج1 ص32).
قال القسطلاني : وهذا الذي ذهب إليه شيخ الإسلام البلقيني ، وفي هذه الأحاديث دلالة على طهارة بوله ودمه  .
خبر سرة خادم أم سلمة رضي الله عنها :
وأخرج الطبراني عن حكيمة بنت أميمة عن أمها قالت :
((كان للنبي  قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت سريره ، فقام فطلبه فلم يجده ، فسأل فقال : أين القدح ؟ قالوا : شربته سرة خادم لأم سلمة التي قدمت معها من أرض الحبشة ، فقال النبي  : لقد احتظرت من النار بحظار)) ..
قال الهيثمي (ج8 ص271) : رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد ابن حنبل ، وحكيمة وكلاهما ثقات .
التبرك بتقبيل يد من مس رسول الله 
عن يحي بن الحارث الذماري قال : لقيت واثلة بن الأسقع رضي الله عنه فقلت : بايعت بيدك هذه رسول الله  ؟ فقال : نعم قلت : أعطني يدك أقبلها ، فأعطانيها فقبلتها . قال الهيثمي (ج8 ص42) : وفيه عبد الملك القاري ولم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات . انتهى .
وعند أبي نعيم في الحلية (ج9 ص306) عن يونس بن ميسرة قال : دخلنا على يزيد بن الأسود عائدين فدخل عليه واثلة بن الأسقع رضي الله عنه ، فلما نظر إليه مد يده فأخذ يده فمسح بها وجهه وصدره لأنه بايع رسول الله  ، فقال له : يا يزيد ! كيف ظنك بربك ؟ فقال : حسن ، فقال : فأبشر فإني سمعت رسول الله  يقول : إن الله تعالى يقول : ((أنا عند ظن عبدي بي)) ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد ص144 عن عبد الرحمن بن رزين قال : مررنا بالرّبذة فقيل لنا : ههنا سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ، فأتينا فسلمنا عليه فأخرج يديه فقال : بايعت بهاتين نبي الله  ، فأخرج له كفاً له ضخمة كأنها كف بعير ، فقمنا إليها فقبلناها .
وأخرج ابن سعد (ج4 ص39) عن عبد الرحمن بن زيد العراقي نحوه .
وأخرج البخاري أيضاً في الأدب ص144 عن ابن جدعان قال ثابت لأنس رضي الله عنه : أمسست النبي  بيدك ؟ قال : نعم ، فقبلها .
وأخرج البخاري أيضاً في الأدب عن صهيب قال : رأيت علياً رضي الله عنه يقبل يد العباس رضي الله عنه ورجليه .
عن ثابت قال : كنت إذا أتيت أنساً يخبر بمكاني فأدخل عليه وآخذ يديه وأقبلهما وأقول : بأبي هاتين اليدين اللتين مستا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل عينيه وأقول : بأبي هاتين (العينين) اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكره الحافـظ ابن حجر في المطالب العاليـة (ج2 ص111)، وقال الهيثمي : رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أبي بكر المقدمي وهو ثقة ، وسكت عنه البوصيري . اهـ . (كذا في مجمع الزوائد 9/325) .
  
التبرك بجبته صلى الله عليه وسلم
عن أسماء بنت أبي بكر : أنها أخرجت جبة طيالسة كسروانية لها لبنة( ) ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج ، وقالت : هذه جبة رسول الله  كانت عند عائشة فلما قبضت قبضتها ، وكان النبي  يلبسها ، فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها . رواه مسلم . (كتاب اللباس والزينة ج3 ص140) .
  
التبرك بما مسته يده 
عن صفية بنت مجزأة أن أبا محذورة كانت له قصة في مقدم رأسه إذا قعد أرسلها فتبلغ الأرض فقالوا له : ألا تحلقها ؟ فقال : إن رسول الله  مسح عليها بيده فلم أكن لأحلقها حتى أموت .
رواه الطبراني وفيه أيوب بن ثابت المكي ، قال أبو حاتم : لا يُحمد حديثه ، كذا في مجمع الزوائد (ج5 ص165) .
وعن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال : قلت : يا رسول الله ! علمني سنة الأذان ، قال فمسح مقدم رأسي قال :
((تقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك)) الحديث ..
وفي رواية : فكان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها لأن النبي  مسح عليها . أخرجه البيهقي والدارقطني وأحمد وابن حبان والنسائي بمعناه .
  
التبرك بقدح النبي  ومسجد صلى فيه
عن أبي بردة قال : قدمت المدينة فلقيني عبد الله بن سلام ، فقال لي : انطلق إلى المنزل فأسقيك في قدح شرب فيه رسول الله  وتصلي في مسجد صلى فيه النبي  ، فانطلقت معه فسقاني وأطعمني تمراً وصليت في مسجده . رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة .
  
التبرك بموضع قدم النبي 
جاء في الحديث عن أبي مجلز أن أبا موسى كان بين مكة والمدينة فصلى العشاء ركعتين ثم قام فصلى ركعة أوتر بها فقرأ فيها بمائة آية من النساء ثم قال : ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله  قدميه وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله  . (رواه النسائي 3/243) .
  
التبرك بدار مباركة
عن محمد بن سوقة عن أبيه قال : لما بنى عمرو بن حريث داره أتيته لأستأجر منه فقال : ما تصنع به ؟ فقلت : أريد أن أجلس فيه وأشتري وأبيع ، قال : قلت : لأحدثك في هذه الدار بحديث إن هذه الدار مباركة على من سكن فيها مباركة على من باع فيهـا واشترى ، وذلـك أنـي أتيـت النبي صلى الله عليـه وسلم وعنده مال موضوع فتناول بكفه منه دراهم فدفعها إليَّ وقال : هاك يا عمرو هذه الدراهم حتى تنظر في أي شيء تضعها فإنها دراهم أعطانيها رسول الله  فأخذتها ثم مكثنا ما شاء الله حتى قدمنا الكوفة فأردت شراء دار ، فقالت لي أمي : يا بني ! إذا اشتريت داراً وهيأت مالها فأخبرني ، ففعلت ، ثم جئتها فدعوتها فجاءت والمال موضوع فأخرجت شيئاً معها فطرحته في الدراهم ثم خلطتها بيدها ، فقلت ، فقلت يا أمه أي شيء هذه ؟ قالت : يا بني ! هذه الدراهم التي جئتني بها فزعمت أن رسول الله  أعطاكها بيده فأنا أعلم أن هذه الدار مباركة لمن جلس فيها ، مباركة لمن باع فيها واشترى .
رواه الطبراني في الكبير وأبو يعلى (ج4 ص111 مجمع الزوائد) .
  
التبرك بمنبر رسول اللهقال القاضي عياض : رؤي ابن عمر رضي الله عنهما واضعاً يده على مقعد النبي  من المنبر ثم وضعها على وجهه .
وعن أبي قسيط والعتبي كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا خلا المسجد حسوا رمانة المنبر التي تلي القبر بميامينهم ثم يستقبلون القبلة يدعون . اهـ (من الشفا للقاضي عياض) .
قال الملا علي قاري شارح الشفا: رواه ابن سعد عن عبد الرحمن بن عبد القاري (ج3 ص518) .
وروى ذلك الشيخ ابن تيمية أيضاً عن الإمام أحمد أنه رخص في التمسح بالمنبر والرمانة ، وذكر أن ابن عمر وسعيد بن المسيب ويحي بن سعيد من فقهاء المدينة كانوا يفعلون ذلك . اهـ . (اقتضاء الصراط المستقيم ص367) .
  
التبرك بقبره الشريف
لما حضرت الوفاة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لابنه عبد الله : انطلق إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، فقل : يقرأ عليك عمر السلام ، ولا تقل : أمير المؤمنين ، فإني لست اليوم بأمير المؤمنين ، وقل : يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه ، قال : فاستأذن وسلم ، ثم دخل عليها وهي تبكي ، فقال : يقرأ عليك عمر السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ، فقالت : كنت أريده لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي فلما أقبل قيل : هذا عبد الله بن عمر قد جاء ، فقال : ارفعوني فأسنده رجل إليه ، فقال : ما لديك ؟ قال : الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت ، فقال الحمد لله ما كان شيء أهم إليَّ من ذلك ، فإذا أنا قبضت فاحملوني ، ثم سلم وقل : يستأذن عمر فإن أذنت لي فأدخلوني ، وإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين .
أخرجه بطوله البخاري في كتاب الجنائز باب ما جاء في قبر النبي  ، وفي كتاب فضائل الصحابة باب قصة البيعة .
التبرك بآثار الصالحين والأنبياء السابقين
عن نافع أن عبد الله بن عمر أخبرنا أن الناس نزلوا مع رسول الله  على الحجر أرض ثمود فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين فأمرهم رسول الله  أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا للإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة .
رواه مسلم في كتاب الزهد باب النهي عن الدخول على أهل الحجر .
قال النووي في الشرح ج8 ص118 : وفي هذا الحديث من الفوائد التبرك بآثار الصالحين .
  
التبـرك بالتابـوت
ذكر الله تعالى في القرآن فضيلة التابوت فقال :
 وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ  .
وخلاصة القصة : أن هذا التابوت كان عند بني إسرائيل وكانوا يستنصرون به ويتوسلون إلى الله تعالى بما فيه من آثار وهذا هو التبرك بعينه الذي نريده ونقصده ، وقد بين الله جل جلاله محتويات التابوت فقال :
 وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ  ، وهذه البقية مما تركه آل موسى وهارون هي عصا موسى وشيء من ثيابه وثياب هارون ونعلاه وألواح من التوراة وطست كما ذكره المفسرون والمؤرخون كابن كثير والقرطبي والسيوطي والطبري ، فارجع إليهم ، وهو يدل على معان كثيرة منها التوسل بآثار الصالحين ، ومنها المحافظة عليها ومنها التبرك بها .
التبرك بمسجد العـشـار
عن صالح بن درهم يقول : انطلقنا حاجين ، فإذا رجل فقال لنا : إلى جنبكم قرية يقال لها : الأبلة ، قلنا : نعم ، قال : من يضمن لي منكم أن يصلي لي في مسجد العشار ركعتين أو أربعاً ، ويقول هذه لأبي هريرة : سمعت خليلي أبا القاسم  يقول :
((إن الله عز وجل يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء ، لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم)) .. (رواه أبو داود) .
وقال : هذا المسجد مما يلي النهر اهـ (مشكاة المصابيح ج3 ص1496).
قال العلامة المحدث الكبير الشيخ خليل أحمد السهارنفوري في كتابه ((بذل المجهود شرح سنن أبي داود)) : وفي الحديث دلالة على أن الطاعات البدنية توصل إلى الغير أجرها، وأن مآثر الأولياء والمقربين تزار ويتبرك بها. (بذل المجهود ج17 ص225).
وقال العلامة المحدث الشيخ أبو الطيب صاحب عون المعبود : مسجد العشار مسجد مشهور يتبرك بالصلاة فيه (عون المعبود ج11 ص422) .
  
نحن في بركة الرسول نسمع كثيراً من الناس يقولون : نحن في بركة الرسول  ، أو معنا بركته  وسئل عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال : وأما قول القائل : نحن في بركة فلان أو من وقت حلوله عندنا حلت البركة ، فهذا الكلام صحيح باعتبار ، باطل باعتبار ، فأما الصحيح : فأن يراد به أنه هدانا وعلمنا وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر ، فببركة اتباعه وطاعته حصل لنا من الخير ما حصل ، فهذا كلام صحيح ، كما كان أهل المدينة لما قدم عليهم النبي  في بركته لما آمنوا به وأطاعوه ، فببركة ذلك حصل لهم سعادة الدنيا والآخرة ، بل كل مؤمن آمن بالرسول وأطاعه حصل له من بركة الرسول بسبب إيمانه وطاعته من خير الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله .
وأيضاً : إذا أريد بذلك إنه ببركة دعائه وصلاحه دفع الله الشر وحصل لنا رزق ونصر فهذا حق ، كما قال النبي  :
((وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم)).
وقد يدفع العذاب عن الكفار والفجار لئلا يصيب من بينهم من المؤمنين ممن لا يستحق العذاب ، ومنه قوله تعالى :  وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ – إلى قوله : لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً  .
فلولا الضعفاء المؤمنون الذين كانوا بمكة بين ظهراني الكفار لعذب الله الكفار.
وكذلك قال النبي  :
((لولا ما في البيوت من النساء والذراري لأمرت بالصلاة فتقام ، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم)) ..
وكذلك ترك رجم الحامل حتى تضع جنينها ، وقد قال المسيح عليه السلام :  وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ  ، فبركات أولياء الله الصالحين باعتبار نفعهم للخلق بدعائهم إلى طاعة الله ، وبدعائهم للخلق وبما ينزل الله من الرحمة ويدفع من العذاب بسببهم حق موجود ، فمن أراد بالبركة هذا ، وكان صادقاً فقوله حق .
وأما ((المعنى الباطل)) فمثل أن يريد الإشراك بالخلق : مثل أن يكون رجل مقبور بمكان فيظن أن الله يتولاهم لأجله ، وإن لم يقوموا بطاعة الله ورسوله ، فهذا جهل ، فقد كان رسول الله  سيد ولد آدم مدفون بالمدينة عام الحرة ، وقد أصاب أهل المدينة من القتل والنهب والخوف ما لا يعلمه إلا الله ، وكان ذلك لأنهم بعد الخلفاء الراشدين أحدثوا أعمالاً أوجبت ذلك ، وكان على عهد الخلفاء يدفع الله عنهم بإيمانهم وتقواهم ، لأن الخلفاء الراشدين كانوا يدفعونهم إلى ذلك ، وكان ببركة طاعتهم للخلفاء الراشدين ، وببركة عمل الخلفاء معهم ينصرهم الله ويؤيدهم ، وكذلك الخليل  مدفون بالشام وقد استولى النصارى على تلك البلاد قريباً من مائة سنة ، وكان أهلها في شر ، فمن ظن أن الميت يدفع عن الحي مع كون الحي عاملاً بمعصية الله فهو غالط .
وكذلك إذا ظن أن بركة الشخص تعود على من أشرك به وخرج عن طاعة الله ورسوله ، مثل أن يظن أن بركة السجود لغيره ، وتقبيل الأرض عنده ، ونحو ذلك يحصل له السعادة ، وإن لم يعمل بطاعة الله ورسوله ، وكذلك إذا اعتقد أن ذلك الشخص يشفع له ، ويدخله الجنة بمجرد محبته ، وانتسابه إليه ، فهذه الأمور ونحوها مما فيه مخالفة الكتاب والسنة ، فهو من أحوال المشركين وأهل البدع باطل لا يجوز اعتقاده ولا اعتماده .
كذا في الفتاوى (ج11 ص113)
  
الإمام أحمد يتبرك والحافظ الذهبي يؤيده
قال عبد الله بن أحمد : رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي  فيضعها على فيه يقبّلها ، وأحسِب أني رأيته يضعها على عينه ، ويغمسها في الماء ويشربه ويستشفي به .
ورأيته أخذ قصعة النبي  فغسلها في حُبّ الماء ثم شرب فيها ، ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به ويمسح به يديه ووجهه .
فأين المتنطّع المنكر على أحمد ، وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمّن يلمَس رمانة منبر النبي  ويمَسّ الحجرة النبوية ، فقال : لا أرى بذلك بأساً . أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج ومن البدع. (سير أعلام النبلاء ج11 ص212).
أعجبني
تعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...