بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 29 أغسطس 2024

رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام الفاكهاني

 رد بعض الشبه حول المولد النبوي الشريف

رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام الفاكهاني


يحتج المنكرون لعمل المولد النبوي الشريف بكلام ابي حفص تاج الدين عمر بن علي الفاكهاني المالكي، فيوردون كلاما قاله عن المولد في كتاب المورد في عمل المولد ونص عبارته (أما بعد فإنه تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد هل له أصل في الشرع أو هو بدعة وحدث في الدين وقصدوا الجواب عن ذلك فقلت وبالله التوفيق لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة ولم ينقل عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسكون بآثار المتقدمين بل هو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا إما أن يكون واجباً أو مندوباً أو مباحاً أو مكروهاً أو محرماً وليس بواجب إجماعاً ولا مندوباً لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه وهذا لم يأذن فيه الشرع ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت ولا جائز أن يكون مباحاً لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً أو حراماً وحينئذ يكون الكلام فيه في فصلين والتفرقة بين حالين). انتهى

والجواب على هذه الشبهة أن يقال أن تحليل أمر أو تحريمه إنما هو وظيفة المجتهد كالإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم، وليس لأي شخص ألّف مؤلفًا صغيرًا أو كبيرًا أن يأخذَ وظيفة الأئمة الكرام فيُحلل ويحرّم دون الرجوع إلى كلام الأئمة المجتهدين. ثم ان علماء المذاهب الأربعة المعتبرة ينقسمون إلى مراتب المجتهد المطلق والمجتهد المنتسب وأصحاب الوجوه وأصحاب الترجيح و النقلة والعبرة في كل مذهب بأقوال المجتهدين وأصحاب الوجوه، وأما من هم دون ذلك فليس لهم الأهلية لاستنباط الأحكام.

والتاج الفاكهاني لم يقل عنه واحد من الفقهاء ولا من أصحاب طبقات المالكية أنه كان من المجتهدين أو من أصحاب الوجوه، فلا عبرة بكلامه إذا خالف كلام من هو أعلى درجة منه في العلم كالإمام محمد بن أحمد عليش المالكي المتوفى سنة 1299هـجري، حيث قال في كتابه القول المنجي ما نصه (لا زال أهل الإسلام يحتفلون ويهتمون بشهر مولده عليـه الصلاة والسلام ويعملون الولائم ويتصدقـون في لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم، وأول من أحدث فعل المولد الملك المظفر أبو سعيد صاحب إربل فكان يعمله في ربيع الأول ويحتفل احتفالاً هائلاً). انتهى

وقد تكلم ابن عليش في كتابه فتح العلي المالك عن بعض المنكرات التي قد تحصل في المولد وحذر منها فقال عمل المولد ليس مندوبًا، خصوصًا إن اشتمل على مكروه، كقراءة بتلحين أو غناء، ولا يسلم في هذه الأزمان من ذلك وما هو أشدّ. انتهى

ولم يطلق ابن عليش بتحريم المولد ان سلم من المنكرات كما يزعم بعض المُنكرين.

وقد خالف الفاكهاني أيضا كبار أئمة المالكية أيضا ومنهم:


أبو العباس السبتي المتوفى سنة 633 هـجري، حيث قال في الدُّر الـمُنَظَّم في مولد النبي المعظم ما نصه (كان الحجاج الأتقياء والمسافرون البارزون يشهدون أنه في يوم المولد في مكة لا يتم بيع ولا شراء، كما تنعدم النشاطات ما خلا وفادة الناس إلى هذا الموضع الشريف، وفي هذا اليوم أيضاً تفتح الكعبة وتزار). انتهى

محمد بن أبي إسحق بن عباد النفزي المتوفى سنة 805 هـجري، حيث نقل عنه صاحب المعيار المعرب بخصوص الاحتفال بذكرى المولد النبوي قوله الذي يظهر أنه عيد من أعياد المسلمين، وموسمٌ من مواسمهم، وكل ما يقتضيه الفرح والسرور بذلك المولد المبارك، من إيقاد الشمع وإمتاع البصر، وتنزه السمع والنظر، والتزين بما حسن من الثياب، وركوب فاره الدواب أمر مباح لا ينكر قياساً على غيره من أوقات الفرح. انتهى

وقال وادعاء أن هذا الزمان ليس من المواسم المشروعة لأهل الإيمان، ومقارنة ذلك بالنيروز والمهرجان، أمر مستثقل تشمئز منه النفوس السليمة، وترده الآراء المستقيمة. انتهى

ثم إن الفاكهاني كان من كبار الصوفية، فهو عندهم مشرك بالله، فقد نقل عنه الإمام ابن حجر في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة أن الشيخ تاج الدين الفاكهاني قال كان الشيخ أبو العباس الشاطر الدمنهوري يقول لا يحجبني عن أصحابي التراب فكان فطلبت من الله تعالى عنده ثلاث حوائج تزويج البنات من فقراء صالحين، وحفظ كتاب الله كان تعسر علي، والحج وكنت أعوز من النفقة ألف درهم…. انتهى

أي أنه يثبت تصرف الأولياء بعد موتهم، فما معنى احتجاجهم برأيه في المولد؟

والفاكهاني أيضا ليس ممن يرضاه القوم في مسألة الزيارة التي يبدعون الناس بها، وله في ذلك كتاب أسماه التحفة المختارة في الرد على منكر الزيارة.

وقد تصدى الحافظ السيوطي للرد على رسالة الفاكهاني فقال وقد ادعى الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني من متأخري المالكية أن عمل المولد بدعة مذمومة، وألف في ذلك كتابا سماه المورد في الكلام على عمل المولد، وأنا أسوقه هنا برمته وأتكلم عليه حرفا حرفا… انتهى

ثم قال السيوطي أما قوله لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، فيقال عليه نفي العلم لا يلزم منه نفي الوجود، وقد استخرج له إمام الحفاظ أبو الفضل ابن حجر أصلا من السنة، واستخرجت له أنا أصلاً ثانياً، وسيأتي ذكرها بعد هذا.

وقوله بل هو بدعة أحدثها البطالون… إلى قوله ولا العلماء المتدينون يقال عليه قد تقدم أنه أحدثه ملك عادل عالم، وقصد به التقرب إلى الله تعالى، وحضر عنده فيه العلماء والصلحاء من غير نكير منهم، وارتضاه ابن دحية، وصنف له من أجله كتاباً، فهؤلاء علماء متدينون رضوه وأقروه ولم ينكروه.

وقوله ولا مندوبا لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع يقال عليه إن الطلب في المندوب تارة يكون بالنص، وتارة يكون بالقياس، وهذا وإن لم يرد فيه نص ففيه القياس على الأصلين الآتي ذكرهما.

وقوله ولا جائز أن يكون مباحا لأن الابتداع في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين كلام غير مسلم، لأن البدعة لم تنحصر في الحرام والمكروه، بل قد تكون أيضا مباحة ومندوبة وواجبة.

قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات البدعة في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله علبه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة.

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة، قال والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإذا دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فهي محرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة.

وذكر لكل قسم من هذه الخمسة أمثلة إلى أن قال وللبدع المندوبة أمثلة منها إحداث الربط والمدارس، وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول، ومنها التراويح، والكلام في دقائق التصوف، وفي الجدل، ومنها جمع المحافل للاستدلال في المسائل إن قصد بذلك وجه الله تعالى.

وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا، فهذه البدعة الضلالة.

والثاني ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة.

وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان (نعمت البدعة هذه) يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى.

هذا آخر كلام الشافعي.

فعرف بذلك منع قول الشيخ تاج الدين ولا جائز أن يكون مباحا… إلى قوله وهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة إلى آخره لأن هذا القسم مما أحدث، وليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع، فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي، وهو من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام.

وقوله والثاني …إلى آخره، هو كلام صحيح في نفسه غير أن التحريم فيه إنما جاء من قبل هذه الأشياء المحرمة التي ضمت إليه، لا من حيث الاجتماع لإظهار شعار المولد، بل لو وقع مثل هذه الأمور في الاجتماع لصلاة الجمعة مثلا لكانت قبيحة شنيعة، ولا يلزم من ذلك ذم أصل الاجتماع لصلاة الجمعة كما هو واضح، وقد رأينا بعض هذه الأمور يقع في ليالي من رمضان عند اجتماع الناس لصلاة التراويح، فهل يتصور ذم الاجتماع لأجل هذه الأمور التي قرنت بها، كلا، بل نقول أصل الاجتماع لصلاة التراويح سنة وقربة وما ضم إليها من هذه الأمور قبيح شنيع، وكذلك نقول أصل الاجتماع لإظهار شعار المولد مندوب وقربة وما ضم إليه من هذه الأمور مذموم وممنوع.

وقوله مع أن الشهر الذي ولد فيه … إلى آخره جوابه أن يقال:

أولاً إن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم علينا، ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم، والصبر والسلوان والكتم عند المصائب، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة، وهي إظهار شكر وفرح بالمولود، ولم يأمر عند الموت بذبح ولا غيره، بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته.

وقد قال ابن رجب في كتاب اللطائف في ذم الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتما لأجل قتل الحسين لم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف ممن هو دونهم. انتهى


الجمعة، 9 أغسطس 2024

إثبات عذاب القبر وعَود الروح إلى الجسد

 إثبات عذاب القبر وعَود الروح إلى الجسد


 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين أما بعد . أعلم رحمنا الله وإياك أن من معاني الشهادة الثانية أي أشهد أن محمداً رسول الله أن يُصدق الإنسان بعذاب القبر ونعيمه وسؤالُ الملكين منكر ونكير عليهما السلام، فمن أنكرَ عذاب القبر كذبَّ القرءان ومن كذبَّ القرءان كفر ، فهذه الآية فيها إثباتُ عذاب القبر وهي صريحةٌ لأنَّ الله تعالى قال ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُواْ ءالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ معناه أنَّ ءال فرعون أي أتباعه الذين اتبعوه على الكفر والشرك يعرضونَ على النار في البرزخ أي في مدة القبر والبرزخُ ما بين الموت إلى البعث يُعرضون على النار عرضاً من غير أن يدخُلوها حتى يمتلئوا رُعباً أولَ النهار مرة وءاخرَ النّهار مرة ووقت الغداة من الصبح إلى الضحى وأما العشيّ فهو وقتُ العصر ءاخر النهار ويوم تقوم الساعة أي يقالُ للملائكة أدخلوا ءالَ فرعونَ أشدَّ العذاب وءالُ فرعون هم الذين عبدوه واتبعوهُ في أحكامهِ الجائرة ليس معناهُ أقاربهُ.


ثم هناكَ ءاية أخرى تُثبتُ عذاب القبر؛ فقد قالَ عز وجّل وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ المعنى أنّ الذين أعرضوا عن الإيمان بالله تعالى وكفروا بالله العظيم إذا ماتوا يتعذبون في قبورهم وليس المرادُ بـ معيشةٍ ضنكا معيشةٌ قبلَ الموت إنما المرادُ حالهم في البرزخ، وكلمة ذكري هنا معناها الإيمان بالله سبحانه وبالرسول ليس المراد بها الذكر المعروف وهو قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ونحو ذلك. وهذه الآية عُرفَ أنّ المراد منها عذاب القبر من الحديث المرفوع إلى النبي الذي فسر هذه الآية معيشة ضنكا بعذابِ القبر رواه ابنُ حبان، وفي هذا دليل أيضاً على أن الميت في القبر بعد عودة الروح إليه يكون له إحساس بالعذاب إن كان من المعذبين للكفر أو للمعاصي الكبائر.


وقد قال الرسول صلى الله وسلم: القبرُ إما حُفرَةٌ من حُفَرِ النّار أو روضةٌ من رياضِ الجنَة ولنرجع قليلاً إلى الآيتين السابقتين فيتبين أنهما واردتان في عذاب القبر لكل الكفار أما العصاة المسلمون من أهل الكبائر الذين ماتوا قبل التوبة فهم صنفان : صنف يعفيهم الله من عذاب القبر وصنف يعذبهم ثم ينقطع عنهم ويُؤخّر لهم بقية عذابهم إلى الآخرة. وليعلم أنه لا يقال إن الميت إذا كان يرى في القبر في هيئة النائم ولا يُرى عليه شيء من الاضطرابات ولا يصرخ فإذاً هو ليس في عذاب؛ فقد قال بعد الفقهاء عدمُ الوجدانِ لا يَستَلزِمُ عدمَ الوجود فإذا نحنُ لم نرى الشيء بأعيننا فليس معناه أن هذا الشيء ليس موجوداً؛ فكثير من الأمور أخفاها الله عنّا وبعضها يكشفها الله لبعض عباده . تأكد عذاب القبر بسبب الغيبة وعدم اللإستنـزاه من البول روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن ابن عباس مرّ رسول الله على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إثم قال بلى أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستًـتِرُ من البول ثم دعا بعسيبٍ رطب وهو غصنُ نخلٍ أخضر فشَقَهُ إثنين فغرسَ على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال لعلهُ ُيخفَفُ عنهُما فهذا الحديث بعدَ كتاب الله حُجّة في إثبات عذاب القبر، الرسولُ مرَ على قبرين فقال إنهُمَا ليُعذبَانِ وما يُعذبَان في كبيرٍ إثمٍ ثم قال  بلىَ أي بحسبِ ما يرىَ النّاس ليس ذنبهما شيئاً كبيراً لكنهُ في الحقيقة ذنبٌ كبير لذلك قال: بلىَ أما أحدُهما فكانَ يمشي بالنميمة وهي نقل الكلام بينَ اثنينِ للإفساد بينهما، يقول لهذا فلانٌ قال عنكَ كذا ويقول للآخر: فلانٌ قال عنك كذا ليوقعَ بينهما الشحناء، وأما الآخر فكانَ لا يَستنْـزِهُ من البول أي كانَ يتلوثُ بالبول وهذا الفعل تلويث لبدن بالبول من المحرمات الكبائر فقد قال عليه الصلاة والسلام: إستَنْـزِهُوا من البولِ فإنّ عامةَ عذاب القبر منه، ومعناه : تحفظوا من البول لئلا يلوثكم ، معناه لا تلوثوا ثيابكم وجلدكم به لأن أكثرَ عذاب القبر منه. هذان الأمران بحسب ما يراهُ الناس ليسا ذنباً كبيراً لكنهُما في الحقيقة عند الله ذنبٌ كبير، فالرسول رءاهما بحالةٍ شديدة وأنهما يُعذبان وليس من شرط العذاب أن تمسَّ جسده النار، الله جعل عذاباً كثيراً غير النار في القبر، الرسول رأى ذلك وبعض المؤمنين الصالحين يرون ذلك ويرون النعيم والأدلة كثيرة نذكر منها حديث رواه ابن حبان أن التقي بعد سؤال منكر ونكير عليهما السلام قال الرسول ثم يُفسحُ لهُ في قبرهِ سبعونَ ذراعاً في سبعين ذراعاً  والذراعُ الشرعي من رءوس الأصابع إلى المرفق، حوالي نصف متر وينور له فيه ويقال له: نمْ كنومِ العروسِ الذي لا يوقظهُ إلا أحبُّ أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، كذلك التقي يشمُ من رائحة الجنة ويرى مقعده من الجنة الذي يتبوءه بعد الحساب وذلك أنّ روحه تؤخذ إلى مكان قرب الجنة فيرى مقعده فيعرف فضل الإسلام حين ذلك معرفة عيانية كما كان يعرف في الدنيا معرفة يقينية قلبية. وبعض المتقين يزيدُ في النعيم بأن يُوسَّع قبره مدَّ البصر كما حصل للصاحبي الجليل العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه الذي كان من أكابر الأولياء لما نبشوا قبره بعد دفنه في أرض مسبعة أي يكثر فيها السباع لينقلوه إلى مكان أخر وجدوا قبره يتلاطمُ بالأنوار، كذلك من النعيم يأتيه من نسيم الجنة لما يُفتح له في قبره بابٌ إلى الجنة كذلك يُملأ قبرهُ خُضرَةً أي يوضع في قبره من نباتُ الجنة الأخضر وهذا النعيم كله حقيقي ليس وهماً ولا خيالاً المسملون يؤمنون بذلك لإخبار نبيهم بذلك، لكن الله يحجب ذلكَ عن أبصار الناس أي أكثرهم، أما أهل الخصوصية من عباد الله الكاملين فيشاهدون. والحكمة في إخفاء الله حقائق أمور القبر وأمور الآخرة ليكون إيمانُ العباد إيماناً بالغيبِ فيعظم ثوابهم، وقد ورد ما رأيتُ منظراً إلا والقبرُ أفظعُ منه


 


عود الروح إلى الجسد في القبر


 


واعلم أنه ثبتَ في الأخبار الصحيحة عود الروح إلى الجسد في القبر كحديث البراء بن عازب رضي الله عنه الذي رواه الحاكم وأبو عوانه، وفيه ويُعادُ الروح إلى جسده. وأما حديث ابن عباس مرفوعاً  ما من أحدٍ يمرُ بقبرِ أخيهِ المؤمن كانَ يعرفهُ في الدُنيا فيُسَلمُ عليه إلا عَرَفَهُ وردَ عليهِ السلام رواهُ ابن عبد البر وعبد الحق الإشبيلي وصححه. ونحنُ نؤمن بما ورد في هذا الحديث ولو لم نكن نسمعُ ردّ السلام من الميت لأنَّ اللهَ حجَبَ عنّا ذلك ويتأكد عودُ الحياة في القبر إلى الجسد مزيد التأكد في حق الأنبياء فإنه وردَ من حديث أنسٍ عن النبي عليه الصلاة والسلام الأنبياءُ أحياءٌ في قبورِهم يُصلون رواه البيهقي . فعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ذكر فتَّاني القبر فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أتردُ علينا عقولنا يا رسول الله قال نعمْ كهيئَتِكُمُ اليومَ  قال فبفِيه الحجر أي سكت، ومعنى الفتَّان الممتَحِنْ ، منكرٌ ونكير سُمّيا بذلك لأنهما يَمتَحِنَانِ الناسَ ولأنهما مخوفَانِ فقد ورد في الحديث الذي رواه ابنُ حبان أنَّ الرسول قال إذا قُبرَ الميتُ أو الإنسان أتاهُ ملكانِ أسودانِ أزرقانِ يقالُ لأحدِهما مُنْكَرٌ وللآخرِ نَكيرٌ فيقولانِ لهُ ما كُنتَ تَقولُ في هذاَ الرجلِ مُحمَد الحديث، وقول عمر رضي الله عنه: أتردُ علينا عقولنا يعني السؤال فقال له الرسول نعم كهيئتكم اليوم أي يكون الجواب من الجسم مع الروح فقال عمر: فبفيه الحجر، أي ذاك الخبر الذي لم أكن أعرفهُ وسكت وانقطع عن الكلام معناه ليس له حُجّة على ما كان يظن ، هو كانَّ يظنُ أنه لا تُرَدُ عليهم عقولهم فلما قال له الرسول بأنه تُرد عليهم عقولهم عرفَ خطأ ظنّه.


واعلم يا عبدَ الله أنهُ بعدَ دفنِ الإنسان يأتيه ملكانِ أسودانِ أزرقانِ أي لونهمَا ليس من السواد الخالص بل من الأسودِ الممزوج بالزُرقَةِ وهذا أخوفُ ما يكونُ من الألوان حتى يَفزع الكافر منهما، أما المؤمن التقي لا يخافُ منهما، اللهُ تعالى يثبتهُ يُلهمُه الثبات وهما لا ينظران إليه نظرةَ غضب. أما الكافر يرتاعُ منهما وقد سميا منكراً ونكيراً لأن الذي يراهُما يَفزَعُ منهما وهما اثنان أو يكون هناك جماعة كل واحد منهما يسمى منكراً وجماعة كل واحد منهما يسمى نكيراً، فيأتي إلى كل ميت اثنان منهم واحد من هذا الفريق وواحد من الفريق الآخر.


وليُعلم أنّ مُنكِر سؤالُ الملكين منكر ونكير عناداً كافر مخالفٌ لكتاب الله وحديث رسول الله . أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، حافظوا على طاعةِ ربّكم، استقيموا على إسلامِكم، كونوا واثقين بإيمانِكم، ليكن الإيمان صادقًا، وليكن العمل صالِحًا، فالإيمان الخالِص لله عن صدقٍ ويقين هو الذي ينفَع صاحبَه، فأخلِصوا لله أعمالَكم، وحافِظوا على طاعة ربّكم، وأدّوا فرائضَ الله، واجتنِبوا محارمَه لعلّكم تفلحون، فلا يُنجي العبدَ من تلك الأهوال إلا أعمالُه الصالحة التي أخلصَها لله، اتقِ يا أخِي محارمَ الله، اتَّق ظلمَ العباد، اتَّق أكلَ أموالِهم بالباطل، اتقِ محارمَ الله، وحافِظ على طاعةِ ربّك، واستقِم عليها، عسى أن تكونَ من الفائزين، وتذكَّر الموتَ وما بعدَه، فهو خيرُ واعظ لقلبِك يا أيّها المؤمن، يعظك لكي تستقيمَ على طاعة ربّك، وتسعى في خلاصك ونجاتك، يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.


في قبرِك تفارِق الأهلَ والمال والولدَ، وتبقَى في هذا القبرِ وحيدًا، فإن تَكن الأعمال صالحةً ازددتَ بها أُنسًا وسرورًا، وفرِحت بها واستبشرتَ بها، وتمنّيتَ المزيدَ لو تُمكَّن من ذلك، وإن يكن العمل سيّئًا انضاف إلى حزنِك وضيق مكانِك ما الله به عليم ، فلِلَّه كم في هذه القبور من أهوال، كم من منعَّمٍ فيها سعيدٍ مطمئنّ، وكم من شقيٍّ فيها معذَّب، كم من سعيدٍ فيها بأعماله الصالحة التي تجري عليه بعدَ موته، وكم من متألّم من أوزارٍ تحمّلها، ومظالمَ للعباد تحمَّلها، وأموالٍ حرام أكلَها، ومحرَّمات انتهَكَها، فهو اليومَ يعاني من آلامِ تلك المخالفَات، فلنتَّقِ اللهَ في أنفسِنا، ولنتدبَّر واقعَنا، عسى الله أن يفتَح على قلوبِنا، ويبصِّرَنا في أنفسِنا، ويجعلَنا ممَّن يسارع إلى فعل الخيرات، إنّه على كل شيء قدير.


الله يثبتنا عند سؤال الملكين بجاه سيد الكونين سيدنا محمد وبجاه المرسلين والملائكة المقربين والأولياء والصالحين. وأني سائلاً مسلم قراءَ مقالتى أن يقراء الفاتحة ويترحم على أموات المسلمين.آمين


ماذا في السموات؟

ماذا في السموات؟


قال الله تعالى:( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب)، من تأمل وتفكر في هذا المخلوق العجيب الدّال على عظيم قدرة الله تعالى وبديع صنعه، السموات السبع، التى تكرر ذكرها في القرآن وجاءت الأحاديث الصحيحة عن رفعها وعلوها وسعتها وإتساعها وما عليها وما فيها، لو تأملتَ سور القرءان الكريم قلما تجد سورة في القرآن الكريم إلا وفيها ذكر السماوات وخلقها والحث على النظر فيها والتفكر في عظيم خلقتها وبنائها ورفعها وردت كلمة السماء 120 مرة في القرآن الكريم، بينما وردت كلمة السموات 190 مرة، جاءت الآيات بتكرار النظر في السماء فلا تجدُ فيها العيوب والتشقق والإنفطار قال تعالى:( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ). والتأمل في أمر السماوات وخلقتها من التفكر في خلق الله وتعظيم الله تعالى ومن النظر في الخلق للإستدلال على عظمة الخالق العظيم الذي يُمسِكُ السماء بقدرته أن تقعَ على الأرض إلا بإذنه قال تعالى:( أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّـهُ مِن شَيْءٍ،) فالنظر بالبصر والتفكر بالبصيرة يحملان على أن تَلهجَ ألسُنْ المؤمنين بذكر الله تعالى وتعظيمه وتنزيهه عن كل ما لا يليق به تبارك وتعالى، والسموات هي سبع طباق كما أخبر الله تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّـهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا)، أي غير متكأة على بعضها ممسوكة بغير أعمدة بينها قال الله تعالى:(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا). والسماوات مع كل ما فيها وما عليها من المخلوقات بقدرة الله ممسوكة محفوظة من السقوط علينا قال تعالى: (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّـهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، والسماوات واسعة الخِلقة شديدة الإحكام قوية البنيان قال الله تعالى: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبعاً شِدَاداً)، وفي القرءان العظيم ذكر الله تعالى السماوات الله تعالى خلقها بقدرته فوقنا كالبناء المحكم وجعلها جسماً غليظا له سماكة فقال: ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا،) رفع سَمكهَا: أي جعل مقدار ذهابها في العلو مديداً رفيعاً مسيرة خمسمائة عام بين الأرض والسماء وكذا بين كل سماءٍ وسماء إلى سبع سموات، والسَمّكُ هو الإرتفاع الذي بين سطح السماء الذي يلينا وسطحها الذي ما يلي فوقها، فسوها أي جعلها ملساء مستوية بلا عيب ليس فيها مرتفع ولا منخفض محكمة الصنعة متقنة الإنشاء. والله تعالى نورَ الله السموات بنورٍ خلقهُ فيها أشدُ من نور الدنيا ولذا ذهبَ بعض المفسرين إلى تفسير قوله تعالى: (الله نورُ السموات)، أي منوّرُ السماوات بنور قوي جعله الله فيها،


والنور نوعان: حسي ومعنوي، أمَّا النور المعنوي، فهو نور الهداية قال تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ ، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ﴾، وقال تعالى:﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ ﴾. كل نور حسي أو معنوي في السماء والأرض، وفي الدنيا والآخرة، فالله العظيم الخالق هو موجدُه وخالقه، ومن أجل ذلك أخبر الله أنه نور السموات والأرض؛ أي: منورهما بما خلق، ودبر، ووهب، ومنح من أنوار حسية ومعنوية، وبما هدى وأرشد وأوحى وألهم. ولأنَّ هذا النور لا يَملكه غيره، ولا يقدر عليه سواه، يقول الله عز وجل ممتنًا على عباده: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ مثل ضربه الله لو تفكرتم انه لا ضوء ما الفعل؟


وللسماوات أبواب قال الله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ)، ومعنى الاية ان أرواح الكفار لا تفتح لهم ابواب السماء بينما المؤمن كما جاء في الحديث حتَّى يَنْتَهوا بها إلى السَّماء الدُّنيا، فيَسْتَفتِحون له، فيُفتَحُ لهم، فيُشيِّعُه مِن كُلِّ سَماءٍ مُقَرَّبوها إِلى السَّماءِ الَّتي تَلِيها، حتَّى يُنْتَهى به إلى السَّماء السَّابِعَةِ، فيَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: اكْتُبوا كِتابَ عَبْدي في عِلِّيِّينَ).


ومنَ السماء تهبط البركات والرحمات ومن السماء نَزلَ القرءان العظيم الله جعله في مكان في السماء يسمى بيت العزة ومنه نزل جبيرل بالقران مفرقاً على النبي صلى الله عليه وسلم، وإلي السموات عرَجَ نبينا صلوات الله عليه وسلم تشريفاً له ولإطلاعه على عظيم ملكوت السموات وما فيها من الآيات المذكورة في القرءان والحديث من رؤيته صلى الله عليه وسلم للبيت المعمور، وسدرة المنتهى، ودخوله الجنة ورؤية ما فيها ورؤية بعض الأنبياء فيها كما جاء في أحاديث الإسراء والمعراج ، وإلى السموات تعرج الملائكة والله تعالى أسكنَ الملائكة الكرام السماوات ومنهم من ينزل منها ثم يعودون إليها قال الله تعالى: ( وكَم مَّن مَّلَكٍ في الَّسمَوتِ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما في السمواتِ موضعُ أربع أصابع إلا وفيهِ مَلكٌ ساجدٌ أو راكعٌ إلى يوم القيامة) رواه الترمذي وينزلونَ بأمر الله إلى الأرض وعلى المؤمنين وغير ذلك مما يأمرهم الله تعالى به، قال الله تعالى: ( وأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا). والملائكة الكرام هم أهل السماء هكذا سماهم النبي صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراحمونَ يرحمهم الرحمَن إرحموا من في الأرضِ يَرحمكم من في السماء)، وفي رواية أخرى (يرحمكم أهلُ السمَاء)، فهذه الرواية تفسر الرواية الأولى لأنَّ خيرَ ما يُفسَّرُ به الحديث الواردُ بالواردِ. ثم المراد بأهل السماء الملائكة، ذكر ذلك الحافظ العراقي في أماليه عقَيب هذا الحديث، ونص عبارته: واستدل بقوله: أهل السماء على أن المراد بقوله تعالى في الآية (ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) الملائكةُ " اهـ ، ولا يقال لله "أَهلُ السماء" . وكلمة (من) تصلح للمفرد وللجمع في الآية، ويقال مثل ذلك في الآية التي تليها وهي: (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً)، فمَن في هذه الآية أيضاً أهل السماء الملائكة الكرام، فإنَّ الله يُسلط على الكفاَّر الملائكة إذا أراد أن يُحِل عليهم عقوبته في الدنيا كما أنهم في الآخرة هم الموكلون بتسليط العقوبة على الكفار لأنهم خَزَنّةُ جهنم يجرّونَ عُنقاً من جهنم إلى الموقف ليرتاع الكفارُ برؤيته. وتلك الرواية التي أوردها الحافظ العراقي في أماليه هكذا لفظها:(الراحمونَ يَرحمُهم الرَحيم إِرحموا أهلَ الأرضِ يَرحمكُم أهلُ السمَاء). فالذي يُفسر ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، أي على السماء، نقول له: إن قلت الله في السماء أي على السماء فالجواب: العلوُّ يأتي للعلوّ الحسي والعلو المعنويّ فإن أردتَ العلوَّ المعنويَّ أي رفيعَ القدر جداً فلا بأس، وإن أردتَ العلوَّ الحسّي فقد كفرتَ لأن الذي يكونُ في جهةٍ يكونُ محدوداً والمحدود بحاجة لمن حدَّهُ بهذا الحد والمحتاجُ إلى شىءٍ لا يكون إلها. ويردُ عليهم بإيراد الآية:( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه،) فيقال لهم: هل تزعمون أن الله يُصعَقُ ، وكذا يرد عليهم بإيراد الآية: ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُب)، ورحمة أهل السماء الملائكة لإهل الأرض بالإستغفار ونفحهم بالبركات خير وذلك لرحمتهم بأهل الأرض أي بارشادهم للخير وتعليمهم أمور الدين وإطعام جائعهم وكسوة عاريهم ونحو ذلك. ثُم لو كان الله ساكن السماءِ كما يَزْعمُ البعض لكان الله يُزاحم الملآئكة وهذا مُحالٌ ، فقد مرَّ حديثُ أنه:( ما في السمواتِ موضعُ أربعِ أصابعَ إِلا وفيه مَلَكٌ قائمٌ أو راكعٌ أو ساجدٌ). وهذا الحديث رواه الترمذي وفيه دليل على أنه يستحيل على الله أن يكونَ ساكنَ السماء وإلا لكانَ مساوياً للملائكةِ مزاحماً لهم، وإلى السماء تُرفع أعمال المؤمنين قال الله تعالى ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ) أي أنَّ الكَلمَ الطيب ككلمة لا إله إلا الله يصعدُ إلى محل كرامته وهو السماء، والعمل الصالحُ يرفعه أي يرفعُ العمل الصالح وهذا منطبق ومنسجمٌ مع الآية المحكمة:( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء)ٌ.


وكذلك رفعَ الله بقدرته النبي الرسول السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام إلى السماء فهو فيها باقٍ الى ما قبل قيام الساعة ينزلُ منها الى الأرض ويموت ويدفن في الأرض كسائر الأنبياء قال تعالى:(إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، أي إنّي رافعك إليّ أي إلى محلّ كرامتي أي المكان الذي هو مشرّف عندي وهو السّماء، ومطهّرك من الذين كفروا أي مخلّصك من الذين كفروا أي اليهود، ومتوفّيك أي بعد إنزالك إلى الأرض، أي مميتك بعد إنزالك إلى الأرض، هذا هو القول الصحيح الموافق للأحاديث وهو قول ابن عباس رضي الله عنه.


ولما كان الملائكة الكرام سُكانُ السموات كان جبريل عليه السلام الملك ذي القوة والمكانة عند الله تعالى في السماء جاءت الآيات بتخويف الكفار من إنزالِ العذاب بهم من السماء كما حصلَ لأمم قبلهم كقوم نبي الله صالح ثمود صاح فيهم جبريل صيحة مزقت قلوبهم، قال الله تعالى:إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ، وقوم لوط الذين كفروا فأرسل الله عليهم جبريل عليه السلام فرفع مدنهم وقلبها رأساً على عقب وأشعلَ النار فيها وأمطرَ الله عليهم الحجارة، قال الله تعالى:فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجارة مِّن سِجِّيلٍ، وعلى قول بعض المفسرين فقوله تعالى: ءَأَمِنتُم مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ، أي ألا تأمنونَ جبريل الذي في السماء أن يُرسله الله عليكم بعذاب كما أرسله الله على تلك الأمم من قبلكم.﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ قال المفسرون في تفسير الآية الأخيرة: يعبده أهلهما وكلهم خاضعون لله يعبدونه.ومن في الأرض


وفي السماء البيت المعمور الذي أقسمَ الله به في القرءان العظيم في قوله تعالى: (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ)، ثبت في الحديث الصحيح أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثمَّ عُرجَ بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل ، فقيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، فقيل: وقد بعث إليه ؟ قال: قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم وإذا هو مسند إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها أمثال القلال، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت ، فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها من حسنها ، قال : فأوحى الله إلي ما أوحى، وفرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة.. الحديث ، والبيت المعمور يَتَعبّدُ به الملائكة وهو معمور بعبادة الملائكة منذ خلقه الله تعالى كما جاء في الحديث المذكور، وهناك في السماء الشجرة المذكورة في القرءان أيضا وهي(سِدرةُ المنتَهى) وجاء وصفها بالحديث أنها ضخمة حتى أنَّ أصلها في السماء السادسه وفرعها في السماء السابعة والرسول رآها في السماء السابعة وعندها رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته الحقيقية كما في قول الله: (وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ* عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ)، والمقصود به جبريل رآه النبيّ مرة أخرى على الصورة الحقيقية هناك. وفي السماء أيضاً اللوح المحفوظ وهو جِرمٌ مخصوص تحت العرش وقيل فوق العرش وخلق الله قلماً كتبَ بقدرة الله على اللوح ما هو كائن الى يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أولَ ما خَلقَ اللهُ تعالى القَلمْ فقالَ: اكتُبْ فقالَ: ما اكتُب قال: اكتبْ ما كانَ وما يكونُ إلى يوم القيامة رواه الترمذي في كتاب القدر فالكتب السماوية كلها مكتوبة في اللوح المحفوظ، وكذا ما يكون إلى يوم القيامة مكتوب فيه قال الله تعالى:( إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَءَاثَـٰرَهُمْ وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَـٰهُ في إِمام مُّبِين)، فسرَ الإمام باللوح المحفوظ، وقال تعالى:(وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَر)، أي الأمور الجليلة والأمور الصغيرة مكتوبة في اللوح المحفوظ ، فأحداث الكون، وأفعال العباد ما كَبُرَ منها أو صَغر مُسجلة في اللوح المحفوظ قبل وقوعها قال تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)، إنَّ التفكر في عظيم مخلوقات الله السموات يدل على عظيم قدرة الله الذي خلقها قال الله تعالى:( لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)، هذه السماوات السبع التفكرُ في عَظيم خلقها وسعتِها وكبرها وارتفاعها ودقةِ صنعتها، قال الله تعالى:(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ )، كلمّا تَفكَرَ المؤمنُ بها يقوى يَقينهُ وكلمّا تَفكرَ أنها صنَع الله وخلقه، إزداد خشية لله ومعرفة ويقيناً أنَّ اللهَ تعالى هو الخالق العظيم الموصوف بصفات الكمال والمنزه عن العجز والنَّقصِ والله تعالى لا يحتاج لخلقه، فالسماء بما فيها بحاجة لله تبارك وتعالى، والله غنيٌ عن السماوات وعن العالم بأسره سبحانه وتعالى عما يقول الكافرون علواً كبيرًا. وبالتفكر في خَلقِ السماوات أيضاً يُذكر المؤمن أنَّ الله تبارك وتعالى مستحق أن يُعبَد ويخضع له ويُتذَللَ له نهاية التذلل ويُطاع فلا يُعصى ويُحمَدُ ويُشكر، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المعتبرين المتفكرين في خلق الله المستزيدين من بركات القرءان العظيم قال تعالى:(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).


الكليات الست

 

الكليات الست

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد نبي الرحمة وعلى آله الطيبين الطاهرين. الدين المقبول عند الله هو الإسلام قال الله تعالى إن الدين عند الله الاسلام فالاسلام دين كل أنبياء الله من لدن ادم الى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. الأنبياء كلهم دينهم الإسلام قال الله تعالى:( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)، أي الدين المقبول المرضي عند الله الإسلام وهو دين الأنبياء والملائكة. وأما الشرائع وأحكام العبادات مثل الصلاة والصيام والمعاملات التى كانت تختلف بين نبي وآخر اللهُ تعالى جَعَلَها لِحِكْمةٍ تَخْتلِفُ في بعضِ الأمورِ لكنْ اتّفقت الشرائع على أمورٍ منْ آدم عليه السلام إلى خاتَمِ الأنبياء محمد صلى الله عليهم أجمعين. فهذه القواعد التي اتّفقَتْ عليها شرائغُ الأنبياء تسمى الكليات مهمٌّ جدًّا أنْ نفْهَمَها جيد لأن هناك أمور لم تختلف شريعة في تحرميها وهناك أمور اختلفت الشرائع فيها[1] مثل تزويج آدم عليه الصلاة والسلام لأولاده من بعضهم الاخ يزوجه من أخته من البطن الثاني كان جائزاً في شرعه وكذلك أحكام الصوم والطهارة ونحوه...

(١)- حفظ الدين: الانبياء كلهم حذروا مِنْ االوقوع في الكفر وليس فقط نبيُّنا بل كل النبين والمرسلين نبهوا أقوامهم من الكفر وامروهم بالايمان والثبات علي الاسلام، وأول ما دعا اليه الرسل الايمان وترك الكفر وعبادة غير الله والاشرالك بالله تعالى قال الله تعالى:( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)، ففي هذه الآية أوضح دليل على أن الله تعالى بعث في جميع الأمم في كل أمة رسولا يقول لهم: اعبدوا الله، واجتنبوا الطاغوت أي الشرك والكفر، هذه دعوة الرسل كل واحد يقول لقومه وأمته: اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت الشرك والكفر. والناس كانوا في زمن آدم إلى نوح على الإسلام فبعث الله نوحا محذرا من الكفر الذي حصل فكان نوح أول نبي أرسله الله لمحاربة الكفار قال الله تعالى:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)

(٢)- حفظُ العقل: المسلم مأمور أن يحافظ على نعمة العقل[1] لا يجوز له أن يفعل شيء يذهب بعقله ولو لوقت قليل أو أن يفعل أي أمر يضر بالعقل، نعم إن احتاج لتخدير لعملية جراحية بقدر لا يضر إن كان للتداوى باشارة من طبيب ثقة يجوز أما للهو للكيف يُغيب عقله بالمسكرات ونحوها حرام في كل الشرائع سواء شرب أو أكل أو استعط أو احتقن ما يذهب به عقله حرام قطعاً، وكذلك تعاطي ما يخدر البدن ويضره كهذه المسمات بالمخدرات ايضا فيها إتلاف للبدن وضرر بين ظاهر فهي حرام وردَ في الحديثِ عنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: "اجْتَنِبْ كلَّ مُفْتِر" – يعني كلَّ مخَدِّر – اليوم كثير من الشباب والبنات انتشرَ بينَهم المُخَدِّرات بطُرُقِها وأساليبِها وأنواعِها، بالحبوبِ أو مع الدخان يضعونَ فيه هذا الذي يسمّى الحشيش أو نحوُهُ منَ المُخَدِّرات. أحيانًا بتَعاطي الإبر، أحيانًا بأشياء أخرى يسمّونَها هلْوسَة أو كَيْف أو نحو ذلك. هذا خطر عظيم. شاب يكونُ سببًا في بلاءِ آخر، وبنت تكونُ سببًا في ابتِلاءِ بنتٍ أخرى، يكونُ سببًا بخرابِه بدمارِهِ بسبب هذه المُخَدِّرات. فحفظُ العقلِ واجبٌ علينا في كلِّ الشرائع. حفظُ العقلِ من السكر بالخمر هذا واجب لا يضيع عقله بالخمر. قال عليه الصلاة والسلام: "الخَمرةُ مفتاحُ كلِّ شر"، يعني سببٌ أحيانًا للقتلِ بغيرِ حقّ، سبب للزنا سبب أحيانًا للشتمِ والقذف للسرقة إلى غيرِ ذلك. فإذًا نتجنّب المُسْكِرات قليلها وكثيرها لأنه ورد في الحديث "ما أسكَرَ الفَرَقُ منه فمِلءُ الكفِّ منه حرام". يعني ما أسكرَ كثيرُهُ فقليلُه حرام. العقلُ حفظُهُ واجب هذا منَ الكُلّياتِ التي اتّفقَتْ عليها شرائعُ الإسلام.

(٣)- حفظُ النسب: وكذلك أيضًا يجبُ علينا حفظُ النسَب. ما معنى حفظُ النسب؟ يعني نتجنّبُ الزنا من الذكور والاناث، لأنَّ الزنا قد ينتج عنه حمل فلا يُنسَبُ الولدُ إليك كرجل إنْ جاءَهُ ولدٌ منَ الزنا هذا لا يُنسَبُ إليه، إنّما يُنسَبُ للأم لهذه التي زنَتْ. فنحنُ مأمورونَ بحفظِ النسبِ، الأنسابُ أمرُها عظيم، نعم نعتني بأنْ يكونَ عقدُ النكاح صحيحًا بشروطه لذلك ليس أي بنت يتزوجها الشاب ولا أي رجل يقبل للزواج، اليوم يوجد إلحاد من عُرفَ عنه أنه يسب الله أو يتلفظ بألفاظ الكفر لا يزوج ونحو ذلك . ومن الأسباب المُفضِية إلى الزنا: النظر إلى عَوْرات النساء، وكذلك بالنسبة للنساء النظر إلى عَوْرات الرجال، ولذلك أوصى الله تعالى كلا الجنسينِ بالاجتناب من ذلك؛ كما قال تعالى:﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾، الزنا إثمٌ وجرمٌ عظيم جداً لا يكبرهُ إلا القتل والشرك برب العالمين، قال الله تعالى:( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا )، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( لا يزني الزاني حينَ يَزني وهوَ مؤمن، ولا يَسرِق السارق حين يسرق وهو مؤمن). ومعناه لا يفعل الزنا وهو كامل الإيمان بل هو واقع في الفسق والمعصية الكبيرة إذا لم يستحل هذا الفعل أما إن استحل الزنا فقد وقع فيما هو أشد ُمن الزنا وهو الكفر لأنَّ اعتقاد حِل الزنا ضدُ القرآن ومن عاند القرآن فحكمه الكفر، فما أبشعَ التسرع في الكلام في مثل هذا بألفاظ فيها استحلال الزنا واستحسانه، فمن أبتلىَّ بهذه الجريمة فليتُبْ إلى الله، وإيّاه أن يقول عن فعل الزنا أو مقدماته أنه حلال !! فأنَّ من المعلوم بينَ الناس جميعهم حرمةُ ذلك، فويلٌ للمُستَحل لذلك وويلٌ لمن يفعل الزنا، غيرَّ أنَّ الفعل مع اعتقاد التحريم ذنبٌ كبير وفسقٌ واعتقادُ الحِل كفرٌ وتكذيبٌ لكلام الله تعالى، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعلَ لله نِداً وهوَ خَلقكَ، قلت: إنَّ ذلكَ لعظيم. قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تقتُلَ ولدكَ مَخافَةَ أن يطعم معك. قلتُ: ثمّ أيّ؟ قال: أن تُزَانيَّ حليلةَ جَارك. فليس بعد الكفر بالله و بعد قتل النفس أعظم من الزنا في الذنب عند الله.

(4)- حفظُ النفس: هذا الإنسانُ حرُمَ عليه أنْ يعملَ بجسدِهِ ما لا يجوز. هو جسدُكَ لكنْ هناكَ أمورٌ ممْنوعة عليك ليس لك أن تضره او تفعل ما لا يرضي الله به اليوم يعلمون الأولاد أن الجسد ملك لك افعل به ما تشاء تظهره أمام من تريد…!! ليس الأمر هكذا المسلم عبد مأمور منهي ملتزم بحكم شرع الله ، النبيُّ عليه الصلاة والسلام حرّمَ علينا أنْ نقْتُلَ أنفُسَنا يعني الانتحار. وكذلك إيذاء النفس بأي وسيلة حرام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرام مالُهُ ودمُهُ وعِرضُهُ". يعني حرامٌ عليك أنْ تقتلَ مسلمًا أنْ تؤذيَ مسلمًا أنْ تضربَ مسلمًا بغيرِ حق. "إنَّ اللهَ يعذِّبُ الذينَ يُعَذِّبونَ الناسَ في الدنيا". هذا حديث عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ترويعُ المسلم، تخويفُه بغيرِ حقّ حرام. إخافة المسلم وترويعه وإلحاق الأذى به بفعل أو قول حرام من كبائر الذنوب، سواءٌ كان المروِّعُ جادًّا أم هازِلًا، ولو كان أخاه أو صديقَه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الملاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ". قال النوويُّ معلِّقًا على هذا الحديثِ: "فيه تأكيدُ حرمةِ المسلم، والنهيُ الشديدُ عن ترويعِه وتخويفِه والتعرضِ له بما قد يؤذيه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإن كان أخاه لأبيه وأمه" مبالغةً في إيضاحِ عُموم النهيِ في كلِّ أحدٍ، سواءٌ من يُتَّهم فيه ومن لا يُتَّهم، وسواءٌ كان هذا هزلًا ولعِبًا أم لا؛ لأنَّ ترويع المسلِمِ حرامٌ بكلِّ حالٍ". فإذا كانت الإشارةُ بالحديدةِ لأخيك المسلمِ، وإن كان لأبيك وأمك، وإن كان مازحًا؛ فإنك تتعرَّضُ لِلَعَائِنِ الملائكةِ حتَّى تنتَهِيَ، فكيف بالذي يرعب المسلمين بالتهديد بالأذى أو إخافتهم بكلب أو حية مثلاً أو بصوت مرعب كأطلاق الرصاص والمفرقعات المخيفة للصغار والكبار أو رمى نار ونحوه تجاه مسلم ليخفه أو توجيه البندقية أو مسدس ليخوفه أو بمحاولة دفعه من مكان مرتفع ليخيفه وكالذي يرعب زوجته بتهديدها بانواع من التعذيب أو أطفاله هذا وأمثاله من المحرمات الكبائر وقد يُخلف الرعب أذى ولو كان مازحاً فقد أخبرني شخص أن رفقة إتفقوا على رمي صاحبهم من مكان مرتفع الى الماء فجأة ففعلوا فأصابه خوفٌ شديد بسببه شاب شعر رأسه وهو ابن عشرين سنة على الفور من الفزع، وعلمت من آخر أن شخصاً أخيف بالمزاح خوفاً شديدا فتساقط شعر رأسه وكل بدنه وبقى كل عمره بلا شعر... نسأل الله العافية، روى الطبراني عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ نَعْلَ رَجُلٍ فَغَيَّبَهَا وَهُوَ يَمْزَحُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُرَوِّعُوا المسْلِمَ؛ فَإِنَّ رَوْعَةَ المسْلِمِ ظُلْمٌ عَظِيمٌ".

(5)-حفظُ العِرض: ما هو حِفظُ العرض؟ هو موضِعُ المدحِ والذمِّ منَ الإنسان. لا يجوزُ لنا أنْ نقعَ في غيبةِ المسلم بغيرِ حقّ، حرام، ولا النميمة ولا نستهزئ بالمسلم أو نُحَقِّرُه، حرام، ولا نتنابَذ بالألقاب. (تَقليده) يصير يمشي مثلَه أو يعمل صوتَهُ مثلَه كي يضحكَ الناس على ذاك المسلم، حرام، لا تنابَذوا بالألقاب. وكذلك لا يجوزُ لنا تسفيهَ المسلم، تحقيرُهُ حرامٌ لا يجوز. فإذًا ينبغي لك أنْ تعرفَ كيف تتكلم عن المسلم. المسلم حِفظُ عِرضِهِ واجب، هذا معنى حِفظُ العِرض. العِرضُ هنا موْضِعُ المَدْحِ والذمِّ منَ الإنسانِ فلا نغتاب المؤمن بغيرِ حقّ. قال اللهُ تعالى:{أيُحبُّ أحدُكُمْ أن يأكلَ لحمَ أخيه مَيْتًا فَكَرْهْتُمُوه}. تخَيَّلْ نفسَكَ وأنتَ تأكلُ لحمَ أخيكَ ميْتًا، انظرْ هذا المنظر البشِع. شبَّهَ المُغتاب الذي يغتاب أخيه المسلم بغيرِ حقٍّ كالذي يأكلُ له لحمَهُ وهو ميّت!!. فإذًا نتجنّب الغيبة ونحفظ أعراضَ المسلمين. وكذلك الذب عن عرض المسلم إذا انُتهك عرضُ المسلمِ، وأسيء إليه حال غيبته، فيجب على من سمع ذلك أن يرد عنه بالغيب، وأن يذكر محاسن هذا الذي وقع الطعن عليه ذباً عنه ورداً لهذا المغتاب، فإذا فعل ذلك فإنَّ الله تعالى يردُ عنه النار يوم القيامة والجزاء من جنس العمل.عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رضي الله عنه عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْض أَخِيهِ رَدَّ اللَّه عَنْ وَجْههِ النَّارَ يَوْم الْقِيَامَة".

(6)- حفظُ المال: هذا المالُ ولوْ حصّلْتَهُ بالحلال لا تستطيع أنْ تفعل به كلّ شيء، عليك حقوق وعليك واجبات بهذا المال. هناك أشياء لا يجوزُ لك عملُها بهذا المال، اللهُ هو الآمرُ والناهي. فإذًا حفظُ المالِ منْ أنْ أصرِفَهُ بالحرام واجب، حفظُ المالِ أي أنْ أُؤَدِّيَ حقَّه، حقَّ اللهِ في المال وحقَّ العَبيدِ في المالِ. الأم والزوجة لهم حقوق، إذا أمي فقيرة عليّ أنْ أنفِقَ عليها. "كفى بالمرءِ إثمًا أنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُول". إذا كان فرضًا عليك أنْ تُعيلَ ناسًا يعني تُنْفِق عليهم حرامٌ عليك تضيعهم. كثيرٌ منَ الناس تركوا أرحامَهم، الذي وصلَ رحِمَهُ هذا لهُ ثوابٌ عظيمٌ. وكذلك تبذير المال محرم التبذير من المعاصي الكبائر وهو بَذل المالِ في مَعصِية من معاصي الله تعالى كبيرةً كانت أو صغيرة، ومِن ذلك ما يُبذل للمُغنِيات والمغَنِين أجرةً على الغناء، فإن أخَذُوا ذلكَ على وَجْه المُشَارطَة والاتفاقِ السّابِق فلا يحِلُ لهم ولا يَملِكُونه فيكونُ أكل مالٍ حَرام، وكذلك صرف المال على أي معصية من الكبائر كالذين يدفعون مالاً ليشاهدوا الراقصات والعاريات والدخول للأماكن التى فيها المحرمات والتعري ونحوه. وكذا الذي يدفع المال للتكبر والاستعلاء على الناس أو يشترى لباساً أو مركوباً أو يفرش بيته بنية التكبر والاستعلاء على الناس وكذا من التبذير صرف المال على ما يسمى بعمليات التجميل من نفخ الشفتين والوجه وغير ذلك.. فإن هذا ليس من الزينة المعهودة المباحة عند أهل الإسلام فهذا كله من المحرمات الكبائر. وأما قوله تعالى:( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)، فمعناه كما جاء في جامع القرطبي ما نصه: قال أشهب عن مالك التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه (أي صرفه في الإثم والمعصية) وهو الإسراف وهو حرام لقوله تعالى:(إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)، وقوله إخوان يعني أنهم في حكمهم إذ المبذر ساع في إفساد كالشياطين. انتهى.. وفي جامع الطبري ما نصه: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " فإنه يعني أن المفرّقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته أولياء الشياطين وفيه عن ابن زيد إن المبذرين إن المنفقين في معاصي الله ، قال الرازي في التفسير الكبير: والتبذير في اللغة إفساد المال وإنفاقه في السرف قال عثمان بن أبي الأسود كنت أطوف في المسجد مع مجاهد حول الكعبة فرفع رأسه إلى أبي قبيس وهو جبل في مكة وقال لو أن رجلا أنفق مثل هذا في طاعة الله لم يكن من المسرفين ولو أنفق درهما واحداً في معصية الله كان من المسرفين وفيه "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" والمراد من هذه الأخوة التشبه بهم في هذا الفعل القبيح وذلك لأن العرب يسمّون الملازم للشيء أخاً له فيقولون فلان أخو الكرم والجود وأخو السفر إذا كان مواظباً على هذه الأعمال انتهى. وقال ابن الجوزي في زاد المسير ومعنى قوله تعالى: “إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " لأنهم يوافقونهم فيما يدعون إليه ويشاكلونهم في معصية الله، فليعلم هذا وليحذر من اعتقاد أن كثرة إنفاق المال في المباحات تبذير محرّم والعياذ بالله عزوجل بل التوسع في الإنفاق في غير معصية لا يدخل في الآية بل هو من التنعم المكروه في بعض الأحيان وليس حرام، والتوسع في الإنفاق على المأكل والمشارب واللباس ونحوه مكروه إذا لم يكن بنية كإكرام ضيف ونحوه أما في الحرام فهو التبذير الذي نهى الله عنه عباده والله نهانا عن إضاعة المال في غير محله كالذين يهدرون الأموال والنعم من طعام ولباس ومال ينتفع به فيلقونه للتلف عمداً فهذا من إضاعة المال الذي سأل عنه المرء يوم القيامة، في الصحيحين أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كره لكم ثلاثًا: القيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". فمن إضاعة المال تلف الطعام الجيد والقائه في المزابل وكذا إهدار الماء والكهرباء لغير منفعة معتبرة وكذا كل مال ينفق على ما لا يرضى الله تعالى معدود من التبذير المحرم، فعلينا حفظُ هذه الكلّيات الستّ فأحفظوها وعلِّموها أولادَكمْ وتمَكّنوا منها وافْهَموها جيّدًا وانشروا هذا الكلام لينتفع التاس به. والحمد لله رب العالمين.


[1]   فالإسلام هو دين الأنبياء جميعاً: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ و يقول الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، وإبراهيم و إسماعيل عليهما الصلاة و السلام قالا: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ ويعقوب يوصى أبناءه قائلا ً:﴿ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، ويوسف يدعو ربه قائلاً: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾، وقال موسى لقومه: ﴿ يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ﴾، وسحرة فرعون لما آمنوا برسالة موسى قالوا: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾، وقال سليمان في رسالته لملكة سبأ:﴿ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾، وقال الحواريون لعيسى: ﴿ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾، تلك إذا هي الايات في كتاب الله الدالة على أن الاسلام دين كل الانبياء جمعياً.

 


[1] العقل صفة راسخة في الإنسان يميز به بين الخبيث والحسن ولا يجوز أن يوصف الله به لأن هذا من صفات البشر فقول سيد قطب في كتابه في ظلال القرآن عن الله تعالى " العقلُ المدبر " امر ما قال به أحد من علماء أهل السنة فلا يجوز إطلاقه على الله تعالى .

الشفاعة في الآخرة

 الشفاعة في الآخرة

 

الشفاعة في الآخرة أمر ثابت في القران والسنة والشفاعة هي طلب الخير من الغير للغير كطلب النبي العفو من الله تعالى عن بعض المذنبين الذين ماتوا من غير توبة، وهي ثابتة بنص القرءان والحديث قال الله تبارك وتعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: [مَن زار قبري وجبت له شفاعتي]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[لكل نبيّ دعوة مستجابة فَتَعَجَّلَ كلُّ نبي دعوتَه وإني اختبأتُ دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة فهي نائلةٌ إن شاء الله مَن مات من أمّتي لا يُشرك بالله شيئًا]. وروى عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى معاذ بن جبل وأبا عبيدة وعوفَ بن مالك، قال فقلنا نعم، فأقبل إلينا فخرجنا لا نسأله عن شيء ولا يخبرنا حتى قعد على فراشه فقال: [أتدري ما خيّرني ربّي الليلة؟] فقلنا الله ورسوله أعلم، قال: [فإنه خيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة]، فقلنا يا رسول الله ادْعُ الله أن يجعلنا من أهلها، قال [هي لكل مسلم] اهـ.


المحتاجون للشفاعة


المحتاجون لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم هم أهل الكبائر فقط لقوله صلى الله عليه وسلم: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي] معناه هم الذين يحتاجون إليها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [خُيّرت بين الشفاعة وبين أن يَدخُل نصف أمّتي الجنة فاخترت الشفاعة لأنها أعمّ وأكفي، أتُرَونها للمتقين، لا، ولكنها للمذنبين الخطَّائين المتلوّثين]. وقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح ما نصه «وقال ابن الجوزي: وهذا مِنْ حسن تصرفه صلى الله عليه وسلم لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي، ومن كثرة كرمه لأنه ءاثر أمته على نفسه، ومن صحة نظره لأنه جعلها للمذنبين من أمَّته لكونهم أحوج إليها من الطائعين» اهـ. أمّا الأتقياء والأولياء والشهداء فلا حاجة لهم للشفاعة كما يُعلم من النصوص الصحيحة الواضحة، بل إنه ثبت في أحاديث كثيرة صحيحة أنهم هم أهل شفاعةٍ لغيرهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [للشهيد عند الله ستُّ خصال يَغفِر له في أوّل دُفعة من دمه، ويُرى مقعدَهُ من الجنّةِ، ويُجارُ من عذاب القبرِ، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُحَلّى حُلّةَ الإِيمان، ويُزَوَّج من الحور العين، ويُشَفَّع في سبعين إنسانًا من أقاربه]،فالشفعاء هم الأنبياء وشهداء المعركة والعلماء العاملين والطفل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء والعلماء والشهداء)، والشفعاء من امة محمد صلى الله عليه وسلم كثر جاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن من أمتى من يشفع للفأم) أي الجماعة الكبيرة من العصاة ومنهم من يشفع للقبيلة ومنهم من يشفع للعصابة من العصاة ومنهم من يشفع للرجل حتى يدخلوا الجنة.


الشفاعة تكون على نوعين


شفاعة للمسلمين العصاة بعد دخولهم النار لإِخراجهم منها قبل أن تنتهي المدة التي يستحقّونها. وشفاعة لمَن استحقوا دخول النار من عصاة المسلمين بذنوبهم فينقذهم الله من النار بهذه الشفاعة قبل دخولها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يخرج ناس من النار بشفاعة محمد)، أما الكفَّار فلا أحد يشفع لهم قال تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾، أي لا يشفعون إلا لمَن ماتَ على الإِيمان قال ابن عباس لمن ارتضى الإسلام دينا، ورى البيهقي عن الحسن لمن رضي بلا إله إلا الله، وقال تعالى إخبارًا عن أصحاب اليمين من أهل الجنة أنهم يسألون الكفار وهم في النار: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فما تنفعهم شفاعة الشافعين﴾، وليس في قوله تعالى ﴿شفاعة الشافعين﴾، إثبات لحصول الشفاعة لهم وأنها تُرَدُّ بل المعنى أنه لا شفاعة لهم. وقال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾، فرحمة الله وسِعَت في الدنيا كل مؤمن وكافر لكنها في الآخرة خاصة لمن اتَّقى الشرك وسائر أنواع الكفر. وقال تعالى:﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، أي أن الله حرّم على الكافرين الرزق النافع والماء المُروي في الآخرة وذلك لأنهم أضاعوا أعظمَ حقوق الله على عباده وهو توحيده تعالى. فتبيّن لنا أنَّ الكافر لا يرحمه الله ولا أحد يشفع له، ثم إن النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسّلامُ هو أوَّلُ من يشفعُ وأوَّلُ من تُقبَلُ شفاعَتُهُ، وهو يختصُّ بالشّفاعَةِ العُظمَى وقد سُمّيت بذلكَ لأنّها لا تختصُّ بأمّتِهِ فقط بل ينتفعُ بها غير أمّتِهِ من المؤمنينَ، وهي لتخليصهم من الاستمرارِ في حَرّ الشّمسِ في الموقِفِ فإنَّ النّاسَ عندما يكونونَ في ذلكَ الموقف يقولُ بعضهم لبعضٍ: تعالَوا لنذهبَ إلى أبينا ءادم ليشفَع لنا إلى ربّنا، فيأتونَ إلى ءادم يقولون: يا ءادمُ أنت أبو البشرِ خَلَقَكَ الله بيدِهِ - أي بعنايةٍ منه ـ وأسجَد لكَ ملائكتهُ فاشفَع لنا إلى ربّنا، فيقولُ لهم: لستُ فلانًا، اذهبوا إلى نوحٍ فيأتونَ نوحًا فيطلبونَ منه، ثمّ يقولُ لهم ايتوا إبراهيمَ، فيأتونَ إبراهيم، ثم إبراهيمُ يقولُ لهم لست هناك - و معناهُ أنا لستُ صاحبَ هذهِ الشّفاعَةِ - فيأتونَ موسى فيقولُ لهم لستُ هناك، فيقول لهم ايتوا عيسى، فيأتونَ عيسى فيقولُ لهم لست هناك ولكن اذهبوا إلى محمّدٍ فيأتونَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فيسجدُ النَّبيُّ لربّهِ فيُقَالُ له ارفع رأسَكَ واشفَع تُشَفَّع وسَل تُعطَ. هذه تُسمَّى الشّفاعة العظمَى لأنّها عامَّةٌ. وأما الكفارُ فلا ينتفعونَ بها لأنهم يُنقَلونَ من هذا الموقفِ إلى موقفٍ أشدَّ لا يستفيدونَ تخفيفَ مشقةٍ ولا نَيلَ راحَةٍ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أنا أول الناس يشفع في الجنة وانا أكثر الأنبياء تبعا)، وليحذر مما ورد في بعض نسخ كتاب الإحسان في ترتيب ابن حبان السقيمة وهو ان كلا من الأنبياء الذين يطلب منهم الشفاعة في حديث الشفاعة وهم خمسة يقول عندما يطلب منه الشفاعة أنى أخاف ان يطرحني الله في النار لأن نسبة هذا لنبي من الأنبياء كر لأن النبي لا يظن بربه انه يطرحه في النارفما ذكر في كتاب الإحسان لأبن بلبان فهو مدسوس عليه.والله تعالى أعلم وأحكم.



الإحتضار وخروج الروح

 الإحتضار وخروج الروح

 


 


الروح هي ما يحي به الإنسان والحيوان والروح جسم لطيف خلقه الله وجعله في الإنسان والملائكة والجن والحيوانات علامة الحياة، وخروج الروح من الإنسان علامة الموت وانتهاء الحياة والإنتقال إلى حياة أخرى تسمى الحياة البرزخية وجاء في القران والسنة بيان بعض ما يتعرض له الإنسان عند احتضاره وخروج روحه، علماً أن الروح وماهيتها وتفاصيلها أمر أخفاه الله عنا لحكمة بالغة،ففي جديث عَبْدِ اللهِ بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ، إِذْ مَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَقَالُوا: مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ، لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقَالُوا: سَلُوهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَسَأَلَهُ عَنِ الرُّوحِ، قَالَ: فَأَسْكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَ: فَقُمْتُ مَكَانِي، فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، الروح مخلوق عجيب لا يعلم الخلق حقيقتها وكيفيتها إلا الله تبارك وتعالى فلا داعي للتكلف في معرفة تفاصيلها، وحسبنا أن نعلم أن أرواح المؤمنين تستقر بعد بلى الجسد في مكان يسمى عليين الى يوم القيامة، وأرواح أهل الشقاء مستودعها في مكان اسمه سجين، وتبدأُ أولُ مراحلِ الإحتضار بسكرَةِ الموتِ، ثم خروجِ الروحِ، الَّتِي تتفاوَتُ بين الناس فمن الناس من تقبض روحه بسرعة وفجائة ومنهم من يعاني سكرات الموت اياماً، قالَ اللهُ تَعالَى:(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)، ويستحب لمن حضر عند من يموت من المسلمين أن يلقنه قول " لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ " لحديث النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ)، ولقوله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ)، ويسنُ أن يقرأ عند المحتضِر سورة "يسٓ" لقوله صلى الله عليه وسلم قال:(اقْرَؤوا (يسٓ) عَلَى مَوْتَاكُمْ)، ويستحب لمن كان عند المسلم المحتضر: أن يطمعهُ في رحمة الله، ويحثه على تحسين ظنِّه بربه، وأن يذكر له الآيات والأحاديث الواردة في الرجاء وسعة رحمة الله تعالى وعفوه وكرمه ومغفرته، فهي من أسباب حسن الظن بالله، فهذا عبد اللهبن عباس يقول لسيدنا عمر رضي الله عنه يوم طعن وهو ينزف دماً: “يا أمير المؤمنين لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر رضي الله عنه فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنَّهم وهم عنك راضون” وتلك ساعة الاحتضار وقت عصيب لا ينجو إلا من رحمه الله من الفتنة، قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم:(وأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِيَ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَمات)، النبي معصوم إنما يعلم أمته هذا الدعاء ليستعيذوا بالله ان يفتنوا في تلك الساعة الحرجة، وقد روي أن الشيطان لا يكون في حالٍ أشد على ابن آدم من حال الموت، يقول لأعوانه: “دونكم هذا، فإنه إن فاتكم اليوم لم تلحقوه بعد اليوم“. فقوله صلى الله عليه وسلم:(وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت)، قال الخطابي ت388هـ في شرحه:(هو أن يستولي عليه عند مفارقة الدنيا، فيضله، ويحول بينه وبين التوبة أو يعوقه عن إصلاح شأنه والخروج من مظلمة تكون قبله، أو يؤيسه من رحمة الله، أو يكره له الموت ويؤسفه على حياة الدنيا، فلا يرضى بما قضاه الله عليه من الفناء والنقلة إلى الدار الآخرة، فيختم له، ويلقى الله وهو ساخط عليه)، ويقول ابن الجوزي ت597هـ: (وقد يتعرض إبليس للمريض فيؤذيه في دينه ودنياه، وقد يستولي على الإنسان فيضله في اعتقاده، وربما حال بينه وبين التوبة وربما جاء الاعتراض على المقدر؛ فينبغي للمؤمن أن يتجلد، ويستعين بالله على عدوه الشيطان في الرمق الأخير، فقد حدثَّ عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قال: حضرت وفاة أبي أحمد، وبيدي خرقة لأشد لحييه، فكان يغرق، ثم يفيق، ويقول بيده: لا بعد، لا بَعد، فعل هذا مراراً، فقلت له: يا أبتي أي شيء يبدو منك؟ قال: إن الشيطان قائم بحذائي عاضٌ على أنامله، يقول: يا أحمد فتني وأفلت مني، وأنا أقول: لا بعد، لا بَعد، حتى أموت.انتهى، قال الأنصاري في كتاب أسنى المطالب:(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعطَى-أي المُحتَضَر- جَرَعَاتٍ مِنَ الْمَاءِ)( فَإِنْ العَطَشَ يَغلِبُ مِنْ شِدةِ النَّزْعِ) فَيُخَافُ مِنهُ إِزلالُ الشَّيْطَانِ) لأَنَّهُ وَرَدَ أَنهُ يَأتِـي الشيطانُ بِـمَاءٍ زُلالٍ وَيَقُولُ: قَلْ لا إِلَهَ غَيرِي حَتَّى أَسقِيَكَ)، وبعدَ هذهِ السكرةِ المؤمن التقي يحضره ملك الموت الموكل بقبض الأرواح عزرائيل عليه السلام ومعه مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، بِيضُ الْوُجُوهِ، بيضُ الثيابِ، فَتَقُولُ لَهُ: "أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ". قَالَ: "فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِيّ السِّقَاءِ" وأما حال الكافر عند الموت ساعتها يعرف أنّه كافر في حال سكرة الموت لمّا يأتي عزرائيل وملائكة العذاب ، لمّا يحضرون هو يراهم، يضربونه، ملائكة العذاب يضربون المحتَضَر الذي هو كافر من أمام ومن خلف لكن صوته انقطع تلك الساعة، من شدة الألم ألم المرض الذي كان فيه، ألم سكرة الموت وألم ضرب هؤلاء الملائكة، ملائكة العذاب، يجتمع عليه ألمان شديدان، ألم المرض، ألم سكرة الموت، سكرة الموت أشدُّ من ألف ضربة بسيف، فوق هذا الكافر تلك الساعة يحِسُّ بضربة الملائكة، يضربون وجهه وخلفه عندئذ يعرف أنه من أهل النّار ليس أمامه راحةٌ ولا خير إنّما يُقْدِمُ على شىء أعظم، يكره الموت كراهيةً بحيث لو في استطاعته أن يحبس نفسه في هذا القفص، قفص الجسم لفعل، لكن ليس في استطاعته بل من شدّة الألم الذي ينزل به لا يستطيع أن يتكلّم، أغلب النّاس عند موتهم ترتبط ألسنتهم، الأتقياء بعضهم كذلك ترتبط ألسنتهم لكن أولئك ليس لأنهم على حالةٍ سيئة بل ليزيدهم الله درجات ليس هَوَاناً على الله، أمّا الكافر يرتبط لسانه لا يستطيع أن يوصي وصيّةً بما يهمّه من أمر أولاده وغير ذلك ارتبطت ألسنتهم من شدّة ألم سكرات الموت لسانهم صار لا يشتغل. قال الله تعالى:( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ)، وقال تعالى:( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ)، أي باسطوا أيديهم بالضرب فيهم بأمر ربهم؛ وبشروهم بالعذاب والغضب من الله، كما في حديث البراء أن ملك الموت إذا جاء الكافر عند احتضاره في تلك الصورة المنكرة يقول: اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سموم وحميم وظل من يحموم، فتفرق في بدنه، فيستخرجونها من جسده كما يخرج السفود من الصوف المبلول، فتخرج معها العروق والعصب؛ ولهذا أخبر تعالى أن الملائكة تقول لهم ذوقوا عذاب الحريق)، وخير ما يُفعل عند الإحتضار للميت المسلم، الدعاء له بالمغفرة وعظيم الأجر، وليحذر من الندب والعويل، والدعاء بالويل والهلاك، والسخط على القضاء والقدر فان السخط على قدر الله كفرٌ مخرجٌ من الملة ولو عند المصيبة، بل خير الكلام عندها الإسترجاع، وهو أن يقول: إنا لله وإنآ إليه راجعون. ففي حديث أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ يَقُولُ:(مَا مِنْ عَبدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أَجُرْنِى في مُصِيبَتِى وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ أَجَرَهُ اللهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا). وينبغي أن يقول من حضر ميت ما قاله النبي لأبي سلمة لما ضج ناسٌ من أهله، فقال: “لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ“، ثم قال: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ)، ومن كان حاضراً عند موت غير مسلم فليهتم بعرض الإسلام على المحتضِر الكافر، حتى ولو كان في آخر رمقٍ من حياته وهو من الدعوة إلى الله تعالى كما في قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب قال له: “يا عَمُّ قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ“، وقصته مع الغلام اليهودي الذي كان يموت فعن أنس رضي الله عنه، قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرِض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يَعُودُه، فقَعَدَ عند رأسه، فقال له: «أَسْلِم»، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أَطِعْ أبا القاسم، فأَسْلَمَ الشاب، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:(الحمد لله الذي أنقذه من النار)، ومن حضر ميتًا مسلما عليه أن يُغمض عينيه؛ لئلا يقبح منظره، فلما دخل رسول صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره أي: ارتفع فأغمضه، وكذا أن يُشد لحياه بلفافةٍ أو شاشةٍ؛ لئلا يبقى فمه مفتوحًا فيقبح منظره، وكذا تُستحب تغطية جسمه كله، فالنبي صلى الله عليه وسلم حين توفي “سُجِّي ببُردٍ حِبرة" أي ثوب مخطط ، ويُباح تقبيل الميت لأقاربه وأصدقائه؛ لما في البخاري عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما أن أبا بكرٍ رضي الله عنه قبَّل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، فتقبيله في رأسه أو وجهه أو خده، وسواءً قبل التغسيل أو بعده أو بعد التكفين لا بأس به. ودمع العين وحزن القلب من غير سخط لقدر الله جائز؛ ففي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله، فقال: يا ابن عوف إنَّها رحمة ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم:(إنَّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنَّا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون)، فاذكر يا قارئ هذا رحمك الله حلول ساعة الاحتضار بك، وحاسب نفسك ماذا عملت فيما مضى؟! وماذا عساك أن تعمل فيما بقي؟! وتذكركم ودعت في السنين المنصرمة من إخوة وأحبة وأقربين؟! وكم واريت في التراب من أصدقاء وأعزة ومحبين؟! واذكر أن الموت الذي تخطاك إليهم سيتخطى غيرك إليك، فإلى متى الغفلة يا عبيد الله الى متى...؟! أكثر من تذكر الموت، وأحسن الإستعداد له. اللهم الطف بنا عند خروج الروح ورحمنا برحمتك الواسعة يا أرحم الراحمين. والله تعالى أعلم وأحكم.


أين تكون الأرواح بعد الموت؟

 أين تكون الأرواح بعد الموت؟

أرواح البشر تبقى مع الجسد حتى يبلى فان بلي الجسد تكون هذه الأرواح اما في سجين مستودع أرواح الكافرين أو في علين مستقر أرواح الأتقياء المؤمنين أو معلقة بين السماء والأرض فبعد ثم خروج الروح من الجسد يصعد بالروح الى السماء ويأخذها الملائكة، ويصعدون بها إلى السماء، فلا يمرُّون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب الذي جاء من الأرض؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن الأسماء التي كانوا يُسمُّونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا به إلى سماء الدنيا، فيَستفتحون له فيُفتح له، فيشيعه من كل سماء مقرَّبوها إلى السماء التي تليها، فلا يمرُّ بباب إلا فتح، ولا ملك إلا صلى عليه، حتى ينتهي إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليِّين، وأعيدوا عبدي إلى الأرض؛ فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى فيأتون به أرواح المؤمنين، فَلَهُم أشد فرحًا من أحدكم بغائبه إذا قدم، فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقول بعضهم لبعض: دعوه يستريح؛ فإنه كان في غمِّ الدنيا، فإذا قال لهم: قد مات، أما أتاكم؟ قالوا: ذُهِبَ به إلى أمِّه الهاوية ثم يكون في قبرِه، فيوسَّع له، طوله سبعون، وعرضه سبعون، ويُنبذ فيه الريحان، ويُبسط له فيه الحرير، وإن كان معه شيء من القرآن نوَّره، وإلا جُعل له نور مثل نور الشمس، فيُفتح له بابٌ إلى الجنة، فينظر إلى مقعده في الجنة بكرة وعشيّ،وروح الكافر بعد النزع تكون في العذاب المهين قال الله تعالى:﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)، فكما يرى المؤمن مصيره ومقعده في الجنَّة وهو يُحتضَر ويُبشَّر به، يرى الكافر مصيره ومقعدَه في النار وهو يُحتضَر، بل إن ملائكة العذاب يُهينون الكافر جزاءً على كُفرِه ساعة الاحتضار، فيَضرِبونه على وجهه وظهره ضربًا مُؤلمًا، لو كُشف الحجاب عن الإنسان، لرأى أمرًا عظيمًا فظيعًا؛ ولكن الله اخفى عنا الكثير منها. أما أرواح الكفار، فيَصعد بها الملائكة، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يُسمَّى بها في الدنيا، حتى يُنتهى به إلى السماء الدنيا، فيُستفتح له فلا يُفتح له؛ لقوله تعالى:﴿لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ﴾، ويؤمر بها الى سجِّين في الأرض السفلى، وهو مكان سحيق تَأوي إليه أرواح الفجار، وجاء ذكر ذلك كله في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال:" خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، وَكَأَنَّ عَلَى رُؤوسِنَا الطَّيْرَ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: "اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ"- مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - ثُمَّ قال: “إن الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ، بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ"، قَالَ: "فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ"، قَالَ:” فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ - يَعْنِي بِهَا - عَلَى مَلَأٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ: اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى" قَالَ: "فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ؟ " وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمْ الْمُسُوحُ فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَغَضَبٍ قَالَ فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ، فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ"، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:﴿ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَـمِّ الْخِيَاطِ ﴾، فَيَقُولُ: اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا)، فينبغي للمؤمن ألَّا تشغله الدنيا عن هذا الوقت الذي هو صائر إليه لا محالة، فالإنسان بطبعه يُسَوِّف ويُؤجِّل مع أنه في كل يوم هو أقرب لأجله مِن يوم مضى، فكلُّ يوم يمضي يقرِّب الإنسان إلى أجله وللقاء ربه قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيه﴾. فحريٌّ بمَن أيْقَن ذلك أن يستعدَّ، وأن يُحاسِب نفسَه قبل أن يُحاسَب، وأن يتأمل فيما قدَّم وأخر؛ فإن الموت ليست له علامة، فلا يُباعده صحةُ صحيحٍ، ولا شبابُ شابٍّ، ولا يُقرِّبه أيضًا مرضُ مريضٍ، ولا شيخوخةُ كبيرٍ، كلٌّ له أجله وكتاب قال الله تعالى:﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾، فحريٌّ بالمؤمن أن يكون مستعدًّا لهذه الاوقات التي تتوقَّف عليها سعادتُه الأبديَّة، وإما شقاءٌ أبديٌّ عياذاً بالله من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ). اللهمّ هون علينا سكرات الموت واختم لنا بالحسنى يا أرحم الرحماء.



النفخ في الصور يوم القيامة

 النفخ في الصور يوم القيامة

من أمور القيامة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم النفخ في الصور، وهو البُوق آلة يشبه القرن ينفخ فيها المَلك يوم القيامة، إيذانًا بقيام الساعة وحساب الخلق وتكون تلك النفخة بداية القيامة وهي النفخة الأولى قال الله تعالى:﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴾، وفي النفخة الأولى تحصل الصعقة وهي صوت نفخ إسرافيل عليه السلام في الصور أي البوق فيهلكون من هذا الصوت الذي له هولٌ عظيم تتقطع منه قلوب الكفار حتى يموتوا من شدته وكذلك الجن الكفار يموتون تلك الساعة فلا يبقى بشر ولا جنٌّ على وجه الأرض إلا وقد مات، وأما الذين ماتوا قبل ذلك من المسلمين والكافرين فيغشى عليهم تلك الساعة أي يُغمى عليهم إلا شهداء المعركة فلا يُغشى عليهم تلك الساعة قال تعالى:﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾. وفي الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ ، فَلاَ أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ)، الأنبياء عندما يصعقون في ذلك الوقت لا يصيبهم ألم وكذلك الأتقياء وعندما يُفيقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الصعقة يجد موسى عليه السلام وهو ماسك بقائمة من قوائم العرش ولم يتبين له أمره أعفي عنه من الصعقة فلم يصعق أم صعق فأفَاقَ قبله وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم ذلك فنحن كذلك لا نعلم. ثم بعد موت البشر والجن والبهائم يموت الملائكة وءاخرهم موتاً عزرائل قال بعض العلماء يستثنى خزنة الجنة وخزنة جهنم وحملة العرش والحور العين والولدان المخلدون فلا يصعقون ثم بعد ذلك يُحي الله إسرافيل الذي كان نفخ في الصور المرة الأولى ثم ينفخ مرة ثانية وذلك بعد أربعين عاماً فيقوم الأموات من قبورهم وبعد ذلك السؤال والحساب. وليس صحيحا ولا ثابتا ما يقوله بعض الناس أن عزرائيل يقول لما يقبض روحه لو كنت أعلم شدتها ما قبضة روح أحد فهذا مفترى على الملك عزرائيل عليه السلام ، والنفخ في الصُّور من مسائل القيامة التي يجِب اعتقادها والإيمان بها دون أدنى شكٍّ أو ريب، الله تعالى ذكر هذا النَّفخ في أكثر من مَوضع في القرأن العظيم قال الله تعالى:﴿ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ﴾، وقال تعالى:﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ﴾. وقال عز وجل:﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾، والله تبارك وتعالى وكلَ ملك بنفخ بالصور بأمر منه سبحانه وتعالى يوم القيامة وهذا الملك هو إسرافيل عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( كيف أَنْعَم وقد التقَمَ صاحِبُ القرن القَرْنَ وحَنى جبهتَه وأصغى سمعَه؛ يَنتظِر أن يُؤمر أن يَنفخ، فيَنفخ )، قال المسلمون: فكيف نقول يا رسولَ الله؟ قال:( قولوا: حَسبنا الله ونِعم الوكيل، توكَّلنا على الله ربِّنا )، أو (على الله توكَّلنا)، وعند النفخ تتغير أحوال الدنيا وتتبدل قال الله تعالى:( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)، وقال تعالى مبيناً أحوال تلك الساعة:( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ). وقال تعالى:( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا)، وجاء في الحديث أن الناس يكونون غارقين في أمور دنياهم فإذا بالصعقة تفاجئهم بغتة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:(ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، هو ممدود الآن من البائع للمشتري ليفحصه، فلا يطويانه ولا يتبايعانه فقد جاءت النفخة قضي عليهم، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته ، حلب الناقة وانصرف بالإناء ليشرب منه فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أوكلته إلى فيه فلا يطعمها). فصاحب اللبن لا يطعمه وآخذ اللقمة لا يطعمه إلى غير ذلك مما يفاجئون بها، وقد ورد بأن النفخة والصعقة هذا الصوت العظيم الهائل ستكون يوم الجمعة، روى أوس بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلق آدم وفيه قُبض، وفي النفخة وفيه الصعقة)، وذلك يكون يوم الجمعة، وهما نفختان جاء في القرءان تسمية الأولى: الراجفة، والثانية: الرادفة، فقال تعالى:( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ )، قال ابن عباس الأولى تميتُ كل شيء بإذن الله، والثانية تُحي كل شيء بإذن الله، وهذا مشهد رهيب مفزع مهول جللٌ لأن النفخة إذا فاجأت الناس لا يكونون يتوقعونها، فجاءت هذه الصيحة العظيمة فأخذتهم وحق للقلوب أن تفزع من هول تلك الصيحة، ثم إذا جاءت نفخة البعث وينهما أربعون عاما تقوم النفوس أيضاً خائفة وجلة إلا من رحم الله، كما قال عز وجل:( قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ)، وقد روى عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال:( يا أيها الناس اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه ، قال أبي: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعلك من صلاتي؟ قال: ما شئت)، وقوله: يا أيها الناس: أراد به النائمين ليستيقظوا لقيام الليل، والتهجد، وذكر الله تعالى والإستغفار، وقوله: جاءت الراجفة تتبعها الرادفة: النفخة الأولى التي يموت لها الخلائق، والرادفة: الثانية التي بها يحيون ليوم القيامة، وأصل الرجف الحركة والاضطراب، وفي هذا إشارة إلى قوله تعالى:( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ)، وقال عليه الصلاة والسلام: جاءت: بصيغة الفعل الماضي لبيان تحقق وقوعها، ما فيها شك جاءت، وقد اقتربت فاستعدوا لها.


تنبيه مهم: عند ذكر الآية السادسة عشر من سورة غافر قوله تعالى:(يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ۖ لَا يخفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ۚ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، بعضُ الناسِ يقولونَ اللهُ تعالَى يومَ القيامَةِ لما يُحْيِي الخلقَ بعدَما يَفْنَى الإِنْسُ وَالجِنُّ والملائكةُ، لَمَّا يُعيدُهم يقولُ لِمَنِ الملكُ اليومَ ثم يُجِيبُ نفسَه بِنَفْسِهِ للهِ الواحدِ القَهَّارِ. هذَا غيرُ صحيحٍ، هذا كَذبٌ لا يجوزُ. الصحيحُ أنهُ عندَمَا يقُومُ النَّاسُ منَ القُبورِ يأمُرُ اللهُ مَلَكًا فينادِي لِمَنِ الملكُ اليَومَ، ثُمَّ هذَا الملكُ يقولُ للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ فَيَسْمَعُ أهلُ الموقفِ كلُّهم لأَنَّه لا يوجدُ في الآخرةِ ملوكٌ كَمَا يُوجَدُونَ اليَومَ. هُوَ اللهُ مَلِكُ ذلكَ اليومِ لا مَلِكَ يومَ القِيامَةِ غيرُهُ، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾. هذا المَلَكُ هو نفسُهُ يعودُ ويقولُ للهِ الواحِدِ القهَّارِ. هكذا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ علمُ التَّوحيدِ. الغَلَطُ في التَّوحِيدِ خَطَرُهُ أعظَمُ مِنَ الخَطَرِ فِي الأَعْمَالِ، الصَّلاةُ إِنْ أخطَأْتَ فِيهَا تَقْضِيهَا مُصَحَّحَةً والصيامُ كذلكَ، والحجُّ إن دخَلَهُ فسادٌ تُعيدُهُ على الوَجْهِ الصَّحيحِ. ومعنى قولِ اللهِ تعالى:﴿وأشرقت الأرض بنور ربّها). أي بِحُكْمِ الله، أي في يومِ القيامَة لا حُكْمَ لأحدٍ لا لِمَلِكٍ ولا لأميرٍ إلا لله. ا.هـ هذه الآية مِنَ الآياتِ التي يذكرونها أمامَ العوامّ في التدريسِ، أنه مثل هذه الآية: ﴿ وأشرقت الأرض بنور ربّها ﴾، من أين يعرف الشخص أن هنا معنى ﴿ بنور ربّها ﴾ بحكمِ الله؟! الذي يخطر في بالِ الجاهل النور (الضوء) وقد يظنُّ إذا كان مُشبّها أنه في يوم القيامة أنّ اللهَ ضوء يُنيرُ الأرض وإذا لَم يكن مُشبّهًا قد يخطر في بالِهِ أن الله يخلق نورًا تضاءُ به الأرض، هنا:( بنور ربّها) معناه بِحكمِ الله. فالآيات التي تورد عند تعليمِ الناس حتى يُفهَّموا أنَّ القرءانَ لا يُفسَّر بِمجرّدِ ما يخطر في البال ولو كان الأمرُ قد يبدو ظاهرًا سهلاً لا يعرف الشخص التفسير الصحيح بدون أن يتلقى من أهل المعرفة الثقات. يومَ القيامَةِ بعدَ أنْ يُحيِ اللهُ الخلقَ ويَحشُرَهُم يُنادي مَلَكٌ بأمرِ اللهِ:﴿ لمن الملك اليوم ﴾ ثُمَّ الملَكُ يُجيبُ نفسَهُ: لله الواحد القهّار﴾، أي لا مَلِكَ مِنَ البشرِ في ذلكَ اليوم يَحكُمُ بينَ الناس ويُديرُ شؤونَهم، إعلامًا بذلك يُنادِي هذا الملَك ويقولُ ذلك؛ اللهُ هو الذي يُديرُ شؤونَ الخلقِ يومَ القيامَةِ. في بعضِ التفاسيرِ مَكتوبٌ إنَّ اللهَ يَسألُ:﴿لمن الملك اليوم﴾ ثم هو يُجيبُ نفسَهُ بنفسِهِ: (لله الواحد القهّار)، وهذا غيرُ صَحيحٍ.، فيوم النفخ في الصور يوم رهيب يذهل فيه العاقل لو دام التفكر به لأذهب عنا حب الدنيا ولذة التنعم، اللهمَّ أمتنا على السُنةِ واحشرنا آمنين مطمئنين مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهمَّ آمين آمين آمين.



الإيمان بالبعث يوم القيامة

 الإيمان بالبعث يوم القيامة



يجبُ الإيمان وهو التصديق والاعتقاد الجازم بأنَّ الله تعالى يبعَث الناس من قُبورهم أحياءً يوم القيامة ليجزي المحسِن بإحسانه، والمُسِيء بعمله، أو يعفو عنه الله بكرمه. والإيمان بالبعث والجزاء من أصول الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، فإنَّ الله تعالى يجمَع بقُدرته ما تفرَّق من أجساد الأموات التي تحلَّلتْ والتي لم تتحلل ولم تتفتت، ثم يعيدُها كما كانت أرواحاً وأجساداً قائمة بعد أن تنشق القبور عن من فيها، ثم يساقون إلى أرض المحشر؛ للقضاء بينهم بالحق وجزائهم على أعمالهم. ولقد بينَّ الله تعالى الحُجَجَ والبراهين على صحَّة البعْث وأبطل شُبهات مُنكري البعث من الكافرين، فقال الله تعالى:( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )، وقوله تعالى:(ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ). والبعث من بعد الموت مما أنكره الكفار قديماً، بل وسخروا من حقيقته ولم يصدقوا به، قال الله تعالى مخبراً عما قالوا:( وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا)، وقال تعالى مبيناً تعجبهم:(أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أوباؤنا الْأَوَّلُونَ)، قال الله تعالى:(قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ) أي: إنكم مبعوثون رغمًا عنكم وأنتم صاغرون أذلة يوم القيامة. فالبعث وعد الله الحق لا ريب فيه، والله لا يخلف الميعاد، قال:(وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)، وفي الرد على إنكارهم للبعث أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقسم على وقوعه، قال الله رب العالمين:( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). والمراد من النَّفخ في قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾، النفخة الثانية؛ بدليل أنَّ الله تعالى قرنه بقوله: ﴿ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾؛ أي تأتون جماعات وزمر، فالبعث بعد الموت مما أكد القرآن وقوعه بشدة فمن شك فيه أو أرتاب فهو من الكافرين، وفي القرءان العظيم ضرب الله الأمثلة على وقوع البعث وحصوله وأنه لا ريب فيه، جاء أحد الكفار إلى النبي عليه الصلاة والسلام وَأَتَاهُ بِعَظْمٍ قَدْ بَلِيَ فَفَتَّتَهُ بيده، فقال: أترى يحيي الله هذا بعد ما رَمَّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “نَعَمْ وَيَبْعَثُكَ وَيُدْخِلُكَ النَّارَ“، فأنزل الله تعالى رداً على قوله: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ). وقال الله تعالى مذكرًا بقدرته على إحياء الموتى وبعثهم كما كانوا أجساداً وأرواحاً قال الله تعالى:( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ). وبين الله تعالى في القرءان سهولة البعث عليه وإعادة الأجساد كما كانت، وأن الإحياء وإعادة الموتى من جديد هو أهون من الخلق من العدم، يقول سبحانه وتعالى:(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)، وقال الله تعالى:( وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا). فشأن البعث عظيم ، فالله يحي الأولين والآخرين يقومون كما كانوا وذلك بقدرة الله تعالى ولا يعجز الله ذلك وهو على كل شيء قدير قال الله تعالى:(مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، فالإيمان بالبعث جزء من الإيمان بالله تعالى وبالقران العظيم والإيمان بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، آمنا وصدقنا أنا سنبعث كما أخبر نبينا في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن في الإنسان عظمًا لا تأكلهُ الأرض أبداً فيه يُركبُ يوم القيامة)، قالوا: أي عظم هو يا رسول الله؟ قال: “عجب الذنب”، وعجب الذنب: هو الجزء الصغير أو العُظَيْم اللطيف في أسفل العمود الفقري، وهو رأس العُصعص، قال الإمام النووي: “وهو أول ما يُخلق من الآدمي، وهو الذي يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه“. فعلينا أن نستعد من الآن لهذا اليوم الذي يبعثنا الله فيه جمعياً لا يتخلف منا أحد؛ لنكون من أهل السعادة في الدار الآخرة. اللهمَّ ابعثنا يوم القيامة آمنين مطمئنين مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والله تعالى أعلم وأحكم.




الإيمان بالحوض المورود يوم القيامة

 الإيمان بالحوض المورود يوم القيامة

إن مما أخبر به النبي الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الحوض المورود المبارك يوم القيامة، والحوض في اللغة هو مجمع الماء، ولكل نبي حوض يوم القيامة والحوض الذي اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم أكبر الأحواض سعة واعظمها مساحة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن لكل نبي حوضاً، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة )، وماء حوض النبي يجتمع من نهر الكوثر من الجنة فيشرب منه المؤمنون قبل دخولهم الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نهر الكوثر:( نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّةِ عَلَيْهِ حَوْضٌ)، وتكاثرت الأحاديث بل تواترت عن نبينا صلى الله عليه وسلم في ذكر الحوض المورود يوم القيامة وذِكر سعَته وحلاوته وطيب رائحته وجمال منظره وبهاء كيزانه وكثرتها فوجب التصديق بهذا الحوض المبارك. ومن هذه الأحاديث ما رواه الإمام مسلم في كتابه الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه قال:( بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: "أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ؛ فَقَرَأَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)، ثُمَّ قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟" فَقُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عز وجل، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَأَقُولُ: رَبِّ، إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي، فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ بَعْدَكَ). وحوض النبي صلى الله عليه وسلم كبير جدا مساحته واسعة ضخمة جاء في وصفه في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:( حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ، وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الْوَرِقِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَا يَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا). وروى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم:( إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ). وفي وصف آنيته وجمالها فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ؟» قَالَ:( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا، أَلَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ، آنِيَةُ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ، يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، مَا بَيْنَ عَمَّانَ إِلَى أَيْلَةَ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ).فهذا الحوض يرده اناس في القيامة فيبعدون عنه لما فعلوا مما لا يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم:( إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ أُنَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: أَمَا شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟ وَاللهِ مَا بَرِحُوا بَعْدَكَ يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ)، وفي هذا الحديث بيان واضح أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لايعلم الغيب اذ أخبر حينها أنهم فعلوا ما فعلوا بعده فقول بعض الناس: إنَّ الرسول يعلم كل الغيب أي يعلم جميع ما يعلم الله من طريق عطاء الله فقد ساوى بين الله تعالى وبين الرسول والعياذ بالله تعالى. لأنَّ الله تعالى قال في كتابه:( قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ)، والغيب في هذه الآية المراد به جميع الغيب، وكل ما غاب عن حس الخلق هو غيب ولا يعلم جميعه إلا الله تبارك وتعالى، قال عز وجلَّ:( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ)، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم بنص هذه الآية لا يعلم جميع تفاصيل ما يفعله الله به وبأمته فكيف يتجرأ متجرئ على قول: إنَّ الرسول يعلم بكل شىء يعلمه الله.!؟


 فيا رب ارزقنا شَربَةً هنيَّئة من حوض نبيك صلى الله عليه وسلم نرتوي بها ولا نظمأ بعدها أبداً، اللهمَّ إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا بعد إذا هديتنا، أو نُفتن في ديننا. والله أعلم وأحكم.











الثواب والعقاب في الآخرة

 الثواب والعقاب في الآخرة

يجب على كل مكلف أن يعتقد أن الله تبارك وتعالى جعل في الآخرة ثواباً للمؤمنين الطائعين وعقاباً للكفرة والمذنبين قال الله تعالى:( وَيُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا). وقال تعالى في أهل العقاب:(وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وأمّا الكافر فلا حسنات له في الآخرة لأنّه أُطعِمَ بحسناتهِ في الدُّنيا وأما في الآخرة فلا ثوابَ له عند الله قال الله تعالى:( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)، ففي قوله تعالى: "وهو مؤمنٌ" ، اشترط لقبول الأعمال عند الله والثواب عليها الإيمان بالله تعالى، قال الله تعالى:( مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ)، أي أنّ أعمال الكفار في الدنيا كالبِر وصلة الأرحام كرمادٍ أشتدت به الريح في يوم ذي ريح شديدة، فلم تترك له أثراً فكذلك أعمالهم لا يجدون منها ما ينفعهم عند الله في الآخرة فقد أذهبها الكفر كما أذهبت الريح الرماد، ذلك السعي والعمل على غير أساس الإيمان بالله والموت على ذلك، هو الضلال البعيد عن الطريق المستقيم قال تعالى:(وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)، والآيات في فضله وكرمه وعدله ورحمته كثيرة في كتاب الله العظيم ، فهو يثيب المحسن على إحسانه ويكافئه بالجود والفضل ويضاعف له الأجر أضعافاً كثيرة، قال تعالى:﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾، وأما من أساء قال تعالى:﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾. وهذا من لطف الله بعباده ورحمته وعدله في عباده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينَّ في حديثه عظيم عدل الله في الثواب على الخير والعقاب على الشر والمعاصي فقال صلوات الله وسلامه عليه:(إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)، وزاد مسلم في بعض رواياته:(أو محاها الله، ولا يهلك على الله إلا هالك).


وأما من هم بحسنة فعملها وهذا يشمل الحسنة القوليَّة والفعلية، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله عز وجل أو بحق أحد من خلقه. إذا همَّ العبد بحسنة، والهَمُّ هنا، بمعنى عزمُ القلب وتصميمُه على الفعل وتوجهه إلى تنفيذه، أي عَزَمَ على فعل الحسنة، طاعةٍ من الطاعات أو عمَلٍ من أعمال البر، لكنه لم يعمل ذلك، لا لأنه غيَّر رأيه، ولكنه لم يستطع إلى ذلك سبيلا، أو حال بينه وبين الفعل حائل أو مانع، فإن الله سبحانه وتعالى يُثيبه ويَكتب له ذلك حسنة كاملة بدون نقصان، لأنه همَّ بالخير وأراد الخير وعزم على فعله. وهذا من كرم الله عز وجل إن كانت نية العبد فعلُ الحسنة، وعلم الله منه العزم على فعل تلك الحسنة، ولكنه حيل بينه وبينها فلم يفعلها، فإن الله كرما وجودا وتفضلا وإحسانا يكتب ذلك عنده حسنة كاملة،ومن همّ بحسنة فعملها، لم يقف عند الهم، وإنما تجاوز إلى العمل والتنفيذ، إذا همّ بالطاعة وعزم على فعلها ووفّقه الله للعمل والقيام بها، جزأه أنها تكتب عند الله عشْرَ حسناتٍ إلى سبعمائة ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة فانظر ايها العبد وتمّعن في سعة فضل الله جل جلاله، مع أن العبد عمِل حسنة واحدة، ولكنَّ الله قد يكتبها له عشْرَ حسنات، وقد يكتبها له سبعمائة، وقد يكتبها سبعةَ آلاف، وقد يكتبها سبعين ألفاً وقد يكتبها سبعين مليوناً والله يضاعف ماشاء لمن يشاء قال الله تعالى:﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾، وهذا فضل الله سبحانه وتعالى وكرمُه يؤتيه من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم. وفي القرأن العظيم مثلاً رائع، في في مضاعفة الحسنات تقريباً للأذهان.. إنه مثل من يبذر بَذرة في أرض خصبة، فتنمو هذه البَذرة وتكبر حتى تخرجَ منها سبع سنابل، تتضاعف على نحو يصعب على البشر عده وإحصاؤه، قال ربنا تعالى:﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ﴾. إذا كانت الأرض وهى مخلوقة لله، يعطيها العبد المخلوق حبة فتعطيه سبعمائة حبة! فكيف يكون عطاء من خلق الأرض والعبد والحبة؟ قال تعالى:﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾. ولكن متى تكون الحسنة بعشرة، ومتى تكون أضعافا مضاعفة؟ قال أهل العلم: "مضاعفة الأجر على الأعمال، تكون بحسب ما يكون في القلب من الإخلاص ومن إتقان العمل، وبحسب الزمان والمكان وبحسب الحاجة إليها".


وأما من هم بالسيئة ولم يعملها، قصد وأراد أن يعمل سيئة ولكنه لم يعملها وتركها.. لماذا تركها؟ تركها لوجه الله ابتغاء ثواب الله أو خوفا من الله، فهو لم يترك السيئة من أجل أحد، ولم يتركها سمعة أو رياء أو خوفا، ولم يتركها لانه ما استطاع الوصول اليها لعارض طرأ، وإنما تركها لله ومن أجل الله، ولذلك جاء في الحديث القدسي:(إنما تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة)، فهو يُثاب عليها إذا تركها لِوجه الله. وفي قوله صلى الله عليه وسلم:(وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً)، بيان أن الله يرفع الحسنة ويحفظها عنده اي في مكان مشرف مكرم كاملة غير منقوصة.


ومن هم بالسيئة فعملها فهذا لم يكتف بالهم والعزم وإنما تجاوز إلى العمل والتنفيذ، إذا همّ بالمعصية وعزم على فعلها، تُكتب عليه سيئةً واحدة، وهنا لم يقل ربنا سبحانه وتعالى، كتبها الله عنده، ولم يقل سيئة كاملةً، بل قال:(كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)، وهذا من رحمة الله عز وجل، قال تعالى:﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾. أي لا ينقص من ثواب طاعتهم، ولا يُزاد على عقاب سيئاتهم. وهذا من لطف الله عز وجل ورحمته بعباده، ومن كمال عدله أنه يَجزي بالسيئة السيئة. فالله تبارك وتعالى كريم عفو بر رحيم يَجْزي بالسيئة مثلَها، أو يمحها بالتوبة والإستغفار والحسنات، ويَجزي بالحسنة عشرَ أمثالها أو يضاعفها إلى سبعمائة ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة، فالعجب كلَّ العجب لعبد تغلب سيئاته على حسناته مع هذا الكريم الواسع، وذلك هو المحروم الهالك الذي كثرت سيئاتُه مع أنها لا تتضاعف حتى غلبَت حسناته مع أنها تتضاعف!. ولذلك جاء في آخر الحديث:(ولا يَهلك على الله إلا هالك)، فبعد هذه السعة من الكرم والإحسان والرحمة من الله في كتابة الحسنات والسيئات لا يهلك بعد ذلك إلا هالك، أي من أصر على التجرؤ على السيئة عزما وقولا وفعلا، وأعرض ورغِب عن الحسنات هما وقولاً وفعلاً، ولم تنفع فيه النُّذر ولا المواعظ، فهو هالك محروم ولا يَهلِك ولا يَضُر إلا نفسَه. اللهمَّ وفقنا برحمتك لطاعتك وجنبنا بفضلك المعاصي. والله أعلم واحكم.


حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...