الإيمان بالبعث يوم القيامة
يجبُ الإيمان وهو التصديق والاعتقاد الجازم بأنَّ الله تعالى يبعَث الناس من قُبورهم أحياءً يوم القيامة ليجزي المحسِن بإحسانه، والمُسِيء بعمله، أو يعفو عنه الله بكرمه. والإيمان بالبعث والجزاء من أصول الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، فإنَّ الله تعالى يجمَع بقُدرته ما تفرَّق من أجساد الأموات التي تحلَّلتْ والتي لم تتحلل ولم تتفتت، ثم يعيدُها كما كانت أرواحاً وأجساداً قائمة بعد أن تنشق القبور عن من فيها، ثم يساقون إلى أرض المحشر؛ للقضاء بينهم بالحق وجزائهم على أعمالهم. ولقد بينَّ الله تعالى الحُجَجَ والبراهين على صحَّة البعْث وأبطل شُبهات مُنكري البعث من الكافرين، فقال الله تعالى:( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )، وقوله تعالى:(ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ). والبعث من بعد الموت مما أنكره الكفار قديماً، بل وسخروا من حقيقته ولم يصدقوا به، قال الله تعالى مخبراً عما قالوا:( وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا)، وقال تعالى مبيناً تعجبهم:(أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أوباؤنا الْأَوَّلُونَ)، قال الله تعالى:(قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ) أي: إنكم مبعوثون رغمًا عنكم وأنتم صاغرون أذلة يوم القيامة. فالبعث وعد الله الحق لا ريب فيه، والله لا يخلف الميعاد، قال:(وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)، وفي الرد على إنكارهم للبعث أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقسم على وقوعه، قال الله رب العالمين:( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). والمراد من النَّفخ في قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾، النفخة الثانية؛ بدليل أنَّ الله تعالى قرنه بقوله: ﴿ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾؛ أي تأتون جماعات وزمر، فالبعث بعد الموت مما أكد القرآن وقوعه بشدة فمن شك فيه أو أرتاب فهو من الكافرين، وفي القرءان العظيم ضرب الله الأمثلة على وقوع البعث وحصوله وأنه لا ريب فيه، جاء أحد الكفار إلى النبي عليه الصلاة والسلام وَأَتَاهُ بِعَظْمٍ قَدْ بَلِيَ فَفَتَّتَهُ بيده، فقال: أترى يحيي الله هذا بعد ما رَمَّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “نَعَمْ وَيَبْعَثُكَ وَيُدْخِلُكَ النَّارَ“، فأنزل الله تعالى رداً على قوله: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ). وقال الله تعالى مذكرًا بقدرته على إحياء الموتى وبعثهم كما كانوا أجساداً وأرواحاً قال الله تعالى:( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ). وبين الله تعالى في القرءان سهولة البعث عليه وإعادة الأجساد كما كانت، وأن الإحياء وإعادة الموتى من جديد هو أهون من الخلق من العدم، يقول سبحانه وتعالى:(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)، وقال الله تعالى:( وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا). فشأن البعث عظيم ، فالله يحي الأولين والآخرين يقومون كما كانوا وذلك بقدرة الله تعالى ولا يعجز الله ذلك وهو على كل شيء قدير قال الله تعالى:(مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، فالإيمان بالبعث جزء من الإيمان بالله تعالى وبالقران العظيم والإيمان بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، آمنا وصدقنا أنا سنبعث كما أخبر نبينا في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن في الإنسان عظمًا لا تأكلهُ الأرض أبداً فيه يُركبُ يوم القيامة)، قالوا: أي عظم هو يا رسول الله؟ قال: “عجب الذنب”، وعجب الذنب: هو الجزء الصغير أو العُظَيْم اللطيف في أسفل العمود الفقري، وهو رأس العُصعص، قال الإمام النووي: “وهو أول ما يُخلق من الآدمي، وهو الذي يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه“. فعلينا أن نستعد من الآن لهذا اليوم الذي يبعثنا الله فيه جمعياً لا يتخلف منا أحد؛ لنكون من أهل السعادة في الدار الآخرة. اللهمَّ ابعثنا يوم القيامة آمنين مطمئنين مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والله تعالى أعلم وأحكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق