أقوال العلماء عن الأشاعرة والماتريدية
قال الحافظ مرتضى الزبيدي (ت 1205 هـ) في (إتحاف السادة المتقين): "إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية". وقال أيضاً في موضع آخر: "والمراد بأهل السنة هم الفرق الأربعة، المحدثون والصوفية والأشاعرة والماتريدية".[16] وقال أيضاً: "وليعلم أنّ كلاًّ من الإمامين أبي الحسن وأبي منصور - رضي الله عنهما - وجزاهما عن الإسلام خيراً لم يبدعا من عندهما رأياً ولم يشتقا مذهباً إنما هما مقرران لمذاهب السلف مناضلان عما كانت عليه أصحاب رسول الله Mohamed peace be upon him.svg ... وناظَرَ كلٌّ منهما ذوي البدع والضلالات حتى انقطعوا وولوا منهزمين".[17]
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي (ت 458 هـ) وهو من الطبقة الثالثة من أتباع الإمام الأشعري: "...إلى أن بلغت النوبة إلى شيخنا أبي الحسن الأشعري رحمه الله فلم يحدث في دين الله حَدَثاً، ولم يأت فيه ببدعة، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين فنصرها بزيادة شرح وتبيين، وأن ما قالوا وجاء به الشرع في الأصول صحيح في العقول، بخلاف ما زعم أهل الأهواء من أن بعضه لا يستقيم في الآراء، فكان في بيانه تقوية ما لم يدلَّ عليه من أهل السنة والجماعة، ونصرة أقاويل من مضى من الأئمة كأبي حنيفة وسفيان الثوري من أهل الكوفة، والأوزاعي وغيره من أهل الشام، ومالك والشافعي من أهل الحرمين، ومن نحا نحوهما من الحجاز وغيرها من سائر البلاد، وكأحمد بن حنبل وغيره من أهل الحديث، والليث بن سعد وغيره وأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري إمامي أهل الآثار وحفاظ السنن التي عليها مدار الشرع رضي الله عنهم أجمعين".[18]
وقال الحافظ ابن عساكر (ت 571 هـ) في كتابه (تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري): "وهم - يعني الأشاعرة - المتمسكون بالكتاب والسنة، التاركون للأسباب الجالبة للفتنة، الصابرون على دينهم عند الابتلاء والمحنة، الظاهرون على عدوهم مع اطراح الانتصار والإحنة، لا يتركون التمسك بالقرآن والحجج الأثرية، ولا يسلكون في المعقولات مسالك المعطلة القدرية، لكنهم يجمعون في مسائل الأصول بين الأدلة السمعية وبراهيـن العقول، ويتجنبون إفراط المعتزلة ويتنكبون طرق المعطلة، ويَطَّرِحون تفريط المجسمة المشبهة، ويفضحون بالبراهين عقائد الفرق المموهة، وينكرون مذاهب الجهمية وينفرون عن الكرامية والسالمية، ويبطلون مقالات القدرية ويرذلون شُبَهَ الجبرية... فمذهبهم أوسط المذاهب، ومشربهم أعذب المشارب، ومنصبهم أكرم المناصب، ورتبتهم أعظم المراتب فلا يؤثر فيهم قدح قادح، ولا يظهر فيهم جرح جارح".[19]
وقال أيضاً: "فيا ليت شعري ماذا الذي تنفر منه القلوب عنهم - يعني الأشاعرة - أم ماذا ينقم أرباب البدع منهم؟! أغزارة العلم، أم رجاحة الفهم، أم اعتقاد التوحيد والتنزيه، أم اجتناب القول بالتجسيم والتشبيه، أم القول بإثبات الصفات، أم تقديس الرب عن الأعضاء والأدوات؟!". ويقول أيضاً: "وأكثر العلماء في جميع الأقطار عليه - يعني مذهب الأشاعرة - وأئمة الأمصار في سائر الأعصار يدعون إليه، ومنتحلوه هم الذين عليهم مدار الأحكام، وإليهم يرجع في معرفة الحلال والحرام، وهم الذين يُفتون الناس في صعاب المسائل، ويعتمد عليهم الخلق في إيضاح المشكلات والنوازل، وهل من الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلا موافق له أو منتسب إليه أو راضٍ بحميد سعيه في دين الله أو مُثنٍ بكثرة العلم عليه".[20]
وقال الإمام الملا علي القاري (ت 1014 هـ) في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح في شرحه لحديث الرسول: (اتبعوا السواد الأعظم، فإنه من شذ شذ في النار) رواه ابن ماجه: "يعبر به عن الجماعة الكثيرة، والمراد ما عليه أكثر المسلمين قيل: وهذا في أصول الاعتقاد كأركان الإسلام، وأما الفروع كبطلان الوضوء بالمس مثلا فلا حاجة فيه إلى الإجماع، بل يجوز اتباع كل واحد من المجتهدين كالأئمة الأربعة، وما وقع من الخلاف بين الماتريدية والأشعرية في مسائل فهي ترجع إلى الفروع في الحقيقة فإنها ظنيات، فلم تكن من الاعتقاديات المبنية على اليقينيات، بل قال بعض المحققين: إن الخلاف بينهما في الكل لفظي".[21]
وقال أيضاً في موضع آخر: "...ومنه قوله تعالى: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} فالمراد بالأهواء مطلقا الاعتقادات، وبالمنكرات الأهوية الفاسدة التي غير مأخوذة من الكتاب والسنة، وقال ابن حجر، والأهواء المنكرة هي الاعتقادات الفاسدة المخالفة لما عليه إمام أهل السنة والجماعة أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي".[22]
وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي (ت 476 هـ): "وأبو الحسن الأشعري إمام أهل السنة، وعامة أصحاب الشافعي على مذهبه، ومذهبه مذهب أهل الحق".[23]
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي (ت 974 هـ) في (الزواجر عن اقتراف الكبائر): "المراد بالسنة ما عليه إماما أهل السنة والجماعة الشيخ أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي".[24]
وقال الإمام أحمد بن عجيبة (ت 1224 هـ) في تفسيره (البحر المديد): "أما أهل السنة فهم الأشاعرة ومن تبعهم في اعتقادهم الصحيح، كما هو مقرر في كتب أهل السنة".[25]
وقال الإمام السفاريني الحنبلي (ت 1188 هـ) في (لوامع الأنوار البهية): "أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي، وأما فرق الضلال فكثيرة جدا".[26][27]
وقال الإمام عبد الباقي المواهبي الحنبلي (ت 1071 هـ) في (العين والأثر): "طوائف أهل السنة ثلاثة: أشاعرة، وحنابلة، وماتريدية، بدليل عطف العلماء الحنابلة على الأشاعرة في كثير من الكتب الكلامية وجميع كتب الحنابلة".[28]
وقال الإمام ابن الشطي الحنبلي (ت 1274 هـ) في شرحه على العقيدة السفارينية (تبصير القانع): "قال بعض العلماء هم - يعني الفرقة الناجية - أهل الحديث يعني الأثرية والأشعرية والماتريدية" ثم قال بعد ذلك بأسطر: "فائدة: أهل السنة والجماعة ثلاث فرق، الأثرية وإمامهم الإمام أحمد رضي الله عنه. والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى. والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي رحمه الله تعالى".[29]
وقال الشيخ عبد الله بن خلف الدحيان (ت 1349 هـ) تعليقا على تقسيم السفاريني لأهل السنة إلى ثلاث فرق: "فإذا قلت: لفظ الحديث يقتضي عدم التعْدِيَة (أي أن لفظ الحديث يقتضي قصر النجاة على فرقة واحدة وعدم تعديته إلى ثلاث فرق) حيث قال فيه Mohamed peace be upon him.svg: "ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة كلهم في النار إلا فرقة واحدة وهي ما كان على ما أنا عليه وأصحابي" فالجواب: أن الثلاث فرق هي فرقة واحدة لأنهم كلهم أهل الحديث، فإن الأشاعرة والماتريدية لم يردوا الأحاديث ولا أهملوها، فإمّا فوضوها وإمّا أوّلوها، وكل منهم أهـل حديث، وحينئذ فالثلاث فرقة واحدة، لاقتفائهم الأخبار وانتحالهم الآثار، بخلاف باقي الفرق فإنهم حكّموا العقول وخالفوا المنقول فهم أهل بدعة وضلالة ومخالفة وجهالة والله تعالى أعلم". وقال الشيخ العلامة الحنبلي محمد بن علي بن سلوم في شرحه على العقيدة السفارينية مثل ذلك.[30]
وقال الإمام تقي الدين السبكي (ت 756 هـ) في كتابه (السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل) ما ملخصه: "...والمتكلمون طلبوه - أي العلم الإلهي - بالعقل والنقل معاً وافترقوا ثلاث فرق: إحداها: غلب عليها جانب العقل وهم المعتزلة. والثانية: غلب عليها جانب النقل وهم الحشوية. والثالثة: ما غلب عليها أحدهما؛ بل بقى الأمران مرعيين عندهم على حد سواء وهم الأشعرية... والفرقة الأشعرية هم المتوسطون في ذلك وهم الغالبون من الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة وسائر الناس. وأما المعتزلة فكانت لهم دولة في أوائل المائة الثالثة ساعدهم بعض الخلفاء ثم انخذلوا وكفى الله شرهم. وهاتان الطائفان الأشعرية والمعتزلة هما المتقاومتان وهما فحول المتكلمين من أهل الإسلام، والأشعرية أعدلهما لأنها بنت أصولها على الكتاب والسنة والعقل الصحيح... وأما الحشوية (وهم طوائف كالكرامية ولابن الجوزي كتاب: "منهاج الوصول إلى علم الأصول"، وكتاب: "دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه" في الرد عليهم) فهي طائفة رذيلة جهال ينتسبون إلى أحمد وأحمد مبرأ منهم. وسبب نسبتهم إليه أنه قام في دفع المعتزلة وثبت في المحنة رضي الله عنه، نقلت عنه كليمات ما فهمها هؤلاء الجهال فاعتقدوا هذا الاعتقاد وصار المتأخر منهم يتبع المتقدم، إلا من عصمه الله وما زالوا من حين نبغوا مستذلين ليس لهم رأس ولا من يناظر وإنما كانت لهم في كل وقت ثورات ويتعلقون ببعض أتباع الدول ويكفي الله شرهم، وما تعقلوا بأحد إلا كانت عاقبته إلى سوء...".[31]
وقال الإمام تاج الدين السبكي (ت 771 هـ) في شرح عقيدة ابن الحاجب: "اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل، وإن اختلفوا في الطرق والمبادي الموصلة لذلك، أو في لِمِّية ما هنالك. وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف؛ الأول: أهل الحديث، ومعتمد مباديهم: الأدلة السمعية؛ أعني: الكتاب، والسنة، والإجماع. الثانية: أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية؛ وهم: الأشعرية، والحنفية. وشيخ الأشعرية: أبو الحسن الأشعري، وشيخ الحنفية: أبو منصور الماتريدي، وهم متفقون في المبادي العقلية في كل مطلب يتوقف السمع عليه، وفي المبادي السمعية فيما يدرك العقل جوازه فقط، والعقلية والسمعية في غيرها، واتفقوا في جميع المطالب الاعتقادية إلا في مسألة التكوين ومسألة التقليد. الثالثة: أهل الوجدان والكشف؛ وهم الصوفية، ومباديهم مبادي أهل النظر والحديث في البداية، والكشف والإلهام في النهاية".[32]
وقال في كتابه (معيد النعم ومبيد النقم): "وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة ولله الحمد في العقائد يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجماعة، يدينون الله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمة الله تعالى، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل التجسيم، وبرأ الله المالكية فلم نر مالكيا إلا أشعريا عقيدة، وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة، وقد ختمنا كتابنا جمع الجوامع بعقيدة ذكرنا أن سلف الأمة عليها، وهي وعقيدة الطحاوي وعقيدة أبي القاسم القشيري والعقيدة المسماة بالمرشدة مشتركات في أصول أهل السنة والجماعة"..[33] ثم قال في آخر كلامه: يخاطب أهل المذاهب الأربعة. "وأما تعصبكم في فروع الدين وحملكم الناس على مذهب واحد فهو الذي لا يقبله الله منكم ولا يحملكم عليه إلا محض التعصب والتحاسد ولو أن الشافعي وأبا حنيفة ومالكا وأحمد أحياء يرزقون لشددوا النكير عليكم وتبرءوا منكم فيما تفعلون".[34]
وقال في كتابه طبقات الشافعية الكبرى: "اعلم أن أبا الحسن لم يبدع رأيا، ولم ينشئ مذهبا، وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقا، وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتدى به في ذلك، السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريا، ولقد قلت مرة للشيخ الإمام رحمه الله: أنا أعجب من الحافظ ابن عساكر في عدة طوائف من أتباع الشيخ، ولم يذكر إلا نزرا يسيرا وعددا قليلا، ولو وفى الاستيعاب حقه لاستوعب غالب علماء المذاهب الأربعة، فإنهم برأي أبي الحسن يدينون الله تعالى، فقال: إنما ذكر من اشتهر بالمناضلة عن أبي الحسن، وإلا فالأمر على ما ذكرت من أن غالب علماء المذاهب معه. وقد ذكر الشيخ شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام أن عقيدته اجتمع عليها: الشافعية، والمالكية، والحنفية، وفضلاء الحنابلة، ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ المالكية في زمانه أبو عمرو بن الحاجب، وشيخ الحنفية جمال الدين الحصيري. قلت: وسنعقد لهذا الفصل فصلا يخصه فيما بعد. قال الشيخ الإمام - يعني والده تقي الدين السبكي -، فيما يحكيه لنا: ولقد وقفت لبعض المعتزلة على كتاب سماه (طبقات المعتزلة)، وافتتح بذكر: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ظنا منه أنه برأه الله منهم، على عقيدتهم، قال: وهذا نهاية في التعصب، فإنما ينسب إلى المرء من مشى على منواله. قلت أنا للشيخ الإمام: ولو تم هذا لهم لكان للأشاعرة أن يعدوا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في جملتهم؛ لأنهم عن عقيدتهما وعقيدة غيرهما من الصحابة فيما يدعون يناضلون، وإياها ينصرون، وعلى حماها يحومون، فتبسم، وقال: أتباع المرء من دان بمذهبه، وقال بقوله على سبيل المتابعة والاقتفاء الذي هو أخص من الموافقة، فبين المتابعة والموافقة بون عظيم. قلت: وقد بينا البون في (شرح المختصر) في مسألة الناسي. ونقل الحافظ كلام الشيخ أبي عبد الله محمد بن موسى بن عمار الكلاعي المايرقي، وهو من أئمة المالكية في هذا الفصل، فاستوعبه منه أهل السنة من المالكية، والشافعية، وأكثر الحنفية، بلسان أبي الحسن الأشعري يتكلمون، وبحجته يحتجون...".[35][36][37]
وقال المحدث محمد بن درويش الحوت البيروتي (ت 1276 هـ) في (رسائل في بيان عقائد أهل السنة والجماعة): "فائدة: المالكية والشافعية أشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري من ذرية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، والحنفية ماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي، وهما إماما أهل السنة والجماعة، والحنابلة أثرية".[38]
وقال الإمام عضد الدين الإيجي (ت 756 هـ) في كتابه (المواقف في علم الكلام) في بيان الفرقة الناجية، بعد أن عدد فرق الهالكين: "وأما الفرقة الناجية المستثناة الذين قال النبي ـ Mohamed peace be upon him.svg ـ فيهم "هم الذين على ما أنا عليه وأصحابي" فهم الأشاعرة والسلف من المحدثين وأهل السنة والجماعة، ومذهبهم خالٍ من بدع هؤلاء".[39]
وقال الإمام جلال الدين الدواني (ت 918 هـ) في شرحه على العقائد العضدية: "الفرقة الناجية، وهم الأشاعرة أي التابعون في الأصول للشيخ أبي الحسـن... فإن قلت: كيف حكم بأن هم الأشاعرة؟ وكل فرقة تزعم أنها ناجية؟ قلت سياق الحديث مشعر بأنهم – يعني – المعتقدون بما روي عن النبي ـ Mohamed peace be upon him.svg ـ وأصحابه، وذلك إنما ينطبق على الأشاعرة، فإنهم متمسكون في عقائدهم بالأحاديث الصحيحة المنقولة عنه ـ Mohamed peace be upon him.svg ـ وعن أصحابه، ولا يتجاوزون عن ظواهرها إلا لضرورة، ولا يسترسلون مع عقولهم كالمعتزلة".[40]
وقال الإمام عبد الله بن علوي الحداد (ت 1132 هـ) في (نيل المرام شرح عقيدة الإسلام): "اعلم أن مذهب الأشاعرة في الاعتقاد هو ما كان عليه جماهير أمة الإسلام علماؤها ودهماؤها، إذ المنتسبون إليهم والسالكون طريقهم كانوا أئمة أهل العلوم قاطبة على مرّ الأيام والسنين، وهم أئمة علم التوحيد والكلام والتفسير والقراءة والفقه وأصوله والحديث وفنونه والتصوف واللغة والتاريخ".[41]
وقال أيضاً في (رسالة المعاونة والمظاهرة والمؤازرة): "وعليك بتحسين معتقدك وإصلاحه وتقويمه على منهاج الفرقة الناجية، وهي المعروفة من بين سائر الفرق الإسلامية بأهل السنة والجماعة، وهم المتمسكون بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنت إذا نظرت بفهم مستقيم عن قلب سليم في نصوص الكتاب والسنة المتضمنة لعلوم الإيمان، وطالعت سير السلف الصالح من الصحابة والتابعين علمتَ وتحققتَ أن الحق مع الموسومة بالأشعرية، نسبة إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله، فقد رتب قواعد عقيدة أهل الحق وحرَّرَ أدلتها، وهي العقيدة التي أجمع عليها الصحابة ومن بعدهم من خيار التابعين، وهي عقيدة أهل الحق من أهل كل زمان ومكان، وهي عقيدة جملة أهل التصوف كما حكى ذلك أبو القاسم القشيري في أول رسالته، وهي بحمد الله عقيدتنا.. وعقيدة أسلافنا من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.. والماتريدية كالأشعرية في جميع ما تقدم".[42]
وقال الإمام كمال الدين البياضي (ت 1098 هـ) في كتابه (إشارات المرام من عبارات الإمام): "إن الفرقة الناجية هم الجماعة الكثيرة المتمسكون بمحكمات الكتاب والسنة في العقائد، فإنه المنطبق لما عليه الرسول Mohamed peace be upon him.svg ولما عليه الصحابة لا يتجاوزون عن ظاهرها إلا لضرورة مخالفة قطعي من الدليل النقلي والعقلي، فإن حجج الله تتعاضد ولا تتضاد". ومن نظر بعين المعقول وتجرد للوصول إلى الحق علم يقيناً أنه ليس أحد من الطوائف ينطبق عليه هذا الوصف إلا أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث والصوفية، فهم الذي طبقوا الأرض شهرة وانتشاراً.[43]
وقال الإمام أبو عمرو الداني (ت 444 هـ) في (الرسالة الوافية في معتقد أهل السنة والجماعة): "اعلموا أيدكم الله بتوفيقه وأمدكم بعونه وتسديده، أن قول أهل السنة والجماعة من المسلمين المتقدمين والمتأخرين من أصحاب الحديث والفقهاء والمتكلمين..". ثم شرع ببيان اعتقاد أهل السنة، وقوله (الفقهاء والمتكلمين) يعني بهم الأشاعرة والماتريدية، ورسالته زاخرة بأدلة التقديس والتنزيه، وتأثره بشيخه وأستاذه شيخ أهل السنة القاضي أبي بكر الباقلاني وبطريقة الإمام الأشعري واضح، بل إن بعض الألفاظ والعبارات هي هي التي استخدمها الإمام الأشعري في بعض كتبه.[44]
وقال الإمام أحمد الدردير (ت 1201 هـ) في شرحه على منظومته في العقائد المسماة بـ "خريدة التوحيد": "واتبع سبيل الناسكين العلماء" ثم شرح عبارته فقال: "جمع عالم وهو العارف بالأحكام الشرعية التي عليها مدار صحة الدين اعتقادية كانت أو عملية والمراد بهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان وسبيلهم منحصر في اعتقاد وعلم وعمل على طبق العلم (أي: وعمل مطابق للعلم)، وافترق من جاء بعدهم من أئمة الأمة الذين يجب اتباعهم على ثلاث فرق، فرقة نصبت نفسها لبيان الأحكام الشرعية العملية وهم الأئمة الأربعة وغيرهم من المجتهدين، ولكن لم يستقر من المذاهب المرضية سوى مذاهب الأئمة الأربعة، وفرقة نصبت نفسها للاشتغال ببيان العقائد التي كان عليها السلف وهم الأشعري والماتريدي ومن تبعهما، وفرقة نصبت نفسها للاشتغال بالعمل والمجاهدات على طبق ما ذهب إليه الفرقتان المتقدمتان وهم الإمام أبو القاسم الجنيد ومن تبعه، فهؤلاء الفرق الثلاثة هم خواص الأمة المحمدية ومن عداهم من جميع الفرق على ضلال وإن كان البعض منهم يحكم له بالإسلام فالناجي من كان في عقيدته على طبق ما بينه أهل السنة".[45]
وقال الإمام طاش كبري زاده (ت 968 هـ) في (مفتاح السعادة ومصباح السيادة): "ثم اعلم أن رئيس أهل السنة والجماعة في علم الكلام - يعني العقائد - رجلان، أحدهما حنفي والآخر شافعي (ملحوظة: ينازع المالكية في الإمام أبي الحسن ويذكرونه ضمن طبقاتهم، والراجح أنه شافعي)، أما الحنفي فهو أبو منصور محمد بن محمود الماتريدي، إمام الهدى... وأما الآخر الشافعي فهو شيخ السنة ورئيس الجماعة إمام المتكلمين وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن الدين والساعي في حفظ عقائد المسلمين، أبو الحسن الأشعري البصري.. حامي جناب الشرع الشريف من الحديث المفترى، الذي قام في نصرة ملة الإسلام فنصرها نصراً مؤزراً".[46]
وقال الإمام شمس الدين الخيالي (ت في حدود 886 هـ وقيل: 870 هـ) في حاشيته على شرح العقائد النسفية: "الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة، هذا هو المشهور في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار، وفي ديار ما وراء النهر يطلق ذلك على الماتريدية أصحاب الإمام أبي منصور، وبين الطائفتين اختلاف في بعض المسائل؛ كمسألة التكوين وغيرها".[47]
وقال الإمام مصلح الدين الكستلي (ت 901 هـ) في حاشيته عليه: "المشهور من أهل السنة في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن الأشعري أول من خالف أبا علي الجبائي ورجع عن مذهبه إلى السنة - أي. طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - والجماعة - أي: طريقة الصحابة - رضي الله عنهم - وفي ديار ما وراء النهر الماتريدية أصحاب أبي منصور الماتريدي تلميذ أبي نصر العياضي تلميذ أبي بكر الجوزجاني صاحب أبي سليمان الجوزجاني صاحب محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة، وبين الطائفتين اختلاف في بعض الأصول؛ كمسألة التكوين ومسألة الاستثناء في الإيمان، ومسألة إيمان المقلد. والمحققون من الفريقين لا ينسب أحدهما الآخر إلى البدعة والضلالة".[48]
وقال الإمام ابن عابدين (ت 1252 هـ) في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار": "(قوله -أي علاء الدين الحصكفي- عن معتقدنا) أي: عما نعتقد من غير المسائل الفرعية، مما يجب اعتقاده على كل مكلف بلا تقليد لأحد، وهو ما عليه أهل السنة والجماعة وهم: الأشاعرة والماتريدية، وهم متوافقون إلا في مسائل يسيرة، أرجعها بعضهم إلى الخلاف اللفظي، كما بُيِّن في محله. (قوله: ومعتقد خصومنا) أي من أهل البدع المكفرة وغيرها كالقائلين بقدم العالم أو نفي الصانع أو عدم بعثة الرسل، والقائلين بخلق القرآن وعدم إرادته تعالى الشر ونحو ذلك".[49]
وقال الإمام محمد زاهد الكوثري (ت 1371 هـ): "فالأشعري والماتريدي هما إماما أهل السنة والجماعة في مشارق الأرض ومغاربها، لهم كتب لا تحصى، وغالب ما وقع بين هذين الإمامين من الخلاف من قبيل الخلاف اللفظي، وقد دونت عدة كتب في ذلك، وقد أحسن تلخيصها البياضي في (إشارات المرام في عبارات الإمام) ونقل نصه الزبيدي في (شرح الإحياء)".[50]
وقال الإمام حسن بن أبي عذبة (ت بعد 1172 هـ): "اعلم أن مدار جميع عقائد أهل السنة والجماعة على كلام قطبين: أحدهما: الإمام أبوالحسن الأشعري، والثاني: الإمام أبو منصور الماتريدي. فكل من اتبع واحداً منهما اهتدى وسلم من الزيغ والفساد في عقيدته".[51]
وممن أشاد بفضل الأشاعرة من المعاصرين:[52]
جاء في كتاب (غاية المنى: شرح سفينة النجا) للشيخ محمد بن علي بن محمد باعطية ما نصه: "مذهب أهل السنة والجماعة هو مذهب الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد وهم جمهور أهل العلم والذين على كلامهم المعوّل في أصول الدين وفروعه، فإن كل الشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة على مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري – رضي الله عنه – في الاعتقاد، وكل الأحناف على مذهب الإمام أبي منصور الماتريدي في الاعتقاد أيضاً، وهذان الإمامان هما العمدة في مذهب أهل السنة والجماعة، وخالف مذهب أهل السنة والجماعة في العقديات مذهب المعتزلة ومن نحا نحوهم، ومذهب المجسمة الحشوية، وهما فرقتان أضلهما الله تعالى كما ذكرت، فالفرقة الأولى بالغت في التنزيه فنفت كثيراً من الصفات، والأخرى بالغت في الإثبات حتى شبهت الله بخلقه...".[53]
قال الشيخ حسن أيوب (ت 1429 هـ) في (تبسيط العقائد الإسلامية): "أهل السنة هم أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي ومن سلك طريقهما، وكانوا يسيرون على طريق السلف الصالح في فهم العقائد، وقد جعلوا القرآن الكريم المنهل العذب الذي يلجأون إليه في تعرف عقائدهم فكانوا يفهمون من الآيات القرآنية مسائل العقائد، وما أشبه عليهم منه حاولوا فهمه بما توحيه أساليب اللغة ولا تنكره العقول، فإن تعذر عليهم توقفوا وفوضوا، وقد سمي أتباع أبي الحسن الأشعري بالأشاعرة، وأبي منصور الماتريدي بالماتريدية".[54]
وقال الداعية سعيد حوى (ت 1409 هـ) في (جولات في الفقهين الكبير والأكبر): "إن للمسلمين خلال العصور أئمتهم في الاعتقاد وأئمتهم في الفقه وأئمتهم في التصوف والسلوك إلى الله عز وجل، فأئمتهم في الاعتقاد كأبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي... وهؤلاء وأمثالهم كلٌّ في اختصاصه حيث ثبت النقل عنهم قدَّمَ أصفى فهمٍ للكتاب والسنة، ومن ثم أجمعت الأمة على اعتماد أقوالهم وقبولها في خضم اتجاهات لا تعد ولا تحصى من الاتجاهات الباطلة الزائفة، منها الذي مات ومنها الذي لازال حياً".[55] وقال أيضاً: "وكما وجد في الفقه مؤلفون وكتب، وكما وجد في الفقه أئمة أجمعت الأمة على قبولهم، فكذلك في باب العقائد وجد أئمة أجمعت الأمة على إمامتهم في هذا الشأن كأبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي".[56]
وقال الشيخ أبو الحسن الندوي (ت 1420 هـ) في كتابه (رجال الفكر والدعوة في الإسلام) في فضل الأشاعرة: "خضع لعلمهم ونفوذهم العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه... وبفضلهم انتقلت قيادة العالم الإسلامي الفكرية وتوجيهه من المعتزلة إلى أهل السنة".[57] وقال أيضاً: "وقد سار الأشعري في طريقه مجاهداً مناضلاً منتجاً.... لا يعبأ بما يقال فيه مؤمناً بأنه هو الطريق الذي ينفع الدين في عصره ويرد إلى الشريعة مهابتها وكرامتها ويحرس للناشئة دينها وعقيدتها، حتى استطاع بعمله المتواصل وشخصيته القوية وعقله الكبير وإخلاصه النادر أن يرد سيل الاعتزال والتفلسف الجارف الذي كان يتهدد الدين، ويثبّت كثيراً من الذين تزلزلت أقدامهم واضطربت عقولهم وعقائدهم، وأن يوجد في أهل السنة ثقة جديدة بعقيدتهم".[58]
وقال الشيخ وهبي سليمان غاوجي (ت 1434 هـ) في (أركان الإيمان): "وقد كان أول من كتب في أصول الدين ورد شبهات أهل الزيغ في الاعتقاد الإمام الأعظم أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - بطريقي النقل أو العقل، وتتابع الكاتبون في أصول الدين إلى أن استقرت قواعدها على يدي الإمامين العظيمين أبي منصور الماتريدي وأبي الحسن الأشعري رحمهما الله تعالى".[59]
وقال الشيخ محمد علوي المالكي (ت 1425 هـ) في كتابه (مفاهيم يجب أن تصحح): "الأشاعرة: هم أئمة أعلام الهدى من علماء المسلمين .. الذين ملأ علمهم مشارق الأرض ومغاربها وأطبق الناس على فضلهم وعلمهم ودينهم هم جهابذة علماء أهل السنة وأعلام علمائها الأفاضل الذين وقفوا في طغيان المعتزلة. هم الذين قال عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: [والعلماء أنصار علوم الدين والأشاعرة أنصار أصول الدين] الفتاوى الجزء الرابع. إنهم طوائف المحدثين والفقهاء والمفسرين من الأئمة الأعلام شيخ الإسلام أحمد بن حجر العسقلاني شيخ المحدثين بلا مراء صاحب كتاب فتح الباري على شرح البخاري أشعري المذهب وكتابه لا يستغني عنه أحد من العلماء. وشيخ علماء أهل السنة الإمام النووي صاحب شرح صحيح مسلم وصاحب المصنفات الشهيرة أشعري المذهب وشيخ المفسرين الإمام القرطبي صاحب تفسير الجامع لأحكام القرآن أشعري المذهب. وشيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي صاحب كتاب (الزواجر عن اقتراف الكبائر) أشعري المذهب. وشيخ الفقه والحديث الإمام الحجة الثبت زكريا الأنصاري أشعري المذهب. والإمام أبو بكر الباقلاني والإمام العسقلاني والإمام النسفي والإمام الشربيني، وأبو حيان النحوي صاحب تفسير البحر المحيط، والإمام ابن جزي صاحب (التسهيل في علوم التنزيل) الخ … كل هؤلاء من أئمة الأشاعرة. ولو أردنا أن نعدد هؤلاء الأعلام من المحدثين والمفسرين والفقهاء، من أئمة الأشاعرة لضاق بنا الحال واحتجنا إلى مجلدات في سرد أولئك العلماء الأفاضل الذين ملأ علمهم مشارق الأرض ومغاربها .. إن من الواجب أن نرد الجميل لأصحابه وأن نعرف الفضل لأهل العلم والفضل الذين خدموا شريعة سيد المرسلين من العلماء الأعلام".[60]
وقال الدكتور مجدي باسلوم في مقدمة تحقيقه لتفسير الماتريدي المسمى بـ (تأويلات القرآن أو تأويلات أهل السنة): "...وقد تقدم بيان أن مدار جميع عقائد الملة الإسلامية على قطبين من أقطاب العلوم الشرعية: أحدهما الإمام أبو الحسن الأشعري، والآخر الإمام أبو منصور الماتريدي".[61]
وقال الشيخ عبد المجيد بن طه الدهيبي الزعبي في كتابه (إتحاف الأكابر في سيرة ومناقب الإمام محيي الدين عبد القادر الجيلاني): "... فالسواد الأعظم هم الأشاعرة والماتريدية وخصوصاً الأشاعرة فأغلب أهل السنة منهم من علماء ومحدثين وفقهاء وفاتحين ومجاهدين ومنهم أغلب أئمة التصوف...".[62]
وقال الدكتور عبد القادر محمد الحسين في كتابه (إمام أهل الحق أبو الحسن الأشعري): "...ولا يخفى على أحد ممن طالع العلوم الإسلامية أن شيخ أهل السنة الإمام الجليل أبا الحسن الأشعري رضي الله عنه من أهم الرجال الذين عرفتهم الساحة العلمية والفكرية الإسلامية، ولا تزال له آثار حية في شتى علوم الإسلام. فأصحاب الأشعري لهم قيادة الساحة العلمية والفكرية الإسلامية منذ قرون، وعقيدة الأشعرية هي عقيدة السواد الأعظم من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وما كانت هذه الأمة المعصومة بجملتها لتقبل الخطأ أو لتجتمع عليه. علماء العقيدة والكلام من أهل السنة معظمهم من أتباع الأشعري، والمفسرون كذلك على طريقته.. شراح السنة وعلماء الحديث كذلك، فضلاً عن الأصوليين وعلماء اللغة والنحو، وأما الصالحون وأهل السلوك فحدث ولا حرج...".[63]
وقال الدكتور محمد عبد الفضيل القوصي - وزير الأوقاف المصري السابق وأستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر - في مقدمة كتابه (موقف السلف من المتشابهات بين المثبتين والمؤولين): "...وعلماء المسلمين متفقون على وجوب تنزيه الله تعالى ونفي التشبيه عنه. ومن أحظهم بتلك المنزلة، وأصلبهم في الوقوف على هذا الثغر: أهل السنة.. أهل الحق من الأشاعرة وأصحابهم الماتريدية. يقول شيخ الإسلام تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي: (والأشعرية هم المتوسِّطون في ذلك، وهم الغالبون من الشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة وسائر الناس. وأما المعتزلة فكانت لهم دولة في أوائل المائة الثالثة؛ ساعدهم بعض الخلفاء، ثم انخذلوا وكفى الله شرهم. وهاتان الطائفتان - الأشعرية، والمعتزلة - هما المتقاوِمتان، وهما فحول المتكلمين من أهل الإسلام، والأشعرية أعدلهما؛ لأنها بَنَت أصولها على الكتاب والسنة والعقل الصحيح)".[64]
وقال الأستاذ الدكتور محمد الأنور حامد عيسى - أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر - في مقدمته لكتاب (تبصرة الأدلة في أصول الدين): "ففي القرنين الثالث والرابع من الهجرة النبوية المشرفة، نشأت مدرستان من مدارس علم الكلام الإسلامي، الأولى: في البصرة، وتسمى بالمدرسة الأشعرية نسبة لأبي الحسن الأشعري المتوفى سنة 324 هـ. والثانية: في بلاد ما وراء النهر، وتسمى بالمدرسة الماتريدية نسبة لأبي منصور الماتريدي المتوفى سنة 333 هـ. والمدرستان تنتميان لمذهب أهل السنة والجماعة، بل هما في أصح الأقوال جناحا مذهب أهل السنة والجماعة. ولكل مدرسة رجالها الذين كان جُل همهم نشر الإسلام، والدفاع عن العقيدة الإسلامية بالنقل والعقل".[65]
وقال الشيخ محمد عبد الرحمن الشاغول في مقدمته لكتاب (التمهيد لقواعد التوحيد): "فقد أذن المولى سبحانه بأن أحقق هذا الكتاب المسمى (التمهيد في أصول الدين) ويسمى (التمهيد لقواعد التوحيد) كما في "كشف الظنون" لمؤلفه الإمام أبي المعين النسفي الماتريدي عقيدة الحنفي مذهباً، وأنا وإن كنت أشعري العقيدة شافعي المذهب إلا أن أهل السنة هم الأشعرية والماتريدية، وإن كان هناك اختلاف لا يخل بأصل المعتقد، كالخلاف في مسألة التكوين، ومسألة الموافاة، ومسألة تعليق الإيمان بالمشيئة، وغير ذلك".[66]
مدح كثير من العلماء والصالحين الشيخ أبا الحسن في قصائد نقلها الإمام ابن عساكر في كتابه (تبيين كذب المفتري)، ومن ذلك، قول الإمام القشيري:[67]
شيآن من يعذلني فيهما فهو على التحقيق مني بري
حب أبي بكر إمام الهدى ثم اعتقادي مذهب الأشعري
ولبعضهم في هذا المعنى قوله:[68]
من كان في الحشر له عدة تنفعه في عرصة المحشر
فعدتي حب نبي الهدى ثم اعتقادي مذهب الأشعري
وقال القاضي الإمام أبو الحسن هبة الله بن عبدالله السيبي:[69]
إذا كنت في علم الأصول موافقاً بعقدك قول الأشعري المسدد
وعاملت مولاك الكريم مخالصاً بقول الإمام الشافعي المؤيد
وأتقنت حرف ابن العلاء مجرداً ولم تعد في الإعراب رأي المبرد
فأنت على الحق اليقين موافق شريعة خير المرسلين محمد
أصبح الناس في عمى بين ساه وممتري
جعلوا دينهم هوى والهوى غير مبصر
وتعاموا عن الهدى ليس فيهم بمنكر
شبهوا الله بالورى وهو من جهلهم بري
حرم الرشد من غدا يتعامى ويفتري
فالزم الحق ولا تزغ واعتقد عقد الأشعري
وقال الإمام الشيخ أبو القاسم الجزري الإسكندراني:[71]
خذ ما بد لك أو دع كثرت مقالات البدع
إن النبي المصطفى ديناً حنيفياً شرع
ورضي به لعباده رب تعالى فارتفع
قد كان ديناً واحداً حتى تفرق ما اجتمع
قوم أضلهم الهوى والآخرون لهم تبع
الله أيد شيخنا وبه البرية قد نفع
الأشعري إمامنا شيخ الديانة الورع
بسط المقالة بالهدى وفظيع حجتهم قطع
حتى استضيء بنوره والله يتقن ما صنع
من قال غير مقاله أخطا الطريقة وابتدع
لا ينكرنّ كلامه إلا أخو جهل لكع
أهل العقول تيقّظوا فالفجر في الأفق انصدع
نسبوا إلى رب العلا ما قوله منه منع
زعموا بأن كلامه مثل الكلام المستمع
فبرئت منهم إنهم ركبوا قبيحات الشنع
ونقل الحافظ ابن عساكر عن بعض أهل عصره في وزن هذه الأبيات:[72]
قل للمخالف يا لكع كف اللسان عن البدع
وذر التعصب جانباً واللعن للعلماء دع
فظلام جهلك في ال عقيدة قد تلاشى وانقشع
لما بدى فجر الهدى ممن ينزه وانصدع
وغراس ما أسقيته ماء الخداع قد انقطع
ما أنت حلف زهادة بل أن عبد للطمع
كم تزرع التشبيه في سبخ القلوب فما انزرع
فاهجر دمشق وأهلها واسكن ببصرى أو زرع
فهناك يمكن أن يصدق ما تقول ويستمع
واعلم بأن الأشعري عدو أصحاب البدع
فهو المجيد الذب عن سنن الرسول وما شرع
حبر تقي عالم جمع البرية فارتفع
واختار ما قال الرسو ل من الأصول وما اخترع
لكنه نصب الدليل لمن تسنن واتبع
وأبان أن العقل لا ينفي الصواب المتبع
من آية أو سنة كان الرسول بها صدع
يا حسن من أبدى لنا وجه الدليل وما انتزع
فغدا به شمل الهدى للمسلمين قد اجتمع
وتفرقت فرق الضلا ل وذل مذموم الشيع
وتعطلت ممن يعطل بعد كثرتهم بقع
فلأي حزب منهم قصد الجدال فما قمع
ما أمّه ذو بدعة لجّاجة إلا انقطع
لو لم يصنف عمره غير الإبانة واللمع
لكفى فكيف وقد تفنن في العلوم بما جمع
مجموعة تربي على ال مائتين مما قد صنع
لم يأل في تصنيفها أخذاً بأحسن ما استمع
فهدى بها المسترشدين ومن تصفحها انتفع
تتلى معاني كتبه فوق المنابر في الجمع
ويخاف من إفحامه أهل الكنائس والبيع
فهو الشجا في حلق من ترك المحجة وابتدع
فعليه رحمة ربه ما غاب نجم أو طلع
ولبعض أهل العلم في مديح الإمام الأشعري:[73]
الأشعري ما له شبيه حبر إمام عالم فقيه
مذهبه التوحيد والتنزيه وما عداه النفي والتشبيه
وليس فيما قاله تمويه وصحبه كلهم نبيه
في قولهم على الهدى تنبيه ما فيهم إلا امرؤ وجيه
فمن قلا أصحابه سفيه ومن رأى تضليلهم معتوه
الأشعرية قوم قد وفقوا للسداد
وبينوا للبرايا طرّا طريق الرشاد
ونزهوا الله عما يقول أهل العناد
وقدسوه عن المثــ ــل جلّ والأنداد
ونزهوه عن الزو ج عزّ والأولاد
وهم نفوا عنه ما لا يصح في الاعتقاد
وبينوا للبرايا طرّا طريق الرشاد
وأثبتوا كل وصف يصح بالإسناد
فهم بدور الدياجي وهم هداة العباد
وهم بحار علوم وهم صدور البلاد
وهم كرام السجايا وهم وجوه النوادي
لم يخرجوا عن كتاب أو سنة في اعتقاد
ليسوا أولي تعطيل ولا ذوي إلحاد
وقد أنشد الشيخ أبو زكريا يحيى بن محمد بن يحيى منظومة في الثناء على الإمام الأشعري والدفاع عنه، وأوردها الحافظ ابن عساكر في (تبيين كذب المفتري)، والإمام التاج السبكي في (طبقات الشافعية الكبرى)، وهي كالتالي:[75]
إن اعتقاد الأشعري مثل عقود الجوهري
ما ينكر اعتقاده غير جهول مفتري
كم يدعي تقصيره من جاهل مقصر
ليست له معرفة بمثمنَات الدرر
يريد أن ينَالها جهلا ببذل الكسر
والدر لا يطمع في حصوله لمعسر
فمن بدا إفلاسه فليس ممن يشتري
ومن غدا ذا ثروة حصله بالبدر
ونَال منه ما اشتهى كذاك علم الأشعري
من رام أن ينَاله وهو من الفضل عري
ما اكتحلت أجفانه في درسه بالسهر
ولا لقي مبرزا في حضر أو سفر
ولا سعى في جمعه في أصل أو بكر
ولا اغتدى مسترشدا فيه فحول النظر
ينظر فيما ذكروا بالسبر والتفكر
كمن تمنى سفها نيل السهى والمشتري
أو فاتح قد فاته مفتاح قفل عسر
فلا تطع في ذمه كل عدو أبتر
واعلم يقينَا أنه مما يقولون بري
فهو إمام عالم ما فضله بمنكر
شرف في علومه بفضل طيب العنصر
ذو همة بكرية عزما وعدل عمري
ورأفة نورية حلما وعلما حيدري
ما زاغ في اعتقاده عن آية أو خبر
أو حجة عقلية تصح في المعتبر
والكسب لا ينكره مثل جحود المجبر
منزه لربه عن محدثات الصور
وعن أفول ذاته كالشمس أو كالقمر
وهل يكون صورة للخالق المصور
لأنه ليس بذي جسم ولا بجوهر
ولا يرى صفاته مثل صفات البشر
لأنه جل عن الحدوث والتغير
وليس ينفي صفة له كنفي المنكر
بل يثبت الحياة والقدرة للمقتدر
والعلم لكن لا يرى العلم كعلم نظري
وأنه أراد ما كان من المقدر
ويثبت السمع كما يثبت وصف البصر
ويثبت القول ولا يجحده كالقدري
ولا يرى المسطور في الألواح نقشا الأسطر
ويثبت استواءه كما أتى في السور
ويثبت النزول لا كهابط منحدر
من غير تشبيه كما يثبت أهل الأثر
ولا يعادي أحدا من صحب خير النذر
بل يتوالى/يتولى صحبه والآل خير العتر
ويعرف الفضل لهم كما أتى في السير
ولا يرى المسلم في بدعته بمكفر
فهل ترى في عقده من بدعة أو من فري
فكن به مستمسكا فإنه العقد السري
وحزبه زين الورى أكرم بهم من معشر
كم بحر علم زاخر وبدر تم مقمر
منهم ومن مقدم قد حاز كل مفخر
ونَال حسن منظر حقا وطيب مخبر
لا يمتري في فضلهم إلا حسود ممتري
هم دراري أنجم وهم لآلي أبحر
بحبهم ينجو الذي يحبهم في المحشر
فرحمة الله على أمواتهم في الحفر
وأيد الْبَاقِين في الورد وحين الصدر
وقد صنف الشيخ أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي رسالة سماها "زجر المفتري على أبي الحسن الأشعري" رد فيها على بعض المبتدعة الذين هجوا الإمام الأشعري ولما وقف عليها شيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العيد قرّظها. قال الإمام تاج الدين السبكي في كتابه طبقات الشافعية الكبرى: "وهذه الرسالة صنفها الشيخ الإمام العلامة ضياء الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عمر بن يوسف بن عمر بن عبد المنعم القرطبي، وقد وقع في عصره من بعض المبتدعة هجو في أبي الحسن فألفها، ردا على الهاجي المذكور، وبعث بها إلى شيخ الإسلام تقي الدين أبي الفتح ابن دقيق العيد، إمام أهل السنة، وقد كانت بينهما صداقة، ليقف عليها، فوقف عليها وقرظها بما سنحكيه بعد الانتهاء منها. وهي:[76]
أسير الهوى ضلت خطاك عن القصد فها أنت لا تهدى لخير ولا تهدي
سللت حساما من لسانك كاذبا على عالم الإسلام والعلم الفرد
تمرست في أعراض بيت مقدس رمى الله منك الثغر بالحجر الصلد
ضلالك والغي اللذان تألفا هما أورداك الفحش من مورد عد
هما أسخنا عين الديانة والهدى بما نثرا من ذم واسطة العقد
هما أضرما نارا بهجوك سيدا ستصلى بها نارا مسعرة الوقد
وما أنت والأنساب تقطع وصلها وما أنت فيها من سعيد ولا سعد
خطوت إلى عرض كريم مطهر أرى الله ذاك الخطو جامعة القد
أيا جاهلا لم يدر جهلا بجهله أتعلو ثغور القاع في قنن المجد
لقد طفئت نار الهوى من علومكم إلى لتقدح نار هديك من زندي
أصخ لصريخ الحق فالحق واضح فلم لا تصخ أصميت سمعا عن الرعد
وطهر عن الإضلال ثوبك إنه لأدنس مما مسه وضر الزند
فيا قعديا عن معالي أولي النهى ويا قائما بالجهل ضدان في ضد
أفق من ضلال ظلت توضع نحوه وتسرع إسراع المطهمة الجرد
وصح رويدا إن دون إمامنا سيوف علوم سلها الله من غمد
لأيدي شيوخ حنكتهم يد الهدى وأيدي كهول في غطارفة مرد
يصولون بالعلم المؤيد بالتقى وقد لبسوا درع الهدى محكم السرد
إذا برزوا يوم الجدال تخالهم أسود شرى لا بل أجل من الأسد
وإن نطقوا مدت يد الله سرهم بما سرهم في الدين يالك من مد
هم أوردونا أبحرا من علومهم مفجرة من غير جزر ولا مد
هم القوم فاحطط رحل دينك عندهم لتنشد دين الله في موطن النشد
يجيئون إن جاءوا بآيات ربهم وتأتيهم إن جئت بالآي عن مرد
لشتان ما بين الفريقين في الهدى كشتان ما بين اليزيدين في الرفد
ضللتم عن التقوى وظلل هديها علينا بفيء وارف الظل والبرد
فنحن بها في روضة من هداية مفتحة الأزهار فائحة الورد
تميس بها أعطافنا ثنى حلة خلوقية الأردان سابغة البرد
نشاهده حسنا ونجنيه طيبا ونشرب كأس الفضل من غير ما جهد
وراءك عن هذا المحل فإنه محل جلال لست منه على حد
ودونك فالبس برد جهلك مائسا بعطفيك في الإغواء يا عابد البد
فإن كنت بالتجسيم دنت فعندنا أسنة علم في مثقفة صلد
زعمت بأن الله شيء مجسم تبين رويدا ما أمامة من هند
فإن كان مسلوب انتهاء جعلته بقاذورة الأجساد والميت واللحد
وفي الكلب والخنزير والوزغ والهبا وفي مثل هذا النوع يا واجب القد
وفى البق والبرغوث والذر والذي أجل وأدنى منه في القد والعد
وفي حشرات الأرض والترب والحصى ضلالة ما رواكه شيخك النجدي
وفي سائر الموجود يا أخبث الورى مقالا تعالى الله يا ناقض العهد
وإن كان لا سلب انتهاء جعلته أقل من المخلوق في زعمك المردي
وقلت إله العرش في العرش كونه وأني لمحدود بمن جل عن حد
فحددته من حيث أنكرت حده ويلزمك التخصيص في العمق والقد
ويلزم أن الله مخلوق خالق لقد جئت في الإسلام بالمعضل الأد
وقلت لذات الله وصف تنقل وحالة قرب عاقبت حالة البعد
وخيلت ذات الله في أعين الورى لمحسوسة الأجسام أخطأت عن عمد
وحددت تكييفا وكيفت جاهلا أقست على حاليك في العكس والطرد
وأنكرت تشبيها وشبهت لازما وأثبت ضد العقل في منتفى الضد
حللت عرى الإسلام من عقدك الذي تدين فجاء الحل من قبل العقد
وزيفت في نقد اعتقادك فاغتدى وقد جاء زيف الدين من قبل النقد
سللت حسام الغي في غمدك الهدى فسلك من دين الهداية بالغمد
بنيت ضلالا إذ هددت شريعة فأسست بنيان الضلالة بالهد
مددت لسانا للإمام فقصرت يد الرشد فالتقصير من جانب المد
كذا عن طريق الدين يا أخفش الهدى وصرح بما تخفي عن الدين من ضد
فقد وضحت آثار غيك في الورى كما وضحت فى سوءة خصيتا قرد
بتبيين هذا الحبر من نور علمه دجى عقلك الهاوي وأقوالك الربد
فرد معانيك الخبيثة علمه وغادرها في الجهل صاغرة الخد
وسل حساما من بيان فهومه فرد سيوف الغي مفلولة الحد
وأبدى علوما ميزت فضل فضله كتمييز ذي البردين والفرس الورد
فجاءت مجيء الصبح والصبح واضح وسارت مسير الشمس والشمس في السعد
وفاضت ففاضت أنفس من عداته وغاضت وما غاضت على كثرة الورد
وآضت رياض العلم مطلولة الثرى بسح غمام الفضل منسكب العهد
وجادت بنشر الدين في عالم الهدى فجاءت بنشر لا العرار ولا الرند
من الحكم اللاتي تضوع عرفها فعد عن الورد المضاعف والند
سللن سيوف الحق في موطن الهدى فغادرن صرعى الملحدين بلا لحد
وأيدن دين الله في أفق العلا بلا منصل عضب ولا فرس نهد
وشيدن أعلام الحقائق فى الورى فلله منها من تجن وما تبدي
ومجدن ذات الله تمجيد عالم بما يستحق الله من صفة المجد
وكذبن دعوى كل غاو مجسم بما رد من قول له واجب الرد
وأمضين حكم النقل والعقل فاحتوى كلام إمام الحق مجدا على مجد
معان إذا جاشت ميادين فضلها أخذن بأعناق الأنام إلى الرشد
وإن كنت عدليا يحكم عقله برد مراد الله عن بعض ما قصد
وإمضاء ما يختاره العبد من هوى فحكم إله العبد دون هوى العبد
وتجحد تشفيع الرسول وأنه يرى الله يوم الحشر أف لذي الجحد
وتنفى صفات الله جل جلاله وتزعم أن الآي محدثة العهد
وتلزم إيجابا على الله فعله لأصلح ما يرضى وأفضل ما يجدي
فجانب هاتين الطريقين علمه كما جانب القيسي فى النسب الأزدي
وقال بإثبات الصفات وذاتها وسلب صفات النفس عن صمد فرد
فمن موجب يوما على الله حكمه ومن ذا الذي يحتج إن هو لم يهد
ومن ذا الذي يقضي بغير قضائه ومن ذا الذي عن قهر عزته يحدي
وهل حاكم في الخير والشر غيره إذا شاء أمرا لم ترده يدا رد
هو الله لا أين ولا كيف عنده ولا حد يحويه ولا حصر ذي حد
ولا القرب فى الأدنى ولا البعد والنوى يخالف حالا منه في القرب والبعد
فمن قبل قبل القبل كان وبعده يكون بلا حصر لقبل ولا بعد
تنزه عن إثبات جسم وسلبه صفات كمال فاقف رسمي أو حدي
تبارك ما يقضيه يمضي وما يشا يكون بلا بدء عليه ولا بد
تقدس موصوفا وعز منزها وجل عن الأغيار منسلب الفقد
هو الواجب الأوصاف والذات فاطرح سواها من الأقوال فهي التي تردي
هو الحق لا شيء سواه فمن يزغ ضلالا فإنا لا نزيغ عن القصد
هو الفاعل المختار ليس بموجب لشيء من المخلوق في أنفس الفرد
وليس إله الخلق علة خلقه ولكن فعل الله علية الوجد
ولا نسبة بين العباد وبينه وهل علة إلا مناسبة تجدي
هو الواصل النعاب لطفا بضعفه على فقده من أمه صلة الوجد
هو الخالق الأشباح في ظلم الحشا هو الكافل الطفل الرضيع لدى المهد
أدر له من جلدتين لبانه ولولاه لم يسق اللبان من الجلد
فهذى فصول من أصول كثيرة على قصر النظم المقصر عن قصدي
وإلا ففي أبحاثه وعلومه غوامض أسرار تلوح لذي الرشد
أيجحد فضل الأشعري موحد وما زال يهدي من معانيه ما يهدي
من الكلم اللاتي قصمن بحدها عرى باطل الإلحاد كالصارم الهندي
فيا جاحدا هذا الإمام محله من العلم والإيمان والعمل المجدي
هي الشمس لا تخفى على عين مسلم سوى مقلة عمياء أو أعين رمد
فوالله لولا الأشعري لقادنا ضلالكم الهادي إلى أسوأ القصد
جزى الله ذاك الحبر عنا بفضله جزاء يرقيه ذرى درج الخلد
وحمدا لربي فهو مهديه للورى ولله أولى بالجميل وبالحمد
أين حطت مطايا هذا الجاهل الغبي، والمبطل الغوي، والملحد البدعي:
أنخ لي إلى مغناه يا بارق الهدى فقد وقدت بين الحشا نار هجرة
وصلني بتعريف محل قراره لأوصله مني إدامة هجره
وأصليه من فكري بذاكي ذكائه أقلبه منه على حر جمره
وأهديه من داجي الضلال بنير ينير له عندي السرى وجه فجره[77]
قال الحافظ ابن عساكر (ت 571 هـ) في كتابه (تبيين كذب المفتري) نقلاً عن الإمام أبي القاسم القشيري: "...ولسنا نُسَلِّم أن أبا الحسن اخترع مذهباً خامساً، وإنما أقام من مذاهب أهل السنة ما صار عند المبتدعة دارساً، وأوضح من أقوال من تقدمه من الأربعة وغيرهم ما غدا ملتبساً، وجدد من معالم الشريعة ما أصبح بتكذيب من اعتدى منطمساً، ولسنا ننتسب بمذهبنا في التوحيد إليه على معنى أنا نقلده فيه ونعتمد عليه، ولكنا نوافقه على ما صار إليه من التوحيد لقيام الأدلة على صحته لا لمجرد التقليد، وإنما ينتسب منا من انتسب إلى مذهبه ليتميز عن المبتدعة الذين لا يقولون به من أصناف المعتزلة والجهمية والكرامية والمشبهة والسالمية، وغيرهم من سائر طوائف المبتدعة وأصحاب المقالات الفاسدة المخترعة، لأن الأشعري هو الذي انتدب للرد عليهم حتى قمعهم وأظهر لمن لا يعرف البدع بدعهم، ولسنا نرى الأئمة الأربعة الذين عنيتم في أصول الدين مختلفين، بل نراهم في القول بتوحيد الله وتنزيهه في ذاته مؤتلفين، وعلى نفي التشبيه عن القديم سبحانه وتعالى مجتمعين، والأشعري – رحمه الله – في الأصول على منهاجهم أجمعين، فما على من انتسب إليه على هذا الوجه جناح، ولا يرجى لمن تبرأ من عقيدته الصحيحة فلاح، فإن عددتم القول بالتنزيه وترك التشبيه تمشعراً فالموحدون بأسرهم أشعرية، ولا يضر عصابة انتمت إلى موحد مجردُ التشنيع عليها بما هي منه بَرِيِّة،[78] وهذا كقول إمامنا الشافعي المطلبي ابن عم المصطفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيما أخبرنا به الشيخ أبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن أحمد الواسطي ببغداد بسنده إلى الربيع بن سليمان قال: أنشدنا الشافعي رحمه الله:
يا راكبا قف بالمحصب من مِنى واهتف بساكن خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى مِنى فيضا كملتطم الفرات الفائضِ
إن كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
وأنشدت لبعضهم في المعنى المتقدم:
إن اعتقاد الأشعري مسدد لا يمتري في الحق إلا ممتري
وبه يقول العالمون بأسرهم من بين ذي قلم وصاحب منبر
والمدّعون عليه غير مقاله ما فيهم إلا جهول مفتري
فذر التعامي واعتصم بمقاله واعلم يقينا أنه القول السري
وارفض ملامة من نهاك بجهله عما يراه لأنه لم يشعر
وإذا لحاك العاذلون فقل لهم قول امرئٍ في دينه مستبصر
إن كان من ينفي النقائص كلها عن ربه ترمونه بتمشعر
وترونه ذا بدعة في عقله فليشهد الثقلان أني أشعري
قال الإمام تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: "سمعت الشيخ الإمام رحمه الله - يعني والده شيخ الإسلام تقي الدين السبكي - يقول: ما تضمنته (عقيدة الطحاوي)، هو ما يعتقده الأشعري، لا يخالفه إلا في ثلاث مسائل. قلت: أنا أعلم أن المالكية كلهم أشاعرة، لا أستثني أحدا، والشافعية غالبهم أشاعرة، لا أستثني إلا من لحق منهم بتجسيم أو اعتزال، ممن لا يعبأ الله به، والحنفية أكثرهم أشاعرة، أعني يعتقدون عقد الأشعري، لا يخرج منهم إلا من لحق منهم بالمعتزلة، والحنابلة أكثر فضلاء متقدميهم أشاعرة، لم يخرج منهم عن عقيدة الأشعري، إلا من لحق بأهل التجسيم، وهم في هذه من الحنابلة أكثر من غيرهم. وقد تأملت عقيدة أبي جعفر الطحاوي، فوجدت الأمر على ما قال الشيخ الإمام، و(عقيدة الطحاوي) زعم أنها الذي عليه أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، ولقد جود فيها، ثم تفحصت كتب الحنفية، فوجدت جميع المسائل التي بيننا وبين الحنفية خلاف فيها ثلاث عشرة مسألة، منها معنوي ست مسائل، والباقي لفظي، وتلك الست المعنوية لا تقتضي مخالفتهم لنا، ولا مخالفتنا لهم فيها تكفيرا ولا تبديعا. صرح بذلك: الأستاذ أبو منصور البغدادي، وغيره من أئمتنا وأئمتهم، وهو غني عن التصريح لظهوره. ومن كلام الحافظ: الأصحاب مع اختلافهم في بعض المسائل كلهم أجمعون على ترك تكفير بعضهم بعضا، مجمعون بخلاف من عداهم من سائر الطوائف، وجميع الفرق، فإنهم حين اختلفت بهم مستشنعات الأهواء والطرق كفر بعضهم بعضا، ورأى تبريه ممن خالفه فرضا. قلت: وهذا حق، وما مثل هذه المسائل إلا مثل مسائل كثيرة اختلفت الأشاعرة فيها، وكلهم عن حمى أبي الحسن يناضلون، وبسيفه يقاتلون، افتراهم يبدع بعضهم بعضا، ثم هذه المسائل لم يثبت جميعها عن الشيخ، ولا عن أبي حنيفة رضي الله عنهما، كما سأحكي لك، ولكن الكلام بتقدير الصحة. ولي قصيدة نونية، جمعت فيها هذه المسائل، وضممت إليها مسائل، اختلفت الأشاعرة فيها، مع تصويب بعضهم بعضا في أصل العقيدة، ودعواهم أنهم أجمعين على السنة، وقد ولع كثير من الناس بحفظ هذه القصيدة، لا سيما الحنفية، وشرحها من أصحابي الشيخ الإمام العلامة نور الدين بن أبي الطيب الشيرازي الشافعي، وهو رجل مقيم في بلاد كيلان، ورد علينا دمشق في سنة سبع وخمسين وسبع مائة، وأقام يلازم حلقتي نحو عام ونصف عام، ولم أر فيمن جاء من العجم في هذا الزمان أفضل منه ولا أدين. وأنا أذكر لك قصيدتى في هذا المكان لتستفيد منها مسائل الخلاف وما اشتملت عليه:[79][80]
الورد خدك صيغ من إنسان أم في الخدود شقائق النعمان
والسيف لحظك سل من أجفانه فسطا كمثل مهند وسنان
تالله ما خلقت لحاظك باطلا وسدى تعالى الله عن بطلان
وكذاك عقلك لم يركب يا أخي عبثا ويودع داخل الجثمان
لكن ليسعد أو ليشقى مؤمن أو كافر فبنو الورى صنفان
لو شاء ربك لاهتدى كل ولم يحتج إلى حد ولا برهان
فانظر بعقلك واجتهد فالخير ما تؤتاه عقل راجح الميزان
واطلب نجاتك إن نفسك والهوى بحران في الدركات يلتقيان
نار يراها ذو الجهالة جنة ويخوض منها فى حميم آن
ويظل فيها مثل صاحب بدعة يتخيل الجنات في النيران
كذب ابن فاعلة يقول لجهله الله جسم ليس كالجسمان
لو كان جسما كان كالأجسام يا مجنون فاصغ وعد عن بهتان
واتبع صراط المصطفى في كل ما يأتي وخل وساوس الشيطان
واعلم بأن الحق ما كانت عليه صحابة المبعوث من عدنان
من أكمل الدين القويم وبين الحجج التى يهدي بها الثقلان
قد نزهوا الرحمن عن شبه وقد دانوا بما قد جاء فى الفرقان
ومضوا على خير وما عقدوا مجالس في صفات الخالق الديان
كلا ولا ابتدعوا ولا قالوا البنا متشابه في شكله للباني
وأتت على أعقابهم علماؤنا غرسوا ثمارا يجتنيها الجاني
كالشافعي ومالك وكأحمد وأبي حنيفة والرضا سفيان
وكمثل إسحاق وداود ومن يقفو طرائقهم من الأعيان
وأتى أبو الحسن الإمام الأشعري مبينا للحق أي بيان
ومناضلا عما عليه أولئك الأسلاف بالتحرير والإتقان
ما إن يخالف مالكا والشافعي وأحمد بن محمد الشيباني
لكن يوافق قولهم ويزيده حسنا بتحقيق وفضل بيان
يقفو طرائقهم ويتبع حارثا أعني محاسب نفسه بوزان
فلقد تلقى حسن منهجه عن الأشياخ أهل الدين والعرفان
فلذاك تلقاه لأهل الله ينصر قولهم بمهند وسنان
مثل ابن أدهم والفضيل وهكذا معروف المعروف فى الإخوان
ذو النون أيضا والسري وبشر بن الحارث الحافي بلا فقدان
وكذلك الطائي ثم شقيق البلخي وطيفور كذا الداراني
والتستري وحاتم وأبو تراب عسكر فاعدد بغير توان
وكذاك منصور بن عمار كذا يحيى سليل معاذ الرباني
فله بهم حسن اعتقاد مثل ما لهم به التأييد يوم رهان
إذ يجمع الخصمان يوم جدالهم ولما تحقق يسمع الخصمان
لم لا يتابع هؤلاء وشيخه الشيخ الجنيد السيد الصمداني
عنه التصوف قد تلقى فاغتذى وله به وبعلمه نوران
ورأى أبا عثمان الحيري والنوري يا لهما هما الرجلان
ورأى رويما ثم رام طريقه وأبا الفوارس شاها الكرماني
والمغربي كذا ابن مسروق كذا البسري قوم أفرس الفرسان
وأظنه لم يلتق الخراز بل قيل التقى سمنون فى سمنان
وكذاك للجلاء لم ينظر ولا ابن عطا ولا الخواص ثم بنان
وكذلك حمشاذ مع الدقي مع خير وهذا غالب الحسبان
وكذاك أصحاب الطريقة بعده ضبطوا عقائده بكل عنان
وتتلمذ الشبلي بين يديه وابن خفيف والثقفي والكتاني
وخلائق كثروا فلا أحصيهم وربوا على الياقوت والمرجان
الكل معتقدون أن إلهنا متوحد فرد قديم دان
حي عليم قادر متكلم عال ولا نعني علو مكان
باق له سمع وإبصار يريد جميع ما يجري من الإنسان
والشر من تقديره لكنه عنه نهاك بواضح البرهان
قد أنزل القرآن وهو كلامه لفظت به للقارئ الشفتان
وإلهنا لا شيء يشبهه وليس بمشبه شيئا من الحدثان
قد كان ما معه قديما قط من شيء ولم يبرح بلا أعوان
خلق الجهات مع الزمان مع المكان الكل مخلوق على الإمكان
ما إن تحل به الحوادث لا ولا كلا وليس يحل في الجسمان
كذب المجسم والحلولي الكفور فذان في البطلان مفتريان
والاتحادي الجهول ومن يقل بالاتحاد فإنه نصراني
ونبينا خير الخلائق أحمد ذو الجاه عند الله ذي السلطان
وله الشفاعة والوسيلة والفضيلة واللواء وكوثر الظمآن
فاسأل إلهك بالنبي محمد متوسلا تظفر بكل أمان
لا خلق أفضل منه لا بشر ولا ملك ولا كون من الأكوان
ما العرش ما الكرسي ما هذي السما عند النبي - المصطفى العدنان
والرسل بعد محمد درجاتهم ثم الملائك عابدو الرحمن
ثم الصحابة مثل ما قد رتبوا فالأفضل الصديق ذو العرفان
ثم العزيز السيد الفاروق ثم اذكر محاسن ذي التقى عثمان
وعلي ابن العم والباقون أهل الفضل والمعروف والإحسان
والأولياء لهم كرامات فلا تنكر تقع في مهمه الخذلان
والمؤمنون يرون ربهم كرؤيتهم لبدر لاح نحو عيان
هذا اعتقاد مشايخ الإسلام وهو الدين فلتسمع له الأذنان
الأشعري عليه ينصره ولا يألوا جزاه الله بالإحسان
وكذاك حالته مع النعمان لم ينقض عليه عقائد الإيمان
يا صاح إن عقيدة النعمان والأشعري حقيقة الإتقان
فكلاهما والله صاحب سنة بهدى نبي الله مقتديان
لاذا يبدع ذا ولا هذا وإن تحسب سواه وهمت في الحسبان
من قال إن أبا حنيفة مبدع رأيا فذلك قائل الهذيان
أو ظن أن الأشعري مبدع فلقد أساء وباء بالخسران
كل إمام مقتد ذو سنة كالسيف مسلولا على الشيطان
والخلف بينهما قليل أمره سهل بلا بدع ولا كفران
فيما يقل من المسائل عده ويهون عند تطاعن الأقران
ولقد يؤول خلافها إما إلى لفظ كالاستثناء في الإيمان
وكذا الرسالة بعد موت إن تكن صحت وإلا أجمع الشيخان
وقد ادعى ابن هوازن أستاذنا فيها افتراء من عدو شان
وهو الخبير الثبت نقلا والإرادة ليس يلزمها رضا الرحمن
فالكفر لا يرضى به لعباده ويريده أمران مفترقان
وأبو حنيفة قائل إن الإرادة والرضا أمران متحدان
وعليه أكثرنا ولكن لا يصح وقيل مكذوب على النعمان
وكذاك إيمان المقلد وهو مما أنكر ابن هوازن الرباني
ولو أنه مما يصح فخلفهم فيه للفظ عاد دون معان
وكذاك كسب الأشعري وإنه صعب ولكن قام بالبرهان
من لم يقل بالكسب مال إلى اعتزال أو مقال الجبر ذي الطغيان
أو للمعاني وهو ست مسائل هانت مداركها بدون هوان
لله تعذيب المطيع ولو جرى ما كان من ظلم ولا عدوان
متصرف فِي ملكه فله الذي يختار لكن جاد بالإحسان
فنفى العقاب وقال سوف أثيبهم فله بذاك عليهم فضلان
هذا مقال الأشعري إمامنا وسواه مأثور عن النعمان
ووجوب معرفة الإله الأشعري يقول ذاك بشرعة الديان
والعقل ليس بحاكم لكن له الإدراك لا حكم على الحيوان
وقضوا بأن العقل يوجبها كتب الفروع لصحبنا وجهان
وبأن أوصاف الفعال قديمة ليست بحادثة على الحدثان
وبأن مكتوب المصاحف منزل عين الكلام المنزل القرآن
والبعض أنكر ذا فإن يصدق فقد ذهبت من التعداد مسألتان
هذي ومسألة الإرادة قبلها أمران فيما قيل مكذوبان
وكما انتفى هذان عنهم هكذا عنا انتفى مما يقال اثنان
قالوا وليس بجائز تكليف ما لا يستطاع فتى من الفتيان
وعليه من أصحابنا شيخ العراق وحجة الإسلام ذو الإتقان
ورواه مجتهد الزمان محمد بن دقيق عيد واضح السبلان
قالوا وتمتنع الصغائر من نبي للإله وعندنا قولان
والمنع مروي عن الأستاذ والقاضي عياض وهو ذو رجحان
وبه أقول وكان مذهب والدي دفعا لرتبتهم عن النقصان
والأشعري إمامنا لكننا في ذا نخالفه بكل لسان
ونقول نحن على طريقته ولكن صحبه في ذاك طائفتان
بل قال بعض الأشعرية إنهم برآء معصومون من نسيان
والكل معدودون من أتباعه لا يخرجون بذا عن الإذعان
وأبو حنيفة هكذا مع شيخنا لا شيء بينهما من النكران
متناصران وذا اختلاف هين عار عن التبديع والخذلان
هذا الإمام وقبله القاضي يقولان البقا لحقيقة الرحمن
وهما كبيرا الأشعرية وهو قال بزائد في الذات للإمكان
والشيخ والأستاذ متفقان في عقد وفي أشياء مختلفان
وكذا ابن فورك الشهيد وحجة الإسلام خصما الإفك والبهتان
وابن الخطيب وقوله إن الوجود وهو الأشعري الثاني
والاختلاف في الاسم هل هو والمسمى واحد لا اثنان أو غيران
والأشعرية بينهم خلف إذا عدت مسائله على الإنسان
بلغت مئين وكلهم ذو سنة أخذت عن المبعوث من عدنان
وغدا ينادى كلنا من جملة الأتباع للأسلاف بالإحسان
والأشعري إمامنا والسنة الغراء سنتنا مدى الأزمان
وكذاك أهل الرأي مع أهل الحديث في الاعتقاد الحق متفقان
ما إن يكفر بعضهم بعضا ولا أزرى عليه وسامه بهوان
إلا الذين تمعزلوا منهم فهم فيه تنحت عنهم الفئتان
هذا الصواب فلا تظنن غيره واعقد عليه بخنصر وبنان
ورأيت ممن قاله حبر له نبأ عظيم سار في البلدان
أعني أبا منصور الأستاذ عبد القاهر المشهور في الأكوان
هذا صراط الله فاتبعه تجد في القلب برد حلاوة الإيمان
وتراه يوم الحشر أبيض واضحا يهدي إليك رسائل الغفران
وعليه كان السابقون عليهم حلل الثناء وملبس الرضوان
والشافعي ومالك وأبو حنيفة وابن حنبل الكبير الشان
درجوا عليه وخلفونا إثرهم إن نتبعهم نجتمع بجنان
أو نبتدع فلسوف نصلى النار مذمومين مدحورين بالعصيان
والكفر منفي فلست مكفرا ذا بدعة شنعاء في النيران
بل كل أهل القبلة الإيمان يجمعهم ويفترقون كالوحدان
فأجارنا الرحمن بالهادي النبي محمد من ناره بأمان
ما وضح الضحى وبدا بديجور الدجى النسران
والآل والصحب الكرام ومنهم الصديق والفاروق مع عثمان
وعلي ابن العم والباقون إنهم النجوم لمقتد حيران[81]
وقال الشيخ عبد الله الهرري (ت 1429 هـ) في كتابه (المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية):[82]
والبيهقي أشعري المعتقد وابن عساكر الإمام المعتمد
قد كان أفضل المحدثينا في عصره بالشام أجمعينا
كذلك الغازي صلاح الدين من كسر الكفار أهل المَيْن
جمهور هذه الأمة الأشاعرة حججهم قوية وسافرة
أئمة أكابر أخيار لم يُحصِهم بعددٍ دَيّار
قولوا لم يذم الأشعرية نِحلَتكُم باطلة رديّة
والماتريدية معهم في الأصول وإنما الخلاف في بعض الفصول
فهؤلاء الفرقة الناجية عمدتهم السنة الماضية
قد جمعوا الإثبات والتنزيها ونفوا التعطيل والتشبيها
فالأشعري ماتريدي وقل الماتريدي أشعري لا تبل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق