الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد رسول الله ... أما بعد:
هذه بعض مقالات ابن تيمية الفاسدة التي تخالف ما عليه أهل السنة والجماعة
قول ابن تيمية بحوادث لا أول لها لم تزل مع الله
أي لم يتقدم الله جنسَ الحوادث، وإنما تقدم أفراده المعينة أي أنّ كل فردٍ من أفراد الحوادث بعينه حادث مخلوق، وأما جنس الحوادث فهو أزلي كما أن الله أزليّ، أي لم يسبقه اللهُ تعالى بالوجود (معنى كلام ابن تيمية أن الإنسان بعينه حادث مخلوق أما جنسه وهو الإنسانية فأزليّ والعياذ بالله).
وهذه المسئلة من أبشع المسائل الاعتقادية التي خرج بها عن صحيح العقل وصريح النقل وإجماع المسلمين، ذكر هذه العقيدة في سبعة من كتبه: موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، ومنهاج السنّة النبوية، وكتاب شرح حديث النزول، وكتاب شرح حديث عمران بن حصين، وكتاب نقد مراتب الإجماع، ومجموعة تفسير من ست سور، وكتابه الفتاوى، وكلّ هذه الكتب مطبوعة.
أما عبارته في الموافقة (2/75) فهي ما نصه :"وأما أكثرُ أهل الحديث ومن وافقهم فإنهم لا يجعلون النوع حادثًا بل قديمًا، ويفرّقون بين حدوث النوع وحدوث الفرد من أفراده كما يفرّق جمهور العقلاء بين دوام النوع ودوام الواحد من أعيانه" انتهى. وقال في موضع ءاخر في ردّ قاعدة ما لا يخلو من الحادث حادث لأنه لو لم يكن كذلك لكان الحادث أزليًّا بعدما نقل عن الأبهريّ أنه قال: قلنا لا نسلم وإنما يلزم ذلك لو كان شىء من الحركات بعينها لازمًا للجسم، وليس كذلك بل قبل كل حركة حركة لا إلى أول، ما نصه (1/245) :"قلت هذا من نمط الذي قبله فإن الأزليّ اللازم هو نوع الحادث لا عين الحادث، قوله لو كانت حادثة في الأزل لكان الحادث اليومي موقوفًا على انقضاء ما لا نهاية له، قلنا: لا نسلم بل يكون الحادث اليومي مسبوقًا بحوادث لا أول لها" انتهى.
ويقول فيها أيضًا ما نصه (1/64) :"فمن أين في القرءان ما يدلّ دلالة ظاهرة على أن كل متحرك محدَث أو ممكن، وأن الحركة لا تقوم إلا بحادث أو ممكن، وأن ما قامت به الحوادث لم يخل منها، وأن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث، وأين في القرءان امتناع حوادث لا أول لها" انتهى.
فهذا من عجائب ابن تيمية الدالة على سخافة عقله قوله بقدم العالم القدم النوعيّ مع حدوث كلّ فرد معين من أفراد العالم. قال الكوثريّ الفقيه الحنفيّ في تعليقه على السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل صحيفة 74 ما نصه :"وأين قدم النوع مع حدوث أفراده؟ وهذا لا يصدر إلا ممن به مسّ، بخلاف المستقبل، وقال أبو يعلى الحنبلي في "المعتمد": والحوادث لها أول ابتدأت منه خلافًا للملحدة" انتهى. وهو من أئمة الناظم (يعني ابن القيم) فيكون هو وشيخه من الملاحدة على رأي أبي يعلى هذا فيكونان أسوأ حالاً منه في الزيغ، ونسأل الله السلامة" انتهى.
قول ابن تيمية بقيام الحوادث في ذات الله تعالى
أما قول ابن تيمية بقيام الحوادث بذات الله تعالى فقد ذكره في كتابه الموافقة فقال ما نصه (1/64) :"فمن أينَ في القرءان ما يدل دلالة ظاهرة على أن كل متحرك محدَث أو ممكن، وأن الحركة لا تقوم إلا بحادث أو ممكن، وأن ما قامت به الحوادث لم يخل منها، وأن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث" انتهى.
وقال في موضع ءاخر ما نصه (1/142) :"أما الشرع فليس فيه ذكر هذه الأسماء في حق الله لا بنفي ولا إثبات، ولم ينطق أحد من سلف الأمّة وأئمتها في حق الله تعالى بذلك لا نفيًا ولا إثباتًا، بل قول القائل: إن الله جسم أو ليس بجسم، أو جوهر أو ليس بجوهر، أو متحيز أو ليس بمتحيز، أو في جهة أو ليس في جهة، أو تقوم به الأعراض والحوادث أو لا تقوم به ونحو ذلك كل هذه الأقوال محدَثة بين أهل الكلام المحدَث لم يتكلم السلف والأئمة فيها لا بإطلاق النفي ولا بإطلاق الإثبات". انتهى.
ومعنى قوله "قيام الحوادث بذات الله" فهو أنه يعتقد أن الله تعالى تقوم به الحركة والسكون أي أنه متصف بالحركة والسكون الحادثَين وشبه ذلك مما يقوم بذوات المخلوقين، ومن هنا يتضح قول الحافظ تقي الدين السبكي وغيره كما قدمنا أنه ـ أي ابن تيمية ـ جعل الحادث قديمًا والقديم حادثًا، ولم يوافق في قوله هذا أحدًا من أئمة الحديث إلا المجسمة.
ومن العجب افتراء ابن تيمية هذا معرضًا عن حجة إبراهيم المذكورة في القرءان من احتجاجه بقيام الحوادث بالقمر والكوكب والشمس على عدم ألوهيتهم، وبقيام دلائل الحدوث بهم وهو التحول من حال إلى حال.
وقد اتبع ابن تيمية في عقيدته هذه الكرامية شبرًا بشبر، وقد ذكر ابن التلمسانيّ شيئًا من معتقداتهم الفاسدة التي تبناها ابن تيمية، فقال الشيخ شرف الدين بن التلمساني في شرح لمع الأدلة للجويني (ص 80-81) ما نصه :"وخالف إجماع الأمة طائفة نبغوا من سِجستان لقّبوا بالكرامية نسبة إلى محمد بن كرَّام، وزعموا أن الحوادث تطرأ يعني تتجدد على ذات الله، تعالى عن قولهم، وهذا المذهب نظير مذهب المجوس.
ووجه مضاهاته لمذهب المجوس أن طائفة منهم تقول بقدم النور وحدوث الظلمة، وأن سبب حدوثها أن يَزْدَان فَكَّر فكرة فحدَثَ منها شخص من أشخاص الظلمة فأبعده وأقصاه وهو هُرمز، وجميع الشرّ ينسب إليه. وكذلك الكرامية تزعم أن الله تعالى إذا أراد إحداث محدث أوجد في ذاته كافًا ونونًا وإرادة حادثة، وعن ذلك تصدر سائر المخلوقات المباينة لذاته" انتهى.
وقال الإمام أبو المظفر الإسفراييني (التبصير في الدين ص 66-67) ما نصه :"ومما ابتدعوه (أي الكرامية) من الضلالات مما لم يتجاسر على إطلاقه قبلهم واحد من الأمم لعلمهم بافتضاحه هو قولهم: بأن معبودهم محل الحوادث تحدث في ذاته أقواله وإرادته وإدراكه للمسموعات والمبصرات، وسموا ذلك سمعًا وتبصرًا، وكذلك قالوا: تحدث في ذاته ملاقاته للصفحة العليا من العرش، زعموا أن هذه أعراض تحدثُ في ذاته، تعالى الله عن قولهم" انتهى.
فتبين مما أوردناه أن ابن تيمية ليس له سلف إلا الكرامية ونحوهم، وليس كما يدعي أنه يتبع السلف الصالح، ومن المصيبة أن يأخذ مثل ابن تيمية بمثل هذه الفضيحة، فمذهب خليط من مذهب ابن كرَّام واليهود والمجسمة، نعوذ بالله من ذلك.
قوله بالجسمية
أما قول ابن تيمية بالجسمية في حق الله تعالى فقد ذكر ذلك في كتابه شرح حديث النزول (شرح حديث النزول ص/80) ونصه: "وأما الشرع فمعلوم أنه لم ينقل عن أحد من الأنبياء ولا الصحابة ولا التابعين ولا سلف الأمة أن الله جسم أو أن الله ليس بجسم، بل النفي والإثبات بدعة في الشرع"اهـ.
وقال في الموافقة (1/62) ما نصه: "وكذلك قوله {ليس كمثله شىء وهو السميعُ البصيرُ}[سورة الشورى/11]، وقوله {هل تعلم لهُ سميًا}[سورة مريم/65] ونحو ذلك فإنه لا يدل على نفي الصفات بوجه من الوجوه بل ولا على نفي ما يسميه أهل الاصطلاح جسمًا بوجه من الوجوه"اهـ.
وقال فيه أيضًا (1/148) ما نصه :"وأما ذكر التجسيم وذم المجسمة فهذا لا يعرف في كلام أحد من السلف والأئمة كما لا يعرف في كلامهم أيضًا القول بأن الله جسم أو ليس بجسم، بل ذكروا في كلامهم الذي أنكروه على الجهمية نفي الجسم كما ذكره أحمد في كتاب الرد على الجهمية"اهـ.
قلنا: ويكفي في تبرئة أئمة الحديث ما نقله أبو الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها عن أحمد (اعتقاد الإمام أحمد ص7-8، مخطوط) قال :"وأنكر أحمد على من يقول بالجسم وقال: إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طولٍ وعرضٍ وسمكٍ وتركيبٍ وصورةٍ وتأليف، والله تعالى خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يُسمى جسمًا لخروجه عن معنى الجسمية، ولم يجىء في الشريعة ذلك فبطل"اهـ، ونقله الحافظ البيهقي عنه في مناقب أحمد وغيرُه.
وهذا الذي صرح به أحمد من تنزيهه الله عن هذه الأشياء الستة هو ما قال به الأشاعرة والماتريدية وهم أهل السنة الموافقون لأحمد وغيره من السلف في أصول المعتقد، فليعلم الفاهم أن نفي الجسم عن الله جاء به السلف، فظهر أن ما ادعاه ابن تيمية أن السلف لم يتكلموا في نفي الجسم عن الله غير صحيح، فينبغي استحضار ما قاله أحمد فإنه ينفع في نفي تمويه ابن تيمية وغيره ممن يدعون السلفية والحديث.
فهذا بعض ما خالف فيه ابن تيمية وليس كله فانظر واعتبر ونحن نحذر منه عملا بقول الله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.
وقول النبي الغالي صلى الله عليه وسلم: حتى متى ترعون عن ذكر الفاجر أذكروه بما فيه كي يحذره الناس او كما قال عليه الصلاة والسلام.
والحمد لله أولا وءاخرًا وصلى الله على سيد المرسلين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق