بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 24 مارس 2022

معنى قول بعض العلماءِ:" لازمُ المذهبِ مذهبٌ" وقول بعضهم: " لازمُ المذهبِ ليسَ مذهبًا"

 الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين أما بعد...


بعض أهل الضلالِ يقولونَ :" ما يلزمُ من قولِ مسلمٍ أو من فعلهِ إن كان يؤدي إلى الكفرِ لا يكفُرُ عليهِ" يفسّرون على زعمهم قولَ بعض العلماءِ :" لازم المذهبِ ليس بمذهبٍ" وعلى هذا لا يُكفِّرون القائلين بالجهةِ في حقِّ اللهِ ولا يُثبِتون لهم التجسيم لمجرد أنهم يقولونَ نحنُ لسنا مُجسمة كذلكَ لا يُكفِّرونَ القائلينَ بأن كلامَ اللهِ الذي هو صفةُ ذاتهِ مخلوقٌ.


ولتوضيح هذه المسألة نقول:


قال بعضُ العلماءِ:" لازمُ المذهبِ مذهبٌ" وقال بعضٌ: " لازمُ المذهبِ ليسَ مذهبًا" ، ومحل الخلافِ ما إذا لم يكن اللازمُ بيّنًا، أما إذا كان اللازمُ بيّنًا فهو مذهبٌ له جزمًا، مثالٌ على ذلكَ قول المعتزلةِ " إن الله لا يُوصفُ بالعلمِ والسمعِ والبصرِ والقدرةِ والإرادةِ والتخليقِ والتكوينِ ونحوها من الصفات الذاتيةِ والفعليةِ " فقالوا: " عالمٌ لنفسِهِ، قادرٌ لنفسهِ لا بعلمٍ ولا قدرةٍ، فيكونُ مذهبُ المعتزلةِ في المعنى نفيُ العالِمِيّةِ والقادِرِيّةِ عن الله، ولا يُقال هنا " لازمُ المذهبِ ليسَ بمذهبٍ " أي لا يلزمُ من نَفْيِهِم اتصاف الله بالعلمِ نفيُ كونِهِ عالماً لأن هذا من اللازمِ البيِّن، لأنه لا يصحّ في العقلِ عالمٌ بلا علمٍ كما لا يصحُّ عالمٌ بلا معلومٍ، وكما لا يصحُّ ضاربٌ بلا ضربٍ ولا مضروبٍ.


معنى قول العلماءِ هنا : " لازمُ المذهبِ مذهبٌ " أي أنه يلزمُ من قول المعتزلةِ عالمٌ لا بعلمٍ نفيُ للعالِمِيّةِ، أي أن قولَ :" إنهُ عالمٌ بلا علمٍ" معناهُ ليس بعالمٍ.. فمذهبُهُم أن الله عالمٌ لا بعلمٍ يلزمُ منهُ نفيُ العالِمِيّةِ عن الله، هذا معنى " لازمُ المذهبِ مذهبٌ" .


وأما قولُ بعضِ العلماءِ " لازمُ المذهبِ ليسَ بمذهبٍ" إذا لم يكن اللزومُ بيّنًا.


ففي هذه الحالِ أي حالِ كونِ اللازمِ بيّنًا يكونُ مذهبًا على القولينِ أي عند الذينَ قالوا : " لازمُ المذهبِ ليسَ مذهبًا، وعند الذينَ قالوا لازمُ المذهبِ مذهبٌ"، فقول المعتزليّ " إن اللهَ قادرٌ بذاتهِ على الممكنات العقليةِ لا بقدرةٍ يلزمُ من ذلكَ نفيُ كونِهِ قادرٌ، وكذلكَ لازمُ قولهِ عالمٌ بذاتهِ لا بعلمٍ وهكذا من بابِ اللازمِ البيِّنِ.


وبمعنى ءاخر أن الذي يُحكمُ عليه بالكفرِ من كان الكفرُ صريحَ قولهِ، وكذا من كان لازِمَ قولِهِ وعُرِضَ عليهِ فالتزمه ، أي عُرِضَ عليهِ اللازمُ فقبلهُ بأن قيل له: هذا يلزمُ منهُ كذا، تقْبَل ذلكَ؟؟ قال: أقبلُ، وكان ذلك اللازمُ كفرًا، أما من لم يلتزمْهُ وناضل عنهُ فإنهُ لا يكونُ كافرًا،ولو كانَ اللازمُ كفرًا، وينبغي حملُهُ على غير القطعيِّ.


والحاصِلُ في مسألة اللُزومِ والالتزامِ أن من لزمَ من رأيِهِ كفرٌ لم يشعر بهِ وإذا وُقِفَ عليهِ أنكرَ اللُزومَ وكان في غير الضرورياتِ وكان اللُزومُ غيرَ بيِّنٍ فهو ليسَ بكافرٍ، وإن سلّم اللُزومَ وقالَ إن اللازمَ ليسَ بكُفرٍ وكان عندَ التحقيقِ كُفرًا فهو إذًا كافرٌ.


وبناءًا على هذه القواعد الشرعية فإن القائلينَ بالجهةِ يلزمُ من كلامِهِم التجسيمُ ولو أنكروا التزامهم الجسميةَ في حقِّ اللهِ، إذ إنّ كلَ من كان في جهةٍ لا بد أن يكونَ لهُ حجمٌ كبُرَ أو صغُرَ، فالجوهرُ الفردُ لهُ حيِّزٌ ومكانٌ وجهةٌ كما أن الجسمَ المركبَ له حيِّزٌ ومكانٌ وجهةٌ، إذ لا يُعقلُ جسمٌ لا في مكانٍ وجهةٍ، لذلكَ لازمُ مذهبِ القائلينَ بالجهةِ إثباتُ الجسميةِ حتى لو هم نفوْها عن أنفسِهِم.


فالشَّرعُ لم يرد فيهِ إطلاقُ الجهةِ والجسميةِ في حقِّ اللهِ، والعقلُ ينفي الجهةَ والجسميةَ في حقِّه تعالى، إذ إنهُ كما لا يُعقلُ وجودُ الجوهرِ والجسم لا في مكانٍ وجهةٍ لا يُعقلُ وجودُ ما ليسَ بجوهرٍ وجسمٍ في مكانٍ وجهةٍ، وقد ثبتَ شرعًا وعقلاً أن اللهَ ليسَ بجوهرٍ ولا جسمٍ، ثبتَ شرعًا وعقلاً أن اللهَ كانَ موجودًا قبلَ الجهاتِ وأنهُ لا يتغيّرُ وبعد أن خلقَ الجهاتِ ما زالَ موجودًا بلا جهةٍ، وكما قُلتُ سابقًا من مقتضياتِ الجهةِ إثباتُ الجسميّةِ، فلازمُ مذهبِ القائلينَ بالجهةِ إثباتُ الجسميّةِ حيثُ قامت البيِّنةُ على ذلكَ.


ولأنَّ نفيَ الجهةِ عن اللهِ من القطعيَّاتِ التي لا يغفلُ عنها صاحبُ العقلِ السليمِ فلا يُعذرُ القائلينَ بها لجهلهم.


لذا فإن القائلينَ بالجهةِ إن سلّموا اللُزومَ وقالوا إن اللازمَ ليسَ بكفْرٍ لا يُعتدُّ بكلامِهم لأنه عند التحقيقِ كُفرٌ، وإن لم يُسلِّموا اللُزومَ فلا عِبرةَ بكلامِهِم بل يكَفّرونَ، لأن نفيَ الجهةِ عن اللهِ من القطعيَّاتِ ومنَ الأمورِ المُجمعِ عليها المعلومةِ من الدينِ بالضّرورةِ والتي يستقِل العقلُ السليمُ بإدراكِها.


كما أنّ القائلينَ بأنّ كلامَ اللهِ الذي هو صفةُ ذاتهِ مخلوقٌ كفروا بلا شكٍّ لأنّ هذا اللُزومُ فيهِ بيِّنٌ، فلذا هو منَ الكُفرِ لأنَ قيامَ الحوادثِ بذاتِ اللهِ يؤدي إلى حدوثِ ذاتِهِ تعالى، ولو كان ذاتُهُ حادثًا لما كانَ خالقًا بل لاحتاج إلى من أوجدهُ وهذا كُلُّهُ محالٌ، فلازمُ مذهبِ القائلينَ بأنَّ كلامَ اللهِ الذي هو صِفةُ ذاتهِ مخلوقٌ قيامُ الحوادثِ بذاتِ اللهِ وهذا ظاهرُ البُطلانِ حتى لو هُمْ أنكروا اللُزومَ فلا عُذرَ لهم لأن اللُزومَ في هذه المسألةِ بيِّنٌ, فثبتَ بعد هذا البيان أن كِلا الفريقينِ الذينَ قالوا: " لازمُ المذهبِ مذهبٌ ، ولازمُ المذهبِ ليسَ بمذهبٍ" إذا لم يكن اللُزومُ بيِّنًا قد كفّروا من كانَ لازمُ مذهبِهِ الكُفْرِي بيِّنًا.


ومن أراد النظرَ في بيانِ إلزامِ العلماءِ المبتدعةَ مذاهِبَهُم الكُفْريّةَ وتكفيرهِم عليها فلينظر في كتابِ : " الأسماءِ والصِفاتِ " لأبي منصورٍ البغدادي ق- 35 ق- 52.


وفي كتابِ : " القلائِدِ في شرحِ العقائِدِ " ص-200 – 210 للإمام النسفي.


وفي كتابِ :" ذخائِرِ القصرِ" ص-32 للحافظ شمس الدين بن طولون.


وفي كتاب: " إكفارِ المُلحدينَ" ص-17- 19 -21-22 – 72-123- 124-126-128 للمُحدِث محمد أنور شاه الكشميري.


وفي كتاب: " نجم المهتدي" للإمام ابن المعلم القرشي ق 268- 287.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...