بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 يونيو 2024

أجمعت عليه الأمة المحمدية تكفير المجسمة المشبهة الذين يصفون الله بالجسم أو صفات الجسم

 سننشر صورتين فيهما نصرة عقيدة أهل السنة والجماعة وفضح المجسمة ومن يداهن المجسمة من أدعياء الأشعرية زورا وبهتانا والأشعري منهم براء …


إن مما أجمعت عليه الأمة المحمدية تكفير المجسمة المشبهة الذين يصفون الله بالجسم أو صفات الجسم أو ما يؤول إلى التجسيم كوصفهم الله تعالى بالمكان أو الجهة أو الأعضاء.


وهذا شيء مجمع عليه عند الأمة المحمدية وممن نقل الإجماع على ذلك القاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي المالكي في كتابه شرح عقيدة مالك الصغير.


ومما أجمعت عليه الأمة المحمدية أن لازم المذهب البين مذهب لصاحبه، وضرب العلماء أمثالا كثيرة على ذلك فقالوا مثلا: من قال أن الله متحيز في جهة فوق لزمه التجسيم لأن التحيز في الجهة لا يكون إلا لجسم وهذا لازم بين واضح فهو مذهب لصاحبه والتجسيم كفر بالإجماع.


وللرد على أدعياء الأشعرية الذين يقولون لا نكفر المجسمة وراحوا يلبسون على العوام ويفترون على أهل السنة والجماعة فقالوا لازم المذهب ليس مذهبا، وجعلوا هذه القاعدة على اللازم البين وهذا باطل وضلال بل قول بعض العلماء (لازم المذهب ليس مذهبا) إنما هو في اللازم الخفي وليس في اللازم البين.


فإليكم هذا الكتاب (ملجمة المجسمة) للإمام علاء الدين البخاري الحنفي وفيه نقل الإجماع على تكفير المجسمة، وفيه تقرير ما نقلنا لكم من أن لازم المذهب البين مذهبا، وليس كما يقول أدعياء الأشعرية المداهنين الخائنين أدعياء المشيخة والعلم.


والحمد لله الذي أنعم علينا أن تعلمنا في مدرسة الإمام الحبشي رضي الله عنه وأرضاه




كشف شبهات المتمشعرة وبيان أوهام المشبهة

 كشف شبهات المتمشعرة وبيان أوهام المشبهة


وحقية القول بتكفير المجسم (1)


في هذه السلسلة سنتكلم عن عدة نقاط سننشرها بإذن الله:


– القول الفصل بتكفير المجسم وبيان أن الإجماع قائم على تكفير المجسم.


– التمايز بين المسلم المنـزه والمشبه المجسم.


– مدار الحكم بالتكفير على من وصف الله بالجسم أو الجهة.


– تحقيق حول من هم أهل القبلة.


– تحقيق في مسألة لازم المذهب.


– بيان ما أشكل من كلام بعض العلماء كالأشعري والباقلاني والغزالي والعز بن عبد السلام.


أولا: بيان أن الإجماع قائم على تكفير المجسم والجهوي


قد نقل جمهرة من الأعلام الإجماع على تكفير المجسم والجهوي، وهذا التكفير لمثبت الجهة لله تعالى واضح، لأن معتقد الجهة لا يمكنه إلا أن يعتقد التحيز والجسمية، وإن قال غير ذلك فهو قول متناقض، وممن نقل ذلك:


قال الشيخ ابن حجر الهيتمي في المنهاج القويم: «واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم ، وهم حقيقون بذلك» اهـ أي جديرون بالحكم عليهم بالكفر.


قال الشيخ ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية (ص/144 – 145): «عقيدة إمام السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنان المعارف متقلَّبه ومأواه وأفاض علينا وعليه من سوابغ امتنانه وبوأه الفردوس الأعلى من جنانه، موافقة لعقيدة أهل السنة والجماعة من المبالغة التامة في تنزيه الله تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا من الجهة والجسمية وغيرهما من سائر سمات النقص، بل وعن كل وصْف ليس فيه كمال مطلق، وما اشتهر بين جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد من أنه قائل بشىء من الجهة أو نحوها فكذب وبُهتان وافتراء عليه، فلعن الله من نسب ذلك إليه، أو رماه بشىء من هذه المثالب التي برَّأه الله منها، وقد بين الحافظ الحجة القدوة الإمام أبو الفرج بن الجوزي من أئمة مذهبه المبرئِّين من هذه الوصمة القبيحة الشنيعة، أنَّ كل ما نسب إليه من ذلك كذب عليه وافتراء وبهتان وأن نصوصه صريحة في بطلان ذلك وتنزيه الله تعالى عنه فاعلم ذلك فإنه مهم.


وإياك أنْ تصغى إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله، وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدودو وتعدوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة، فظنوا بذلك أنهم على هدى من ربهم وليسوا كذلك، بل هم على أسوأ الضلال وأقبح الخصال وأبلغ المقَّتْ والخسران وأنهى الكذب والبهتان فخذل الله متَّبِعهم وطهر الأرض من أمثالهم.


وإياك أن تغتر أيضًا بما وقع في الغُنْية لإمام العارفين وقطب الإسلام والمسلمين الأستاذ عبد القادر الجيلاني، فإنه دسَّه عليه فيها مَنْ سينتقم الله منه وإلا فهو برىء من ذلك وكيف تنروّج عليه هذه المسألة الواهية مع تضَّلُعه من الكتاب والسنة وفقه الشافعية والحنابلة حتى كان يفتي على المذهبين، هذا مع ما انضَّم لذلك من أن الله منّ عليه من المعارف والخوارق الظاهرة والباطنة وما أنبأ عنه ما ظهر عليه وتواتر من أحواله، ومنه ما حكاه اليافعي رحمه الله وقال: مما علمناه بالسند الصحيح المتصل أن الشيخ عبد القادر الجيلاني أكل دجاجة ثم لما لم يبق غير العظيم توجه إلى الله في إحيائها فأحياها الله إليه وقامت تجري بين يديه كما كانت قبل ذبحها وطبخها، فمن امتَّن الله عليه بمث هذه الكرامات الباهرة يتصور أو يتوهم أنه قائل بتلك القبائح التي لا يصدر مثلها إلا عن اليهود وأمثالهم ممن استحكم فيه الجهل بالله وصفاته وما يجب له وما يجوز وما يستحيل: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } [سورة النور] . ومما يقطع به كل عاقل أن الشيخ عبد القادر لم يكن غافلاً عما في (رسالة القشيري) وإذا لم يجهل ذلك فكيف يتوَّهم فيه هذه القبيحة الشنيعة، وفيها عن بعض رجالها أئمة القوم السالمين عن كل محذور ولوم أنه قال: كان في نفسي شىء من حديث الجهة فلما زال ذلك عني كتبتُ إلى أصحابنا إني قد أسلمت الآن، فتأمل ذلك واعتن به لعلك توفق للحق إن شاء الله تعالى وتجري على سنن الاستقامة» اهـ.


ونقل السيوطي في الأشباه والنظائر (1/488) هذا المعنى فقال: «قاعدة: قال الشافعي: لا يكفر أحد من أهل القبلة، واستثنى من ذلك المجسم ، ومنكر علم الجزئيات، وقال بعضهم: المبتدعة أقسام: الأول: ما نكفره قطعا، كقاذف عائشة رضي الله عنها، ومنكر علم الجزئيات، وحشر الأجساد، والمجسمة ، والقائل بقدم العالم.


الثاني: ما لا نكفره قطعا، كالقائل بتفضيل الملائكة على الأنبياء، وعلي على أبي بكر.


الثالث والرابع: ما فيه خلاف، والأصح التكفير أو عدمه، كالقائل بخلق القرآن صحح البلقيني التكفير والأكثرون عدمه، وساب الشيخين صحح المحاملي التكفير والأكثرون عدمه» اهـ.


انظر إلى قوله: «ما نكفره قطعا» أقولا واحدًا بلا خلاف ثم عد المجسمة فيهم.


ثم ها هو الأصولي أبو جعفر الطحاوي المولود سنة 227هـ في عقيدته المشهورة والتي ارتضاها المسلمون ودرسوها في معاهدهم وجامعاتهم، والتي ذكر أنها عقيدة أهل السنة والجماعة حيث قال فيها أي العقيدة الطحاوية: « تعالى (الله) عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات » اهـ.


ثم أوضح أن المتحيز في الجهة مشبه لسائر المبتدعات أي المخلوقات، وفي نفس المتن يقول: «ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر» اهـ.


وبالنظر إلى أنه قال في أول هذه الرسالة: إنها عقيدة أهل السنة والجماعة، ثم بين تكفير من وصف الله بصفة من صفات الخلق يتبين أنه ينقل إجماع أهل السنة على تكفير القائل بالجسمية والجهة في حق الله.


قال الحافظ البيهقي في شعب الإيمان ناقلا عن الحليمي (وهو من أكابر أصحاب الوجوه في المذهب): «وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه ليس بجوهر ولا عرض، فلأن قوما زاغوا عن الحق فوصفوا البارئ جل وعز ببعض صفات المحدثين، فمنهم من قال: إنه جوهر. ومنهم من قال: إنه جسم. ومنهم من أجاز أن يكون على العرش قاعدا كما يكون الملك على سريره، وكل ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك، فإذا أثبت المثبت أنه ليس كمثله شىء. وجماع ذلك أنه ليس بجوهر ولا عرض فقد انتفى التشبيه، لأنه لو كان جوهرا أو عرضا لجاز عليه ما يجوز على سائر الجواهر والأعراض، وإذا لم يكن جوهرا ولا عرضا لم يجز عليه ما يجوز على الجواهر من حيث إنها جواهر كالتأليف، والتجسيم وشغل الأمكنة والحركة والسكون، ولا ما يجوز على الأعراض من حيث إنها أعراض كالحدوث، وعدم البقاء»اهـ.


قال القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد التنوخي المتوفى سنة 384 للهجرة، في نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة ما نصه: «حضرت مجلس أبي محمد المهلبي، وكانت العامة ببغداد قد هاجت في أيام وزارته وعظمت الفتنة وقبض على جماعة من العيارين وحملة السكاكين وجعلهم في زوارق مطبقة وحملهم إلى بيروذ[وهي من نواحي أهواز] وحبسهم هناك. فاستهانوا بالقصة وكثف أمرهم وكثر كلام القصاص في الجوامع ورؤساء الصوفية فخاف من تجديد الفتنة، فقبض على خلق منهم وحبسهم، وأحضر أبا السائب قاضي القضاة إذ ذاك، وجماعة من القضاة والشهود، والفقهاء وكنت فيهم لمناظرتهم، وأصحاب الشرط لنأمن مضرتهم إذا قامت الحجج عليهم.


فاتفق أن بدئ برجل من رؤساء الصوفية يعرف بأبي إسحاق بن ثابت ينزل بباب الشام أحد الربانيين عند أصحابه، فقال له: بلغني أنك تقول في دعائك: «يا واحدي بالتحقيق يا جاري اللصيق» فمن لا يعلم بأن الله لا يجوز أن يوصف بأنه لصيق على الحقيقة فهو كافر لأن الملاصقة من صفات الأجسام، ومن جعل الله جسما كفر، فمن يكون محله في العلم هذا يتكلم على الناس» اهـ.


ولا فرق بين الذي يقول: الله جسم، ويسكت وبين من يقول: الله جسم كالأجسام، أو الله جسم لا كالأجسام، أليس قال الله جسم؟ أليس الوصف بالجسم من صفات المخلوقات من بشر وجن وملائكة وحجر وجبل وهواء وروح وريح ونار ونور وغير ذلك؟


وقال الفخر الرازي في معالم أصول الدين: «بل الأقرب أن المجسمة كفار لأنهم اعتقدوا أن كل ما لا يكون متحيزا ولا في جهة فليس بموجود، ونحن نعتقد أن كل متحيز فهو محدث وخالقه موجود ليس بمتحيز ولا في جهة، فالمجسمة نفوا ذات الشىء الذي هو الإله فيلزمهم الكفر»اهـ.


وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب البغدادي المالكي في شرح عقيدة الإمام مالك الصغير: «واعلم أن الوصف له تعالى بالاستواء إتباع للنص، وتسليم للشرع، وتصديق لما وصف نفسه تعالى به، ولا يجوز أن يثبت له كيفية، لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشىء، ولا سألته الصحابة عنه، ولأن ذلك يرجع إلى التنقل والتحول وإشغال الحيز والافتقار الى الأماكن، وذلك يؤول إلى التجسم، وإلى قدم الأجسام، وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام، وقد أجمل مالك رحمه الله الجواب عن سؤال من سأله: الرحمـن على العرش استوى، كيف استوى؟ فقال: الاستواء منه غير مجهول، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، ثم أمر بإخراج السائل»اهـ.


وقال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح: «ما ذكره في تفسير: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} هو قول قتادة، وهو معروف في اللغة يقال: صنعت الفرس وصنعته إذا أحسنت القيام عليه، واستدلاله من هذه الآية والحديث على أن لله تعالى (صفة) سماها (عينا) ليست هو ولا غيره، وليست كالجوارح المعقولة بيننا، لقيام الدليل على استحالة وصفه بأنه ذو جوارح وأعضاء تعالى عن ذلك، خلافا لما تقوله المجسمة من أنه تعالى جسم لا كالأجسام، واستدلوا على ذلك بهذه، كما استدلوا بالآيات المتضمنة لمعنى الوجه، واليدين. ووصفه لنفسه بالإتيان والمجيء والهرولة في حديث الرسول، وذلك كله باطل وكفر من متأوله، لقيام الدليل على تساوي الأجسام في دلائل الحدث القائم بها واستحالة كونه من جنس المحدثات، إذ المحدث إنما كان محدثا من حيث متعلق هو متعلق بمحدث أحدثه، وجعله بالوجود أولى منه بالعدم»اهـ.


وقد قال ملا علي القاري في أثناء كلامه على مذهب العلماء في المتشابهات في كتاب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ما نصه: «بكلامه -أي النووي- وبكلام الشيخ الرباني أبي إسحاق الشيرازي وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم من أئمتنا وغيرهم يعلم أن المذهبين متفقان على صرف تلك الظواهر، كالمجيء والصورة والشخص والرجل والقدم واليد والوجه والغضب والرحمة والاستواء على العرش والكون في السماء وغير ذلك مما يفهمه ظاهرها، لما يلزم عليه من محالات قطعية البطلان تستلزم أشياء يحكم بكفرها بالإجماع، فاضطر ذلك جميع الخلف والسلف إلى صرف اللفظ عن ظاهره» اهـ.


وضبط هذه المسئلة الشيخ محمد بن أحمد ميارة المالكي، فقال في الدر الثمين والمورد المعين: «وأما القسم الثاني وهو الاعتقاد، فينقسم قسمين: مطابق في نفس الأمر: ويسمى الاعتقاد الصحيح، كاعتقاد عامة المؤمنين المقلدين. وغير مطابق: ويسمى الاعتقاد الفاسد، والجهل المركب كاعتقاد الكافرين، فالفاسد أجمعوا على كفر صاحبه، وأنه آثم غير معذور مخلد في النار، اجتهد أو قلد، ولا يعتد بخلاف من خالف في ذلك من المبتدعة»اهـ.


يلخص هذا كله ما قاله الشيخ تقي الدين الحصني رحمه الله في دفع شبه من شبه وتمرد ما نصه: «الكيف من صفات الحدث، وكل ما كان من صفات الحدث فالله عز وجل منزه عنه، فإثباته له سبحانه كفر محقق عند جميع أهل السنة والجماعة» اهـ.


وقال محمد مرتضى الزبيدي في إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين: «وقال السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب: اعلم أن حكم الجواهر والأعراض كلها الحدوث، فإذًا العالم كله حادث. وعلى هذا إجماع المسلمين بل كل الملل، ومن خالف في ذلك فهو كافر لمخالفته الإجماع القطعي»اهـ.


وقال النسفي في تفسيره المشهور عند تفسير ءاية: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ومن الإلحاد تسمية الله بالجسم والجوهر والعقل والعلة» اهـ.


قال الشيخ محمد بن أحمد الفاسي المالكي الشهير بميارة والمتوفى سنة 1072هـ في مختصر الدر الثمين والمورد المعين ما نصه «وخرج بوصفه بالمطابق الجزمُ غيرُ المطابق ويسمى الاعتقاد الفاسد والجهل المركب كاعتقاد الكافرين التجسيم أو التثليث أو نحو ذلك والإجماع على كفر صاحبه أيضًا، وأنه ءاثمٌ غيرُ معذور مخلدٌ في النار اجتهد أو قلّد. قال في شرح الكبرى: ولا يُعتدُّ بخلاف من خالف في ذلك من المبتدعة»اهـ.


وهذه نقول عن العلماء في بيان كفر من يعتقد أن الله يسكن السماء أو يتحيَّز فوق العرش أو في غير ذلك من الأماكن، لتأكيد ما نبهنا عليه من أمر الإجماع على هذه المسألة، وإنما خصصناها بمزيد من العناية والنقول لأن بعض الناس يتهاون فيها ما لا يتهاون في تكفير المجسم.


1 – قال الإمام المجتهد أبو حنيفة رضي الله عنه في كتابه الفقه الأبسط ما نصه: «من قال لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض فقد كفر، وكذا من قال إنه على العرش، ولا أدري العرش أفي السماء أو في الأرض» اهـ.


2 – ووافقه على ذلك الشيخ العزّ بن عبد السلام في كتابه حلّ الرموز فقال ما نصه: «لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانًا، ومن توهم أن للحق مكانًا فهو مُشَبِّه» اهـ.


3 – وارتضاه الشيخ ملا علي القاري الحنفي في شرح الفقه الأكبر وقال ما نصه: «ولا شك أن ابن عبد السلام من أجلّ العلماء وأوثقهم، فيجب الاعتماد على نقله» اهـ.


4 – وقال ابن معلم القرشي في نجم المهتدي وحكى القاضي حسين عن نص الشافعي أنه قال: «وهذا منتظم من كفره مجمع عليه، ومن كفرناه من أهل القبلة، كالقائلين بخلق القرآن، وبأنه لا يعلم المعدومات قبل وجودها، ومن لا يؤمن بالقدر، وكذا من يعتقد أن الله جالس على العرش » اهـ. وذكر مثله في شرح التنبيه في فقه الإمام الشافعي لابن الرفعة المتوفى سنة 710هـ.


5 – وقال أبو القاسم القشيري في رسالته القشيرية ما نصه: «سمعتُ الإمام أبا بكر بن فورك رحمه الله تعالى يقول: سمعتُ أبا عثمان المغربي يقول: كنتُ أعتقدُ شيئًا من حديث الجهة، فلما قدِمتُ بغداد زال ذلك عن قلبي، فكتبتُ إلى أصحابنا بمكة: إني أسلمتُ الآن إسلامًا جديدًا»اهـ.


6 – وقال أبو منصور البغدادي في تفسير الأسماء والصفات: «إن أصحابنا أكفروا أهل البدع في صفات البارئ عز وجل بإجماع الأمة على إكفار من أنكر النبوات أو شك في عقائد الأنبياء، فما كان شكه في صفة من صفات بعض الناس يورثه الكفر فشكه في صفة لازمة لله تعالى أو جهله بها أولى بأن يوجب تكفيره» اهـ.


7 – وقال أبو منصور البغدادي رحمه الله تعالى أيضا في أصول الدين: «وأما جسمية خراسان من الكرامية فتكفيرهم واجب لقولهم إن الله تعالى له حد ونهاية من جهة السفل ومنها يماس عرشه» اهـ.


8 – أبو حامد الغزالي يقول في إلجام العوام عن علم الكلام: «فعلى العامي أن يتحقق قطعا ويقينا أن الرسول ﷺ لم يرد بذلك جسما هو عضو مركب من لحم ودم وعظم، وأن ذلك في حق الله تعالى محال وهو عنه مقدس، فإن خطر بباله أن الله جسم مركب من أعضاء فهو عابد صنم، فإن كل جسم فهو مخلوق، وعبادة المخلوق كفر، وعبادة الصنم كانت كفرا لأنه مخلوق، وكان مخلوقا لأنه جسم، فمن عبد جسما فهو كافر بإجماع الأمة السلف منهم والخلف»اهـ.


9 – وقال الأسفراييني أبو المظفر في التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية: «وأما الهشامية فإنهم أفصحوا عن التشبيه بما هو كفر محض باتفاق جميع المسلمين ، وهم الأصل في التشبيه، وإنما أخذوا تشبيههم من اليهود حين نسبوا إليه الولد، وقالوا: عزير ابن الله، وأثبتوا له المكان والحد والنهاية والمجيء والذهاب، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا» اهـ.


10 – وقال لسان المتكلمين أبو المعين ميمون بن محمد النسفي الحنفي في تبصرة الأدلة ما نصه: «والله تعالى نفى المماثلة بين ذاته وبين غيره من الأشياء، فيكون القول بإثبات المكان له ردًّا لهذا النص المحكم – أي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} – الذي لا احتمال فيه لوَجْهٍ ما سوى ظاهره، ورادُّ النص كافر، عصمنا الله عن ذلك» اهـ.


11 – وقال الشيخ زين الدين الشهير بابن نُجَيْم الحنفي في البحر الرائق ما نصه: «ويكفر بإثبات المكان لله تعالى، فإن قال: الله في السماء، فإن قصد حكاية ما جاء في ظاهر الأخبار لا يكفر، وإن أراد المكان كفر»اهـ.


12 – وقال الشيخ ملا علي القاري الحنفي في شرح الفقه الأكبر ما نصه: «فمن أظلم ممن كذب على الله، أو ادعى ادعاءً معينًا مشتملاً على إثبات المكان والهيئة والجهة من مقابلة وثبوت مسافة وأمثال تلك الحالة، فيصير كافرًا لا محالة» اهـ.


13 – وقال الشيخ ملا علي القاري الحنفي في شرح الفقه الأكبر ما نصه: «من اعتقد أن الله لا يعلم الأشياء قبل وقوعها فهو كافر، وإن عُدّ قائله من أهل البدعة، وكذا من قال: بأنه سبحانه جسم وله مكان ويمرّ عليه زمان ونحو ذلك كافر، حيث لم تثبت له حقيقة الإيمان» اهـ.


14 – وقال أيضًا في مرقاة المفاتيح ما نصه: «بل قال جمع منهم -أي من السلف- ومن الخلف إن معتقد الجهة كافر كما صرح به العراقي، وقال: إنه قول لأبي حنيفة ومالك والشافعي والأشعري والباقلاني»اهـ.


15 – وقال الشيخ العلامة كمال الدين البَياضي الحنفي في شرح كلام الإمام أبي حنيفة في إشارات المرام ما نصه: «فقال -أي أبو حنيفة- (فمن قال: لا أعرف ربي أفي السماء أم في الأرض فهو كافر) لكونه قائلا باختصاص البارئ بجهة وحيّز وكل ما هو مختص بالجهة والحيز فإنه محتاج محدَث بالضرورة، فهو قول بالنقص الصريح في حقه تعالى (كذا من قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض) لاستلزامه القول باختصاصه تعالى بالجهة والحيز والنقص الصريح في شأنه سيما في القول بالكون في الأرض ونفي العلوّ عنه تعالى بل نفي ذات الإله المنزه عن التحيز ومشابهة الأشياء. وفيه إشارات:


الأولى: أن القائل بالجسمية والجهة مُنكِر وجود موجود سوى الأشياء التي يمكن الإشارة إليها حسًّا، فمنهم منكرون لذات الإله المنزه عن ذلك، فلزمهم الكفر لا محالة. وإليه أشار بالحكم بالكفر.


الثانية: إكفار من أطلق التشبيه والتحيز، وإليه أشار بالحكم المذكور لمن أطلقه، واختاره الإمام الأشعري فقال في النوادر: من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه وإنه كافر به، كما في شرح الإرشاد لأبي قاسم الأنصاري»اهـ.


16 – قال الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي في الفتح الرباني والفيض الرحماني ما نصه: «وأما أقسام الكفر فهي بحسب الشرع ثلاثة أقسام ترجع جميع أنواع الكفر إليها، وهي: التشبيه، والتعطيل، والتكذيب… وأما التشبيه: فهو الاعتقاد بأن الله تعالى يشبه شيئًا من خلقه، كالذين يعتقدون أن الله تعالى جسمٌ فوق العرش، أو يعتقدون أن له يدَين بمعنى الجارحتين، وأن له الصورة الفلانية أو على الكيفية الفلانية، أو أنه نور يتصوره العقل، أو أنه في السماء، أو في جهة من الجهات الست، أو أنه في مكان من الأماكن، أو في جميع الأماكن، أو أنه ملأ السموات والأرض، أو أنَّ له الحلول في شىء من الأشياء، أو في جميع الأشياء، أو أنه متحد بشىء من الأشياء، أو في جميع الأشياء، أو أن الأشياء منحلَّةٌ منه، أو شيئًا منها. وجميع ذلك كفر صريح والعياذ بالله تعالى، وسببه الجهل بمعرفة الأمر على ما هو عليه» اهـ.


17 – وقال الشيخ محمد بن أحمد عليش المالكي عند ذِكر ما يوقع في الكفر والعياذ بالله في منح الجليل شرح مختصر خليل ما نصه: «وكاعتقاد جسمية الله وتحيّزه، فإنه يستلزم حدوثه واحتياجه لمحدِث» اهـ.


18 – وذكر هذا الحكم أيضًا الشيخ العلامة المحدث الفقيه أبو المحاسن محمد القاوقجي الطرابلسي الحنفي في كتابه الاعتماد في الاعتقاد فقد قال: «ومن قال لا أعرِفُ الله في السماء هو أم في الأرض كفَر – لأنه جعل أحدَهما له مكانًا -»اهـ.


19 – وفي كتاب الفتاوى الهندية لجماعة من علماء الهند ما نصه: «يكفر بإثبات المكان لله تعالى. ولو قال: الله تعالى في السماء، فإن قصد به حكاية ما جاء فيه ظاهر الأخبار لا يكفر، وإن أراد به المكان يكفر» اهـ.


20 – وقال تقي الدين الحصني في كفاية األخيار في حل غاية الختصار: «إلا أن النووي جزم في صفة الصلاة من شرح المهذب بتكفير المجسمة، قلت (تقي الدين الحصني): وهو الصواب الذي لا محيد عنه، إذ فيه مخالفة صريح القرآن ، قاتل الله المجسمة والمعطلة، ما أجرأهم على مخالفة من {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }، وفي هذه الآية رد على الفرقتين» اهـ.


21 – وقال الشيخ محمود بن محمد بن أحمد خطاب السبكي المصري في إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات ما نصه: «سألني بعض الراغبين في معرفة عقائد الدين والوقوف على مذهب السلف والخلف في المتشابه من الآيات والأحاديث بما نصه: ما قول السادة العلماء حفظهم الله تعالى فيمن يعتقد أن الله عز وجل له جهة، وأنه جالس على العرش في مكان مخصوص، ويقول: ذلك هو عقيدة السلف، ويحمل الناس على أن يعتقدوا هذا الاعتقاد، ويقول لهم: من لم يعتقد ذلك يكون كافرًا مستدلا بقوله تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقوله عز وجل: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} أهذا الاعتقاد صحيح أم باطل؟ وعلى كونه باطلا أيكفر ذلك القائل باعتقاده المذكور ويبطل كل عمله من صلاة وصيام وغير ذلك من الأعمال الدينية وتبين منه زوجه، وإن مات على هذه الحالة قبل أن يتوب لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وهل من صدّقه في ذلك الاعتقاد يكون كافرًا مثله؟ فأجبت بعون الله تعالى، فقلت: بسم الله الرحمـن الرحيم الحمد لله الهادي إلى الصواب، والصلاة والسلام على من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وعلى ءاله وأصحابه الذين هداهم الله ورزقهم التوفيق والسداد. أما بعد: فالحكم أن هذا الاعتقاد باطل ومعتقده كافر بإجماع من يعتد به من علماء المسلمين ، والدليل العقلي على ذلك قِدَم الله تعالى ومخالفته للحوادث، والنقلي قوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} ، فكل من اعتقد أنه تعالى حلّ في مكان أو اتصل به أو بشىء من الحوادث كالعرش أو الكرسي أو السماء أو الأرض أو غير ذلك فهو كافر قطعًا ، ويبطل جميع عمله من صلاة وصيام وحج وغير ذلك، وتبين منه زوجه، ووجب عليه أن يتوب فورًا، وإذا مات على هذا الاعتقاد والعياذ بالله تعالى لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ومثله في ذلك كله من صدَّقه في اعتقاده أعاذنا الله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. وأما حمله الناس على أن يعتقدوا هذا الاعتقاد المكفر، وقوله لهم: من لم يعتقد ذلك يكون كافرًا، فهو كفر وبهتان عظيم»اهـ.


ثم قال الشيخ محمود محمد خطاب السبكي عقب هذه الفتوى: «هذا وقد عرضت هذه الإجابة على جمع من أفاضل علماء الأزهر فأقروها، وكتبوا عليها أسمائهم، وهم أصحاب الفضيلة:


الشيخ محمد النجدي شيخ السادة الشافعية.


والشيخ محمد سبيع الذهبي شيخ السادة الحنابلة.


والشيخ محمد العربي رزق المدرس بالقسم العالي.


والشيخ عبد الحميد عمار المدرس بالقسم العالي.


والشيخ علي النحراوي المدرس بالقسم العالي.


والشيخ دسوقي عبد الله العربي من هيئة كبار العلماء.


والشيخ علي محفوظ المدرس بقسم التخصص بالأزهر.


والشيخ إبراهيم عيارة الدلجموني المدرس بقسم التخصص بالأزهر.


والشيخ محمد عليان من كبار علماء الأزهر.


والشيخ أحمد مكي المدرس بقسم التخصص بالأزهر.


والشيخ محمد حسين حمدان» اهـ.


22 – وقال الشيخ محمود بن محمد بن أحمد خطاب السبكي المصري أيضًا في كتاب الدين الخالص: «إن من اعتقد وصفه تعالى بشىء من الجسمية أو الاستقرار على العرش أو الجهة … فهو كافر بإجماع السلف والخلف» اهـ.


23 – وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري وكيل المشيخة الإسلامية في دار الخلافة العثمانية في مقالات الكوثري ما نصه: «إن القول بإثبات الجهة له تعالى كفر عند الأئمة الأربعة هداة الأمة كما نَقل عنهم العراقي على ما في شرح المشكاة لعلي القاري» اهـ.


فبان من هذه النصوص الواضحة عن جملة من علماء الأمة الإسلامية من السلف الصالح والخلف أن معتقد الجهة والمكان في حق الله تعالى مكذب للقرءان الكريم ولنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ومخالف لما اتفقت عليه كلمة هذه الأمة.


فمن ادعى أن انحرافه في العقيدة من نحو اعتقاد الجسمية والجهة في حق الله اجتهاد منه فقد نادى على نفسه بالجهل والكفر والشذوذ عن إجماع الأمة.



كيف أعرف من على الحق؟

 السؤال:

لقد كثر الكلام في العقيدة وصفات الله، فمنهم من يأخذ الآيات المتشابهة على الظاهر ومنهم من يؤول.. هل للأئمة الأربعة خلاف في العقيدة؟ هل الحنابلة والحنفية مختلفون في معنى الاستواء مثلاً؟ وكيف أعرف من هم على حق؟


الجواب:


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،


السبيل لمعرفة الحق ومن على الحق التمسك بما عليه الجمهور أي جمهور الأمة الاسلامية. فعليك باتباع المذاهب الأربعة واياك والفرقة كالوهابية المجسمة وحزب الاخوان وحزب التحرير وزنادقة التصوف الحلولية.. تمسك بما عليه الجمهور، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وءاله وصحبه وسلم: “المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد” وقال عليه الصلاة والسلام: “عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة، فليلزم الجماعة”.


وقال تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) لهذا دعوتنا للتمسك بالجماعة وما أجمعت عليه الأمة الاسلامية والحذر الحذر من الفرق المنحرفة وأفكارها الهدامة التي حذرنا منها الشرع الحنيف.


وأئمة المذاهب الأربعة مجمعون باتفاق على العقيدة، كلهم على نفس العقيدة في الله وصفاته، ليس منهم واحد من يزعم أن الله جسم أو يشبه الخلق أو قاعد على العرش أو يسكن السماء أو الجهات، كلهم ينزهون الله عن الحد والمكان والجسم. انما خلافهم كان في الفقه ولكل أدلته الشرعية وخلاف الأئمة رحمة للأمة. أما من خالف في الأصول أي في العقيدة، كمن يعتقد أن الله جسم، أو أن الله يسكن السماء أو الجهات، أو اعتقد أن النبي محمد ليس بشرا، أو أنه خلق من نور، أو أن النبي جزء من الله، أو أنكر نبوة أحد من الأنبياء، فهذا ليس بمسلم لأنه كذب القرءان والحديث والاجماع.


اجماع الأمة في العقيدة


وبالنسبة لعقيدة الأئمة الأربعة، فكلهم متفقون أن المجسم كافر.


 

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه فيما نقل ابن المعلم القرشي عنه في كتاب “نجم المهتدي” ص ]551 [عن “كفاية النبيه في شرح التنبيه” ما نصه : ” وكذا من يعتقد أن الله جالس على العرش كافر” كما حكاه القاضي حسين هنا عن نص الشافعي رضي الله عنه” انتهى كلام ابن المعلم القرشي. والقَاضِي حُسَين مِن كِبَار الشّافِعيّة كَان يُلَقَّبُ حَبْرَ الأُمّةِ كَما كانَ عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاس رضيَ اللهُ عَنهُمَا،وهوَ مِن الطّبقَةِ التي تَلِي الإمامَ الشّافِعيَّ وهُمُ الذينَ يُقَالُ لهُم أَصحَابُ الوُجُوه . وذكر ابن المعلم القرشي أيضافي ص ]588[ما نَصُّه :”عن عَليّ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ سَيَرجِعُ قَومٌ مِنْ هَذِهِ الأُمّةِ عِندَ اقتِرَابِ السّاعَةِ كُفّارًا قَالَرَجُلٌ يَا أَمِيرَ المؤمنينَ كُفرُهُم بماذَا أَبِالإحْدَاثِ أَمبِالإنْكَارِفَقالَبل بالإنكَارِ يُنْكِرُونَ خَالِقَهُم فيَصِفُونَه بالجِسمِ والأَعضَاء.”


وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه أيضا: “المجُسّم كافر” ذكره الحافظ السيوطي في “الأشباه والنظائر” ص ]488[ والمشبهة مجسمة فالشافعيّ كفرهم.


وقال الإمام أحمد رضي الله عنه : “مَن قَالَ اللهُ جِسمٌ لا كالأجسَام كفَر” رواه عن الإمام أحمد أبو محمد البغدادي صاحب الخصال من الحنابلة كما رواه عن أبي محمد الحافظ الفقيه الزركشي في كتابه “تشنيف المسامع” [684/4]


وسُئِلَ الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل عن الاستواءِ فقالَ: استَوَى كما أخبرَ لا كَمَا يخطُرُ للبشر.


وقال الإمامُ أبو حنيفةَ في رسالتهِ (الوصيّة) : ونُقِرُّ بأنَّ اللهَ على العرشِ استوَى مِنْ غيرِ أنْ يكونَ لهُ حاجةٌ إليهِ واستقرارٌ عليهِ.


وقال الامام مالك: “الاستواء معلوم والكيف عنه مرفوع”، وفي رواية: “والكيف غير معقول” أي الله منزه عن الكيفية.


وعلى هذا أجمع السلف والخلف، أي على تنزيه الله عن الكيفية “أمروها -أي صفات الله- كما جاءت بـــــلا كيف”. ومن وصف الله بالكيفية ولو قال كيفية مجهولة كالذي يقول: الله جسم ولا ندري كيف، أو الله له جوارح ولا ندري كيف، هذا يكفر لأنه شبّه الله بخلقه. الله منزه عن الجسم والكيفية. والكيفية هي صفات الأجسام، صفات الخلق من جسم وطول وعرض وحجم. والجسم والحجم هو ما كان محدوداً أي ما له حد سواء كان حجما صغيرا كالذرة أو كبيرا كالعرش، أو لطفيا كالنور أو الهواء أو كثيفاً كالحجر والشجر والبشر، الله لا يشبه شىء من هذا كله لأنه قال تعالى: (ليس كمثله شىء وهو السميع البصير).


قال الإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه في كتاب النوادر: “من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارفٍ بربه وإنّه كافر به”


وقَد نَقَل الحافظُ تقِيّ الدّين السّبكي أنّ الأئِمّةَ الأربعَة قَالُوا بتَكفِيرِ مَن نَسَبَ الجهَةَ إلى اللهِ.


ونَقلَ ابنُ حَجرٍ الهيتَميُّ في كتابِه المنهَاج القَويم عن الأئِمّة تكفِيرَهُم للمُجَسِّم فقَالَ فيص ]144[ما نَصُّه: “واعلَم أنّ القَرافيَّ وغَيرَه حكَوا عن الشّافِعيّ ومَالكٍ وأحمدَ وأبي حَنيفَة رضيَ اللهُ عَنهُم القَولَ بكُفرِ القَائِلينَ بالجِهةِ والتّجسِيم وهُم حَقِيقُونَ بذَلكَ” اهـ


وذكر ملا علي القاري الحنفي في كتابه “شرح المشكاة”[137/2] إجماع الأمة على كفر من اعتقد أن الله تعالى في جهة. وقال محمود الخطاب السبكي في كتابه “إتحاف الكائنات”[2-3] بأن الإمام العراقي صرح بكفر معتقد الجهة وبه قال أبوحنيفة ومالك والشافعي وأبو الحسن الأشعري والباقلاني. ونقله عنهم أيضا القرافي المالكي وابن حجر الهيتمي الشافعي.


وقال الكوثري (1371هـ) وكيل المشيخة الإسلامية في دار الخلافة العثمانية في مقالاته ما نصه [231]: “إن القول بإثبات الجهة له تعالى كفر عند الأئمة الأربعة هداة الأمة كما نقل عنهم العراقي على ما في شرح المشكاة لعلي القاري” اهـ


أما الذي يعتقدُ أنَّ اللهَ جالسٌ أو مُستَقِّرٌ على العرشِ فقد وافَقَ اليهودَ في عقيدتهم الكفريّة. فاعلم يا طالب الحق والهدى أنه لو لم يكن دليل على كفر المشبهة المجسمة الذين يصفون الله بالمكان أو الجهة أو الجلوس أو الاستقرار على العرش أو فوقه والقائلين بالحركة أو السكون فى حق الله تعالى إلا قوله تعالى:ليس كمثله شئ ، لكفى.


حكم التجسيم والمجسمة عند الحنابلة خصوصًا

 

حكم التجسيم والمجسمة عند الحنابلة خصوصًا


نقل ابن حمدان عن الإمام أحمد رضي الله عنه([1]) «تكفير من قال عن الله: جسم لا كالأجسام» اهـ. ونقله صاحب الخصال من الحنابلة كما ذكر ذلك المحدّث الأصوليّ بدر الدين الزركشيّ([2]).


وقال أبو الفضل التميميّ رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها([3])كما تقدم: «وأنكر أحمد على من قال بالجسم ـ أي في حقّ الله ـ وقال: إن الأسماء

ـ أي أسماء الأشياء ـ مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم ـ أي الجسم ـ لذي طول وعرض وسَمك وتركيب وصورة وتأليف، والله سبحانه وتعالى خارج عن ذلك كلّه ـ أي منـزّه عن ذلك

كلّه ـ ولم يجئ ذلك في الشريعة ـ أي ولم يَرِدْ إطلاق الجسم على الله في الشرع ـ فبطل إطلاق ذلك على الله شرعًا ولغةً» اهـ. ونقله عنه الحافظ البيهقيّ في مناقب أحمد([4]) وغيرُه([5]).


ويقول التميميّ في الكتاب عينه([6]): «والله تعالى لم يلحقه تغيُّر ولا تبدُّل، ولا تلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش، وكان ـ أي الإمام أحمد ـ ينكر على من يقول: إن الله في كل مكان بذاته لأن الأمكنة كلها محدودة» اهـ.


وقال ابن الأثير في تاريخه([7]): «وفيها ـ أي سنة 429هـ ـ أنكر العلماء على أبي يعلى بن الفراء الحنبليّ ما ضمّنه كتابه من صفات الله سبحانه وتعالى المشعرة بأنه يعتقد التجسيم، وحضر أبو الحسن القزوينيّ الزاهد بجامع المنصور، وتكلم في ذلك، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا» اهـ.


ويقول ابن الأثير([8]) أيضًا عند ذكر السَّنَة التي توفي فيها أبو يعلى المجسّم وهي عام 458هـ، ما نصه: «وهو مصنّف كتاب الصفات أتى فيه بكل عجيبة، وترتيب أبوابه يدل على التجسيم المحض، تعالى الله عن ذلك، وكان ابن التميميّ الحنبليّ يقول: لقد خَرِئَ أبو يعلى الفرَّاء على الحنابلة خرية لا يغسلها الماء» اهـ. وسبب ذلك أنه ألّف كتابًا سماه إبطال التأويلات، وهو كتاب بدعيّ، وهذا غير مؤلفاته الأخرى التي فيها التجسيم والبدع.


وهذا ابن تيمية الحرانيّ نفسه إما م المجسمة يقول([9]) -وكلامه هنا حق-: «إذ لا يختلف أهل السّنة أن الله تعالى ليس كمثله شىء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، بل أكثر أهل السّنة من أصحابنا وغيرهم يكفّرون المشبهة والمجسمة» اهـ. وهو يناقض نفسه في مواضع أخرى، وهذا شأنه في التذبذب، والعياذ بالله.


ومما قاله الشيخ ابن حجر الهيتميّ([10]) في التحذير من ابن تيمية المجسّم وتلميذه ابن القيّم تحت عنوان «مطلب في عقيدة الإمام أحمد رضي الله عنه وأرضاه»: «وسئل ـ أي الهيتميّ ـ: في عقائد الحنابلة ما لا يخفى على شريف علمكم، فهل عقيدة الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه كعقائدهم؟

فأجاب بقوله: عقيدة إمام السّنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنان المعارف مُتَقَلَّبَهُ ومأواه، وأفاض علينا وعليه من سوابغ امتنانه وبوَّأَه الفردوس الأعلى من جنانه، موافقة لعقيدة أهل السّنة والجماعة من المبالغة التامة في تنزيه الله، تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًّا كبيرًا، عن الجهة والجسمية وغيرهما من سائر سمات النقص، بل وعن كل وصف ليس فيه كمال مطلق. وما اشتهر به جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد من أنه قائل بشىء من الجهة أو نحوها فكذب وبهتان وافتراء عليه، فلعن الله من نسب ذلك إليه أو رماه بشىء من هذه المثالب التي برّأه الله منها. وقد بيّن الحافظ الحجة القدوة الإمام أبو الفرج بن الجوزيّ من أئمة مذهبه المبرئين من هذه الوصمة القبيحة الشنيعة أن كل ما نسب إليه من ذلك كذب عليه وافتراء وبهتان، وأن نصوصه صريحة في بطلان ذلك وتنزيه الله تعالى عنه، فاعلم ذلك فإنه مهم. وإياك أن تصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه وأضلّه الله على علم، وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله، وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود وتعدَّوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة، فظنّوا بذلك أنهم على هدى من ربهم، وليسوا كذلك، بل هم على أسوأ الضلال وأقبح الخصال وأبلغ المقت والخسران وأنهى الكذب والبهتان، فخذل الله متبعهم وطهّر الأرض من أمثالهم» اهـ.


[1] ) نهاية المبتدئين، ابن حمدان، ص30.


[2] ) تشنيف المسامع، الزركشيّ، 4/684.


[3] ) اعتقاد الإمام المبجّل، أبو الفضل التميميّ، 1/298.


[4] ) عقيدة الإمام أحمد، البيهقي، ص111.


[5] ) إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل، ابن جماعة، ص33.


[6] ) اعتقاد الإمام المبجّل، أبو الفضل التميميّ، 1/297.


[7] ) الكامل في التاريخ، ابن الأثير، 8/16.


    علي بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، أبو الحسن عز الدين بن الأثير، المؤرخ الإمام، من العلماء بالنسب والأدب. ولد ونشأ في جزيرة ابن عمر وسكن الموصل، ت 630هـ. من تصانيفه: «الكامل»، و«أسد الغابة في معرفة الصحابة». الأعلام، الزركلي، 4/331.


[8] ) الكامل في التاريخ، ابن الأثير، 8/104.


[9] ) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، 6/356.


[10] ) الفتاوى الحديثية، ابن حجر الهيتميّ، 1/480، 481.


عقيدة أبي الفضل التميمي الحنبلي و موافقته للأشاعرة

 






عقيدة أبي الفضل التميمي الحنبلي و موافقته للأشاعرة


أبو الفضل التميمي هو رئيس الحنابلة في بغداد وابن رئيسها، وهو من كبار فقهاء المذهب الحنبلي، توفي سنة 410 للهجرة، وهو من الحنابلة المتقدمين -طبقة الحنابلة المتقدمين تنتهي حوالي 403 هجري –


قال عنه الذهبي: “الامام الفقيه رئيس الحنابلة”. انتهى


وقال الخطيب البغدادي: قال عنه الخطيب البغدادي: “كان صدوقًا، دفن إلى جنب قبر الإمام أحمد، وحدثني أبي وكان ممن شيعه أنه صلى عليه نحو من خمسين ألفا رحمه الله”. انتهى


وقد كان أكثر المتقدمون من الحنابلة وبعض المتأخرين يوافقون ما قرره الإمام أبو الحسن الأشعري باعتراف ابن تيمية، حيث قال في التعارض: “وكان القدماء من أصحاب أحمد كأبي بكر عبد العزيز و أبي الحسن التميمي وأمثالهما يذكرونه – أي الإمام الأشعري- في كتبهم على طريق ذكر الموافق للسنة في الجملة، ويذكرون ما ذكره من تناقض المعتزلة”. انتهى


وقال التاج السبكي في طبقات الشافعية :”أبو الحسن الأشعري كبير أهل السنة بعد الإمام أحمد بن حنبل وعقيدته وعقيدة الإمام أحمد واحدة لا شك في ذلك ولا ارتياب وبه صرح الأشعري في تصانيفه ، وذكره غير ما مرة ،من أن عقيدتي هي عقيدة الإمام المبجل أحمد بن حنبل، هذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضع من كلامه”. انتهى


وقال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة في معرض ترجمة برهان الدين إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن هِلَال بن بدر القَاضِي برهَان الدّين الزرعي الْحَنْبَلِيّ ما نصه: ” ولد سنة 688 وَسمع من أبي الْفضل بن عَسَاكِر والموازيني وَابْن القواس واليونيني وَحدث وتفقه وبرع واشتغل على ابْن تَيْمِية وَابْن الزملكاني والقزويني وَمهر وَتقدم فِي الْفتيا ودرس بأماكن مِنْهَا الْمدرسَة الحنبلية عوضا عَن ابْن تَيْمِية حَيْثُ سجن فمقتته الْحَنَابِلَة لذَلِك وَكَانَ أَيْضا أشعري المعتقد فِي الْغَالِب من أَحْوَاله وَكتب الْخط الْحسن الْفَائِق قَالَ ابْن رَافع كَانَ من أذكياء النَّاس”. انتهى


وأما ابن تيمية، فهذه الموافقة والمودة بين كبار الأشاعرة ومتقدمي الحنابلة لم تعجبه لأن ذلك يهدم عليه أهواءه، وزعم أن الأشعرية ينتحلون ذلك فقط للانتساب لأهل السنة، فقال في مجموع الفتاوى : “ولهذا لما كان أبو الحسن الأشعري وأصحابه منتسبين إلى السنة والجماعة كان منتحلا للإمام أحمد ذاكرا أنه مقتد به متبع سبيله وكان بين أعيان أصحابه من الموافقة والمؤالفة لكثير من أصحاب الإمام أحمد ما هو معروف حتى إن أبا بكر عبد العزيز يذكر من حجج أبي الحسن في كلامه مثل ما يذكر من حجج أصحابه لأنه كان عنده من متكلمة أصحابه، وكان من أعظم المائلين إليهم التميميون أبو الحسن التميمي وابنه وابن ابنه ونحوهم “. انتهى


ويكفي لدفع أكاذيب ابن تيمية أن متقدمي الحنابلة اعترفوا بفضل الأشعرية في الذب عن الشريعة الغراء، فقد قال الذهبي في السير:” أمر شيخ الحنابلة أبو الفضل التميمي مناديا يقول بين يدي جنازة أبي بكر الباقلاني: هذا ناصر السنة والدين، والذاب عن الشريعة، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة.ثم كان يزور قبره كل جمعة”. انتهى


وقد كان أبو الفضل التميمي صديقا للقاضي ابي بكر الباقلاني الأشعري المالكي وموادا له، تجمعهما محبة كبيرة. وهذه المودة بين الباقلاني وأبي الفضل ذكرها ابن تيمية نفسه في مجموع الفتاوى، فقال: ” وكان بين أبي الحسن التميمي وبين القاضي أبي بكر بن الباقلاني من المودة والصحبة ما هو معروف مشهور”. انتهى


وقال في درء التعارض: “وكان بين التميميين وبين القاضي أبي بكر وأمثاله من الائتلاف والتواصل ما هو معروف وكان القاضي أبو بكر يكتب أحيانا في أجوبته في المسائل محمد بن الطيب الحنبلي ويكتب أيضا الأشعري ولهذا توجد أقوال التميميين مقاربة لأقواله وأقوال أمثاله المتبعين لطريقة ابن كلاب”. انتهى


وقال في الدرء أيضا : ” ولما صنف أبو بكر البيهقي كتابه في مناقب الإمام أحمد – و أبو بكر البيهقي موافق لابن الباقلاني في أصوله – ذكر أبو بكر اعتقاد أحمد الذي صفنه أبو الفضل عبد الواحد بن أبي الحسن التميمي وهو مشابه لأصول القاضي أبي بكر “. انتهى


فلا فرق عند التحقيق بين عقيدة أهل السنة الأشاعرة وعقيدة الإمام أحمد، لكن المشبهة المنتسبين إلى الإمام أحمد هم الذين شانوا مذهبه من بعده و نسبوا اليه أحاديث لم يقلها، وهذا باعتراف ابن شاهين.


ولذلك كان الإمام أبو الفضل التميمي يكثر من ذكر اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، و يعدد أقواله في التنزيه ومجانبته للمجسمة، وكان أبو الفضل قد أخذ عن أبيه، وهو عن الإمام الخرقي وغلام الخلال وهما من أعيان الحنابلة.


وقد نقل الإمام البيهقي في كتابه مناقب الإمام أحمد عن أبي الفضل أن الإمام أحمد قال ما نصه: “أنكر أحمد على من قال بالجسم، وقال: إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف, والله سبحانه خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يسمى جسماً لخروجه عن معنى الجسمية، ولم يجيء في الشريعة ذلك فبطل” انتهى.


وهذا الكلام بنصه ورد في ذيل طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى في ما ينقله عن الإمام أحمد.


كما ورد في ذيل طبقات الحنابلة أيضا أن أبا الفضل قال ما نصه: “كان الإمام أحمد رحمه الله يقول: إن لله تعالى يدين، وهما صفة له في ذاته، ليستا بجارحتين، وليستا بمركبتين، ولا جسم ولا من جنس الأجسام، ولا من جنس المحدود والتركيب والأبعاض والجوارح، ولا يقاس على ذلك، ولا له مرفق، ولا عضد، ولا فيما يقتضى ذلك من إطلاق قولهم: “يد” إلا ما نطق القرآن الكريم به، أو صحَّت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم السنة فيه” انتهى


وهذه النصوص التي ذكرها أبو الفضل التميمي تدل أن الإمام أحمد كان على مذهب التفويض في بعض الصفات الخبرية.


ولما كانت هذه العقائد المروية عن الامام أحمد تخالف ما كان عليه ابن تيمية، حاول الطعن فيها فقال في مجموع الفتاوى : “اعتمد الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه الذي صنفه في مناقب الإمام أحمد لما ذكر اعتقاده اعتمد على ما نقله من كلام أبي الفضل عبد الواحد بن أبي الحسن التميمي وله في هذا الباب مصنف ذكر فيه من اعتقاد أحمد ما فهمه ولم يذكر فيه ألفاظه وإنما ذكر جمل الاعتقاد بلفظ نفسه وجعل يقول وكان أبو عبدالله وهو بمنزلة من يصنف كتابا في الفقه على رأي بعض الأئمة ويذكر مذهبه بحسب ما فهمه ورآه وإن كان غيره بمذهب ذلك الإمام أعلم منه بألفاظه وأفهم لمقاصده فإن الناس في نقل مذاهب الأئمة قد يكونون بمنزلتهم في نقل الشريعة ومن المعلوم أن أحدهم يقول حكم الله كذا أو حكم الشريعة كذا بحسب ما اعتقده عن صاحب الشريعة بحسب ما بلغه وفهمه وإن كان غيره أعلم بأقوال صاحب الشريعة وأعماله وأفهم لمراده”. انتهى


فان كان متقدمو الحنابلة نقلوا عقيدة الامام أحمد بحسب ٱراءهم و فهمهم، فهل كان المتأخرون منهم الذين تلبسوا بلوثة التجسيم أفهم منهم؟ وان كانت هذه العقيدة المروية عن أحمد قد نقلها بعض الحنابلة في كتبهم من غير الطعن فيها فما بال هذا الحراني يتكلف رد هذه العقائد السنية في تنزيه الله عز وجل المنقولة بالسند المتصل للإمام أحمد؟


وهذا الأمر ليس غريبا عن ابن تيمية الذي صرح بتبديع السلف و الخلف، حيث قال في مجموع الفتاوى: “وكثير ‌من ‌مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم”. انتهى


ومن هنا ينبغي التنبيه إلى ان الكلام في العقائد لا يثبت الا بالأسانيد المتصلة الصحيحة، وليس بمجرد ما تم العثور عليه في الكتب. فالنسخة الرائجة من عقيدة الإمام المبجل أحمد ابن حنبل التي ألفها أبو الفضل التميمي موافقة في مجملها للعقائد الأشعرية إلا في ما يتعلق بمسألة كلام الله، حيث دس فيها بعض المجسمة عبارات تدل على أن الله يتكلم بحرف وصوت، و هذا يتناقض مع بعض العقائد المذكورة في النسخة المحرفة نفسها، حيث جاء فيها أن الإمام أحمد قال: “ان الله عز و جل واحد لا من عدد لا يجوز عليه التجزؤ ولا القسمة وهو واحد من كل جهة وما سواه واحد من وجه دون وجه”. انتهى


فإن كان الإمام أحمد ينفي التجزء و القسمة عن الله و صفاته فكيف يكون كلامه عز وجل حرفا، و الحروف يطرأ عليها التعاقب والتجزأ؟


كما ورد في تلك النسخة أن الإمام أحمد قال: “وعلم الله تعالى بخلاف ذلك كله صفة له لا تلحقها آفة ولا فساد ولا إبطال وليس بقلب ولا ضمير واعتقاد ومسكن ولا علمه متغاير”. انتهى


فإن كان علم الله لا يلحقه إبطال و لا يتغير فكيف تكون صفة الكلام بخلاف صفة العلم؟


ثم لو كان الله متكلما بحرف و صوت لكان كلامه، بعضه أفضل من بعض، و لتعلقت إرادته بكلامه وهو ممتنع شرعا و عقلا بل إرادته متعلقة بكل ممكن عقلي يجوز إيجاده تارة و اعدامه تارة أخرى، وهذا أيضا بخلاف ما نقله أبو الفضل التميمي عن الإمام أحمد أنه قال: “والله تعالى مريد لكل ما علم أنه كائن وليست إرادته كإرادات الخلق”. انتهى


وحتى ابن تيمية قد أثبت عن أبي الفضل التميمي أنه لا يقول باثبات الصفات الاختيارية و قيام الحوادث بذات الله عز و جل فقال في مجموع الفتاوى: ” وسلك – أي أبي الفضل التميمي- طريقة ابن كُلاب في الفرق بين الصفات اللازمة كالحياة و الصفات الاختيارية وأن الرب يقوم به الأول دون الثاني- كثير من المتأخرين، من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، كالتميميين أبي الحسن التميمي، وابنه أبي الفضل التميمي، وابن ابنه رزق الله التميمي، وعلى عقيدة الفضل التي ذكر أنها عقيدة أحمد اعتمد أبو بكر البيهقي فيما ذكره من مناقب أحمد من الاعتقاد”. انتهى


ومن الحنابلة الذين وافقوا الأشعرية في صفة الكلام الشيخ محمد بن أحمد البهوتي الخلوتي، حيث وجه كلام شيخه الشيخ منصور البهوتي في كتاب الشهادات وبين أنه قائل بأن الكلام هو المعنى القديم القائم بذات الله سبحانه موافقة الأشعرية. وهذا مذكور في حاشية منحة الرحمن على قلائد العقيان.


ولينظر أيضا لتناقض العبارة المنسوبة لأبي الفضل التميمي، حيث زعموا أنه قال: “وكان -أي الإمام أحمد- يقول إن القرآن كيف تصرف غير مخلوق وأن الله تعالى تكلم بالصوت والحرف”. انتهى


فهل يقول هؤلاء أن الحرف الذي تكلم به الله غير مخلوق؟ ومعلوم أن الحروف أعراض تتعاقب، والتعاقب ينافي الأزلية.


وما أحسن قول الإمام أحمد الذي نقله أبو الفضل في المخطوط : “لا يجوز أن ينفرد الحق عن صفاته ومعنى ما قاله من ذلك أن المحدث محدث بجميع صفاته على غير تفصيل وكذلك القديم تعالى قديم بجميع صفاته”. انتهى


فكلام المخلوقين محدث بجميع صفاته على غير تفصيل سواء الصوت أو الحرف أو اللغة و البارئ كلامه بخلاف ذلك كله.


ملاحظة عدد 1:


يزعم بعض المجسمة أن الحافظ ابن حجر اثبت في الفتح أن الإمام أحمد نسب الصوت لله عز وجل ونص عبارته : “وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت فقال لي أبي بل تكلم بصوت هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث ابن مسعود وغيره”. انتهى


وجواب هذا الادعاء أن هذا الكلام ليس لابن حجر، بل هو نقله من كلام بعض من أثبت الصوت لله بدليل أن ابن حجر صدّر الكلام بقوله: “وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه وانه يجوز ان يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه. وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل….”


وهذا الأثر مذكور أيضا في النسخ الرائجة لكتاب السنة المنسوب لعبد الله بن الإمام أحمد، ولا يصح عنه.


بيان وُقوع الدَّسِّ والتَّحريف والتَّصحيف في كُتُب الإمام الباقلَّانيِّ رحمه الله تعالَى

 

بيان وُقوع الدَّسِّ والتَّحريف والتَّصحيف


في كُتُب الإمام الباقلَّانيِّ رحمه الله تعالَى


براءة الإمام الباقلَّانيِّ مِن ترك تكفير المُجسِّمة


الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.


1


وبعدُ كان القاضي أبو بكر الباقلانيُّ ألمعيًّا يُضرب المَثَل بفهمه وذكائه ويُلَقَّبُ بسيف السُّنَّة ولسان الأُمَّة. وقد قيل يومَ وفاته: (هذا إمام المُسلمين هذا الَّذي كان يذُبُّ عن الشَّريعة أَلسِنَةَ المُخالفين هذا الَّذي صنَّف سبعين ألف ورقة ردًّا على المُلحدين) انتهَى.


2


على أنَّ كثيرًا مِن مُصنَّفات الباقلَّانيِّ ضاعت كما ضاعت كُتُب غيره مِن العُلماء فلم يصل منها إلَّا نُسَخ يسيرة وقع في بعضها التَّصحيف والتَّحريف على أيدي الزَّنادقة والمُشبِّهة فلم تكُن بخطِّ المُصنِّف ولا حُفظ لها سند موثوق ولا قُوبِلت على أُصول صحيحة.


3


فقد عاش الباقلانيُّ هذا الإمام الجليل في القرن الرَّابع الهجريِّ وتُوُفِّيَ أوَّلَ الخامس، وفي ذلك الزَّمان كان الدَّسُّ كثيرًا جدًّا في كُتُب العُلماء بل وكان الدَّسُّ يقع أحيانًا في كتاب العالِم في حياته قبل موته فيراه بأُمِّ عينه كما حصل مع الإمام الغزاليِّ في نيسابور.


4


ففي [فضائل الأنام مِن رسائل حُجَّة الإسلام] ص/45 أنَّ الغزاليَّ رحمه الله قال: <هاج حسد الحُسَّاد ولم يجدوا أيَّ طعن مقبول غير أنَّهُم لبَّسوا الحقَّ بالباطل وغيَّروا كلمات مِن كتاب [المُنقذ مِن الضَّلال] وكتاب [مشكاة الأنوار] وأدخلوا فيها كلماتِ كُفر> إلخ..


5


وقال الكوثريُّ في هامش [التَّبيين]: <مِن عادة الحشويَّة أنْ يترصَّدوا الفُرَص لإفناء أمثال هذه الكُتُب إمَّا بحرقها عِلانًا يوم يكون لهم شوكة وسُلطان وإمَّا بسرقتها مِن دُور الكُتُب أو بوضع موادَّ مُتلِفة فيها وإمَّا بتشويهها بطرح ما يُخالف عقولهم منها عند نسخها أو الكشط والشَّطب في نُسخها الأصليَّة> انتهَى.


6


فالتَّصحيف والتَّحريف هُمَا السَّبب في أنَّنا نرَى في كُتُب الباقلَّانيِّ مسائلَ أنكرها العُلماء، على أنَّ بعضَهُم يُرجِع سبب وُجودها في كُتُبه إلى الدَّسِّ وهذا أرجح الآراء لِمَا سنجد فيما يُنقل عنه مِن تناقُض لا يُتَصَوَّر وُقوعُه مِن ألمعيٍّ يتوقَّد ذكاء كالإمام الباقلَّانيِّ.


7


وإذا علمتَ أخي القارئ أنَّ المُجسِّمة مِن المُشبِّهة فقد نقل الإمام أبو منصور البغداديُّ -تـ429هـ- الإجماع على كُفر المُشبِّهة كُلِّهم في كتابه [الفَرق بين الفِرق] ثُمَّ قال: (فإنَّا نُكفِّرُهُم كما يُكفِّرون أهل السُّنَّة ولا تجوز الصَّلاة عليهم عندنا ولا الصَّلاة خلفَهُم) انتهَى.


8


والإجماع على كُفر المُجسِّمة نُقل عن الأئمَّة الأربعة ففي [المنهاج القويم على المُقدِّمة الحضرميَّة في الفقه الشَّافعيِّ لعبدالله بن عبدالرَّحمن بافضل الحضرميِّ]: “واعلم أنَّ القرافيَّ وغيره حكَوا عن الشَّافعيِّ ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهُمُ القول بكُفر القائلين بالجهة والتَّجسيم وهُم حقيقون بذلك” انتهَى.


9


والإجماع ينعقد باتِّفاق مُجتهدي الأُمَّة في عصر مِن العُصور، ولا يُنتقَض بعد ذلك وإن خالفه مَن خالفه، فلا يجوز الاغترار بما في بعض كُتُب الباقلَّانيِّ مِن عدم تكفير المُجسِّمة فإنَّه قول لا يثبُت عنه بل وفي مواضع أُخرَى يُصرِّح الباقلَّانيُّ بتكفير المُجسِّمة.


10


وكان شيخُنا الهرريُّ يُبرِّئ الباقلَّانيَّ مِن القول بعدم تكفير مَن أضاف الجسم إلى الله تعالَى، فيقول في [إظهار العقيدة السُّنِّيَّة] ما نصُّه: <ولا نعتقد بالباقلَّانيِّ أنَّه قائل بهذا القول بل نعتقد أنَّ هذا ممَّا دُسَّ عليه أو لعلَّه مِن تحريف بعض النُّسَّاخ لكتابه> انتهَى.


11


وردَّ البعضُ على الباقلَّانيِّ على تقدير ثُبوت ذلك عنه فيقول الإمام أبو إسحق الصَّفَّار الحنفيُّ الماتُريديُّ تـ534هـ- في [تلخيص الأدلَّة]: (وقد أخطأ هذا القائل في هذا القول؛ وقول أبي حنيفة بخلافه؛ وجميعُ الأشعريَّة خالفوا هذا الأشعريَّ فيما قال) انتهَى.


12


وأمَّا نحن فنستدلُّ على براءة الباقلَّانيِّ مِن القول الفاسد بقوله في [الإنصاف]: (أفتقولون إنَّ الله جسم وجوهر وعرَض؟ فإن قالوا نعم فقد أقرُّوا بصريح الكُفر للتَّشبيه) انتهَى وبقوله عنهُم في [التَّمهيد]: (فإن مرُّوا على ذلك تركُوا التَّوحيد) انتهَى يعني كفروا كُفرًا صريحًا.


13


وقد تمسَّك بعض مَخَـ ـانِيثِ الوهَّابيَّة في زماننا -ممَّن يتمظهرون بالأشعريَّة زُورًا- بما دُسَّ على الباقلَّانيِّ مِن ترك تكفير المُجسِّم والعياذ بالله، فماذا هُم فاعلون اليوم وقد أظهرنا لهُم مِن كلام الباقلَّانيِّ نفسه وبحُروفه مِن كُتُبه ما يُناقض القول الفاسد المنسوب له؟


14


وزد على ما سبق كون الباقلَّانيِّ أشعريًّا لا يُخالف الأشاعرةَ والأشاعرةُ يحكُمون بكُفر المُجسِّمة. قال الإمام العلَّامة فخر الدِّين أحمد بن حسن الجاربرديُّ التبريزيُّ المُتوفَّى سنة 746 هجريَّة في كتابه [السِّراج الوهَّاج]: (المُجسِّمة كُفَّار عند الأشاعرة) انتهَى.


15


وأخطأ بعض المُصنِّفين عندما قالوا إنَّ الأشاعرة لا يحكُمون بكُفر المُجسِّم وردَّ عليهمُ الإمام الزَّركشيُّ فقال في [تشنيف المسامع]: <ونُقِلَ عن الأشعريَّة أنَّه يَفسُقُ وهذا النَّقل عن الأشعريَّة ليس بصحيح> انتهَى أي أنَّ الصَّحيح أنَّ الأشاعرة يُكفِّرون المُجسِّمة.


16


وحقيقة هذا مذهب الإمام الأشعريِّ فقد ثبت أنَّه قال في [النَّوادر]: <مَن اعتقد أنَّ الله جسم فهُو غير عارف بربِّه وإنَّه كافر به> انتهَى والأشعريَّة كُلُّهم مع إمامهم في هذه القضيَّة ولا يثبُت عنه أنَّه تراجع عن تكفير المُجسِّمة كما يزعُم بعض المُنحرفين الجهلة.


17


والغزاليُّ يقول في [الاقتصاد]: <فإنَّ القائلَ بأنَّ اللهَ سُبحانَه جسمٌ وعابدَ الوثن والشَّمس: واحد> انتهَى وقال في [إلجام العوام]: (مَن خطر بباله [يعني واعتقد] أنَّ الله جسم مُركَّب مِن أعضاء فهُو عابد صنم) انتهَى وهذا دليل أنَّ ما خالف هذا في كُتُبه دُسَّ عليه.


18


والسَّلف مُجمعون على تكفير المُجسِّم كما عبَّر عنهُمُ الطَّحاويُّ في عقيدته الَّتي ذكر أنَّها بيان عقيدة أهل السُّنَّة فقال: (ومَن وصف الله بمعنًى مِن معاني البشر فقد كفر مَن أبصر هذا اعتبر وعن مثل قول الكُفَّار انزجر وعلم أنَّه بصفاته ليس كالبشر) انتهَى.


19


وقال القاضي أبو مُحمَّد عبد الوهَّاب البغداديُّ المالكيُّ تـ422هـ في [شرح عقيدة مالك الصَّغير]: <ولأنَّ ذلك يرجع إلى التَّنقُّل والتَّحوُّل وإشغال الحيِّز والافتقار إلى الأماكن وذلك يؤُول إلى التَّجسيم وإلى قِدَم الأجسام وهذا كُفر عند كافَّة أهل الإسلام> انتهَى.


20


وقال المُفسِّر القُرطبيُّ في [التَّذكار]: <والصَّحيح القول بتكفيرهم إذ لا فرق بينهُم وبين عُبَّاد الأصنام والصُّور> انتهَى وقال تقيُّ الدِّين الحصنيُّ في [كفاية الأخيار] في تكفير المُجسِّمة: <وهُو الصَّواب الَّذي لا محيد عنه إذ فيه مُخالفة صريح القُرآن> انتهَى.


21


وقال شيخ جامع الزَّيتونة الشَّيخ إبراهيم المارغني التُّونُسيُّ في كتابه المُسمَّى [طالع البُشرَى على العقيدة الصُّغرَى]: <ويُسمَّى الاعتقاد الفاسد كاعتقاد قدم العالم أو تعدُّد الإله أو أنَّ الله تعالَى جسم، وصاحب هذا الاعتقاد مُجمع على كُفره> انتهَى.


22


وكذلك يُنسَب للباقلَّانيِّ مسائلُ أُخرَى فيها تكذيب للقُرآن الكريم هُو عندنا بريء منها وسيأتي بيانُها فيما يلي؛ فلا نُثبتُها عليه إن لم تُوجد البيِّنة الشَّرعيَّة فلا يجوز إثباتُها عليه لمُجرَّد أنَّنا قرأناها في كتاب مخطوط أو مطبوع منسوب لأحد مِن العُلماء.


23


فمن ذلك ما جاء في [اليواقيت والجواهر] للشَّعرانيِّ مِن أنَّ الإمام الباقلَّانيِّ قال: (قَبول إيمانه) [أي فرعون] (هُو الأقوَى مِن حيث الاستدلال ولم يرد لنا نصٌّ صريح أنَّه مات على كُفره) انتهَى ونقل الشَّعرانيُّ عنه هذا الكلام نزلة أُخرَى في [الأجوبة المرضيَّة].


24


ولم أجده في كُتُب الباقلَّانيِّ؛ ولو كان؛ فإنَّ <النُّسَخ الَّتي لم تكُن مُقابَلة بيد ثقة على نُسخة قابلها ثقة وهكذا إلى أصل المُؤلِّف الَّذي كتبه بخطِّه أو كتبه ثقة بإملاء المُؤلِّف فقابله على المُؤلِّف لا تُعتبَر نُسَخًا صحيحة بل هي نُسخ سقيمة> كما قال شيخُنا الهرريُّ.


25


وليت شعري ماذا يفعل مَخَـ ـانِيثُ الوهَّابيَّة أمام ما ينقُلُه الشَّعرانيُّ عن الباقلَّانيِّ في هذه المسألة؟ هل يُثبتون على الباقلَّانيِّ القول بقَبول إيمان فرعون ويعتبرونه خلافًا مقبولًا يجهرون به أمام النَّاس مع تكذيبه قول الله تعالَى: { فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ}.


26


وقال أهل السُّنَّة إنَّ الأنبياء عليهمُ السَّلام معصومون عن الكُفر والكبائر وصغائر الخسَّة قبل النُّبُوَّة وبعدها فلا يجوز عليهم إلَّا صغيرة غير مُنَفِّرة، وفي بعض كُتُب الباقلَّانيِّ تجويز بعثة الكافر ومُرتكب الكبيرة! ولكنَّنا نقول إنَّ هذا ممَّا دُسَّ على الباقلَّانيِّ.


27


وقد دُسَّ على الباقلَّانيِّ القول بأنَّ البُغاة كانوا مأجورين بقتالهم للخليفة الرَّاشد ويفضح هذا الدَّسَّ قولُه في [مناقب الأئمَّة] عن سيِّدنا عليٍّ: <وأنَّ حربَ إمامٍ هذه سبيلُه لا مدخلَ له في مسائل الاجتهاد> انتهَى أي لا يكون مبنيًّا على الشَّرع ولا يكون اجتهادًا مُعتبَرًا.


28


وفي بعض كُتُب الباقلَّانيِّ أنَّه قال: (فأثبت لنفسه في نصِّ كتابه‏:‏ الوجه والعينين) انتهَى ومعلوم أنَّ لفظ التَّثنية غير وارد في القُرآن بخلاف الإفراد والجمع قال تعالَى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} وقال عزَّ وجلَّ: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} أمَّا ذكر التَّثنية فبدعة وتحريف.


29


فإذا قرأنا لعالِم قولًا يُخالف الشَّرع فلا نُثبتُه عليه بلا بيِّنة فهذا المُؤرِّخ الصَّلاح الصَّفديُّ عندما وجد مسألة مُنكرة منسوبة للإمام الجُوينيِّ قال في [الوافي بالوَفَيات]: <أنا أُحاشي إمام الحرمَين عن القَول بهذه المسألة والَّذي أظنُّه أنَّها دُسَّت في كلامه> إلخ..


30


وقد أشار القاضي عياض إلى عبارة أنكرها في بعض كُتُب الغزاليِّ، فقال ابن حجر الهيتميُّ: <وعبارتُه الَّتي أشار إليها القاضي “على تقدير كونها عبارتَه وإلَّا فقد دُسَّ عليه في كُتُبه عبارات حسَدًا”> إلخ.. فانظُر كيف لم يقطع أنَّها مِن كلامه رغم كونها في كتابه.


31


والخُلاصة أنَّ العقيدة الإسلاميَّة أعلَى وأعظم مِن أن يُعتمد فيها على الرَّجوع إلى كُتُب غير مُحقَّقة لأنَّ مَن أخذ منها شيئًا يُكذِّب به القُرآن أو أصلًا مِن أُصُول العقيدة الإسلاميَّة لا يكون مُسلمًا بعد ذلك.. فاعتبروا.. وآخر النَّصيحة أن الحمدلله ربِّ العالمين.


نهاية المقال.


فائدة


في بيان مَن هُو المُجسِّم الحقيقيُّ


أ)


إنَّ الكلام في تكفير المُجسِّم يُراد به الَّذي عرف معنَى الجسم ثُمَّ أضافه إلى الله تعالَى، فهذا الَّذي كفَّره الأشاعرة وكافَّة أهل الإسلام. وأمَّا مَن توهَّم لجهله أنَّ لفظ (الجسم) يعني “الموجود” وأضافه إلى الله تعالَى فهذا لا يُحكَم بكُفره لأنَّه لا يُدرك مدلول اللَّفظ.


ب)


قال البغداديُّ في التَّبصرة البغداديَّة المُسمَّاة [أُصول الدِّين]: <وقد شاهدنا قومًا مِن الكرَّاميَّة لا يعرفون مِن الجسم إلَّا اسمه ولا يعرفون أنَّ خواصَّهم يقولون بحُدوث الحوادث في ذات الباري تعالَى فهؤُلاء يحِلُّ نكاحُهُم وذبائحُهُم والصَّلاة عليهم> انتهَى.


ج)


وقال إمام الحرمين الجوينيُّ في [الشَّامل]: <اعلموا أرشدكُم الله أنَّ الخلاف في ذلك يدُور بيننا وبين فئتَين: إحداهُمَا تُخالف في اللَّفظ والإطلاق دون المعنى، والأُخرى تُخالف في المعنى. فأمَّا الَّذين خالفوا في الإطلاق دون المعنى فهُمُ الَّذين قالوا: المعنى بالجسم الوُجود أو القيام بالنَّفس> إلخ..


د)


وقال البزدويُّ الحنفيُّ في [أُصُول الدِّين] له: <إلَّا أنَّ بعضهُم قالوا: نعني بالجسم الوُجود لا غير> انتهَى فهؤُلاء أي الَّذين لا يعرفون معنَى اللَّفظ ولا يُدركون مدلوله هُمُ الَّذين لا يحكُم الأشعريُّ بتكفيرهم.


هـ)


وهؤُلاء هُمُ المقصودون بقول الأشعريِّ: (اشهد عليَّ أنِّي لا أُكفِّر أحدًا مِن أهل هذه القِبلة لأنَّ الكُلَّ يُشيرون إلى معبود واحد وإنَّما هذا اختلاف العبارات) انتهَى فالأشعريُّ يقصد قومًا استعملوا عبارة الجسم لكنَّهُم فهموا منها الموجود فهؤُلاء لا يحكُم بكُفرهم.


و)


وعلى هذا يُحمَل توقُّف العُلماء أحيانًا في تكفير بعض مَن أضاف الجسم إلى الله ولذلك قال الكوثريُّ في [مقالاته]: <وإنَّ العزَّ بن عبد السَّلام يعذُر –في قواعده- مَن بَدَرَت منه كلمة مُوهِمة لكنَّه يُريد بذلك العاميَّ الَّذي تخفَى عليه مدلولات الألفاظ> إلخ..


نهاية المُلحق.




الصَّحيح أنَّه لا خلاف في كُفر المُجسِّمة عند الأشاعرة

 بيان أنَّ المُجسِّمة كُفَّار بالإجماع


وأنَّ الصَّحيح أنَّه لا خلاف في كُفر المُجسِّمة عند الأشاعرة


في هذا المقال:


أ) مُقدِّمة في بيان ما أجمعت عليه الأُمَّة مِن تكفير المُجسِّمة.


ب) ذكر بعض أقوال العُلماء في الإجماع على تكفير المُجسِّمة


ج) دفع شُبهة مِن شُبُهات المُنحرفين


هـ) فائدة في بيان كُفر مَن قال بأزليَّة العالَم ولو بمادَّته وحسب


و) بيان بعض العبارات المُوهمة عدم تكفير الأشاعرة للمُجسِّمة


ز) دفع شُبهة أُخرَى مِن شُبُهات المُنحرفين


ح) فائدة في بيان اختلاف العُلماء في كُتُب الغزاليِّ


– الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.


أ) مُقدِّمة في بيان ما أجمعت عليه الأُمَّة مِن تكفير المُجسِّمة


1


وبعدُ فاعلم أنَّ العُلماء مُجمعون على كُفر المُجسِّمة أي الَّذين زعموا أنَّ الله تعالَى جسم، واعلم أخي أنَّه لا يُشترط للوُقوع في الكُفر القصد إلى مُشاققة الرَّسول لأنَّ مَن وصف الله بما لا يليق به هُو شاتم لله تعالَى ومُشاقِق له عزَّ وجلَّ قبل أنْ يكون مُشاقِقًا لرسوله الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم.


2


فقد ورد في الحديث القُدسيِّ: <وأمَّا شتمُهُ إيَّايَ فقولُهُ اتَّخذَ اللهُ ولدًا> انتهَى لأنَّه نسب الابن إلى الله تعالَى كان بذلك شاتمًا لله؛ فكذلك مَن نسب الجسم إلى الله تعالَى فقد نسب إليه ما لا يليق به سُبحانه فهُو في حُكم شاتم الله والعياذ بالله، ولا خلاف بين المُسلمين في كُفر مَن شتم الله تعالَى.


3


وهذا مذهب إمامنا الأشعريِّ فقد ثبت أنَّه قال في [النَّوادر]: <مَن اعتقد أنَّ الله جسم فهُو غير عارف بربِّه وإنَّه كافر به> انتهَى ولا يثبُت عنه أنَّه تراجع آخِرَ حياته عن مذهبه كما يزعُم الوهَّابية ولا تراجع عن تكفير المُجسِّمة كما يزعُم بعض المُنحرفين وهذا ما سنُؤكِّدُه زيادة في هذا المقال.


4


ولذلك لم يُفرِّق عُلماء المُسلمين بين عبادة الأجسام وبين عبادة الأوثان والأصنام وبين عبادة النَّار والشَّمس والعياذ بالله تعالَى فكُلُّ هذا كُفر عند أهل السُّنَّة والجماعة ولذلك قال الغزاليُّ في [الاقتصاد في الاعتقاد]: <فإنَّ القائلَ بأنَّ اللهَ سُبحانَه جسمٌ؛ وعابدَ الوثن والشَّمس: واحد> انتهَى.


5


بل إنَّ بعض العُلماء قال ما معناه: إنَّ مَن عبد الأوثان فقد عبد مخلوقًا لا يستحقُّ العبادة فهُو كافر بذلك؛ وأمَّا مَن عبد جسمًا توَّهم أنَّه فوق العرش فهذا لم يعبُد خالقًا ولا مخلوقًا بل عبد العدم المحض إذ ليس فوق العرش جسم هو الإله. فلا حول ولا قُوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم.


ب) ذكر بعض أقوال العُلماء في الإجماع على تكفير المُجسِّمة


6


قال القاضي أبو مُحمَّد عبد الوهَّاب البغداديُّ أحد أعلام المالكيَّة في زمانه ت/422 للهجرة في [شرح عقيدة مالك الصَّغير]: <ولأنَّ ذلك يرجع إلى التَّنقُّل والتَّحوُّل وإشغال الحيِّز والافتقار إلى الأماكن وذلك يؤُول إلى التَّجسيم وإلى قِدَم الأجسام وهذا كُفر عند كافَّة أهل الإسلام> انتهَى.


7


وهذا القاضي عبدالوهَّاب مِن شُيوخ الحافظ الخطيب البغداديِّ وهُو أعلم مِن أهل الفتنة بما أجمع عليه أئمَّة أهل السُّنَّة والجماعة في هذه المسألة فانظُر إلى قوله: (وهذا كُفر عند كافَّة أهل الإسلام) لتعلم أنَّ تكفير المُجسِّمة ليس مسألة خلافيَّة كما يدَّعي أُولئك اليوم الجَهَلَة المُتصولحة.


8


وقال أبو منصور البغداديُّ في [تفسير الأسماء والصِّفات]: <فأمَّا أصحابُنا فإنَّهم وإنْ أجمعوا على تكفير المُعتزلة والغُلاة مِن الخوارج والنَّجاريَّة والجهميَّة والمُشبِّهة فقد أجازوا لعامَّة المُسلمين معاملتَهُم في عُقود البياعات والإجارات والرُّهون وسائر المُعاوضات دون الأنكحة> انتهَى.


9


قولُه: (أصحابنا) يعني الأشاعرة. قولُه: (أجمعوا) أفاد أنَّ الأشاعرة غير مُختلِفين في تكفير المُجسِّمة كما تُوهِمُ عبارات نجدُها في بعض كُتُب المُتأخِّرين. وأبو منصور البغداديُّ مِن أئمَّة المُتكلِّمين وأعيان فُقهاء الشَّافعيَّة وهُو مِن أكابر أشعريَّة زمانه فهُو أدرَى بما أجمع عليه الأشاعرة.


10


فالأشاعرة مُجمعون على كُفر المُجسِّمة، وغير صحيح أنَّهُم يُفسِّقون المُجَسِّم ولا يُكفِّرونه، فقد قال بدر الدِّين الزَّركشيُّ في [تشنيف المسامع]: <ونُقِلَ عن الأشعريَّة أنَّه يَفْسُقُ وهذا النَّقل عن الأشعريَّة ليس بصحيح> انتهَى ومعناه أنَّ الصَّحيح أنَّ الأشاعرة يُكفِّرون مَن وصف الله بالجسم.


11


وقال تقيُّ الدِّين الحصنيُّ في [كفاية الأخيار] في تكفير المُجسِّمة: <وهُو الصَّواب الَّذي لا محيد عنه إذ فيه مُخالفة صريح القُرآن> انتهَى فلمَّا قال (لا محيد عن تكفيرهم) علمنا أنَّ المسألة ليست خلافيَّة؛ إذ لا يختلف مُسلمانِ في أنَّ تكذيب صريح القُرآن الكريم كُفر والعياذ بالله.


12


وكان أهل الفتنة زعموا أنَّ تشبيه العُلماء للمُجسِّمة بعُبَّاد الأصنام لم يكُن مِن قبيل الحُكم بالتَّكفير وكذبوا فقد قال المُفسِّر القُرطبيُّ صاحب جامع أحكام القُرآن في [التَّذكار]: <والصَّحيح القول بتكفيرهم إذ لا فرق بينهُم وبين عُبَّاد الأصنام والصُّور> انتهَى فماذا بعد الهُدَى إلَّا الضَّلال!


13


وقال شيخ جامع الزَّيتونة إبراهيم المارغني التُّونُسيُّ في [طالع البُشرَى على العقيدة الصُّغرَى] ما نصُّه: “ويُسمَّى الاعتقاد الفاسد كاعتقاد قدم العالم أو تعدُّد الإله أو أنَّ الله تعالَى جسم، وصاحب هذا الاعتقاد مُجمع على كُفره> انتهَى وقولُه: (مُجمع على كُفره) يعني لا خلاف في كونه كافرًا.


14


فهذا غيض مِن فيض مَا يُفيد إجماع أهل السُّنَّة والجماعة -وليس الأشاعرة وحسب- على تكفير مَن قال: (الله جسم) أو قال: (العبد يخلُق أفعاله) أو قال: (العالم أزليٌّ بمادَّته وصُورته أو بمادَّته فقط) لأنَّه لا عُذر لمَن تأوَّل فخالف أصل الشَّهادتَين أو أنكر ما علم أنَّه إجماع المُؤمنين.


ج) دفع شُبهة مِن شُبُهات المُنحرفين


15


وقد رُوِيَ عن الأشعريِّ أنَّه قال: (اشهد عليَّ أنِّي لا أُكفِّر أحدًا مِن أهل هذه القِبلة لأنَّ الكُلَّ يُشيرون إلى معبود واحد وإنَّما هذا اختلاف العبارات) انتهَى وليس حُجَّة لأُولئك الَّذين يتَّهمونه بأنَّه تراجع لمَّا حضره الموت عن تكفير المُجسِّمة وأهل الأهواء الَّذين وصلت بدعتُهُم إلى الكُفر بالله تعالَى.


16


وذلك لأنَّ مُراد الإمام الأشعريِّ عدم تكفير أحد مِن أهل القِبلة ما لم يُوجد شيء مِن أمارات الكُفر وعلاماته وما لم يصدُر عن الواحد منهُم شيء مِن مُوجبات الكُفر وأمَّا مَن زعم أنَّ الله تعالَى جسم أو زعم أنَّ العبد يخلُق أفعاله أو أنَّ العالَم قديم ولو بمادَّته فقط: فهذا كافر والعياذ بالله تعالَى.


17


ولو كان الأشعريُّ ترك تكفير المُجسِّمة لرأينا كُلَّ الأشاعرة على ذلك؛ بينما وكما بيَّنَتِ النُّصوص والنُّقول الآنفة الذِّكر فإنَّ الأشاعرة مُجمعون على تكفير المُجسِّمة كما وعلى تكفير مَن قالوا بأزليَّة العالم ولو بمادَّته فقط بل وكُلُّ الأُمَّة مُجمِعة على ذلك بلا خلاف بين الأئمَّة المُعتبَرين.


هـ) فائدة في بيان كُفر مَن قال بأزليَّة العالَم ولو بمادَّته وحسب


18


وقد نقل المُحدِّث الأُصوليُّ بدر الدِّين الزَّركشيُّ في [تشنيف المسامع] اتِّفاق المُسلمين على كُفر مَن يقول بأزليَّة نوع العالم فقال بعد أنْ ذكر أنَّ الفلاسفة قالوا: (إنَّ العالَم قديم بمادَّته وصُورته) وبعضُهُم قال: (قديم المادَّة مُحدَث الصُّورة) ما نصُّه: <وضلَّلهُمُ المُسلمون في ذلك وكفَّرُوهُم> انتهَى.


و) بيان بعض العبارات المُوهمة عدم تكفير الأشاعرة للمُجسِّمة


19


وتجد في الكُتُب ما يُوهم عدم تكفير المُجسِّمة؛ وحقيقة الأمر أنَّهُم أرادوا ترك تكفير مَن نَسَبَ الجسم إلى الله ولكنَّه لشدَّة جهله ظنَّ أنَّ لفظ (الجسم) يأتي بمعنَى (الموجود) فهذا أطلق عليه بعضُهُم صفة (مُجسِّم) مجازًا ولكنَّه لا يكون مُجسِّمًا حقيقةً لأنَّه لا يعرف معنَى اللَّفظ فلا يكفُر.


20


وزعم المُنحرفون أنَّنا ابتدعنا هذا التَّصويب وخَسِئُوا فقد قال به قبلنا جُملة مِن العُلماء منهُمُ الشَّيخ المُحدِّث مُحمَّد زاهد الكوثريُّ حيث قال في [مقالاته]: <وإنَّ العزَّ بن عبد السَّلام يعذُر –في قواعده- مَن بَدَرَت منه كلمة مُوهِمة لكنَّه يُريد بذلك العاميَّ الَّذي تخفَى عليه مدلولات الألفاظ> إلخ..


21


وقال البغداديُّ في التَّبصرة البغداديَّة المُسمَّاة [أُصول الدِّين]: <وقد شاهدنا قومًا مِن الكرَّاميَّة لا يعرفون مِن الجسم إلَّا اسمه ولا يعرفون أنَّ خواصَّهم يقولون بحُدوث الحوادث في ذات الباري تعالى فهؤُلاء يحِلُّ نكاحُهُم وذبائحُهُم والصَّلاة عليهم> انتهَى فهؤُلاء الَّذين لم يُكفِّرهُمُ الأشاعرة.


22


وقال إمام الحرمين الجوينيُّ في [الشَّامل]: <اعلموا أرشدكُم الله أنَّ الخلاف في ذلك يدُور بيننا وبين فئتَين: إحداهُمَا تُخالف في اللَّفظ والإطلاق دون المعنى، والأُخرى تُخالف في المعنى. فأمَّا الَّذين خالفوا في الإطلاق دون المعنى فهُمُ الَّذين قالوا: المعنى بالجسم الوُجود أو القيام بالنَّفس> إلخ..


23


وقال البزدويُّ الحنفيُّ في [أُصُول الدِّين] له: <إلَّا أنَّ بعضهُم قالوا: نعني بالجسم الوُجود لا غير> انتهَى وكُلُّ هذا يُوضح أنَّ الأشاعرة إنَّما تركوا تكفير مَن نسب لفظ الجسم إلى الله مُتَوَهِّمًا لشدَّة جهله أنَّ لفظ الجسم معناه الموجود وهذا دليل أنَّهُم لا يتركون تكفير المُجسِّم الحقيقيِّ.


ز) دفع شُبهة أُخرَى مِن شُبُهات المُنحرفين


24


واستدلَّ المُنحرفون بكلام للغزاليِّ مِن كتابه [الاقتصاد في الاعتقاد] يقول فيه بعد أنْ ذكر المُعتزلة والمُشبِّهة وغيرهُم ما نصُّه: <ودليل المنع مِن تكفيرهم أنَّ الثَّابت عندنا بالنَّصِّ تكفيرُ المُكذِّب للرَّسول وهؤُلاء ليسوا مُكذِّبين أصلًا ولم يثبُت لنا أنَّ الخطأ في التَّأويل مُوجِب للتَّكفير> إلخ..


25


ويكفي في الرَّدِّ على هذه الشُّبهة قول الغزاليِّ في الكتاب نفسه: <فإنَّ القائلَ بأنَّ اللهَ سُبحانَه جسمٌ؛ وعابدَ الوثن والشَّمس: واحد> انتهَى وحيث لا شكَّ في كُفر عابد الوثن والشَّمس فلا شكَّ في كُفر القائل بأنَّ الله سُبحانه جسم؛ والكلام صريح لا يحتاج إلى مزيد مِن شرح أو توضيح.


26


فلو اقتصر الأمر على أنَّ في كتاب [الاقتصاد في الاعتقاد] هذا التَّناقُض الصَّريح الواضح: فكيف يحتجُّ به المُنحرفون في مثل هذا الأمر الخطير والحُكم فيه إيمان أو كُفر! فنعوذ بالله مِن أُناس جرَّهُمُ الكِبر والغُرور إلى اعتقاد عدم كُفر مَن شتم الله ومَن وصفه بما لا يليق به سُبحانه.


ح) فائدة في بيان اختلاف العُلماء في كُتُب الغزاليِّ


27


واختلف العُلماء في الغزاليِّ فطعن به القاضي عياض المالكيُّ وغيرُه؛ ومنهُم مَن برَّأه ممَّا في بعض كُتُبه ورأى أنَّ تلك المُخالفات لا تثبُت عنه بل دُسَّت في كُتُبه؛ ومنهُم مَن احتمل عنده أنَّه وضعها أوَّل أمره ثُمَّ رجَع عنها. ووُقوع الدَّسِّ في كُتُب الغزاليِّ مشهور عند عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة.


28


قال مُحمَّد بن الوليد بن مُحمَّد بن خلف القُرشيُّ الفهريُّ الأندلسيُّ أبو بكر الطرطوشيُّ المالكيُّ المُتوفَّى 520هـ: <شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم> إلخ.. ونقله الونشريسيُّ في [المعيار المُعرب].


29


وقال القاضي عياض المُتوفَّى 544هـ: <وألَّف فيه تواليفه المشهورة أُخِذَ عليه فيها مواضع وساءت به ظُنون أُمَّة والله أعلم بسرِّه ونفذ أمر السُّلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفُقهاء بإحراقها والبُعد عنها فامتُثل ذلك> إلخ..


30


وقال ابن حجر الهيتميُّ المُتوفَّى 974ه: <وعبارتُه الَّتي أشار إليها القاضي [عياض] -على تقدير كونها عبارته- وإلَّا فقد دُسَّ عليه في كُتُبه عبارات حسَدًا لا تُفيد ما فهمه القاضي ولا تقرُب ممَّا ذكره> انتهى.


31


فانظر كيف استعمل ابن حجر عبارة: (على تقدير كونها عبارته) وهي مِن العبارات الَّتي أخذ علينا أهل الفتنة استعمالها حيث لا تثبُت عبارة عن عالِم بالطَّريقة الشَّرعية المُعتبرة! فتأمَّل أخي القارئ يرحمك الله تعالَى.


32


وقال أبو الفرج ابن الجوزيِّ الحنبليُّ المُتوفَّى 597هـ في [منهاج القاصدين]: <فاعلم أنَّ في كتاب [الإحياء] آفات لا يعلمُها إلَّا العُلماء> وقال في كتابه [تلبيس إبليس]: <وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بُطلانها> إلخ..


33


وقال أبو علي عمر السَّكونيُّ المالكيُّ الأشعريُّ الإشبيليُّ نزيل تونس المُتوفَّى 717هـ في [لحن العامَّة والخاصَّة في المُعتقدات] عندما ذكر كُتُب الغزاليِّ: <فإنَّها إمَّا مدسوسة عليه أو وضعها أوَّل أمره ثُمَّ رجَع عنها> إلخ..


34


والدَّسُّ على الغزاليِّ بدأ قبل موته ففي [فضائل الأنام]: <هاج حسد الحُسَّاد ولم يجدوا أيَّ طعن مقبول غير أنَّهُم لبَّسوا الحقَّ بالباطل وغيَّروا كلمات مِن [المُنقذ مِن الضَّلال] و[مشكاة الأنوار] وأدخلوا فيها كلماتِ كُفر> إلخ..


35


فكيف يحتجُّ المُنحرفون ببعض عبارات مُشكلة مِن كُتُب الغزاليِّ في مثل هذا الأمر العظيم فيترُكون بسبب ذلك تكفير مَن أطبقت الأُمَّة على تكفيرهم مِن المُجسِّمة والقائلين (بقِدم العالَم) و(أنَّ الله لا يعلم الجُزئيَّات) و(أنَّ مشيئة الله ليست نافذة) ونحو هذا مِن الكُفر القبيح والعياذ بالله تعالَى.


36


فإذا علمتَ ما تقدَّم فقد ثبت عندك أنَّه لا يجوز الأخذ بتلك العبارات الَّتي تُوهم خلاف القُرآن الكريم والحديث الصَّحيح الثَّابت وإجماع الأُمَّة المُحمَّديَّة ولا سيَّما وأنَّك علمتَ أنَّها لا تثبُت بحُروفها عمَّن تُوجد في كُتُبه والأمرُ أكثر خطرًا مِن أنْ يخوض فيه الإنسان بالمُغامرة الخاسرة.


ح) بيان أنَّ تحصيل العلم لا يكون بمُطالعة الكُتُب


37


اعلم أخي القارئ أنَّ الكتاب لا يكون مُعتمَدًا لمُجرَّد شُهرة صاحبه ولا لمُجرَّد نسبته إلى مُصنِّفه بل لا بُدَّ مِن توفُّر نُسخة شهد الثِّقات أنَّها بخطِّ المُصنِّف أو شهدوا أنَّها مُقابلة على نُسخة بخطِّه لأنَّ الكُتُب وقع في نسخها الدَّسُّ والتَّصحيف ولذلك قال التَّاج السُّبكيُّ: <آفة الكُتُب نُسَّاخُها> انتهَى.


38


قال شيخُنا المُحقِّق المُدقِّق الشَّيخ عبدالله الهرريُّ الحبشيُّ رحمه الله ما معناه: <إنَّ النُّسَخ الَّتي لم تكُن مُقابَلة بيد ثقة على نُسخة قابَلها ثقة وهكذا إلى أصل المُؤلِّف الَّذي كتبه بخطِّه أو كتبه ثقة بإملاء المُؤلِّف فقابَله على المُؤلِّف لا تُعتبر نُسَخًا صحيحة بل هي نُسخ سقيمة> انتهَى.


39


فلا يصحُّ الأخذ من نُسخة لا يُعرف حال مَن خطَّها وكذلك إنْ لم تُقابل على نُسخة صحيحة، ولذلك قال النَّوويُّ في [التَّقريب]: <وَمَنْ أَرَادَ الْعَمَلَ مِنْ كِتَابٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ قَابَلَهَا هُوَ أَوْ ثِقَةٌ بِأُصُولٍ صَحِيحَةٍ فَإِنْ قَابَلَهَا بِأَصْلٍ مُحَقَّقٍ مُعْتَمَدٍ أَجْزَأَهُ وَاللهُ أَعْلَمُ> إلخ..


40


وكان الطَّلَبَة يكتبون على هامش المخطوط فتتداخل السُّطور فإنِ احتاج الكتاب إلى إعادة نسخ خلط النَّاسخ بين المتن والهامش فيُنسب إلى المُصنِّف ما كان وضعه غيرُه في الهامش ولذلك فإنَّ الأَولَى أنْ نعمل بقول نبيِّنا عليه الصَّلاة والسَّلام: <إنَّما العلم بالتَّعلم> أي بالتَّلقِّي عن الضَّابط الثِّقة.


نهاية المقال.



حكم التجسيم والمجسمة (1)




حكم التجسيم والمجسمة

قال ابن المعلّم القرشيّ وقد تقدّم في صدر الكتاب([1]): «عن عليّ رضي الله عنه قال: سيرجع قوم من هذه الأمة عند اقتراب الساعة كفَّارًا، قال رجل: يا أمير المؤمنين، كفرهم بماذا: أبالإحداث أم بالإنكار؟ فقال: بل بالإنكار، ينكرون خالقهم فيصفونه بالجسم والأعضاء» اهـ.

وقال ابن المعلّم كذلك([2]): «ثبت أن الشافعيّ قال: من قال الله جالس على العرش كافر» اهـ.

وقال قاضي القضاة الحافظ تاج الدين السبكيّ([3]): «وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة ولله الحمد في العقائد يد واحدة، كلهم على رأي أهل السّنة والجماعة، يدينون لله تعالى بطريق شيخ السّنة والجماعة أبي الحسن الأشعريّ رحمه الله تعالى، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الاعتزال، ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم، وبرّأ الله المالكية فلم نر مالكيًّا إلا أشعريَّ العقيدة، وبالجملة عقيدة الأشعرية هي ما تضمّنته عقيدة أبي جعفر الطحاويّ التي تلقَّاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة» اهـ. وفي ما يلي بيان لحال المجسم وأنه محكوم بكفره بشهادة الأئمة المذاهب الأربعة التي استقرّ العمل بها في أقطار البلاد ومن انتسب إلى مذهبهم من أعيان العلماء.

[1] ) نجم المهتدي ورجم المعتدي، ابن المعلم القرشيّ، ص588.

[2] ) نجم المهتدي ورجم المعتدي، ابن المعلم القرشيّ، ص555.

[3] ) معيد النعم ومبيد النقم، السبكيّ، ص 75.


 

مقالات علماء تونس في التحذير من عقيدة التجسيم وحكم المجسم والجهوي



مِنَ الْكُفْرِ الاِعْتِقَادِيِّ نِسْبَةُ مَا يَجِبُ تَنْزِيهُ الله عَنْهُ إِجْمَاعًا كَالْجِسْمِ أَيْ كَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ. وهذا أمر مجمع عليه بين أئمة تونس. وقد نقل الشيخ ابراهيم المارغني في كتاب "طالع البشرى على العقيدة الصغرى الاجماع على ذلك. فقد قال رحمه الله في الصحيفة 63 ما نصه:"... ويسمى الاعتقاد الفاسد كاعتقاد قدم العالم أو تعدد الاله أو أن الله تعالى جسم، وصاحب هذا الاعتقاد مجمع على كفره". انتهى

و هذا الكتاب كان مقررا من طرف المشيخة الزيتونية لطلبة العلوم الشرعية وهو متحصل على اجازة النظارة العلمية بجامع الزيتونة من الشيخ أحمد بيرم و الشيخ محمد الطاهر بن عاشور و الشيخ محمد رضوان و الشيخ محمد الصادق النيفر.

و جاء في الصحيفة 5 من الرسالة القشيرية أن أبا القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري المتوفى سنة 469 هـجري قال : "سمعت أبا بكر بن فورك رحمه الله يقول سمعت أبا عثمان المغربي يقول: "كنت أعتقد شيئًا من حديث الجهة فلما قدمت بغداد زال ذلك عن قلبي، فكتبت إلى أصحابنا بمكة إني أسلمت إسلاما جديدًا" انتهـى

و أبو عثمان سعيد بن سلام قال عنه الذهبي في السير: " الإمام القدوة ، شيخ الصوفية أبو عثمان ، سعيد بن سلام المغربي القيرواني ، نزيل نيسابور ". انتهى
وقال الخطيب في تاريخه: " قال سعيد بن سالم العارف أبو عثمان الزاهد ولادته بالقيروان في قرية يقال لها كركنت". انتهى
توفي رحمه الله سنة 373 هجري. وكان قد أوصى بأن يصلّي عليه الإمام أبو بكر بن فورك.
و قوله "أسلمت إسلاما جديدا" دليل على أنّه تشهّد بعد أن زال عنه اعتقاد الجهة و تشهّده دليل على أنّ من اعتقد الجهة ليس بمسلم و أنّه اعتقاد كفريّ و ردّة يجب الخلاص منها بالعود فورا للإسلام بالشّهادتين، و مما يثبت ذلك قول السّبكي في الطّبقات:" قال فرجع كل من كان تابعه عن ذلك". انتهى

وهذا أبو عمران الفاسي المتوفى سنة 430 هجري بالقيروان كان رحمه الله على اكفار المجسم, فقد ذكر القاضي عياض في ترتيب المدارك 7/249ـ250 أنه جرت بالقيروان مسألة في الكفار، هل يعرفون الله أو لا؟ فوقع فيها تنازع عظيم بين العلماء فأجاب عنها أبو عمران الفاسي فكان من جملة جوابه:" كذلك الكافر، إذا قال لمعبوده صاحبة، وولداً، وأنه جسم، وقصد بعبادته مَن هذه صفته. فلم يعرف الله، ولم يصفه بصفاته. ولم يقصد بالعبادة إلا مَن هذه صفته، وهو بخلاف المؤمن الذي يقول إن معبوده: الله، الأحد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد. فهذا قد عرف الله، ووصف بصفته. وقصد بعبادته من يستحق الربوبية سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون، علواً كبيراً". انتهى

و قال الامام مكي بن أبي طالب القيرواني المتوفى سنة 437 هـجري في تفسيره الجليل" الهداية" عند قوله تعالى " يوم يكشف عن ساق و يدعون إلى السجود فلا يستطعون" سورة القلم الآية 42 ما نصه: قال أبو محمد - أي ابن أبي زيد القيرواني- : " ليست صفات الله كصفات الخلق، كما أنه ليس كمثله شيء، فاحْذَرْ أن يتمثل في قلبك شيء من تشبيه الله بخلقه، [فغير] جائز في الحكمة والقدرة أن يكون المخلوق يشبه الخالق في شيء من الصفات، ومن شبه الخالق بالمخلوق فقد أوجب على الخالق الحدث، وكفر وأبطل التوحيد، إذ في ذلك نفي القدم عن الخالق، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرً". انتهى

و قال الإمام الفقيه العلامة أبو فارس عبد العزيز بن إبراهيم بن بزيزة التيمي القرشي التونسي المتوفى سنة 662 هجري في كتاب الإسعاد بتحرير مقاصد الإرشاد ردا على من توقف في نفي الجهة والمكان عن الله تعالى ما نصه: "وقد وهم في هذه المسألة ابن رشد المتأخر، وزعم أن الواجب أن لا يصرح فيها بنفي ولا إثبات. وهذا الذي قاله خطأ؛ لأن الشك في العقائد كفر محض. والدلائل القطعية قاطعة، والظواهر الشرعية متأولة. وله في كتابه الصغير الذي سماه "مناهج الأدلة" مواضع نبهنا عليها، وفيها غلط فاحش. انتهـى

و قال أبو علي عمر بن محمد بن خليل السّكوني المالكي نزيل تونس المتوفى سنة 717هـ في كتابه "لحن العامة والخاصّة في المعتقدات" ما نصه: "وليحترز أيضًا من كلام ابن أعلى الرومي، ومن كلام ابن سينا أنصف الله منه الإسلام والمسلمين على ما أحدثه في الدين، ومن كلام الملحدين الظالمين القائلين بالاتحاد أو بالحلول أو بالتشبيه أو بالتجسيم، تعالى الله عن أقوالهم رب العالمين". انتهى
فهذا نص صريح من عالم من أكابر علماء تونس في إكفار المجسمة، بل إنه قال عنهم ملاحدة.

وقال في كتابه " عيون المناظرات " ما نصه : "من قال بالإتحاد قـُتل كفراً لأن الخالق ليس هو المخلوق والقديم ليس الحادث ضرورة استحالة اجتماع النقيضين وقد قال تعالى " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم " وكذلك من ظهر في كلامه شىء من القول بالحلول أو التجسيم أو نفي التفرقة بين القديم والحادث فكل هذا إلحاد وتعطيل". انتهى.

وقال أيضا رحمه الله : "من شبَّه أو مثَّل أو كيَّف أو صوَّر فما استقبل ربه بعبادته يوماً قط". انتهى

و قال العلامة أبو عبد الله أحمد بن عرفة الورغمي المالكي المتوفى سنة 803 هجري في تفسير قوله تعالى "ثم ازدادوا كفرا" - سورة آل عمران- ما نصه: "فكفروا أولا بعدم التوحيد ثم ازدادوا بادعاء التجسيم". انتهى.

ووصف الله بالجسمية ليس بالأمر الهين عند ابن عرفة. فقد جاء في شرح قول الله تعالى: "وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً" - الأعراف الآية 148 - ما نصه: " قيل لابن عرَفة: ما أفاد وصف العجل بكونه "جَسَداً"؟ فقال: أفاد التنكيت عليهم في أنهم عبدوا من لا يستحق المعبودية؛ لأنّ الإله منزَّه عن الوَصْفِ بالجِسْمِيَّة والتَّحَيُّزِ. انتهى
فيفهم من كلامه أن وصف الله بالجسمية لا يكون عابدا له

و قال ابن خلدون المتوفى سنة 808 هجري في كتابه المقدمة : “وأما المجسمة ففعلوا مثل ذلك في إثبات الجسمية، وأنها لا كالأجسام. ولفظ الجسم لم يثبت في منقول الشرعيات. وإنما جرأهم عليه إثبات هذه الظواهر، فلم يقتصروا عليه، بل توغلوا وأثبتوا الجسمية، يزعمون فيها مثل ذلك وينزهونه بقول متناقض سفساف، وهو قولهم: جسم لا كالأجسام. والجسم في لغة العرب هو العميق المحدود وغير هذا التفسير من أنه القائم بالذات أو المركب من الجواهر وغير ذلك، فاصطلاحات للمتكلمين يريدون بها غير المدلول اللغوي. فلهذا كان المجسمة أوغل في البدعة بل والكفر. حيث أثبتوا لله وصفاً موهماً يوهم النقص لم يرد في كلامه، ولا كلام نبيه". انتهى

و قال أبو القاسم البرزلي المتوفى سنة 841 هجري في نوازله في المجلد السادس ما نصه: "اذا تقرر هذا فقائل هذه المقالة التي ذكرت - التي هي القول بالجهة فوق- إن كان يعتقد الحلول أو الاستقرار أو الظرفية و التحيز فهو كافر يسلك به مسلك المرتدين إن كان مظهرا لذلك". انتهى

و قال أيضا في المجلد السادس صحيفة 271 ما نصه: " و كذا من اعترف بالألوهية و الوحدانية لكنه اعتقد أنه غير حي أو غير قديم أو محدث أو مُصور أو له ولد أو صاحبة أو متولد من شئ أو كائن عنه أو أن معه في الأزل شيئا قديما غيره أو أن ثم صانع للعالم سواه غيره أو مدبرا غيره. فهذا كفر باجماع المسلمين كقول الفلاسفة و المنجمين و الطبائعيين. و كذا من ادعى مجالسة الله و العروج إليه". انتهى

و قال العلامة أبو اسحاق ابراهيم السرقسطي – كان حيا قبل سنة 1088 هجري - في شرحه على العقيدة الصغرى للإمام السنوسي - مخطوط بالمكتبة الوطنية التونسية رقم 2994 - ما نصه: "و أيضا لو كان في جهة لم يخل إما أن يكون متحركا أو ساكنا وكلها تفتقر إلى المخصص و ذلك يؤدي إلى حدوث الإله. ولم يقل أحد بالجهة من الملاحدة الفلاسفة إلا شرذمة قليلة من المجسمة و الحشوية". انتهى
وكلامه صريح في اكفار القائلين بالجهة بل جعلهم من الملاحدة.

وقال رحمه الله في هداية المسترشدين في بيان فرق المسلمين ما نصه: " و أما المجسمة و يقال لهم المفترية أيضا فهي فرقة تخيلوا أن موجد العالم لا داخلا فيه و لا خارجا عنه مستحيل فصاروا إلى القول بالتجسيم في حق البارئ سبحانه و تعالى عن قول المغضوب عليهم علوا كبيرا,و ربما تمسكوا بألفاظ لم يحيطوا بمعانيها في اللغة من ذكر "يد" أو "ساق" أو "وجه" أو "جنب" أو "عين" و تركوا العلم بحدوث العالم من جهة الاستدلال و اكتفوا بمجرد القول بأن العالم محل الله تعالى, و لم يتأملوا دلائل الافتقار في العالم باسره. فورثهم ذلك الحمل على الظاهر: في الجسمية و المكان و الجهة. و لو تأملوا دلائل الافتقار في العالم لعلموا أن المُتصف بهذه الصفات جزء من أفراد العالم, يجب حدوثه و عجزه كسائر العالم ."و كذلك نجزي من أسرف و لم يؤمن بآيات ربه". و من اعتقادهم الفاسد أيضا قولهم من ظلم نفسه من آل علي رضي الله عنه لم يحاسب و ان أشرك. فانظر الى اختلال عقول هؤلاء الكفرة الفجرة. و بالجملة فاعتقاد الكرامية و الحشوية و المجسمة تأليف من ضلالات ثلاثة: من تهود و تنصر و اعتزال. فهم مع اليهود في اعتقاد الجسم في حق الله تعالى و مع النصارى في اعتقاد حلول الكلام في الاجسام و أنه لا يفارق مع ذلك الاله و مع المعتزلة في اعتقاد أن كلام الله حروف و أصوات. و سموا هؤلاء الكفرة بالمجسمة لقولهم بالتجسيم". انتهى
وهذه الرسالة صدرها رحمه الله بتعريف دقيق لأهل السنة و الجماعة وأبرز قواعدهم ثم ذكر فيها تعريفا لسائر الفرق من أهل الأهواء.

و قال الشيخ اسماعيل التميمي التونسي المتوفى سنة 1248 هجري في كتابه المنح الإلهية في طمس الضلالة الوهابية ما نصه: " فهذه نبذة من ترجمة ابن تيمية الذي عولت الوهابية عليه و اسندت أمر دينها إليه و لم يرض الناس منه بهذا القدر حتى جاء هؤلاء فزادوا عليه و اقتفوا أثر الخوارج و ضلوا عن أوضح المناهج و يحكى عنهم أنهم اتبعوه في القول بالتجسيم و حملوا على ذلك ظواهر القرآن الكريم تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا و لم يهتدوا إلى ما يرشدهم من العقل و السمع.... وكانوا أجدر باللحوق بأهل الأصنام لأنهم إذا اعتقدوا أن معبودهم جسم فلم يعبدوا الله و لا عرفوا منه إلا الاسم و لا يبعد صدق هذا الخبر عنهم لأنهم متبعون لابن تيمية فكل ما صح عنه لا يشك في انتحالهم إياه فإنهم من نهره يكرعون ووزرهم في صحيفته ولا تغتر بما نقل عنه من التوبة فإن صاحب البدعة كادت توبته أن تكون مستحيلة". انتهى

و قال الشيخ محمد مختار السلامي مفتي تونس السابق في تقريظه لكتاب " كفى تفريقا للأمة باسم السلف" لعمر عبد الله كامل ما نصه: "الحمد لله الواحد الأحد, الفرد الصمد,تعالى أن يحصره زمان,أو يحده مكان, أو أن يلامسه شئ من مخلوقاته فيحويه, أو أن يكون له شبيه أو ند, أو مثال. أشرك به من أجرى عليه أوصاف المخلوقات الفانية من الصعود و النزول, والتحول و الجهة والحلول, " وهو الله في السماوات و في الأرض يعلم سركم و جهركم و يعلم ما تكسبون" انتهى

هذا وقد قرظ مفتي تونس الأسبق الشيخ كمال الدين جعيّط رحمه الله كتاب "المقالات السنيّة في كشف ضلالات أحمد بن تيمية" الذي ألفه الشيخ الأصولي عبد اللّه الهررى في بيان مقالات ابن تيمية الكفرية كنسبة الجهة و الجسمية لله عز و جل.

وجاء أيضا في كتاب "الجواهر الحنيفية من التوحيد و فقه المالكية" للشيخ الزيتوني عبد المجيد البراري في الصحيفة 25 تحت عنوان "الخاتمة عقيدة الإمام السيوطي" ما نصه: " والفسق لا يزيل الإيمان ولا البدعة إلا التجسيم وإنكار علم الجزئيات". انتهى

فاعلم يا طا لب الحق أن هذا التفصيل هو ما عليه أئمة جامع الزيتونة قديما وحديثا، وهو الذي يفهم من كلام خاتمة المحققين الشيخ الإمام محمد الطاهر بن عاشور حيث قال في تفسيره التحرير والتنوير، الجزء 6 صحيفة 9 متكلما عن بعض الكفار ما نصه: "إنّهم لمَّا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد كفروا بما جاء به من توحيد الله وتنزيهه عن مماثلة الحوادث، فقد كفروا بإلهيته الحقّة، إذ منهم من جسّم، ومنهم من ثلّث". انتهى.

فما يزعمه بعض المغرورين أن ترك تكفير المجسم هو المقرر عند علماء تونس وفي جامع الزيتونة فلا دليل عليه بل هو محض افتراء. فلا يغرنك تساهل وتخبط بعض أدعياء هذا العصر ممن ينتسب لأهل العلم من أصحاب اللفات والعمائم في مقالاتهم وكتاباتهم ومحاضراتهم ومؤلفاتهم سواء حبا في المال أو حبا في المناصب أو حبا في كثرة الأنصار.



 

المجسم كافر بالاجماع

 إن من نظر إلى كلام الأئمة المتقدمين عرف أن الخلاف المزعوم في كفر المجسم لا أساس له من الصحة وهو مناقض لما قد ثبت من إجماع حول هذا الأمر اي اجماع حول كفر المجسم . فيا عجبا من مداهن مكابر يصر على رد كل هذه الأدلة بغية الدفاع عن الخلاف المزعوم في تكفير المجسم.ا ولينظر هؤلاء إلى ما قاله زعيم المجسمة ابن تيمية الحراني في رسالته المسماة الفتوى الحموية الكبرى ص 4 ما نصه [بل أكثر أهل السنة من أصحابنا وغيرهم يكفرون المشبهة والمجسمة]، فإذا كان رأس المجسمة يكفر المجسمة وهذا دليل على تخبطه وتناقضه، فكيف بالذي يدعي أنه أشعري منزه ويقول أن لا اكفر المجسم ولكن أقول قوله كفر أما هو فليس بكافر !!!!!!!!!!!! وأخيراً نقول لهؤلاء القوم، ألم تسمعوا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم [إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه]. رواه مسلم ماذا سيقول هؤلاء المداهنون المدلسون؟؟؟؟ هل سيقولون أن كل هؤلاء الأئمة كفارٌ على زعمهم؟؟؟ حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله .والحمد لله على نعمة الإسلام


هذا نقل لبعض ما قال العلماء في اجماعهم على تكفير المجسمة


قال الخليفة الراشد الإمام عليّ رضي الله عنه [من زعمَ أنّ إلهنا محدود فقد جهِل الخالق المعبود] رواه أبو نعيم في الحلية (1/73). ا


وقال رضي الله عنه [سيرجع قوم من هذه الأمة عند اقتراب الساعة كفارًا ينكرون خالقهم فيصفونه بالجسم والأعضاء] راوه ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي ص: 588.ا


وقال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه [من زعم ان الله فى شىء او على شىء او من شىء فقد اشرك] الرسالة القشيرية ص 6ا


وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه قال [لا يُكفَّر أهل القبلة وأستثني المجسم] ذكره السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر في كتاب الردة. ولمن طعن في نقل السيوطي مدعيًا بأن لا سند للقول نقول: ثبت عند السيوطي وهو حافظ ثقة، ولو لم يثبت عنده لابتدأ كلامه قائلا "رُوي عن الشافعي" أو "قيل". ومعنى قول الإمام "لا يُكفَّر أهل القبلة" أي ما لم تصل بدعتهم إلى حد الكفر، فإن وصلت فهم كفار لما ثبت عن الشافعي أنه كفّر حفصًا الفرد المعتزلي لقوله بخلق القرءان.ا


وقد نُقل عن الشافعي نقل ثان وهو ما نقله ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي عن القاضي حسين عن نص الشافعي، في ص551 ما نصه [وهذا ينظم من كفره مجمع عليه ومن كفرناه من أهل القبلة كالقائلين بخلق القرءان وبأنه لا يعلم المعدومات قبل وجودها ومن لا يؤمن بالقدر. وكذا من يعتقد بأن الله جالس على العرش كما حكاه القاضي حسين هنا عن نص الشافعي ]. والقاضي حسين بن محمد هو إمام جليل أحد أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي وكان يُلقب حبر الأمة كما قيل في عبد الله بن عباس رضي الله عنه حبر الأمة ونقل ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه وهو من الثقات.ا


وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه [المجسّم كافر] ذكره الحافظ السيوطي في "الأشباه والنظائر" ص 488 ا


وقال الإمام أحمد رضي الله عنه [من قال الله جسم لا كالأجسام كفر] رواه عن الإمام أحمد أبو محمد البغدادي صاحب الخصال من الحنابلة كما رواه عن أبي محمد الحافظ الفقيه الزركشي في كتابه "تشنيف المسامع" المجلد 4 ص 684ا


وقال القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي المتوفى سنة 422هـ في شرحه على عقيدة مالك الصغير ص: 28 [ولا يجوز أن يثبت له كيفية لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشىء، ولا سألته الصحابة عنه، ولأن ذلك يرجع إلى التنقل والتحول وإشغال الحيّز والافتقار إلى الأماكن وذلك يؤول إلى التجسيم وإلى قِدم الأجسام وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام]ا


قال الشيخ الكمال بن الهمام الحنفي [من قال الله جسم لا كالأجسام كفر] ذكر ذلك في شرح فتح القدير باب صفة الأئمة في المجلد الأولا


قال الإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه [من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه وإنه كافر به] ذكره في كتابه النوادرا


قال الشيخ نظام الهندي في كتابه الفتاوى الهندية المجلد الثاني [ويكفر بإثبات المكان لله]ا


قال الإمام محمد بن بدر الدين بن بلبان الدمشقي الحنبلي في كتابه مختصر الإفادات ص: 489 [فمن اعتقد أو قال إن الله بذاته في كل مكان أو في مكان فكافر] ا

وقال في ص: 490 [ولا يشبه شيئًا ولا يشبهه شيء، فمن شبهه بشىء من خلقه فقد كفر كمن اعتقده جسمًا أو قال إنه جسم لا كالأجسام]ا


ونقل الحافظ النووي عن الإمام المتولي الشافعي في روضة الطالبين المجلد العاشر ص: 15 [أن من وصف الله بالاتصال والانفصال كان كافرًا]ا ا


وقال المفسر الرازي [إن اعتقاد أن الله جالس على العرش أو كائن في السماء فيه تشبيه الله بخلقه وهو كفر]ا


وجاء في المنهاج القويم على المقدمة الحضرمية في الفقه الشافعي لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بافضل الحضرمي [واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك] ومثل ذلك نقل ملا علي القاري في كتابه المرقاة في شرح المشكاة.ا


وقال الحافظ السيوطي عبد الرحمن جلال الدين بن أبي بكر [المجسم كافرٌ قطعًا] يعني بلا خلاف ولا تردد ولا توقف جزمًا.ا


وقال أبو الحسن علي بن خلف بن بطال في شرحه على البخاري الجزء العاشر ص: 432 خلافا لما تقوله المجسمة من أنه جسم لا كالأجسام [واستدلوا على ذلك بهذه الآيات كما استدلوا بالآيات المتضمنة لمعنى الوجه واليدين ووصفه لنفسه بالإتيان والمجيء والهرولة في حديث الرسول وذلك كله باطل وكفر من متأوله] وفيه تكفير لمن يقول الله جسم لا كالأجساما


ومثل ذلك تماما قال سراج الدين ابن الملقن الشافعي المتوفى من 804هـ في كتابه التوضيح المجلد 33 ص: 256 [فإنه يكفر من يقول عن الله جسم لا كالأجسام]ا


ونقل عبد الرحمن الجزيري في كتابه الفقه على المذاهب الأربعة في المجلد الخامس ص: 396 تكفير المجسم، يعني أنّ المجسم كافر في المذاهب الأربعة يعني الإجماع.ا

وقد نقل الإمام أبو جعفر الطحاوي الإجماعَ على تكفير المجسم كما في عقيدته المشهورة بالعقيدة الطحاوية، فقال رحمه الله [ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر]. والدليل على أن السلف كانوا مُجمعين على ذلك قول الإمام الطحاوي في بداية عقيدته "هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة". أما قوله "على مذهب فقهاء الملة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني" فهو يعني بذلك على أسلوبهم، وإلا فلا يوجد شىء في العقيدة انفرد فيه هؤلاء عن غيرهم فما فائدة ذكره اسم أبي حنيفة وصاحبيه إذن؟ا


قال أبو قاسم القشيري في الرسالة القشيرية ما نصه [سمعت أبا بكر بن فورك رحمه الله يقول سمعت أبا عثمان المغربي يقول: كنت أعتقد شيئًا من حديث الجهة فلما قدمت بغداد زال ذلك عن قلبي، فكتبت إلى أصحابنا بمكة إني أسلمت إسلاما جديدًا] اهـ. قال السبكي في الطبقات [قال فرجع كل من كان تابعه عن ذلك]. ا


وقال الإمام أبو منصور البغدادي في كتابه تفسير الأسماء والصفات ص228 المخطوط المصوّر [فأمّا أصحابنا، فإنهم وإن أجمعوا على تكفير المعتزلة والغلاة من الخوارج والنجارية والجهمية والمشبهة فقد أجازوا لعامّة المسلمين معاملتَهُم في عقود البياعات والإجارات والرهون وسائر المعاوضات دون الأنكحة]. وكلامه صريح في انعقاد الإجماع على تكفير المشبهة المجسمة، ولا فرق حقيقي بين الإثنين فالمشبه مجسم والمجسم مشبه وهذا قول الإمام البغدادي كما تجده في كتابه "أصول الدين" وإلى مَن يطعن في مرتبة هذا الإمام ويحط من قدره نقول: قال فيه الإمام السبكي في طبقات الشافعية الكبرى ما نصه [إمام عظيم القدر جليل المحل كثير العلم حبر لا يساجل في الفقه وأصوله والفرائض والحساب وعلم الكلام، اشتهر اسمه وبعد صيته وحمل عنه العلم أكثر أهل خراسان].ا

ويقول فيه الصابوني [كان من أئمة الأصول وصدور الإسلام بإجماع أهل الفضل والتحصيل بديع الترتيب غريب التأليف والتهذيب تراه الجلة صدرا مقدما وتدعوه الأئمة إماما مفخما ومن خراب نيسابور اضطرار مثله إلى مفارقتها]. فهو إمام مُجمع على إمامته رغم أنف من طعن فيه، والحق يعلو ولا يُعلا عليه.ا


وقال الإمام أبو منصور البغدادي أيضًا في "تفسير الأسماء والصفات" ص 188 ما نصه [وأما أصحابنا فإن شيخنا أبا الحسن الأشعري وأكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل السنة والجماعة قالوا بتكفير كل مبتدع كانت بدعته كفرا أو أدته إلى كفر كقول من يزعم أن معبوده صورة أو له حد أو نهاية، أو يجوز عليه الحركة والسكون أو أنه روح ينتقل في الأجساد، وأنه يجوز عليه الفناء أو على بعضه، أو قال أنه ذو أبعاض وأجزاء] اهـ. وقوله "أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل السنة والجماعة" لا يعني بالمرة أن في المسألة خلافـًا لكون الإجماع قد انعقد وكون الإمام البغدادي هو نفسه من ناقليه رحمه الله.ا


وقال الإمام أبا عبد الله الحليمي في كتابه المنهاج في شعب الإيمان (1/ 184) ما نصه [وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه تعالى ليس بجوهر ولا عرض، فلأن قوما زاغوا عن الحق فوصفوا البارىء جل ثناؤه ببعض صفات المحدثين، فمنهم من قال: إنه جوهر، ومنهم من قال: إنه جسم، ومنهم من أجاز أن يكون على العرش كما يكون الملك على سريره، وكان ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك. فإذا أثبت المثبت أنه ليس كمثله شيء، وجماع ذلك أنه ليس بجوهر ولا عرض فقد انتفى التشبيه، لأنه لو كان جوهرا أو عرضا لجاز عليه ما يجوز على سائر الجواهر والأعراض، ولأنه إذا لم يكن جوهراً ولا عرضا لم يجز عليه ما يجوز على الجواهر من حين إنها جواهر كالتآلف والتجسم وشغل الأمكنة والحركة والسكون، ولا ما يجوز على الأعراض من حيث إنها أعراض كالحدوث وعدم البقاء]. قال فيه السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" ما نصه [أحد أئمة الدهر وشيخ الشافعيين بما وراء النهر، قال فيه الحاكم الفقيه القاضي أبو عبد الله بن أبي محمد أوحد الشافعيين بما وراء النهر وأنظرهم بعد أستاذيه أبي بكر القفال وأبي بكر الأودني] اهـ.ا


وقال الإمام الحجة الأسفراييني الشافعي أبو المظفر في كتابه "التبصير في الدين" بعد أن ذكر بعض أقوال المجسمة الهِشامية في إثبات الصورة واليد والرجل والأنف والأذن والعين وغير ذلك من صفات المخلوقين في حق الله ما نصه [والعقل بأول وهلة يعلم أن من كانت هذه مقالته لم يكن له في الإسلام حظ] اهـ.ا


وقال أبو المظفر أيضًا في نفس الكتاب ما نصه [وأما الهشامية فإنهم أفصحوا عن التشبيه بما هو كفر محض بإتفاق جميع المسلمين وهم الأصل في التشبيه وإنما أخذوا تشبيههم من اليهود حين نسبوا إليه الولد وقالوا عزير ابن الله وأثبتوا له المكان والحد والنهاية والمجيء والذهاب تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا].ا والأسفراييني كان إمامًا أصوليًا مفسرًا فقيهًا، وكان له اتصال مصاهرة بالأستاذ أبي منصور البغدادي وتوفي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة.ا


وقال حجة الإسلام والإمام الكبير الشيخ أبو حامد الغزالي في رسالته "إلجام العوام عن علم الكلام" ما نصه [الوظيفة الأولى: التقديس ومعناه أنه إذا سمع اليد والإصبع وقوله صلى الله عليه وسلم إن الله خمر طينة ءادم بيده وإن قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن، فينبغي أن يعلم أن اليد تطلق لمعنيين أحدهما هو الموضع الأصلي وهو عضو مركب من لحم وعصب، واللحم والعظم والعصب جسم مخصوص وصفات مخصوصة أعني بالجسم عبارة عن مقدار له طول وعرض وعمق يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو إلا بأن يتنحى عن ذلك المكان، وقد يستعار هذا اللفظ أعني اليد لمعنى ءاخر ليس ذلك المعنى بجسم أصلا كما يقال:ا البلدة في يد الأمير فإن ذلك مفهوم وإن كان الأمير مقطوع اليد مثلا فعلى العامي وغير العامي أن يتحقق قطعًا ويقينًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد بذك جسمًا هو عضو مركب من لحم ودم وعظم، وأن ذلك في حق الله تعالى محال وهو عنه مقدس، فإن خطر بباله أن الله جسم مركب من أعضائه فهو عابد صنم فإن كل جسم فهو مخلوق، وعبادة المخلوق كفر، وعبادة الصنم كانت كفرًا لأنه مخلوق، وكان مخلوقًا لأنه جسم فمن عبد جسمًا فهو كافر بإجماع الأمة السلف منهم والخلف]. فهذا تصريح وتقرير من الإمام الغزالي على انعقاد إجماع السلف والخلف على تكفير المجسم فعلى هذا يُحمل كل ما جاء في كتب الإمام من ما يخالف هذا الإجماع على أنه مدسوس عليه، فإن أبى المعترض إلا أن يثبتها - أي المخالفات - للغزالي يقال له:رسالة إلجام العوام هي من ءاخر تصانيف الإمام فلو سلـّمنا لك ما تدعيه قلنا -من باب التنزل - قد رجع الغزالي عن ذاك المعتقد الباطل ووافق الإجماع في قوله الأخير والحمد لله على ذلك.ا


وقال الإمام الغزالي في كتابه "المستصفى من علم الأصول" ما نصه [أما إذا كفر ببدعته فعند ذلك لا يعتبر خلافه وإن كان يصلي إلى القبلة ويعتقد نفسه مسلما لأن الأمة ليست عبارة عن المصلين إلى القبلة بل عن المؤمنين وهو كافر وإن كان لا يدري أنه كافر، نعم لو قال بالتشبيه والتجسيم وكفرناه فلا يستدل...] إلى ءاخر كلامه رحمه الله. وهذا تأكيد على ما سبق نقلُه من كلام الإمام كما في "إلجام العوام"، وأحسب أني قرأت أن المستصفى كان أيضًا من أواخر تصانيفه رحمه الله.ا


وقال الإمام أبو سعيد المتولي الشافعي الأشعري في كتابه "الغنية في أصول الدين" ص/74 ما نصه [والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلافا للكرامية والحشوية والمشبهة الذين قالوا إن لله جهة فوق وأطلق بعضهم القول بأنه جالس على العرش مستقر عليه تعالى الله عن قولهم والدليل على أنه مستغن عن المحل أنه لو افتقر إلى المحل لزم أن يكون المحل قديما لأنه -أي الله- قديم، أو يكون -أي الله- حادثا كما أن المحل حادث، وكلاهما كفر والدليل عليه أنه لو كان على العرش على ما زعموا لكان لا يخلو إما أن يكون مثل العرش أو أصغر منه أو أكبر، وفي جميع ذلك إثبات التقدير والحد والنهاية وهو كفر والدليل عليه أنه لو كان في جهة وقدرنا شخصا أعطاه الله تعالى قوة عظيمة واشتغل بقطع المسافة والصعود إلى فوق لا يخلو إما أن يصل إليه وقتا ما أو لا يصل إليه فإن قالوا: لا يصل إليه فهو قول بنفي الصانع لأن كل موجودين بينهما مسافة معلومة وأحدهما لا يزال يقطع تلك المسافة ولا يصل إليه يدل على أنه ليس بموجود فإن قالوا: يجوز أن يصل إليه ويحاذيه فيجوز أن يماسه أيضا، ويلزم من ذلك كفران:ا

أحدهما: قدم العالم، لأنا نستدل على حدوث العالم بالافتراق والاجتماع.ا

والثاني : إثبات الولد والزوجة على ما قالت النصارى لأن الذي يقطع المسافة ويصعد إلى فوق يجوز أن يكون امرأة تتصل به وكل ذلك كفر وضلال تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا] اهـ.ا


وهذا الإمام المتولي كان أحد أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي، وهم الطبقة التي تلي طبقة المجتهدين كالشافعي وأحمد ومالك وأبي حنيفة والأوزاعي وغيرهم،ا ويقال لهم أيضًا مجتهدون في المذهب أي أن اجتهادهم لا يخرج عن اجتهاد إمامهم إنما يكون ضمن مذهبه. وهذا نص صريح من الإمام على تكفير المجسمة عبدة الوهم والخيال، نسأل الله السلامةا


وقال الإمام المتولي أيضا ما نصه [مَن اعتقد قِدَم العالم، أو حدوث الصانع، أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع ككونه عالما وقادرا، أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كالألوان، أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرا] اهـ. نقله الإمام النووي في كتابه "روضة الطالبين وعمدة المفتين" مقرا له، وفي كلامه هذا دليل على تكفير الشافعية للقائلين بما يستلزم الجسمية في حق الله وإن لم يعبّروا عن معتقدهم بلفظ "الجسم"، فإن الاتصال والانفصال من صفات الجسم لا محالة.ا


وأما الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى فقد صرح بكفر المجسم في أكثر من موضع في تفسيره ونذكر هنا كلامه عند تفسير قوله تعالى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} قال رحمه الله ما نصه [إن الدليل دل على أن من قال إن الإله جسم فهو منكر للإله تعالى، وذلك لأن إله العالم موجود ليس بجسم ولا حال في الجسم، فإذا أنكر المجسم هذا الموجود فقد أنكر ذات الإله تعالى، فالخلاف بين المجسم والموحد ليس في الصفة، بل في الذات، فصح في المجسم أنه لا يؤمن بالله] اهـ.ا


وقال الرازي أيضًا عند شرح قوله تعالى {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ما نصه [أما الإيمان بوجوده، فهو أن يعلم أن وراء المتحيزات موجودًا خالقـًا لها، وعلى هذا التقدير فالمجسم لا يكون مقرًا بوجود الإله تعالى لأنه لا يثبت ما وراء المتحيزات شيئًا ءاخر فيكون اختلافه معنا في إثبات ذات الله تعالى] اهـ.ا



وممن نقل الإجماع على تكفير المجسم أيضًا الإمام ولي الدين العراقي ابن شيخ الحفاظ زين الدين العراقي، فقد قال رحمه الله في أماليه ما نصه [اتفق السلف والخلف أن من اعتقد أن الله في جهة فهو كافر] اهـ.ا


وقال الفقيه المتكلم ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ما نصه [والذي يَعبُدُ جسمًا على عرشٍ كبير ويجعل جسمه كقبر أبي قبيس سبعة أشبار بشبره كما حكي عن هشام الرافضي أو كلامًا ءاخر تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم فقد عبد غير الله فهو كافر، وقال إن قسمًا من القائلين بالتحيز بالجهة أطلقوا الجسمية ومنعوا التأليف والتركيب وقالوا: "عنيت بكونه جسمًا وجوده" وهؤلاء كفروا]. تعالى الله ربنا العظيم عما يقوله الظالمون علوًا كبيرًا.ا


وقال ابن بطال الشافعي في شرحه على صحيح البخاري ما نصّه [والحديث على أن لله صفة سماها عينًا ليست هو ولا غيره، وليست كالجوارح المعقولة بيننا لقيام الدليل على استحالة وصفه بأنه ذو جوارح وأعضاء خلافًا لما تقوله المجسمة من أنه جسمٌ لا كالأجسام، واستدلوا على ذلك بهذه الآيات كما استدلوا بالآيات المتضمنة لمعنى الوجه واليدين، ووصفه لنفسه بالإتيان والمجئ والهرولة فى حديث الرسول، وذلك كله باطل وكفر من متأوله].ا



وقال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم ما نصه [قوله صلى الله عليه وسلم (فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم إلى آخره) قال القاضي عياض رحمه الله: هذا يدل على أنهم ليسوا بعارفين الله تعالى، وهو مذهب حذاق المتكلمين في اليهود والنصارى أنهم غير عارفين الله تعالى وإن كانوا يعبدونه ويُظهرون معرفته لدلالة السمع عندهم على هذا وإن كان العقل لا يمنع أن يعرف الله تعالى من كذب رسولا. قال القاضي عياض رحمه الله: ما عرف الله تعالى من شبهه وجسمه من اليهود أو أجاز عليه البداء أو أضاف إليه الولد منهم، أو أضاف إليه الصاحبة والولد وأجاز الحلول عليه والانتقال والامتزاج من النصارى أو وصفه بما لا يليق به أو أضاف إليه الشريك والمعاند في خلقه من المجوس والثنوية فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله وإن سموه به إذ ليس موصوفا بصفات الإله الواجبة له. فإذن ما عرفوا الله سبحانه فتحقق هذه النكتة واعتمد عليها وقد رأيت معناها لمتقدمي أشياخنا وبها قطع الكلام أبو عمران الفارسي بين عامة أهل القيروان عند تنازعهم في هذه المسألة. هذا آخر كلام القاضي رحمه الله تعالى] اهـا


وقال الإمام أبو حنيفة الذي هو من رؤوس السلف، فإنه توفي سنة مائة وخمسين في "الفقه الأبسط " [ويتكلم لا ككلامنا . نحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف والله متكلم بِلا ءالة ولا حرف . فصفاته غير مخلوقة ولا محدثة ، والتغير والاختلاف في الأحوال يحدث في المخلوقين ومن قال إنها محدثة أو مخلوقة أو توقف فيها أو شك فيها فهو كافر].ا


وجاء في كتاب المعيار المعرب للوانشريسي (المجلد الثاني الصحيفة 882) [وكتب بالمسألة أيضا إلى سيدي عبد الرحمن الواغليسي. فأجاب الحمد لله تعالى. أسعدكم الله وسددكم وإيانا لمرضاته. بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقد وصل إلي ما كتبتموه مما فهمتم من فتوى الشيخين أبي العباس بن إدريس وأبي العباس أحمد بن عيسى فيمن يقول لا إله إلا الله ولم يدر ما انطوت عليه أن فتوى سيدي أحمد بن إدريس نصها من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن حقا، فمقتضى هذا الفهم من جواب الشيخ أن من نطق بالشهادة يجزئه نطقه وإن جهل معناه وما انطوت عليه الكلمة من مدلولها، فاعلم أن هذا الفهم عن الشيخ رحمه الله باطل لا يصح، فإنه يلزم منه أن من قال ذلك وهو معتقد في الإله تعالى شبه المخلوقات وصورة من صور الموجودات أن يكون مؤمنا حقا، وقد وجدنا من الجهلة من هو كذلك وكتب إلينا بذلك وأشباهه. ومن اعتقد ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين. وقد نص أئمتنا على ذلك وعلى غيره مما هو كفر بإجماع، فلا يصح ذلك عن الشيخ أصلا ولا يصح أن يختلف في هذا أو شبهه. وفي هذا أجاب سيدي أحمد بن عيسى. وقد تحدثت أنا مع سيدي أحمد بن إدريس وذكرت له ما يقول صاحبنا فوافق عليه وقال هذا حق لا يقال غيره] انتهى ما ذكره الوانشريسي. (نقلا من كتاب العلامة الهرري رحمه الله "التحذير الشرعي الواجب" ص 122-123). فهذا الشيخ عبد الرحمن الواغليسي(توفي سنة 786هـ) نقل الإجماع على كفر المجسم.ا


وقال الإمام ابن الجزري في كتابه " معراج المنهاج " [فمن كان من أهل قبلتنا وخالف ، فإن لم نكفره فلا كلام في قبول روايته ، وإن كفرناه ، كالقائلين بالتجسيم ، فنقول إن علمنا من مذهبهم تحريم الكذب قبلنا روايتهم وإلا فلا]ا


وقال الإمام العلامة فخر الدين أحمد بن حسن الجاربردي التبريزي المتوفي سنة 746 هجرية في كتابه "السراج الوهاج" (وهو تلميذ الإمام ناصر الدين البيضاوي، وهو من مشايخ الإمام العضد الإيجي والإمام الأردبيلي) [إعلم أنه قال الأصوليون : شرطه الإسلام ، وإنما عدل المصنف إلى هذه العبارة لأن المجسمة كفار عند الأشاعرة]ا


وقال الإمام العلامة شمس الدين محمود بن عبد الرحمن الأصفهاني المتوفى سنة 749 هجرية في شرحه على المنهاج [وتقبل رواية الكافر الموافق اي الذي هو من أهل القبلة، ولكن يخالف الجماعة في معتقد يتضمن الكفر كالمجسمة]ا


وقال الإمام محمد بن الحسن البدخشي المتوفى سنة 922 هجرية في شرحه على المنهاج [ولم يقل الإسلام كما هو المشهور لئلا يخرج مثل المجسمة أي الكافر الموافق في القبلة المخالف في الإعتقاد إلى حد يوجب الكفر ، فإنه مقبول الرواية إذا احترز عن الكذب وإليه اشار قوله ( فتقبل رواية الكافر الموافق ) في القبلة ( كالمجسمة ) الكفار عند الأشاعرة ونحوهم] ا

ويقول الإمام محمد بن الحسين الأرموي المتوفى سنة 653 هجرية في كتابه " الحاصل من المحصول " [الكافر الموافق في القبلة كالمجسمة مقبول الرواية إن علم أن مذهبه التحرز عن الكذب]ا


وقال الإمام السيوطي في كتابه تدريب الراوي [السابعة من كفر ببدعته، وهو كما في شرح المهذب للمصنف المجسم ومنكر علم الجزئيات قيل وقائل خلق القرآن فقد نص عليه الشافعي واختاره البلقيني ومنع تأويل البيهقي له بكفران النعمة بأن الشافعي قال ذلك في حق حفص القرد لما أفتى بضرب عنقه وهذا رادٌ للتأويل] ا


وقال الإمام الرازي يقول في كتاب معالم أصول الدين [بل الأقرب أن المجسمة كفار لأنهم اعتقدوا ان كل ما لا يكون متحيزاً ولا في جهة فليس بموجود ، ونحن نعتقد أن كل متحيز فهو محدث وخالقه موجود ليس بمتحيز ولا في جهة، فالمجسمة نفوا ذات الشىء الذي هو الإله فيلزمهم الكفر] ا


وقال البيهقي في "شعب الإيمان " في الجزء الأول صحيفة 103 [وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه ليس بجوهر ولا عرض فلأن قوما زاغوا عن الحق فوصفوا الباري جل وعز ببعض صفات المحدثين ، فمنهم من قالك إنه جوهر، ومنهم من قال إنه جسم، ومنهم من أجاز أن يكون على العرش قاعدا كما يكون الملك على سريره وكل ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك]ا

انتهى من كتاب "شعب الإيمان " طبعة دار الكتب العلمية - بيروت ، الطبعة الأولى ، 1410 هجرية.ا



وقال العلامة المناوي في كتاب "فيض القدير" ما نصه [والكلام كله في مبتدع لا يكفر ببدعته أما من كفر بها كمنكر العلم بالجزئيات، وزاعم التجسيم أو الجهة أو الكون أو الاتصال بالعالم أو الانفصال عنه فلا يوصف عمله بقبول ولا رد لأنه أحقر من ذلك]ا


وقال ملا علي القاري في "شرح الفقه الأكبر" صحيفة 355 [من ادعى إدعاء معيناً مشتملاً على إثبات المكان والهيئة والجهة من مقابلة وثبوت مسافة وأمثال تلك الحالة ، فيصير كافراً لا محالة]ا


وقال [البدعة لا تزيل الإيمان والمعرفة] ثم استثنى منها فقال [إلا التجسيم وإنكار علم الله سبحانه بالجزئيات فإنه يكفر بهما بالإجماع من غير نزاع].ا


وفي نفس الكتاب "شرح الفقه الأكبر" ينقل ملا عليّ القاري عن الشارح الآخر وهو الإمام القونوي فيقول [ثم قال القونوي: وفي قوله (يعني الإمام أبا حنيفة) "بذنب" إشارة إلى تكفيره بفساد الإعتقاد كفساد اعتقاد المجسمة والمشبهة والقدرية ونحوهم]ا


قال شيخ الأزهر الشيخ الأستاذ سليم البشري [من اعتقد أن الله جسم أو أنه مماس للسطح الأعلى من العرش وبه قال الكرامية واليهود وهؤلاء لا نزاع في كفرهم] نقله عنه الشيخ سلامة القضاعي العزامي في كتابه "فرقان القرءان" ص 100.ا


وقال الشيخ محمود محمد خطاب السبكي في كتابه إتحاف الكائنات [وقد قال جمع من السلف والخلف: إن من اعتقد أن الله في جهة فهو كافر].ا عرض أقل


حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...