بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 يونيو 2024

مقالات علماء تونس في التحذير من عقيدة التجسيم وحكم المجسم والجهوي



مِنَ الْكُفْرِ الاِعْتِقَادِيِّ نِسْبَةُ مَا يَجِبُ تَنْزِيهُ الله عَنْهُ إِجْمَاعًا كَالْجِسْمِ أَيْ كَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ. وهذا أمر مجمع عليه بين أئمة تونس. وقد نقل الشيخ ابراهيم المارغني في كتاب "طالع البشرى على العقيدة الصغرى الاجماع على ذلك. فقد قال رحمه الله في الصحيفة 63 ما نصه:"... ويسمى الاعتقاد الفاسد كاعتقاد قدم العالم أو تعدد الاله أو أن الله تعالى جسم، وصاحب هذا الاعتقاد مجمع على كفره". انتهى

و هذا الكتاب كان مقررا من طرف المشيخة الزيتونية لطلبة العلوم الشرعية وهو متحصل على اجازة النظارة العلمية بجامع الزيتونة من الشيخ أحمد بيرم و الشيخ محمد الطاهر بن عاشور و الشيخ محمد رضوان و الشيخ محمد الصادق النيفر.

و جاء في الصحيفة 5 من الرسالة القشيرية أن أبا القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري المتوفى سنة 469 هـجري قال : "سمعت أبا بكر بن فورك رحمه الله يقول سمعت أبا عثمان المغربي يقول: "كنت أعتقد شيئًا من حديث الجهة فلما قدمت بغداد زال ذلك عن قلبي، فكتبت إلى أصحابنا بمكة إني أسلمت إسلاما جديدًا" انتهـى

و أبو عثمان سعيد بن سلام قال عنه الذهبي في السير: " الإمام القدوة ، شيخ الصوفية أبو عثمان ، سعيد بن سلام المغربي القيرواني ، نزيل نيسابور ". انتهى
وقال الخطيب في تاريخه: " قال سعيد بن سالم العارف أبو عثمان الزاهد ولادته بالقيروان في قرية يقال لها كركنت". انتهى
توفي رحمه الله سنة 373 هجري. وكان قد أوصى بأن يصلّي عليه الإمام أبو بكر بن فورك.
و قوله "أسلمت إسلاما جديدا" دليل على أنّه تشهّد بعد أن زال عنه اعتقاد الجهة و تشهّده دليل على أنّ من اعتقد الجهة ليس بمسلم و أنّه اعتقاد كفريّ و ردّة يجب الخلاص منها بالعود فورا للإسلام بالشّهادتين، و مما يثبت ذلك قول السّبكي في الطّبقات:" قال فرجع كل من كان تابعه عن ذلك". انتهى

وهذا أبو عمران الفاسي المتوفى سنة 430 هجري بالقيروان كان رحمه الله على اكفار المجسم, فقد ذكر القاضي عياض في ترتيب المدارك 7/249ـ250 أنه جرت بالقيروان مسألة في الكفار، هل يعرفون الله أو لا؟ فوقع فيها تنازع عظيم بين العلماء فأجاب عنها أبو عمران الفاسي فكان من جملة جوابه:" كذلك الكافر، إذا قال لمعبوده صاحبة، وولداً، وأنه جسم، وقصد بعبادته مَن هذه صفته. فلم يعرف الله، ولم يصفه بصفاته. ولم يقصد بالعبادة إلا مَن هذه صفته، وهو بخلاف المؤمن الذي يقول إن معبوده: الله، الأحد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد. فهذا قد عرف الله، ووصف بصفته. وقصد بعبادته من يستحق الربوبية سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون، علواً كبيراً". انتهى

و قال الامام مكي بن أبي طالب القيرواني المتوفى سنة 437 هـجري في تفسيره الجليل" الهداية" عند قوله تعالى " يوم يكشف عن ساق و يدعون إلى السجود فلا يستطعون" سورة القلم الآية 42 ما نصه: قال أبو محمد - أي ابن أبي زيد القيرواني- : " ليست صفات الله كصفات الخلق، كما أنه ليس كمثله شيء، فاحْذَرْ أن يتمثل في قلبك شيء من تشبيه الله بخلقه، [فغير] جائز في الحكمة والقدرة أن يكون المخلوق يشبه الخالق في شيء من الصفات، ومن شبه الخالق بالمخلوق فقد أوجب على الخالق الحدث، وكفر وأبطل التوحيد، إذ في ذلك نفي القدم عن الخالق، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرً". انتهى

و قال الإمام الفقيه العلامة أبو فارس عبد العزيز بن إبراهيم بن بزيزة التيمي القرشي التونسي المتوفى سنة 662 هجري في كتاب الإسعاد بتحرير مقاصد الإرشاد ردا على من توقف في نفي الجهة والمكان عن الله تعالى ما نصه: "وقد وهم في هذه المسألة ابن رشد المتأخر، وزعم أن الواجب أن لا يصرح فيها بنفي ولا إثبات. وهذا الذي قاله خطأ؛ لأن الشك في العقائد كفر محض. والدلائل القطعية قاطعة، والظواهر الشرعية متأولة. وله في كتابه الصغير الذي سماه "مناهج الأدلة" مواضع نبهنا عليها، وفيها غلط فاحش. انتهـى

و قال أبو علي عمر بن محمد بن خليل السّكوني المالكي نزيل تونس المتوفى سنة 717هـ في كتابه "لحن العامة والخاصّة في المعتقدات" ما نصه: "وليحترز أيضًا من كلام ابن أعلى الرومي، ومن كلام ابن سينا أنصف الله منه الإسلام والمسلمين على ما أحدثه في الدين، ومن كلام الملحدين الظالمين القائلين بالاتحاد أو بالحلول أو بالتشبيه أو بالتجسيم، تعالى الله عن أقوالهم رب العالمين". انتهى
فهذا نص صريح من عالم من أكابر علماء تونس في إكفار المجسمة، بل إنه قال عنهم ملاحدة.

وقال في كتابه " عيون المناظرات " ما نصه : "من قال بالإتحاد قـُتل كفراً لأن الخالق ليس هو المخلوق والقديم ليس الحادث ضرورة استحالة اجتماع النقيضين وقد قال تعالى " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم " وكذلك من ظهر في كلامه شىء من القول بالحلول أو التجسيم أو نفي التفرقة بين القديم والحادث فكل هذا إلحاد وتعطيل". انتهى.

وقال أيضا رحمه الله : "من شبَّه أو مثَّل أو كيَّف أو صوَّر فما استقبل ربه بعبادته يوماً قط". انتهى

و قال العلامة أبو عبد الله أحمد بن عرفة الورغمي المالكي المتوفى سنة 803 هجري في تفسير قوله تعالى "ثم ازدادوا كفرا" - سورة آل عمران- ما نصه: "فكفروا أولا بعدم التوحيد ثم ازدادوا بادعاء التجسيم". انتهى.

ووصف الله بالجسمية ليس بالأمر الهين عند ابن عرفة. فقد جاء في شرح قول الله تعالى: "وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً" - الأعراف الآية 148 - ما نصه: " قيل لابن عرَفة: ما أفاد وصف العجل بكونه "جَسَداً"؟ فقال: أفاد التنكيت عليهم في أنهم عبدوا من لا يستحق المعبودية؛ لأنّ الإله منزَّه عن الوَصْفِ بالجِسْمِيَّة والتَّحَيُّزِ. انتهى
فيفهم من كلامه أن وصف الله بالجسمية لا يكون عابدا له

و قال ابن خلدون المتوفى سنة 808 هجري في كتابه المقدمة : “وأما المجسمة ففعلوا مثل ذلك في إثبات الجسمية، وأنها لا كالأجسام. ولفظ الجسم لم يثبت في منقول الشرعيات. وإنما جرأهم عليه إثبات هذه الظواهر، فلم يقتصروا عليه، بل توغلوا وأثبتوا الجسمية، يزعمون فيها مثل ذلك وينزهونه بقول متناقض سفساف، وهو قولهم: جسم لا كالأجسام. والجسم في لغة العرب هو العميق المحدود وغير هذا التفسير من أنه القائم بالذات أو المركب من الجواهر وغير ذلك، فاصطلاحات للمتكلمين يريدون بها غير المدلول اللغوي. فلهذا كان المجسمة أوغل في البدعة بل والكفر. حيث أثبتوا لله وصفاً موهماً يوهم النقص لم يرد في كلامه، ولا كلام نبيه". انتهى

و قال أبو القاسم البرزلي المتوفى سنة 841 هجري في نوازله في المجلد السادس ما نصه: "اذا تقرر هذا فقائل هذه المقالة التي ذكرت - التي هي القول بالجهة فوق- إن كان يعتقد الحلول أو الاستقرار أو الظرفية و التحيز فهو كافر يسلك به مسلك المرتدين إن كان مظهرا لذلك". انتهى

و قال أيضا في المجلد السادس صحيفة 271 ما نصه: " و كذا من اعترف بالألوهية و الوحدانية لكنه اعتقد أنه غير حي أو غير قديم أو محدث أو مُصور أو له ولد أو صاحبة أو متولد من شئ أو كائن عنه أو أن معه في الأزل شيئا قديما غيره أو أن ثم صانع للعالم سواه غيره أو مدبرا غيره. فهذا كفر باجماع المسلمين كقول الفلاسفة و المنجمين و الطبائعيين. و كذا من ادعى مجالسة الله و العروج إليه". انتهى

و قال العلامة أبو اسحاق ابراهيم السرقسطي – كان حيا قبل سنة 1088 هجري - في شرحه على العقيدة الصغرى للإمام السنوسي - مخطوط بالمكتبة الوطنية التونسية رقم 2994 - ما نصه: "و أيضا لو كان في جهة لم يخل إما أن يكون متحركا أو ساكنا وكلها تفتقر إلى المخصص و ذلك يؤدي إلى حدوث الإله. ولم يقل أحد بالجهة من الملاحدة الفلاسفة إلا شرذمة قليلة من المجسمة و الحشوية". انتهى
وكلامه صريح في اكفار القائلين بالجهة بل جعلهم من الملاحدة.

وقال رحمه الله في هداية المسترشدين في بيان فرق المسلمين ما نصه: " و أما المجسمة و يقال لهم المفترية أيضا فهي فرقة تخيلوا أن موجد العالم لا داخلا فيه و لا خارجا عنه مستحيل فصاروا إلى القول بالتجسيم في حق البارئ سبحانه و تعالى عن قول المغضوب عليهم علوا كبيرا,و ربما تمسكوا بألفاظ لم يحيطوا بمعانيها في اللغة من ذكر "يد" أو "ساق" أو "وجه" أو "جنب" أو "عين" و تركوا العلم بحدوث العالم من جهة الاستدلال و اكتفوا بمجرد القول بأن العالم محل الله تعالى, و لم يتأملوا دلائل الافتقار في العالم باسره. فورثهم ذلك الحمل على الظاهر: في الجسمية و المكان و الجهة. و لو تأملوا دلائل الافتقار في العالم لعلموا أن المُتصف بهذه الصفات جزء من أفراد العالم, يجب حدوثه و عجزه كسائر العالم ."و كذلك نجزي من أسرف و لم يؤمن بآيات ربه". و من اعتقادهم الفاسد أيضا قولهم من ظلم نفسه من آل علي رضي الله عنه لم يحاسب و ان أشرك. فانظر الى اختلال عقول هؤلاء الكفرة الفجرة. و بالجملة فاعتقاد الكرامية و الحشوية و المجسمة تأليف من ضلالات ثلاثة: من تهود و تنصر و اعتزال. فهم مع اليهود في اعتقاد الجسم في حق الله تعالى و مع النصارى في اعتقاد حلول الكلام في الاجسام و أنه لا يفارق مع ذلك الاله و مع المعتزلة في اعتقاد أن كلام الله حروف و أصوات. و سموا هؤلاء الكفرة بالمجسمة لقولهم بالتجسيم". انتهى
وهذه الرسالة صدرها رحمه الله بتعريف دقيق لأهل السنة و الجماعة وأبرز قواعدهم ثم ذكر فيها تعريفا لسائر الفرق من أهل الأهواء.

و قال الشيخ اسماعيل التميمي التونسي المتوفى سنة 1248 هجري في كتابه المنح الإلهية في طمس الضلالة الوهابية ما نصه: " فهذه نبذة من ترجمة ابن تيمية الذي عولت الوهابية عليه و اسندت أمر دينها إليه و لم يرض الناس منه بهذا القدر حتى جاء هؤلاء فزادوا عليه و اقتفوا أثر الخوارج و ضلوا عن أوضح المناهج و يحكى عنهم أنهم اتبعوه في القول بالتجسيم و حملوا على ذلك ظواهر القرآن الكريم تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا و لم يهتدوا إلى ما يرشدهم من العقل و السمع.... وكانوا أجدر باللحوق بأهل الأصنام لأنهم إذا اعتقدوا أن معبودهم جسم فلم يعبدوا الله و لا عرفوا منه إلا الاسم و لا يبعد صدق هذا الخبر عنهم لأنهم متبعون لابن تيمية فكل ما صح عنه لا يشك في انتحالهم إياه فإنهم من نهره يكرعون ووزرهم في صحيفته ولا تغتر بما نقل عنه من التوبة فإن صاحب البدعة كادت توبته أن تكون مستحيلة". انتهى

و قال الشيخ محمد مختار السلامي مفتي تونس السابق في تقريظه لكتاب " كفى تفريقا للأمة باسم السلف" لعمر عبد الله كامل ما نصه: "الحمد لله الواحد الأحد, الفرد الصمد,تعالى أن يحصره زمان,أو يحده مكان, أو أن يلامسه شئ من مخلوقاته فيحويه, أو أن يكون له شبيه أو ند, أو مثال. أشرك به من أجرى عليه أوصاف المخلوقات الفانية من الصعود و النزول, والتحول و الجهة والحلول, " وهو الله في السماوات و في الأرض يعلم سركم و جهركم و يعلم ما تكسبون" انتهى

هذا وقد قرظ مفتي تونس الأسبق الشيخ كمال الدين جعيّط رحمه الله كتاب "المقالات السنيّة في كشف ضلالات أحمد بن تيمية" الذي ألفه الشيخ الأصولي عبد اللّه الهررى في بيان مقالات ابن تيمية الكفرية كنسبة الجهة و الجسمية لله عز و جل.

وجاء أيضا في كتاب "الجواهر الحنيفية من التوحيد و فقه المالكية" للشيخ الزيتوني عبد المجيد البراري في الصحيفة 25 تحت عنوان "الخاتمة عقيدة الإمام السيوطي" ما نصه: " والفسق لا يزيل الإيمان ولا البدعة إلا التجسيم وإنكار علم الجزئيات". انتهى

فاعلم يا طا لب الحق أن هذا التفصيل هو ما عليه أئمة جامع الزيتونة قديما وحديثا، وهو الذي يفهم من كلام خاتمة المحققين الشيخ الإمام محمد الطاهر بن عاشور حيث قال في تفسيره التحرير والتنوير، الجزء 6 صحيفة 9 متكلما عن بعض الكفار ما نصه: "إنّهم لمَّا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد كفروا بما جاء به من توحيد الله وتنزيهه عن مماثلة الحوادث، فقد كفروا بإلهيته الحقّة، إذ منهم من جسّم، ومنهم من ثلّث". انتهى.

فما يزعمه بعض المغرورين أن ترك تكفير المجسم هو المقرر عند علماء تونس وفي جامع الزيتونة فلا دليل عليه بل هو محض افتراء. فلا يغرنك تساهل وتخبط بعض أدعياء هذا العصر ممن ينتسب لأهل العلم من أصحاب اللفات والعمائم في مقالاتهم وكتاباتهم ومحاضراتهم ومؤلفاتهم سواء حبا في المال أو حبا في المناصب أو حبا في كثرة الأنصار.



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...