بيان أنَّ المُجسِّمة كُفَّار بالإجماع
وأنَّ الصَّحيح أنَّه لا خلاف في كُفر المُجسِّمة عند الأشاعرة
في هذا المقال:
أ) مُقدِّمة في بيان ما أجمعت عليه الأُمَّة مِن تكفير المُجسِّمة.
ب) ذكر بعض أقوال العُلماء في الإجماع على تكفير المُجسِّمة
ج) دفع شُبهة مِن شُبُهات المُنحرفين
هـ) فائدة في بيان كُفر مَن قال بأزليَّة العالَم ولو بمادَّته وحسب
و) بيان بعض العبارات المُوهمة عدم تكفير الأشاعرة للمُجسِّمة
ز) دفع شُبهة أُخرَى مِن شُبُهات المُنحرفين
ح) فائدة في بيان اختلاف العُلماء في كُتُب الغزاليِّ
– الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
أ) مُقدِّمة في بيان ما أجمعت عليه الأُمَّة مِن تكفير المُجسِّمة
1
وبعدُ فاعلم أنَّ العُلماء مُجمعون على كُفر المُجسِّمة أي الَّذين زعموا أنَّ الله تعالَى جسم، واعلم أخي أنَّه لا يُشترط للوُقوع في الكُفر القصد إلى مُشاققة الرَّسول لأنَّ مَن وصف الله بما لا يليق به هُو شاتم لله تعالَى ومُشاقِق له عزَّ وجلَّ قبل أنْ يكون مُشاقِقًا لرسوله الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم.
2
فقد ورد في الحديث القُدسيِّ: <وأمَّا شتمُهُ إيَّايَ فقولُهُ اتَّخذَ اللهُ ولدًا> انتهَى لأنَّه نسب الابن إلى الله تعالَى كان بذلك شاتمًا لله؛ فكذلك مَن نسب الجسم إلى الله تعالَى فقد نسب إليه ما لا يليق به سُبحانه فهُو في حُكم شاتم الله والعياذ بالله، ولا خلاف بين المُسلمين في كُفر مَن شتم الله تعالَى.
3
وهذا مذهب إمامنا الأشعريِّ فقد ثبت أنَّه قال في [النَّوادر]: <مَن اعتقد أنَّ الله جسم فهُو غير عارف بربِّه وإنَّه كافر به> انتهَى ولا يثبُت عنه أنَّه تراجع آخِرَ حياته عن مذهبه كما يزعُم الوهَّابية ولا تراجع عن تكفير المُجسِّمة كما يزعُم بعض المُنحرفين وهذا ما سنُؤكِّدُه زيادة في هذا المقال.
4
ولذلك لم يُفرِّق عُلماء المُسلمين بين عبادة الأجسام وبين عبادة الأوثان والأصنام وبين عبادة النَّار والشَّمس والعياذ بالله تعالَى فكُلُّ هذا كُفر عند أهل السُّنَّة والجماعة ولذلك قال الغزاليُّ في [الاقتصاد في الاعتقاد]: <فإنَّ القائلَ بأنَّ اللهَ سُبحانَه جسمٌ؛ وعابدَ الوثن والشَّمس: واحد> انتهَى.
5
بل إنَّ بعض العُلماء قال ما معناه: إنَّ مَن عبد الأوثان فقد عبد مخلوقًا لا يستحقُّ العبادة فهُو كافر بذلك؛ وأمَّا مَن عبد جسمًا توَّهم أنَّه فوق العرش فهذا لم يعبُد خالقًا ولا مخلوقًا بل عبد العدم المحض إذ ليس فوق العرش جسم هو الإله. فلا حول ولا قُوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم.
ب) ذكر بعض أقوال العُلماء في الإجماع على تكفير المُجسِّمة
6
قال القاضي أبو مُحمَّد عبد الوهَّاب البغداديُّ أحد أعلام المالكيَّة في زمانه ت/422 للهجرة في [شرح عقيدة مالك الصَّغير]: <ولأنَّ ذلك يرجع إلى التَّنقُّل والتَّحوُّل وإشغال الحيِّز والافتقار إلى الأماكن وذلك يؤُول إلى التَّجسيم وإلى قِدَم الأجسام وهذا كُفر عند كافَّة أهل الإسلام> انتهَى.
7
وهذا القاضي عبدالوهَّاب مِن شُيوخ الحافظ الخطيب البغداديِّ وهُو أعلم مِن أهل الفتنة بما أجمع عليه أئمَّة أهل السُّنَّة والجماعة في هذه المسألة فانظُر إلى قوله: (وهذا كُفر عند كافَّة أهل الإسلام) لتعلم أنَّ تكفير المُجسِّمة ليس مسألة خلافيَّة كما يدَّعي أُولئك اليوم الجَهَلَة المُتصولحة.
8
وقال أبو منصور البغداديُّ في [تفسير الأسماء والصِّفات]: <فأمَّا أصحابُنا فإنَّهم وإنْ أجمعوا على تكفير المُعتزلة والغُلاة مِن الخوارج والنَّجاريَّة والجهميَّة والمُشبِّهة فقد أجازوا لعامَّة المُسلمين معاملتَهُم في عُقود البياعات والإجارات والرُّهون وسائر المُعاوضات دون الأنكحة> انتهَى.
9
قولُه: (أصحابنا) يعني الأشاعرة. قولُه: (أجمعوا) أفاد أنَّ الأشاعرة غير مُختلِفين في تكفير المُجسِّمة كما تُوهِمُ عبارات نجدُها في بعض كُتُب المُتأخِّرين. وأبو منصور البغداديُّ مِن أئمَّة المُتكلِّمين وأعيان فُقهاء الشَّافعيَّة وهُو مِن أكابر أشعريَّة زمانه فهُو أدرَى بما أجمع عليه الأشاعرة.
10
فالأشاعرة مُجمعون على كُفر المُجسِّمة، وغير صحيح أنَّهُم يُفسِّقون المُجَسِّم ولا يُكفِّرونه، فقد قال بدر الدِّين الزَّركشيُّ في [تشنيف المسامع]: <ونُقِلَ عن الأشعريَّة أنَّه يَفْسُقُ وهذا النَّقل عن الأشعريَّة ليس بصحيح> انتهَى ومعناه أنَّ الصَّحيح أنَّ الأشاعرة يُكفِّرون مَن وصف الله بالجسم.
11
وقال تقيُّ الدِّين الحصنيُّ في [كفاية الأخيار] في تكفير المُجسِّمة: <وهُو الصَّواب الَّذي لا محيد عنه إذ فيه مُخالفة صريح القُرآن> انتهَى فلمَّا قال (لا محيد عن تكفيرهم) علمنا أنَّ المسألة ليست خلافيَّة؛ إذ لا يختلف مُسلمانِ في أنَّ تكذيب صريح القُرآن الكريم كُفر والعياذ بالله.
12
وكان أهل الفتنة زعموا أنَّ تشبيه العُلماء للمُجسِّمة بعُبَّاد الأصنام لم يكُن مِن قبيل الحُكم بالتَّكفير وكذبوا فقد قال المُفسِّر القُرطبيُّ صاحب جامع أحكام القُرآن في [التَّذكار]: <والصَّحيح القول بتكفيرهم إذ لا فرق بينهُم وبين عُبَّاد الأصنام والصُّور> انتهَى فماذا بعد الهُدَى إلَّا الضَّلال!
13
وقال شيخ جامع الزَّيتونة إبراهيم المارغني التُّونُسيُّ في [طالع البُشرَى على العقيدة الصُّغرَى] ما نصُّه: “ويُسمَّى الاعتقاد الفاسد كاعتقاد قدم العالم أو تعدُّد الإله أو أنَّ الله تعالَى جسم، وصاحب هذا الاعتقاد مُجمع على كُفره> انتهَى وقولُه: (مُجمع على كُفره) يعني لا خلاف في كونه كافرًا.
14
فهذا غيض مِن فيض مَا يُفيد إجماع أهل السُّنَّة والجماعة -وليس الأشاعرة وحسب- على تكفير مَن قال: (الله جسم) أو قال: (العبد يخلُق أفعاله) أو قال: (العالم أزليٌّ بمادَّته وصُورته أو بمادَّته فقط) لأنَّه لا عُذر لمَن تأوَّل فخالف أصل الشَّهادتَين أو أنكر ما علم أنَّه إجماع المُؤمنين.
ج) دفع شُبهة مِن شُبُهات المُنحرفين
15
وقد رُوِيَ عن الأشعريِّ أنَّه قال: (اشهد عليَّ أنِّي لا أُكفِّر أحدًا مِن أهل هذه القِبلة لأنَّ الكُلَّ يُشيرون إلى معبود واحد وإنَّما هذا اختلاف العبارات) انتهَى وليس حُجَّة لأُولئك الَّذين يتَّهمونه بأنَّه تراجع لمَّا حضره الموت عن تكفير المُجسِّمة وأهل الأهواء الَّذين وصلت بدعتُهُم إلى الكُفر بالله تعالَى.
16
وذلك لأنَّ مُراد الإمام الأشعريِّ عدم تكفير أحد مِن أهل القِبلة ما لم يُوجد شيء مِن أمارات الكُفر وعلاماته وما لم يصدُر عن الواحد منهُم شيء مِن مُوجبات الكُفر وأمَّا مَن زعم أنَّ الله تعالَى جسم أو زعم أنَّ العبد يخلُق أفعاله أو أنَّ العالَم قديم ولو بمادَّته فقط: فهذا كافر والعياذ بالله تعالَى.
17
ولو كان الأشعريُّ ترك تكفير المُجسِّمة لرأينا كُلَّ الأشاعرة على ذلك؛ بينما وكما بيَّنَتِ النُّصوص والنُّقول الآنفة الذِّكر فإنَّ الأشاعرة مُجمعون على تكفير المُجسِّمة كما وعلى تكفير مَن قالوا بأزليَّة العالم ولو بمادَّته فقط بل وكُلُّ الأُمَّة مُجمِعة على ذلك بلا خلاف بين الأئمَّة المُعتبَرين.
هـ) فائدة في بيان كُفر مَن قال بأزليَّة العالَم ولو بمادَّته وحسب
18
وقد نقل المُحدِّث الأُصوليُّ بدر الدِّين الزَّركشيُّ في [تشنيف المسامع] اتِّفاق المُسلمين على كُفر مَن يقول بأزليَّة نوع العالم فقال بعد أنْ ذكر أنَّ الفلاسفة قالوا: (إنَّ العالَم قديم بمادَّته وصُورته) وبعضُهُم قال: (قديم المادَّة مُحدَث الصُّورة) ما نصُّه: <وضلَّلهُمُ المُسلمون في ذلك وكفَّرُوهُم> انتهَى.
و) بيان بعض العبارات المُوهمة عدم تكفير الأشاعرة للمُجسِّمة
19
وتجد في الكُتُب ما يُوهم عدم تكفير المُجسِّمة؛ وحقيقة الأمر أنَّهُم أرادوا ترك تكفير مَن نَسَبَ الجسم إلى الله ولكنَّه لشدَّة جهله ظنَّ أنَّ لفظ (الجسم) يأتي بمعنَى (الموجود) فهذا أطلق عليه بعضُهُم صفة (مُجسِّم) مجازًا ولكنَّه لا يكون مُجسِّمًا حقيقةً لأنَّه لا يعرف معنَى اللَّفظ فلا يكفُر.
20
وزعم المُنحرفون أنَّنا ابتدعنا هذا التَّصويب وخَسِئُوا فقد قال به قبلنا جُملة مِن العُلماء منهُمُ الشَّيخ المُحدِّث مُحمَّد زاهد الكوثريُّ حيث قال في [مقالاته]: <وإنَّ العزَّ بن عبد السَّلام يعذُر –في قواعده- مَن بَدَرَت منه كلمة مُوهِمة لكنَّه يُريد بذلك العاميَّ الَّذي تخفَى عليه مدلولات الألفاظ> إلخ..
21
وقال البغداديُّ في التَّبصرة البغداديَّة المُسمَّاة [أُصول الدِّين]: <وقد شاهدنا قومًا مِن الكرَّاميَّة لا يعرفون مِن الجسم إلَّا اسمه ولا يعرفون أنَّ خواصَّهم يقولون بحُدوث الحوادث في ذات الباري تعالى فهؤُلاء يحِلُّ نكاحُهُم وذبائحُهُم والصَّلاة عليهم> انتهَى فهؤُلاء الَّذين لم يُكفِّرهُمُ الأشاعرة.
22
وقال إمام الحرمين الجوينيُّ في [الشَّامل]: <اعلموا أرشدكُم الله أنَّ الخلاف في ذلك يدُور بيننا وبين فئتَين: إحداهُمَا تُخالف في اللَّفظ والإطلاق دون المعنى، والأُخرى تُخالف في المعنى. فأمَّا الَّذين خالفوا في الإطلاق دون المعنى فهُمُ الَّذين قالوا: المعنى بالجسم الوُجود أو القيام بالنَّفس> إلخ..
23
وقال البزدويُّ الحنفيُّ في [أُصُول الدِّين] له: <إلَّا أنَّ بعضهُم قالوا: نعني بالجسم الوُجود لا غير> انتهَى وكُلُّ هذا يُوضح أنَّ الأشاعرة إنَّما تركوا تكفير مَن نسب لفظ الجسم إلى الله مُتَوَهِّمًا لشدَّة جهله أنَّ لفظ الجسم معناه الموجود وهذا دليل أنَّهُم لا يتركون تكفير المُجسِّم الحقيقيِّ.
ز) دفع شُبهة أُخرَى مِن شُبُهات المُنحرفين
24
واستدلَّ المُنحرفون بكلام للغزاليِّ مِن كتابه [الاقتصاد في الاعتقاد] يقول فيه بعد أنْ ذكر المُعتزلة والمُشبِّهة وغيرهُم ما نصُّه: <ودليل المنع مِن تكفيرهم أنَّ الثَّابت عندنا بالنَّصِّ تكفيرُ المُكذِّب للرَّسول وهؤُلاء ليسوا مُكذِّبين أصلًا ولم يثبُت لنا أنَّ الخطأ في التَّأويل مُوجِب للتَّكفير> إلخ..
25
ويكفي في الرَّدِّ على هذه الشُّبهة قول الغزاليِّ في الكتاب نفسه: <فإنَّ القائلَ بأنَّ اللهَ سُبحانَه جسمٌ؛ وعابدَ الوثن والشَّمس: واحد> انتهَى وحيث لا شكَّ في كُفر عابد الوثن والشَّمس فلا شكَّ في كُفر القائل بأنَّ الله سُبحانه جسم؛ والكلام صريح لا يحتاج إلى مزيد مِن شرح أو توضيح.
26
فلو اقتصر الأمر على أنَّ في كتاب [الاقتصاد في الاعتقاد] هذا التَّناقُض الصَّريح الواضح: فكيف يحتجُّ به المُنحرفون في مثل هذا الأمر الخطير والحُكم فيه إيمان أو كُفر! فنعوذ بالله مِن أُناس جرَّهُمُ الكِبر والغُرور إلى اعتقاد عدم كُفر مَن شتم الله ومَن وصفه بما لا يليق به سُبحانه.
ح) فائدة في بيان اختلاف العُلماء في كُتُب الغزاليِّ
27
واختلف العُلماء في الغزاليِّ فطعن به القاضي عياض المالكيُّ وغيرُه؛ ومنهُم مَن برَّأه ممَّا في بعض كُتُبه ورأى أنَّ تلك المُخالفات لا تثبُت عنه بل دُسَّت في كُتُبه؛ ومنهُم مَن احتمل عنده أنَّه وضعها أوَّل أمره ثُمَّ رجَع عنها. ووُقوع الدَّسِّ في كُتُب الغزاليِّ مشهور عند عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة.
28
قال مُحمَّد بن الوليد بن مُحمَّد بن خلف القُرشيُّ الفهريُّ الأندلسيُّ أبو بكر الطرطوشيُّ المالكيُّ المُتوفَّى 520هـ: <شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم> إلخ.. ونقله الونشريسيُّ في [المعيار المُعرب].
29
وقال القاضي عياض المُتوفَّى 544هـ: <وألَّف فيه تواليفه المشهورة أُخِذَ عليه فيها مواضع وساءت به ظُنون أُمَّة والله أعلم بسرِّه ونفذ أمر السُّلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفُقهاء بإحراقها والبُعد عنها فامتُثل ذلك> إلخ..
30
وقال ابن حجر الهيتميُّ المُتوفَّى 974ه: <وعبارتُه الَّتي أشار إليها القاضي [عياض] -على تقدير كونها عبارته- وإلَّا فقد دُسَّ عليه في كُتُبه عبارات حسَدًا لا تُفيد ما فهمه القاضي ولا تقرُب ممَّا ذكره> انتهى.
31
فانظر كيف استعمل ابن حجر عبارة: (على تقدير كونها عبارته) وهي مِن العبارات الَّتي أخذ علينا أهل الفتنة استعمالها حيث لا تثبُت عبارة عن عالِم بالطَّريقة الشَّرعية المُعتبرة! فتأمَّل أخي القارئ يرحمك الله تعالَى.
32
وقال أبو الفرج ابن الجوزيِّ الحنبليُّ المُتوفَّى 597هـ في [منهاج القاصدين]: <فاعلم أنَّ في كتاب [الإحياء] آفات لا يعلمُها إلَّا العُلماء> وقال في كتابه [تلبيس إبليس]: <وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بُطلانها> إلخ..
33
وقال أبو علي عمر السَّكونيُّ المالكيُّ الأشعريُّ الإشبيليُّ نزيل تونس المُتوفَّى 717هـ في [لحن العامَّة والخاصَّة في المُعتقدات] عندما ذكر كُتُب الغزاليِّ: <فإنَّها إمَّا مدسوسة عليه أو وضعها أوَّل أمره ثُمَّ رجَع عنها> إلخ..
34
والدَّسُّ على الغزاليِّ بدأ قبل موته ففي [فضائل الأنام]: <هاج حسد الحُسَّاد ولم يجدوا أيَّ طعن مقبول غير أنَّهُم لبَّسوا الحقَّ بالباطل وغيَّروا كلمات مِن [المُنقذ مِن الضَّلال] و[مشكاة الأنوار] وأدخلوا فيها كلماتِ كُفر> إلخ..
35
فكيف يحتجُّ المُنحرفون ببعض عبارات مُشكلة مِن كُتُب الغزاليِّ في مثل هذا الأمر العظيم فيترُكون بسبب ذلك تكفير مَن أطبقت الأُمَّة على تكفيرهم مِن المُجسِّمة والقائلين (بقِدم العالَم) و(أنَّ الله لا يعلم الجُزئيَّات) و(أنَّ مشيئة الله ليست نافذة) ونحو هذا مِن الكُفر القبيح والعياذ بالله تعالَى.
36
فإذا علمتَ ما تقدَّم فقد ثبت عندك أنَّه لا يجوز الأخذ بتلك العبارات الَّتي تُوهم خلاف القُرآن الكريم والحديث الصَّحيح الثَّابت وإجماع الأُمَّة المُحمَّديَّة ولا سيَّما وأنَّك علمتَ أنَّها لا تثبُت بحُروفها عمَّن تُوجد في كُتُبه والأمرُ أكثر خطرًا مِن أنْ يخوض فيه الإنسان بالمُغامرة الخاسرة.
ح) بيان أنَّ تحصيل العلم لا يكون بمُطالعة الكُتُب
37
اعلم أخي القارئ أنَّ الكتاب لا يكون مُعتمَدًا لمُجرَّد شُهرة صاحبه ولا لمُجرَّد نسبته إلى مُصنِّفه بل لا بُدَّ مِن توفُّر نُسخة شهد الثِّقات أنَّها بخطِّ المُصنِّف أو شهدوا أنَّها مُقابلة على نُسخة بخطِّه لأنَّ الكُتُب وقع في نسخها الدَّسُّ والتَّصحيف ولذلك قال التَّاج السُّبكيُّ: <آفة الكُتُب نُسَّاخُها> انتهَى.
38
قال شيخُنا المُحقِّق المُدقِّق الشَّيخ عبدالله الهرريُّ الحبشيُّ رحمه الله ما معناه: <إنَّ النُّسَخ الَّتي لم تكُن مُقابَلة بيد ثقة على نُسخة قابَلها ثقة وهكذا إلى أصل المُؤلِّف الَّذي كتبه بخطِّه أو كتبه ثقة بإملاء المُؤلِّف فقابَله على المُؤلِّف لا تُعتبر نُسَخًا صحيحة بل هي نُسخ سقيمة> انتهَى.
39
فلا يصحُّ الأخذ من نُسخة لا يُعرف حال مَن خطَّها وكذلك إنْ لم تُقابل على نُسخة صحيحة، ولذلك قال النَّوويُّ في [التَّقريب]: <وَمَنْ أَرَادَ الْعَمَلَ مِنْ كِتَابٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ قَابَلَهَا هُوَ أَوْ ثِقَةٌ بِأُصُولٍ صَحِيحَةٍ فَإِنْ قَابَلَهَا بِأَصْلٍ مُحَقَّقٍ مُعْتَمَدٍ أَجْزَأَهُ وَاللهُ أَعْلَمُ> إلخ..
40
وكان الطَّلَبَة يكتبون على هامش المخطوط فتتداخل السُّطور فإنِ احتاج الكتاب إلى إعادة نسخ خلط النَّاسخ بين المتن والهامش فيُنسب إلى المُصنِّف ما كان وضعه غيرُه في الهامش ولذلك فإنَّ الأَولَى أنْ نعمل بقول نبيِّنا عليه الصَّلاة والسَّلام: <إنَّما العلم بالتَّعلم> أي بالتَّلقِّي عن الضَّابط الثِّقة.
نهاية المقال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق