براءة الإمام أحمد بن حنبل من أهل التجسيم
فائدة نفيسة لحجة الإسلام الغزالي في حكم المجسم
نقل الإمامُ أبو الفضلِ التمِيمِيُّ الحنبليُّ في كتابهِ (اعتقادُ الإمامِ أحمد) عن الإمامِ أحمدَ أنَّه قال "واللهُ تعالى لا يَلْحَقُهُ تغيُّر ولا تبدُّل ولا تَلْحَقُهُ الحدودُ قبلَ خَلْقِ العرش ولا بعد خَلْقِ العرش" وقال أبو الفضلِ في كتابه المذكور "وكان أحمدُ ينكِر على من يقولُ إنَّ الله في كلِّ مكانٍ بذاته لأنَّ الأمكنةَ كلَّها محدودة".
وبيَّن الإمامُ الحافظُ ابنُ الجَوْزِيِّ الحنبليُّ في كتابه (دفعُ شُبَهِ التشبيه) براءةَ أهلِ السُّنَّةِ عامَّةً وبراءةَ الإمامِ أحمدَ خاصَّةً من عقيدة المجسِّمة، وقال "كان أحمدُ لا يقولُ بالجهة للبارئ". وذكر القاضي بدرُ الدين بنُ جماعةٍ في كتابه (إيضاحُ الدليلِ في قَطْعِ حُجَجِ أهلِ التعطيل) أنَّ الإمامَ أحمدَ ما كان يقولُ بالجهة للبارئ.
ونقل صاحبُ (الخصال) من الحنابلةِ عن أحمدَ أنَّه كان يقولُ بتكفيرِ من قال "اللهُ جسمٌ لا كالأجسام". وقال شِهَابُ الدين أحمدُ بنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ المعروفُ بابنِ حَجَرٍ الهيتميُّ ما نصُّه "واعلم أنَّ القَرَافِيَّ وغيرَه حَكَوْا عن الشافعيِّ ومالكٍ وأحمدَ وأبي حنيفةَ، رضي الله عنهم، القولَ بكفر القائلينَ بالجهةِ والتجسيم، وهم حقيقون بذلك" انتهى.. أنظر [(الْمِنْهَاجَ القويم على المقدِّمة الحضرميَّة)/ص224] لابن حجَر، مؤسَّسة علوم القرءان، دمشق، بيروت.. توفِّي ابنُ حَجَرٍ الهيتميُّ سنةَ 974 للهجرة..
كذلك أوَّلَ الإمامُ أحمدُ الآياتِ المتشابهاتِ في الصفات.. فقد روى الحافظُ البيهقيُّ عن الحاكمِ عن أبي عمرِو بنِ السَّمَّاكِ عن حنبلٍ أنَّ أحمدَ بنَ حنبلٍ تأوَّل قولَ الله تعالى (وجاء ربُّك) بمجيء ثوابه.. ثمَّ قال البيهقيُّ "وهذا إسناد لا غبار عليه". ونقل ذلك أيضًا ابنُ كثيرٍ في تاريخه.. وفي روايةٍ نقلَها البيهقيُّ في كتاب (مناقب أحمد) أنَّ الإمامَ أحمدَ قال "جاءت قدرتُه" أي أثرٌ من ءاثارِ قدرته.. ثمَّ قال الحافظُ البيهقيُّ: وفيه دليلٌ على أنَّ أحمدَ كان لا يعتقد في المجيءِ الذي ورد به الكتابُ والنزولِ الذي وردت به السُّنَّةُ انتقالًا من مكانٍ إلى مكانٍ كمجيءِ ذواتِ الأجسامِ ونزولِها وإنَّما هو عبارةٌ عن ظهور ءاياتِ قدرته.
كذلك كان أحمدُ يتبرَّك بآثار النبيِّ مُحَمَّدٍ . فقد روى الذهبيُّ في كتابه [(سِيَرُ أعلامِ النبلاء)/ج11/ص212] أنَّ عبدَ الله بنَ الإمامِ أحمدَ قال "رأيتُ أبي يأخذُ شعرةً من شعر النبيِّ فيضعُها على فمه ويقبِّلها، وأحسَب أنِّي رأيتُه يضعُها على عينيه ويغمِسُها في الماءِ ويشربُه ليستشفيَ به، ورأيتُه أخذ قَصْعَةَ النبيِّ فغَمَسَها في جُبِّ الماءِ ثمَّ شرب منها، ورأيتُه يشرب من ماءِ زمزمَ ليستشفيَ به ويمسحُ به يدَيه ووجهَه" قال الذهبيُّ ما نصُّه "أين المتنطِّع المنكِر على أحمد، وقد ثبَت أنَّ عبد الله سأل أباه عمَّن يلمُس رمَّانة مِنْبَرِ النبيِّ ويَمَسُّ الحُجْرَةَ النبويَّة، فقال: لا أرى بذلك بأسًا.. أعاذنا الله وإيَّاكم من رأي الخوارج ومن البدع" انتهى بحروفه..
نقل عبدُ الله بنُ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ عن أبيه قولَه "لا بأسَ بتقبيلِ مِنْبَرِ النبيِّ وقبرِه تَقَرُّبًا إلى الله تعالى، ولا بأسَ بمسِّهما تَقَرُّبًا إلى الله تعالى" وقال أيضًا "لا بأسَ بأن يَمَسَّ الرجلُ رُمَّانَةَ مِنْبَرِ رسولِ الله تبرُّكا، ولا بأسَ بأن يَمَسَّ قبرَه تبرُّكا" أنظر كتابه [(العِلَلُ ومعرفةُ الرجال)/ج2/ص35/ص492]. ونقل البُهُوتِيُّ الحنبليُّ عن الإمامِ المجتهدِ إبراهيمَ الحَرْبِيِّ أنَّه قال "يُسْتَحَبُّ تقبيلُ حُجْرَةِ النبيِّ " أنظر كتابه [(كشّافُ القناع)/ج2/ص150].. ومن المعلومِ أنَّ عبدَ الله بنَ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ كان يتلقَّى العلم، بأمرٍ من الإمامِ أحمد عن أبي إسحاقَ إبراهيمَ الحَرْبِيِّ الذي هو من علماء السلف، والذي قال فيه الذهبيُّ هو شيخُ الإسلام.. وروى ابنُ مُفْلِحٍ الحنبليُّ تلميذُ ابنِ تَيْمِيَةَ أنَّ أبا إسحاقَ إبراهيمَ الحَرْبِيَّ كان يقول "يُسْتَحَبُّ تقبيلُ حُجْرَةِ النبيِّ ".
ونقل البُهُوتِيُّ والْمَرْداويُّ الحنبليَّانِ وغيرُهما أنَّ الإمامَ أحمدَ قال في منسكه الذي كتبه للْمَرْوَرُّوذِيِّ "يُسَنُّ للمستسقي أن يتوسَّل بالنبيِّ في دعائه". ونقل عنه ابنُه عبدُ الله أنَّه كان يكتب التعاويذَ للذي يُصْرَعُ، وللحُمَّى لأهلهِ وقَرابَتهِ، ويكتُب للمرأة إذا عَسُرَ عليها الولادةُ في جامٍ أو شىءٍ نظيف، وأنَّه كان يعوِّذ في الماءِ ويشرِّبه المريضَ ويَصُبُّ على رأسه منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق