نقل الإجماع على كفر المجسم والقائل بالجهة في حق الله تعالى
قال الله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودّع منهم" رواه الحاكم في المستدرك. وروى الإمام أحمد من طريق اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس أنكم تقرءون هذه الآية {يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسَكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وإنّا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه".
أجمع علماء الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها على كفر القائلين بالجسم والجهة في حق الخالق عز وجل، لأن ذلك فيه تكذيب صريح للقرءان الكريم، قال الله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) سورة الشوري/11. فهذه الآية فيها بيان صريح على تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين، فالله تعالى لا يشبه شيئا من الخلق على الاطلاق ولا بأي وجه من الوجوه، قال الله تعالى في القرءان الكريم (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال) اي لا تجعلوا له أنداداً وأشباهاً وامثالاً، فالله سبحانه وتعالى لا شبيه له في الذات ولا في الصفات. فمن زعم أن الله تعالى جسم مركب له حد وأعضاء وأنه يسكن السماء أو أنه فوق العرش بذاته فقد كفر بالله العظيم ونسب إلى ذاته صفات المحدثين وخالف ما جاء به المصطفى الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
قال الخليفة الراشد الإمام عليّ رضي الله عنه [من زعمَ أنّ إلهنا محدود فقد جهِل الخالق المعبود] رواه أبو نعيم في الحلية (1/73). وقال رضي الله عنه [سيرجع قوم من هذه الأمة عند اقتراب الساعة كفارًا ينكرون خالقهم فيصفونه بالجسم والأعضاء] راوه ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي ص: 588.
وقال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه [من زعم ان الله فى شىء او على شىء او من شىء فقد اشرك] الرسالة القشيرية ص 6.
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه [لا يُكفَّر أهل القبلة وأستثني المجسم] ذكره السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر في كتاب الردة. ولمن طعن في نقل السيوطي مدعيًا بأن لا سند للقول نقول: ثبت عند السيوطي وهو حافظ ثقة، ولو لم يثبت عنده لابتدأ كلامه قائلا "رُوي عن الشافعي" أو "قيل". ومعنى قول الإمام "لا يُكفَّر أهل القبلة" أي ما لم تصل بدعتهم إلى حد الكفر، فإن وصلت فهم كفار لما ثبت عن الشافعي أنه كفّر حفصًا الفرد المعتزلي لقوله بخلق القرءان.
وقد نُقل عن الشافعي نقل ثان وهو ما نقله ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي عن القاضي حسين عن نص الشافعي، في صحيفة 551 قال رحمه الله [وهذا ينظم من كفره مجمع عليه ومن كفرناه من أهل القبلة كالقائلين بخلق القرءان وبأنه لا يعلم المعدومات قبل وجودها ومن لا يؤمن بالقدر. وكذا من يعتقد بأن الله جالس على العرش كما حكاه القاضي حسين هنا عن نص الشافعي]. والقاضي حسين بن محمد هو إمام جليل أحد أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي وكان يُلقب حبر الأمة كما قيل في عبد الله بن عباس رضي الله عنه حبر الأمة ونقل ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه وهو من الثقات.
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه [المجسّم كافر] ذكره الحافظ السيوطي في "الأشباه والنظائر" ص 488.
وقال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه [من قال الله جسم لا كالأجسام كفر] رواه عن الإمام أحمد أبو محمد البغدادي صاحب الخصال من الحنابلة كما رواه عن أبي محمد الحافظ الفقيه الزركشي في كتابه "تشنيف المسامع" المجلد 4 ص 684.
وقال القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي المتوفى سنة 422هـ في شرحه على عقيدة مالك الصغير ص: 28 [ولا يجوز أن يثبت له كيفية لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشىء، ولا سألته الصحابة عنه، ولأن ذلك يرجع إلى التنقل والتحول وإشغال الحيّز والافتقار إلى الأماكن وذلك يؤول إلى التجسيم وإلى قِدم الأجسام وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام].
وقال الشيخ الكمال بن الهمام الحنفي [من قال الله جسم لا كالأجسام كفر] ذكر ذلك في شرح فتح القدير باب صفة الأئمة في المجلد الأول.
وقال الإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه [من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه وإنه كافر به] ذكره في كتابه النوادر.
وقال الشيخ نظام الهندي في كتابه الفتاوى الهندية المجلد الثاني [ويكفر بإثبات المكان لله].
وقال الإمام محمد بن بدر الدين بن بلبان الدمشقي الحنبلي في كتابه مختصر الإفادات صحيفة 489 [فمن اعتقد أو قال إن الله بذاته في كل مكان أو في مكان فكافر]. وقال في صحيفة 490 [ولا يشبه شيئًا ولا يشبهه شيء، فمن شبهه بشىء من خلقه فقد كفر كمن اعتقده جسمًا أو قال إنه جسم لا كالأجسام].
ونقل الحافظ النووي عن الإمام المتولي الشافعي في روضة الطالبين المجلد العاشر صحيفة 15 [أن من وصف الله بالاتصال والانفصال كان كافرًا]. وقال المفسر الرازي [إن اعتقاد أن الله جالس على العرش أو كائن في السماء فيه تشبيه الله بخلقه وهو كفر].
وجاء في المنهاج القويم على المقدمة الحضرمية في الفقه الشافعي لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بافضل الحضرمي [واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك] ومثل ذلك نقل ملا علي القاري في كتابه المرقاة في شرح المشكاة. وقال الحافظ السيوطي عبد الرحمن جلال الدين بن أبي بكر [المجسم كافرٌ قطعًا] يعني بلا خلاف ولا تردد ولا توقف جزمًا.
وقال أبو الحسن علي بن خلف بن بطال في شرحه على البخاري الجزء العاشر صحيفة 432 خلافا لما تقوله المجسمة من أنه جسم لا كالأجسام [واستدلوا على ذلك بهذه الآيات كما استدلوا بالآيات المتضمنة لمعنى الوجه واليدين ووصفه لنفسه بالإتيان والمجيء والهرولة في حديث الرسول وذلك كله باطل وكفر من متأوله] وفيه تكفير لمن يقول الله جسم لا كالأجسام. ومثل ذلك تماما قال سراج الدين ابن الملقن الشافعي المتوفى من 804 هـ في كتابه التوضيح المجلد 33 صحيفة 256 [فإنه يكفر من يقول عن الله جسم لا كالأجسام].
ونقل عبد الرحمن الجزيري في كتابه الفقه على المذاهب الأربعة في المجلد الخامس صحيفة 396 تكفير المجسم، يعني أنّ المجسم كافر في المذاهب الأربعة يعني الإجماع. وقد نقل الإمام أبو جعفر الطحاوي الإجماعَ على تكفير المجسم كما في عقيدته المشهورة بالعقيدة الطحاوية، فقال رحمه الله [ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر]. والدليل على أن السلف كانوا مُجمعين على ذلك قول الإمام الطحاوي في بداية عقيدته "هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة". أما قوله "على مذهب فقهاء الملة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني" فهو يعني بذلك على أسلوبهم، وإلا فلا يوجد شىء في العقيدة انفرد فيه هؤلاء عن غيرهم فما فائدة ذكره اسم أبي حنيفة وصاحبيه إذن؟.
وقال أبو قاسم القشيري في الرسالة القشيرية ما نصه [سمعت أبا بكر بن فورك رحمه الله يقول سمعت أبا عثمان المغربي يقول: كنت أعتقد شيئًا من حديث الجهة فلما قدمت بغداد زال ذلك عن قلبي، فكتبت إلى أصحابنا بمكة إني أسلمت إسلاما جديدًا] اهـ. قال السبكي في الطبقات [قال فرجع كل من كان تابعه عن ذلك].
وقال الإمام أبو منصور البغدادي في كتابه تفسير الأسماء والصفات ص228 المخطوط المصوّر [فأمّا أصحابنا، فإنهم وإن أجمعوا على تكفير المعتزلة والغلاة من الخوارج والنجارية والجهمية والمشبهة فقد أجازوا لعامّة المسلمين معاملتَهُم في عقود البياعات والإجارات والرهون وسائر المعاوضات دون الأنكحة]. وكلامه صريح في انعقاد الإجماع على تكفير المشبهة المجسمة، ولا فرق حقيقي بين الإثنين فالمشبه مجسم والمجسم مشبه وهذا قول الإمام البغدادي كما تجده في كتابه "أصول الدين" وإلى مَن يطعن في مرتبة هذا الإمام ويحط من قدره نقول: قال فيه الإمام السبكي في طبقات الشافعية الكبرى ما نصه [إمام عظيم القدر جليل المحل كثير العلم حبر لا يساجل في الفقه وأصوله والفرائض والحساب وعلم الكلام، اشتهر اسمه وبعد صيته وحمل عنه العلم أكثر أهل خراسان]. ويقول فيه الصابوني [كان من أئمة الأصول وصدور الإسلام بإجماع أهل الفضل والتحصيل بديع الترتيب غريب التأليف والتهذيب تراه الجلة صدرا مقدما وتدعوه الأئمة إماما مفخما ومن خراب نيسابور اضطرار مثله إلى مفارقتها]. فهو إمام مُجمع على إمامته رغم أنف من طعن فيه، والحق يعلو ولا يُعلا عليه.
وقال الإمام أبو منصور البغدادي أيضًا في "تفسير الأسماء والصفات" ص 188 ما نصه [وأما أصحابنا فإن شيخنا أبا الحسن الأشعري وأكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل السنة والجماعة قالوا بتكفير كل مبتدع كانت بدعته كفرا أو أدته إلى كفر كقول من يزعم أن معبوده صورة أو له حد أو نهاية، أو يجوز عليه الحركة والسكون أو أنه روح ينتقل في الأجساد، وأنه يجوز عليه الفناء أو على بعضه، أو قال أنه ذو أبعاض وأجزاء] اهـ. وقوله "أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل السنة والجماعة" لا يعني بالمرة أن في المسألة خلافـًا لكون الإجماع قد انعقد وكون الإمام البغدادي هو نفسه من ناقليه رحمه الله.
وقال الإمام أبا عبد الله الحليمي في كتابه المنهاج في شعب الإيمان (1/ 184) ما نصه [وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه تعالى ليس بجوهر ولا عرض، فلأن قوما زاغوا عن الحق فوصفوا البارىء جل ثناؤه ببعض صفات المحدثين، فمنهم من قال: إنه جوهر، ومنهم من قال: إنه جسم، ومنهم من أجاز أن يكون على العرش كما يكون الملك على سريره، وكان ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك. فإذا أثبت المثبت أنه ليس كمثله شيء، وجماع ذلك أنه ليس بجوهر ولا عرض فقد انتفى التشبيه، لأنه لو كان جوهرا أو عرضا لجاز عليه ما يجوز على سائر الجواهر والأعراض، ولأنه إذا لم يكن جوهراً ولا عرضا لم يجز عليه ما يجوز على الجواهر من حين إنها جواهر كالتآلف والتجسم وشغل الأمكنة والحركة والسكون، ولا ما يجوز على الأعراض من حيث إنها أعراض كالحدوث وعدم البقاء]. قال فيه السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" ما نصه [أحد أئمة الدهر وشيخ الشافعيين بما وراء النهر، قال فيه الحاكم الفقيه القاضي أبو عبد الله بن أبي محمد أوحد الشافعيين بما وراء النهر وأنظرهم بعد أستاذيه أبي بكر القفال وأبي بكر الأودني] اهـ.
وقال الإمام الحجة الأسفراييني الشافعي أبو المظفر في كتابه "التبصير في الدين" بعد أن ذكر بعض أقوال المجسمة الهِشامية في إثبات الصورة واليد والرجل والأنف والأذن والعين وغير ذلك من صفات المخلوقين في حق الله ما نصه [والعقل بأول وهلة يعلم أن من كانت هذه مقالته لم يكن له في الإسلام حظ]. وقال أبو المظفر أيضًا في نفس الكتاب ما نصه [وأما الهشامية فإنهم أفصحوا عن التشبيه بما هو كفر محض بإتفاق جميع المسلمين وهم الأصل في التشبيه وإنما أخذوا تشبيههم من اليهود حين نسبوا إليه الولد وقالوا عزير ابن الله وأثبتوا له المكان والحد والنهاية والمجيء والذهاب تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا].ا والأسفراييني كان إمامًا أصوليًا مفسرًا فقيهًا، وكان له اتصال مصاهرة بالأستاذ أبي منصور البغدادي وتوفي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة.
وقال حجة الإسلام والإمام الكبير الشيخ أبو حامد الغزالي في رسالته "إلجام العوام عن علم الكلام" ما نصه [الوظيفة الأولى: التقديس ومعناه أنه إذا سمع اليد والإصبع وقوله صلى الله عليه وسلم إن الله خمر طينة ءادم بيده وإن قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن، فينبغي أن يعلم أن اليد تطلق لمعنيين أحدهما هو الموضع الأصلي وهو عضو مركب من لحم وعصب، واللحم والعظم والعصب جسم مخصوص وصفات مخصوصة أعني بالجسم عبارة عن مقدار له طول وعرض وعمق يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو إلا بأن يتنحى عن ذلك المكان، وقد يستعار هذا اللفظ أعني اليد لمعنى ءاخر ليس ذلك المعنى بجسم أصلا كما يقال:ا البلدة في يد الأمير فإن ذلك مفهوم وإن كان الأمير مقطوع اليد مثلا فعلى العامي وغير العامي أن يتحقق قطعًا ويقينًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد بذك جسمًا هو عضو مركب من لحم ودم وعظم، وأن ذلك في حق الله تعالى محال وهو عنه مقدس، فإن خطر بباله أن الله جسم مركب من أعضائه فهو عابد صنم فإن كل جسم فهو مخلوق، وعبادة المخلوق كفر، وعبادة الصنم كانت كفرًا لأنه مخلوق، وكان مخلوقًا لأنه جسم فمن عبد جسمًا فهو كافر بإجماع الأمة السلف منهم والخلف]. فهذا تصريح وتقرير من الإمام الغزالي على انعقاد إجماع السلف والخلف على تكفير المجسم فعلى هذا يُحمل كل ما جاء في كتب الإمام من ما يخالف هذا الإجماع على أنه مدسوس عليه، فإن أبى المعترض إلا أن يثبتها - أي المخالفات - للغزالي يقال له:رسالة إلجام العوام هي من ءاخر تصانيف الإمام فلو سلـّمنا لك ما تدعيه قلنا -من باب التنزل - قد رجع الغزالي عن ذاك المعتقد الباطل ووافق الإجماع في قوله الأخير والحمد لله على ذلك.
وقال رحمه الله في كتابه "المستصفى من علم الأصول" ما نصه [أما إذا كفر ببدعته فعند ذلك لا يعتبر خلافه وإن كان يصلي إلى القبلة ويعتقد نفسه مسلما لأن الأمة ليست عبارة عن المصلين إلى القبلة بل عن المؤمنين وهو كافر وإن كان لا يدري أنه كافر، نعم لو قال بالتشبيه والتجسيم وكفرناه فلا يستدل...] إلى ءاخر كلامه رحمه الله. وهذا تأكيد على ما سبق نقلُه من كلام الإمام كما في "إلجام العوام"، وأحسب أني قرأت أن المستصفى كان أيضًا من أواخر تصانيفه رحمه الله.
وقال الإمام أبو سعيد المتولي الشافعي الأشعري في كتابه "الغنية في أصول الدين" ص/74 ما نصه [والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلافا للكرامية والحشوية والمشبهة الذين قالوا إن لله جهة فوق وأطلق بعضهم القول بأنه جالس على العرش مستقر عليه تعالى الله عن قولهم والدليل على أنه مستغن عن المحل أنه لو افتقر إلى المحل لزم أن يكون المحل قديما لأنه -أي الله- قديم، أو يكون -أي الله- حادثا كما أن المحل حادث، وكلاهما كفر والدليل عليه أنه لو كان على العرش على ما زعموا لكان لا يخلو إما أن يكون مثل العرش أو أصغر منه أو أكبر، وفي جميع ذلك إثبات التقدير والحد والنهاية وهو كفر والدليل عليه أنه لو كان في جهة وقدرنا شخصا أعطاه الله تعالى قوة عظيمة واشتغل بقطع المسافة والصعود إلى فوق لا يخلو إما أن يصل إليه وقتا ما أو لا يصل إليه فإن قالوا: لا يصل إليه فهو قول بنفي الصانع لأن كل موجودين بينهما مسافة معلومة وأحدهما لا يزال يقطع تلك المسافة ولا يصل إليه يدل على أنه ليس بموجود فإن قالوا: يجوز أن يصل إليه ويحاذيه فيجوز أن يماسه أيضا، ويلزم من ذلك كفران: أحدهما: قدم العالم، لأنا نستدل على حدوث العالم بالافتراق والاجتماع. والثاني: إثبات الولد والزوجة على ما قالت النصارى لأن الذي يقطع المسافة ويصعد إلى فوق يجوز أن يكون امرأة تتصل به وكل ذلك كفر وضلال تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا] اهـ. وهذا الإمام المتولي كان أحد أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي، وهم الطبقة التي تلي طبقة المجتهدين كالشافعي وأحمد ومالك وأبي حنيفة والأوزاعي وغيرهم،ا ويقال لهم أيضًا مجتهدون في المذهب أي أن اجتهادهم لا يخرج عن اجتهاد إمامهم إنما يكون ضمن مذهبه. وهذا نص صريح من الإمام على تكفير المجسمة عبدة الوهم والخيال، نسأل الله السلامة.
وقال الإمام المتولي أيضا ما نصه [مَن اعتقد قِدَم العالم، أو حدوث الصانع، أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع ككونه عالما وقادرا، أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كالألوان، أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرا]. نقله الإمام النووي في كتابه "روضة الطالبين وعمدة المفتين" مقرا له، وفي كلامه هذا دليل على تكفير الشافعية للقائلين بما يستلزم الجسمية في حق الله وإن لم يعبّروا عن معتقدهم بلفظ "الجسم"، فإن الاتصال والانفصال من صفات الجسم لا محالة.
وأما الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى فقد صرح بكفر المجسم في أكثر من موضع في تفسيره ونذكر هنا كلامه عند تفسير قوله تعالى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} قال رحمه الله ما نصه [إن الدليل دل على أن من قال إن الإله جسم فهو منكر للإله تعالى، وذلك لأن إله العالم موجود ليس بجسم ولا حال في الجسم، فإذا أنكر المجسم هذا الموجود فقد أنكر ذات الإله تعالى، فالخلاف بين المجسم والموحد ليس في الصفة، بل في الذات، فصح في المجسم أنه لا يؤمن بالله] اهـ. وقال الرازي أيضًا عند شرح قوله تعالى {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ما نصه [أما الإيمان بوجوده، فهو أن يعلم أن وراء المتحيزات موجودًا خالقـًا لها، وعلى هذا التقدير فالمجسم لا يكون مقرًا بوجود الإله تعالى لأنه لا يثبت ما وراء المتحيزات شيئًا ءاخر فيكون اختلافه معنا في إثبات ذات الله تعالى] اهـ.
وممن نقل الإجماع على تكفير المجسم أيضًا الإمام ولي الدين العراقي ابن شيخ الحفاظ زين الدين العراقي، فقد قال رحمه الله في أماليه ما نصه [اتفق السلف والخلف أن من اعتقد أن الله في جهة فهو كافر] اهـ.ا
وقال الفقيه المتكلم ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ما نصه [والذي يَعبُدُ جسمًا على عرشٍ كبير ويجعل جسمه كقبر أبي قبيس سبعة أشبار بشبره كما حكي عن هشام الرافضي أو كلامًا ءاخر تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم فقد عبد غير الله فهو كافر، وقال إن قسمًا من القائلين بالتحيز بالجهة أطلقوا الجسمية ومنعوا التأليف والتركيب وقالوا: "عنيت بكونه جسمًا وجوده" وهؤلاء كفروا]. تعالى الله ربنا العظيم عما يقوله الظالمون علوًا كبيرًا.
وقال ابن بطال الشافعي في شرحه على صحيح البخاري ما نصّه [والحديث على أن لله صفة سماها عينًا ليست هو ولا غيره، وليست كالجوارح المعقولة بيننا لقيام الدليل على استحالة وصفه بأنه ذو جوارح وأعضاء خلافًا لما تقوله المجسمة من أنه جسمٌ لا كالأجسام، واستدلوا على ذلك بهذه الآيات كما استدلوا بالآيات المتضمنة لمعنى الوجه واليدين، ووصفه لنفسه بالإتيان والمجئ والهرولة فى حديث الرسول، وذلك كله باطل وكفر من متأوله].
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم ما نصه [قوله صلى الله عليه وسلم (فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم إلى آخره) قال القاضي عياض رحمه الله: هذا يدل على أنهم ليسوا بعارفين الله تعالى، وهو مذهب حذاق المتكلمين في اليهود والنصارى أنهم غير عارفين الله تعالى وإن كانوا يعبدونه ويُظهرون معرفته لدلالة السمع عندهم على هذا وإن كان العقل لا يمنع أن يعرف الله تعالى من كذب رسولا. قال القاضي عياض رحمه الله: ما عرف الله تعالى من شبهه وجسمه من اليهود أو أجاز عليه البداء أو أضاف إليه الولد منهم، أو أضاف إليه الصاحبة والولد وأجاز الحلول عليه والانتقال والامتزاج من النصارى أو وصفه بما لا يليق به أو أضاف إليه الشريك والمعاند في خلقه من المجوس والثنوية فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله وإن سموه به إذ ليس موصوفا بصفات الإله الواجبة له. فإذن ما عرفوا الله سبحانه فتحقق هذه النكتة واعتمد عليها وقد رأيت معناها لمتقدمي أشياخنا وبها قطع الكلام أبو عمران الفارسي بين عامة أهل القيروان عند تنازعهم في هذه المسألة. هذا آخر كلام القاضي رحمه الله تعالى] اهـ
وقال الإمام أبو حنيفة الذي هو من رؤوس السلف، فإنه توفي سنة مائة وخمسين في "الفقه الأبسط " [ويتكلم لا ككلامنا . نحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف والله متكلم بِلا ءالة ولا حرف . فصفاته غير مخلوقة ولا محدثة ، والتغير والاختلاف في الأحوال يحدث في المخلوقين ومن قال إنها محدثة أو مخلوقة أو توقف فيها أو شك فيها فهو كافر].ا
وجاء في كتاب المعيار المعرب للوانشريسي (المجلد الثاني الصحيفة 882) [وكتب بالمسألة أيضا إلى سيدي عبد الرحمن الواغليسي. فأجاب الحمد لله تعالى. أسعدكم الله وسددكم وإيانا لمرضاته. بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقد وصل إلي ما كتبتموه مما فهمتم من فتوى الشيخين أبي العباس بن إدريس وأبي العباس أحمد بن عيسى فيمن يقول لا إله إلا الله ولم يدر ما انطوت عليه أن فتوى سيدي أحمد بن إدريس نصها من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن حقا، فمقتضى هذا الفهم من جواب الشيخ أن من نطق بالشهادة يجزئه نطقه وإن جهل معناه وما انطوت عليه الكلمة من مدلولها، فاعلم أن هذا الفهم عن الشيخ رحمه الله باطل لا يصح، فإنه يلزم منه أن من قال ذلك وهو معتقد في الإله تعالى شبه المخلوقات وصورة من صور الموجودات أن يكون مؤمنا حقا، وقد وجدنا من الجهلة من هو كذلك وكتب إلينا بذلك وأشباهه. ومن اعتقد ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين. وقد نص أئمتنا على ذلك وعلى غيره مما هو كفر بإجماع، فلا يصح ذلك عن الشيخ أصلا ولا يصح أن يختلف في هذا أو شبهه. وفي هذا أجاب سيدي أحمد بن عيسى. وقد تحدثت أنا مع سيدي أحمد بن إدريس وذكرت له ما يقول صاحبنا فوافق عليه وقال هذا حق لا يقال غيره] انتهى ما ذكره الوانشريسي. (نقلا من كتاب العلامة الهرري رحمه الله "التحذير الشرعي الواجب" ص 122-123). فهذا الشيخ عبد الرحمن الواغليسي(توفي سنة 786هـ) نقل الإجماع على كفر المجسم.
وقال الإمام ابن الجزري في كتابه "معراج المنهاج" [فمن كان من أهل قبلتنا وخالف ، فإن لم نكفره فلا كلام في قبول روايته ، وإن كفرناه ، كالقائلين بالتجسيم ، فنقول إن علمنا من مذهبهم تحريم الكذب قبلنا روايتهم وإلا فلا]. وقال الإمام العلامة فخر الدين أحمد بن حسن الجاربردي التبريزي المتوفي سنة 746 هجرية في كتابه "السراج الوهاج" [إعلم أنه قال الأصوليون : شرطه الإسلام ، وإنما عدل المصنف إلى هذه العبارة لأن المجسمة كفار عند الأشاعرة]. (والتبريزي هو تلميذ الإمام ناصر الدين البيضاوي، وهو من مشايخ الإمام العضد الإيجي والإمام الأردبيلي).
وقال الإمام العلامة شمس الدين محمود بن عبد الرحمن الأصفهاني المتوفى سنة 749 هجرية في شرحه على المنهاج [وتقبل رواية الكافر الموافق اي الذي هو من أهل القبلة، ولكن يخالف الجماعة في معتقد يتضمن الكفر كالمجسمة]. وقال الإمام محمد بن الحسن البدخشي المتوفى سنة 922 هجرية في شرحه على المنهاج [ولم يقل الإسلام كما هو المشهور لئلا يخرج مثل المجسمة أي الكافر الموافق في القبلة المخالف في الإعتقاد إلى حد يوجب الكفر ، فإنه مقبول الرواية إذا احترز عن الكذب وإليه اشار قوله ( فتقبل رواية الكافر الموافق ) في القبلة ( كالمجسمة ) الكفار عند الأشاعرة ونحوهم]. ويقول الإمام محمد بن الحسين الأرموي المتوفى سنة 653 هجرية في كتابه "الحاصل من المحصول" [الكافر الموافق في القبلة كالمجسمة مقبول الرواية إن علم أن مذهبه التحرز عن الكذب].
وقال الإمام السيوطي في كتابه تدريب الراوي [السابعة من كفر ببدعته، وهو كما في شرح المهذب للمصنف المجسم ومنكر علم الجزئيات قيل وقائل خلق القرآن فقد نص عليه الشافعي واختاره البلقيني ومنع تأويل البيهقي له بكفران النعمة بأن الشافعي قال ذلك في حق حفص القرد لما أفتى بضرب عنقه وهذا رادٌ للتأويل]. وقال الإمام الرازي يقول في كتاب معالم أصول الدين [بل الأقرب أن المجسمة كفار لأنهم اعتقدوا ان كل ما لا يكون متحيزاً ولا في جهة فليس بموجود ، ونحن نعتقد أن كل متحيز فهو محدث وخالقه موجود ليس بمتحيز ولا في جهة، فالمجسمة نفوا ذات الشىء الذي هو الإله فيلزمهم الكفر].
وقال الإمام الجويني في كتاب "التلخيص" [وكذلك من كفر من أهل القبلة وصدر منه ما يوجب تكفيره فهو مردود الشهادة وإن كان من المتأولين المنتمين إلى أهل القبلة وذهب بعض العلماء إلى ان من بدر منه الفسق وهو متأول ظان أنه مباح فذلك لا يوجب رد شهادته إذا كان مشهرا بالصدق وتوقي الخلف وذلك نحو قتل الخوارج الناس واستحلالهم الأموال والدماء على اعتقاد الإباحة مع استشهادهم بتوقي الخلف ومصيرهم إلى أنه كفر، والمختار عندنا رد شهادتهم لكفرهم وما يبدر منهم من فسقهم وإن اعتقدوه حسنا ، والذي يحقق ذلك اتفاق الأمة على أن تأويلهم وظنهم وحسابهم لا يعذرهم فيما يبدر منهم ولكن اعتقاد الحسن فيما أجمع المسلمون على قبحه إذا انضم إلى القبيح كانا قبيحين منضمين لا يقدر انفصال أحدهما من الآخر إجماعا واتفاقا وكذلك القول في الكفر وتأويله ولو ساغ أن يعذر المأولون ساغ أن يعذر أهل الملل].
وقال البيهقي في "شعب الإيمان" في الجزء الأول صحيفة 103 [وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه ليس بجوهر ولا عرض فلأن قوما زاغوا عن الحق فوصفوا الباري جل وعز ببعض صفات المحدثين ، فمنهم من قالك إنه جوهر، ومنهم من قال إنه جسم، ومنهم من أجاز أن يكون على العرش قاعدا كما يكون الملك على سريره وكل ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك]. انتهى من كتاب "شعب الإيمان " طبعة دار الكتب العلمية - بيروت ، الطبعة الأولى ، 1410 هجرية.
وقال العلامة المناوي في كتاب "فيض القدير" ما نصه [والكلام كله في مبتدع لا يكفر ببدعته أما من كفر بها كمنكر العلم بالجزئيات، وزاعم التجسيم أو الجهة أو الكون أو الاتصال بالعالم أو الانفصال عنه فلا يوصف عمله بقبول ولا رد لأنه أحقر من ذلك]. وقال ملا علي القاري في "شرح الفقه الأكبر" صحيفة 355 [من ادعى إدعاء معيناً مشتملاً على إثبات المكان والهيئة والجهة من مقابلة وثبوت مسافة وأمثال تلك الحالة ، فيصير كافراً لا محالة]. وقال رحمه الله [البدعة لا تزيل الإيمان والمعرفة] ثم استثنى منها فقال [إلا التجسيم وإنكار علم الله سبحانه بالجزئيات فإنه يكفر بهما بالإجماع من غير نزاع]. وفي نفس الكتاب "شرح الفقه الأكبر" ينقل ملا عليّ القاري عن الشارح الآخر وهو الإمام القونوي فيقول [ثم قال القونوي: وفي قوله (يعني الإمام أبا حنيفة) "بذنب" إشارة إلى تكفيره بفساد الإعتقاد كفساد اعتقاد المجسمة والمشبهة والقدرية ونحوهم].
وقال الشيخ علي القاري في شرحه على رسالة المكفرات التي ألفها الفقيه الحنفي بدر الرشيد (وهو المذكور في متن المختصر لشيخنا رحمه الله) ما نصه [نعم من اعتقد أن الله لا يعلم الأشياء قبل حصولها فهو كافر وإن عد قائله من أهل البدع ، وكذا من قال بأنه سبحانه جسم وله مكان ويمر عليه زمان ونحو ذلك فإنه كافر حيث ما ثبت له حقيقة الإيمان]. وقال شيخ الأزهر الشيخ الأستاذ سليم البشري [من اعتقد أن الله جسم أو أنه مماس للسطح الأعلى من العرش وبه قال الكرامية واليهود وهؤلاء لا نزاع في كفرهم] نقله عنه الشيخ سلامة القضاعي العزامي في كتابه "فرقان القرءان" ص 100. وقال الشيخ محمود محمد خطاب السبكي في كتابه إتحاف الكائنات [وقد قال جمع من السلف والخلف: إن من اعتقد أن الله في جهة فهو كافر].
أجمع علماء الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها على كفر القائلين بالجسم والجهة في حق الخالق عز وجل، لأن ذلك فيه تكذيب صريح للقرءان الكريم، قال الله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) سورة الشوري/11. فهذه الآية فيها بيان صريح على تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين، فالله تعالى لا يشبه شيئا من الخلق على الاطلاق ولا بأي وجه من الوجوه، قال الله تعالى في القرءان الكريم (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال) اي لا تجعلوا له أنداداً وأشباهاً وامثالاً، فالله سبحانه وتعالى لا شبيه له في الذات ولا في الصفات. فمن زعم أن الله تعالى جسم مركب له حد وأعضاء وأنه يسكن السماء أو أنه فوق العرش بذاته فقد كفر بالله العظيم ونسب إلى ذاته صفات المحدثين وخالف ما جاء به المصطفى الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
قال الخليفة الراشد الإمام عليّ رضي الله عنه [من زعمَ أنّ إلهنا محدود فقد جهِل الخالق المعبود] رواه أبو نعيم في الحلية (1/73). وقال رضي الله عنه [سيرجع قوم من هذه الأمة عند اقتراب الساعة كفارًا ينكرون خالقهم فيصفونه بالجسم والأعضاء] راوه ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي ص: 588.
وقال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه [من زعم ان الله فى شىء او على شىء او من شىء فقد اشرك] الرسالة القشيرية ص 6.
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه [لا يُكفَّر أهل القبلة وأستثني المجسم] ذكره السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر في كتاب الردة. ولمن طعن في نقل السيوطي مدعيًا بأن لا سند للقول نقول: ثبت عند السيوطي وهو حافظ ثقة، ولو لم يثبت عنده لابتدأ كلامه قائلا "رُوي عن الشافعي" أو "قيل". ومعنى قول الإمام "لا يُكفَّر أهل القبلة" أي ما لم تصل بدعتهم إلى حد الكفر، فإن وصلت فهم كفار لما ثبت عن الشافعي أنه كفّر حفصًا الفرد المعتزلي لقوله بخلق القرءان.
وقد نُقل عن الشافعي نقل ثان وهو ما نقله ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي عن القاضي حسين عن نص الشافعي، في صحيفة 551 قال رحمه الله [وهذا ينظم من كفره مجمع عليه ومن كفرناه من أهل القبلة كالقائلين بخلق القرءان وبأنه لا يعلم المعدومات قبل وجودها ومن لا يؤمن بالقدر. وكذا من يعتقد بأن الله جالس على العرش كما حكاه القاضي حسين هنا عن نص الشافعي]. والقاضي حسين بن محمد هو إمام جليل أحد أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي وكان يُلقب حبر الأمة كما قيل في عبد الله بن عباس رضي الله عنه حبر الأمة ونقل ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه وهو من الثقات.
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه [المجسّم كافر] ذكره الحافظ السيوطي في "الأشباه والنظائر" ص 488.
وقال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه [من قال الله جسم لا كالأجسام كفر] رواه عن الإمام أحمد أبو محمد البغدادي صاحب الخصال من الحنابلة كما رواه عن أبي محمد الحافظ الفقيه الزركشي في كتابه "تشنيف المسامع" المجلد 4 ص 684.
وقال القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي المتوفى سنة 422هـ في شرحه على عقيدة مالك الصغير ص: 28 [ولا يجوز أن يثبت له كيفية لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشىء، ولا سألته الصحابة عنه، ولأن ذلك يرجع إلى التنقل والتحول وإشغال الحيّز والافتقار إلى الأماكن وذلك يؤول إلى التجسيم وإلى قِدم الأجسام وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام].
وقال الشيخ الكمال بن الهمام الحنفي [من قال الله جسم لا كالأجسام كفر] ذكر ذلك في شرح فتح القدير باب صفة الأئمة في المجلد الأول.
وقال الإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه [من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه وإنه كافر به] ذكره في كتابه النوادر.
وقال الشيخ نظام الهندي في كتابه الفتاوى الهندية المجلد الثاني [ويكفر بإثبات المكان لله].
وقال الإمام محمد بن بدر الدين بن بلبان الدمشقي الحنبلي في كتابه مختصر الإفادات صحيفة 489 [فمن اعتقد أو قال إن الله بذاته في كل مكان أو في مكان فكافر]. وقال في صحيفة 490 [ولا يشبه شيئًا ولا يشبهه شيء، فمن شبهه بشىء من خلقه فقد كفر كمن اعتقده جسمًا أو قال إنه جسم لا كالأجسام].
ونقل الحافظ النووي عن الإمام المتولي الشافعي في روضة الطالبين المجلد العاشر صحيفة 15 [أن من وصف الله بالاتصال والانفصال كان كافرًا]. وقال المفسر الرازي [إن اعتقاد أن الله جالس على العرش أو كائن في السماء فيه تشبيه الله بخلقه وهو كفر].
وجاء في المنهاج القويم على المقدمة الحضرمية في الفقه الشافعي لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بافضل الحضرمي [واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك] ومثل ذلك نقل ملا علي القاري في كتابه المرقاة في شرح المشكاة. وقال الحافظ السيوطي عبد الرحمن جلال الدين بن أبي بكر [المجسم كافرٌ قطعًا] يعني بلا خلاف ولا تردد ولا توقف جزمًا.
وقال أبو الحسن علي بن خلف بن بطال في شرحه على البخاري الجزء العاشر صحيفة 432 خلافا لما تقوله المجسمة من أنه جسم لا كالأجسام [واستدلوا على ذلك بهذه الآيات كما استدلوا بالآيات المتضمنة لمعنى الوجه واليدين ووصفه لنفسه بالإتيان والمجيء والهرولة في حديث الرسول وذلك كله باطل وكفر من متأوله] وفيه تكفير لمن يقول الله جسم لا كالأجسام. ومثل ذلك تماما قال سراج الدين ابن الملقن الشافعي المتوفى من 804 هـ في كتابه التوضيح المجلد 33 صحيفة 256 [فإنه يكفر من يقول عن الله جسم لا كالأجسام].
ونقل عبد الرحمن الجزيري في كتابه الفقه على المذاهب الأربعة في المجلد الخامس صحيفة 396 تكفير المجسم، يعني أنّ المجسم كافر في المذاهب الأربعة يعني الإجماع. وقد نقل الإمام أبو جعفر الطحاوي الإجماعَ على تكفير المجسم كما في عقيدته المشهورة بالعقيدة الطحاوية، فقال رحمه الله [ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر]. والدليل على أن السلف كانوا مُجمعين على ذلك قول الإمام الطحاوي في بداية عقيدته "هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة". أما قوله "على مذهب فقهاء الملة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني" فهو يعني بذلك على أسلوبهم، وإلا فلا يوجد شىء في العقيدة انفرد فيه هؤلاء عن غيرهم فما فائدة ذكره اسم أبي حنيفة وصاحبيه إذن؟.
وقال أبو قاسم القشيري في الرسالة القشيرية ما نصه [سمعت أبا بكر بن فورك رحمه الله يقول سمعت أبا عثمان المغربي يقول: كنت أعتقد شيئًا من حديث الجهة فلما قدمت بغداد زال ذلك عن قلبي، فكتبت إلى أصحابنا بمكة إني أسلمت إسلاما جديدًا] اهـ. قال السبكي في الطبقات [قال فرجع كل من كان تابعه عن ذلك].
وقال الإمام أبو منصور البغدادي في كتابه تفسير الأسماء والصفات ص228 المخطوط المصوّر [فأمّا أصحابنا، فإنهم وإن أجمعوا على تكفير المعتزلة والغلاة من الخوارج والنجارية والجهمية والمشبهة فقد أجازوا لعامّة المسلمين معاملتَهُم في عقود البياعات والإجارات والرهون وسائر المعاوضات دون الأنكحة]. وكلامه صريح في انعقاد الإجماع على تكفير المشبهة المجسمة، ولا فرق حقيقي بين الإثنين فالمشبه مجسم والمجسم مشبه وهذا قول الإمام البغدادي كما تجده في كتابه "أصول الدين" وإلى مَن يطعن في مرتبة هذا الإمام ويحط من قدره نقول: قال فيه الإمام السبكي في طبقات الشافعية الكبرى ما نصه [إمام عظيم القدر جليل المحل كثير العلم حبر لا يساجل في الفقه وأصوله والفرائض والحساب وعلم الكلام، اشتهر اسمه وبعد صيته وحمل عنه العلم أكثر أهل خراسان]. ويقول فيه الصابوني [كان من أئمة الأصول وصدور الإسلام بإجماع أهل الفضل والتحصيل بديع الترتيب غريب التأليف والتهذيب تراه الجلة صدرا مقدما وتدعوه الأئمة إماما مفخما ومن خراب نيسابور اضطرار مثله إلى مفارقتها]. فهو إمام مُجمع على إمامته رغم أنف من طعن فيه، والحق يعلو ولا يُعلا عليه.
وقال الإمام أبو منصور البغدادي أيضًا في "تفسير الأسماء والصفات" ص 188 ما نصه [وأما أصحابنا فإن شيخنا أبا الحسن الأشعري وأكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل السنة والجماعة قالوا بتكفير كل مبتدع كانت بدعته كفرا أو أدته إلى كفر كقول من يزعم أن معبوده صورة أو له حد أو نهاية، أو يجوز عليه الحركة والسكون أو أنه روح ينتقل في الأجساد، وأنه يجوز عليه الفناء أو على بعضه، أو قال أنه ذو أبعاض وأجزاء] اهـ. وقوله "أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل السنة والجماعة" لا يعني بالمرة أن في المسألة خلافـًا لكون الإجماع قد انعقد وكون الإمام البغدادي هو نفسه من ناقليه رحمه الله.
وقال الإمام أبا عبد الله الحليمي في كتابه المنهاج في شعب الإيمان (1/ 184) ما نصه [وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه تعالى ليس بجوهر ولا عرض، فلأن قوما زاغوا عن الحق فوصفوا البارىء جل ثناؤه ببعض صفات المحدثين، فمنهم من قال: إنه جوهر، ومنهم من قال: إنه جسم، ومنهم من أجاز أن يكون على العرش كما يكون الملك على سريره، وكان ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك. فإذا أثبت المثبت أنه ليس كمثله شيء، وجماع ذلك أنه ليس بجوهر ولا عرض فقد انتفى التشبيه، لأنه لو كان جوهرا أو عرضا لجاز عليه ما يجوز على سائر الجواهر والأعراض، ولأنه إذا لم يكن جوهراً ولا عرضا لم يجز عليه ما يجوز على الجواهر من حين إنها جواهر كالتآلف والتجسم وشغل الأمكنة والحركة والسكون، ولا ما يجوز على الأعراض من حيث إنها أعراض كالحدوث وعدم البقاء]. قال فيه السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" ما نصه [أحد أئمة الدهر وشيخ الشافعيين بما وراء النهر، قال فيه الحاكم الفقيه القاضي أبو عبد الله بن أبي محمد أوحد الشافعيين بما وراء النهر وأنظرهم بعد أستاذيه أبي بكر القفال وأبي بكر الأودني] اهـ.
وقال الإمام الحجة الأسفراييني الشافعي أبو المظفر في كتابه "التبصير في الدين" بعد أن ذكر بعض أقوال المجسمة الهِشامية في إثبات الصورة واليد والرجل والأنف والأذن والعين وغير ذلك من صفات المخلوقين في حق الله ما نصه [والعقل بأول وهلة يعلم أن من كانت هذه مقالته لم يكن له في الإسلام حظ]. وقال أبو المظفر أيضًا في نفس الكتاب ما نصه [وأما الهشامية فإنهم أفصحوا عن التشبيه بما هو كفر محض بإتفاق جميع المسلمين وهم الأصل في التشبيه وإنما أخذوا تشبيههم من اليهود حين نسبوا إليه الولد وقالوا عزير ابن الله وأثبتوا له المكان والحد والنهاية والمجيء والذهاب تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا].ا والأسفراييني كان إمامًا أصوليًا مفسرًا فقيهًا، وكان له اتصال مصاهرة بالأستاذ أبي منصور البغدادي وتوفي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة.
وقال حجة الإسلام والإمام الكبير الشيخ أبو حامد الغزالي في رسالته "إلجام العوام عن علم الكلام" ما نصه [الوظيفة الأولى: التقديس ومعناه أنه إذا سمع اليد والإصبع وقوله صلى الله عليه وسلم إن الله خمر طينة ءادم بيده وإن قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن، فينبغي أن يعلم أن اليد تطلق لمعنيين أحدهما هو الموضع الأصلي وهو عضو مركب من لحم وعصب، واللحم والعظم والعصب جسم مخصوص وصفات مخصوصة أعني بالجسم عبارة عن مقدار له طول وعرض وعمق يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو إلا بأن يتنحى عن ذلك المكان، وقد يستعار هذا اللفظ أعني اليد لمعنى ءاخر ليس ذلك المعنى بجسم أصلا كما يقال:ا البلدة في يد الأمير فإن ذلك مفهوم وإن كان الأمير مقطوع اليد مثلا فعلى العامي وغير العامي أن يتحقق قطعًا ويقينًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد بذك جسمًا هو عضو مركب من لحم ودم وعظم، وأن ذلك في حق الله تعالى محال وهو عنه مقدس، فإن خطر بباله أن الله جسم مركب من أعضائه فهو عابد صنم فإن كل جسم فهو مخلوق، وعبادة المخلوق كفر، وعبادة الصنم كانت كفرًا لأنه مخلوق، وكان مخلوقًا لأنه جسم فمن عبد جسمًا فهو كافر بإجماع الأمة السلف منهم والخلف]. فهذا تصريح وتقرير من الإمام الغزالي على انعقاد إجماع السلف والخلف على تكفير المجسم فعلى هذا يُحمل كل ما جاء في كتب الإمام من ما يخالف هذا الإجماع على أنه مدسوس عليه، فإن أبى المعترض إلا أن يثبتها - أي المخالفات - للغزالي يقال له:رسالة إلجام العوام هي من ءاخر تصانيف الإمام فلو سلـّمنا لك ما تدعيه قلنا -من باب التنزل - قد رجع الغزالي عن ذاك المعتقد الباطل ووافق الإجماع في قوله الأخير والحمد لله على ذلك.
وقال رحمه الله في كتابه "المستصفى من علم الأصول" ما نصه [أما إذا كفر ببدعته فعند ذلك لا يعتبر خلافه وإن كان يصلي إلى القبلة ويعتقد نفسه مسلما لأن الأمة ليست عبارة عن المصلين إلى القبلة بل عن المؤمنين وهو كافر وإن كان لا يدري أنه كافر، نعم لو قال بالتشبيه والتجسيم وكفرناه فلا يستدل...] إلى ءاخر كلامه رحمه الله. وهذا تأكيد على ما سبق نقلُه من كلام الإمام كما في "إلجام العوام"، وأحسب أني قرأت أن المستصفى كان أيضًا من أواخر تصانيفه رحمه الله.
وقال الإمام أبو سعيد المتولي الشافعي الأشعري في كتابه "الغنية في أصول الدين" ص/74 ما نصه [والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلافا للكرامية والحشوية والمشبهة الذين قالوا إن لله جهة فوق وأطلق بعضهم القول بأنه جالس على العرش مستقر عليه تعالى الله عن قولهم والدليل على أنه مستغن عن المحل أنه لو افتقر إلى المحل لزم أن يكون المحل قديما لأنه -أي الله- قديم، أو يكون -أي الله- حادثا كما أن المحل حادث، وكلاهما كفر والدليل عليه أنه لو كان على العرش على ما زعموا لكان لا يخلو إما أن يكون مثل العرش أو أصغر منه أو أكبر، وفي جميع ذلك إثبات التقدير والحد والنهاية وهو كفر والدليل عليه أنه لو كان في جهة وقدرنا شخصا أعطاه الله تعالى قوة عظيمة واشتغل بقطع المسافة والصعود إلى فوق لا يخلو إما أن يصل إليه وقتا ما أو لا يصل إليه فإن قالوا: لا يصل إليه فهو قول بنفي الصانع لأن كل موجودين بينهما مسافة معلومة وأحدهما لا يزال يقطع تلك المسافة ولا يصل إليه يدل على أنه ليس بموجود فإن قالوا: يجوز أن يصل إليه ويحاذيه فيجوز أن يماسه أيضا، ويلزم من ذلك كفران: أحدهما: قدم العالم، لأنا نستدل على حدوث العالم بالافتراق والاجتماع. والثاني: إثبات الولد والزوجة على ما قالت النصارى لأن الذي يقطع المسافة ويصعد إلى فوق يجوز أن يكون امرأة تتصل به وكل ذلك كفر وضلال تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا] اهـ. وهذا الإمام المتولي كان أحد أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي، وهم الطبقة التي تلي طبقة المجتهدين كالشافعي وأحمد ومالك وأبي حنيفة والأوزاعي وغيرهم،ا ويقال لهم أيضًا مجتهدون في المذهب أي أن اجتهادهم لا يخرج عن اجتهاد إمامهم إنما يكون ضمن مذهبه. وهذا نص صريح من الإمام على تكفير المجسمة عبدة الوهم والخيال، نسأل الله السلامة.
وقال الإمام المتولي أيضا ما نصه [مَن اعتقد قِدَم العالم، أو حدوث الصانع، أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع ككونه عالما وقادرا، أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كالألوان، أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرا]. نقله الإمام النووي في كتابه "روضة الطالبين وعمدة المفتين" مقرا له، وفي كلامه هذا دليل على تكفير الشافعية للقائلين بما يستلزم الجسمية في حق الله وإن لم يعبّروا عن معتقدهم بلفظ "الجسم"، فإن الاتصال والانفصال من صفات الجسم لا محالة.
وأما الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى فقد صرح بكفر المجسم في أكثر من موضع في تفسيره ونذكر هنا كلامه عند تفسير قوله تعالى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} قال رحمه الله ما نصه [إن الدليل دل على أن من قال إن الإله جسم فهو منكر للإله تعالى، وذلك لأن إله العالم موجود ليس بجسم ولا حال في الجسم، فإذا أنكر المجسم هذا الموجود فقد أنكر ذات الإله تعالى، فالخلاف بين المجسم والموحد ليس في الصفة، بل في الذات، فصح في المجسم أنه لا يؤمن بالله] اهـ. وقال الرازي أيضًا عند شرح قوله تعالى {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ما نصه [أما الإيمان بوجوده، فهو أن يعلم أن وراء المتحيزات موجودًا خالقـًا لها، وعلى هذا التقدير فالمجسم لا يكون مقرًا بوجود الإله تعالى لأنه لا يثبت ما وراء المتحيزات شيئًا ءاخر فيكون اختلافه معنا في إثبات ذات الله تعالى] اهـ.
وممن نقل الإجماع على تكفير المجسم أيضًا الإمام ولي الدين العراقي ابن شيخ الحفاظ زين الدين العراقي، فقد قال رحمه الله في أماليه ما نصه [اتفق السلف والخلف أن من اعتقد أن الله في جهة فهو كافر] اهـ.ا
وقال الفقيه المتكلم ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ما نصه [والذي يَعبُدُ جسمًا على عرشٍ كبير ويجعل جسمه كقبر أبي قبيس سبعة أشبار بشبره كما حكي عن هشام الرافضي أو كلامًا ءاخر تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم فقد عبد غير الله فهو كافر، وقال إن قسمًا من القائلين بالتحيز بالجهة أطلقوا الجسمية ومنعوا التأليف والتركيب وقالوا: "عنيت بكونه جسمًا وجوده" وهؤلاء كفروا]. تعالى الله ربنا العظيم عما يقوله الظالمون علوًا كبيرًا.
وقال ابن بطال الشافعي في شرحه على صحيح البخاري ما نصّه [والحديث على أن لله صفة سماها عينًا ليست هو ولا غيره، وليست كالجوارح المعقولة بيننا لقيام الدليل على استحالة وصفه بأنه ذو جوارح وأعضاء خلافًا لما تقوله المجسمة من أنه جسمٌ لا كالأجسام، واستدلوا على ذلك بهذه الآيات كما استدلوا بالآيات المتضمنة لمعنى الوجه واليدين، ووصفه لنفسه بالإتيان والمجئ والهرولة فى حديث الرسول، وذلك كله باطل وكفر من متأوله].
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم ما نصه [قوله صلى الله عليه وسلم (فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم إلى آخره) قال القاضي عياض رحمه الله: هذا يدل على أنهم ليسوا بعارفين الله تعالى، وهو مذهب حذاق المتكلمين في اليهود والنصارى أنهم غير عارفين الله تعالى وإن كانوا يعبدونه ويُظهرون معرفته لدلالة السمع عندهم على هذا وإن كان العقل لا يمنع أن يعرف الله تعالى من كذب رسولا. قال القاضي عياض رحمه الله: ما عرف الله تعالى من شبهه وجسمه من اليهود أو أجاز عليه البداء أو أضاف إليه الولد منهم، أو أضاف إليه الصاحبة والولد وأجاز الحلول عليه والانتقال والامتزاج من النصارى أو وصفه بما لا يليق به أو أضاف إليه الشريك والمعاند في خلقه من المجوس والثنوية فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله وإن سموه به إذ ليس موصوفا بصفات الإله الواجبة له. فإذن ما عرفوا الله سبحانه فتحقق هذه النكتة واعتمد عليها وقد رأيت معناها لمتقدمي أشياخنا وبها قطع الكلام أبو عمران الفارسي بين عامة أهل القيروان عند تنازعهم في هذه المسألة. هذا آخر كلام القاضي رحمه الله تعالى] اهـ
وقال الإمام أبو حنيفة الذي هو من رؤوس السلف، فإنه توفي سنة مائة وخمسين في "الفقه الأبسط " [ويتكلم لا ككلامنا . نحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف والله متكلم بِلا ءالة ولا حرف . فصفاته غير مخلوقة ولا محدثة ، والتغير والاختلاف في الأحوال يحدث في المخلوقين ومن قال إنها محدثة أو مخلوقة أو توقف فيها أو شك فيها فهو كافر].ا
وجاء في كتاب المعيار المعرب للوانشريسي (المجلد الثاني الصحيفة 882) [وكتب بالمسألة أيضا إلى سيدي عبد الرحمن الواغليسي. فأجاب الحمد لله تعالى. أسعدكم الله وسددكم وإيانا لمرضاته. بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقد وصل إلي ما كتبتموه مما فهمتم من فتوى الشيخين أبي العباس بن إدريس وأبي العباس أحمد بن عيسى فيمن يقول لا إله إلا الله ولم يدر ما انطوت عليه أن فتوى سيدي أحمد بن إدريس نصها من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن حقا، فمقتضى هذا الفهم من جواب الشيخ أن من نطق بالشهادة يجزئه نطقه وإن جهل معناه وما انطوت عليه الكلمة من مدلولها، فاعلم أن هذا الفهم عن الشيخ رحمه الله باطل لا يصح، فإنه يلزم منه أن من قال ذلك وهو معتقد في الإله تعالى شبه المخلوقات وصورة من صور الموجودات أن يكون مؤمنا حقا، وقد وجدنا من الجهلة من هو كذلك وكتب إلينا بذلك وأشباهه. ومن اعتقد ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين. وقد نص أئمتنا على ذلك وعلى غيره مما هو كفر بإجماع، فلا يصح ذلك عن الشيخ أصلا ولا يصح أن يختلف في هذا أو شبهه. وفي هذا أجاب سيدي أحمد بن عيسى. وقد تحدثت أنا مع سيدي أحمد بن إدريس وذكرت له ما يقول صاحبنا فوافق عليه وقال هذا حق لا يقال غيره] انتهى ما ذكره الوانشريسي. (نقلا من كتاب العلامة الهرري رحمه الله "التحذير الشرعي الواجب" ص 122-123). فهذا الشيخ عبد الرحمن الواغليسي(توفي سنة 786هـ) نقل الإجماع على كفر المجسم.
وقال الإمام ابن الجزري في كتابه "معراج المنهاج" [فمن كان من أهل قبلتنا وخالف ، فإن لم نكفره فلا كلام في قبول روايته ، وإن كفرناه ، كالقائلين بالتجسيم ، فنقول إن علمنا من مذهبهم تحريم الكذب قبلنا روايتهم وإلا فلا]. وقال الإمام العلامة فخر الدين أحمد بن حسن الجاربردي التبريزي المتوفي سنة 746 هجرية في كتابه "السراج الوهاج" [إعلم أنه قال الأصوليون : شرطه الإسلام ، وإنما عدل المصنف إلى هذه العبارة لأن المجسمة كفار عند الأشاعرة]. (والتبريزي هو تلميذ الإمام ناصر الدين البيضاوي، وهو من مشايخ الإمام العضد الإيجي والإمام الأردبيلي).
وقال الإمام العلامة شمس الدين محمود بن عبد الرحمن الأصفهاني المتوفى سنة 749 هجرية في شرحه على المنهاج [وتقبل رواية الكافر الموافق اي الذي هو من أهل القبلة، ولكن يخالف الجماعة في معتقد يتضمن الكفر كالمجسمة]. وقال الإمام محمد بن الحسن البدخشي المتوفى سنة 922 هجرية في شرحه على المنهاج [ولم يقل الإسلام كما هو المشهور لئلا يخرج مثل المجسمة أي الكافر الموافق في القبلة المخالف في الإعتقاد إلى حد يوجب الكفر ، فإنه مقبول الرواية إذا احترز عن الكذب وإليه اشار قوله ( فتقبل رواية الكافر الموافق ) في القبلة ( كالمجسمة ) الكفار عند الأشاعرة ونحوهم]. ويقول الإمام محمد بن الحسين الأرموي المتوفى سنة 653 هجرية في كتابه "الحاصل من المحصول" [الكافر الموافق في القبلة كالمجسمة مقبول الرواية إن علم أن مذهبه التحرز عن الكذب].
وقال الإمام السيوطي في كتابه تدريب الراوي [السابعة من كفر ببدعته، وهو كما في شرح المهذب للمصنف المجسم ومنكر علم الجزئيات قيل وقائل خلق القرآن فقد نص عليه الشافعي واختاره البلقيني ومنع تأويل البيهقي له بكفران النعمة بأن الشافعي قال ذلك في حق حفص القرد لما أفتى بضرب عنقه وهذا رادٌ للتأويل]. وقال الإمام الرازي يقول في كتاب معالم أصول الدين [بل الأقرب أن المجسمة كفار لأنهم اعتقدوا ان كل ما لا يكون متحيزاً ولا في جهة فليس بموجود ، ونحن نعتقد أن كل متحيز فهو محدث وخالقه موجود ليس بمتحيز ولا في جهة، فالمجسمة نفوا ذات الشىء الذي هو الإله فيلزمهم الكفر].
وقال الإمام الجويني في كتاب "التلخيص" [وكذلك من كفر من أهل القبلة وصدر منه ما يوجب تكفيره فهو مردود الشهادة وإن كان من المتأولين المنتمين إلى أهل القبلة وذهب بعض العلماء إلى ان من بدر منه الفسق وهو متأول ظان أنه مباح فذلك لا يوجب رد شهادته إذا كان مشهرا بالصدق وتوقي الخلف وذلك نحو قتل الخوارج الناس واستحلالهم الأموال والدماء على اعتقاد الإباحة مع استشهادهم بتوقي الخلف ومصيرهم إلى أنه كفر، والمختار عندنا رد شهادتهم لكفرهم وما يبدر منهم من فسقهم وإن اعتقدوه حسنا ، والذي يحقق ذلك اتفاق الأمة على أن تأويلهم وظنهم وحسابهم لا يعذرهم فيما يبدر منهم ولكن اعتقاد الحسن فيما أجمع المسلمون على قبحه إذا انضم إلى القبيح كانا قبيحين منضمين لا يقدر انفصال أحدهما من الآخر إجماعا واتفاقا وكذلك القول في الكفر وتأويله ولو ساغ أن يعذر المأولون ساغ أن يعذر أهل الملل].
وقال البيهقي في "شعب الإيمان" في الجزء الأول صحيفة 103 [وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه ليس بجوهر ولا عرض فلأن قوما زاغوا عن الحق فوصفوا الباري جل وعز ببعض صفات المحدثين ، فمنهم من قالك إنه جوهر، ومنهم من قال إنه جسم، ومنهم من أجاز أن يكون على العرش قاعدا كما يكون الملك على سريره وكل ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك]. انتهى من كتاب "شعب الإيمان " طبعة دار الكتب العلمية - بيروت ، الطبعة الأولى ، 1410 هجرية.
وقال العلامة المناوي في كتاب "فيض القدير" ما نصه [والكلام كله في مبتدع لا يكفر ببدعته أما من كفر بها كمنكر العلم بالجزئيات، وزاعم التجسيم أو الجهة أو الكون أو الاتصال بالعالم أو الانفصال عنه فلا يوصف عمله بقبول ولا رد لأنه أحقر من ذلك]. وقال ملا علي القاري في "شرح الفقه الأكبر" صحيفة 355 [من ادعى إدعاء معيناً مشتملاً على إثبات المكان والهيئة والجهة من مقابلة وثبوت مسافة وأمثال تلك الحالة ، فيصير كافراً لا محالة]. وقال رحمه الله [البدعة لا تزيل الإيمان والمعرفة] ثم استثنى منها فقال [إلا التجسيم وإنكار علم الله سبحانه بالجزئيات فإنه يكفر بهما بالإجماع من غير نزاع]. وفي نفس الكتاب "شرح الفقه الأكبر" ينقل ملا عليّ القاري عن الشارح الآخر وهو الإمام القونوي فيقول [ثم قال القونوي: وفي قوله (يعني الإمام أبا حنيفة) "بذنب" إشارة إلى تكفيره بفساد الإعتقاد كفساد اعتقاد المجسمة والمشبهة والقدرية ونحوهم].
وقال الشيخ علي القاري في شرحه على رسالة المكفرات التي ألفها الفقيه الحنفي بدر الرشيد (وهو المذكور في متن المختصر لشيخنا رحمه الله) ما نصه [نعم من اعتقد أن الله لا يعلم الأشياء قبل حصولها فهو كافر وإن عد قائله من أهل البدع ، وكذا من قال بأنه سبحانه جسم وله مكان ويمر عليه زمان ونحو ذلك فإنه كافر حيث ما ثبت له حقيقة الإيمان]. وقال شيخ الأزهر الشيخ الأستاذ سليم البشري [من اعتقد أن الله جسم أو أنه مماس للسطح الأعلى من العرش وبه قال الكرامية واليهود وهؤلاء لا نزاع في كفرهم] نقله عنه الشيخ سلامة القضاعي العزامي في كتابه "فرقان القرءان" ص 100. وقال الشيخ محمود محمد خطاب السبكي في كتابه إتحاف الكائنات [وقد قال جمع من السلف والخلف: إن من اعتقد أن الله في جهة فهو كافر].
وبعد هذه النصوص الواضحات والنقول الساطعات نقول: إن من نظر إلى كلام الأئمة المتقدمين عرف أن الخلاف المزعوم في كفر المجسم لا أساس له من الصحة وهو مناقض لما قد ثبت من إجماع حول هذا الأمر. فيا عجبا من مداهن مكابر يصر على رد كل هذه الأدلة بغية الدفاع عن الخلاف المزعوم في تكفير المجسم.ا ولينظر هؤلاء إلى ما قاله زعيم المجسمة ابن تيمية الحراني في رسالته المسماة الفتوى الحموية الكبرى ص 4 ما نصه [بل أكثر أهل السنة من أصحابنا وغيرهم يكفرون المشبهة والمجسمة]، فإذا كان رأس المجسمة يكفر المجسمة وهذا دليل على تخبطه وتناقضه، فكيف بالذي يدعي أنه أشعري منزه ويقول أنا لا اكفر المجسم ولكن أقول قوله كفر أما هو فليس بكافر !!!.. فحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله .والحمد لله على نعمة الإسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق