بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 28 فبراير 2020

قَولُ اللهُ تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)



قَالَ اللهُ تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (سورة الأحزاب 21) هَذِهِ الآيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم في مَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، وَالأُسْوَةُ مَعْنَاهَا الْقُدْوَةُ، أَيْ أَنْتُمْ مَأمُورُونَ بِالاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يُبَلِِّغُهُ عَنِ اللهِ مِنْ تَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيْمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، بَعْضُ الْمُلْحِدِينَ يَقُولُونَ نَحْنُ نَأخُذُ بِمَا في الْقُرْءَانِ وَلا نَأخُذُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، بِزَعْمِهِمْ لا يَعْتَبِرُونَ سُنَّةَ الرَّسُولِ شَيْئًا، فَهَؤُلاءِ كَذَّبُوا الْقُرْءَانَ وَكَذَّبُوا السُّنَّة وَلَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ، وَيَكْفِي في الرَّدِّ عَلَيْهِم هَذِهِ الآيَةُ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (إِنَّ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ عَلَيَّ بِالْسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ عَلَيَّ بِالقُرْءَانِ) فَمَنْ أَنْكَرَ الْسُّنَّةَ عَلَى الإطْلاقِ كَفَرَ، فَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى قَالَ في حَبِيبهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (سورة البقرة 129) وَالْكِتَابُ هُوَ الْقُرْءَانُ وَالْحِكْمَةُ هِيَ الْسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ الشَّرِيفَةُ.

وَقَالَ اللهُ تَعالى (وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (سورة الحشر 7) وَهَذِهِ الآيَةُ فيها أَمْرٌ بِأَنْ نَأتَمِرَ بِمَا أَمَرَنَا الرَّسُولُ بِهِ وَأَنْ نَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَانَا عَنْهُ. ثُمَّ إِنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الأُمُورِ مَا عُرِفَتْ إِلا مِنَ الْسُّنَّةِ، فَعَدَدُ رَكَعَاتِ الْصَّلَوَاتِ عُرِفَ مِنَ الْسُّنَّةِ، وَالتَّعْزِيَةُ عُرِفَتْ مِنَ الْسُّنَّةِ، وَلا يُوجَدُ فِيهِمَا نَصٌّ مِنَ الْقُرْءَانِ، وَكَذَا تَفَاصِيلُ أُمُورِ الْزَّكَاةِ وَالْحَجِّ عُرِفَتْ بِالْسُّنَّةِ، لِذَلِِكَ قَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)، وَقَالَ (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُوني أُصَلِّي).

في الْقُرْءَانِ جَاءَتْ أُصُولُ الأَحْكَامِ وَأُصُولُ الْعَقِيدَةِ لَكِنْ لا يَفْهَمُ ذَلِكَ إِلا مَنْ نَفْسُهُ فَقِيهَةٌ أَيْ دَرَّاكَةٌ، تُوجَدُ ءايَةٌ في الْقُرْءانِ كَلِمَاتُهَا قَلِيلَةٌ وَهِيَ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ) (سورة الشُّورى 11) تَحْوي الْمَعَانيَ الْكَثِيرَةَ، تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللهَ لا يُشْبِهُ الْعَالَمَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، الْعَالَمُ مُنْحَصِرٌ في شَيْئَيْنِ الأَحْجَامُ سَوَاءٌ كَانَتْ لَطِيفَةً أَمْ كَثِيفَةً وَصِفَاتُ الأَحْجَامِ. الأَحْجَامُ الْكَثِيفَةُ مَا يُجَسُّ بِالْيَدِ أَيْ يُضْبَطُ بِالْيَدِ كَالْشَّجَرِ وَالْحَجَرِ، وَالأَحْجَامُ اللَّطِيفَةُ مَا لا يُجَسُّ بِالْيَدِ أَيْ لا يُضْبَطُ بِالْيَدِ كَالْضَّوْءِ وَالظَّلامِ، الْشَّمْسُ حَجْمٌ كَثِيفٌ لَكِنْ ضَوْؤُهَا جِسْمٌ لَطِيفٌ، وَالْرِّيحُ وَالرُّوحُ كَذَلِكَ حَجْمٌ لَطِيفٌ، ثُمَّ الأَحْجَامُ لَهَا صِفَاتٌ، الْحَرَكَةُ وَالْسُّكُونُ وَالْتَّحَيُّزُ في جِهَةٍ وَمَكَانٍ، فَالْحَجْمُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ جِهَةٍ وَمَكَانٍ، اللهُ لَيْسَ حَجْمًا كَثِيفًا وَلا حَجْمًا لَطِيفًا فَلَيْسَ مُتَحَيِّزًا في جِهَةٍ وَمَكَانٍ وَلا هُوَ مُتَحَيِّزٌ في جَمِيعِ الْجِهَاتِ، لأَنَّ الْجِهَاتِ وَالأَمَاكِنَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً في الأَزَلِ، لَمْ يَكُنْ شَىْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَوْجُودٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ اللهُ. ا
للهُ تَعَالى كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْمَكَانِ وَالْزَّمَانِ وَالْجِهَاتِ السِّتِّ وَقَبْلَ كُلِّ شَىْءٍ فَلا يُقَالُ مَتَّى وُجِدَ اللهُ لأَنَّ اللهَ مَوْجُودٌ بِلا بِدَايَةٍ لَمْ يَسْبِقْهُ الْعَدَمُ فَلا يُشْبِهُ شَيْئًا سَبَقَهُ الْعَدَمُ، فَإِذًا اللهُ تعالى لا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَ الْعَالَمِ لأَنَّ كُلَّ شَىْءٍ مِنْ هَذَا العَالَمِ سَبَقَهُ العَدَمِ.

فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ اللهَ تعالى مَوْجُودٌ لا كَالْمَوْجُودَاتِ أَيْ مَوْجُودٌ لا يُشْبِهُ أَيَّ مَوْجُودٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ وَلا يُتَصَوَّرُ كَانَتْ مَعْرِفَةُ اللهِ بِاعْتِقَادِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ أَنَّ لَهُ كَيْفِيَّةٌ وَمِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ أَنَّ لَهُ شَكْلاً صَارَ هَذَا هُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ.

فَاللهُ لا يُمْكِنُ تَصَوُّرُهُ في الْنَّفْسِ لأَنَّهُ لَيْسَ حَجْمًا لَيْسَ شَكْلا لِذَلِكَ قَالَ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْحَقِّ (مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبَالِكَ فَاللهُ بِخِلافِ ذَلِكَ) لِذَلِكَ نَهَانَا الْشَّرْعُ عَنِ الْتَّفَكُّرِ في ذَاتِ اللهِ وَأَمَرَنَا بِالْتَّفَكُّرِ في مَخْلُوقَاتِهِ لأَنَّ التَّفَكُّرَ في ذَاتِ اللهِ لا يُوصِلُ إِلى نَتِيجَةٍ صَحِيحَةٍ لأَنَّهُ تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...