تعتبر عقيدة جلوس الله على العرش أو استقراره عليه جلّ ربنا وتعالى عن ذلك، من العقائد الباطلة عند اليهود، والتي تسربت إلى المسلمين من طريق المجسّمة في هذه الأمة، وقد ردّ علماء الإسلام هذه العقائد وبيّنوا للأمة بطلانها بالدّليل الساطع والبُرهان القاطع، ومن جُملة ذلك أن عقيدة الجلوس والاستقرار لم يرد فيها دليل لا من الكتاب ولا من صحيح السنة النّبويّة المطَهّرة اللّهمّ إلا بضعة أحاديث و آثار مُنكرة باطلة متناً وسنداً، حتى إن مُتمحدّث الوهابيّة الألباني حَكَم عليها بالنّكارة والوضع، واعتبر هذه العقيدة يهوديّة لا تليق بالخالق، وأنّ وصف الخالق بالاستقرار لا يجوز لأن الاستقرار من صفات البشر، كل ذلك مدوّن في كتبه وفي كتاب "جامع تراث الألباني في العقيدة".
وأما من النّاحية العقليّة، فمن المقَرّر في عقائد المسلمين أنّ كلّ ما سوى الخالق فهو مخلوق، فالعالَم كلّه من العرش إلى الفرش مَخلوق لله ربّ العالمَين، وخالق الكون موصوفٌ بصفات الكمال أزلاً وأبداً، فلم يكتسب ربّنا صفة جديدة بعد خلق العرش (=الجلوس أو الاستقرار أو القعود و..غيرها من لوازم التجسيم)، ولو كان الأمر بعكس للزم منه أن يكون ربّنا قبل خلق العرش نَاقصاً في صفاته (= لم يكن جالساً أو مستقراً) ثُمَّ اكتملت صفاته بعد أن خلق العرش (= جلس واستقر عليه) !!!، فاكتسب صفة جديدة هي الجلوس والاستقرار على العرش بعد أن خلق العرش !!!، وهذا باطل لأن ربّ الأرباب كاملٌ في ذاته وصفاته دائماً وأبداً وهو غنيٌّ عن خلقه كما قال ربنا : "إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ"، ولهذا قال أبو جعفر الطحاوي واصفاً ربه في عقيدته التي أجمعت عليها الأمة - العقيدة الطحاوية - (ومَازَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيْماً قَبْلَ خَلْقِهِ، لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئاً لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ. وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيّاً، كَذَلِكَ لاَ يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيّاً، لَيْسَ بَعْدَ خَلْقِ الـخَلْقِ اسْتَفَادَ اسْمَ الـخَالِقِ، وَلاَ بِإحْدَاثِهِ البَرِيَّةِ اسْتَفَادَ اسْمَ البَارِئِ. لَهُ مَعْنَى الرُبُوبِيَّةِ وَلاَ مَرْبُوبَ، وَمَعْنَى الـخَالِقِ وَلاَ مَخْلُوقَ. وَكَمَا أَنَّهُ مُحْيِي الـمَوْتَى بَعْدَمَا أَحْيَا، اسْتَحَقَّ هَذَا الاسْمَ قَبْلَ إِحْيَائِهِمْ كَذَلِكَ اسْتَحَقَّ اسْمَ الـخَالِقِ قَبْلَ إِنْشَائِهِمْ. ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَئٍ قَدِيرٌ، وَكُلُّ شَئٍ إِلَيْهِ فَقِيْرٌ، وَكُلُّ أَمْرٍ عَلَيْهِ يَسِيْرٌ، لاَ يَحْتَاجُ إِلىَ شَئٍ، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَـْئٌ وَهُوَ السَمِيْعُ البَصِيْرُ })).انتهى، فلا يحتاج ربنا إلى خلقه (=العرش) ليكمّل صفاته جلّ ربنا عن ذلك، ومنه يُعلم بطلان هذه العقيدة.
ثُمَّ إنَّ وصف الباري بعقيدة الجلوس والاستقرار يقتضي أنّ الله مماسٌ للصفحة العليا للعرش !!!، وكذلك يلزم منه أنّ الله يَملئ العرش متمكّنٌ فيه !!!...الخ، وكلّ ذلك من لوازم الجسميّة تعالى ربنا من أن يوصف بها، قال الإمام القشيري كما جاء في "إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين" للمحدّث مرتضى الزّبيدي، ما نصه (والذي يَدْحَضُ شُبهَهُم (= يقصد المجسمة القائلين بعقيدة الجلوس والاستقرار) أَنْ يُقالَ لَهُم : قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ العَالَمَ أو المَكَانَ هَلْ كَانَ موجودًا أمْ لا ؟ فَمِنْ ضَرُورَةِ العَقْلِ أنْ يَقُول بَلَى، فَيَلْزَمُه لَوْ صَحَّ قَولُه لا يُعْلَمُ مَوجُودٌ إلا في مَكَانٍ أحَدُ أمْرَينِ إمَّا أنْ يَقُولَ المكانُ والعَرْشُ والعَالَمُ قَدِيمٌ !!! (= وهذا باطل)، وإمَّا أَنْ يَقُولَ: الرَّبُّ تعالى مُحْدَثٌ !!! (= وهذا باطل)، وهذا مآلُ الجَهَلةِ الحشوِيّةِ، لَيْسَ القَدِيمُ بالمُحْدَثِ والمُحْدَثُ بالقَدِيمِ)).انتهى، فتأمّل هذا الكلام المتين.
إذا تبيّن هذا، فاعلم أن مدعي السلفية الوهابيّة تريد إعادة بعث هذه العقيدة الضالة على أنها عقيدة سلفنا الصالح، والحق أنّها عقائد غلاة المجسّمة، والتي كان يخفيها ابن تيمية عن علماء عصره حتى انكشف أمره، فتصدى له علماء الإسلام وألزموه بالحجة والبيان حتى حبسه قضاة المذاهب الإسلامية الأربعة بسبب هذه العقائد الباطلة كما هو مبسوط في كتب التاريخ والتراجم.
فتأمّل أيّها القارئ النبيه في كلام القوم واحكم بنفسك :
أولاً : يُعتبر الخلال من غلاة المجسمة الحنابلة، وهو أحد المنظّرين لعقيدة التجسيم الذين يعتمد عليهم ابن تيمية في تقرير عقائده الزائفة، هذا الخلال يدّعي في كتابه السنة
1. شهادة الإمام المفسّر أبو حيّان الأندلسي وهو من المعاصرين لابن تيمية،
6. ابن تيمية : غير مستنكر في دين الإسلام القول بأن الله جالسٌ على العرش وقد ثَقُلَ - تعالى الله عن ذلك - على حملة العرش !!!
1.يقول هل الاستواء إلا الجلوس ؟!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق