كشف تدليس الوهابية في رد رواية تأويل الإمام أحمد ابن حنبل للمجئ
الحمد لله الذي أظهر دينه فحاطه من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين و سخر لدينه رجالا قام بهم وبه قاموا على الوجه القويم..فكانوا سيوفا مسلطه علي أهل البدع والأهواء ومن بدل هذا الدين واصلي واسلم على محمد ابن عبد الله النبي الأمين الذي علم الأمة التوحيد والذي قرن الله اسمه باسمه وقال فيه قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين واصلي واسلم على آل بيته الأطهار وصحابته الأبرار
تقوم الوهابية برد رواية تأويل الإمام احمد بن حنبل للمجئ وذلك بالتدلس والكذب كم سنرى ، فطعنوا في الإمام حنبل بن اسحاق وهو ابن عم الإمام احمد بن حنبل وتلميذه وذلك بعد أن وثوقه القوم ولا نعلم ما هذا التضارب وكيفية فهمهم لأقوال الائمة والعلماء
تقول الوهابية :
تأويل الإمام أحمد ابن حنبل للمجئ لم يثبت ، قد ورد ذلك عن الإمام في رواية حنبل بن إسحاق فقد ذكر ذلك ابن كثير في ” البداية والنهاية ” (10 / 327) ، وهي معلولة بتفرد إسحاق وبمخالفتها للثابت المشهور عن الإمام أحمد فإن إسحاق مع وثاقته له أغاليط وأوهام فيما ينقله عن أحمد قال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في (( السير)) (13/51) : (( له مسائل كثيرة عن أحمد ، ويتفرد ، ويغرب )) .
– ونقل العليمى في (( المنهج الأحمد )) (1/245) عن أبي بكر الخلال قوله : (( قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية ، وأغرب بشيء يسير ، وإذا نظرت في مسائله شبهتها في حسنها وإشباعها وجودتها بمسائل الأثرم )).
– ونقل الحافظ ابن رجب في فتح الباري (9/279) عن ابن حامد قوله : رأيت بعض أصحابنا حكى عن أبي عبدالله الإتيان ، أنه قال : تأتي قدرته ، قال : وهذا على حدَّ التوهم من قائله ، وخطأ في إضافته إليه.
– وقد أنكر إسحاق بن شاقلا هذه الرواية كما نقل ذلك شيخ الإسلام في الفتاوى ، وقد ثبت عن الإمام أحمد إثبات صفة المجيء.
قال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (2/367) ( وهذه رواية مشكلة جدا، ولم يروها عن أحمد غير حنبل ، وهو ثقة إلا أنه يهم أحيانا ، وقد اختلف متقدمو الأصحاب فيما تفرد به حنبل عن أحمد : هل تثبت به رواية أم لا) انتهى
– ونقل القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات ورقة 85 من المخطوط ( مستفاد من تحقيق بيان تلبيس الجهمية ) (( وقد قال أحمد في رواية أبي طالب وقول الله عز وجل (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة )) (( وجاء ربك والملك صفاً صفاً )) فمن قال أن الله لا يرى فقد كفر ))
الرد
نقول : هذا يدل على جهل ورعونة كاتب هذا التعليق الباهت الذي حشاه بالكذب والتدليس . و هذه الرواية قبلها الحنابلة عن الإمام أحمد كابن عقيل والقاضي أبي يعلى والزاغوني والحافظ ابن الجوزي والفقيه ابن حمدان وغيرهم رحمهم الله تعالى وقد ظن كاتب المقال أن المسألة مسألة حديثيه فقط وغفل عن قواعد أهل المذهب في التعامل مع هذه الرواية ثم رجح عدم صحتها لتفرد حنبل بن اسحاق وأن غيره روى بخلافها ولم يتحفنا الكاتب إلا برواية عن الرؤية وليس لها علاقة بالرواية في الأصل . وإن وجد فستكون لاحد الشواذ وهذا عين ما تقوم به الوهابية تلجأ لاضعف الأقوال وتترك الثابت الصحيح . وسنظهر عور هذه الرد بعون الله ومدده وسنفنده كلمة كلمة ليقف العالم أجمع على أن الوهابية أصحاب هوى . فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
فنقول أولاً : تأويل الإمام أحمد ابن حنبل للمجئ لم يثبت
نقول : هذا تدليس وكذب محض والعياذ بالله
أورد الحافظ ابن كثير هذا عن الإمام بن حنبل في (البداية والنهاية) المجلد الخامس / الجزء العاشر صحيفة 354 فقد قال:
( وكلامه – أي الإمام أحمد – في نفي التَّشبيه وتَرْك الخوضِ في الكلام والتّمسّك بما ورد في الكتاب والسنَّة عن النَّبي صلى الله عليه وسلَّم وعن أصحابه روى البيهقي عن الحاكم عن أبي عمرو ابن السمّاك عن حنبل أنَّ أحمد بن حنبل تأوّلَ قوله تعالى: (( وَجَاءَ رَبّكَ )) أنَّه جاء ثوابه ، ثمَّ قال البيهقي : وهذا إسناد لا غبار عليه. ) .
(“1″شاهد الوثيقة من كتاب البداية والنهاية مصورة في أخر الموضوع)
وقد وُضح أنَّ رواية تَأويل الإمام أحمد ثابتة بإسنادٍ صحيح لا غبار عليه وقد شهدوا بثقة الإمام حنبل بن إسحاق في النقل! . و قد صحَّحها الحافظ البيهقي حيث قال على إسنادها : وهذا إسناد لا غبار عليه . ثمَّ لَمْ يتعقَّبه الحافظ ابن كثير – تلميذ ابن تيمية – بشيء عندما نقلها بل ظاهر صنيع الحافظ ابن كثير يقول بأنَّه يُؤيِّد ثبوت هذه الرواية عن الإمام أحمد ويُؤيِّد حكم البيهقي عليها فقد قال قُبيْـلَ إيراده لها: (( وكلامه – أي الإمام أحمد – في نفي التَّشبيه وتَرْك الخوضِ في الكلام والتّمسّك بما ورد في الكتاب والسنَّة عن النَّبي صلى الله عليه وسلَّم وعن أصحابه …)). ثمَّ ساق ابن كثير مباشرة رواية الإمام أحمد في تأويل المجيء ثمَّ أَتْبَعَه بحُكم الحافظ البيهقي ولَمْ يتعقّب حكم البيهقي أو الرواية بشيء فدلَّ على الموافقة . فنَقْـلُ التَّصحيح دون تعقُّب مِن أدلّة الموافقة إلاَّ إنْ جاءت قرينة ظاهرة تدل على خلاف ذلك. وهذا ما يُؤكِّده صنيع الحُفَّاظِ في كتبهم
ومنها ما جاء في (التلخيص الحبير) 2/267 عند ذكر حديث ” من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة” فقال الحافظ ابن حجر في كلامه عليه ما نصه: (( فائدة: طرق هذا الحديث كلها ضعيفة لكن صححه من حديث بن عمر أبو علي بن السَّكن في إيراده إياه في أثناء السنن الصحاح له، وعبد الحق في الأحكام في سكوته عنه ، والشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين باعتبار مجموع الطرق )).
نقول: وسكوت الحافظ ابن كثير أبلغ مِن سكوت عبد الحق! . فقد ذكر أولاَّ ذَمّ الإمام أحمد للتشبيه وتمسكه بالكتاب والسنة في التنزيه ثمَّ أتبعها مباشرةً بذكر الرواية ثمَّ نقل تصحيحها عن البيهقي ثمَّ سكت ولم يتعقَّب بشيء !! . فلله الحمد والمِنَّة .
وقد احتجَّ بها الحافظ الكبير أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي في دفع (دفع الشُّبه والتشبيه) ص110 ( … مالا بُدَّ مِن تأويله كقوله تعالى: ((وَجَاءَ رَبُّكَ)) ، أي جاء أمره. وقال أحمد بن حنبل: وإنَّما صرفه إلى ذلكَ أدلّة العقل ؛ فإنّه لا يجوز عليه الإنتقال ).
(“2″شاهد الوثيقة مصورة اخر الموضوع)
واحتج بها ايضاً من الحنابلة ابن عقيل والقاضي أبي يعلى والزاغوني والحافظ ابن الجوزي والفقيه ابن حمدان وغيرهم ، وقد نقل ابن تيمية احتجاج القاضي أبي علي بها وذلك في (مجموع الفتاوى) 16/405-406 ، وردها كعادته ويهمنا فقط إثبات النقل قاله ابن حمدان وهو من أكابر الحنابلة في نهاية المبتدئين “وقد تأول أحمد آيات وأحاديث كآية النجوى وقوله أن ” يأتيهم الله” وقال قدرته وأمره وقوله “وجاء ربك ” قال: قدرته ذكرهما ابن الجوزي في المنهاج واختار هو إمرار الآيات كما جاءت من غير تفسير .
وتأول ابن عقيل كثيرا من الآيات والاخبار . وتأول أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم ” الحجر الاسود يمين الله في الارض ” ونحوه أ.هـ “نهاية المبتدئين” ص(35) وعقيدة ابن حمدان معتمدة عند السادة الحنابلة وقد اختصرها العلامة محمد بدر الدين البلباني رحمه الله تعالى.
قال العلامة مرعي الكرمي الحنبلي قال الله تعالى : (وجاء ربك والملك صفا صفا) [الفجر :22] ، وقال تعالى : (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) [البقرة : 210] ، الظلل : جمع ظلة وهو ما أظل . والغمام المذكور هنا هو المذكور في قوله تعالى : (ويوم تشقق السماء بالغمام) [الفرقان : 25] ، قال المفسرون غمام أبيض رقيق مثل الضباب ، ولم يكن إلا لبني إسرائيل في التيه. إذا تقرر هذا : فاعلم أن ظاهر هذه الآية غير معمول به ؛ لاقتضائه الإتيان ، وهو : الإنتقال ، والحركة.
وقد أجمع العقلاء من المفسرين وغيرهم ، أن المجيء والذهاب على الله تعالى محال ، حكاه الإمام فخر الدين ؛ لأن كل ما صح عليه ذلك وجب أن يكون محدثاً ، تعالى الله عن ذلك ،فإذا ثبت صرف الآية عن ظاهرها ففي تأويلها مذهبان : فمذهب السلف الصالح :لا يجوز التأويل خوفاً من الوقوع في الخطأ ، قال الكلبي : هذا من السر المكتوم الذي لا يفسر. قال الثعلبي: مالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وجماعة من المشايخ يقولون في هذه وأمثالها : أقروها كما جاءت بلا كيف. ومذهب الخلف قالوا: يجوز التأويل. وهو قول جمهور المتكلمين واختلفوا في تأويل هذه الآية …ا.هـ. “بهجة الناظرين وآيات المستدلين” (ق/272-273/مخطوط)
ثانياً : نقل الحافظ ابن رجب في فتح الباري (9/279) عن ابن حامد قوله : رأيت بعض أصحابنا حكى عن أبي عبدالله الإتيان ، أنه قال : تأتي قدرته ، قال : وهذا على حدَّ التوهم من قائله ، وخطأ في إضافته إليه.
نقول:-
هذا نقل مبتور والنقل كامل سنورده لكم وكان في شرح حديث النزول وكان الحافظ ابن رجب ينقل أقوال الائمة في شرح حديث النزول ويعقب برايه وسنرى أن اغلب الحنابلة اخذوا بالتفويض والتأويل وهذا مرفوض عند الوهابية ومن هذا يثبت أن التأويل قول معتبر في مذهب الحنابلة فتأمل
قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (( شرح البخاري )) (279\9) قال الحافظ ابن رجب في لما تكلم على حديث النزول ، قالَ أهل الحديث في النزول على ثلاث فرق : فرقة منهم ، تجعل النزول من الأفعال الاختيارية التي يفعلها الله بمشيئته وقدرته ، وهو المروي عن ابن المبارك ونعيم بن حماد وإسحاق بن راهويه وعثمان الدارمي . وهو قول طائفة من أصحابنا ، ومنهم : من يصرح بلوازم ذلك من إثبات الحركة . وقد صنف بعض المحدثين المتأخرين من أصحابنا مصنفاً في إثبات ذلك ، ورواه عن الامام أحمد من وجوه كلها ضعيفة ، لا يثبت عنه منها شيء . وهؤلاء ؛ منهم من يقول : ينزل بذاته ، كابن حامد من أصحابنا . وقد كان الحافظ إسماعيل من التميمي الأصبهاني الشافعي يقول بذلك ، وجرى بينه وبين طائفة من أهل الحديث بسببه فتنة وخصام . قال الحافظ أبو موسى المديني : كان من اعتقاد الإمام إسماعيل أن نزول الله تعالى بالذات ، وهو مشهور من مذهبه ؛ لكنه تكلم في حديث نعيم بن حماد الذي رواه بإسناده في النزول بالذات . قالَ : وهو إسناد مدخول ، وفيه مقال ، وفي بعض رواته مطعن ، ولا تقع بمثله الحجة ، فلا يجوز نسبة قوله إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – .
والفرقة الثانية : تقول : إن النزول إنما هوَ نزول الرحمة . ومنهم من يقول : هوَ إقبال الله على عباده ، وإفاضة الرحمة والإحسان عليهم . ولكن ؛ يرد ذَلِكَ : تخصيصه بالسماء الدنيا ، وهذا نوع من التأويل لأحاديث الصفات . وقد مال إليه في حديث النزول خاصة طائفة من أهل الحديث ، منهم : ابن قتيبة والخطابي وابن عبد البر . وقد تقدم عن مالك ، وفي صحته عنه نظر . وقد ذهب إليه طائفة ممن يميل إلى الكلام من أصحابنا ، وخرجوه عن أحمد من رواية حنبل عنه في قوله تعالى : { وَجَاءَ رَبُّكَ } [الفجر: 22] ، أن المراد : وجاء أمر ربك . وقال ابن حماد : رأيت بعض أصحابنا حكى عن أبي عبد الله في الإتيان ، أنه قال : تأتي قدرته . قال : وهذا على حد الوهم من قائله ، وخطأ في إضافته إليه . وقد روي فيه حديث موضوع : (( إن نزول الله تعالى إقبال على الشيء من غير نزول )) . وذكره ابن الجوزي في (( الموضوعات )) . قلت ( اي ابن رجب): وهذا الحديث مقابل لحديث نعيم بن حماد الذي رواه في النزول بالذات. وكلاهما باطل ، ولا يصح .
والفرقة الثالثة : أطلقت النزول كما ورد ، ولم تتعد ما ورد ، ونفت الكيفية عنه ، وعلموا أن نزول الله تعالى ليس كنزول المخلوق . .) أنتهى المراد من النقل ومن أراد الاطلاع عليه بطوله فليرجع للمصدر المذكور.
توضيح :– فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة ففي حديث النزول السادة الأشاعرة لا ينفون هذا بل ينفون المكان على الله والحركة. فنحن نثبت النزول كما ورد في الحديث وليس كمثله شئ وبعد نقلنا للنقل السابق نجد أن الحافظ ابن رجب لم يرد قول حنبل بن اسحاق على جلاله قدره ولم يضعف الرواية وهذا ايضاً قبول منه للرواي وبمثابة تصحيح لها فتأمل. بل قال وذهب إليه بعض أصحابنا من المذهب الحنبلي وأهل الحديث ورد لحديث الذي ورد في نزول الله بذاته كما تقول الحشوية وقال انه موضوع وهذا يدل على أن هناك بعض الموضوعات في كتاب العقيدة التي يعتمد عليها الوهابية ايضاً فتأمل. (((وتنبه أخي فحديثنا هنا عن رواية الإمام ابن كثير وهي تأوّلَ قوله تعالى: (( وَجَاءَ رَبّكَ )) أنَّه جاء ثوابه)))
ثالثاً : قال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (2/367) ( وهذه رواية مشكلة جدا، ولم يروها عن أحمد غير حنبل ، وهو ثقة إلا أنه يهم أحيانا ، وقد اختلف متقدمو الأصحاب فيما تفرد به حنبل عن أحمد : هل تثبت به رواية أم لا) انتهى
نقول : هذا الكلام فيه مِن المُغالطات والتَّلبيس الشيء المُحْزِن!
أولاً : إنَّ هذا أسلوب غير لائق لانه يريد أن يوهم القراء أنَّ الحافظ ابن رجب يقول (بأنَّ هذه الرواية عن تأويل الإمام أحمد) هي عنده مشكلة جداً !! وهذا باطل محض بل إنّه كذب محض! فبعد الرجوع لأصل كتاب الحافظ ابن رجب وجدنا أنَّ الحافظ ابن رجب قال هذا الكلام في تعليقه على حديث في باب ( إذا كانَ الثَّوبُ ضيِّقاً ) ، فأينَ الثوب الضيّق مما نحن بصدده يا مسلم !! فقد قال ابن رجب في كتابه (فتح الباري) بعد كلامٍ طويل 2/156-157 ، الطبعة الثانية/ دار ابن الجوزي ، 1422هـ ، تحقيق: أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمد: ((… وقال حنبل : قيل لأبي عبد الله – يعني أحمد -: الرجل يكون عليه الثوب اللطيف لا يبلغ أن يعقده ، ترى أن يتزر به ويصلي ؟ قال : لا أرى ذلك مجزئا عنه ، وإن كان الثوب لطيفاً صلَّى قاعداً وعقده مِن ورائه ، على ما فعل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- (في الثوب الواحد) . وهذه رواية مشكلة جداً ، ولم يروها عن أحمد غير حنبل ، وهو ثقة ، إلا أنه يهم أحيانا ، وقد اختلف متقدمو الأصحاب فيما تفرد به حنبل عن أحمد: هل تثبت به رواية عنه أم لا ؟
ولكن اعتمد الأصحاب على هذه الرواية ، ثم اختلفوا في معناها : فقال القاضي أبو يعلى ومن اتبعه: من وجد ما يستر به منكبيه أو عورته ولا يكفي إلا أحدهما فإنه يستر عورته ، ويصلي جالسا ؛ لأن الجلوس بدل عن القيام ، ويحصل به ستر العورة ، فيستر بالثوب اللطيف منكبيه حيث لم يكن له بدل. … )).انتهى . فكلام ابن رجب كما رأينا ليس له أدنى علاقة برواية تأويل الإمام أحمد لقوله تعالى: (وجاء ربك) ، !!
ثانياً : ولا أعلم سبب توقف المعترض في النقل عند قول ابن رجب (وقد اختلف متقدمو الأصحاب فيما تفرد به حنبل عن أحمد: هل تثبت به رواية عنه أم لا ؟………..)
هنا توقَّفَ نقله لكلامه ، وهذا يؤكِّد لنا أنه لم يتوقَّف عند هذا الحد في النَّقل إلا للسعي في إسقاط الإمام حنبل مِن قائمة الثقات ، ليتسنى لكه ولغيره ممّن غرروا بالعوام رد روايته في تأويل الإمام أحمد ، والله حسيبكم .. ولكن أكْمل كلام ابن رجب الذي لم يتمه كما هو موضح في نقلي السابق وهو: (…ولكن اعتمد الأصحاب على هذه الرواية ). وهذا يوضح المقصود
ونقول:– وكذلك رواية حنبل عن أحمد في تأويل المجيء قد قبلها الحُفَّاظ البيهقي وابن كثير والحنابلة ابن الجوزي وابن كثير ابن عقيل والقاضي أبي يعلى والزاغوني والحافظ ابن الجوزي والفقيه ابن حمدان وغيرهم وأمَّا ما ذكره الحافظ ابن رجب رحمه الله بأنَّ الإمام حنبل بن إسحاق (يَهِم أحياناً) ! فأقـــول: هذه صفة متغيِّرة والصفة المتغيِّرة لا تضر الصِّفة الثابتة الملازمة له وهي أنَّه (ثقة ثبت) ومع ذلكَ نحتاج إلى أقوال من قالوا بما ذكره ابن رجب عنهم مِن متقدمي الحُفّاظ وبأي حُجَّة ألصقوا به هذه الصِّفة المتغيِّرة وما هي الروايات التي بسببها ألصقوا به هذه الصِّفة – أي نريد تفسير سبب الجرح – فإنْ أتى ابن رجب أو غيره بها فحيَّ هلاً بالمراجعة والمُباحثة وهذا يَحتاج إلى تتبُّعٍ لِرواياته. وغالباً ستكون في المسائل الفقهيَّة إنْ خالف مَن هم أوثق منه وأمَّا إنْ جئتم بتلكَ الأوهام في باب العقيدة فنريد أنْ نرى نصوص مخالفته فيها لِمَن هم أوْثق منه.
وأمَّا إنْ كانَتْ مقالة ابن رجب التي قالها في مدى حُجيَّة رواية حنبل عن أحمد هي بسبب ما جاء ابن شاقلاً وابن تيمية وأضرابهم في تغليطه فهذا سراب يحسبه الظمآن ماء! وهو ما قريباً سآتي على قواعده ليَخرَّ سَقفه على مَن استظلَّ بظلِّه بمشيئة الله تعالى !! . فالإمام حنبل بن إسحاق حافظ ثقة فكَوْن شخص يأتي لرواياته التي لا توافق هواه متمسِّكاً ببعض عبارات الأئمة (المتحرِّكة أو المُتغيِّرة) والغير ثابتة فيردها لأنها (فقط) لا توافق هواه ومعتقده فهذا مِن القبيح المُسقط لعدالة طالب العلم ومروءته فلا يُشترط في الراوي الثِّقة أنَّه لا يُخطئ ! قال الحافظ الذهبي في (الموقظة) ص78: ( وليسَ مِن حدِّ الثِّقةِ: أنَّه لا يَغْلَطُ ولا يُخطِئ ، فمَن الذي يَسلمُ مِن ذلك غيرُ المعصومِ الذي لا يُقَرُّ على خطأ ؟! ). انتهى.
ولكن كيف لنا أنْ نكتشف خطأ ذلك الذي شهدَ كبار الأئمة بأنَّه ثِّقة ثَّبتْ ، بيقين أو قرينة قوية لا بهوىً وتعصّب لرأي أو مذهب هذا هو مربط الفَرَس ؟!.
قال الحافظ الذهبي في (الموقظة) ص82: ( والكلام في الرُّواةِ يحتاجُ إلى وَرَعٍ تامّ ، وبراءةٍ مِن الهَوَى والمَيْل ، وخِبْرَةٍ كاملة بالحديث ، وعلله ، ورجاله ). وأما مُحاولة التَّوهين مِن مكانة الإمام حنبل بن إسحاق فهذا ضرب مِن التَّعنت الذي لم يأتي إلاَّ مِن تعصبٍ أعمَى ونصرة للهوى والمعتقد ، وليس طلباً للحق !! قال الحافظ البغدادي في (تاريخه) 8/286: ((حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد أبو علي الشيباني ،…وكان ثقة ثبتا ، أنبأنا الأزهري أنبأنا أبو الحسن الدارقطني قال: حنبل بن إسحاق بن حنبل كان صدوقا …)). وقال عنه الحافظ الذهبي في (تذكرة الحفّاظ): (( حنبل بن إسحاق ..الحافظ الثقة ، أبو علي الشيباني ابن عم الإمام أحمد وتلميذه …)). وقال عنه الذهبي في (تاريخ الإسلام) أيضاً : (( حنبل بن إسحاق…كان يفهم ويحفظ . روى عنه: البغوي وابن صاعد وأبو بكر الخلال ومحمد بن مخلد وابن السماك وأبو جعفر بن البختري وجماعة ، قال الخطيب: كان ثقة ثبتا)).
وقال الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) 13/52: (( حنبل ابن إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد الإمام الحافظ المحدث الصدوق، المصنف أبو علي الشيباني ابن عم الإمام أحمد وتلميذه…قال الخطيب: كان ثقة ثبتا . قلت: له مسائل كثيرة عن أحمد، ويتفرد ويغرب…)). إن قول الخطيب البغدادي (ثقة ثبت) يعد مِن أعلى مراتب التعديل
جاء في (شرح الألفية) 2/3 للحافظ العراقي: (( مراتب التعديل على أربع أو خمس طبقات ؛ فالمرتبة الأولى: العُـلْـيَـا مِن ألفاظ التعديل – ولم يذكرها ابنُ أبي حاتم ولا ابنُ الصلاح – ؛ هي إذا كُرِّرَ لفظُ التوثيق ، إمّا مع تباينِ اللفظين كقولهم: ثبت حُجّة ، أو ثبتٌ حافظ ، أو ثقة ثبت ، أو ثقة متقن ، أو نحو ذلك . وإمَّا مع إعادة اللفظ الأوّل ، كقولهم: ثقةٌ ثقةٌ ، ونحوها )).
أما ما ذكروه بعد بتر العبارات فنقول قال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في (( السير)) (13/51) : (( له مسائل كثيرة عن أحمد ، ويتفرد ، ويغرب )) .
ونقل العليمى في (( المنهج الأحمد )) (1/245) عن أبي بكر الخلال قوله : (( قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية ، وأغرب بشيء يسير ، وإذا نظرت في مسائله شبهتها في حسنها وإشباعها وجودتها بمسائل الأثرم )).
نقول:– فانظروا إلى قول أبو بكر الخلال صاحب كتاب (السنَّة): (وإذ انظرت في مسائله – أي مسائل حنبل – شبهتها في حسنها وإشباعها وجودتها بمسائل الأثرم ).
أتعلمون مَن هو الأثرم الذي يُشبّه الخلالُ إتقانَ حنبلٍ في المسائل بإتقانه ؟! قال الحافظ الذهبي في (تذكرة الحُفّاظ): 2/570: (( الأثرم الحافظ الكبير العلامة أبو بكر احمد بن محمد بن هانئ الإسكافي صاحب الإمام أحمد ، …له كتاب في العلل ، وكان من أفراد الحفاظ .
قال أبو بكر الخلال: كان جليل القدر حافظا . لمَا قَدِمَ عاصم بن علي بغداد طَلبَ مَن يُخرج له فوائد فَلَمْ يَجد مثل أبي بكر -أي الأثرم- ، فلم يقع منه بموقع لحداثة سنه ، فأخذ يقول: هذا خطأ وهذا وهم ، فَسُرَّ عاصم به .كان للأثرم تيقظ عجيب ؛ حتّى قال يحيى بن معين وغيره: كأنَّ أحد أبويه جِنِّي! إلى أن قال:أخبرني أبو بكر بن صدقة سمعت إبراهيم الأصبهاني يقول: الأثرم أحفظ من أبي زُرعة الرّازي وأتقن .!!!..
قال الخلال: وسمعت الحسن بن علي بن عمر الفقيه يقول قدم شيخان مِن خراسان للحج فقعد هذا ناحية معه خلق مُسْتَملٍ ، وقعدَ الآخر ناحية كذلك ، فجلس الأثرم بينهما فكتب ما أمليا معاً !! ،
قلت: أظنه مات بعد الستين ومائتين وله كتاب نفيس في السنن يدل على إمامته وسعة حفظه )).
فهل بعدَ هذا الكلامِ كلامٌ لمتعنِّت ؟!
وقول الخلال فانظروا إلى قول أبو بكر الخلال صاحب كتاب (السنَّة): (وإذ انظرت في مسائله – أي مسائل حنبل – شبهتها في حسنها وإشباعها وجودتها بمسائل الأثرم ).
إذا لَمْ تخشَ عاقبةَ الليالي * ولَمْ تستحِ فاصنع ما تشاءُ
فلا والله ما في العيْشِ خيرٌ * ولا الدُّنيا إذا ذهبَ الحياءُ
وفي قول الحافظ الذهبي (قال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في (( السير)) (13/51) : (( له مسائل كثيرة عن أحمد ، ويتفرد ، ويغرب )) )
نقول: اتَّقي الله تعالى أيها المعارض! اعلمْ أنَّ علمَ الجرح والتّعديل والكلام عن الرجال أشد خطراً وأعظم خطباً مِن الاجتهاد في المسائل الفقهيَّة فإنْ سلبتَ حقَّ رَجلٍ مِن أهل الرِّواية وظلمته فإنّكَ قد ظلمتَ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، وإذا ظلمتَ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فقد قد ظلمتَ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ورَدَدتَّ كلامه ظلماً وعُدواناً وتكون قد رددتَّ الوحي الشَّريف مِن الله تعالى ونالك مِن النِّقَم والسّخط ما الله به عليم! فكما أنّه مَن حدّثَ عن النبي صلى الله عليه وسلَّم كذباً يتبوأ مقعده مِن النّار ، فكذلك مَن ردَّ حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم تعصّباً وجهلا دون أهليّة فليتبوأ مقعده مِن النّار ! أرأيتَ إلى أينَ يصل بكَ ظُلْمَ الرُّواة وعدم إعطاء كل راوٍ حقّه الذي أظهره الله ؟! وتذكرتُ الآن كلاماً نفيساً للحافظ ابن حجر ، وها أنا أنقله لكَم (ولمَنْ نقلتَ عنهم للرد عليهم!!)
قال الحافظ في (نزهة النّظر) ص178: ((ولْيَحذر المتكلِّمُ في هذا الفن مِن التَّساهل في الجرح والتَّعديل ؛ فإنّه إنْ عدّلَ بغيرِ تثبّتٍ كانَ كالمُثْبِتِ حُكْماً ليس بثابتٍ ، فيُخشَى عليه أنْ يَدْخُلَ في زُمْرَة مَن رَوَى حديثاً وهو يُظَنْ أنَّه كَذِبٌ ، وإنْ جَرَحَ بغير تحرّزٍ أقدمَ على الطَّعنِ في مسلمٍ بريءٍ مِن ذلك ، ووَسَمه بمَيْسَمِ سوءٍ يَبْقَى عليه عارُهُ أبداً. والآفة تَدْخل في هذا تارةً مِن الهوى والغرض الفاسد. وكلامُ المتقدِّمين سالِمٌ مِن هذا ، غالباً. وتارةً مِن مُخالفةِ العقائد، وهو موجود كثيراً، قديماً وحديثاً. ولا يَنْبَغِي إطلاق الجَرح بذلك..)).
فمثال الإمام حنبل مِن المُكثرين للرواية كما ذكر الحافظ الذهبي وغيره فعندما يصل بالوهابية الإجحاف والظّلم مع مثل هذا الإمام إلى هذا الحد فكم مِن رواية ستردّها الوهابية إنْ رأوا في سندها حنبل بن إسحاق؟!
وأيُّ دِيْنٍ وإيمانٍ وحياء مِن الله سيبقى في قلبهم ؟!
وكُلُّ مَن ليسَ ينهـاهُ الحياءُ ولا * تَقْوَى فَخَفْ كلَّ قُبحٍ منه وانتظـرِ والنّاسُ أخلاقهم شتّى وأَنْفُسهُم: * منهم بصيرٌ ، ومنهم مُخطئ النّظَرِ فلينظر الإخوة القرّاء جميعاً انظروا إلى ما قاله المعترض من كلام الحافظ الذهبي في الاقتباس السابق وانظروا الآن إلى نص ما قاله الذّهبي من نفس المرجع الذي نقل منه ..
قال الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) 13/52: (( حنبل ابن إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد الإمام الحافظ المحدث الصدوق ، المصنف أبو علي الشيباني ابن عم الإمام أحمد وتلميذه…قال الخطيب: كان ثقة ثبتا .
قلت: له مسائل كثيرة عن أحمد، ويتفرد ويغرب…)).
فأينَ حكم الذهبي في النقل ؟! وأينَ حكم الخطيب البغدادي الذي ذكره الذهبي مما نقله ؟!
هذا الحال يُذكِّرني بقول القائل:
إنِّي كأنِّي أرَى مَن لا حياءَ له * ولا أمانةٍ وسطَ النّاسِ عريانا
وكما ذكرنا إن قول الخطيب البغدادي (ثقة ثبت) يعد مِن أعلى مراتب التعديل ؛ جاء في (شرح الألفية) 2/3 للحافظ العراقي: (( مراتب التعديل على أربع أو خمس طبقات ؛ فالمرتبة الأولى: العُـلْـيَـا مِن ألفاظ التعديل – ولم يذكرها ابنُ أبي حاتم ولا ابنُ الصلاح – ؛ هي إذا كُرِّرَ لفظُ التوثيق ، إمّا مع تباينِ اللفظين كقولهم: ثبت حُجّة ، أو ثبتٌ حافظ ، أو ثقة ثبت ، أو ثقة متقن ، أو نحو ذلك . وإمَّا مع إعادة اللفظ الأوّل ، كقولهم: ثقةٌ ثقةٌ ، ونحوها )). وأمَّا قول الحافظ الذهبي في حنبل: ( له مسائل كثيرة عن أحمد، ويتفرد ويغرب).
فأقول: إنَّ الغريب والفرد مُترادفان لغةً واصطلاحاً إلاَّ أنَّ أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقِلّته . هذا ما نصَّ عليه الحافظ ابن حجر في (نزهة النظر) ص66. وهما ليسا بجرح والعِبرة فيهما بِحال الراوي مِن جهة الضبط وعدمه فقد ينفرد الثقة ويغرب في روايات وتكون صحيحة بل ويُعوَّل عليها لأنه ثقة .
قال الإمام مجد الدِّين الفيروزآبادي في منظومته:
وَمَا انْفَرَدَ شَخْصٌ بِهِ غَرِيبُ * وَذَاكَ إمَّـا ثِـقَـةٌ أَريـبُ
أوْ لَيِّنُ الحالِ ضعيفٌ شَكْمُه * أَوْ صَالِحُ الحَالِ لِكُلٍّ حُكْمُـهُ
قال الإمام العلاّمة سليمان بن يحيى الأهدل رحمه الله (ت1197هـ) في شرحه للمنظومة وهو يشرح البيت الأوّل ص72-73: (( الغريبُ: هو ما انفردَ بروايته شخصٌ مِن الرواة ، أي مِن بعدِ الصَّحابي ، كما نبَّه عليه الحافظ العلائي ، بأنْ لم يَرْوِهِ مِنْ بَعْدِه غيرُ واحدٍ في موضعٍ مِن السَّند . ثمَّ ذلك المنفرد له أحوالٌ ثلاثةٌ ؛ لأنَّه: إمَّا ثقة أريب، أي ذو خِبرة وعلمٍ ، يُقال: أرُبَ الرّجُلُ بالضَّمِّ ، فهو أريبٌ ، أي ذُو فِطنةٍ وخبرةٍ وعلمٍ . وأراد الناظمُ أنَّه كاملُ الضَّبطِ …[والحُكم على حديثه]: يكون الحديثُ صحيحاً ، كالأفراد المُخرَّجة في الصحيحين )). انتهى بتصرف يسير.
قال الإمام المحدث محمد بن زاهد الكوثري مؤيداً لهذا الكلام ومنصفاً ! فقد قال في كتابه (تأنيب الخطيب) ص73 عقبَ ذكره لرواية ساقطة تطعن في الإمام أبي حنيفة وفي سندها حنبل بن إسحاق، فقال ما نصه: ( أقول: حنبل بن إسحاق في السَّند ، يتكلَّم فيه بعض أهل مذهبه ، ويرميه ابن شاقلاً بالغلط في روايته ، كما ذكره ابن تيمية في تفسير سورة العَلَق ، لكن لا نلتفت إلى كلامهم فيه ونعدّه ثقة مأموناً كما يقول ابن نقطة في “التقييد”. فيلتزق الخبر بالحُميدي ، والحميدي كذّبه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم… ). انتهى المقصود .
وما أبدع وأمتنَ وأصدقَ قول الحافظ تاج الدين السبكي رحمه الله ، عندما قال في (طبقات الشافعية الكبرى) 2/9: (( ضروريّة نافعة لا تراها في شيءٍ من كتب الأصول ، فإنَّكَ إذا سَمعتَ أنَّ الجرحَ مقدَّم على التَّعديل ، ورأيتَ الجرح والتعديل ، وكنتَ غِـرّاً بالأمور أو فَدْماً مقتصراً على منقول الأصول حَسبتَ أنَّ العمل على جرحه ، فإيّاكَ ثمَّ إيّاكَ ، والحذَرَ ثمَّ الحذر مِن هذا الحسبان ، بل الصواب عندنا: أنَّ مَن ثبتَتْ إمامته وعدالته ، وكثُرَ مادحُوه ومزكُّوه ، ونَدُرَ جارحه ، وكانتْ هناكَ قرينة دالّة على سبب الجرح ، مِن تعصّب مذهبي أو غيره ، فإنّا لا نلتفتُ إلى الجرح فيه ، ونعمل فيه بالعدالة ، وإلاَّ لو فتحنا هذا الباب ، أو أخذنا تقديم الجرح على إطلاقه لَمَا سَلِمَ لنا أحدٌ مِن الأئمّة؛ إذْ ما مِن إمامٍ إلاَّ وقد طعنَ فيه طاعنون ، وهلكَ فيه هالكون )). انتهى
وهؤلاء النَّفر الذين أنكروا نسبة الرّواية للإمام أحمد بن حنبل مِن هذا الصِّنف المتعصِّب وقد غرقوا في التجسيم وحاولوا نسبة زيغهم وضلال معتقدهم إلى الإمام أحمد وحاشاه رضي الله عنه مما يفتري عليه أهل الأهواء !!. (راجع كتاب “الكاشف الصغير عن عقائد ابن تيمية” للشيخ العلامة سعيد فودة حفظه الله) .
وتثار بعض الشبهات الآخرى فنقول فيها
1- يأتي أتباع ابن تيمية بما ذكره ابن تيمية في نقله:(( حنبل انفرد به دون الّذين ذكروا عنه المُناظرة مثل صالح و عبد الله و المروذي و غيرهم )).
فنقول أتمنَّى أنْ تسعفونا بما قاله صالح وعبد الله ابني الإمام أحمد وما قاله المروذي في نفس الموقف ونقول لكم كفى تدليس ، من حفظ حجة على من لم يحفظ والمحنة تعددت مجالسها بلا شك فإن الإمام ناظر المعتزلة في عدة مجالس ، والمعتمد عند الحنابلة أنه إذا تعدد المجلس فإن زيادة الثقة عن غيره من الثقات مقبولة ، قال العلامة ابن النجار في شرح مختصر التحرير : “وتقبل زيادة ثقة ضابط في الحديث لفظا ومعنى يعني سواء كانت الزيادة في لفظ الحديث أو في معناه إن تعدد المجلس عند جماهير العلماء وحكاه بعضهم إجماعا”ا.هـ مختصر التحرير (2/541)
وقال الطوفي في (البلبل ) “الزيادة من الثقة المنفرد بها مقبولة لفظية كانت او معنوية كالحديث التام”ا.هـ انظر شرحه (2/220).
2- : قد يقول البعض: إنَّ رواية حنبل عن أحمد التي رواها البيهقي في تأويل المجيء ، وأنَّ تأويلها هو: أي جاء ثوابه ، تخالف رواية حنبل عن أحمد التي ذكرها أبو يعلى وغيره مِن أنه تأوَّيلَ (وجاء ربك) أي: جاء أمره وقدرته ، فلعلَّ هذا يؤكِّد ما ذكره ابن تيمية عن ابن شاقلاً مِن أنَّ لحنبلٍ أغلاطاً وهذا منها ؟! وأجيب على بركة الله قائلاً : أوّلاً: إنَّ ما ذكره ابن تيمية وغيره مِن أنَّ حنبلَ أخطأ وغلطَ في نسبة هذا التّأويل لابن عمه الإمام أحمد بن حنبل وأنَّ الصّواب – في زعمهم- أنَّ الإمام أحمد إنّما منهجه في العقيدة إمرار النُّصوص وتفسيرها (على ظاهرها) وليس تأويلها أقول: إنَّ هذا الإدّعاء والزّعْمَ منهم يُسقط الإمام حنبل كل السُّقوط مِن قائمة الثِّقات! لأنَّه كيف يكون – كما زعموا – أنَّ الإمام أحمد يرد التّأويل ويشنّع على أهله وأنَّ منهجه في العقيدة هو إمرار النّصوص على ظاهرها بل ويكون معتقده هذا – بزعمهم – مشهور عنه في مشارق الأرض ومغاربها ثمَّ يأتي حنبَل بن إسحاق (ابن عمّه) وينسب إليه عقيدة هو نفسه الإمام أحمد يُحاربها ؟!
إنَّ هذا لا يكونُ مِن ثقةٍ إطلاقاً ومَن كانَ ثقة في مدّة من عمره ووقع في مثل هذا الزلَّة الشنيعة إمَّا أنْ يُرْمَى بشدَّة التخليط أو شدَّة الغفلة وغير ذلك مِن العبارات المُسقطة لجميع رواياته التي ينفرد بها وليس بالوهم والغلط (أحياناً)!!
كيف يَنْسِبَ راوٍ ثقةٌ إلى إمامٍ عاصَرَهُ بل وجالسه بل ولازَمَه بل ومِن نفس بيته وأسرته عقيدةً هو الإمام أحمد نفسه بريء منها بل وكانَ يُحاربها ؟! هل يكون هذا ثقة؟! بل ويُشتهر عند أهل الجرح والتّعديل بأنّه ثقة!!
فنسبة غلطٍ وخطأ (في مثل هذا) إلى الإمام حنبل ليس بالأمر الهيِّن ففيها مِن اللوازم ما تجعل الباب مفتوحاً على مصراعيه لكلَّ مَن أراد أنْ يردّ رواية لا توافق هواه جاءت عن طريق الإمام حنبل بن إسحاق .. وصدق التاج السبكي عندما قال -فيما ذكرتُ سابقاً-: (( إنَّ مَن ثبتَتْ إمامته وعدالته ، وكثُرَ مادحُوه ومزكُّوه ، ونَدُرَ جارحه ، وكانتْ هناكَ قرينة دالّة على سبب الجرح ، مِن تعصّب مذهبي أو غيره، فإنّا لا نلتفتُ إلى الجرح فيه ، ونعمل فيه بالعدالة ، وإلاَّ لو فتحنا هذا الباب ، أو أخذنا تقديم الجرح على إطلاقه لَمَا سَلِمَ لنا أحدٌ مِن الأئمّة ؛ إذْ ما مِن إمامٍ إلاَّ وقد طعنَ فيه طاعنون ، وهلكَ فيه هالكون )). انتهى
فليُتنبَّه لهذا وليُتأمَّل ، فالأمر ليس بالهيِّن فكم أفسد التعصّب ورَعَ المُتوَرِّع وتَقْوَى المُتَّقي .. وصدق الإمام شيخ الإسلام ابن دقيق العيد عندما قال في (الاقتراح) ص288 وهو يتكلَّم عن الآفات التي تدخل على أهل الجرح والتعديل: ( شرُّها ، الكلام بسبب الهَوَى والغَرَض والتّحامل ، وهذا مُجانب لأهل الدِّين وطرائقهم. وهذا وإنْ كانَ نُزِّه عنه المتقدِّمون ، لتوفّر أديانهم ، فقد تأخَّرَ أقوامٌ ووضعُوا تواريخ ، ربَّما وقع فيها شيء من ذلكَ ، على أنَّ الفَلَتات مِن الأنفس لا تُدَّعَى العصمة منها ، فإنّه ربّما حَدَث غضَبٌ لِمَن هو مِن أهل التّقوى فبدَرَتْ منه بادرة لفظ )). وقال ص301: (( الخلل الواقع بسبب عدم الورع والأخذ بالتّوهّم والقرائن التي قد تختلف . فمن فعل ذلك فقد دخل تحت قوله صلى الله عليه وسلَّم: “إيّاكم والظَّنُّ فإنَّ الظّنَّ أكْذبُ الحديثِ” . وهذا ضرره عظيم ، فيما إذا كانَ الجارح معروفاً بالعِلم ، وكانَ قليل التَّقوَى ، فإنَّ علمه يقتضي أنْ يُجعل أهلاً لسماع قوله وجرحه ، فيقع الخلل بسبب قلَّة ورعه وأخذه بالوَهم …-إلى أن قال-: ولصعوبة اجتماع هذه الشرائط ، عظُمَ الخَطَرُ في الكلام في الرِّجال لقلَّة اجتماع هذه الأمور في المزكِّين. ولذلك قلتُ: أعراضُ المسلمين حُفْرَةٌ مِن حُفَرِ النّار ، وقفَ على شَفِيرِها طائفتنا مِن النّاس: المُحدِّثون والحُكَّام ). انتهى وبالله التّوفيق.
ثانياً/ لا إشكال في اختلاف لفظ الرِّوايتين ، فرواية (جاء ثوابه) لا تخالف رواية (جاء أمره وقدرته) . لأنَّ الاختلاف بينهما حصلَ في اللفظ فقط ولَمْ يحصل اختلاف في المَعْنَى!. وقد قال الحافظ ابن حجر في (النّزهة) ص229: (( وأمّا الرواية بالمعنَى: فالخلاف فيه شَهِيرٌ: والأكثر على جواز ذلك ، ومِن أقوى حُججهم الإجماع على جواز شرح الشريعة للعَجَم بلسانهم للعارف به ، فإذا جاز الإبدال بلغةٍ أخرى فجوازه باللغة العربيّة أولى)).
وقال الحافظ السخاوي في (فتح المغيث) ص261: (( لا يَجوز لمَن لا يعلم مدلول الألفاظ ومقاصدها وما يحيل معانيها أنْ يَروي ما سمعه بالمعنى دون اللفظ بلا خلاف بل يتقيّد بلفظ الشّيخ . فإنْ كان عالماً بذلكَ جاز له الرواية بالمعنى عند أكثر أهل الحديث والأُصول )). بل ومنهم جمهور الصحابة والتّابعين ومنهم الأئمة الأربعة وأكثر أتباعهم . كذا أفاد الإمامُ اللكنويُّ في “ظفر الأماني” ص493.
إذا تقرّرَ هذا لديكَ فاعلم أنَّه لَمْ يَحصل خلاف في (معنى) الروايتين عن أحمد ؛ وذلك: إنَّ تأويله (وجاء ربّك) أي: جاء ثوابه . الثواب يكون في الخير والشَّر قال الإمام الحافظ ابن الجزري في (النهاية في غريب الأثر) 1/652: ((الثَّواب: ويكون في الخَيْر والشَّرّ ، إلا أنَّه بالخير أخصُّ وأكثر استعْمالاً)). فيكون المراد مِن كلام أحمد أي: جاء ثوابه لِمَن أحسن بالحُسْنَى ، ولمَن أساء بالعذاب ، فالثّواب هو ( أَمْـــرُ ) الله في ذلك اليوم إمّا بالنّعيم لمَن أراد أو العذاب لمَن أبى واستكبر. .
قال الإمام البغوي في (تفسيره): ( “وجاء ربك” قال الحسن: جاء أمره وقضاؤه).
قال الإمام القرطبي في (تفسير) 20/50: ( قوله تعالى : “وجاء ربك” أي أمره وقضاؤه ، قاله الحسن ).
وقال الإمام الواحدي في تفسيره ص1201: ( “وجاء ربك” أي أمر ربك وقضاؤه ).
وقال الإمام البيضاوي في (تفسيره):( “وجاء ربك” أي ظهرت آيات قدرة قهره . مثل ذلك بما يظهر عند حضور السلطان من آثار هيبته وسياسته ).
وقال العلامة ابن أبي السعود في تفسيره 9/157: (“وجاء ربك” أي ظهرت آيات قدرته وآثار قهره ، مثل ذلك بما يظهر عند حضور السلطان مِن أحكام هيبته وسياسته. وقيل: جاء أمره تعالى وقضاؤه ، على حذف المضاف للتهويل).
وقال العلامة الشَّوكاني في تفسيره (فيض القدير) 5/624:( “وجاء ربك” أي: جاء أمره وقضاؤه وظهرت آياته . وقيل المعنى: أنها زالت الشُّبَه في ذلك اليوم وظهرت المعارف وصارت ضرورية كما يزول الشك عند مجيء الشيء الذي كان يشك فيه. وقيل: جاء قهر ربك وسلطانه وانفراده بالأمر والتدبير من دون أن يجعل إلى أحد من عباده شيئاً من ذلك ). فهذا التّأويل لا يُخالف تأويل (وجاء ربك) أي: أمره وقدرته . وذلك بعد أنْ عرفنا أنَّ (الثَّواب) هو: أَمْـــرُ الله إمَّا بالنّعيم أو العذاب ، ويزيد الأئمةُ ذلك وضوحاً في تفسيرهم ( للأمــــر ) ..
فقد قال الإمام البغوي في تفسيره لقوله تعالى: (( يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود)) ..قال: ( “قد جاء أمر ربك” أي عذاب ربك وحكم ربك).
وقال الإمام النَّسفِي في تفسيره 2/156: ( “قد جاء أمر ربك” قضاؤه وحكمه وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ).
وقال ابن أبي السعود 4/227: ( “قد جاء أمر ربك” أي قدره الجاري على وفق قضائه الأزلي ).
وقال الشَّوكاني في تفسيره 2/739: ( مجيء أمر الله: مجيء عذابه الذي قدره عليهم وسبق به قضاؤه ).
وعلى هذا فلا تعارض بين الروايتين في المعنى فالمهم أنَّ تأويل الإمام أحمد لقوله تعالى: (وجاء ربك) نِسْبتها إليه ثابتة صحيحة لا شكَّ في ذلك ، بأي لفظٍ كان (هذا لا يَهُم) طالما اتَّفق معنى اللفظين .. (هذا إنْ فرضنا صحَّة رواية “أمره وقدره” ، فلم أتتبعها . وبالله التَّوفيق .
وهذا يكفي لإثبات صحَّة ما نُقِلَ من تّأويل الإمام أحمد
وأقول وما توفيقي إلاَّ بالله: إنَّ عدم التفاتنا لكلامهم في إبطال هذه الرواية التي رواها حنبل عن الإمام أحمد ليس عن تعصبٍ منّا أو عنْ هوىً ! لا والله بل هذا ما نصَّ عليه أهل الرواية والدِّراية مِن أهل العلم في قواعد قبول الرِّوايات وردِّها وقواعد جرح وتعديل رُوَاتِها .. وعليه : فما قاله حنبل ورواه صحيح وهذه طريقة القاضي وتلاميذه من بعده حتى عصر ابن حمدان والعادة عند الحنابلة ترجيح كلام القاضي في بيان المذهب
قاله ابن حمدان، وهو من أكابر الحنابلة، في نهاية المبتدئين ص(35) “وقد تأول أحمد آيات وأحاديث كآية النجوى وقوله أن ” يأتيهم الله” وقال قدرته وأمره وقوله “وجاء ربك ” قال: قدرته ذكرهما ابن الجوزي في المنهاج واختار هو إمرار الآيات كما جاءت من غير تفسير . وتأول ابن عقيل كثيرا من الآي والاخبار . وتأول أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم ” الحجر الاسود يمين الله في الارض ” ونحوه أ.هـ “نهاية المبتدئين” ص(35) وعقيدة ابن حمدان معتمدة عند السادة الحنابلة وقد اختصرها العلامة محمد بدر الدين البلباني رحمه الله تعالى. وقد كان الإمام أحمد يتأول بعض النصوص في الصفات التي يفيد ظاهرها التجسيم والتشبيه
في (طبقات الحنابلة) لابن أبي يعلى (2 / 297) أن الإمام أحمد كان يقول في عقيدته : ” والله تعالى لم يلحقه تغير ولا تبدل ، ولا يلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش”. وهذه عقيدة مخالفة لعقيدة الحشوية
تأويل للإمام أحمد : قال الحافظ ابن كثير أيضا في ” البداية والنهاية ” (10 / 327) :
” ومن طريق أبي الحسن الميموني عن أحمد بن حنبل أنه أجاب الجهمية حين احتجوا عليه بقوله تعالى : (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) قال : يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث ، لا الذكر نفسه هو المحدث .
وعن حنبل عن أحمد أنه قال : يحتمل أن يكون ذكر آخر غير القران ” اه .
تأويل آخر عن الإمام أحمد : قال الحافظ الذهبي في ” سير أعلام النبلاء ” (10 / 578) :
(قال أبو الحسن عبد الملك الميموني : قال رجل لابي عبد الله – أحمد بن حنبل – : ذهبت إلى خلف البزار أعظه ، بلغني أنه حدث بحديث عن الاحوص عن عبد الله – بن مسعود – قال : ” ما خلق الله شيئا أعظم من آية الكرسي . . . ” وذكر الحديث ، فقال أبو عبد الله – أحمد بن حنبل – :
ما كان ينبغي أن يحدث بهذا في هذه الأيام – يريد زمن المحنة – والمتن : ” ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي ” وقد قال أحمد بن حنبل لما أوردوا عليه هذا يوم المحنة : إن الخلق واقع ههنا على السماء والارض وهذه الأشياء ، لا على القرآن) .
تأويل آخر عن الإمام أحمد يتعلق بمسألة الصفات :
روى الخلال بسنده عن حنبل عن عمه الامام أحمد بن حنبل ) أنه سمعه يقول :
(احتجوا علي يوم المناظرة ، فقالوا : ” تجئ يوم القيامة سورة البقرة . . . . ” الحديث ، قال : فقلت لهم : إنما هو الثواب) اه .
وغيرها الكثير مما يصعب على الباحث إحصاءه
فهذه عقيدة الإمام المبجل احمد بن حنبل ومن تبعة من فضلاء الحنابلة وليس ممن ادخل علي المذهب الحنبلي ما يشينه!!
وقد ذكر عن الإمام احمد بن حنبل
نقل أبو الفضل التميمي في كتاب (( اعتقاد الإمام أحمد )) (ص 38 -39) عن الإمام أنه قال : (( والله تعالى لا يلحقه تغير ولا تبدل ولا تلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش ، وكان ينكر- الإمام أحمد – على من يقول إن الله في كل مكان بذاته لأن الأمكنة كلها محدودة )) اهـ
وبين الإمام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه (( دفع شبه التشبيه )) (ص 56) براءة أهل السنة عامة والإمام أحمد خاصة من مذهب المشبهة وقال:
(( وكان أحمد لا يقول بالجهة للبارئ )) انتهى بحروفه .
وقال القاضي بدر الدين بن جماعة في كتابه (( إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل
(ص 108)
((إن الإمام أحمد كان لا يقول بالجهة للبارئ تعالى ))ا هـ.
الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه من أبعد الناس عن نسبة الجسم والجهة والحد والحركة والسكون إلى الله تعالى ، فقد نقل أبو الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها في كتابه (( اعتقاد الإمام أحمد )) (ص 45) عن الإمام أحمد أنه قال :
(( وأنكر – يعني أحمد- على من يقول بالجسم وقال إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة ، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل )) اهـ
ونقله الحافظ البيهقي عنه في ((مناقب أحمد )) (ص 42).
وعبارته المشهورة التي رواها عنه أبو الفضل التميمي الحنبلي ” مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك ” دليل على نصاعة عقيدته وأنه على عقيدة التنـزيه. والمذهب الحنبلي إثبات المجاز في القرآن وقد نص عليه الإمام أحمد ابن حنبل قال ابن النجار الفتوحي الحنبلي في شرح الكوكب المنير: ( فصل ) ( المجاز واقع ) في اللغة عند الجمهور . واحتج على ذلك بالأسد للشجاع ، والحمار للبليد ، وقامت الحرب على ساق ، وشابت لمة الليل وغير ذلك مما لا يحصر ( وليس ) المجاز ( بأغلب ) من الحقيقة ، خلافا لابن جني ومن تبعه ( وهو ) أي المجاز ( في الحديث ) أي حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( و ) في ( القرآن ) لقوله تعالى ( { تجري من تحتها الأنهار } ) و ( { الحج أشهر معلومات } ) ، ( { واخفض لهما جناح الذل } ) ، ( { واشتعل الرأس شيبا } ) ( { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ) ، ( { الله يستهزئ بهم } ) وغير ذلك كثير .
قال القاضي : نص الإمام أحمد على أن المجاز في القرآن . فقال في قوله تعالى ( { إنا نحن نحيي ونميت } ) و { نعلم } و { منتقمون } هذا من مجاز اللغة يقول الرجل : إنا سنجري عليك رزقك)) . اهـــ من شرح الكوكب المنير ، وقال الإمام يوسف بن حسن ابن المبرد الحنبلي في شرح غاية السول ص/116-117: (والمجاز واقع عند الأكثر، خلافا لأبي العباس ابن تيمية والأستاذ وغيرهما. وعلى الأول-من كونه واقعا-المجاز أكثر، أي: أغلب وقوعا من الحقيقة.
قال ابن جني: أكثر اللغة مجاز… وهو-أعني : المجاز- في القرآن عند أكثر أصحابنا وغيرهم، قال أحمد: في قوله تعالى”إنا نحن”هذا من مجاز اللغة )
قال كذلك في كتاب مقبول المنقول من علمي الجدل والأصول. 119
قال المرداوي في التحرير ص 91 طبعة دار البصائر: (فصل: الأربعة وغيرهم : المجاز واقع ، وخالف الأستاذ (الاسفراييني)،والشيخ(ابن تيمية) ،وجمع ،وردوه إلى المتواطئ ، وعلى الأول ليس المجاز بأغلب في الأصح. وهو في القرآن عند أحمد، وأكثر أصحابه ،والأكثر ؛ وعنه :لا، اختاره ابن حامد ،والتميمي،والخرزي،وجمع ، وقيل :ولافي الحديث أيضا…) *قرره كذلك المرداوي في تحبيره وكذا ابن عقيل في الواضح وأبو الخطاب في التمهيد والقاضي في العدة.
قال الامام العلامة مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي رحمه الله: (وأعلم أن هذه الاحاديث ونحوها تروى كما جاءت ويفوض معناها الى الله أو تؤول بما يليق بجلاله سبحانه ولا ترد بمجرد العناد والمكابرة. أقاويل الثقات ص117 تحقيق شعيب الارناؤوط وما جاء عن عقيدة الإمام أحمد بن حنبل سئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن الاستواء فقال : (( استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر )) ذكره الإمام أحمد الرفاعي في (( البرهان المؤيد )) (ص 24) والإمام الحصني في (( دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك على السيد الجليل أحمد )) (ص 17) ، وغيرهما .
فانظر رحمك الله بتوفيقه إلى هذه العبارة ما أرشقها فهي اعتقاد قويم ومنهاج سليم إذ فيها تنـزيه استواء الله على العرش عما يخطر للبشر من جلوس واستقرار ومحاذاة ونحو ذلك ، أما المشبهة ففسروا الاستواء بما يخطر في أذهانهم في جلوس وقعود ونحو ذلك ، وهذا فيه دليل على تبرئة الإمام أحمد رضي الله عنه من المنتسبين إليه زورا الذين يحرفون كلمة ((استوى )) فيقولون جلس ، قعد ، استقر ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا
وورد في صحيفة 2/196 من الفتوحات الربّانية على الأذكار النووية للعالم المفسّر محمد بن علاّن الصدّيقي الشافعي الأشعري المكّي المتوفّى سنة 1057 هجرية رحمه الله تعالى في باب الحثّ على الدعاء والإستغفار في النصف الثاني من كلّ ليلة ما نصّه: وأنّه تعالى منـزّه عن الجهة والمكان والجسم وسائر أوصاف الحدوث، وهذا معتقد أهل الحقّ ومنهم الإمام أحمد وما نسبه إليه بعضهم من القول بالجهة أو نحوها كذب صراح عليه وعلى أصحابه المتقدمين كما أفاده ابن الجوزي من أكابر الحنابلة .انتهى بحروفه.
وذكر الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى في تبيين كذب المفتري فيما نُسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري صحيفة 164 : ذكر ابن شاهين قال : رجلان صالحان بُليا بأصحاب سوء، جعفر بن محمد، وأحمد بن حنبل.اهـ
وذكر في صحيفة 144 من الفتاوى الحديثية لإبن حجر الهيتمي المُتوفّى سنة 973 هجرية : عقيدة إمام السُنّة أحمد بن حنبل: هي عقيدة أهل السُنّة والجماعة من المبالغة التامّة في تنـزيه الله تعالى عمّا يقول الظالمون والجاحدون عُلُوّا كبيرا مِن الجهة والجسمية وغيرهما مِن سائر سمات النقص بل وعن كل وصف ليس فيه كمال مُطْلق، وما اشتُهِرَبين جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد مِنْ أنّه قائل بشيء مِن الجهة أو نحوها فكذب وبهتان وافتراء عليه فلَعن اللهُ مَنْ نسبَ ذلك إليه أو رماه بشيء من هذه المثالب التي برّأه الله منها” اهـ
الوثائق المصورة
1) تأويل الإمام أحمد للمجئ في البداية والنهاية للحافظ ابن كثير
المجلد الخامس / الجزء العاشر صحيفة 354
تأويل الإمام أحمد للمجئ في البداية والنهاية
تأويل الإمام أحمد للمجئ في البداية والنهاية
2) تأويل الإمام أحمد للمجئ في دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه للحافظ ابن الجوزي ص110
تأويل الإمام أحمد للمجئ في دفع شبه التشبيه
تأويل الإمام أحمد للمجئ في دفع شبه التشبيه
من مقال للشريف سمط الدرر مع بعض التصرف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق