بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 9 يناير 2022

حال كتاب الإبانة للإمام أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه ...


لا يمكن الاعتماد على كتاب الإبانة لتقرير مذهب الأشعري رضي الله عنه وذلك لأنّ هذا الكتاب لم يتكلّم إلاّ على القضايا النقلية العامّة كاليد والعين والاستواء والرؤية وخلق القرءان بينما لا نجد موضوع الكسب والخلق والقدم والحدوث والصفات وتعلّقها بالذات وحقيقة الإيمان والعادة والتقرير الفقهي للإمامة ... وبالجملة لا تظهر حقيقة آراء الأشعري قبل تأليفه للّمع ...

يقطع ابن تيمية أنّ كتاب الإبانة آخر ما ألّفه الشيخ أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه ... ولا نعلم علّة لهذا القطع غير الهوى ... فإنّ نظرة يسيرة على الإبانة ونظرة يسيرة على اللمع تقطع أنّ اللمع أوسع بحثا وأعمق قولا وأكثر جمعا للأدلّة العقليّة والنقليّة ... ولم يبحث في الإبانة من القضايا الرئيسيّة غير خلق القرءان وباقي المسائل فرعية كاليد والاستواء والعين ..

لكن الإيمان والكسب والخلق والتأصيل لحدوث العالم وغيرها لم يتطرّق لها في الإبانة .. ويظهر من مقدّمة الكتاب أنّه يوجّه أنظار القارئ إلى أنّ مذهبه هو مذهب أحمد بن حنبل ..!! وهذه إشارة إلى افتتاح عهد جديد ...ولا يُعقل أن يُنبّه على هذا في آخر كتاب له وخصوصا بعد أن طار اسمه في الآفاق وعُرف مذهبه وصار كالشمس بين الناس ...

ولكن الذي نقطع به أنّ قول ابن تيمية إنّ الابانة آخر ما ألّفه الأشعري من كيسه رحمه الله ...!!

ومعرفة كلام السلف الصالح في الصفات يحتاج لخبرة في أساليب كلامهم .. ومعاني مصطلحاتهم ... فلا يليق حمل كلامهم بسذاجة كما يفعل من نسبهم إلى بدعة التجسيم ...!!

وحال هؤلاء كحال من ينسب الإمام الأشعري للتجسيم وأنّه رجع قبل موته لمذهب السلف التجسيمي ...!! وذلك عجزا منه في فهم منهجيّة الإمام ومعاني مصطلحاته ...!! وتدليسا منه على أتباعه ...!!

فليس كلّ من قرأ الإبانة فهمه ...!! وليس كلّ من قرأ للسلف عرف مقصد كلامهم ...هذا ما تعلّمناه من أئمّة علماء الكلام ...!! ويكفي لدحض هذه الشبه أن تعلموا أنّ الإمام الأشعري تبعه في عقيدته السلفيّة التجسيمية الإمام ابن فورك والباقلاّني والجويني وغيرهم الكثير فهل نجد في كلام هؤلاء تجسيما ....!!

ونجد هذا في عقيدة الإمام الطحاوي فقد كتبها وفقا لكبار علماء السلف وعلى مذهب المحدّثين وكبار الفقهاء ...!! هذا ما صرّح به رضي الله عنه ...!!

فليس كلام السلف في العقائد هو بعينه ما يهذي به وهّابيّة اليوم ...!! يكفي أن تقرأ لكبار علماء السلف في العقائد لتعلم صدق قولنا ...!!

لا يأتيني أحد ويقول لي : انقل لي ...!! يا أخي الله يهدينا وإيّاك لستُ جوجل حتّى أنسخ لك ... هذه منهجيّة متكاملة تقضي فيها زمنا ليس قصيرا لمعرفة حقيقة أقوالهم والوقوف على مقاصدهم وخصوصا مع التشويه العظيم الذي لحقها من التيميّين ...!!

فطريقة السلف في إثبات الصفات مختلفة بالكلية عن طريقة شيخكم ابن تيمية ..وقد أقرّ بهذا شيخكم ابن تيمية مرارا ..

فاليد عند السلف ليست هي اليد عند شيخكم .. والاستواء عند السلف ليس هو الاستواء عند شيخكم .. وكذلك الحال في قولهم بعلو الله على خلقه .

وقد لاحظتُ قيام بعض أفراد نحلة التيمية بتفسير أقوال البخاري في كتابه خلق أفعال العباد .. بناء على القواعد التيمية .. فإذا قال البخاري الله فوق العرش حملها أشياع ابن تيمية على الفوقية المكانية .. وإذا تكلّم في مشيئة الله لكلامه حملوها على القدم النوعي .. وهذا عين الخطأ الذي وقع فيه شيخكم في تفسيره لكلام أحمد بن حنبل بكلام الله بمشيئته ... وفي قوله بعدم خلق القرءان.

والغريب أنّ شيخكم نفسه يذكر هذا ويُقرّ به ولا ينكره .. فيقول ابن تيمة مثلا : وقد أثبت أبو الحسن الأشعري والباقلاّني اليد من غير تركيب ...!! وما زال أتباعه إلى اليوم يقولون لنا قد خالفتم أئمّتكم في إثبات الصفات ...!!

وأنتم أنفسكم نقلتم قول الإمام الطبري ( بأنّ علو الله على خلقه ليس علو انتقال أو زوال ) وهذا أيضا ما ذكره الطبري في التبصير حيث قال ( ونزول الله ليس انتقالا أو زوالا ) وهذا ما قاله أئمّة السلف ..!!

فقد ذكر أبو الحسن الأشعري نقلا عن السلف ..
فقال :
كتبت هذا الكتاب بناء على مذهب أحمد بن حنبل وأئمّة السلف .. ثمّ قال : وينزل ربّنا من غير انتقال أو زوال أو مكان ...!! وقد فسّرها في الإبانة بمعنى الوجود العلمي ...!! وشبّهها بانتقال الحمّى للمريض فتقول العرب /: جاءته الحمّى .. ثمّ قال : ولا يعني هذا انتقالها من مكان لمكان بل تعني وجودها وظهورها في المريض .. وكذلك معنى مجيء الله يوم القيامة ...!! هذا ما قاله أبو الحسن الأشعري نقلا عن أحمد بن حنبل والسلف .. وهذا يوافق رواية تأويل أحمد بن حنبل لمجيء القرءان يوم القيامة ...!! والتي أقرّ شيخكم بصحتّها ..
على كلّ حال سأنصحكم نصيحة جليلة فأقول ( لكلّ مفسّر أو محدّث طريقة وأصول لا ينبغي عليكم إهمالها فضلا عن حمل كلامه على أصول شيخكم ابن تيمية ) ..!!

فلا يعني ذكر الطبري لأثر مجاهد أنّ الله يجلس على العرش ...!! موافقته على رأي وتفسير مجاهد للمقام المحمود ...!! بل أبطله ورجّح معنى الشفاعة ... وذكر في تاريخ الملوك ج3 / بأنّ الله لا يحويه الجهات ولا الأقطار ...!!

ولاحظ مناقشته لعدم معارضة جلوس النبي صلّى الله عليه وسلّم على العرش عقلا ... ولا يقتضي هذا كون الله تعالى مماسا للعرش ... فلا ملازمة بين الأمرين كما ذكر... وهو صحيح ..

فكون الله غير داخل العالم أو خارجه لا يتعارض مع جلوس النبي صلّى الله عليه وسلّم على العرش ..ولا يقتضي نفيه ثمّ قال ( وهذا إجماع المسلمين ) أي لا ينبغي المخالفة فيه لإمكانه عقلا .. وإن كان غير ثابت شرعا .. بل هو منفي .

كتبه الدكتور  بلال إسماعيل التل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...