بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 20 أغسطس 2019

اعتقاد اهل السنة ان الله غني عن العالمين

 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين محمد أما بعد :

فليعلم أن الله سبحانه و تعالى غني عن العالمين أي مستغن عن كل ما سواه أزلاً و أبداً و يكفي في تنزيه الله عز و جل عما لا يليق به من المكان و الحيز و الجهة قوله { ليس كمثله شيىء} ،

فلو كان لله مكان لكان له أبعاد أي لكان له طول و عرض و عمق و من كان كذلك كان محدثاً أي مخلوقاً محتاجاً لمن حده بهذا الطول و بهذا العرض و بهذا العمق و المحتاج لا يكون إلهاً هذا هو الدليل من القرءان،


أما الدليل من الحديث فقوله صلى الله عليه و سلم:" كان الله و لم يكن شيء غيره" رواه البخاري و البيهقي و ابن الجارود بالإسناد الصحيح

 و معناه أن الله لم يزل موجوداً في الأزل ليس معه غيره لا ماء و لا هواء و لا أرض و لا سماء و لا كرسي و لا عرش و لا إنس و لا جن و لا ملائكة و لا زمان و لا مكان فهو تعالى موجود قبل المكان بلا مكان فهو الذي خلق المكان فليس بحاجة إليه.


 و يقول الإمام البيهقي في كتابه الأسماء و الصفات: استدل بعض أصحابنا في نفي المكان عن ربنا سبحانه بقول النبي " أنت الظاهر فليس فوقك شيء و أنت الباطن فليس دونك شيء" و إذا لم يكن فوقه شيء و لا دونه شيء لم يكن في مكان.

 و قد قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان الله و لا مكان وهو الآن على ما عليه كان".

رواه عنه الإمام أبو منصور البغدادي، فكما صح وجود الله تعالى بلا مكان و جهة قبل خلق الأماكن و الجهات كذلك يصح وجوده بعد خلق الأماكن بلا مكان و جهة و هذا لا يكون نفياً لوجوده تعالى،

 و قد قال الإمام زين الدين علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم في الصحيفة السجادية المنقولة بإسناد متصل متسلسل إليه بطريق أهل البيت: "سبحانك لا يحويك مكان".

و قال الغزالي: إن الله منزه عن المكان و جميع الأمكنة، و قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن الله خلق العرش إظهاراً لقدرته و لم يتخذه مكاناً لذاته". رواه عنه الإمام أبو منصور البغدادي.


و نرفع الأيدي بالدعاء إلى السماء ليس لأن الله سبحانه و تعالى موجود بذاته فيها بل لأن السماء مهبط الرحمات و البركات

كما أننا نستقبل الكعبة الشريفة في الصلاة لأن الله سبحانه أمرنا بذلك و ليس لأن الله ساكن فيها

 و ليس المقصود بالمعراج وصول الرسول عليه الصلاة و السلام إلى مكان ينتهي وجود الله إليه إنما القصد من المعراج تشريف الرسول بإطلاعه على عجائب في العالم العلوي و تعظيم مكانته صلّى الله عليه و سلّم

فمن يعتقد أن الله موجود بذاته في الجنة التي هي فوق السماوات السبع أو أنه فوق العرش يلامسه أو أنه فوقه بالمسافة أو اعتقد أنه بذاته في السماء أو في مكان ما مجهول أو معلوم فإنه كافر بربه ليس بمسلم ولا مؤمن و إن زعم أنه مسلم و مؤمن إذ أنه من المعلوم القطعي أن الشخص لا يكون مسلماً لمجرد ظنه بنفسه أنه مسلم، بل لا بد أن يخلو قلبه عن كل اعتقاد فيه نسبة النقص إليه سبحانه و تعالى.


 فلا يعذر في هذا الجاهل لجهله إذ أن نسبة الجهة و المكان لله تعالى تنقيص و تشبيه له بخلقه فالجاهل الذي يزعم أنه يعبد الله و هو يعتقد أن الله موجود بذاته في جهة من الجهات الست أو في مكان ما فهو يعبد مخلوقاً من حيث لا يشعر إذ لو كان يعبد الله حقاً لنزهه عن الجهة و عن المكان

 و قد قال الإمام ذو النون المصري مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك

 و قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في العقيدة الطحاوية : لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات.

 أي أنه لا تحوي الله تعالى الجهات الست لأن هذا حال المخلوقات.

فالحاصل أن من زعم أن الله يسكن في المكان فقد جعل الله جسماً أي شيء له طول و عرض و عمق.

 قال إمامنا الأكبر أبو الحسن الأشعري في كتابه النوادر: من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه و إنه كافر به.

و لقد قرأ بعض الناس قول الله تعالى { الرحمن على العرش استوى} ، فتوهموا بأن المعنى أن الله جالس على العرش فكفروا و هم لا يدرون لأنهم جعلوا لله مكاناً و اثبتوا لله المشابهة لخلقه،

 أما التفسير لهذه الآية و الذي هو التفسير الموافق للشرع و العقل و اللغة بأن يقال الرحمن قهر العرش لأن القهر صفة كمال لله تعالى هو وصف نفسه به قال تعالى { قل الله خالق كل شىء و هو الواحد القهار} و ليس من مانع لغوي أو شرعي يمنع تأويل الإستواء بالقهر

 قال القشيري في التذكرة الشرقية: قوله على العرش استوى قهر و حفظ و أبقى.

 


و أما ما في صحيح مسلم من أن رجلاً جاء إلى رسول الله عليه الصلاة و السلام فسأله عن جارية له قال: قلت يا رسول الله أفلا اعتقها، قال:" إئتني بها"، فأتاه بها فقال لها:" أين الله؟" قالت في السماء، قال:" من أنا؟"، قالت أنت رسول الله، قال:" أعتقها فإنها مؤمنة".

فمعناه أن الرسول عليه الصلاة و السلام يسألها عن مكانة الله لا عن المكان

لأنه يعلم أن الله موجود بلا مكان فأجابته بما يعني أن الله عال القدر جداً

و قد افترى بعض الجهلة على الإمام أبي حنيفة فنسبوا إليه القول بإثبات المكان لله و هو مردود على من افترى و ادعى و كيف يصدق هذا و هو الإمام الجليل الذي قال في الفقه الأكبر: و ليس قرب الله تعالى من طريق المسافة و لكن على معنى الكرامة و المطيع قريب منه تعالى بلا كيف و العاص بعيد عنه بلا كيف.



 فبعد هذا البيان وضح أن دعوة إثبات المكان لله تعالى أخذاً من كلام أبي حنيفة إفتراء عليه و تقويل عليه ما لم يقل

و كذلك ما نقله البيجوري عن الإمام الغزالي أنه قال عن الله تعالى: فهو فوق الفوق ليس له فوق و هو في كل النواحي لا يزول. فإن هذا القول غير ثابت عن الغزالي و ليس موجود في كتبه بل الموجود في كتبه تنزيه الله عن المكان و عن الجهات الست و هي فوق و تحت و أمام و خلف و يمين و يسار.


و قد قال الإمام ابو جعفر الطحاوي: و من وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر

أي من وصف الله بصفة من صفات البشر فقد كفر و الإستقرا أو الجلوس على عرش أو كرسي و التحيز و السكنى في مكان كلها من صفات البشر و الله سبحانه و تعالى لا يشبه خلقه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

اللهم إنا نسألك السداد و الرشاد لحسن الإعتقاد و نسألك ربنا أن تحسن خاتمتنا إنك على كل شىء قدير و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...