الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن وصلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد وعلى سائر النبيين وبعد:
إن قال المجسم الذي يعتقد أن الله ذات يسكن ويتحرك دليلنا على ذلك حديث: ينـزل ربُّنا تبارك وتعالى كُلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدُّنيا حينَ يبقى ثُلُثُ الليلِ الآخرُ فيقولُ مَن يدعوني فاستجيبَ ومن يسألُني فأعطيَهُ ومن يستغفرُني فأغفِرَ لـه. قلنا الحديث صحيح، لكن لا يجوز تفسيره بالنزول الحسي من ذات الله تعالى لأنه يلزم على ذلك بشاعة ومحال وذلك لأن الليل والنهار وأجزاءهما كالنصف والثلث يختلف باختلاف البلدان فإن قلتم ان الله ينـزل بالنسبة لبلد واحدة كمكة فقط فمن أين هذا التخصيص ليس عندكم دليل وإن قلتم إنه بالنسبة لكل الدنيا فليل بلد نهار بلد ءاخر ونصف الليل في بلد يكون نصف النهار في بلد ءاخر فيلزم على معتقدكم أن يكون الله نازلا وطالعا كل ساعة من ساعات الليل والنهار وهذا ينافي قولكم إنه مختص بالعرش فبطل عليكم ذلك المعتقد، ثم إن العرش أكبر العوالم بحيث أن الكرسي بالنسبة إليه كحلقة ملقاة في فلاة وأن السموات بالنسبة إلى الكرسي كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض وعلى هذا تكون سماء الدنيا بالنسبة للعرش أقل من خردلة ملقاة في فلاة فكيف تسع الله الذي هو في معتقدكم بقدر العرش أو أوسع من العرش، إن قلتم هو ينزل إلى السماء الدنيا وهي على حالها وهو على حاله فهذا محال وإن قلتم أن الله يصير أقل من قدر خردلة حتى تسعه السماء الدنيا فهذا أيضا محال، وإن قلتم أن الكرسي والسموات تكون بقدر العرش أو أوسع منه فمن أين الدليل على ذلك من القرءان أو الحديث، ثم انه صح في الحديث أن السموات السبعة ممتلئة بالملائكة بحيث أنه لا يوجد فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد فمن أين يكون في السماء الدنيا متسع لذات الله الذي هو على زعمكم بقدر العرش أو أوسع منه، فعلى كل تقدير يلزمكم أن تكونوا جعلتم الله متغيرا والتغير على الله محال وهذا دليل على سخافة عقولكم ولا يبقى بعد هذا لهذا الحديث معنى صحيح إلا أن يحمل على نزول الملائكة بأمر الله وأنهم يبلغون عن الله بأن يقولوا إن ربكم يقول: هل من داع فاستجيب لـه هل من مستغفر فاغفر لـه وهل من سائل فأعطيه يستمرون على ذلك من الثلث الأخير إلى الفجر فلما كان نزولهم بأمر الله نسب النـزول إلى الله وهذا يدل عليه رواية النسائي: إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول فيأمر مناديا... إلى ءاخره وإسناد هذه الرواية صحيح فتأويل الرواية الأولى على وفق هذه الرواية متعين لأن خير ما يفسر به الحديث الحديث ولهذا التأويل أمثال من ذلك قوله تعالى: {فإذا قرأناه فاتبع قرءانه} لأن ظاهره أن الله يقرأ على محمد كما يقرأ الأستاذ على الطالب وهذا لا يجوز لأن الرسول ما تلقى القرءان إلا من لفظ جبريل فلما كان قرأه جبريل على النبي بأمر الله صح أن يعبر عن ذلك بلفظ: {فإذا قرأناه فاتبع قرءانه}فيكون المعنى فإذا قرأه جبريل عليك بأمرنا.اهـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق