نصيحة الى كل عاقل
اعلم أيها الإنسانُ العاقلُ أنَّ الله تعالى أعطاكَ العقلَ وهو هيئةٌ راسخةٌ في الإنسانِ يُمَيِّزُ بها بينَ الحسَنِ والقبيحِ وبينَ ما ينفعهُ وما يضُرُّهُ فلا ينبغي للعاقِلِ أن يُهدِرَ هذا العقلَ الذي أنعَمَ الله به عليه. وإنَّ العقلَ السَّليمَ يقضي بأنَّ هذا العالم يتغيَّرُ مِنْ حالٍ إلى حال فلو نظرنا إلى الأرضِ فإنَّ حالَها في الصَّيف غيرُ حالِها في الشِّتاءِ مِنْ حيثُ اليُبوسَةُ والرُّطوبةُ وغيرُ ذلك وكذلك الإنسانُ حالُهُ في الصِّغرِ غير حاله في حالِ الشَّبابِ والكِبَرِ فإنه ينتقل من ضعفٍ إلى قوة ثم من قوة الى ضعف ثم يموت، والعقل يقضي بأن المتغير لا بد له من مغير لأن الشىء لا يغير نفسه بنفسهِ لأنه إن قيل هذا الشىء غير نفسه لكان معنى ذلك أنه كان موجودًا قبل أن يوجدَ أي كان موجودًا باعتبار كونه مغيرًا لنفسِهِ وهذا محال وما أدى إلى المحال فهو محال فثبت المطلوب وهو أنَّ هذا العالم بكل ما فيه له خالق أوجده من العدَمِ إلى الوجود وهذا الخالق لا يشبهه بأي وجه من الوجوه.
والله تعالى كان موجودًا في الأزل أي فيما لا ابتداء له ولم يكن في الأزل شىء لا ضوء ولا ظلمة ولا إنسان ولا مَلَكٌ ولا فراغ ولا غير ذلك وهذا شىء لا يتصوره عقل الانسان لكنَّهُ يُقِرُّ به فإنَّ العقلَ يقضي بأن المتغيرات لم تكن موجودةً في الأزل ثم أبرزها الله من العدم إلى الوجود، ثم الله تعالى خلق الماء أي أبرزه مِنَ العدم إلى الوجود وجعلَهُ أصلاً لكل المخلوقات، ثم أول إنسان خلقه الله هو ءادم، الله تعالى أمر الملك عزرائيل فأخذ من جميع تراب الأرض ثم عجنه بماء الجنة ثم تركه حتى صار صلصالاً كالفَخَّار ثم أُمر الملك أن ينفخ في هذا الطّين اليابس روح ءادم عليه السلام فجعلَه الله ذلك المخلوقَ البشري طولُه ستونَ ذراعا في السماء وعرضُه سبعة أذرع وكان ذلك في الجنة ثم خلق الله من ضِلَعِ ءادمَ الأيسر زوجتَهُ حواء وألهم الله تعالى ءادم الإيمان به فكان يعرف الإيمانَ بالله، ثم إن الله تعالى أرسل إلى ءادمَ وحواء ملكًا أخبرَهما أن الله ينهاهُما عن الأكل من شجرة معينة في الجنة وكان إبليسُ خُلِق قبل ءادم وحواء وكان مسلمًا يعبد الله مختلطًا بالملائكة لكنه لم يكن من الملائكة، ثم حين أُمر الملائكة بالسجود لآدم سجود تحية لا عبادة وأُمِرَ إبليس بذلك رفض إبليس هذا الأمر واعترض على الله وكفر ثم بقي برهةً في الجنة وسوس فيها لآدم وحواء حتى يأكلا مِنْ هذه الشجرة فأكلا منها فكانت تلك معصيةً صغيرة ليس فيها خسةٌ ولا دناءة وليست الخطيئةَ الكبرى كما يدعي بعض الناس، عقب ذلك أُخرج ءادم وحواء وإبليس من الجنة ولم يكن ءادمُ وحواء عاريين حين أهبطا من الجنة بل كان عليهما ثياب من نور من ثياب الجنة. ثم إن ءادم وَلَدت له زوجُه حواء أربعين بطنا في كل بطن ذكرًا وأنثى ثم إن ءادم علم أولادَه اللغاتِ والصنائع كالحراثة والبذرِ والطحن والعجن والخبز وضرب النقد وغير ذلك ثم إنه لم يمت حتى رأى من ذريته وذرية ذريته أربعين ألفا كلهم كانوا على اعتقاد أن الله واحد لا شريك له لا يشبه شيئا من خلقه موجود ليس حجما بالمرة لا هو حجم صغير ولا هو حجم كبير موجود بلا جهة ولا مكان وأنه ليس شيئا يُتصوَّر في العقل لأن المُتصوَّر لا يكون إلا شيئا مخلوقا ثم بعد وفاة ءادم نزل الوحي بالنبوة على ولده شيث الذي تابعَ الدعوةَ إلى الإسلام مثلَ أبيه ءادم وفي شريعة شيثٍ حرم الله تعالى زواج الأخ من أخته من البطن الآخر وهذا الامر كان حلالاً في شريعَةِ ءادم لأن هذا كان يُحتاج اليه وهو مما تقتضيه الحكمةُ وهذا يسمى أمرًا تشريعيًّا وهذا الذي يكون فيه فرق بين نبيٍّ وءاخر في بعض أمور الشريعة المتعلقة بالفروع لا بأصولِ الاعتقاد فإن أصول الاعتقاد ليس فيها اختلاف بين نبي وءاخر.
ثم بعد وفاة شيث نبىء إدريسُ عليه السلام الذي تابع الدعوة إلى دين الاسلام كشيث وءادم، وفي زمن إدريس عليه السلام كان يوجد خمسة رجال صالحين: وَدّ، ويَغوثُ، وسُوَاع، ونَسرٌ، ويَعوقُ وكان يجوز في تلك الشريعة عمل التصاوير للبشر أي التماثيل للبشر فعملوا لهم خمسةَ تماثيلَ ثم بعد وفاةِ إدريسَ عليه السلام جاء إبليس إلى بعض الناس وقال لهم هذه التماثيلُ اعبدوها مع الله حتى تقرِّبكُم إلى الله فعبدها بعض الناس فحصل الشرك والكفر بالله أول مرة في الأرض ومضت ألف سنة بين بعثة إدريس وبعثة النبي الذي جاء بعده وهو نوح عليه السلام الذي كان أول رسول أرسل إلى مشركين يعبدون غير الله وهذا معنى قوله تعالى ( كان الناس أمةً واحدة) أي على الإسلام (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) أي فحصل الكفرُ بعد إدريس فبعث الله النبيين بعده مبشرين ومنذرين وأولُهم نوح وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام "هو أول رسل الله إلى أهل الأرض"، أي أول الرسل بعد حصول الشرك. ثم توالى الأنبياء والرسلُ بعد نوح عليه السلام يدعون إلى توحيد الله أي الايمان به من غير إشراك ويدعون الناس إلى الإيمان بهم لأنَّ الله أرسلهم. ثم جاء موسى عليه السّلام بدينِ الإسلام كسائر الأنبياء فآمن به بعض الناس وكفر ءاخرون وأنزل الله عليه التوراة باللغة العبرية.
ثم أرسَلَ اللهُ تعالى عيسَى الذي سُمِيَ المسيح الذي كانَ يَسِيحُ في الأرض أي يدور في الأرض لِيُبَلِّغَ دينَ الإسلام كذلك ءامن بعض الناس وكفرَ ءاخَرون. ثم إنَّ اليهودَ الكفَّارَ أرادوا قتلَ عيسَى عليه السَّلام بعد أن قالوا له إنك ساحر بعد أن رأوا المعجزات التي أعطاه الله إياه كمُعجِزَةِ إحياءِ المَوتَى بإذنِ الله وإبراء الأكمَهِ أي الذي ولد أعمى والأبرص. فجاء اليهود لقتل عيسى وكان اجتمع مع اثني عشر من طلابه وقال لهم: أيكم يلقى عليه شبهي ويكون رفيقي في الجنة؟ فقام أصغرهم وقال: أنا فقال له عيسى المسيح: اقعد، فكرر المسيح مقالتَهُ فقام نفس التلميذ فقال له المسيح اقعد فكررها مرة ثالثة فقام نفس التلميذ فقال له المسيح أنت هو فألقى الله شبَهَ عيسى على هذا التلميذ الأصغر ورُفِعَ عيسى مِنْ طاقة في الغرفة الى السماء الثانية وهو باق هناك الى ان يأتي حينُ نزولِه إلى الأرض قبلَ قيامِ السَّاعة ليقتل الخنزيرَ ويكسر الصليب ويدعوَ الى دين الاسلام كما فعل أثناء وجوده في الأرض، فدخل اليهود فوجدوا شبيه عيسى فظنوه عيسى عليه السلام فقتلوه، قال الله تعالى (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّهَ لهم). ثم مضى نحو خمسمائة عام بين رَفعِ عيسى إلى السماء ونزولِ الوحي على رسولِ الله محمد الذي هو ءاخر الأنبياء والرسل، وكان الإسلام انقطع بين الناس في الأرض قبل بعثة الرسول محمد بخمس سنين، وكان رسول الله يواجه في عمله بالدعوة المشركين عَبَدةَ الأصنام والنصارى الذين يعبدون المسيح واليهودَ الذين يزعمون أن عُزَيرًا هو ابن الله فآمن به بعض من كل هؤلاء وتركوا العقائد الفاسدةَ المخالفةَ للاسلام ونطقوا بالشهادتين معتقدين أن كل الانبياء جاؤوا بدين واحد هو الإسلام. والمسلم هو الإنسان الذي سيدخل الجنة ويخلد فيها بلا نهاية، أما الكافر الذي سمع بدعوة نبي ءاخرِ الزمان محمد ولم يؤمن به وبما جاء به فإن مات على ذلك فإنه سيخلد في نار جهنم ولا يخرج منها حيث يعيش في العذاب الدائم الذي لا يخفف عنه الى أبد الآباد.
فيا أيها العاقل الذي لم يسلم بعد تدارك نفسك وادخل في الاسلام قبل أن تموت على الكفر ولا ينفعك الندم حينئذٍ ولا تهمل قيمة البرهان العقلي الذي أكرمك الله به فتكونَ من الخاسرين فإنَّ الانسان يعيش في الدنيا مرة واحدة فإن كانت خاتمتُه على الاسلام كان من الفائزين بجنات النعيم حيث النعيم المقيم الخالد وان كانت خاتمتُه على الكفر فإنه سيخلدُ في نار جهنم.
والدخول في هذا الدين الذي هو الاسلام والذي رضيه الله لكل عباده وأمرهم باتباعه وارسل كلَّ الانبياء به يكون باعتقاد العقيدة التي جاء بها الانبياء والتخلي عن كل ما يخالفُها والنطقِ بالشهادتين بقول اشهد أن لا إلـٰه الا الله وأشهد أنَّ محمّدًا رسول الله ولو بغير اللغة العربية لكن لفظة محمد لا تترجم فيصح أن يقول أشهد أن أبا القاسم رسول الله بدل أن محمدًا رسول الله.
هذه النصيحة يجب بذلُها إلى كل المكلفين الذي سمعوا بدعوة الاسلام ولم يدخلوا فيه بَعْدُ حتى يدخلوا فيه فيكون ذلك سببا لنجاتهم من الخلود الابدي في النار إن ماتوا على الإسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق