بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 17 مارس 2020

أقوال السلف الصالح رضي الله عنهم في نزاهة الله تعالى

هذه بعض من أقوال السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم ويتجلى فيها مذهبي أهل السنة والجماعة: التفويض والتأويل، وإجماعهم على نفي الجسمية والأعضاء والتغير عن الله تعالى:

     قال الصحابي الجليل والخليفة الراشد علي رضي الله عنه (40 هـ) ما نصه[1]:”كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان” ا.هـ. أي: بلا مكان.

وقال أيضاً[2]:”إن الله تعالى خلق العرش إظهارًا لقدرته لا مكاناً
لذاته” أ هـ.
وقال أيضاً[3]: “من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود” ا.هـ.  المحدود: ما له حجم صغيراً كان أو كبيراً.

     قال التابعي الجليل الإمام ـ زين العابدين ـ علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم (94 هـ) ما نصه[4]: “أنت الله الذي لا يحويك مكان”.

وقال أيضاً[5]: “أنت الله الذي لا تحد فتكون محدوداً” ا.هـ.

      قال الإمام المجتهد أبو حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه (150 هـ) أحد مشاهير علماء السلف إمام المذهب الحنفي ما نصه[6]: ” قلت: أرأيت لو قيل أين الله تعالى؟ فقال- أي أبو حنيفة-: يقال له كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شيء، وهو خالق كل شيء” ا.هـ.

وقال أيضاً في كتابه ( الوصية )[7]: “ولقاء الله تعالى لأهل الجنة بلا كيف ولا تشبيه ولا جهة حق” ا.هـ.

وقال أيضاً[8]: “ونقر بأن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه، وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجاً لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوقين، ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله؟! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً” ا.هـ.

      قال الشيخ الإمام العز بن عبد السلام الشافعي في كتابه ( حل الرموز ) في بيان مراد أبي حنيفة ما نصه[9]: “لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا، ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه ” اهـ، وأيد ملا علي القاري كلام ابن عبد السلام بقوله[10]: “ولا شك أن ابن عبد السلام من أجل العلماء وأوثقهم، فيجب الاعتماد على نقله ” ا.هـ.

      قال الإمام المجتهد محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه إمام المذهب الشافعي (204 هـ) ما نصه[11]: “إنه تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفة الأزلية كما كان قبل خلقه المكان لا يجوز عليه التغيير في ذاته ولا التبديل في صفاته ” ا.هـ.

     أما الإمام المجتهد الجليل أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (241 هـ) رضي الله عنه إمام المذهب الحنبلي وأحد الأئمة الأربعة، فقد ذكر الشيخ ابن حجر الهيتمي أنه كان من المنزهين لله تعالى فقال ابن حجر ما نصه[12]: “وما اشتهر بين جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد من أنه قائل بشيء من الجهة أو نحوها فكذب وبهتان وافتراء عليه” ا.هـ.


     وكذا كان على هذا المعتقد الإمام شيخ المحدثين أبو عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح (256 هـ) فقد فهم شراح صحيحه: أن البخاري كان ينزه الله عن المكان والجهة.

قال الشيخ علي بن خلف المالكي المشهور بابن بطال أحد شراح البخاري (449هـ) ما نصه[14]: “غرض البخاري في هذا الباب الرد على الجهمية في تعلقها بهذه الظواهر، وقد تقرر أن الله ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه، فقد كان ولا مكان، وإنما أضاف المعارج إليه إضافة تشريف، ومعنى الارتفاع إليه اعتلاؤه- أي تعاليه- مع تنزيهه عن المكان ” ا.هـ.

وقال الشيخ ابن المنيِّر المالكي (695 هـ) ما نصه:”جميع الأحاديث في هذه الترجمة مطابقة لها إلا حديث ابن عباس فليس فيه إلا قوله “رب العرش” ومطابقته، والله أعلم من جهة أنه نبه على بطلان قول من أثبت الجهة أخذاً من قوله (ذِي المَعَارِجِ) [ سورة المعارج:3 ]، ففهم أن العلو الفوقي مضاف إلى الله تعالى، فبيَّن المصنف- يعني البخاري- أن الجهة التي يصدق عليها أنها سماء والجهة التي يصدق عليها أنها عرش، كل منهما مخلوق مربوب محدث، وقد كان الله قبل ذلك وغيره، فحدثت هذه الأمكنة، وقدمه يحيل وصفه بالتحيز فيها” اهـ، نقله عنه الحافظ ابن حجر وأقره عليه[15].

     قال الإمام الحافظ المجتهد أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (310 هـ) ما نصه[16]:”القول في الدلالة على أن الله عز وجل القديم الأول قبل كل شيء، وأنه هو المحدث كل شيء بقدرته تعالى ذكره فمن الدلالة على ذلك أنه لا شيء في العالم مشاهد إلا جسم أو قائم بجسم، وأنه لا جسم إلا مفترق أو مجتمع، وأنه لا مفترق منه إلا وهو موهوم فيه الائتلاف إلى غيره من أشكاله، ولا مجتمع منه إلا وهو موهوم فيه الافتراق، وأنه متى عدم أحدهما عدم الآخر معه، وأنه إذا اجتمع الجزءان منه بعد الافتراق، فمعلوم أن اجتماعهما حادث فيهما بعد أن لم يكن،. وأن الافتراق إذا حدث فيهما بعد الاجتماع فمعلوم أن الافتراق فيهما حادث بعد أن لم يكن. وإذا كان الأمر فيما في العالم من شيء كذلك، وكان حكم ما لم يشاهد وما هو من جنس ما شاهدنا في معنى جسم أو قائم بجسم، وكان ما لم يخل من الحدث لا شك أنه محدث بتأليف مؤلف له إن كان مجتمعا، وتفريق مفرق له إن كان مفترقا, وكان معلوما بذلك أن جامع ذلك إن كان مجتمعا، ومفرقه إن كان مفترقا من لا يشبهه ومن لا يجوز عليه الاجتماع والافتراق وهو الواحد القادر الجامع بين المختلفات الذي لا يشبهه شيء، وهو على كل شيء قدير. فبين بما وصفنا أن بارئ الأشياء ومحدثها كان قبل كل شيء[17]، وأن الليل والنهار والزمان والساعات محدثات، وأن محدثها الذي يدبرها ويصرفها قبلها[18]، إذ كان من المحال أن يكون شيء يحدث شيئا إلا ومحدثه قبله، وأن في قوله تعالى ذكره:( أفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ {18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) [ سورة الغاشية:20 ] ، لأبلغ الحجج وأدل الدلائل لمن فكر بعقل واعتبر بفهم على قدم بارئها، وحدوث كل ما جانسها، وأن لها خالقا لا يشبهها” ا.هـ.

وقال أيضا عند تفسير قول الله تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) [ سورة الحديد:3 ] ما نصه[19]:”لا شيء أقرب إلى شيء منه كما قال: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)” [ سورة ق:16 ].

أي أن القرب المسافي منفيٌّ عن الله، فالذي في رأس الجبل والذي في أسفل الوادي هما بالنسبة إلى الله تعالى من حيث المسافة على حد سواء لأن الله تعالى منزه عن القرب الحسّي أي القرب بالمسافة، أما القرب المعنوي فلا ينفيه هذا الإمام ولا غيره من علماء المسلمين. فهذا دليل آخر أن السلف كانوا ينزهون الله عن الجهة.

[1] الفرق بين الفرق لأبي منصور البغدادي (ص/333).
[2] الفرق بين الفرق لأبي منصور البغدادي (ص/333).
[3] حلية الأولياء: ترجمة علي بن أي طالب (1/73).
[4] إتحاف السادة المتقين (4/ 380).
[5] إتحاف السادة المتقين (4/ 380).
[6] الفقه الأبسط ضمن مجموعة رسائل أبي حنيفة (ص/ 25).
[7] الوصية: (ص/ 4)، ونقله ملا علي القاري في شرح الفقه الأكبر (ص/138).
[8] كتاب الوصية، ضمن مجموعة رسائل أبي حنيفة بتحقيق الكوثري (ص/ 2)، في كتابه الدليل (ص/ 54)، وملا علي القاري في شرح الفقه الأكبر (ص/ 75) عند شرح قول الإمام: “ولكن يده صفته بلا كيف”.
[9] نقله ملا علي القاري في شرح الفقه الأكبر بعد أن انتهى من شرح رسالة الفقه الأكبر (ص/ 198).
[10] المصدر السابق.
[11] إتحاف السادة المتقن (2/ 24).
[12] الفتاوى الحديثية (ص/ 144).
[13] حلية الأولياء ترجمة ذي النون المصري(9/388).
[14] فتح الباري(13/416).
[15] فتح الباري (13/ 418- 419).
[16] تاريخ الطبري (1/25).
[17] أي وقبل الزمان والمكان وغيرهما من المخلوقات.
[18] تاريخ الطبري (1/26).


[19] جامع البيان (مجلد13/جزء 27/215).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...