ا____ حكمُ قاتلِ نفسهِ وحكمُ قاتلِ النفسِ المؤمنة ____ا
ا[1]يقولُ الله تعالى في سورة النساء ((ومَنْ يَقْتُلْ مؤمنًا مُتَعَمِّدًا فجزاؤه جَهَنَّمُ خالدًا فيها وغَضِبَ اللهُ عليه ولَعَنَهُ وأعَدَّ له عذابًا عظيمًا[93])).. صدق الله العظيم.. إنْ حُمِلَ الخلودُ في الآيةِ على الخلودِ النسبيِّ أي طولِ الْمُدَّةِ من غير تأبيدٍ في جَهَنَّمَ فهو للمؤمن الذي يقتلُ أخاه المؤمنَ ظلمًا من غير استحلالٍ لقتلهِ،، وإنْ حُمِلَ الخلودُ في الآيةِ على الخلودِ الأبديِّ فهو للذي يقتلُ مؤمنًا لإيمانه، أي يقتلُه لأنه مؤمن، فهذا يكفُر، وجزاؤه جَهَنَّمُ خالدًا فيها أبدًا.. لمَّا حدثت فيه نيَّة قتلِ المؤمن لأنه مؤمن صار كافرًا وذلك لأنَّ الذي يكره الإسلامَ يكفُر.. ثمَّ لمَّا قتلَه ازداد كفرًا.. وأمَّا الذي يقتلُ مؤمنًا لغرضٍ دنيويٍّ وليس لأنه مسلمٌ مؤمنٌ فلا يُعَدُّ هذا كفرًا مخرجًا من الإسلام، وإنَّما يُعَدُّ هذا ذنبًا كبيرًا.. هذا الذنبُ أشدُّ الذنوبِ بعد الكفر، ويُخَلَّدُ صاحبُه في جَهَنَّمَ الخلودَ النسبيَّ، أي يمكُث في جَهَنَّمَ مُدَّةً طويلةً من غير تأبيد.. لكن، مَعَ ذلك، قسم منهم، وهم قلَّة، يغفِر الله لهم يومَ القيامة، يسامحُهم، مَعَ أنَّهم يستحقُّون النار لأنهم ماتوا ولم يتوبوا.. وقد ثبَت عن النبيِّ، صلَّى الله عليه وسلَّم، أنَّه قال :[[التائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ له]].. رواه ابنُ ماجه في[(السنن)/كتاب الزهد]من حديثِ عبدِ الله بنِ مسعود..ا
ا[2]المسلمُ العاصي الفاسقُ إذا تقاعس عن التوبةِ حتَّى مات فهو تحت مشيئةِ الله، إن شاء عذَّبه بعدلهِ ثمَّ أدخله الجَنَّةَ بفضلهِ وإن شاء عفا عنه وسامحه وأدخله الجَنَّةَ بفضله.. لكنْ أكثرُ مَنْ يقعُ منهم القتلُ ظلمًا وعدوانًا ويموتون قبل التوبةِ لا بُدَّ أن يدخلوا النارَ..ا
ا[3]فالحاصلُ أنَّ المسلمَ إذا قتَل مسلمًا ظلمًا لغرضٍ دنيويٍّ غيرَ مستحلٍّ لقتلهِ لا يكفُر، ويدلُّ على ذلك قِصَّةُ الإسرائيليِّ الذي كان على الإسلامِ قبلَ بعثةِ سيِّدنا مُحَمَّدٍ والذي أخبر عنه رسولُ الله بالوحي الذي أنزله اللهُ عليه، وفيها أنَّ هذا الإسرائيليَّ كان قتَل مِائةَ نفسٍ ظلمًا ثمَّ أراد التوبةَ فسأل راهبًا عالمًا من علماءِ ذلك العصر، قال له :[[هل لي من توبة؟]]، فقال له :[[ومَنْ يَحُولُ بينَك وبين التوبة؟،، انطلق إلى أرضِ كذا وكذا فإنَّ بها أناسًا يعبُدون اللهَ فاعبدِ اللهَ معهم ولا ترجِع إلى أرضِك فإنَّها أرضُ سُوء]].. فندِم على ما فعَل مِنْ قتلهِ تلكَ الأنفسَ الْمِائةَ ولم يكن يعرف أقرباءَ المقتولين.. ففي هذه الحالِ يكفيه الندمُ والعزمُ على أن لا يعود إلى الذنب.. ثمَّ توجَّه إلى تلك الأرضِ فأدركَه الموتُ في منتصفِ الطريق.. فجاءت ملائكةُ العذابِ وملائكةُ الرحمة.. هؤلاءِ يريدون أن يأخذوه وهؤلاءِ يريدون أن يأخذوه.. فاختصموا.. فأرسلَ اللهُ مَلَكًا بصفةِ رجلٍ من بني ءادمَ فحَكَمَ بينَهم.. قال لهم :[[قيسُوا ما بينَ الأرضَين، فإلى أيَّتِهما وجدتموه أقربَ فهو لها]].. فقاسُوا.. فوجدوه أقربَ إلى الأرضِ التي هو ذاهبٌ إليها.. فأخذته ملائكةُ الرحمة.. أنظر[(صحيح مسلم)/كتاب التوبة/باب قَبولِ توبةِ القاتلِ وإن كَثُرَ قتلُه]..ا
ا[4]من المحرَّمات الكبائرِ أن يَقْتُلَ الإنسانُ نفسَه.. يقولُ الله تعالى في سورة النساء ((ولا تقتلوا أنفسَكم إنَّ الله كان بكم رحيمًا[29])).. والشرائعُ السماويَّة كلُّها أجمعت على حرمته.. وقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :[[الذي يخنُق نفسَه يخنُقها في النار.. والذي يطعُن نفسَه يطعُنها في النار]].. رواه البخاريُّ في[(الصحيح)/كتاب الجنائز].. وقال، عليه الصلاة والسلام، أيضًا :[[ومن قتَل نفسَه بشيءٍ في الدنيا عُذِّبَ بهِ يومَ القيامة]].. والحديثُ صحيح رواه البخاريُّ ومسلم.. ورواه التِّرْمِذِيُّ في (سننه) بلفظ :[[ومن قتَل نفسَه بشيءٍ عَذَّبَهُ اللهُ بما قتَل به نفسَه يومَ القيامة]]، وصَحَّحَهُ.. والانتحار ليس كفرًا.. الذي ينتحر لا يكفُر إلّا إذا كان يستحلُّ الانتحار.. وقولُ الجُهَّالِ فيمن قتَل نفسَه بأنَّه كافرٌ قولٌ باطِل.. إذِ الإجماعُ منعقِد على أنَّ المسلمَ لا يكفُر باقترافهِ الذنبَ إذا لم يستحلَّه.. قال الإمامُ أبو جعفرٍ الطَّحَاوِيُّ في كتابه (العقيدةُ الطَّحَاوِيّة) :[[ولا نكفِّر أحدًا من أهلِ القِبلة بذنبٍ ما لم يستحلَّه]].. ثمَّ إنَّ قِصَّةَ الصحابيِّ الذي قتَل نفسَه واستغفر له الرسولُ بعد موته بقوله :[[اللهمَّ وليدَيه فاغفِر]] دليلٌ ءاخَرُ على أنَّ الانتحارَ لا يُخْرِجُ من الإسلامِ إذا لم يكن عن استحلال.. روى هذه القِصَّةَ الإمامُ مسلمٌ في[(الصحيح)/كتاب الإيمان]..ا
ا[5]وأمَّا حديثُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :[[من قتَل نفسَه بحديدةٍ فحديدتُه في يدِه يَتَوَجَّأ بها في بطنهِ في نار جَهَنَّمَ خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدًا.. ومن شرِب سُمًّا فقتَل نفسَه فهو يَتَحَسَّاهُ في نارِ جَهَنَّمَ خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدًا.. ومن تردَّى من جبلٍ فقتَل نفسَه فهو يتردَّى في نارِ جَهَنَّمَ خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدًا]] فهذا الحديثُ يُحْمَلُ على الكافرِ فقط.. الكافرُ يعذَّب يومَ القيامةِ على كفره وعلى ما دون الكفر من المعاصي التي كان يفعلها في الدنيا.. والحديثُ صحيح متَّفق عليه رواه البخاريُّ ومسلم.. وأمَّا حديثُ رسولِ الله :[[ومن قتَل نفسَه بشيءٍ عُذِّبَ به في نارِ جَهَنَّمَ]] فهذا يشمَل المنتحرَ المسلمَ والمنتحرَ الكافرَ لأنه لم يَرِدْ فيه أنَّه يُخَلَّدُ في جَهَنَّمَ أبدًا.. فالكافرُ يُخَلَّدُ أبدًا في جَهَنَّمَ والمسلمُ يخرجُ منها بعد طولِ عذاب.. والحديثُ صحيح، مُتَّفَقٌ عليه، رواه البخاريُّ ومسلم..ا
ا[6]ورد في[(صحيح البخاريِّ)/كتاب التعبير]أنَّه لمَّا انقطع الوحيُ عن رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو في مَكَّةَ المكرَّمةِ قبل الهجرةِ كان يتردَّد إلى رؤوس شواهقِ الجبالِ فكلَّما أوفَى بذُرْوَةِ جبلٍ لكي يُلْقِيَ منه نفسَه تبدَّى له جبريلُ فقال :[[يا مُحَمَّدُ إنَّك رسولُ الله حقًّا]] فهذا معناه أنَّ الرسولَ كان يَظُنُّ أنَّه لا يتأذَّى لو فعَل ذلك.. فليُعْلَمْ أنَّ همَّه بذلك لم يكن إلّا لتخفيفِ شِدَّةِ الضيقِ الذي حصل له من إبطاءِ الوحي عليه ولم يكن يقصِد الانتحار.. فمن حمَل ما ورد من هذه القِصَّةِ على أنَّ الرسولَ أراد أن ينتحر فقد كفر، لأنَّ الانتحارَ من أكبر الجرائم بعد الكفر وذلك مستحيلٌ على الأنبياء.. وكيف يُنْسَبُ إلى أفضلِ الخَلْقِ وأعلمِ الخَلْقِ أنَّه هَمَّ بقتل نفسهِ وقد سبَق بيانُ أنَّ قاتلَ نفسهِ يستحقُّ النار؟!. وأيُّ عاقلٍ يرضى أن يُنْسَبَ إلى رسولِ الله أنَّه هَمَّ بأن يُلْقِيَ بنفسهِ في نار جَهَنَّمَ؟!ا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق