الشبهة:
احتج مانعو التوسل بالأموات بقولهم: إنهم لا يسمعون وكذلك الحي الغائب، فلا معنى للتوسل بهم بأن يقال: يا رسول الله أغثني، أو: أتوجه بك إلى الله ليقضي لي حاجتي، لأنه لا يسمع، وأما الحي الحاضر فيسمع.
الجواب:
لا مانع شرعا ولا عقلا من أن يسمع النبي أو الولي كلام من يتوسل به وهو في القبر، أما النبي فلأنه حي أحياه الله بعد موته كما ثبت من حديث أنس عن رسول الله أنه قال: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» صححه البيهقي في جزء حياة الأنبياء[1]، وأورده الحافظ ابن حجر على أنه ثابت في فتح الباري وذلك لما التزمه أن ما يذكره من الأحاديث شرحة أو تتمة لحديث في متن البخاري فهو صحيح أو حسن، ذکر ذلك في مقدمة الفتح. ولأنه ثبت حديث: «ما من رجل مسلم يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه، إلا عرفه ورد عليه السلام». صححه الحافظ عبد الحق الإشبيلي في أحكامه.
وأما الغائب الحي فإنه يدل على صحة سماعه خطاب من يناديه من بعيد قصة عمر رضي الله عنه في ندائه جيشه الذي بأرض العجم بقوله: يا سارية الجبل الجبل، فسمعه سارية بن زنيم، وكان سارية قائد الجيش فانحاز بجيشه إلى الجبل فانتصروا، صححها الحافظ الدمياطي في جزء ألفه لهذه القصة، ووافقه الحافظ السيوطي على ذلك وحسنها الحافظ ابن حجر في الإصابة[2]، وأوردها الحافظ الزبيدي في شرح القاموس[3] وقد أفرد القطب الحلبي لطرقه جزءا ووثق رجال هذا الطريق[4]. ومن الدليل على صحة سماع الغائب النداء من بعيد ما ثبت أن ابن عباس قال: قام إبراهيم على الحجر فقال: يا أيها الناس كتب عليكم الحج فأسمع من في أصلاب الآباء وأرحام النساء فأجابه من ءامن ومن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك. صححه الحافظ ابن حجر[5].
وهذا الذي ثبت عن ابن عباس مما لا يقال بالرأي إلا بالتوقيف وهو مما عرف وانتشر عند المفسرين لمعنى قول الله تعالى: (وأذن في الناس بالحج) [سورة الحج / 27]، فما أبعد عن الحق من يقول من هؤلاء نفاة التوسل عن الأنبياء والأولياء بعد موتهم إنهم کالجماد، وقد بلغ بعضهم في الوقاحة إلى أن قال: النبي (صلى الله عليه وسلم) لا ينفع بعد موته، ومنهم من يقول لقاصد زيارة الرسول ما تفعل بالعظم الرميم. حمانا الله تعالى من صنيع هؤلاء الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، يزعمون أنهم بهذا يكونون أقوى من غيرهم في توحيد الله، وكفاهم خزيا اعتقادهم في الرسول أنه عظم رميم لم يبق له إحساس ولا شعور.
وفي الألفاظ الواردة في السلام على أهل القبور دلالة على صريح البيان سماع أهل القبور لسلام الزائرين، وذلك في نحو قول الزائر: «السلام عليکم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر»[6] أخرجه الترمذي وحسنه؛ وما ورد في صحيح مسلم بلفظ: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين»[7] إلى ءاخره، فلولا صحة سماع الميت لم يكن لهذا الخطاب معنى؛ ولا حجة في استدلال نفاة التوسل بقول الله تعالى: (وما أنت بمسمع من في القبور) [سورة فاطر / 22] فإنه مأول لا يحمل على الظاهر توفيقا بينه وبين ما ورد من الأحاديث التي ذكرناها، والمراد به تشبيه الكفار بمن في القبور في عدم انتفاعهم بكلامه وهم أحياء. روى البخاري[8] أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قام على القليب – قليب بدر – وفيه قتلى المشركين، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء ءابائهم: يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان، قال: «فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقأ». قال: فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح بها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم». وروى البخاري أيضا عن أنس عن النبي[9]: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم». فيقال للنفاة: النبي هو أفهم منكم ومن سائر الخلق بمعاني كتاب الله، فبعد هذا فقد انتسف تمويه ابن تيمية بقوله: لا يجوز التوسل إلا بالحي الحاضر.
ومما يؤيد صحة سماع الموتي ما رواه الترمذي[10] أن رجلا ضرب خباءه ليلا على قبر فسمع من القبر قراءة تبارك الذي بيده الملك إلى ءاخرها، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: «هي المانعة هي المنجية». حسنه السيوطي[11]. فإذا كان من على وجه الأرض عند القبر يسمع قراءة صاحب القبر، فأي مانع من أن يسمع صاحب القبر كلام من على وجه الأرض ولو كان في مسافة بعيدة من صاحب القبر بالنسبة لعباد الله الذين منحهم الله الكرامات.
______________________________________
وأما الغائب الحي فإنه يدل على صحة سماعه خطاب من يناديه من بعيد قصة عمر رضي الله عنه في ندائه جيشه الذي بأرض العجم بقوله: يا سارية الجبل الجبل، فسمعه سارية بن زنيم، وكان سارية قائد الجيش فانحاز بجيشه إلى الجبل فانتصروا، صححها الحافظ الدمياطي في جزء ألفه لهذه القصة، ووافقه الحافظ السيوطي على ذلك وحسنها الحافظ ابن حجر في الإصابة[2]، وأوردها الحافظ الزبيدي في شرح القاموس[3] وقد أفرد القطب الحلبي لطرقه جزءا ووثق رجال هذا الطريق[4]. ومن الدليل على صحة سماع الغائب النداء من بعيد ما ثبت أن ابن عباس قال: قام إبراهيم على الحجر فقال: يا أيها الناس كتب عليكم الحج فأسمع من في أصلاب الآباء وأرحام النساء فأجابه من ءامن ومن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك. صححه الحافظ ابن حجر[5].
وهذا الذي ثبت عن ابن عباس مما لا يقال بالرأي إلا بالتوقيف وهو مما عرف وانتشر عند المفسرين لمعنى قول الله تعالى: (وأذن في الناس بالحج) [سورة الحج / 27]، فما أبعد عن الحق من يقول من هؤلاء نفاة التوسل عن الأنبياء والأولياء بعد موتهم إنهم کالجماد، وقد بلغ بعضهم في الوقاحة إلى أن قال: النبي (صلى الله عليه وسلم) لا ينفع بعد موته، ومنهم من يقول لقاصد زيارة الرسول ما تفعل بالعظم الرميم. حمانا الله تعالى من صنيع هؤلاء الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، يزعمون أنهم بهذا يكونون أقوى من غيرهم في توحيد الله، وكفاهم خزيا اعتقادهم في الرسول أنه عظم رميم لم يبق له إحساس ولا شعور.
وفي الألفاظ الواردة في السلام على أهل القبور دلالة على صريح البيان سماع أهل القبور لسلام الزائرين، وذلك في نحو قول الزائر: «السلام عليکم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر»[6] أخرجه الترمذي وحسنه؛ وما ورد في صحيح مسلم بلفظ: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين»[7] إلى ءاخره، فلولا صحة سماع الميت لم يكن لهذا الخطاب معنى؛ ولا حجة في استدلال نفاة التوسل بقول الله تعالى: (وما أنت بمسمع من في القبور) [سورة فاطر / 22] فإنه مأول لا يحمل على الظاهر توفيقا بينه وبين ما ورد من الأحاديث التي ذكرناها، والمراد به تشبيه الكفار بمن في القبور في عدم انتفاعهم بكلامه وهم أحياء. روى البخاري[8] أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قام على القليب – قليب بدر – وفيه قتلى المشركين، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء ءابائهم: يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان، قال: «فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقأ». قال: فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح بها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم». وروى البخاري أيضا عن أنس عن النبي[9]: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم». فيقال للنفاة: النبي هو أفهم منكم ومن سائر الخلق بمعاني كتاب الله، فبعد هذا فقد انتسف تمويه ابن تيمية بقوله: لا يجوز التوسل إلا بالحي الحاضر.
ومما يؤيد صحة سماع الموتي ما رواه الترمذي[10] أن رجلا ضرب خباءه ليلا على قبر فسمع من القبر قراءة تبارك الذي بيده الملك إلى ءاخرها، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: «هي المانعة هي المنجية». حسنه السيوطي[11]. فإذا كان من على وجه الأرض عند القبر يسمع قراءة صاحب القبر، فأي مانع من أن يسمع صاحب القبر كلام من على وجه الأرض ولو كان في مسافة بعيدة من صاحب القبر بالنسبة لعباد الله الذين منحهم الله الكرامات.
______________________________________
[1] . حياة الأنبياء بعد وفاتهم رقم/ 15.
[2] . الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 2)، وانظر أسد الغابة (2/ 244).
[3] . تاج العروس في شرح القاموس فصل السين من باب الواو والياء.
[4] . کشف الخفا (ص/ 515).
[5] . انظر فتح الباري (3/ 409).
[6] . جامع الترمذي: کتاب الجنائز: باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر.
[7] . صحيح مسلم: کتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها.
[8] . صحيح البخاري: کتاب الجنائز: باب ما جاء في عذاب القبر.
[9] . صحيح البخاري: کتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر.
[10] . جامع الترمذي: کتاب فضائل القرءان: باب ما جاء في فضل سورة الملك.
[11] . الجامع الصغير (2/ 56).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق