براءة الشيخ محيي الدين بن عربي مما نُسِبَ إليه
من الكتب التي يجب التحذير منها كتاب "الفتوحات المكية" فإنها تحتوي على كلمات كثيرة من الكفر الصريح الذي لا تأويل له كما قال المحدث الحافظ وليِّ الدين العراقي في رسالة له سمّاها "الأجوبة المرضية"(1 )، كذا يجب التحذير من كتاب "فصوص الحكم" وبعضٍ غيرها من مؤلفات الشيخ محيي الدين بن عربي رضي الله عنه.
وأمّا الشيخ محي الدين بن عربي رضي الله عنه فاعتقادنا فيه أنه من العلماء الصالحين والصوفية الصادقين الزاهدين، ترجمه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان( 2)، وذكر أنهاعتدّ به حُفّاظ عصره كابن النجار.
وأكثر ما في كتابيه المذكورين مما هو مدسوس عليه مما ليس من كلامه كلمات الوحدة المطلقة، ففي كتابه "الفتوحات المكية" ما يخالف ذلك فإن فيها ذم عقيدة الوحدة المطلقة، وذم عقيدة الحلول. فمما فيه لإبطال الوحدة المطلقة والحلول قوله في "الفتوحات المكية": "ما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد، ومنقال بالحلول فدينه معلول" ا.هـ.
فبعد هاتين العبارتين الصريحتين في ابطال عقيدة الوحدة المطلقة وعقيدة الحلول، لا يجوز أن يصدّق على الشيخ محيي الدين ما في بعضالمواضع الأخرى من هذا النوع.
ومما في "الفتوحات المكية" مما لا يصدّق عليه مانقله بعض أهل عصرنا وهو محمد الهاشمي التلمساني نزيل دمشق في رسالة ألفها عن "الفتوحات المكية": "كل كلام في العالم كلامه القول كله حَسَن فما وافق الغرض فهوأحسن" أ.هـ.
وقد حضرتُ مجلس الشيخ الولي أحمد الحارون الدمشقي رحمه الله وكانمعروفا في بلده دمشق بالكشف فسألته أن الشيخ محمدا الهاشمي ألّفَ رسالة ذكر فيهانقلا عن كتاب الشيخ محيي الدين بن عربي في "الفتوحات المكية" هذه العبارة المذكورةفقال الشيخ أحمد: "هذا الشيخ ما له حق في أن يذكر هذا، الفتوحات المكية فيها دسكثير" أ.هـ.
وقد قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه "لطائف المنن والأخلاق" مما يؤيد ما ذكرنا ما نصّه(3 ): "وقد نقل الشيخ محيي الدين بن عربي في الفتوحاتالمكية إجماع المحققين على أن من شرط الكامل أن لا يكون عنده شطح عن ظاهر الشريعةأبدا بل يرى أن من الواجب عليه أن يُحِقَ الحق ويبطل الباطل، ويعمل على الخروج منخلاف العلماء ما أمكن. انتهى.
هذا لفظه بحروفه ومن تأمله وفهمه عرف أن جميعالمواضع التي فيها شطحٌ في كتبه مدسوسة عليه لا سيما كتاب "الفتوحات المكية" فإنهوضعه حال كماله بيقين، وقد فرغَ منه قبيل موته بنحو ثلاث سنين، وبقرينة ما قاله في "الفتوحات المكية" في مواضع كثيرة من أن الشطح كله رعونة نفس لا يصدر قط من محقق،وبقرينة قوله أيضا في مواضع: من أراد أن لا يضلّ فلا يرم ميزان الشريعة من يده طرفةعين بل يستصحبها ليلا ونهارا عند كل قول وفعل واعتقاد. انتهى"
انتهى كلام الشعراني.
ثم قال الشيخ الشعراني في "لطائف المنن" ما نصه ( 4): "وليحذر أيضا منمطالعة كتب الشيخ محي الدين بن عربي رضي الله تعالى عنه لعلو مراقيها، ولما فيها منالكلام المدسوس على الشيخ لا سيما الفصوص والفتوحات المكية، فقد أخبرني الشيخ أبوطاهر عن شيخه عن الشيخ بدر الدين بن جماعة أنه كان يقول: جميع ما في كتب الشيخ محيالدين من الأمور المخالفة لكلام العلماء فهو مدسوس عليه، وكذلك كان يقول الشيخ مجدالدين صاحب القاموس في اللغة.
قلتُ –الشعراني-: وقد اختصرتُ الفتوحات المكية وحذفتُ منها كل ما يخالف ظاهر الشريعة، فلما أخبرت بأنهم دسوا في كتب الشيخ ما يوهم الحلول والاتحاد وَرَد عليّ الشيخ شمس الدين المدني بنسخة الفتوحات التي قابلها على خط الشيخ بقونية فلم أجد فيها شيئا من ذلك الذي حذفته ففرحتُ بذلكَ غاية الفرح،فالحمد لله على ذلك" انتهى كلام الشعراني.
قال الشيخ أبو الهدى الصيادي ما نصّه( 5): "والكثير من هذه الفرقة قام قائمهم وقعد قاعدهم منهمكا بمطالعة كتب الشيخ محي الدين بن عربي طاب مرقده، ولا بدع فكتب الشيخ كثرت فيها الدسائس من قبل ذوي الزيغ والبهتان، وعصائب الشيطان، وهذا الذي يطيب القول به لمن يريد براءة الذمّة من القطع بما لم يعلم والله تعالى قال: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(الاسراء)،وقد نسبوا أعني الدساسين للشيخ ما لا يصح لا عقلا ولا شرعا، ولا ينطبق على حكمة نظرية، ولا يوافق صحاح القواعد العرفانية" أ.هـ.
ثم قال بعد كلام ما نصه(6 ): "والحق يقال: الذي عليه أهل الورع من علماء الدين أنه لا يحكم على ابن عربي رحمه الله نفسه بشيء لأنا لسنا على يقين من صدور مثل هذه الكلمات منه، ولا من استمراره عليه إلى وفاته، ولكنا نحكم على مثل هذا الكلام بأنه كفر" أ.هـ.
وقال صاحب "المعروضات المزبورة" أحد الفقهاء الحنفية المشهورين: "تيقنا أن اليهود دسوا عليهفي فصوص الحكم" أ.هـ.
ـــــــــــــــــــ
1 الأجوبة المرضية، مخطوط (ق/172).
2 لسان الميزان (5/353).
3 لطائف المنن والأخلاق (ص/390).
4 لطائف المنن والأخلاق (ص/394)
5 مراحل السالكين (ص/61)
6مراحل السالكين (ص/69)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق