قال أبو حامد الغَزاليُّ (ت 505 هـ) في رسالة "إلجام العَوامّ" يردّ على المشبهة المجسمة في زمانه ما نَصُّه:
"فإنْ خَطَرَ بِبَالِه (أي الإنسان) أَنَّ اللهَ جِسْمٌ مُرَكَّبٌ مِن أَعْضَاءَ فهو عابِدُ صَنَم (يريد متى اعتقد ذلك الخاطر بقلبه أو قاله بلسانه)، فإِنَّ كُلَّ جِسْمٍ مَخْلُوقٌ، وعِبَادَةُ المخْلُوقِ كُفْرٌ. وعِبَادَةُ الصَّنَمِ كانَت كُفْرًا لأَنه مَخْلُوقٌ، وكان (الصَنَمُ) مَخْلوقًا لأنه جِسْمٌ. فمَن عَبَدَ جِسْمًا فهو كافِرٌ بإجْماعِ الأمّة السَّلَفِ مِنهُم والخَلَف (أنظر الى تكفيره المجسم إجماعًا)، سواءٌ كان ذلك الجِسْمُ كَثِيفًا كالجِبال الصُمُّ الصِّلاب أو لَطِيفًا كالهَواءِ والماءِ، وسواءٌ مُظْلِمًا كالأرضِ ومُشْرِقًا كالشمس والقَمَرِ والكَواكِبِ أو مُشِفًّا لا لَوْنَ له كالهَواءِ، أو عَظِيمًا كالعَرْشِ والكُرْسِيّ والسَماءِ، أو صَغِيرًا كالذَّرّةِ والهَباءِ، أو جَمادًا كالحِجارةِ وحَيَوانًا كالإنسان" انتهى.
ثم قال: "ومَن نَفَى الجِسْميّة عنه (أي عن الله) وعن يَدِه (وهو ما ورد في مثل آية "يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ") وإِصْبَعِه (في حديث مسلم: "إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرَّحمن يقلبها كيف يشاء")،
فقد نَفَى العُضْوِيّة واللَّحْمَ والعَصَب، وقَدَّسَ الرَبَّ جَلَّ جَلالُه عَمّا يُوجِبُ الحُدُوثَ (أي المخلوقية)" انتهى.
فقد نَفَى العُضْوِيّة واللَّحْمَ والعَصَب، وقَدَّسَ الرَبَّ جَلَّ جَلالُه عَمّا يُوجِبُ الحُدُوثَ (أي المخلوقية)" انتهى.
ومعنى "يد الله فوق أيديهم" أي أن عهد الله ثبت على أولئك الصحابة في مبايعة النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ومعنى حديث "إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن" أي أن الله يتصرف بقلوب العباد كما يشاء بلا ممانع ولا مضاد لأن الله قدرته كاملة تامة. وهذا أسلوبٌ من أساليبِ البلاغة في اللغةِ العربية.
الرسول صلى الله عليه وسلم شرح ذلك قال: "إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه" وهذا فيه دليل على التأويل التفصيلي وأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله بوحي من الله ليشرح الحديث الذي نزل عليه هو كذلك بوحي من الله تعالى.
الرسول صلى الله عليه وسلم أوّله وفسّـره على ما يليق بالله قال "إن شاء أقامه" أي إن شاء الله أقام قلب ذاك الإنسان وجعله على الصواب، "وإن شاء أزاغَهُ" أي إن شاء الله تعالى أزاغه أي حركه إلى الباطل والضلال.
ثم قال عليه السلام زيادةً في البيانِ وتفويضًا للأمور إلى اللهِ تعالى "اللهم مصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك"، معناه يا الله أنت الذي تصرِّف القلوب، أنت توجهها كما تشاء، إن شئت تُوجهها الى الخير وإن شئت تَصرفها إلى الضلالِ،"صرِّف قلوبنا على طاعتِك" أي وجِّه قلوبنا إلى طاعتك فأنت مالكُ الأمرِ كلِه.
وهذا الدعاء من أصرح الدليل على أن الله تعالى هو خالق أفعال العباد حتى القلبية منها. ومعنى الحديث أن الإنسان لا يَملِك من دون اللهِ تعالى قلبه، فكيف يَملك جوارحه، عينه ويده ورجله ولسانه وسمعَه؟.
الله تعالى هو متملكٌ على الإنسان قلبَه وسمعه وبصرَه ويدَه ولسانه وسائر ما فيه من الأجزاء.
كلُّ أجزاء العبد مملوكة لله تعالى لأن الله أنشأها من العدم. ثم كلُّ ما يحدث فينا من المعاني والصفات من نظرٍ وسمعٍ ومشيِ، كلُّ ذلكَ الله تعالى مُتملكه لا يخرج من ملكِ الله تعالى.
قال النووي في شرح مسلم ما نصه: "تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء، قوله صلى الله عليه وسلم: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء"، هذا من أحاديث الصفات وفيها القولان السابقان قريبًا، أحدهما الإيمان بها من غير تعرّض لتأويل (أي بالهوى) ولا لمعرفة المعنى (بالجزم بلا دليل)، بل يؤمن بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد قال الله تعالى "ليس كمثله شيء". والثاني يُـتأول (يُـفسـر الحديث لا على ظاهره كما تقدم للنووي) بحسب ما يليق بها (أي بصفات الله)، فعلى هذا (يكون) المراد المجاز كما يقال فلان في قبضتي وفي كفي ولا يراد به أنه حالّ (أي داخل) في كفه، بل المراد تحت قدرتي. ويقال فلان بين إصبعي أقلبه كيف شئت أي أنه مني على قهره والتصرف فيه كيف شئت. فمعنى الحديث أنه سبحانه وتعالى متصرّف في قلوب عباده وغيرها كيف يشاء لا يمتنع عليه منها شيء ولا يفوته ما أراده، كما لا يمتنع على الانسان ما كان بين إصبعيه". انتهى
فلينظر العاقل الى ما نقله النووي من الاتفاق على ان ظاهر الحديث غير مراد.
ولمن حمله على ظاهره من الجهلة يقال: لو كان معناه على الظاهر لرأينا أصابع في قلوب من تعمل لهم عمليات جراحية بالقلب المفتوح، وهذا يستسخفه من له عقل ويضحك من قائله لما يرى من شدة جهله، والمراد ما هو واضح في تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للحديث أن الله تعالى بيده تصريف قلوب العباد.
اللهم احفظ كاتبها وناشرها من كل شر ويسر لهم الخير وحسن الختام آمين آمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق