بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 20 سبتمبر 2018

ابن تيمية و قوله بالجسمية

ابن تيمية و قوله بالجسمية




أما قوله -اي ابن تيمية- بالجسمية في حق الله تعالى فقد ذكر ذلك في كتابه شرح حديث النزول ونصه (1): "وأما الشرع ‏فمعلوم أنه لم ينقل عن أحد من الأنبياء ولا الصحابة ولا التابعين ولا سلف الأمة أن الله جسم أو أن الله ليس ‏بجسم، بل النفي والإثبات بدعة في الشرع" اهـ.‏



وقال في الموافقة ما نصه (2): "وكذلك قوله (لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهو السَّمِيعُ البَصِيرُ) (سورة الشورى/11) ، ‏وقوله (هَل تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (سورة مريم/65)، ونحو ذلك فنه لا يدل على نفي الصفات بوجه من الوجوه بل ولا ‏على نفي ما يسميه أهل الاصطلاح جسما بوجه من الوجوه" اهـ.‏



‏ وقال فيه أيضا ما نصه (3): "وأما ذكر التجسيم وذم المجسمة فهذا لا يعرف في كلام أحد من السلف والأئمة ‏كما لا يعرف في كلامهم أيضا القول بأن الله جسم أو ليس بجسم، بل ذكروا في كلامهم الذي أنكروه على ‏الجهمية نفي الجسم كما ذكره أحمد في كتاب الرد على الجهمية". اهـ.‏



وقال في المنهاج ما نصه (4): "أما ما ذكره من لفظ الجسم وما يتبع ذلك فإن هذا اللفظ لم ينطق به في صفات ‏الله لا كتاب ولا سنة لا نفيًا ولا إثباتًا، ولا تكلم به أحد من الصحابة والتابعين وتابعيهم لا أهل البيت ولا غيرهم " ‏اهـ.‏



وقال في المنهاج ما نصه (5): "وقد يراد بالجسم ما يشار إليه أو ما يُرى أو ما تقوم به الصفات، والله تعالى ‏يُرى في الآخرة وتقوم به الصفات ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم، فن أراد بقوله: ‏ليس بجسم هذا المعنى قيل له: هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول، ‏وأنت لم ئقم دليلأ على نفيه " اهـ.‏



وقال في فتاويه ما نصه (6):" ثم لفظ التجسيم لا يوجد في كلام أحد من السلف لا نفيًا ولا إثباتًا، فكيف يحل ‏أن يقال: مذهب السلف نفي التجسيم أو إثباته " اهـ.‏



وقال في كتابه بيان تلبيس الجهمية ما نصه (7): "وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف ‏الأمة وأئمتها أنه ليس بجسم، وأن صفاته ليست أجسامًا وأعراضًا، فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ‏ينف معناها شرع ولا عقل جهل وضلال " اهـ.‏



قلت: ويكفي في تبرئة أئمة الحديث ما نقله أبو الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها عن أحمد قال ‏‏(8): "وأنكر أحمد على من يقول بالجسم وقال: إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا ‏الاسم على ذي طولٍ وعرضٍ وسمكٍ وتركيبٍ وصورةٍ وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يسمى ‏جسمًا لخروجه عن معنى الجسمية، ولم يجىء في الشريعة ذلك فبطل" أ هـ، ونقله الحافظ البيهقي عنه في مناقب ‏أحمد وغيرُه.‏



وهذا الذي صرح به أحمد من تنزيهه الله عن هذه الأشياء الستة هو ما قال به الأشاعرة والماتريدية وهم أهل ‏السنة الموافقون لأحمد وغيره من السلف في أصول المعتقد، فليعلم الفاهم أن نفي الجسم عن الله جاء به السلف، ‏فظهر أن ما ادعاه ابن تيمية أن السلف لم يتكلموا في نفي الجسم عن الله غير صحيح، فينبغي استحضار ما قاله ‏أحمد فإنه ينفع في نفي تمويه ابن تيمية وغيره ممن يدعون السلفية والحديث.‏



وهذا البيهقي من رؤوس أهل الحديث يقول في كتاب الأسماء والصفات (9) في باب ما جاء في العرش ‏والكرسي عقب إيراده حديث: "أتدرون ما هذه التي فوقكم" ما نصه: (والذي روي فيءاخر هذا الحديث إشارة إلى ‏نفي المكان عن الله تعالى، وأن العبد أينما كان في القرب والبعد من الله تعالى سواء، وأنه الظاهر فيصح إدراكه ‏بالأدلة والباطن فلا يصح كونه في مكان، واستدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه بقول النبي: "أنت الظاهر فليس ‏فوقك شىء، وأنت الباطن فليس دونك شىء"، وإذا لم يكن فوقه شىء ولا دونه شىء لم يكن في مكان" اهـ.‏



وقال الإمام الأشعري في كتاب النوادر: " من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه، وأنه كافر به" اهـ.‏



وقال أبو الثناء اللامشي ما نصه (10): "واذا ثبت أنه تعالى ليس بجوهر فلا يُتصور أن يكون جسمًا أيضا لأن ‏الجسم اسم للمتركِّب عن الأجزاء، يقال: "هذا أجسمُ من ذلك " أي أكثر تركُّبًا منه، وتركب الجسم بدون ‏الجوهرية وهي الأجزاء التي لا تتجزأ لا تتصور، ولأن الجسم لا يُتصور إلا على شكل من الأشكال، ووجوده على ‏جميع الأشكال لا يُتصور أن يكون إذ الفرد لا يُتصور أن يكون مطوَّلا ومدورًا ومثلثًا ومربعًا، ووجوده على واحد ‏من هذه الأشكال مع مساواة غيره إياه في صفات المدح والذم لا يكون إلا بتخصيص مخصص، وذلك من أمارات ‏الحدث، ولأنه لو كان جسمًا لوقعت المشابهة والمماثلة بينه وبين سائر الأجسام في الجسمية، وقد قال الله تعالى ‏‏(لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ )(سورة الشورى/11)، " اهـ.‏



ثم قال ما نصه (11): "ثم إنهم ناقضوا في ما قالوا لأن الجسم اسم للمتركِّب لما مر، فإثبات الجسم إثبات ‏التركيب ونفي التركيب نفي الجسم، فصار قولهم: "جسم لا كالأجسام " كقولهم: "متركب وليس بمتركب"، ‏وهذا تناقض بَيِّنٌ بخلاف قولنا: شىء لا كالأشياء، لأن الشىء ليس باسم للمتركب وليس يُنبىء عن ذلك وإنما يُنبىء ‏عن مطلق الوجود، فلم يكن قولنا: لا كالأشياء، نفيًا لمطلق الوجود بل يكون نفيًا لما وراء الوجود من التركيب ‏وغيره من أمارات الحدث، فلم يكن ذلك متناقضًا ولله الحمد والمنة.‏



وإذا ثبت أن الله تعالى لا يوصف بالجسم فلا يوصف بالصورة أيضًا لأن الصورة لا وجود لها بدون التركيب " ‏اهـ.‏



قال القاضي أبو بكر الباقلاني ما نصه (12): "فإن قالوا: ولم أنكرتم أن يكون البارىء سبحانه جسمًا لا ‏كالأجسام كما أنه عندكـم شىء لا كالأشياء؟ قيل لهم: لأن قولنا: "شىء" لم يبن لجنس دون جنس ولا لإفادة ‏التأليف، فجاز وجود شىء ليس بجنس من أجناس الحوادث وليس بمؤلَّف، ولم يكن ذلك نقضًا لمعنى تسميته بأنه ‏شىء، وقولنا: "جسمٌ" موضوع في اللغة للمؤلَّف دون ما ليس بمؤلَّف، كما أن قولنا: "إنسان " و"محدَث" اسم لما ‏وُجدَ عن عدم ولما له هذه الصورة دون غيرها، فكما لم يجز أن نثبت القديم سبحانه محدَثا لا كالمحدَثات وإنسانًا لا ‏كالناس قياسًا على أنه شىء لا كالأشياء لم يجز أن نُثبته جسمًا لا كالأجسام لأنه نقض لمعنى الكلام وإخراج له عن ‏موضوعه وفائدته.‏



فإن قالوا: فما أنكرتم من جواز تسميته جسمًا وان لم يكن بحقيقة ما وُضِعَ له هذا الاسم في اللغة؟ قيل لهم: ‏أنكرنا ذلك لأن هذه التسمية لو ثبتت لم تثبت له إلا شرعًا لأن العقل لا يقتضيها إذ لم يكن القديم سبحانه مؤلفًا، ‏وليس في شىء من دلائل السمع من الكتاب والسنة وإجماع الأمة وما يُستخرج من ذلك ما يدل على وجوب هذه ‏التسمية ولا على جوازها أيضًا فبطل ما قلتموه" اهـ.‏



قال سيف الدين الآمدي في كتابه غاية المرام في علم الكلام (13) ما نصه: " فإن قيل ما نشاهده من الموجودات ‏ليس إلا أجسامًا وأعراضًا، فاثبات قسم ثالث مما لا نعقله، وإذا كانت الموجودات منحصرة فيما ذكرناه فلا جائز ‏أن يكون البارىء عرضًا، لأن العرض مفتقر إلى الجسم والبارىء لا يفتقر إلى شىء، وإلا كان المفتقَر إليه أشرف ‏منه وهو محال، وإذا بطل أن يكون عرضًا بقي أن يكون جسمًا، قلنا: منشأ الخبط ههنا إنما هو من الوهم بإعطاء ‏الغائب حكم الشاهد والحكم على غير المحسوس بما حكم به على المحسوس، وهو كاذب غير صادق فإن الوهم قد ‏يرتمي إلى أنه لا جسم إلا في مكان بناءً على الشاهد، وان شهد العقل بأن العالم لا في مكان لكون البرهان قد دلَّ ‏على نهايته، بل وقد يشتد وهم بعض الناس بحيث يقضي به على العقل، وذلك كمن ينفر عن المبيت في بيت فيه ‏ميت لتوهمه أنه يتحرك أو يقوم وإن كان عقله يقضي بانتفاء ذلك، فإذًا اللبيب من ترك الوهم جانبًا ولم يتخذ غير ‏البرهان والدليل صاحبًا، واذا عرف أن مستند ذلك ليس إلا مجرد الوهم فطريق كشف الخيال إنما هو بالنظر في ‏البرهان، فإنَّا قد بَيّنا أنه لا بد من موجود هو مُبْدِأُ الكائنات، وبيَّنا أنه لا جائز أن يكون له مثل من الموجودات ‏شاهدًا ولا غائبًا، ومع تسليم هاتين القاعدتين يتبيَّن أن ما يقضي به الوهم لا حاصل له. ثم لو لزم أن يكون جسمًا ‏كما في الشاهد للزم أن يكون حادثًا كما في الشاهد وهو ممتنع لما سبق " اهـ.‏



وقال الفقيه المتكلم ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي (14) ما نصه: "والذي يعبد جسمًا على عرشٍ كبير ‏ويجعل جسمه كقبر أبي قبيس سبعة أشبار بشبره كما حكي عن هشام الرافضي أو كلامًا ءاخر تقشعر منه جلود ‏الذين يخشون ربهم فقد عبد غير الله فهو كافر، وقال "إن قسمًا من القائلين بالتحيز بالجهة أطلقوا الجسمية ومنعوا ‏التأليف والتركيب وقالوا: "عنيت بكونه جسمًا وجوده " وهؤلاء كفروا. ثم قال: "قال الإمام أبو سعيد المتولي في ‏كتاب غنية المقبول في علم الأصول: إن قالوا نحن نريد بقولنا جسم أنه موجود ولا نريد التأليف، قلنا: هذة التسمية ‏في اللغة ليس كما ذكرتم وهي مُنبئة عن المستحيل فلِما أطلقتم ذلك من غير ورود سمع، وما الفصل بينكم وبين من ‏يسميه جسدًا ويريد به الوجود وإن كان يخالف مقتضى اللغة. قال أبو سعيد رحمه الله: فإن قيل أليس يسمى نفسًا؟ ‏قلنا: اتبعنا فيه السمع وهو قوله سبحانه: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) (سورة المائدة/116)، ولم ‏يرد السمعُ بالجسم، وكذلك قال الإمام يعني إمام الحرمين ".‏





‏-----------------------------------------------------------------‏

‏(1) شرح حديث النزول (ص/ 80).‏

‏(2) أنظر الكتاب (1/ 62).‏

‏(3) أنظر الكتاب (1/ 148).‏

‏(4) أنظر الكتاب (1/ 197)، ونحوه (1/ 4 5 2).‏

‏(5) أنظر الكتاب (1/ 180).‏

‏(6) مجموع فتاوى (4/ 152).‏

‏(7) بيان تلبيس الجهمية (1/101).‏

‏(8) اعتقاد الإمام أحمد (ص/ 7- 8)، مخطوط.‏

‏(9) الأسماء والصفات (ص/ 400).‏

‏(10) التمهيد لقواعد التوحيد (ص/ 56).‏

‏(11) التمهيد لقواعد التوحيد (ص/ 60).‏

‏(12) تمهيد الأوانل (ص/ 222).‏

‏(13) غاية المرام في علم الكلام (ص/ 185- 186).‏

‏(14) نجم المهتدي ورجم المعتدي (ص/ 544)، مخطوط.‏


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...