الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على ءاله و صحبه الطيبين الطاهرين،
كنا قد تحدثنا في الحلقة السابقة عن بعض صفات الملائكة من انهم مخلوقات نورانية ليسوا ذكوراً و لا إناثاً و أنهم لا يعصون الله و أن الإيمان بهم و تعظيمهم واجب و أن السماء مسكنهم و سنتم في حلقتنا هذه ما بدأناه في الحلقة الماضية فقد جعل الله تبارك و تعالى في ملائكته خواصاً و عواماً لأنه هو الحاكم المطلق الذي يحكم في خلقه كما يشاء فلا معقب لحكمه و لا راد لقضائه، فقد خلق الخلق و جعل الأنبياء أفضل خلقه على الإطلاق لقوله تعالى في سورة الأنبياء بعد ذكر عدد من الأنبياء (وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ )، و يأتي في الفضل بعد الأنبياء خواص الملائكة ثم خواص أولياء البشر ثم عوام الملائكة.
و معنى قوله تعالى (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً )، أي أن الله تبارك و تعالى اصطفى من بين الملائكة جماعة فضلهم على غيرهم فأفضل الملائكة عند الله تعالى خواصهم كجبريل و ميكائيل و إسرافيل و عزرائيل و رضوان خازن الجنة و مالك خازن النار و حملة العرش المجيد عليهم السلام، ثم أفضل الخواص و رئيسهم هو جبريل الأمين عليه السلام الذي قال الله في حقه في القرءان: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)، أي علم جبريل الأمين سيدنا محمداً صلى الله عليه و سلم ما نزل به عليه من الوحي كما أمره الله، و جبريل شديد القوى أي ذو قوة شديدة، ثم وصفه الله تعالى فقال
( ذُو مِرَّةٍ) أي ذو شدة في خلقه و إذا تفكرنا في الأحاديث النبوية الكثيرة التي تحدث فيها النبي صلى الله عليه و سلم عن خلقة الملائكة لأندهشت عقولنا و ازدادت يقيناً بعظيم قدرة الله عز و جل فقد ورد في الحديث أن جبريل عليه السلام خلق على ستمائة جناح يتناثر منها تهاويل الدر و الياقوت، و التهاويل شيىء يبهر الأنظار كالدر و الياقوت و المعنى أن جبريل عليه السلام يسقط من أجنحته شيىء يبهر الأنظار كالدر و الياقوت.
و روي أيضاً أن النبي عليه الصلاة و السلام كان مرة في مكة المكرمة في مكان يقال له أجياد فنزل عليه جبريل الأمين عليه السلام متشكلاً في صورة بشرية ثم قال له إطلب من ربك أن تراني على صورتي الأصلية فلما طلب النبي عليه السلام من ربه ذلك ظهر له جبريل عليه السلام من المشرق فسد ما بين المشرق و المغرب فلما رأى النبي عليه السلام ذلك صعق و غشي عليه و هنا أخذه جبريل عليه السلام قد تحول إلى الصورة البشرية التي جاء فيها فضمه فقال له صلى الله عليه و سلم :" يا جبريل ما ظننت أن الله خلق أحداً على مثل هذه الصورة"، فقال له جبريل عليه السلام: إن الله خلقني على ستمائة جناح و ما نشرت منها إلا جناحين و إن الله خلق إسرافيل على ستمائة جناح الجناح الواحد منها مثل كل أجنحتي.
و كذلك ورد أن حملة العرش المجيد عددهم اليوم اربعة و يوم القيامة يكونون ثمانية و قد ورد في وصفهم عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الواحد منهم ما بين شحمة أذنه و عاتقه مسيرة سبعمائة عام بخفقان الطير المسرع و أن الواحد منهم كتفه عند العرش و رجله مارقة في الأرض السابعة، و من قوة جبريل أن قلب مدن قوم لوط الأربع حيث حملها بريشة من جناحه فرفعها إلى قرب السماء الأولى حتى سمع الملائكة سكان السماء الأولى نباح كلابهم و صياح ديكتهم ثم رد هذه المدن مقلوبة إلى الأرض و جعل عاليها سافلها و ذلك بسب كفر أهل هذه المدن و عدم إيمانهم بنبيهم لوط عليه السلام.
و من قوته عليه السلام أنه أهلك قوم ثمود الكافرين الذين كذبوا نبيهم صالح عليه السلام فصاح فيهم صيحة واحدةً فهلكوا و ماتوا، و من قوته أيضاً أنه ينزل من مقامه الذي يتلقى فيه الوحي فوق السماوات السبع إلى الأرض في لحظة قصيرة فسبحان الله الذي يعطي القوة من يشاء. لقد كلف الله تعالى الملائكة بوظائف و أمور فجبريل عليه السلام أمين الوحي إلى الأنبياء و المرسلين فهو سفارة بين الله تعالى و رسله و من وظائفه عليه السلام أيضاً تصريف الرياح و وزن أعمال العباد مع الملك ميكائيل يوم القيامة، و أما ميكائيل عليه السلام فهو موكل بالمطر و الزرع فهو يعلم ما ينبت من الزرع و عدد ما يسقط من قطرات المطر.
و أما الملك إسرافيل عليه السلام فهو موكل بالنفخ في الصور و هو منتظر الأن الإذن من الله تعالى حتى ينفخ في الصور حيث ينفخ فيه نفختين في النفخة الأولى يموت بها من كان حياً حتى عزرائيل عليه السلام و يصعق بها من كان قد مات إلا شهداء المعركة ثم يحيه الله تعالى فينفخ النفخة الثانية فيبعث من في القبور و أما الملك عزرائيل فهو ملك موكل بقبض الأرواح و يوجد أيضاً ملائكة الجنة و هم الموكلون بالجنة، و خازن الجنة هو رضوان عليه السلام، و الرعد إسم ملك من الملائكة الأبرار وظيفته أنه يسوق السحاب كما أمره الله تعالى و يوجد أيضاً ملائكة النار و خازن النار هو مالك عليه السلام فهو الموكل بتعذيب العصاة و الكفار في نار جهنم و يعاونه في ذلك زبانية النار و هم تسعة عشر، قال الله عز و جل في وصف جهنم: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ {27} لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ {28} لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ {29} عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر)، و من الملائكة منكر و نكير و هما اللذان يسألان العباد في قبورهم و قد ورد في وصفهما أنهما أسودان أزرقان، و من الملائكة من يكتب حسنات و سيئات العباد و هما رقيب و عتيد فالملك رقيب مأمور بكتابة الحسنات و الملك عتيد مأمور بكتابة السيئات فقد قال تعالى:{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ {10} كِرَاماً كَاتِبِينَ {11} يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون{12}}، و هناك ملائكة يتعاقبون في البشرأي ينزلون و يصعدون كل عصر و كل صبح أي بعد الفجر يحفظون البشر إلا من شىء قدر الله تعالى أنه يقع و يصيبهم و لولا وجود هؤلاء الملائكة الحفظة لجعلتنا الجن كالكرة يلعب بها اللاعبون.
و من الملائكة من هم موكلون بالسياحة في الأرض ليكتبوا الصلاة على النبي عليه الصلاة و السلام و من الملائكة أيضاً موكلون بنصرة أولياء الله تعالى و قهر أعدائهم و من هؤلاء من قاتل مع الرسول صلى الله عليه و سلم في غزوة بدر الكبرى ضد أعداء الله المشركين و من الملائكة من هو موكل بنفخ الروح في الجنين و هو في بطن أمه بأمر الله عز و جل، و يوجد ملائكة يسمون ملائكة الرحمة و هم أصناف فمنهم موكلون بزيارة المؤمنين الصالحين لينفحوهم بنفحات خير ليفرجوا عنهم كروباً أو يعلموهم فائدة دينية أو ينشطوهم على طاعة الله تعالى و من هؤلاء الملائكة الملك رتائيل الذي يسل الحزن من صدور المؤمنين.
و من ملائكة الرحمة هؤلاء الذين يحضرون المؤمن التقي عند الموت أي في حال النزاع و قبل أن يحضر الملك عزرائيل عليه السلام ليقبض الروح فهؤلاء الملائكة يظهرون لهذا المؤمن الصالح التقي في صور حسنة جميلة كأن وجوههم الشمس فيسر هذا المؤمن برؤيتهم سروراً عظيماً مهما كان يقاسي من ءالام سكرات الموت التي هي أشد الآلام التي يقاسيها الإنسان في الدنيا الفانية. هناك فرق و تباين بين الملائكة و الجن في أمور و نواحٍ كثيرة و طبيعة الملائكة غير طبيعة الجن فالملائكة مخلوقات نورانية لطيفة خلقهم الله تعالى لعبادته و جعلهم عبادً مكرمين مجبولين على طاعته ليس فيهم كافر و لا عاص بل جميعهم مسلمون صالحون لا يعصون الله تعالى ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون و هم لا يتوالدون و لا يتناكحون لأنهم ليسوا ذكوراً و لا إناثاً و لا يأكلون و لا يشربون لأن الله عز و جل لم يخلق فيهم شهوة الأكل و الشرب.
و أما الجن فقد خلقهم الله من مارج من نار أي من لهب النار الصافي كما قال الله تعالى في القرءان الكريم: ( وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ)، و الجن كالإنس من حيث أنهم يتوالدون و يتناكحون و فيهم ذكور و إناث و فيهم المؤمن و الكافر و فيهم التقي الصالح و العاصي الفاسق، و الجن أكذب خلق الله تبارك و تعالى و قد خلق الله سبحانه و تعالى فيهم شهوة الأكل و الشرب و الجماع فهم يأكلون و يشربون و يتوالدون و يتناكحون و الجن خلق يستترون عن أعين البشر و لكنهم يتشكلون بقدرة الله عز و جل بأشكال مختلفة و لا يراهم أحد من البشر على هيئتهم الحقيقية الأصلية التي خلقوا عليها لقول الله تعالى في شأن إبليس و ذريته:
( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ)، فمن هنا نعلم أن الملائكة و الجن ليسوا من جنس واحد كما يظن بعض الناس و ليس صحيحاً أيضاً أن إبليس اللعين كان من الملائكة و لا أنه كان طاووس الملائكة لأن ملائكة الرحمن لا يعصون الله تعالى و لا يكفرون و إبليس اللعين الذي هو أبو الجن كفر و اعترض على الله تعالى لما أمره أن يسجد مع الملائكة المكرمين لآدم سجود تحية و احترام قال الله تعالى:
( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُولآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِين)، فلا بد إذاً من الإيمان بالملائكة لأن الذي ينفي وجودهم يكون مكذباً لكتاب الله عز و جل و الله أمرنا بالإيمان بهم و تعظيمهم و احترامهم فسبحانه هو القادر على كل شىء و الله أعلم و أحكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق