الاستغفار في اللغة هو طلبُ الغفران..ا
وسوف نشرح الآن معنى استغفارِ المسلمِ للكافر، ومعنى أنْ يُطْلَبَ من الكافرِ الاستغفارُ، ومعنى استغفارِ الكافرِ لنفسهِ، ومعنى استغفارِ الصبيِّ لنفسه، ومعنى استغفارِ الملائكةِ لمَن في الأرض، ومعنى استغفار سيِّدنا مُحَمَّدٍ لنفسه..ا
ا[1]استغفارُ المسلمِ للكافر معناه الطلبُ من الله أن يُلْهِمَ هذا الكافرَ الإيمانَ والإسلامَ بالنطق بالشهادتينِ ليكون هذا سببًا للخلاص من كفره وأثَرِ معاصيه.. وعلى هذا يُحْمَلُ قولُ إبراهيمَ لربِّه في سورة الشعراء ((واغفِر لأبي إنّه كان من الضالِّين)).. يَطْلُبُ إبراهيمُ من ربِّه أن يُلْهِمَ أباه المشركَ ءازَرَ الإسلامَ.. هذا معنى كلامِ إبراهيم.. وليس معناه يا رَبِّ اغفِر لأبي وهو على كفره.. حاشا لإبراهيمَ أن يكونَ هذا مرادَه.. ولكن، وبعدما تبيَّن لإبراهيمَ أنّ أباه معاند وأنّه لا يؤمِن أبدًا، تبرَّأ منه ولم يعد يقولُ {{اللهمَّ اغفِر لأبي}}..ا
يقول الله تعالى في سورة التوبة ((وما كان استغفارُ إبراهيمَ لأبيه إلّا عن مَوْعِدَةٍ وعَدَها إيّاه فلمّا تبيَّن له أنّه عَدُوٌّ لله تبرَّأ منه إنّ إبراهيمَ لأوَّاهٌ حليم)).. وكذلك لمّا قال سيِّدنا مُحَمَّدٌ في بداية الدعوة :[[(اللهمَّ اغفِر لقومي فإنّهم لا يعلَمون)]]، وفي رواية :[[(رَبِّ اغفِر لقومي فإنّهم لا يعلَمون)]]، فَهِمْنا أنّ معناه : ألهِم يا رَبِّ المشركينَ من قومي الإسلامَ فتغفرَ لهم.. هذا معناه.. والحديث صحيح رواه البخاريُّ ومسلم.. ثمّ نسَخ رسولُ الله بأمرٍ من الله هذا الحُكْمَ أي حكمَ الجواز فصار ممنوعًا علينا أن نسأل اللهَ قائلين :[[اللهمَّ اغفِر لفلانٍ الكافرِ]] على معنى ألْهِمْهُ الإيمانَ والإسلامَ.. وإنّما نحن نقول :[[اللهمَّ وفِّق فلانًا للإسلام]] أو :[[اللهمَّ ألهِم فلانًا الكافرَ الإسلامَ]] ونحوَ ذلك.. أمّا أن يقال :[[اللهمَّ اغفِر لفلانٍ الكافرِ]] على معنى ألْهِمْهُ الإيمانَ والإسلامَ فهذا ممنوعٌ محرَّم بعد أن كان جائزًا في بدايةِ الدعوة..ا
ا[2]وأمّا أنْ يُطْلَبَ من الكافر الاستغفارُ فإنّه يُحْمَلَ على وجهين :ا
الوجه الأوَّلُ أن يكونَ معناه ادخُل أيُّها الكافرُ في الإسلام بالنطق بالشهادتين، وقد كان هذا جائزًا فيما مضى وعليه يُحْمَلُ قولُ نوحٍ لقومه الكُفَّارِ في سورة نوح ((قلتُ استغفِروا ربَّكم إنّه كان غَفَّارًا))،ا
والوجه الثاني أن يكونَ على معنى الطلبِ من هذا الكافر أن ينطِق بعين هذه الكلمة أي كلمة {{أستغفِر الله}}، وهذا كما نعلَم دعوةٌ إلى الكفر، لأنّ كلمةَ {{أستغفِر الله}} تزيد الكافرَ كفرًا كما سبق ، إذ إنّ قولَ الكافر {{أستغفِر الله}} قبلَ النطق بالشهادتين معناه أنّه يَطْلُبُ من الله أنْ يَقْبَلَ منه التوبةَ من الكفر والمعاصي قبل النطق بالشهادتين فيزدادُ بهذا الطلب كفرًا..ا
.
يقولُ الله تعالى في سورة النساء ((إنّ الذين كفَرُوا وظَلَمُوا لم يَكُنِ اللهُ ليَغْفِرَ لهم ولا ليهديَهم طريقًا.. إلّا طريقَ جَهَنَّمَ خالدين فيها أبدًا وكان ذلك على الله يسيرًا))..ا
معناه : إنّ الذين كفروا بالله وظَلَمُوا بإنكارهِم نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ لم يَكُنِ اللهُ ليَغْفِرَ لهم كفرَهم ومعاصيَهم ما داموا مصرِّين على كفرهم بتمنُّعِهم عن النطق بالشهادتين..ا
فقولُ الله تعالى ((لم يَكُنِ اللهُ ليَغْفِرَ لهم)) أي لا يغفِر اللهُ لهؤلاءِ لا قبلَ موتِهم ولا بعد موتِهم.. وذلك لأنّهم أصرُّوا على كفرهم بتمنُّعِهم عن النطق بالشهادتين.. لا يغفِر الله لهؤلاءِ كفرَهم وذنوبَهم لا قبل موتِهم ولا بعد موتِهم.. وهذا التفسير للآيةِ مفهوم من صريح قولِ الله تعالى بأنّ مأواهم جَهَنَّمُ خالدينَ فيها أبدًا.. وإنّما الأصلُ المعروفُ في شريعةِ الله ما جاء في حديثِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم [[(أُمِرْتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتّى يشهَدوا أنْ لا إله إلّا اللهُ وأنّي رسولُ الله)]]ا
هو لم يقل [[أُمِرْتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتّى يقولوا أستغفِر الله]].. بل قال [[(أُمِرْتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتّى يشهَدوا أنْ لا إله إلّا اللهُ وأنّي رسولُ الله)]].. وهو حديث صحيح متواتِر رواه خمسةَ عَشَرَ صحابيًّا مِمّا سمِعوه من رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم.. وذكَرَه كثيرٌ من المحدِّثين في كتبهم، منهم البخاريُّ في (صحيحه) وغيرُه.. لكن بعدما يدخلُ الكافرُ في الإسلامِ بالنطقِ بالشهادتينِ يستحبُّ له أن يكثِر من قول {{أستغفِر الله}}.. لذلك يجب نهيُ هؤلاء الجَهَلَةِ الذين يتكلَّمون بالكفر ثمّ يقولون {{أستغفِر الله، أستغفِر الله}} بدل أن يسارعوا إلى الشهادتين..ا
ا[3]ويأتي الاستغفارُ لطلب محوِ أثرِ القبيحِ كاستغفار الصغيرِ الذي هو دون البلوغِ لنفسه.. الصغيرُ الذي هو دون البلوغِ لا بأس في أن يقول {{أستغفِر الله}} أو {{رَبِّ اغفِر لي}}.. لا بأس في ذلك.. وهذا ليس معناه أنّه سبق له ذنب.. وذلك لأنّ الصغير الذي هو دون البلوغ لا معاصيَ عليه، ولذلك يُنْهَى الصغيرُ عن أن يقول {{رَبِّ اغفِر لي ذنبي}}.. ويجوز لنا أن نقول للصغير :[[تُبْ]] على معنى اتركِ القبائحَ واترُك صُوَرَ المعاصي..ا
ا[4]ويأتي الاستغفارُ لطلب محوِ الذنب السابق وذلك كاستغفار أمثالنا..ا
ا[5]وأمّا استغفارُ الملائكةِ لمن في الأرض فهو محمولٌ على الاستغفار للمؤمنينَ والمؤمناتِ..ا
يقول الله تعالى في سورة الشُّورَى ((والملائكةُ يسبِّحون بحمد ربِّهم ويستغفِرون لمن في الأرض)).. معناه الاستغفارُ للمؤمنينَ والمؤمناتِ فقط دون غيرِهم.. ومن المعلوم أنّ هذا الاستغفارَ جائزٌ وحسَن ومشروع لأنّ معناه : اللهمَّ اغفِر لبعضِ المؤمنينَ جميعَ ذنوبهم واغفِر لبعضِ المؤمنينَ بعضَ ذنوبهم.. هذا هو معنى هذا الدعاء.. وليس معناه اللهمَّ اغفِر لجميع المؤمنينَ يومَ القيامةِ جميعَ ذنوبهم.. هذا لا يَصِحُّ.. لا يَصِحُّ أن يكون معناه اللهمَّ اغفِر لجميع المؤمنينَ يومَ القيامة جميعَ ذنوبهم.. لأنّه ثبَت في الحديث الصحيح أنّ قِسْمًا من المسلمينَ المؤمنينَ يومَ القيامةِ سيكونون في النار جزاءً لهم على ما فعلوه في الدنيا من معاصي..ا
.
قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :[[(يخرجُ من النار من قال لا إله إلّا اللهُ وفي قلبه وزنُ ذَرَّةٍ من خير)]]، أي من إيمان.. معناه : دخَل النارَ ثمّ خَرَجَ منها..ا روى هذا الحديثَ البخاريُّ في[(صحيحه)/كتاب الإيمان]..ا
.
وعليه فإنّ قولَنا :[[اللهمَّ اغفِر للمؤمنينَ والمؤمناتِ]] معناه : اللهمَّ اغفِر لبعضِ المؤمنينَ جميعَ ذنوبهم واغفِر لبعضِ المؤمنينَ بعضَ ذنوبهم.. هذا هو معنى هذا الدعاء.. فليس في هذا الدعاءِ مُعَارَضَةٌ للقرءان والحديثِ بل هو من أفضلِ الذكر.. هو من أفضل الدعاء..ا
قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :[[(من استغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ كَتَبَ اللهُ له بكلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ حسنة)]]ارواه الطَّبَرانِيُّ، وقال الحافظ الهيثميُّ في (مجمَع الزوائد) :[[إسناده جيِّد]]ا
.
ولا يمكِن أن يكون استغفارُ ملائكةِ السماءِ لمن في الأرض محمولًا على أنّ الملائكةَ يطلُبون من الله أن يُلْهِمَ جميعَ أهل الأرض أو معظمَ أهل الأرض الإسلامَ، لأنّ الملائكة يعلَمون أنّ أكثرَ أهلِ الأرضِ لا يؤمنون.. يقول الله تعالى في سورة يوسُف ((وما أكثرُ الناس ولو حَرَصْتَ بمؤمنين))..ا
ومما يدلُّ على أنّ استغفارَ الملائكةِ لمن في الأرض موجَّه إلى المؤمنين منهم فقط دون غيرِهم قولُ الله تعالى في سورة غافِر ((الذين يحمِلون العرشَ ومَنْ حولَه يسبِّحون بحمد ربِّهم ويؤمنون به ويستغفِرون للذين ءامنوا ربَّنا وَسِعْتَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا فاغفِر للذين تابوا واتَّبَعُوا سبيلَك وقِهِمْ عذابَ الجحيم))..ا
ا[6]وأمّا استغفارُ رسولِ الله مُحَمَّدٍ لنفسهِ فمعناه طَلَبُ رفعِ الدرجات.. فكأنّ الرسولَ حين يستغفِر لنفسه يقول :[[اللهمَّ ارفع لي درجتي مِمّا أنا فيه إلى أعلى]]، مَعَ اعتقادِنا بأنّ رسولَ الله استغفَر لذنبه عَمَلًا بقولِ الله تعالى في سورة محمّد ((واستغفِر لذنبك وللمؤمنينَ والمؤمنات)).. ففي الآيةِ إثباتُ فعلِ المعصيةِ في حَقِّ سيِّدنا مُحَمَّدٍ وفي حَقِّ أمَّتهِ وهي معصية حقيقيّة صغيرة ليس فيها خِسَّةٌ ولا دناءة، وقد أُمِرَ الرسولُ بالاستغفار منها فاستغفَر..ا
يقول الله تعالى لرسوله مُحَمَّدٍ في سورة الفتح ((إنّا فتَحنا لك فتحًا مبينًا ليغفِر لك اللهُ ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر ويُتِمَّ نعمتَه عليك ويَهْدِيَكَ صِراطًا مستقيمًا))..ا
ومِمّا يدلُّ على جواز حصول المعصيةِ الصغيرة التي لا خِسَّةَ فيها ولا دناءةَ من الأنبياء قولُ إبراهيمَ عليه السلام في سورة الشعراء ((والذي أطمَع أن يغفِر لي خطيئتي يومَ الدين))..ا
والحمد للهِ رَبِّ العالَمين..ا
وسوف نشرح الآن معنى استغفارِ المسلمِ للكافر، ومعنى أنْ يُطْلَبَ من الكافرِ الاستغفارُ، ومعنى استغفارِ الكافرِ لنفسهِ، ومعنى استغفارِ الصبيِّ لنفسه، ومعنى استغفارِ الملائكةِ لمَن في الأرض، ومعنى استغفار سيِّدنا مُحَمَّدٍ لنفسه..ا
ا[1]استغفارُ المسلمِ للكافر معناه الطلبُ من الله أن يُلْهِمَ هذا الكافرَ الإيمانَ والإسلامَ بالنطق بالشهادتينِ ليكون هذا سببًا للخلاص من كفره وأثَرِ معاصيه.. وعلى هذا يُحْمَلُ قولُ إبراهيمَ لربِّه في سورة الشعراء ((واغفِر لأبي إنّه كان من الضالِّين)).. يَطْلُبُ إبراهيمُ من ربِّه أن يُلْهِمَ أباه المشركَ ءازَرَ الإسلامَ.. هذا معنى كلامِ إبراهيم.. وليس معناه يا رَبِّ اغفِر لأبي وهو على كفره.. حاشا لإبراهيمَ أن يكونَ هذا مرادَه.. ولكن، وبعدما تبيَّن لإبراهيمَ أنّ أباه معاند وأنّه لا يؤمِن أبدًا، تبرَّأ منه ولم يعد يقولُ {{اللهمَّ اغفِر لأبي}}..ا
يقول الله تعالى في سورة التوبة ((وما كان استغفارُ إبراهيمَ لأبيه إلّا عن مَوْعِدَةٍ وعَدَها إيّاه فلمّا تبيَّن له أنّه عَدُوٌّ لله تبرَّأ منه إنّ إبراهيمَ لأوَّاهٌ حليم)).. وكذلك لمّا قال سيِّدنا مُحَمَّدٌ في بداية الدعوة :[[(اللهمَّ اغفِر لقومي فإنّهم لا يعلَمون)]]، وفي رواية :[[(رَبِّ اغفِر لقومي فإنّهم لا يعلَمون)]]، فَهِمْنا أنّ معناه : ألهِم يا رَبِّ المشركينَ من قومي الإسلامَ فتغفرَ لهم.. هذا معناه.. والحديث صحيح رواه البخاريُّ ومسلم.. ثمّ نسَخ رسولُ الله بأمرٍ من الله هذا الحُكْمَ أي حكمَ الجواز فصار ممنوعًا علينا أن نسأل اللهَ قائلين :[[اللهمَّ اغفِر لفلانٍ الكافرِ]] على معنى ألْهِمْهُ الإيمانَ والإسلامَ.. وإنّما نحن نقول :[[اللهمَّ وفِّق فلانًا للإسلام]] أو :[[اللهمَّ ألهِم فلانًا الكافرَ الإسلامَ]] ونحوَ ذلك.. أمّا أن يقال :[[اللهمَّ اغفِر لفلانٍ الكافرِ]] على معنى ألْهِمْهُ الإيمانَ والإسلامَ فهذا ممنوعٌ محرَّم بعد أن كان جائزًا في بدايةِ الدعوة..ا
ا[2]وأمّا أنْ يُطْلَبَ من الكافر الاستغفارُ فإنّه يُحْمَلَ على وجهين :ا
الوجه الأوَّلُ أن يكونَ معناه ادخُل أيُّها الكافرُ في الإسلام بالنطق بالشهادتين، وقد كان هذا جائزًا فيما مضى وعليه يُحْمَلُ قولُ نوحٍ لقومه الكُفَّارِ في سورة نوح ((قلتُ استغفِروا ربَّكم إنّه كان غَفَّارًا))،ا
والوجه الثاني أن يكونَ على معنى الطلبِ من هذا الكافر أن ينطِق بعين هذه الكلمة أي كلمة {{أستغفِر الله}}، وهذا كما نعلَم دعوةٌ إلى الكفر، لأنّ كلمةَ {{أستغفِر الله}} تزيد الكافرَ كفرًا كما سبق ، إذ إنّ قولَ الكافر {{أستغفِر الله}} قبلَ النطق بالشهادتين معناه أنّه يَطْلُبُ من الله أنْ يَقْبَلَ منه التوبةَ من الكفر والمعاصي قبل النطق بالشهادتين فيزدادُ بهذا الطلب كفرًا..ا
.
يقولُ الله تعالى في سورة النساء ((إنّ الذين كفَرُوا وظَلَمُوا لم يَكُنِ اللهُ ليَغْفِرَ لهم ولا ليهديَهم طريقًا.. إلّا طريقَ جَهَنَّمَ خالدين فيها أبدًا وكان ذلك على الله يسيرًا))..ا
معناه : إنّ الذين كفروا بالله وظَلَمُوا بإنكارهِم نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ لم يَكُنِ اللهُ ليَغْفِرَ لهم كفرَهم ومعاصيَهم ما داموا مصرِّين على كفرهم بتمنُّعِهم عن النطق بالشهادتين..ا
فقولُ الله تعالى ((لم يَكُنِ اللهُ ليَغْفِرَ لهم)) أي لا يغفِر اللهُ لهؤلاءِ لا قبلَ موتِهم ولا بعد موتِهم.. وذلك لأنّهم أصرُّوا على كفرهم بتمنُّعِهم عن النطق بالشهادتين.. لا يغفِر الله لهؤلاءِ كفرَهم وذنوبَهم لا قبل موتِهم ولا بعد موتِهم.. وهذا التفسير للآيةِ مفهوم من صريح قولِ الله تعالى بأنّ مأواهم جَهَنَّمُ خالدينَ فيها أبدًا.. وإنّما الأصلُ المعروفُ في شريعةِ الله ما جاء في حديثِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم [[(أُمِرْتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتّى يشهَدوا أنْ لا إله إلّا اللهُ وأنّي رسولُ الله)]]ا
هو لم يقل [[أُمِرْتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتّى يقولوا أستغفِر الله]].. بل قال [[(أُمِرْتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتّى يشهَدوا أنْ لا إله إلّا اللهُ وأنّي رسولُ الله)]].. وهو حديث صحيح متواتِر رواه خمسةَ عَشَرَ صحابيًّا مِمّا سمِعوه من رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم.. وذكَرَه كثيرٌ من المحدِّثين في كتبهم، منهم البخاريُّ في (صحيحه) وغيرُه.. لكن بعدما يدخلُ الكافرُ في الإسلامِ بالنطقِ بالشهادتينِ يستحبُّ له أن يكثِر من قول {{أستغفِر الله}}.. لذلك يجب نهيُ هؤلاء الجَهَلَةِ الذين يتكلَّمون بالكفر ثمّ يقولون {{أستغفِر الله، أستغفِر الله}} بدل أن يسارعوا إلى الشهادتين..ا
ا[3]ويأتي الاستغفارُ لطلب محوِ أثرِ القبيحِ كاستغفار الصغيرِ الذي هو دون البلوغِ لنفسه.. الصغيرُ الذي هو دون البلوغِ لا بأس في أن يقول {{أستغفِر الله}} أو {{رَبِّ اغفِر لي}}.. لا بأس في ذلك.. وهذا ليس معناه أنّه سبق له ذنب.. وذلك لأنّ الصغير الذي هو دون البلوغ لا معاصيَ عليه، ولذلك يُنْهَى الصغيرُ عن أن يقول {{رَبِّ اغفِر لي ذنبي}}.. ويجوز لنا أن نقول للصغير :[[تُبْ]] على معنى اتركِ القبائحَ واترُك صُوَرَ المعاصي..ا
ا[4]ويأتي الاستغفارُ لطلب محوِ الذنب السابق وذلك كاستغفار أمثالنا..ا
ا[5]وأمّا استغفارُ الملائكةِ لمن في الأرض فهو محمولٌ على الاستغفار للمؤمنينَ والمؤمناتِ..ا
يقول الله تعالى في سورة الشُّورَى ((والملائكةُ يسبِّحون بحمد ربِّهم ويستغفِرون لمن في الأرض)).. معناه الاستغفارُ للمؤمنينَ والمؤمناتِ فقط دون غيرِهم.. ومن المعلوم أنّ هذا الاستغفارَ جائزٌ وحسَن ومشروع لأنّ معناه : اللهمَّ اغفِر لبعضِ المؤمنينَ جميعَ ذنوبهم واغفِر لبعضِ المؤمنينَ بعضَ ذنوبهم.. هذا هو معنى هذا الدعاء.. وليس معناه اللهمَّ اغفِر لجميع المؤمنينَ يومَ القيامةِ جميعَ ذنوبهم.. هذا لا يَصِحُّ.. لا يَصِحُّ أن يكون معناه اللهمَّ اغفِر لجميع المؤمنينَ يومَ القيامة جميعَ ذنوبهم.. لأنّه ثبَت في الحديث الصحيح أنّ قِسْمًا من المسلمينَ المؤمنينَ يومَ القيامةِ سيكونون في النار جزاءً لهم على ما فعلوه في الدنيا من معاصي..ا
.
قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :[[(يخرجُ من النار من قال لا إله إلّا اللهُ وفي قلبه وزنُ ذَرَّةٍ من خير)]]، أي من إيمان.. معناه : دخَل النارَ ثمّ خَرَجَ منها..ا روى هذا الحديثَ البخاريُّ في[(صحيحه)/كتاب الإيمان]..ا
.
وعليه فإنّ قولَنا :[[اللهمَّ اغفِر للمؤمنينَ والمؤمناتِ]] معناه : اللهمَّ اغفِر لبعضِ المؤمنينَ جميعَ ذنوبهم واغفِر لبعضِ المؤمنينَ بعضَ ذنوبهم.. هذا هو معنى هذا الدعاء.. فليس في هذا الدعاءِ مُعَارَضَةٌ للقرءان والحديثِ بل هو من أفضلِ الذكر.. هو من أفضل الدعاء..ا
قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :[[(من استغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ كَتَبَ اللهُ له بكلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ حسنة)]]ارواه الطَّبَرانِيُّ، وقال الحافظ الهيثميُّ في (مجمَع الزوائد) :[[إسناده جيِّد]]ا
.
ولا يمكِن أن يكون استغفارُ ملائكةِ السماءِ لمن في الأرض محمولًا على أنّ الملائكةَ يطلُبون من الله أن يُلْهِمَ جميعَ أهل الأرض أو معظمَ أهل الأرض الإسلامَ، لأنّ الملائكة يعلَمون أنّ أكثرَ أهلِ الأرضِ لا يؤمنون.. يقول الله تعالى في سورة يوسُف ((وما أكثرُ الناس ولو حَرَصْتَ بمؤمنين))..ا
ومما يدلُّ على أنّ استغفارَ الملائكةِ لمن في الأرض موجَّه إلى المؤمنين منهم فقط دون غيرِهم قولُ الله تعالى في سورة غافِر ((الذين يحمِلون العرشَ ومَنْ حولَه يسبِّحون بحمد ربِّهم ويؤمنون به ويستغفِرون للذين ءامنوا ربَّنا وَسِعْتَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا فاغفِر للذين تابوا واتَّبَعُوا سبيلَك وقِهِمْ عذابَ الجحيم))..ا
ا[6]وأمّا استغفارُ رسولِ الله مُحَمَّدٍ لنفسهِ فمعناه طَلَبُ رفعِ الدرجات.. فكأنّ الرسولَ حين يستغفِر لنفسه يقول :[[اللهمَّ ارفع لي درجتي مِمّا أنا فيه إلى أعلى]]، مَعَ اعتقادِنا بأنّ رسولَ الله استغفَر لذنبه عَمَلًا بقولِ الله تعالى في سورة محمّد ((واستغفِر لذنبك وللمؤمنينَ والمؤمنات)).. ففي الآيةِ إثباتُ فعلِ المعصيةِ في حَقِّ سيِّدنا مُحَمَّدٍ وفي حَقِّ أمَّتهِ وهي معصية حقيقيّة صغيرة ليس فيها خِسَّةٌ ولا دناءة، وقد أُمِرَ الرسولُ بالاستغفار منها فاستغفَر..ا
يقول الله تعالى لرسوله مُحَمَّدٍ في سورة الفتح ((إنّا فتَحنا لك فتحًا مبينًا ليغفِر لك اللهُ ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر ويُتِمَّ نعمتَه عليك ويَهْدِيَكَ صِراطًا مستقيمًا))..ا
ومِمّا يدلُّ على جواز حصول المعصيةِ الصغيرة التي لا خِسَّةَ فيها ولا دناءةَ من الأنبياء قولُ إبراهيمَ عليه السلام في سورة الشعراء ((والذي أطمَع أن يغفِر لي خطيئتي يومَ الدين))..ا
والحمد للهِ رَبِّ العالَمين..ا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق