تعجيل البلاء لمن ءاذى الحسين في كربلاء
الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وءاله وصحبه ومن والاه وبعد
فقد عظمت البلية على أمة محمد صلى الله عليه وءاله وسلم في كربلاء ، فقد سلط الله الأشرار على الأخيار ، فانتهكوا حرمة ءال بيت النبي ولم يرعوا فيهم حق القربى ، فكان ما كان مما تقشعر له الأبدان وترجف من ذكره القلوب . فإنا لله وإنا إليه راجعون
لكن الله عجّل العذاب لبعض من شارك في هذه الجريمة ليكون عبرةً للناس بعده ، وما أعده الله تعالى في الآخرة من الوعيد أكبر وأشد والعياذ بالله تعالى .
وفيما يلي بعض هذه العِبر :
ـ في يوم كربلاء تقدم رجلٌ من جيش الطغاة يقال له " ابن حوزة " فقال : أفيكم الحسين ؟ فلم يجبه أحد . فقالها ثلاثاً ، فقالوا : نعم فما حاجتك ؟ قال : يا حسين أبشر بالنار . قال له : كذبتَ بل أقدُمُ على ربٍ رحيم ، وشفيعٍ مطاع ، فمن أنت ؟ قال : ابن حوزة .
فرفع الحسين يديه فقال : اللهم حُزه إلى النار .
فغضب ابن حوزة فأقحم فرسه في نهرٍ بينهما فتعلقت قدمه بالركاب وجالت به الفرس فسقط عنها فانقطعت فخذه وساقُه وقدمه وبقي جنبه الآخر متعلقاً بالركاب يضرب به كل حجر وشجر حتى مات . ( الكامل في التاريخ لابن الأثير ) .
ـ كان من الطغاة يوم كربلاء رجل من كندة يقال له مالك بن النسير الكندي ، أتى الحسينَ فضربه على رأسه بالسيف فقطع البرنس وأدمى رأسه ، وامتلأ البرنسُ دماً فقال له الحسين : لا أكلتَ بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين . وألقى البرنس ولبس القلنسوة ، وأخذ الكنديُ البرنسَ فلما قدم على أهله أخذ البرنس يغسل الدم عنه فقالت له امرأته : أسَلْبَ ابن رسول الله تُدخِلُ بيتي ! أخرجه عني . فلم يزل ذلك الرجل فقيراً بشرٍ حتى مات وشُلت يداه . ( الكامل في التاريخ ، وأنساب الأشراف للبلاذري ) .
ـ يوم كربلاء اشتد عطش الإمام الحسين عليه السلام فدنا من الفرات ليشرب فرماه حصين بن نمير بسهم فوقع في فمه فجعل يتلقى الدم بيده ورمى به إلى السماء ، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : اللهم أشكو إليك ما يُصنع بابن بنت نبيك . اللهم أحصِهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبقِ منهم
أحداً .
وقيل : الذي رماه رجل من بني أبان بن دارم فمكث ذلك الرجل يسيراً ثم صبّ الله عليه الظمأ فجعل لا يروى .
قال القاسم بن الأصبغ : لقد رأيتني فيمن يروح عنه والماء يبرد له فيه السكر ، وعساس فيها اللبن وقلال فيها الماء وإنه ليقول : ويلكم اسقوني قتلني الظمأ . فيُعطى القلة أو العس كان مروياً أهل البيت فيشربه فإذا نزعه من فيه اضطجع الهنيهة ثم يقول : ويلكم اسقوني قتلني الظمأ .
قال : فما لبث إلا يسيراً حتى انقد بطنه انقداد بطن البعير . ( سيد الشهداء للشيخ موسى محمد علي )
ـ بعد مقتل أغلب أصحاب الحسين وبقائه في ثلاثة أو أربعة دعا بسراويل ففزره ونكثه لئلا يُسلبَه فقال له بعضهم : لو لبستَ تحته التَبان . قال : ذلك ثوب مذلة ولا ينبغي لي أن ألبسه . فلما قُتل سلبه بحر بن كعب ، فكانت يداه في الشتاء تنضحان بالماء وفي الصيف تيبسان كأنهما عود . ( الكامل في التاريخ ) .
ـ بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام أمر عمرُ بن سعد جنده أن يطأوا جسد الحسين بخيلهم . فانتدب عشرة فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتى رضوا ظهره وصدره . وكان منهم إسحاق بن حيوة الحضرمي وهو الذي سلب قميص الحسين فبرص بعد . ومنهم أحبش بن مرثد ، أتاه بعد ذلك بزمانٍ سهمٌ غرب وهو واقف في قتال ففلق قلبه فمات .
ـ ويروى أن الذي تولى قطع رأس الحسين هو سنان بن أنس وكان شجاعاً وكانت به لوثة . قال هشام بن محمد الكلبي : قال لي أبي محمدُ بنُ السائب : أنا رأيته وهو يُحدِثُ في ثوبه . ( أنساب الأشراف ) .
ـ ولما قتل الإمام عليه السلام أرسل البغيض عمر بن سعد رأسَه ورؤوسَ أصحابه إلى ابن زياد مع خولي بن يزيد وحميد بن مسلم الأزدي فوجد خولي القصر مغلقاً فأتى منزله فوضع الرأس تحت إجانة في منزله ودخل فراشه وقال لامرأته النوار : جئتك بغنى الدهر هذا رأس الحسين معك في الدار . فقالت : ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئتَ برأس ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والله لا يجمع رأسي
ورأسَك بيتٌ أبداً
.
وقامت من الفراش فخرجَت إلى الدار قالت : فما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجانة ورأيت طيراً أبيض يرفرف حولها فلما أصبح غدا بالرأس إلى ابن زياد .
ـ قال الشيخ أبو بكر العلوي الحضرمي في كتاب رشفة الصادي : ولقد انتقم الله عز وجل من ابن زياد ( وهو أمير الكوفة الذي أنفذ جيشاً لقتال الحسين ) على يد المختار بن أبي عبيدة ، وكان ابن زياد بالموصل ، وذلك بعد تطاول الفتن وترادفها وكان في ثلاثين ألفاً فبعث المختارُ إليه ابراهيم بن الأشتر في طائفة فالتقى بابن زياد فقتله على الفرات في يوم عاشوراء ، وكان مَن غرِق من أصحابه أكثر ممن قتل ، وبعث ابنُ الأشتر برأس ابن زياد إلى المختار ، فنصب في المكان الذي نصب فيه رأس الحسين ، ثم ألقاه وأصحابه في اليوم الثاني في الرحبة ، فجاءت حية تتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخرَي عبيد الله بن زياد ، فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت ، ثم جاءت فعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً ، وكان في ذلك عبرة لأولي الألباب .
ـ في المعجم الكبير للطبراني : ( ... ) أخبرنا سفيان حدثتني جدتي أم أبي قالت : رأيت الورس الذي أخذ من عسكر الحسين صار مثل الرماد .
وعن أبي حميد الطحان قال : كنت في خزاعة فجاءوا بشيء من تركة الحسين فقيل لهم : ننحر أو نبيع فنقسم ؟ قال : انحروا . قال : فجلس
على جفنة فلما وضعت فارت ناراً .
وعن ذويد الجعفي عن أبيه قال : لما قتل الحسين رضي الله عنه وانتهب جزور من عسكره فلما طبخت إذا هي دمٌ فأكْفوها .
وعن أبي قبيل قال : لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنه احتزوا رأسه وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ يتحيون بالرأس فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب بسطر دم : أترجو أمةٌ قتلَت حسيناً شفاعةَ جدِه يوم الحسابِ
وقال أبو رجاء العطاردي : لا تسبوا علياً ولا أهل هذا البيت فإن لنا جاراً من بلهجيم قال : ألم تروا إلى هذا الفاسق الحسين بن علي قتله الله . فرماه الله بكوكبين في عينيه فطمس الله بصره .
وعن حاجب عبيد الله بن زياد قال : دخلت القصر خلف عبيد الله بن زياد حين قتل الحسين فاضطرم في وجهه ناراً فقال هكذا بكمه على
وجهه ، فقال : هل رأيت ؟ قلت : نعم . فأمرني أن أكتم ذلك .
وعن الأعمش أن رجلاً أحدث على قبر الحسين فجذم وبرص وجن فولده يتوارثون ذلك .
ـ عن أبي مسلم النخعي قال :
رأيت رأس الحسين جيء به فوضع في دار الإمارة بالكوفة بين يدي عبيد الله بن زياد
ثم رأيت رأس عبيد الله بن زياد قد جيء به فوضع في ذلك الموضع بين يدي المختار
ثم رأيت رأس المختار قد جيء به فوضع بين يدي مصعب بن الزبير
ثم رأيت رأس مصعب بن الزبير قد جيء به فوضع في ذلك الموضع بين يدي عبد الملك
فدخلت على عبد الملك بن مروان فرأى عبد الملك مني اضطراباً فسألني فقلت : يا أمير المؤمنين دخلت هذه الدار فرأيت رأس الحسين بين يدي ابن زياد في هذا الموضع ، ثم دخلتها فرأيت رأس ابن زياد بين يدي المختار فيه ، ثم دخلتها فرأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير ، وهذا رأس مصعب بن الزبير بين يديك ، فوقاك الله يا أمير المؤمنين .
فوثب عبد الملك بن مروان وأمر بهدم الطاق الذي على المجلس . ( سيد الشهداء لموسى محمد علي )
مصرع الإمام الحسين عليه السلام
بعد مقتل أصحابه وبقائه وحيداً قاتل الإمامُ الحسين يوم كربلاء وهو راجل قتالَ الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص العورة ويشد على الخيل وهو يقول :
أعلى قتلي تجتمعون . أما والله لا تقتلون بعدي عبداً من عباد الله أسخَطَ عليكم لقتله مني . وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون . أما والله لو قتلتموني لألقى اللهُ بأسَكم بينكم وسفكَ دماءَكم ثم لا يرضى بذلك منكم حتى يضاعف لكم العذاب الأليم .
ومكث طويلاً من النهار ولو شاء الناسُ أن يقتلوه لقتلوه ولكنهم كان يتقي بعضهم ببعض ويحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء فنادى شمر في الناس
ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل ؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم .
فحملوا عليه من كل جانب ، فضرب زرعة بن شريك التميمي على كفه اليسرى ، وضرب أيضاً على عاتقه ، ثم انصرفوا عنه وهو يقوم ويكبو ، وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس النخعي فطعنه بالرمح فوقع وقال لخالد بن يزيد الأصبحي : احتز رأسَه . فأراد أن يفعل فضعف وأرعد ، فقال له سنان : فتَّ اللهُ عضدَك . ونزل إليه فذبحه واحتز رأسه فدفعه إلى خولي ، وسُلب الحسينُ ما كان عليه فأخذ سراويله بحرُ بن كعب ، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته وهي من خز فكان يسمى بعده قيس قطيفة ، وأخذ نعليه الأسود الأودي ، وأخذ سيفه رجلٌ من دارم ، ومال الناسُ على الفرش والحلل والإبل فانتهبوها ونهبوا ثقله ومتاعه وما على النساء ، حتى إن كانت المرأة لتنزع ثوبها من ظهرها فيؤخذ منها . ( الكامل في التاريخ )
قال الشيخ أبو بكر الحضرمي :
حكى عبد الملك بن هشام أن ابن زياد لما أنفذ رأس الحسين رضي الله عنه إلى يزيد ، كانوا إذا وصلوا منزلاً أخرجوا الرأس من صندوق أعدوه له فوضعوه على رمح وحرسوه إلى وقت الرحيل ، فوصلوا منزلاً فيه دير راهب ، فأخرجوا الراس ووضعوه على الرمح مسنداً إلى الدير ، فرأى الراهب نوراً من مكان الرأس إلى عنان السماء ، فأشرف على القوم فسألهم عن الرأس ، فقالوا : رأس الحسين ابن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
قال : نبيكم ؟ قالوا : نعم .
قال : بئس القوم أنتم ، لو كان للمسيح ولد لأسكناه أحداقنا ، ثم قال : هل لكم في عشرة ءالاف دينار تأخذونها وتعطوني الرأس يكون عندي الليلة ، فإذا رحلتم خذوه .
قالوا : وما يضرنا فناولوه الرأس وناولهم الدنانير .
فأخذ الرأس وغسله وطيبه وأخذه وتركه على فخذه وقعد يبكي إلى الصبح ، وقال : أيها الرأس أنا لا أملك إلا نفسي ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ثم خرج من الدير وما فيه وصار يخدم أهل البيت .
ثم إنهم أخذوا الرأس وساروا فلما قربوا من دمشق أخذوا الأكياس ليقتسموها ففتحوحا ، فإذا الدنانير قد تحولت خزفاً وعلى أحد جانبي الدينار مكتوب : ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون ، وعلى الجانب الآخر : وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
انتهى من كتاب رشفة الصادي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق