بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 15 سبتمبر 2019

الحياء والخوف من الله

الحياء والخوف من الله
الحمد لله الواحد المعبود، المنزّه عن الكميات والحدود، جلّ ربنا عن الأين والكيف والكمية والشكل والصورة والأعضاء والحجم واللون والمساحة والطول والعرض والاتصال والانفصال والحركة، ليس كمثله شىء وهو السميع البصير.
وصلى الله على حبيب رب العالمين، وقائد الغر المحجلين، وشفيع المذنبين يوم الدين، وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين وبعد.
فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاريّ البدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله :"إنَّ مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت" رواه البخاري.
قوله عليه الصلاة والسلام :"إنّ مما أدرك الناس" أي بلغهم وأحاطوا به "من كلام النبوة" أي من كلام أصحابها فهو على حذف المضاف.
والمراد بـ "النبوة الأولى" أي النبوة السالفة قبل نبينا محمد، وهذا مأثور عن الأنبياء المتقدمين،
ولأنه جاء في شريعة ءادم عليه السلام واتفق عليه الأنبياء بعده،
وأنّ الناس تداولوه بينهم وتوارثوه عنهم قرنًا بعد قرن، إلى أن أدركناه في شريعتنا، فلم يُنسخ في شريعة من الشرائع، لأنه أمرٌ عُلمَ صوابه وظهر فضله، واتفقت على حسنه العقول، وتلقته جميع الأمم بالقبول. وقد قيل في تفسير قوله عليه الصلاة والسلام :"إذا لم تستح فاصنع ما شئت" أنّه انظر إلى ما تريد أن تفعله، فإن كان مما لا يُستحى من الله ومن الناس في فعله لكونه من أفعال الطاعات أو من جميل الأخلاق والآداب المستحسنة فاصنع منه ما شئت، وإن كان مما يُستحى من الله ومن الناس فعله فدعه.
وقيل معناه الخبر، فكأنه قال:إذا لم تستح فعلت ما شئت حتى تقع في الفحش والمنكر، لأنّ عدم الحياء يجر إلى الانهماك في الفحشاء والمنكر والرذائل والموبقات. وقد قال بعضهم:
إذا لم تخش عاقبة الليالي * ولم تستح فافعل ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير * ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
وقال ءاخر: إذا لم تصُن عِرضًا ولم تخش خالقًا، وتستح مخلوقًا فما شئت فاصنع.
وقد فسر هذا الأمر بالتهديد والتوبيخ،
والمعنى إذا نُزع منك الحياء وكنت لا تستحي من الله تعالى ولا تراقبه فاصنع ما تهواه نفسك من الرذائل فإن الله تعالى يجازيك عليه،
كقوله تعالى {اعملوا ما شئتم إنّه بما تعملون بصير} (سورة فصّلت/40)،
وكقوله تعالى {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} (سورة الكهف/29)
فهذا فيه تهديد ووعيد وليس ترخيصًا بالكفر لمن شاء،
فلا وجه لقول بعض الملحدين المحرّفين إنَّ هذه الآية فيها حرية الفكر، بمعنى أن الإنسان له أن يختار الإسلام أو غيره، نعوذ بالله من الإلحاد والكفر.
واعلم أنَّ الحياء لغة: انقباض وخشية يجدها الإنسان من نفسه عندما يُطَّلعُ منه على قبيح،
واصطلاحًا: خُلُق يبعث على ترك القبيح وفعل المليح،
وهذا هو الآتي في كلامه عليه الصلاة والسلام :"الحياء لا يأتي إلا بخير" رواه البخاري ومسلم، وفي رواية مسلم :"الحياء خير كله" أو قال:"الحياء كلّه خير".
وأمّا الحياء والخجل الذي يجر إلى التقصير في حقوق الله أوحقوق عباده كأن أدّى إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو أدّى إلى الامتناع عن تعلم علم الدين الضروري فهذا مذموم،
لذا قالت السيدة عائشة رضي الله عنها :"نِعمَ النساء نساء الأنصار لم يمنعهنَّ الحياء أن يتفقّهن في دين الله عزّ وجلّ".
وجاء في الصحيحين أنّ أُم سليم رضي الله عنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنّ الله لا يستحي من الحق.
هل على المراة من غُسل إذا احتلمت؟
قال: نعم إذا رأت الماء.
ومعنى رأت: علمت.
فإذا احتلمت المرأة وشعرت باللذة الخاصة بخروج المني ولو لم تر المنيّ وجب عليها الغسل لأنه لا بد خرج
. فهذه أم سليم رضي الله عنها لم تستح من السؤال عن أمر من أمور دينها.
وهذا سيدنا عليّ رضي الله عنه الذي هو من أفقه الصحابة يقول فيما رواه البخاري:"كنت رجلا مذّاءً فأمرتُ المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم المذي" فقال :"فيه الوضوء".
أي خروج المذي لا يوجب الغسل بل يوجب الوضوء وهو نجس،
وهذا المذي يخرج من الرجال والنساء، وهو ماء لزج يخرج عند ثوران الشهوة في ابتدائها. فهذا سيدنا عليّ مع فقهه وعلمه لم يستح وسأل عن الحكم وماذا يفعل.
وروي أنّ الرسول قال لأصحابه :"استحيوا من الله حق الحياء"،
وردّد ذلك مرارًا،
قالوا: إنا لنستحي يا نبيّ الله والحمد لله
فقال:"ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء".
وهذا الأشج المنقري قال الرسول صلى الله عليه وسلم له :"إن فيك لخصلتين يحبهما الله".
قال المنقري: ما هما؟
قال :"الحلم والحياء".
فقال :"الحمد لله الذي جعلني على خُلُقين يحبهما الله"
رواه الإمام أحمد.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...