لقد احتفظت لنا ذاكرة التاريخ الاسلامي بحوادث وفتن قام بها التيار السلفي المتطرّف ضدّ خصومه من أهل المذاهب الإسلامية منذ القرون البعيدة، ولا زال شرر تلك المناجزات و المجاوزات يطال الأمة المحمدية إلى اليوم .
فدونك فتنة أبي محمد الحسن بن علي بن خلف البريهاري صاحب رسالة شرح السنة المتوفى 329 ق و رئيس الحنابلة بها، وما كان من وقائعهم الفظيعة و معتقداتهم الشنيعة بالنسبة للذات المقدسة العلية و مسائل اخرى ما آل بهم إلى صدور مرسوم من الخليفة الراضي بالله يقضي بالإنكار عليهم و الأخذ علي يدهم و ذلك سنة 323 ق .(1)
ولم تزل لهم - بعد ذلك - جولات وصولات بين الفينة و الأخرى، حتى استفحل امرهم و استطار شرهم بأشد مما كانوا عليه ، أيام قيام ابن تيمية الحراني بالدعوة إلى تلك الشذوذات و نبش تلكهم الدفائن التي ينبذها الملأ الإسلامي، فزاد الرجل في الطين بلة، و أضاف إلى هاتيك العلل ألف علة، تحت ستارة اتباع مذهب السلف الصالح و التمسك بما كان عليه أهل القرون المفضلة و تقليد إمام اهل السنة احمد بن حنبل، مع أن أعيان مذهبة ينكرون ما شان به هؤلاء وجه المذهب، كما قال ابن الجوزي في كتابه دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه.(2)
لقد خاص ابن تيمية في مسائل الأسماء و الصفات - وهو ممن لا يحسن الخوض فيها - فارتطهم في مستنقع التجسيم و التشبيه كمن سبقه من إخوانه المجسمة و المشبهة ، فضلاً عما هذى به في حق الصادق المصدوق (ع) و أهل بيته الطيبين الطاهرين الكرام عليهم افض الصلاة و الصلاة والسلام و غيرهم من أئمة الإسلام .(3)
وفي هذه السطور نستعرض طرفاً من فتنه لتنكشف بها حقيقته و تستبين سريرته لناشئة العصر الذين قد يستهويهم ظاهر كلامه و يغتر به الأغرار الذين لم يحيطوا بمسلكه و مرامه مع نقل نبذ من أقوال العلماء في التحذير من أتباع جهالاته ، و اقتفاء ضلالاته ، و التنبيه على عدم بلوغه مرتبة من يعول عليه لقب شيخ الإسلام ! فقد حكي عن الشيخ العلامة علاءالدين محمد البخاري الحنفي - من أكابر تلامذة المحقق سعد الدين التفتازاني - أن من اطلق على ابن تيمية شيخ الاسلام يكفر بهذا الإطلاق .(4)
و انبرى ابن ناصر الدين الدمشقي - من اتباع ابن تيمية - للرد على البخاري في كتابه الرد الوافر على من رغم أن من سمي ابن تيمية شيخ الاسلام كافر، وهو مطبوع ، فجمع فيه من أطراه و وصفه بشيخ الإسلام من شيوخ العلم ، ولكن فاته ان من هؤلاء جماعة إنما أثنوا عليه قبل قيامة بإذاعة بدعه و انكشاف الستر عن وجوه مسعاه، كابن دقيق العيد و الزملكاني و الصلاح العلائي و أبي حيان و غيرهم ثم انقلبوا عليه .
وإن منهم أناساً من الرواة من صغار أصحابه و اصحاب أصحابه البعيدين عن النظر ممن لا حجة في كلامهم .
ومنهم طائفة يقرون له بالبراعة و سعة العلم من غير مشايعة له في شواذه الأصيلة و الفرعية .
ومنهم من خدع باوائل حاله ولم يطلع على خبايا مفرداته في كتبه فجرى على المبالغة في إحسان الظن به .
قال العلامة الكوثري : " و مع هذا كله كان جماهير أهل العلم من حذاق النظار على معاداته " .(5)
* نصيحة الذهبي لإبن تيمية
ويشهد لصحة كلام الكوثري ما ذكره الحافظ الذهبي في نصيحته التي كتبها لابن تيمية، إذ يقول فيها : فهل معظم أتباعك إلا قعيد مربوط خفيف العقل ؟ أو عامي كذاب بليد الذهن ؟ أو غريب و اجم قوي المكر ؟ أو ناشف صالح عديم الفهم ؟ فإن لم تصدقني ففتشهم و زنهم بالعدل .
وقال أيضاً : و أعداؤك - والله - فيهم صلحاء و عقلاء و فضلاء كما أن اولياءك فيهم فجرة و كذبة وجهلة و بطلة و عور و بقر .
وقد حذر الذهبي في نصيحته هذه من اتباع ابن تيمية فقال :
يا خيبة من اتبعك فإنه معرض للزندقة و الانحلال ، لا سيما إذا كان قليل العلم و الدين باطولياً شهوانياً، لكنه ينفعك و يجاهد عنك بيده و لسانه ، وفي الباطن عدو لك بحاله و قلبه .(6)
هذا مع العلم بأن ابن تيمية من مشايخ الذهبي في الحديث (7) وقد اختصر كتابه المنهاج في المنتقى ﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾(8)
وقال الإمام تقي الدين ابوبكر الحصني في دفع الشبه : " كان قد غره بنفسه ثناء العوام عليه ، و كذا الجامدون من الفقهاء العارون عن العلوم التي بها يجتمع شمل الأدلة على الوجه المرضي " .(9)
قال : " وكان بعضهم يسميه حاطب ليل ، و بعضهم يسميه : الهدار المهذار " .
وكان الإمام العلامة شيخ الاسلام في زمانه أبو الحسن علي بن اسماعيل القونوي يصرح بأنه من الجهلة بحيث لا يعقل ما يقول .
قال : و اتفق الحذاق في زمانه من جميع المذاهب على سوء فهمه و كثرة خطئه و عدم إدراكه للمآخذ الدقيقة و تصورها، عرفوا ذلك منه بالمفاوضة في مجالس العلم .
ولهذا الرجل طامات سود بها صحائف سيرته فكان بحق من أئمة الضلال - كما ستقف على شطر من ذلك - حتى آل به الأمر إلى أن قال فيه بعض الأئمة : إنه زنديق مطلق .(10)
*تكلم ابن تيمية على ذات الباري و اسمائه و صفاته
ففي سنة 698 ق تكلم في العقيدة الحموية الكبرى التي ألقاها على المنبر، على ذات الباري تعالى وصفاته و أسمائه وفيها الانتصار لمذهب المجسمة و القول بالإستواء على العرش حقيقة و إثبات الجهة و الوجه والعين واليد و الرجل و الحركة والانتقال على الحقيقة لا المجاز، فقام عليه جماعة من الفقهاء(11) و استدعي إلى مصر وعقد له مجلس و اعتقل بما نسب إليه من التجسيم(12) فحبس مع أخويه عبدالله و عبدالرحمن في برج من أبراج القلعة و ذلك بحكم القاضي المالكي ، فتردد إليه جماعة من الأمراء فسمع القاضي بذلك فاجتمع بالامراء وقال: يجب التضييق عليه إذا لم يقلت، وإلا فقد وجب قتله و ثبت كفره .(13)
قال الصفدي في الوافي بالوفيات : " ولم يزل العوام يعظمونه إلى أن أخذ في القول على السيدة نفيسة فأعرضوا عنه".(14)
* تصريح ابن تيمية بالتجسيم و التشبيه
وكان ابن تيمية لا يتحاشى عن التصريح بما هو تجسيم او تشبيه صريح ، من ذلك ما ذكره الرحالة الشهير ابن بطوطة في رحلته قال :
كان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين ابن تيمية كبير الشأن يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً! وكان أهل دمشق يعظمونه أشداًَ لتعظيم و يعظهم على المنبر و تكلم بأمرٍ أنكره الفقهاء .
قال : و كنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة و هو يعظ الناس على منبر الجامع و يذكرهم فكان من جملة كلامه أن قال :" إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنز ولي هذا " و نزل درجة من المنبر ! فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به ، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي و النعال ضرباً كثيراً حتي سقطت عمامته و ظهر على رأسه شاشية حرير، فأنكروا عليه لباسها و احتملوه إلى دار عز الدين بن مسلم قاضي الحنابلة فأمر بسجنه و عزره بعد ذلك...(15)
ومن ذلك أنه تعرض في مجلسه لآيات الاستواء ثم قال : " واستوى الله علي عرشه كاستوائي هذا" فوثب الناس عليه وثبة واحدة و أنزلوه من الكرسي و بادروا إليه ضرباً بالكلم و النعال و غير ذلك حتى أوصلوه إلى بعض الحكام فاجتمع في ذلك المجلس العلماء فشرع يناظرهم، فقالوا: ما الدليل علي ما صدر منك ؟ فقال : قوله تعالى : ﴿ الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ﴾(16) فضحكوا منه و عرفوا أنه جاهل لايجري على قواعد العلم .
ثم نقلوه ليتحققوا أمره ، فقالوا : ما تقول في قوله تعالى ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّـهِ ﴾(17) فأجاب بأجوبة تحققوا أنه من الجهلة على التحقيق و أنه لا يدري ما يقول .(18)
وقد بلغ الحال به أن نودي بدمشق و غيرها : من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه خصوصاً الحنابلة .(19)
* مناظرة العلماء مع ابن تيمية
وذكر ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ : أنه في سنة 705 ق عقد مجلس بالقضاء و الفقهاء بحضرة نائب السلطة بالقصر الأبلق فسئل ابن تيمية عن عقيدته ؟ فأملي شيئاً منها ، ثم أحضرت عقيدته الواسطية و قرئت في المجلس و وقعت بحوث كثيرة و بقيت مواضع أخرت إلى مجلس ثانٍ، ثم اجتمعوا ثاني عشر رجب و حضر المجلس صفي الدين الهندي و بحثوا ثم اتفقوا على أن كمال الدين بن الزملكاني يحاقق ابن تيمية ورضوا كلهم بذلك فأفحم كمال الدين ابن تيمية و خاف ابن تيمية على نفسه فأشهد على نفسه الحاضرين : أنه شافعي المذهب و يعتقد ما يعتقده الإمام الشافعي فرضوا منه بذلك و انصرفوا .(20)
ثم إن أصحاب ابن تيمية اظهروا أن الحق مع شيخهم و أن الحق معه فأحضروا إلى مجلس القاضي جلال الدين القزويني و أحضروا ابن تيمية و صفع ورسم بتعزيره فشفع فيه، و كذلك فعل الحنفي باثنين من أصحاب ابن تيمية .(21)
* صدور المرسوم السلطاني بحق ابن تيمية و أتباعه
وأصدر السلطان محمد بن قلاوون بحق ابن تيمية مرسوماً قرئ يوم الجمعة على منبر جامع دمشق و مما جاء فيه كان ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه و مد بجهله عنان كلمه و تحدث بمسائل الذات و الصفات و التابعون وفاء بما اجتنبه الأئمة الاعلام الصالحون و أتى في ذلك بما انكره ائمة الإسلام و انعقد على خلافه اجماع العلماء و الحكام و شهر من فتاويه ما استخفت به عقول العوام و خالف في ذلك فقهاء عصره و اعلام علماء شامه و مصره ... و لما اتصل بنا ذلك و ما سلك به هو و مريدوه من هذه المسالك الخبيثة و أظهروه ، من هذه الاحوال واشاعوه و علمنا أنه استخف فومه فأطاعوه، حتى اتصل بنا أنهم صرحوا في حق الله سبحانه بالحرف و الصوت و التشبيه و التجسيم ...
وجاء في المرسوم السلطاني أيضاً : بلغنا أنه قد استتيب مراراً فيما تقدم ، وأخره الشرع الشريف لما تعرض لذلك و أقدم ثم عاد بعد منعه ، ولم يدخل ذلك في سمعه ولما ثبت ذلك في مجلس الحاكم المالكي حكم الشرع الشريف أن يسجن هذا المذكور ، و يمنع من التصرف و الظهور... وليلزم كل واحد من الحنابلة بالرجوع عن كل ما أنكره الأئمة من هذه العقيدة و الرجوع عن الشبهات الذائعة الشديدة و لزوم ما أمرالله تعالى به و التمسك بمسالك أهل الإيمان الحميدة ... وقد رسمنا بأن ينادي في دمشق المحروسة و البلاد الشامية و تلك الجهات الدنية و القصية بالنهي الشديد، و التخويف و التهديد لمن اتبع ابن تيمية في هذا الأمر الذي أو ضحناه .(22)
* منع ابن تيمية من شد الرحال إلى قبور الأنبياء و الصالحين و تكفير العلماء له
ثم في سنة 722 ق اعتقل ابن تيمية في قلعة دمشق لقوله : لا تشد الرحال إلا الى ثلاثة مساجد،(23) و إن زيارة قبور الأنبياء لا تشد إليها الرواحل كغيرها، كقبر إبراهيم الخليل (ع) و قبر النبي (ص) .
قال الحصني : ثم الشاميين كتبوا فتيا أيضاً في ابن تيمية لكونه أول من أحدث هذه المسألة التي لاتصدر إلا ممن في قلبه ضغينة لسيد الأولين، فكتب عليها الإمام العلامة برهان الدين الفزاري نحو اربعين سطراً بأشياء و آخر القول أنه أفتى بكفره .
و وافقه على ذلك الشيخ شهاب الدين ابن جهبل الشافعي و كتب تحت خطه: كذلك المالكي، و كذلك كتب غيرهم، و وقع الاتفاق على تضليله بذلك و تبديعه و زندقة.(24)
وقد أنكر الإمام الفقية ابوبكر الحصني- فيمن أنكر - على ابن تيمية منعه من شدّ الرحال إلى زيارة القبر النبوي، فقال في كتاب دفع الشبه :
لم تزل هذه الأمّة المحمّدية على شدّالرحال إليه على ممرّ الأزمان، من جميع الأقطار و البلدان ، سار في ذلك الزرّافات و الوحدان، والعلماء و المشايخ و الكهول و الشبّأن ، حتّى ظهر في آخر الزمان مبتدع من زنادقة حرّان، لبّس على أشباه الرجال و من شابههم من سيّئ الأذهان، و زخرف لهم من القول غروراً كما صنع إمامه الشيطان ، فصدّهم بتمويهه عن سبيل أهل الإيمان ... (25)
* حكم قضاة المذاهب الأربعة و غيرهم على ابن تيمية
وفي سنة 26 ق اشتدّت فتنة ابن تيمية بفتواه في تحريم شدّالرحال إلى قبور الأنبياء و الصالحين و أنه يرخّص في ذلك، و عثروا له على كتاب كتبه في هذه المسألة منذ سنة 710 ق فاتفقوا على تبديعه و و تضليله و زيغه و أهانوه و وضعوه في السجن ، وكتب قضاة المذاهب الأربعة بالقاهرة على فتوى له في هذه المسألة و حكموا بحبسه و تشهير أمره. (26)و مازال معتقلاً في قلعة دمشق إلى أن مات بها في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان و عشرين و سبع مئة .(27)
ومن أجل تلك الدواهي و الطامات تكلم فيه من تكلم من أكابر العلماء و الفقهاء قياماً بواجب النصيحة، و هذه الألوكة لا تسع لإستقصاء جميع ذلك، و لكن نسوق هنا بعض النقول لتنجلي الحقيقة و يتبيّن أنّ هذا الرجل ليس بذاك الذي يبالغ فيه مقلدوه، ولا هو بالمحل الذي يدعيه له أنصار و محبوه ، و ناهيك بشهادة هؤلاء الأئمة الأعلام حجة علي ذلك .
فقد كان العلامة ابن رجب الحنبلي يقول في بعض المجالس : معذور السبكي ، يعني في تكفيره .
وقال ابن جهبل في آخر ما كتبه رداً على الحموية الكبرى : " و نحن ننتظر ما يرد من تهويه و فساده لنبين مدارج زيغه و عناده و نجاهد في الله حقّ جهاده " .(28)
وقال فيه الإمام تقي الدين الحصني : ابن تيمية من أعظم الكذبة الفجّار،(29) وإنه لا دين له يعتمد عليه " .(30)
وقال الشيخ العلامة ابن حجر الهيتمي في كتابه الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرم :
من هو ابن تيمية حتي ينظر إليه ، أو يعول في شيء من أمور الدين عليه، وهل هو إلا - كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقبوا كلماته الفاسدة ، و حججه الكاسدة ، حتى أظهروا عوار سقطائه، و قبائح أوهامه و غلطاته، كالعزبن جماعة - عبدأضله الله و أغواه ، و ألبسه رداء الخزي و أرداه، و بواه من قوة الافتراء و الكذب ما أعقبه الهوان، وأوجب له الحرمان.
قال : و ما درى المحروم أنه أتى بأقبح المعائب إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة و تدارك على أئمتهم سيما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة، حتى تجاوز إلى الجناب الأقدس، المنزه - سبحانه - عن كل نقص ، والمستحق لكل كمال انفس ، فنسب إليه الكبائر و العظائم ، و خرق سياج عظمته بما أظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة و التجسيم و تضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين و المتأخرين حتى قام عليه علماء عصره ، و الزموا السلطان بقلته أو حبسه و قهره، فحسبه إلى أن مات ، وخمدت تلك البدع و زالت تلك الضلالات ، ثم انتصر له أتباع لم يرفع الله لهم رأساً، ولم يظهر لهم جاهاً و لا بأساً ، ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّـهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾(31)
قلت : يشير بذلك إلى ما وقع لابن قيم الجوزية و ابن كثير و غيرهما من المهانة و الإذلال و الأحتقار ، كما ستأتي حكايته إن شاءالله تعالى .
وقال أيضاً في الفتاوي الحديثة :
ابن تيمية عبد خذله الله و أضله ، و أعماه و أصمه و أذله ، وبذلك صرح الأئمة بينوا فساد أحواله ، وكذب أقواله ، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق على إمامته و جلالته و بلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي و ولده التاج والشيخ العز ابن جماعة و أهل عصر هم و غيرهم من الشافعية و المالكية و الحنفية ، ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب و علي بن ابي طالب (ع) .(32)
والحاصل : أنه لا يقام لكلامه وزن ،بل يرمي في كل وعر و حزن ، ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال ، مضل غال، عاملة الله بعدله ، و أجارنا من مثل طريقته و عقيدته و فعله . آمين !
* نفاق ابن تيمية
قلت : وقد ذكر ابن حجر العسقلاني بترجمة ابن تيمية في الدرر الكامنة : أنه قال : إن علياً أخطأ في سبعة عشر شيئاً ثم خالف نص الكتاب ، منها : اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول الأجلين .(33)
ومن الناس من ينسبه إلى النفاق لقوله هذا، ولقوله : إن علياً كان مخذولاً حيثما توجه، و إنه حاول الخالفة مراراً فلم ينلها وإنما قاتل للرئاسة لا للديانة ، ولقوله : إنه كان يحب الرئاسة ، و إن عثمان كان يحب المال ، و لقوله : ابوبكر اسلم شيخاً يدري ما يقول ، وعلي أسلم صبياً و الصبي لا يصح إسلامه على قول .
* نبذة من فتن أتباع ابن تيمية
ثم إن فتن هذا الرجل و ضلالاته لم تخمد نارها ، ولم يذهب من بعد شنارها ، بل خلف من قام بالدعوة إليها ممن نهج نجهه و سلك سبيله كابن القيم الزرعي و ابن كثير الشركويني و ابن الكتبي وغيرهم، وقد جرى عليهم نظير ما جرى على إمام ضلالتهم ,
فاتفق أن ابن القيم سافر إلى القدس الشريف و رقى على منبر الحرم و وعظ وقال في أثناء وعظة بعد أن ذكر مسألة الزيارة : ها أنا راجع ولا ازور الخليل ، ثم جاء إلى نابلس و عمل له مجلس و عظ و ذكر المسألة بعينها حتى قال :
فلا يزور قبر النبي (ص) فقام إليه الناس و أرادوا قتله فحماه منهم و الى نابلس و كتب أهل القدس و أهل نابلس إلى دمشق يعرفون صورة ما وقع منه فطلبه القاضي المالكي فتردد و صعد إلى الصالحية ، إلى القاضي شمس الدين ابن مسلم الحنبلي و أسلم على يديه ! فقبل توبته و حكم بإسلامه ، وحقن دمه ، ولم يعزره لأجل ابن تيمية .
ثم جلس القاضي جلال الدين القزويني بالمدرسة العادية و أحضر جماعة من جماعة ابن تيمية كانوا معتقلين في سجن الشرع، فادّعي على إسماعيل بن كثير أنه قال: إن التوراة و الإنجيل ما بدّلا، و إنهما كما نزلا ، و شهدوا عليه بذلك و ثبت في وجهه فعزر في المجلس بالدرة و أخرج و طيف به و نودي عليه بما قاله .
ثم أحضر ابن قيم الجوزية و ادعي عليه بما قاله في القدس الشريف و في نابلس فأنكر فقامت عليه البينة بما قال فأدب و حمل على جمل ، ثم اعيدوا في السجن .
ثم احضر ابن القيم أيضاً إلى مجلس شمس الدين المالكي و أرادوا و أضرب عنقه ، فما كان جوابه إلا أن قال : إن القاضي الحنبلي حكم بحقن دمي و بإسلامي و قبول توبتي ،فأعيد إلى الحبس إلى أن أحضر القاضي الحنبلي فأخبر بما قاله ، فأحضر ولم يثبت له عذر ، وضرب بالدِرّة و أركب حماراً و طيف به في البلد و الصالحية و ردوه إلى الحبس و لم يزل هذا في أتباعه .(34)
وأما ابن شاكر صاحب عيون التواريخ ويعرف بصلاح الدين الكتبي و بالتريكي ، فقد ضرب الضرب البليغ لكونه قال لمؤذن في مأذنة العروس و قت السحر : أشركت ، حين قال:
ألا يا رسول الله أنت وسيلتي إلى الله في غفران ذنبي و زلّتي
وأرادوا ضرب عنقه، ثم جدّدوا إسلامه .(35)
ثم خبت نائرتهم و ضاقت دائرتهم إلى أن طلع قرن الشيطان من نجد - وهنا لك مطلع قرن الشيطان ، كما ثبت في الصحيح (36)- فأخذ ابن عبدالوهاب و أتباعه يكفرون من سواهم من المسلمين ، بدعوى إقامة دعائهم التوحيد الخاص ، و نبذ الشرك و البدع و يستحلون دماءهم و أوالهم و أعراضهم - كالخارجة الأولى - و رموهم بكل عظيمة، و سمّوا حروبهم مع المسلمين جهاداً ، وما إلى ذلك من أقوالهم الفظيعة و أفعالهم الشنيعة بحق أهل القبلة ، و أتباع الملّة ، فيالله العجب ، فهم - حقاً - سيئة من سيئات ذلك الحراني المضل ، عاملة الله بعدله !
﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّـهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾(37)
( سيد حسن آل مجدد )
فهرس المصادر
1- نشوار المحاضرة ، ج 2 ص 134 تجارب الأمم ج 5 ص 322
2- دفع شبه التشبيه ، ص 97 و 104
3- قال العلامة تقي الدين الحصني في كتابة دفع شبه من شبه و تمرد، ص 126 : " وقد وقفت في كلامه على المواضع التي كفر فيها الأئمة الأربعة ! وكان بعض اتباعه يقول: إنه أخرج زيف الأئمة الأربعة يريد بذلك اصلاح هذه الأمة ، لأنها تابعة لهذه الأئمة في جميع الأقطار، قال الحصني، وليس وراء هذه زندقة ".
4- انظر ذيول تذكرة الحفاظ، ص 316 ، الهامش .
5- ذيول تذكرة الحفاظ ، ص 316 ، الهامش
6- تكملة السيف الصقيل ص 190
7- تذكرة الحفاظ ج 4 ، ص 1497
8- سورة الفاطر ، الآية 14
9- دفع شبه من شبه و تمرد ، ص 89 -90
10- دفع الشبه ص 125
11- البداية و النهاية ، ج 14 ، ص 4-5 البدر الطالع ص 96
12- تاريخ ابن الوردي ج 2 ص 336
13- دفع الشبه ص 92 البدر الطالع ص 97
14- الوافي بالوفيات ، ج 7 ص 19
15- رحلة ابن بطوطة ص 95 الدرر الكامنة ج 1 ص 154
16- سورة طه الآية 5
17- سورة البقرة الآية 115
18- دفع الشبه ص 88 -89
19- نفس المصدر ص 98 البدر الطالع ص 97
20- عيون التواريخ البدر الطالع ص 96
21- دفع الشبه ص 90 -91 البدر الطالع ص 96
22- دفع الشبه ص 84 – 87 الدرر الكامنة ج 1 ، ص 145
23- البدر الطالع ص 99
24- دفع الشبه ص 94
25- دفع الشبه ص 168
26- نفس المصدر ص 97
27- تذكرة الحفاظ ، ج 4 ص 1497 الوافي بالوفيات ، ج 7 ص 22
28- وقد أورد السبكي في طبقات الشافعية الكبرى ج 9 ص 35-91 ردّ ابن جهبل على ابن تيمية بتمامه ، فراجع
29- دفع الشبه ص 184
30- نفس المصدر ، ص 188
31- سورة البقرة الآية 61
32- الفتاوي الحديثية ص 86
33- الدرر الكامنة ج 1 ص 163 – 165
34- دفع الشبه ص 213 – 214 البدر الطالع ص 696
35- دفع الشبه ، ص 88
36- صحيح البخاري ، ج 8 ص 95
37- سورة الحشر ، الآية 10
فدونك فتنة أبي محمد الحسن بن علي بن خلف البريهاري صاحب رسالة شرح السنة المتوفى 329 ق و رئيس الحنابلة بها، وما كان من وقائعهم الفظيعة و معتقداتهم الشنيعة بالنسبة للذات المقدسة العلية و مسائل اخرى ما آل بهم إلى صدور مرسوم من الخليفة الراضي بالله يقضي بالإنكار عليهم و الأخذ علي يدهم و ذلك سنة 323 ق .(1)
ولم تزل لهم - بعد ذلك - جولات وصولات بين الفينة و الأخرى، حتى استفحل امرهم و استطار شرهم بأشد مما كانوا عليه ، أيام قيام ابن تيمية الحراني بالدعوة إلى تلك الشذوذات و نبش تلكهم الدفائن التي ينبذها الملأ الإسلامي، فزاد الرجل في الطين بلة، و أضاف إلى هاتيك العلل ألف علة، تحت ستارة اتباع مذهب السلف الصالح و التمسك بما كان عليه أهل القرون المفضلة و تقليد إمام اهل السنة احمد بن حنبل، مع أن أعيان مذهبة ينكرون ما شان به هؤلاء وجه المذهب، كما قال ابن الجوزي في كتابه دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه.(2)
لقد خاص ابن تيمية في مسائل الأسماء و الصفات - وهو ممن لا يحسن الخوض فيها - فارتطهم في مستنقع التجسيم و التشبيه كمن سبقه من إخوانه المجسمة و المشبهة ، فضلاً عما هذى به في حق الصادق المصدوق (ع) و أهل بيته الطيبين الطاهرين الكرام عليهم افض الصلاة و الصلاة والسلام و غيرهم من أئمة الإسلام .(3)
وفي هذه السطور نستعرض طرفاً من فتنه لتنكشف بها حقيقته و تستبين سريرته لناشئة العصر الذين قد يستهويهم ظاهر كلامه و يغتر به الأغرار الذين لم يحيطوا بمسلكه و مرامه مع نقل نبذ من أقوال العلماء في التحذير من أتباع جهالاته ، و اقتفاء ضلالاته ، و التنبيه على عدم بلوغه مرتبة من يعول عليه لقب شيخ الإسلام ! فقد حكي عن الشيخ العلامة علاءالدين محمد البخاري الحنفي - من أكابر تلامذة المحقق سعد الدين التفتازاني - أن من اطلق على ابن تيمية شيخ الاسلام يكفر بهذا الإطلاق .(4)
و انبرى ابن ناصر الدين الدمشقي - من اتباع ابن تيمية - للرد على البخاري في كتابه الرد الوافر على من رغم أن من سمي ابن تيمية شيخ الاسلام كافر، وهو مطبوع ، فجمع فيه من أطراه و وصفه بشيخ الإسلام من شيوخ العلم ، ولكن فاته ان من هؤلاء جماعة إنما أثنوا عليه قبل قيامة بإذاعة بدعه و انكشاف الستر عن وجوه مسعاه، كابن دقيق العيد و الزملكاني و الصلاح العلائي و أبي حيان و غيرهم ثم انقلبوا عليه .
وإن منهم أناساً من الرواة من صغار أصحابه و اصحاب أصحابه البعيدين عن النظر ممن لا حجة في كلامهم .
ومنهم طائفة يقرون له بالبراعة و سعة العلم من غير مشايعة له في شواذه الأصيلة و الفرعية .
ومنهم من خدع باوائل حاله ولم يطلع على خبايا مفرداته في كتبه فجرى على المبالغة في إحسان الظن به .
قال العلامة الكوثري : " و مع هذا كله كان جماهير أهل العلم من حذاق النظار على معاداته " .(5)
* نصيحة الذهبي لإبن تيمية
ويشهد لصحة كلام الكوثري ما ذكره الحافظ الذهبي في نصيحته التي كتبها لابن تيمية، إذ يقول فيها : فهل معظم أتباعك إلا قعيد مربوط خفيف العقل ؟ أو عامي كذاب بليد الذهن ؟ أو غريب و اجم قوي المكر ؟ أو ناشف صالح عديم الفهم ؟ فإن لم تصدقني ففتشهم و زنهم بالعدل .
وقال أيضاً : و أعداؤك - والله - فيهم صلحاء و عقلاء و فضلاء كما أن اولياءك فيهم فجرة و كذبة وجهلة و بطلة و عور و بقر .
وقد حذر الذهبي في نصيحته هذه من اتباع ابن تيمية فقال :
يا خيبة من اتبعك فإنه معرض للزندقة و الانحلال ، لا سيما إذا كان قليل العلم و الدين باطولياً شهوانياً، لكنه ينفعك و يجاهد عنك بيده و لسانه ، وفي الباطن عدو لك بحاله و قلبه .(6)
هذا مع العلم بأن ابن تيمية من مشايخ الذهبي في الحديث (7) وقد اختصر كتابه المنهاج في المنتقى ﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾(8)
وقال الإمام تقي الدين ابوبكر الحصني في دفع الشبه : " كان قد غره بنفسه ثناء العوام عليه ، و كذا الجامدون من الفقهاء العارون عن العلوم التي بها يجتمع شمل الأدلة على الوجه المرضي " .(9)
قال : " وكان بعضهم يسميه حاطب ليل ، و بعضهم يسميه : الهدار المهذار " .
وكان الإمام العلامة شيخ الاسلام في زمانه أبو الحسن علي بن اسماعيل القونوي يصرح بأنه من الجهلة بحيث لا يعقل ما يقول .
قال : و اتفق الحذاق في زمانه من جميع المذاهب على سوء فهمه و كثرة خطئه و عدم إدراكه للمآخذ الدقيقة و تصورها، عرفوا ذلك منه بالمفاوضة في مجالس العلم .
ولهذا الرجل طامات سود بها صحائف سيرته فكان بحق من أئمة الضلال - كما ستقف على شطر من ذلك - حتى آل به الأمر إلى أن قال فيه بعض الأئمة : إنه زنديق مطلق .(10)
*تكلم ابن تيمية على ذات الباري و اسمائه و صفاته
ففي سنة 698 ق تكلم في العقيدة الحموية الكبرى التي ألقاها على المنبر، على ذات الباري تعالى وصفاته و أسمائه وفيها الانتصار لمذهب المجسمة و القول بالإستواء على العرش حقيقة و إثبات الجهة و الوجه والعين واليد و الرجل و الحركة والانتقال على الحقيقة لا المجاز، فقام عليه جماعة من الفقهاء(11) و استدعي إلى مصر وعقد له مجلس و اعتقل بما نسب إليه من التجسيم(12) فحبس مع أخويه عبدالله و عبدالرحمن في برج من أبراج القلعة و ذلك بحكم القاضي المالكي ، فتردد إليه جماعة من الأمراء فسمع القاضي بذلك فاجتمع بالامراء وقال: يجب التضييق عليه إذا لم يقلت، وإلا فقد وجب قتله و ثبت كفره .(13)
قال الصفدي في الوافي بالوفيات : " ولم يزل العوام يعظمونه إلى أن أخذ في القول على السيدة نفيسة فأعرضوا عنه".(14)
* تصريح ابن تيمية بالتجسيم و التشبيه
وكان ابن تيمية لا يتحاشى عن التصريح بما هو تجسيم او تشبيه صريح ، من ذلك ما ذكره الرحالة الشهير ابن بطوطة في رحلته قال :
كان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين ابن تيمية كبير الشأن يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً! وكان أهل دمشق يعظمونه أشداًَ لتعظيم و يعظهم على المنبر و تكلم بأمرٍ أنكره الفقهاء .
قال : و كنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة و هو يعظ الناس على منبر الجامع و يذكرهم فكان من جملة كلامه أن قال :" إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنز ولي هذا " و نزل درجة من المنبر ! فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به ، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي و النعال ضرباً كثيراً حتي سقطت عمامته و ظهر على رأسه شاشية حرير، فأنكروا عليه لباسها و احتملوه إلى دار عز الدين بن مسلم قاضي الحنابلة فأمر بسجنه و عزره بعد ذلك...(15)
ومن ذلك أنه تعرض في مجلسه لآيات الاستواء ثم قال : " واستوى الله علي عرشه كاستوائي هذا" فوثب الناس عليه وثبة واحدة و أنزلوه من الكرسي و بادروا إليه ضرباً بالكلم و النعال و غير ذلك حتى أوصلوه إلى بعض الحكام فاجتمع في ذلك المجلس العلماء فشرع يناظرهم، فقالوا: ما الدليل علي ما صدر منك ؟ فقال : قوله تعالى : ﴿ الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ﴾(16) فضحكوا منه و عرفوا أنه جاهل لايجري على قواعد العلم .
ثم نقلوه ليتحققوا أمره ، فقالوا : ما تقول في قوله تعالى ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّـهِ ﴾(17) فأجاب بأجوبة تحققوا أنه من الجهلة على التحقيق و أنه لا يدري ما يقول .(18)
وقد بلغ الحال به أن نودي بدمشق و غيرها : من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه خصوصاً الحنابلة .(19)
* مناظرة العلماء مع ابن تيمية
وذكر ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ : أنه في سنة 705 ق عقد مجلس بالقضاء و الفقهاء بحضرة نائب السلطة بالقصر الأبلق فسئل ابن تيمية عن عقيدته ؟ فأملي شيئاً منها ، ثم أحضرت عقيدته الواسطية و قرئت في المجلس و وقعت بحوث كثيرة و بقيت مواضع أخرت إلى مجلس ثانٍ، ثم اجتمعوا ثاني عشر رجب و حضر المجلس صفي الدين الهندي و بحثوا ثم اتفقوا على أن كمال الدين بن الزملكاني يحاقق ابن تيمية ورضوا كلهم بذلك فأفحم كمال الدين ابن تيمية و خاف ابن تيمية على نفسه فأشهد على نفسه الحاضرين : أنه شافعي المذهب و يعتقد ما يعتقده الإمام الشافعي فرضوا منه بذلك و انصرفوا .(20)
ثم إن أصحاب ابن تيمية اظهروا أن الحق مع شيخهم و أن الحق معه فأحضروا إلى مجلس القاضي جلال الدين القزويني و أحضروا ابن تيمية و صفع ورسم بتعزيره فشفع فيه، و كذلك فعل الحنفي باثنين من أصحاب ابن تيمية .(21)
* صدور المرسوم السلطاني بحق ابن تيمية و أتباعه
وأصدر السلطان محمد بن قلاوون بحق ابن تيمية مرسوماً قرئ يوم الجمعة على منبر جامع دمشق و مما جاء فيه كان ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه و مد بجهله عنان كلمه و تحدث بمسائل الذات و الصفات و التابعون وفاء بما اجتنبه الأئمة الاعلام الصالحون و أتى في ذلك بما انكره ائمة الإسلام و انعقد على خلافه اجماع العلماء و الحكام و شهر من فتاويه ما استخفت به عقول العوام و خالف في ذلك فقهاء عصره و اعلام علماء شامه و مصره ... و لما اتصل بنا ذلك و ما سلك به هو و مريدوه من هذه المسالك الخبيثة و أظهروه ، من هذه الاحوال واشاعوه و علمنا أنه استخف فومه فأطاعوه، حتى اتصل بنا أنهم صرحوا في حق الله سبحانه بالحرف و الصوت و التشبيه و التجسيم ...
وجاء في المرسوم السلطاني أيضاً : بلغنا أنه قد استتيب مراراً فيما تقدم ، وأخره الشرع الشريف لما تعرض لذلك و أقدم ثم عاد بعد منعه ، ولم يدخل ذلك في سمعه ولما ثبت ذلك في مجلس الحاكم المالكي حكم الشرع الشريف أن يسجن هذا المذكور ، و يمنع من التصرف و الظهور... وليلزم كل واحد من الحنابلة بالرجوع عن كل ما أنكره الأئمة من هذه العقيدة و الرجوع عن الشبهات الذائعة الشديدة و لزوم ما أمرالله تعالى به و التمسك بمسالك أهل الإيمان الحميدة ... وقد رسمنا بأن ينادي في دمشق المحروسة و البلاد الشامية و تلك الجهات الدنية و القصية بالنهي الشديد، و التخويف و التهديد لمن اتبع ابن تيمية في هذا الأمر الذي أو ضحناه .(22)
* منع ابن تيمية من شد الرحال إلى قبور الأنبياء و الصالحين و تكفير العلماء له
ثم في سنة 722 ق اعتقل ابن تيمية في قلعة دمشق لقوله : لا تشد الرحال إلا الى ثلاثة مساجد،(23) و إن زيارة قبور الأنبياء لا تشد إليها الرواحل كغيرها، كقبر إبراهيم الخليل (ع) و قبر النبي (ص) .
قال الحصني : ثم الشاميين كتبوا فتيا أيضاً في ابن تيمية لكونه أول من أحدث هذه المسألة التي لاتصدر إلا ممن في قلبه ضغينة لسيد الأولين، فكتب عليها الإمام العلامة برهان الدين الفزاري نحو اربعين سطراً بأشياء و آخر القول أنه أفتى بكفره .
و وافقه على ذلك الشيخ شهاب الدين ابن جهبل الشافعي و كتب تحت خطه: كذلك المالكي، و كذلك كتب غيرهم، و وقع الاتفاق على تضليله بذلك و تبديعه و زندقة.(24)
وقد أنكر الإمام الفقية ابوبكر الحصني- فيمن أنكر - على ابن تيمية منعه من شدّ الرحال إلى زيارة القبر النبوي، فقال في كتاب دفع الشبه :
لم تزل هذه الأمّة المحمّدية على شدّالرحال إليه على ممرّ الأزمان، من جميع الأقطار و البلدان ، سار في ذلك الزرّافات و الوحدان، والعلماء و المشايخ و الكهول و الشبّأن ، حتّى ظهر في آخر الزمان مبتدع من زنادقة حرّان، لبّس على أشباه الرجال و من شابههم من سيّئ الأذهان، و زخرف لهم من القول غروراً كما صنع إمامه الشيطان ، فصدّهم بتمويهه عن سبيل أهل الإيمان ... (25)
* حكم قضاة المذاهب الأربعة و غيرهم على ابن تيمية
وفي سنة 26 ق اشتدّت فتنة ابن تيمية بفتواه في تحريم شدّالرحال إلى قبور الأنبياء و الصالحين و أنه يرخّص في ذلك، و عثروا له على كتاب كتبه في هذه المسألة منذ سنة 710 ق فاتفقوا على تبديعه و و تضليله و زيغه و أهانوه و وضعوه في السجن ، وكتب قضاة المذاهب الأربعة بالقاهرة على فتوى له في هذه المسألة و حكموا بحبسه و تشهير أمره. (26)و مازال معتقلاً في قلعة دمشق إلى أن مات بها في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان و عشرين و سبع مئة .(27)
ومن أجل تلك الدواهي و الطامات تكلم فيه من تكلم من أكابر العلماء و الفقهاء قياماً بواجب النصيحة، و هذه الألوكة لا تسع لإستقصاء جميع ذلك، و لكن نسوق هنا بعض النقول لتنجلي الحقيقة و يتبيّن أنّ هذا الرجل ليس بذاك الذي يبالغ فيه مقلدوه، ولا هو بالمحل الذي يدعيه له أنصار و محبوه ، و ناهيك بشهادة هؤلاء الأئمة الأعلام حجة علي ذلك .
فقد كان العلامة ابن رجب الحنبلي يقول في بعض المجالس : معذور السبكي ، يعني في تكفيره .
وقال ابن جهبل في آخر ما كتبه رداً على الحموية الكبرى : " و نحن ننتظر ما يرد من تهويه و فساده لنبين مدارج زيغه و عناده و نجاهد في الله حقّ جهاده " .(28)
وقال فيه الإمام تقي الدين الحصني : ابن تيمية من أعظم الكذبة الفجّار،(29) وإنه لا دين له يعتمد عليه " .(30)
وقال الشيخ العلامة ابن حجر الهيتمي في كتابه الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرم :
من هو ابن تيمية حتي ينظر إليه ، أو يعول في شيء من أمور الدين عليه، وهل هو إلا - كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقبوا كلماته الفاسدة ، و حججه الكاسدة ، حتى أظهروا عوار سقطائه، و قبائح أوهامه و غلطاته، كالعزبن جماعة - عبدأضله الله و أغواه ، و ألبسه رداء الخزي و أرداه، و بواه من قوة الافتراء و الكذب ما أعقبه الهوان، وأوجب له الحرمان.
قال : و ما درى المحروم أنه أتى بأقبح المعائب إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة و تدارك على أئمتهم سيما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة، حتى تجاوز إلى الجناب الأقدس، المنزه - سبحانه - عن كل نقص ، والمستحق لكل كمال انفس ، فنسب إليه الكبائر و العظائم ، و خرق سياج عظمته بما أظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة و التجسيم و تضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين و المتأخرين حتى قام عليه علماء عصره ، و الزموا السلطان بقلته أو حبسه و قهره، فحسبه إلى أن مات ، وخمدت تلك البدع و زالت تلك الضلالات ، ثم انتصر له أتباع لم يرفع الله لهم رأساً، ولم يظهر لهم جاهاً و لا بأساً ، ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّـهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾(31)
قلت : يشير بذلك إلى ما وقع لابن قيم الجوزية و ابن كثير و غيرهما من المهانة و الإذلال و الأحتقار ، كما ستأتي حكايته إن شاءالله تعالى .
وقال أيضاً في الفتاوي الحديثة :
ابن تيمية عبد خذله الله و أضله ، و أعماه و أصمه و أذله ، وبذلك صرح الأئمة بينوا فساد أحواله ، وكذب أقواله ، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق على إمامته و جلالته و بلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي و ولده التاج والشيخ العز ابن جماعة و أهل عصر هم و غيرهم من الشافعية و المالكية و الحنفية ، ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب و علي بن ابي طالب (ع) .(32)
والحاصل : أنه لا يقام لكلامه وزن ،بل يرمي في كل وعر و حزن ، ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال ، مضل غال، عاملة الله بعدله ، و أجارنا من مثل طريقته و عقيدته و فعله . آمين !
* نفاق ابن تيمية
قلت : وقد ذكر ابن حجر العسقلاني بترجمة ابن تيمية في الدرر الكامنة : أنه قال : إن علياً أخطأ في سبعة عشر شيئاً ثم خالف نص الكتاب ، منها : اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول الأجلين .(33)
ومن الناس من ينسبه إلى النفاق لقوله هذا، ولقوله : إن علياً كان مخذولاً حيثما توجه، و إنه حاول الخالفة مراراً فلم ينلها وإنما قاتل للرئاسة لا للديانة ، ولقوله : إنه كان يحب الرئاسة ، و إن عثمان كان يحب المال ، و لقوله : ابوبكر اسلم شيخاً يدري ما يقول ، وعلي أسلم صبياً و الصبي لا يصح إسلامه على قول .
* نبذة من فتن أتباع ابن تيمية
ثم إن فتن هذا الرجل و ضلالاته لم تخمد نارها ، ولم يذهب من بعد شنارها ، بل خلف من قام بالدعوة إليها ممن نهج نجهه و سلك سبيله كابن القيم الزرعي و ابن كثير الشركويني و ابن الكتبي وغيرهم، وقد جرى عليهم نظير ما جرى على إمام ضلالتهم ,
فاتفق أن ابن القيم سافر إلى القدس الشريف و رقى على منبر الحرم و وعظ وقال في أثناء وعظة بعد أن ذكر مسألة الزيارة : ها أنا راجع ولا ازور الخليل ، ثم جاء إلى نابلس و عمل له مجلس و عظ و ذكر المسألة بعينها حتى قال :
فلا يزور قبر النبي (ص) فقام إليه الناس و أرادوا قتله فحماه منهم و الى نابلس و كتب أهل القدس و أهل نابلس إلى دمشق يعرفون صورة ما وقع منه فطلبه القاضي المالكي فتردد و صعد إلى الصالحية ، إلى القاضي شمس الدين ابن مسلم الحنبلي و أسلم على يديه ! فقبل توبته و حكم بإسلامه ، وحقن دمه ، ولم يعزره لأجل ابن تيمية .
ثم جلس القاضي جلال الدين القزويني بالمدرسة العادية و أحضر جماعة من جماعة ابن تيمية كانوا معتقلين في سجن الشرع، فادّعي على إسماعيل بن كثير أنه قال: إن التوراة و الإنجيل ما بدّلا، و إنهما كما نزلا ، و شهدوا عليه بذلك و ثبت في وجهه فعزر في المجلس بالدرة و أخرج و طيف به و نودي عليه بما قاله .
ثم أحضر ابن قيم الجوزية و ادعي عليه بما قاله في القدس الشريف و في نابلس فأنكر فقامت عليه البينة بما قال فأدب و حمل على جمل ، ثم اعيدوا في السجن .
ثم احضر ابن القيم أيضاً إلى مجلس شمس الدين المالكي و أرادوا و أضرب عنقه ، فما كان جوابه إلا أن قال : إن القاضي الحنبلي حكم بحقن دمي و بإسلامي و قبول توبتي ،فأعيد إلى الحبس إلى أن أحضر القاضي الحنبلي فأخبر بما قاله ، فأحضر ولم يثبت له عذر ، وضرب بالدِرّة و أركب حماراً و طيف به في البلد و الصالحية و ردوه إلى الحبس و لم يزل هذا في أتباعه .(34)
وأما ابن شاكر صاحب عيون التواريخ ويعرف بصلاح الدين الكتبي و بالتريكي ، فقد ضرب الضرب البليغ لكونه قال لمؤذن في مأذنة العروس و قت السحر : أشركت ، حين قال:
ألا يا رسول الله أنت وسيلتي إلى الله في غفران ذنبي و زلّتي
وأرادوا ضرب عنقه، ثم جدّدوا إسلامه .(35)
ثم خبت نائرتهم و ضاقت دائرتهم إلى أن طلع قرن الشيطان من نجد - وهنا لك مطلع قرن الشيطان ، كما ثبت في الصحيح (36)- فأخذ ابن عبدالوهاب و أتباعه يكفرون من سواهم من المسلمين ، بدعوى إقامة دعائهم التوحيد الخاص ، و نبذ الشرك و البدع و يستحلون دماءهم و أوالهم و أعراضهم - كالخارجة الأولى - و رموهم بكل عظيمة، و سمّوا حروبهم مع المسلمين جهاداً ، وما إلى ذلك من أقوالهم الفظيعة و أفعالهم الشنيعة بحق أهل القبلة ، و أتباع الملّة ، فيالله العجب ، فهم - حقاً - سيئة من سيئات ذلك الحراني المضل ، عاملة الله بعدله !
﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّـهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾(37)
( سيد حسن آل مجدد )
فهرس المصادر
1- نشوار المحاضرة ، ج 2 ص 134 تجارب الأمم ج 5 ص 322
2- دفع شبه التشبيه ، ص 97 و 104
3- قال العلامة تقي الدين الحصني في كتابة دفع شبه من شبه و تمرد، ص 126 : " وقد وقفت في كلامه على المواضع التي كفر فيها الأئمة الأربعة ! وكان بعض اتباعه يقول: إنه أخرج زيف الأئمة الأربعة يريد بذلك اصلاح هذه الأمة ، لأنها تابعة لهذه الأئمة في جميع الأقطار، قال الحصني، وليس وراء هذه زندقة ".
4- انظر ذيول تذكرة الحفاظ، ص 316 ، الهامش .
5- ذيول تذكرة الحفاظ ، ص 316 ، الهامش
6- تكملة السيف الصقيل ص 190
7- تذكرة الحفاظ ج 4 ، ص 1497
8- سورة الفاطر ، الآية 14
9- دفع شبه من شبه و تمرد ، ص 89 -90
10- دفع الشبه ص 125
11- البداية و النهاية ، ج 14 ، ص 4-5 البدر الطالع ص 96
12- تاريخ ابن الوردي ج 2 ص 336
13- دفع الشبه ص 92 البدر الطالع ص 97
14- الوافي بالوفيات ، ج 7 ص 19
15- رحلة ابن بطوطة ص 95 الدرر الكامنة ج 1 ص 154
16- سورة طه الآية 5
17- سورة البقرة الآية 115
18- دفع الشبه ص 88 -89
19- نفس المصدر ص 98 البدر الطالع ص 97
20- عيون التواريخ البدر الطالع ص 96
21- دفع الشبه ص 90 -91 البدر الطالع ص 96
22- دفع الشبه ص 84 – 87 الدرر الكامنة ج 1 ، ص 145
23- البدر الطالع ص 99
24- دفع الشبه ص 94
25- دفع الشبه ص 168
26- نفس المصدر ص 97
27- تذكرة الحفاظ ، ج 4 ص 1497 الوافي بالوفيات ، ج 7 ص 22
28- وقد أورد السبكي في طبقات الشافعية الكبرى ج 9 ص 35-91 ردّ ابن جهبل على ابن تيمية بتمامه ، فراجع
29- دفع الشبه ص 184
30- نفس المصدر ، ص 188
31- سورة البقرة الآية 61
32- الفتاوي الحديثية ص 86
33- الدرر الكامنة ج 1 ص 163 – 165
34- دفع الشبه ص 213 – 214 البدر الطالع ص 696
35- دفع الشبه ، ص 88
36- صحيح البخاري ، ج 8 ص 95
37- سورة الحشر ، الآية 10
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق