بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 14 سبتمبر 2019

الوهابية واليد واليدان والأيدي

الوهابية واليد واليدان والأيدي


بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله القائل في كتابه الكريمإِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْءانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الذي أوتى جوامع الكلم فإذا منه العقول تغتذي والعلماء يستقون .

وبعد قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته التي ذكر أنها بيان عقيدة أهل السنة والجماعة ما نصه : "تعالى الله عن الحدود والغايات والأركان والأعضاءوالأدوات" اهـ.

فأهل السنة والجماعة -سلفا وخلفا- نزّهوا الله عن الأعضاء والجوارح والأعداد فلم يقل قائل منهم إن "اليد" في حق الله "عضو" ولا قالوا "جارحةولا قاسوها بعدد .

قال الوهابي : "أثبت الله لنفسه يدين فدلّ هذا على أنّ عددهما اثنتان" انتهى.

قال أهل السنّة الجماعة : كذب الوهابي بل ورد اللفظ بالإفراد والتثنية والجمع وليس بالتثنية وحسب ، وهذا دليل على أن المراد باليد ليس الجارحة وإلا فالله لايوصف بالأعضاء ، وأخْذُ الوهابي للفظ التثنية وتركه لفظ الإفراد والجمع دليل تحكّمه ، وإلا فلا دليل له على هذا التحكّم .

وهاكم دليل أهل السنة والجماعة من كتاب الله :
أ‌بالإفراد :
قوله تعالى يَدُ اللهِ فَوقَ أَيديهِم } [الفتح].
ب‌بالتثنية :
قوله تعالىما منعك ان تسجدَ لِمَا خَلَقتُ بِيَديَّ } [ص].
ت‌بالجمع :
قوله تعالىوَالسَماء بَنَيناها بِأَيْدٍ } [الذاريات].

وقد تأوّل المحققون من علماء أهل السنة ما ورد في "اليد" على معان دلَّ عليها السياق وأيَّدته اللغة العربية فمن ذلك:
1.قوله تعالىيَدُ اللهِ فَوقَ أَيديهِم } [الفتح].
قالوا : أي مِنته وإحسانه .
ففي لسان العرب ما نصه : "ابن الأَعرابي : اليَدُ النِّعْمةُ، واليَدُالقُوَّةُ ، واليَدُ القُدْرة ، واليَدُ المِلْكُ ، واليَدُ السُلْطانُ ، واليَدُ الطاعةُ، واليَدُ الجَماعةُ ، واليَدُ الأَكْلُ" اهـ .
وفيه : "واليَدُ النَّدَمُ ، ومنه يقال : سُقِط في يده إِذا نَدِمَ ، وأُسْقِطَ أَي : نَدِمَ . وفي التنزيل العزيزوَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ } [الأعراف] أَي : نَدِمُوا ، واليَدُ الغِياثُ، واليَدُ مَنْعُ الظُّلْمِ ،واليَدُ الاسْتِسلامُ ، واليدُ الكَفالةُ في الرَّهْن ؛ ويقال للمعاتِب : هذه يدي لكَ " اهـ .
وفيه : "وفي الحديث : "أَنه - صلى الله عليه وسلم - قال في مناجاته لربه وهذه يدي لك ". أَي: اسْتَسْلَمَتُ إِليك وانْقَدْت لك ، كما يقال في خلافِهنزَعَ يدَه من الطاعة . ومنه حديث عثمان - رضي الله تعالى عنه - : " هذه يَدي لعَمَّار " أَي : أَنا مُسْتَسْلِمٌ له مُنْقادٌ فليَحْتَكِمْ عليَّ بما شاء " اهـ .

وفيه : "ويقال : اليَدُ لفلان على فلان أَي : الأَمْرُ النافِذُ والقَهْرُ والغَلَبةُ، كما تقول : الرِّيحُ لفلان . وقوله عز وجل حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ } [التوبة]. قيل : معناه عن ذُلٍّ وعن اعْتِرافٍ للمسلمين بأَن أَيْدِيَهم فوق أَيْدِيهم ، وقيل : عن يَدٍ أَي : عن إِنْعام عليهم بذلك لأَنَّ قَبول الجِزْية وتَرْكَ أَنْفُسهم عليهم نِعمةٌ عليهم ويَدٌ من المعروف جَزِيلة، وقيل : عن يَدٍ أَي : عن قَهْرٍ وذُلٍّ واسْتِسْلام ، كما تقول : اليَدُ في هذا لفلان أَي : الأَمرُ النافِذُ لفُلان " اهـ.

وفيه : "وفي حديث الهجرة : "فأَخَذَ بهم يَدَ البحر . أَي: طريق الساحل " اهـ.

وفي الحديث : "المُسْلِمُونَ تتَكافَأُ دماؤُهم ويَسْعَى بذِمَّتهم أَدْناهم وهم يَدٌ على مَن سِواهم" أَي : كَلِمَتُهم واحدة ، فبعضُهم يُقوّي بَعْضًا، والجمع أَيْدٍ ، قال أَبو عبيد : معنى قوله : يَدٌ على مَن سواهم أَي : هم مجتمعون على أَعدائِهم وأَمرُهم واحد ، لا يَسَعُهم التَّخاذُل بل يُعاوِنُ بعضُهم بعضًا ، وكَلِمَتُهم ونُصْرَتُهم واحدةٌ على جميع المِلَلِ والأَدْيانِ المُحاربةِ لهم ، يتَعاوَنون على جميعهم ولا يَخْذُل بعضُهم بعضًا ، كأَنه جعل أَيْدِيَهم يَدًا واحدةً وفِعْلَهم فِعْلاً واحدا .

2. وقوله تعالىبَل يَداهُ مَبسوطَتانِ } [المائدة].
قالوا : نعمته وقدرته .
ففي لسان العرب : " يقال : فلان طَوِيلُ اليَدِ وطويلُ الباعِ إِذا كان سَمْحاً جَوادا " اهـ.
وفيه : "واليَدُ : الغِنَى والقُدْرةُ ، تقول : لي عليه يَدٌ أَي: قُدْرة " اهـ.
3. وقوله تعالىلِمَا خَلَقتُ بِيَديَّ } [ص].
قالوا : نعمته وإحسانه.
وفي لسان العرب ما نصه : "والعرب تقول : ما لي به يَدٌ أَي : ما لي به قُوَّة ، وما لي به يَدانِ ، وما لهم بذلك أَيْدٍ أَي : قُوَّةٌ ، ولهم أَيْدٍ وأَبْصار وهم أُولُو الأَيْدي والأَبْصار" اهـ.
وفيه: "يقال: فلان طَوِيلُ اليَدِ وطويلُ الباعِ إِذا كان سَمْحاً جَوادا" اهـ.

4. وقوله تعالىوَالسَماء بَنَيناها بِأَيْدٍ } [الذاريات].
قالوا : أي بقوة .
وفي التنزيل العزيزأُولِي الأيْدِي وَالأَبْصَارِ } [ص] قيل : معناه أُولي القُوَّة والعقول .

5.وقوله تعالى خَلَقنا لَهُم مِمَّا عَمِلَت أَيدينا أَنعامًا } [يس]
قالوا : أي مما عملنا نحن أي مما أبدعناه وعملناه من غير واسطة ولا وكالة ولا شركة ، كما في [الجامع لأحكام القرءان للقرطبي].

فلو أخذ الوهابي بظاهر كل ءاية مما أوردنا فقد تناقض وقال بتناقض القرءان ، أي كأنه يقول إن الله له يدٌ واحدة لا يدان ولا أيد!، وإن له يدين اثنتين لا يد ولا أيد!، وإن له أيد لا يد ولا يدان !، وهذا صريح في الفساد.
ولو أخذ بظاهر ءاية وترك ظاهر ءاية غيرَها فهو متحكِّم أي يتّبع الهوى فلا يحكم بالدليل.
فلو قال : " اليد واليدان والأيدي معنى واحد " فقد خالف اعتقاده ووافق أهل السنة والجماعة الأشاعرة في تأويلاتهم .

قال الوهابي : "المثنى ليس له دلالة إلا على العدد ، بينما الإفراد يدلٌّ على جنس الصفة لا العدد ، والجمع يدلٌّ على التعظيم لا على العدد ونحن بهذا نوافق مقتضيات اللغة العربية" انتهى.

قال أهل السنة والجماعة :
كذب الوهابي فللمثنى دلالة على غير العدد، قال العرب : ليس لي بهذا الأمر يدان ، أي ليس لي به قدرة ، وقال عروة بن حزام في شعره:

فَقالا شَفاكَ اللهُ وَاللهِ مالَنا * بِما ضَمَنت مِنكَ الضُلوعُ يَدانِ

وفي لسان العرب: "وما لي بفلان يَدانِ أَي: طاقةٌ. قال ابن بري: ومنه قول كعب بن سعد الغَنَويِّ:

فاعمِدْ لِما يَعْلُو، فما لكَ بالذي * لا تستَطِيعُ من الأُمورِ يَدانِ
اهـ.
وفيه: "وقوله في حديث يأْجُوجَ ومأْجُوجَ: "قد أَخْرَجْتُ عِبادًا لِي لا يَدانِ لأَحَدٍ بِقِتالِهمْ" . أَي : لا قُدْرَةَ ولا طاقَة . يقال : ما ليبهذا الأَمر يَدٌ ولا يَدانِ لأَن المُباشَرةَ والدِّفاعَ إِنما يكونان باليَدِ ، فكأَنَّ يَدَيْهِ مَعْدُومَتانِ لعجزه عن دَفْعِه . ابن سيده وقولهم: لا يَدَيْنِ لك بها، معناه : لا قُوّة لك بها، لم يحكه سيبويه إِلا مُثنى ، ومعنى التثنية هنا الجمع والتكثير" اهـ

فائدةوقال ابن الجوزي الحنبلي في [الباز الأشهاب المنقض على مخالفي المذهب] ما نصه: "وقولهم: ميزه بذلك عن الحيوان فقد قال عز وجلخَلَقنا لَهُم مِمَّا عَمِلَت أَيدينا أَنعامًا ولم يدل هذا على تمييز الأنعام على بقية الحيوان" اهـ. وقال : "وقد ظن بعض البله أن الله تعالى يمسّ ، حتى توهموا أنه مس طينة ءادم بيد هي بعض ذاته ، وما فطنوا أنه من جملة مخلوقاته جسمًا يقابل جسمًا فيتحد به ويفعل فيه ، أفتراه سبحانه جعل أفعال الأشخاص والأجسام تتعدى إلى أجسام بعيدة ، ثم يحتاج هو في أفعاله إلى معاناة الطين ؟ وقد رُدّ قول من قال هذا بقوله تعالى{إِ ن مَثلَ عيسى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكونُ }اهـ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...