بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 14 سبتمبر 2019

الوسواس

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله الموجود أزلا وأبدا بلا مكان المنزه عن الحدود والجسم والشكل مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه الاتقياء الطيبين أجمعين



جمعت لكم شيئا عما قيل عن الوسواس وهذا من قبيل


الاستئناس




قال الله تعالى : {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (6) سورة فاطر



يقول تعالى


{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (200) سورة الأعراف




ان من بعض انواع البلاء ما يصاب به البعض من كثرة الوسواس الذي يرد على القلب فيتشتت به ذهن الشخص الى ان يفسد عليه كثيرا من امور الدنيا وامور الدين



وقبل ان ابدا كلامي ارغب في بيان معنى الوسواس كما جاء في لسان العرب


فقال
الوَسْوَسَة والوَسْواس الصوت الخفي من ريح والوَسْواس صوت الحَلْي وقد وسْوَس وَسْوَسَة ووِسْواساً بالكسر والوَسْوَسة والوِسْواس حديث النفس يقال وَسوَسَتْ إِليه نفسه وَسْوسة ووِسْواساً بكسر الواو والوَسْواسُ بالفتح الاسم مثل الزِّلْزال والزَّلْزال والوِسْواس بالكسر المصدر والوَسْواس بالفتح هو الشيطان وكلُّ ما حدَّثك ووَسْوس إِليك فهو اسم وقوله تعالى فوَسْوَس لهما الشيطان يريد إِليهما ولكن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل ويقال لِهَمْس الصائد والكلاب وأَصواتِ الحلي وَسْواس وقال الأَعشى تَسْمَع للحَلْي وَسْواساً إِذا انْصَرفت كما اسْتَعان بِريح عِشْرِقٌ زَجل والهَمْس الصوت الخفيّ يهز قَصَباً أَو سِبّاً وبه سمي صوت الحلي وَسْواساً قال ذو الرمة فَباتَ يُشْئِزُه ثَأْدٌ ويُسْهِرهُ تَذَوُّبُ الرِّيح والوَسْواسُ والهِضَبُ يعني بالوَسْواس همس الصياد وكلامه قال أَبو تراب سمعت خليفة يقول الوَسْوسة الكلام الخفي في اختلاط وفي الحديث الحمد لله الذي ردّ كَيْده إِلى الوَسْوَسة هي حديث النفس والأَفكار ورجل مُوَسْوِس إِذا غلبت عليه الوَسْوسة .... والوَسْواس الشيطان وقد وَسْوَس في صدره ووَسْوَس إِليه وقوله عز وجل من شر الوَسْواس الخَنَّاس أَراد ذي الوَسْواس وهو الشيطان الذي يُوَسوس في صدور الناس وقيل في التفسير إِن له رأْساً كرأْس الحية يَجْثِمُ على القلب فإِذا ذكر العبدُ اللَّه خَنس وإِذا ترك ذكر اللَّه رجع إِلى القلب يُوَسوس وقال الفرّاء الوِسْواس بالكسر المصدر وكل ما حدّث لك أَو وَسْوس فهو اسم وفلان المُوَسْوِس بالكسر الذي تعتريه الوَساوِس ابن الأَعرابي رجل مُوَسْوِس ولا يقال رجل مُوَسْوَس قال أَبو منصور وإِنما قيل مُوَسْوِس لتحديثه نفسه بالوَسْوسة قال اللَّه تعالى ونعلم ما تُوَسْوِسُ به نفسه وقال رؤبة يصف الصياد وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً ربَّ القَلَقْ يقول لما أَحَسَّ بالصيد وأَراد رميه وَسْوس نفسه بالدعاء حذر الخيبة وقد وَسْوَسَتْ إِليه نفسه وَسْوَسة ووِسْواساً بالكسر ووَسْوس الرجلَ كلَّمه كلاماً خفيّاً ووَسْوس إِذا تكلم بكلام لم يبينه .اهـ



ثم ان لهذا الوسواس مضار تضر الشخص ان كان في امر دنياه وان كان في امر دينه


اما على صعيد الدنيا فانه يعكر على الشخص صفاء باله مع اهله فانه يصير يشك بنفسه قبل اهل بيته



ثم انه يؤثر على علاقته بمن يعمل معهم او ان كان يعمل بعمل خاص به فانه يشوش عليه كثيرا في عمله



وقد وصل الحال في بعض من ابتلي بالوسواس انه لما يكون بالعمل يقول هل انا اكملت العمل هل انا اكملت هذا الشيء فيرجع يعيد العمل مرة اخرى



والبعض مثلا عند اغلاق باب الشركة يقول هل انا اغلقت الباب ام لا



مع انه يكون قد انجز العمل ويكون اغلق الباب لكن من الوسوسة يصير فيه اشياء من هذا القبيل



ثم مما يحدث في امور العبادة مما يفعله الوسواس ببعض الاشخاص



البعض يتوسوس بامر الوضوء فيبدأ بالنية فيقول هل اتيت بها ام لا وهكذا الى ان يقضي وقت طويل فقط بالنية



والبعض يتوسوس لما يغسل الوجه او بقية الاعضاء فيقول هل وصل الماء الى هنا ام لا مع انه يرى ان الماء قد وصل وان العضو قد تم غسله بدل المرة عشرة


فيمضي الوقت الطويل وهو يقف حزينا يريد ان ينتهي من هذا الامر



ثم يقف للصلاة فيقول اللـــ , اللــــ , اللــــ ,


الله اكبر


يمضي الوقت الطويل فقط ليقول الله اكبر مع انه قبل لحظات لو اراد قولها لقالها مباشرة



ثم يبدأ الشك هل انا اوقعت النية اثناء قولي الله اكبر وهكذا لوقت طويل



ثم بالفاتحة لما ياتي الى قول ولا الضالين يبدا يقول ولا الض ولا الض ولا الضالين



ثم في السلام يبدا يقول الس الس الس السلام عليكم



مع انه في غير موضوع الصلاة يسهل عليه قول هذه الاشياء ببساطه وبدون اي تعكير



والبعض من شدة الوسوسة يصير لديه شيء يسمى تولد المسائل , يسأل بالمسألة بسؤال اول وهو السؤال الذي صار معه ثم بعد اخذ الجواب يوسوس له الشيطان بسؤال اخر وهكذا



مثلا للتوضيح يوسوس له يقول له البطيخ من الداخل ما لونه فيأخذ الجواب ان لونه احمر مثلا فيرجع فيسأل ان كان كان لونه احمر خفيف ما الحكم ؟ ثم يأخذ الجواب ثم يسأل فيقول اللون الذي رأيته بين الاحمر والزهري فيأخذ الجواب وهكذا يسأل خمسين سؤال لانه تتولد له المسائل من نفس المسألة الاولى


انا وضعت هذا المثال لاني لا اريد ان اضع سؤال لموسوس



ثم البعض ياتيه الوسواس في امور العقيدة وهنا لا بد للمرء ان ينتبه جيدا


فقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللّه . صحيح مسلم

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ
شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَجِدُونَ مِنْ الْوَسْوَسَةِ وَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَجِدُ شَيْئًا لَوْ أَنَّ أَحَدَنَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ . مسند احمد



البعض ياتيه يوسوس له الشياطان يقول له اشياء كفريه فهذا الشخص الذكي هو الذي يصرف هذا الوسواس ولا يتبعه يقول مباشرة ولو بصوت عال ِ ِ يقول انا تعلمت علم الدين واعرف هذا الشيء في دين الله انه على خلاف هذا ومن ثم يشغل نفسه بالذكر او التهليل ولا يتمادى بالانسياق مع الوسواس



وجاء في صحيح مسلم : سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوَسْوَسَةِ قَالَ تِلْكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ



وجاء في صحيح البخاري
وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
{ الْوَسْوَاسِ }
إِذَا وُلِدَ خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ فَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَهَبَ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ ثَبَتَ عَلَى قَلْبِهِ

وجاء في صحيح مسلم
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ الْبَاهِلِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ
أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي

وجاء في شرح النووي على مسلم
أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ )
فَمَعْنَاهُ : إِذَا عَرَضَ لَهُ هَذَا الْوَسْوَاس فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي دَفْع شَرّه عَنْهُ ، وَلْيُعْرِضْ عَنْ الْفِكْر فِي ذَلِكَ ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخَاطِر مِنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان ، وَهُوَ إِنَّمَا يَسْعَى بِالْفَسَادِ وَالْإِغْوَاء فَلْيُعْرِضْ عَنْ الْإِصْغَاء إِلَى وَسْوَسَته وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَطْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا وَاَللَّه أَعْلَم




وجاء في فتح الباري بشرح البخاري للعسقلاني قال
قَوْله ( فَمَنْ خَلَقَ اللَّه )
فِي رِوَايَة بَدْء الْخَلْق " مَنْ خَلَقَ رَبّك " وَزَادَ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ، وَفِي لَفْظ لِمُسْلِمٍ " فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْت بِاَللَّهِ

" وَزَادَ فِي أُخْرَى و " رُسُله " وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ الزِّيَادَة فَقُولُوا ( اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ) السُّورَة " ثُمَّ لِيَتْفُلْ عَنْ يَسَاره ثُمَّ لِيَسْتَعِذْ " وَلِأَحْمَد مِنْ حَدِيث " عَائِشَة فَإِذَا وَجَدَ أَحَدكُمْ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ آمَنْت بِاَللَّهِ وَرَسُوله " فَإِنَّ ذَلِكَ يَذْهَب عَنْهُ ،

وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَة أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة نَحْو الْأَوَّل وَزَادَ " فَبَيْنَمَا أَنَا فِي الْمَسْجِد إِذْ جَاءَنِي نَاس مِنْ الْأَعْرَاب " فَذَكَرَ سُؤَالهمْ عَنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ رَمَاهُمْ بِالْحَصَا وَقَالَ " صَدَقَ خَلِيلِي " وَلَهُ فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " صَدَقَ اللَّه وَرَسُوله "

قَالَ اِبْن بَطَّال : فِي حَدِيث أَنَس الْإِشَارَة إِلَى ذَمّ كَثْرَة السُّؤَال لِأَنَّهَا تُفْضِي إِلَى الْمَحْذُور كَالسُّؤَالِ الْمَذْكُور ، فَإِنَّهُ لَا يَنْشَأ إِلَّا عَنْ جَهْل مُفْرِط ، وَقَدْ وَرَدَ بِزِيَادَةٍ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " لَا يَزَال الشَّيْطَان يَأْتِي أَحَدكُمْ فَيَقُول مَنْ خَلَقَ كَذَا مَنْ خَلَقَ كَذَا حَتَّى يَقُول مَنْ خَلَقَ اللَّه ، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدكُمْ فَلْيَقُلْ آمَنْت بِاَللَّهِ " وَفِي رِوَايَة " ذَاكَ صَرِيح الْإِيمَان "

وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَ الصَّحَابِيّ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَة سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ " جَاءَ نَاس إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابه فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّا نَجِد فِي أَنْفُسنَا الشَّيْء يَعْظُم أَنْ نَتَكَلَّم بِهِ مَا نُحِبّ أَنَّ لَنَا الدُّنْيَا وَأَنَا تَكَلَّمْنَا بِهِ ، فَقَالَ أَوَ قَدْ وَجَدْتُمُوهُ ؟ ذَاكَ صَرِيح الْإِيمَان "

وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَة مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس " جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي أُحَدِّث نَفْسِي بِالْأَمْرِ لَأَنْ أَكُون حُمَمَة أَحَبّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ أَتَكَلَّم بِهِ " قَالَ " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي رَدّ أَمْره إِلَى الْوَسْوَسَة "

ثُمَّ نَقَلَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَاد بِصَرِيحِ الْإِيمَان هُوَ الَّذِي يَعْظُم فِي نُفُوسهمْ إِنْ تَكَلَّمُوا بِهِ ، وَيَمْنَعهُمْ مِنْ قَبُول مَا يُلْقِي الشَّيْطَان ، فَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَتَعَاظَم فِي أَنْفُسهمْ حَتَّى أَنْكَرُوهُ ،

وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ الْوَسْوَسَة نَفْسهَا صَرِيح الْإِيمَان بَلْ هِيَ مِنْ قِبَل الشَّيْطَان وَكَيْده ،

وَقَالَ الطِّيبِيُّ : قَوْله " نَجِد فِي أَنْفُسنَا الشَّيْء " أَيْ الْقَبِيح ، نَحْو مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيث أَنَس وَأَبِي هُرَيْرَة ، وَقَوْله " يَعْظُم أَنْ نَتَكَلَّم بِهِ " أَيْ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يَلِيق أَنْ نَعْتَقِدهُ ، وَقَوْله " ذَاكَ صَرِيح الْإِيمَان " أَيْ عِلْمكُمْ بِقَبِيحِ تِلْكَ الْوَسَاوِس وَامْتِنَاع قَبُولكُمْ وَوُجُودكُمْ النَّفْرَة عَنْهَا دَلِيل عَلَى خُلُوص إِيمَانكُمْ ،

فَإِنَّ الْكَافِر يُصِرّ عَلَى مَا فِي قَلْبه مِنْ الْمُحَال وَلَا يَنْفِر عَنْهُ ، وَقَوْله فِي الْحَدِيث الْآخَر " فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ " أَيْ يَتْرُك التَّفَكُّر فِي ذَلِكَ الْخَاطِر وَيَسْتَعِيذ بِاَللَّهِ إِذَا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ التَّفَكُّر ، وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعِلْم بِاسْتِغْنَاءِ اللَّه تَعَالَى عَنْ كُلّ مَا يُوَسْوِسهُ الشَّيْطَان أَمْر ضَرُورِيّ لَا يَحْتَاج لِلِاحْتِجَاجِ وَالْمُنَاظَرَة ، فَإِنْ وَقَعَ شَيْء مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان وَهِيَ غَيْر مُتَنَاهِيَة فَمَهْمَا عُورِضَ بِحُجَّةِ يَجِد مَسْلَكًا آخَر مِنْ الْمُغَالَطَة وَالِاسْتِرْسَال فَيُضَيِّع الْوَقْت إِنْ سَلِمَ مِنْ فِتْنَته ، فَلَا تَدْبِير فِي دَفْعه أَقْوَى مِنْ الْإِلْجَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَان نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ ) الْآيَة ،

وَقَالَ فِي شَرْح الْحَدِيث الَّذِي فِيهِ " فَلْيَقُلْ اللَّه الْأَحَد " الصِّفَات الثَّلَاث مُنَبِّهَة عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَجُوز أَنْ يَكُون مَخْلُوقًا ، أَمَّا أَحَد فَمَعْنَاهُ الَّذِي لَا ثَانِي لَهُ وَلَا مِثْل



ويذكر في بعض الكتب , قال المؤلف

قال جرير بن عبيدة العدوي: شكوت إلى العلاء بن زياد ما أجد في صدري من الوسوسة، فقال: إنما مثل ذلك البيت الذي تمر فيه اللصوص فإن كان فيه شئ عالجوه وإلا مضوا وتركوه.

يعني أن القلب إذا اشتغل بذكر الله تعالى لا يبقى للشيطان عليه سبيل، ولكنه يكثر فيه الوسوسة وقت فتوره عن الذكر ليلهيه عن ذكر الله.

فالعبد مبتلى بالشيطان على كل حال لا يفارقه ولكنه يخنس إذا ذكر الله تعالى.

قال قيس بن الحجاج: قال لي شيطاني: دخلت فيك وأنا مثل الجزور، وأنا اليوم مثل العصفور.
فقلت: لم ذلك ؟ قال: لانك تذيبني بكتاب الله تعالى.

وقال عثمان بن العاصي رضي الله عنه: يا رسول الله
الشيطان حال بيني وبين صلاتي وقراءتي.
فقال: ذلك شيطان يقال له خنزب، إذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا.
قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني.

فمن كثرت وسوسته في الصلاة فليستعذ بالله من الشيطان، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من شيطان الوسوسة خنزب ثلاث مرات، فإن الله يذهبه.

وكان الاستاذ أبو الحسن الشاذلي يعلم أصحابه ما يدفع الوسواس والخواطر الرديئة، فكان يقول لهم: من أحس بذلك فليضع يده اليمنى على صدره ويقول: سبحان الملك القدوس الخلاق الفعال، سبع مرات.

ثم يقول: إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز.
ويقول ذلك المصلي قبل الاحرام.

وفي الخبر: إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان، فاستعيذوا بالله منه، فإنه يأتي إلى المتوضئ فيقول له: ما أسبغت وضوءك، ما غسلت وجهك، ما مسحت رأسك، ويذكره بأشياء يكون فعلها.
فمن نابه شئ من ذلك فليستعذ بالله من الولهان، فإن الله يصرفه عنه.

وقال بعض العلماء: يستحب قول لا إله إلا الله لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء والصلاة وشبههما، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس - أي تأخر -.
ويعيد لا إله إلا الله لانه رأس الذكر.

وقال السيد الجليل أحمد بن الجوزي أبي الحواري: شكوت إلى أبي سليمان الداراني - رضي الله عنه - الوسوسة فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك، فأي وقت أحسست فافرح، فإذا فرحت به انقطع عنك.
فإنه ليس شئ أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، فإذا اغتممت به زادك.
قال الشيخ محيي الدين النووي: وهذا ما قاله بعض العلماء أن الوسواس إنما يبتلى به من كمل إيمانه، فإن اللص لا يقصد بيتا خرابا


ومما جاء عن امام الحرمين قال والوسوسة مصدرها الجهل بمسالك الشريعة أو نقصان في غريزة العقل

قال القرطبي
ومعنى (ينزغنك): يصيبنك ويعرض لك عند الغضب وسوسة بما لا يحل.
(فاستعذ بالله) أي اطلب النجاة من ذلك بالله.
فأمر تعالى أن يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه والاستعاذة به وقد حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا ؟ قال: أجاهده.
قال: فإن عاد ؟ قال: أجاهده.
قال: فإن عاد ؟ قال: أجاهده.
قال: هذا يطول، أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها ومنع من العبور ما تصنع ؟ قال: أكابده وأرده جهدي.
قال: هذا يطول عليك، ولكن استغث بصاحب الغنم يكفه عنك.

وقال ايضا
قال فبعزتك لا غوينهم أجمعين " لما طرده بسبب آدم حلف بعزة الله أنه يضل بني آدم بتزيين الشهوات وإدخال الشبهة عليهم، فمعنى: " لأغوينهم " لأستدعينهم إلى المعاصي وقد علم أنه لا يصل إلا إلى الوسوسة، ولا يفسد إلا من كان لا يصلح لو لم يوسوسه، ولهذا قال: " إلا عبادك منهم المخلصين " أي الذي أخلصتهم لعبادتك، وعصمتهم مني.
وقال عليه السلام فيما رواه البخاري
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ

قال السيوطي في كتاب الاتقان
وأخرج أبوداود عن ابن عباس قال: إذا وجدت في نفسك شيئاً: يعني الوسوسة فقل: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهوبكل شيء عليم

وجاء في مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل
قال( فَائِدَةٌ ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق : قَالَ بَعْضُهُمْ : الْوَسْوَسَةُ بِدْعَةٌ أَصْلُهَا جَهْلٌ بِالسُّنَّةِ أَوْ خَبَالٌ فِي الْعَقْلِ ثُمَّ قَالَ : قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ : لَا تَعْتَرِي الْوَسْوَسَةُ إلَّا صَادِقًا ؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ مِنْ التَّحَفُّظ فِي الدِّينِ وَلَا تَدُومُ إلَّا عَلَى جَاهِلٍ أَوْ مُهَوَّسٍ ؛ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِهَا مِنْ اتِّبَاعِ الشَّيَاطِينِ
وجاء في الادب المفرد للبخاري قال
وعن جرير ، عن ليث ، عن شهر بن حوشب قال : دخلت أنا وخالي على عائشة ، فقال : إن أحدنا يعرض في صدره ما لو تكلم به ذهبت آخرته ، ولو ظهر لقتل به ، قال : فكبرت ثلاثا ، ثم قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : « إذا كان ذلك من أحدكم فليكبر ثلاثا ، فإنه لن يحس ذلك إلا مؤمن »



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...