المَسْئَلَةُ الثَّانِيَة
تَكْفِيرُهُ لِمَنْ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ شَاءَ لَمْ أَفْعَلْ هَذَا الشّىءَ
يقول النابلسي (فأحيانًا الإنسان لجهله يتكلم كلمات توحي بكفر، يقول لك: لو أن الله عز وجل شاء لم أفعل هذا الشىء، يقولها لجهله، هذه الكلمة كلمة كفر، فالله عز وجل قادر بلحظة أن يفنيه… كن فيكون، زل فيزول، لكن بعض الجهلة يقولون مثل هذه الكلمات التي هي كفر بَوَاح وهم لا يشعرون بما يقولون، فالإنسان كلما ازداد علمه ضبط لسانه واستقام كلامه وسلوكه) (1).
الرد عليه: اتفق المسلمون على مضمون حديث النبي صلى الله عليه وسلم (2) (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن)، فقالوا: كل ما أراد الله تعالى في الأزل حصوله لا بد أن يحصل على حسب ما أراد الله، وكل ما لم يُرِد الله حصوله لا يكون ولا يحصل، وما ذكرناه عام في كل شىء كما تدل عليه كلمة (ما) في الموضعين، فإنها اسم مُبْهَم، والأسماء المبهمة من ألفاظ العموم كما نص عليه الأصوليون وغيرهم.
فيستحيل أن لا يحصل شىء أراد الله حصوله لقوله عليه الصلاة والسلام: (ما شاء الله كان) كما يستحيل أن يحصل شىء لم يرد الله حصوله لقوله عليه الصلاة والسلام (وما لم يشأ لم يكن).
والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا فقال (قل قدّر الله وما شاء فعل) فكيف يعتبر قول لو شاء الله لم أفعل هذا الشىء كفرًا بَوَاحًا والعياذ بالله، سبحانك ربي هذا بهتان عظيم، على أن النووي قد صرَّح في كتاب روضة الطالبين بتكفير من قال: أنا أفعل بغير تقدير الله.
وقد جاء رجل إلى علي بن أبي الطالب فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر،
قال: بحر عميق لا تَلِجه،
قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر،
قال: سِرُّ الله قد خفي عليك فلا تُفْشِه،
قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر،
قال: أيها السائل إن الله خلقك لما شاء أو لما شئت؟ قال: بل لما شاء، قال: فيستعملك كما شاء أو كما شئت؟ قال: فيبعثك يوم القيامة كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء،
قال: أيها السائل ألست تسأل ربك العافية؟ قال: نعم، قال: فمِن أيِّ شىء تسأله العافية أمِن البلاء الذي ابتلاك به غيره، قال: من البلاء الذي ابتلاني به،
قال: أيها السائل تقول لا حول ولا قوة إلا بمن؟ قال: إلا بالله العلي العظيم، قال: فتعلم ما تفسيرها؟ قال: تُعَلّمني مما علمك الله يا أمير المؤمنين، قال: إن تفسيرها لا تقدر على طاعة الله ولا تكون قوة في معصية في الأمرين جميعًا إلا بالله، أيها السائل ألك مع الله مشيئة أو فوق الله مشيئة أو دون الله مشيئة؟ فإن قلت إن لك دون الله مشيئة فقد اكتفيت بها من مشيئة الله وإن زعمت أن لك فوق الله مشيئة فقد ادعيت أن قوتك ومشيئتك غالبتان على قوة الله ومشيئته وإن زعمت أن لك مع الله مشيئة فقد ادعيت مع الله شركًا في مشيئته أيها السائل إن الله يشجّ ويُداوي فمنه الداء ومنه الدواء أعقلت عن الله أمره؟ قال: نعم، قال علي: الآن أَسْلمَ (3) أخوكم فقوموا فصافحوه.
فأين كلام النابلسي من كلام إمام التوحيد علي بن أبي طالب؟؟.
(1) موسوعة أسماء الله الحسنى (3/250).
(2) أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الأدب: باب ما يقول إذا أصبح.
(3) أي بعد أن تخلَّى عن عقيدته الكفرية وتشهَّد، وهذا دليلٌ من فعل الصحابة على تكفير هذا النوعِ من المعتزلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق