الحمدُ للهِ ربِّ العالـمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ وصلواتُ اللهِ البَرِّ الرحيمِ والملائكةِ الـمُقرَّبينَ على نبيِّنا مُـحمدٍ أشرفِ الـمُرسَلينَ وعلى ءالهِ الطيبينَ الطاهرينَ، أما بعدُ، فإنَّ اللهَ تباركَ وتعالى رغَّبَ عِبادَهُ بالعلمِ، أنزلَ اللهُ تعالى في القرءانِ الكريمِ في سورةِ طه ﴿وقُل ربِّ زِدْني عِلمًا﴾ وذلكَ لأنَّ العلمَ أفضلُ الأعمالِ، العلمُ باللهِ والعِلمُ برسولِ اللهِ والعلمُ بأمورِ دينِهِ هذا أفضلُ العلمِ، العلمُ باللهِ وبرسولهِ هوَ أساسُ الدّينِ، الإسلامُ لا يحصُلُ إلا بذلكَ فمَنْ عرفَ اللهَ ورسولَهُ كما يجبُ فهوَ مسلمٌ مُؤمنٌ، يُقالُ لهُ مسلمٌ ويُقالُ لهُ مؤمنٌ ثـمَّ إنْ ماتَ على ذلكَ فلا بُدَّ أن يدخلَ الجنّةَ.
فمعرفةُ اللهِ تعالى الاعتقادُ بأنَّ اللهَ موجودٌ مِنْ غيرِ تشبيهٍ لهُ بشىء منَ المخلوقاتِ، فربُّنا تباركَ وتعالى موجودٌ لا يُشبهُ الخَلْقَ بوجهٍ منَ الوجوهِ، كلُّ شئٍ نَراهُ حجمٌ إمَّا حجمٌ كبيرٌ وإمَّا حجمٌ صغيرٌ وإمَّا حجمٌ وسَطٌ بينَ الصغيرِ والكبيرِ، الإنسانُ لهُ حجمٌ وحبَّةُ الخَرْدَلِ لـها حجمٌ والجِبالُ لـها حجمٌ والشمسُ لـها حجمٌ والقمرُ كذلكَ والنجومُ لـها أحجامٌ خاصّةٌ، كلُّ نجمٍ لهُ حجمٌ، والسماواتُ لـها حجمٌ والعرشُ لهُ حجمٌ وهوَ أكبرُ حجمٍ لـم يـخلُقِ اللهُ تعالى حجمًا أكبرَ منهُ ولو شاءَ لَخَلَقَ حجمًا أكبرَ منهُ لكنْ ما شاءَ أن يـخلُقَ حجمًا أكبرَ منَ العرشِ، واللهُ تعالى ليسَ كذلكَ ليسَ حجمًا صغيرًا ولا حجمًا كبيرًا ولا حجمًا وسطًا بينَ الـحجمِ الصغيرِ والـحجمِ الكبيرِ.
ثمَّ إنَّ الحجمَ إمَّا حجمٌ كثيفٌ وإمَّا حجمٌ لطيفٌ، الحجمُ الكثيفُ الشىءُ الذي يُجسُّ باليدِ والحجمُ اللطيفُ هوَ ما لا يُجسُّ باليدِ كالضّوءِ والظّلامِ والرّيحِ، اللهُ تعالى لا يُشبِهُ الحجمَ الكثيفَ ولا الحجمَ اللّطيفَ، الحجمُ الكثيفُ والحجمُ اللطيفُ لـم يكونا مَوجودَينِ قبلَ أن يخلُقَهُما اللهُ وأما اللهُ تباركَ وتعالى فموجودٌ لا ابتِداءَ لوجُودِهِ، في الأزلِ لـم يكُن شىء إلا اللهُ، اللهُ تعالى كانَ موجودًا قبلَ الزمانِ والمكانِ والجهاتِ الستِّ فوقٍ وتحتٍ وأمامٍ وخلفٍ ويمينٍ وشَـمالٍ وقبلَ النورِ والظلامِ، كانَ موجودًا بلا مكانٍ.
قبلَ أن يـخلُقَ اللهُ تعالى الـمكانَ ما كانَ الـمـكانُ موجودًا، كذلكَ الـجهاتُ الستُّ ما كانت موجودةً قبلَ أن يخلُقها اللهُ، لذلكَ اللهُ تعالى موجودٌ بلا مكانٍ ولا جهةٍ لأنَّ اللهَ لا يتغيَّرُ، اللهُ ليسَ مُتحيِّزًا في العرشِ الذي هوَ في الجهةِ العُليا جهةِ فوقٍ ولا في الأرضِ السابعةِ التي هيَ في جهةِ تحتٍ، ليسَ اللهُ مُتحيِّزًا في ذلكَ.
العرشُ كعبةُ الملائكةِ، توجَدُ ملائكةٌ لا يعلمُ عدَدَهُم إلا اللهُ حولَ العرشِ يَطوفونَ بهَ كما يطوفُ المؤمنونَ منَ البشرِ والجنِّ بالكعبةِ التي في مكةَ التي هيَ قبلةُ المسلمينَ، كذلكَ أولئكَ الملائكةُ الذينَ هُم فوقُ عندَ العرشِ العرشُ قِبلَتُهم.
اللهُ تعالى ليسَ ساكِنًا العرشَ ولا الكعبةَ ومَنْ يقولُ إنَّ اللهَ مُتحيِّزٌ في جهةِ فوقٍ أيْ على العرشِ أيْ أنهُ ساكنٌ فيهِ جالسٌ عليهِ فهوَ جاهِلٌ كافرٌ ما عرَفَ اللهَ، فلا يجوزُ اعتقادُ وتَصَوُّرُ أنَّ اللهَ تعالى ساكنُ العرشِ كما تقولُ الوهابيّةُ.
ثمَّ اللهُ تعالى لا يُشبِهُ الخَلْقَ بوجهٍ منَ الوجوهِ، الخلقُ إمَّا مُتحرِّكٌ وإمَّا ساكنٌ وإما مُتحرِّكٌ بعضَ الأوقاتِ وساكنٌ بعضَ الأوقاتِ فاللهُ تعالى ليسَ كذلكَ لا يُتصَوَّرُ أنهُ مُتحرِّكٌ ولا يُتَصَوَّرُ أنهُ ساكِنٌ، هذا الاعتقادُ هوَ الحقُّ وما خالَفَهُ فهوَ ضلالٌ، في القرءانِ الكريمِ ءايةٌ وهيَ ﴿ليسَ كمِثلِهِ شىءٌ (1)﴾ معناها أنَّ اللهَ لا يُشبهُ شيئًا.
الذي يتعلَّمُ عِلْمَ أهلِ السّنةِ تعلَّمَ هذا العِلْمَ وتعلَّمَ الحلالَ والحرامَ وعَمِلَ بذلكَ وكانَ على هذهِ الحالِ في شَبابِهِ اللهُ تباركَ وتعالى يُكرِمُهُ في الآخرةِ يَـحْميهِ من حرِّ الشمسِ، الشمسُ يومَ القيامةِ شديدةٌ، اليومَ الشمسُ بعيدةٌ مِنْ رؤوسِ الناسِ بُعْدًا كبيرًا ويومَ القيامةِ تكونُ قريبةً مِنْ رُؤوسِ الناسِ بقدرِ مِيلٍ أيْ قَدرِ مسافةِ نصفِ ساعةٍ تقريبًا، هذا الشابُّ الـمسلمُ الذي نشأَ في طاعةِ اللهِ يـحميهِ اللهُ مِنْ حرِّ الشمسِ في ذلكَ اليومِ، يكونُ تحتَ ظلِّ العرشِ لا يُصيبُهُ تَعَبٌ ولا مشقةٌ، أما الناسُ الآخَرونَ يُقاسُونَ حرَّ الشمسِ، الواحدُ منَ الكُفّارِ عرَقُهُ يَتَصَبَّبُ منْ جِسْمِهِ ويَسِيلُ حولَ جِسمهِ، الكُفّارُ يَصِلُ عرَقُهُم إلى أفواهِهِم منَ القَدَمِ إلى الفمِ، وعَرَقُ كلِّ شخصٍ لا يتجَاوَزُهُ إلى غيرِهِ، اللهُ تعالى يَـحمِي الشابَّ الذي نشأَ على طاعَتِهِ على عقيدةِ أهلِ السنةِ مِنْ حرِّ ذلكَ اليومِ، الكافرُ من شدَّةِ تأَذِّيهِ مِنْ حرِّ الشّمسِ لو كانَ يُوجَدُ مَوتٌ في الآخرةِ لَمَاتَ لكنْ لا يـموتُ، احْـمَدُوا اللهَ تعالى أن يَسَّرَ لكُم مَنْ يُعلِّمُكُم عقيدةَ أهلِ السنةِ في هذا الوقتِ.
واللهُ سبحانهُ وتعالى أعلمُ.
1- سورة الشورى الآية
تفسير القرطبي : http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/qortobi/sura40-aya7.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق