اعلم أن العاقل يعرف الحق ثم ينظر في نفس القول ويعرضه على الكتاب والسُّنة، فإن كان الكلام معقولا في نفسه مؤيداً بالبرهان ولم يكن على مخالفة الكتاب والسنة فلِمَ ينبغي أن يهجر ويترك وإن لم يتكلم به الصحابة والتابعون، وإن كان الكلام باطلاً يُرد ولا يلتفت إليه، لذلك قال الإمام الحافظ ابن عساكر في كتابه الذي ألّفه في الدفاع عن الإمام الأشعري وبيَّن فيه كذب من افترى عليه ما نصّه (1) “والكلامُ المذموم كلام أصحاب الأهوية وما يزخرفه أرباب البدع المُرْدية، فأما الكلام الموافق للكتاب والسنّة الموضح لحقائق الأصول عند ظهور الفتنة فهو محمود عند العلماء ومن يعلمه، وقد كان الشافعي يحسنه ويفهمه، وقد تكلم مع غير واحد ممن ابتدع، وأقام الحجة عليه حتى انقطع” اهـ. وقال الحافظ البيهقي في شعب الإيمان (2) في باب القول في إيمان المقلّد والمرتاب ما نصه “أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنبأنا أبو بكر محمد ابن الحسين القطان، أنبأنا أحمد بن يوسف السلمي، حدثنا محمد بن يوسف الفريابي، حدثنا سفيان، عن جعفر ابن برقان، عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه سأله رجل عن شيء من الأهواء فقال: “عليك بدين الأعرابي الغلام في الكُتَّاب وَالْهُ عمن سوَاه“. قال الإمام البيهقي رحمه الله “وهذا الذي قاله عمر بن عبد العزيز قاله غيره من السلف فإنما هو لأنهم رأوا أنه لا يحتاج إليه لتبيين صحَّة الدين في أصله، إذ كان رسول الله ![]() وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري الحنفي في تعليقه على “بيان زغل العلم” ما نصه (3) “والحق أن عقيدة السنة في الإسلام واحدة سلفاً وخلفاً لا تتغير ولا تتبدل بل الذي يتجدد هو طريق الدفاع عنها بالنظر لخصومها المتجددة، وذم علم الكلام ممن كان في موضع الإمامة من السلف محمول حتماً على كلام أهل البدع وخوض العامي فيه، قال الأستاذ أبو القاسم القشيري وأجاد: لا يجحد علم الكلام إلا أحد رجلين جاهل رَكَنَ إلى التقليد وشقَّ عليه سلوك طرق أهل التحصيل وخلا عن طرق أهل النظر والناس أعداء ما جهلوا فلما انتهى عن التحقق بهذا العلم نهى الناس ليضل كما ضل، أو رجل يعتقد مذاهب فاسدة فينطوي على بدع خفية يلبس على الناس عوار مذهبه ويعمى عليهم فضائح عقيدته ويعلم أن أهل التحصيل من أهل النظر هم الذين يهتكون الستر عن بدعه ويظهرون للناس قبح مقالاته، والقلاب لا يحب من يميز النقود والخلل فيما في يده من النقود الفاسدة كالصراف ذي التمييز والبصيرة وقد قال تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [سورة الزمر:19]”اهـ. __________________________ (1) تبيين كذب المفتري (ص/339). (2) شعب الإيمان (1/ 95- 96). (3) بيان زغل العلم والطلب (ص/ 22). | |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق