*** التحذير ممن يزعم عدم جواز تكفير شخص بِعَيْنِهِ ***
الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى أَشرَفِ الأنبياء والمُرْسَلِينَ سَيِّدِنَا وَحَبِيبِنَا مُحَمَّدٍ وَعلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم،
أَمَّا بَعْدُ،
فلْيُعْلَمْ أنَّ مِنَ البِدَع المُخالِفةِ لِدِينِ اللهِ تعالَى والتِي ظَهَرَتْ بَيْنَ بَعْضِ أَدْعِياءِ المَشْيَخَةِ فِي هذَا العَصْرِ قَوْلَهُم بِعَدَمِ تَكْفِيرِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ،
وَمُرَادُهُم بِذَلِكَ أنَّ الشَّخْصَ المُعَيَّنَ الذِي ثَبَتَ كُفْرُهُ لَا يَحْكُمُونَ علَيهِ بالكُفْرِ وَإِنَّمَا يَحْكُمُونَ علَى اللَّفْظِ فَقَط بِأَنَّهُ كُفْرِيٌّ،
وبعضهم يقول الله هو الذي يكفر وليس نحن وَكَلامُ هَؤلاءِ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ فِي شَىءٍ بَل إنَّ هذِهِ البِدْعَةَ التِي يَتَنَطَّعُ بِهَا هؤلاءِ
هِيَ هَدْمٌ لِلدِّينِ وَتَضْيِيعٌ لِأَحكامِهِ وَإِبطالٌ لِبَابِ الرِّدَّةِ الذِي نَصَّ علَيهِ الفُقَهَاءُ والعُلَمَاءُ فِي مُؤَلَّفَاتِهِم وَتَعْطِيلٌ لِمَسْأَلَةِ الاسْتِتِابَةِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ التِي تَتَرَتَّبُ عَلَيها. فَمَن ثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الكُفْرِ فَلا ضَرَرَ أَنْ يُقَالَ عَنْهُ إنَّهُ كَافِرٌ.
وَلَيْسَ مَعْنَى كَلَامِنَا هُوَ تَكْفِيرَ النَّاسِ بِغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ فَهَذَا خَطَرُهُ شَدِيدٌ، وَلَكِن كَلَامُنَا هُوَ مِن بَابِ بَيَانِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَتَحْذِيرِ النَّاسِ
وَلَيْسَ مَعْنَى كَلَامِنَا هُوَ تَكْفِيرَ النَّاسِ بِغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ فَهَذَا خَطَرُهُ شَدِيدٌ، وَلَكِن كَلَامُنَا هُوَ مِن بَابِ بَيَانِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَتَحْذِيرِ النَّاسِ
مِمَّنْ يُحَرِّفُ دِينَ اللهِ. فَهَؤُلاءِ مِنْهُم مَن يَحْكُمُ علَى الكَلِمة أنَّهَا كُفْرٌ وَلَا يَحْكُمُ بِتَكْفِيرِ قَائِلِهَا، وَمِنْهُم مَن يَدَّعِي الوَرَعَ بِزَعْمِهِ وَيَتَبَجَّحُ
بِتَرْكِ تَكْفِيرِ الكَافِرِ مُتَوَهِّمًا أنَّ هذَا مِن تَمَامِ الوَرَعِ، والحَقُّ أَنَّ هذَا القَوْلَ المُخَالِفَ للشَّرِيعَةِ لا يُثْبِتُ لِقَائِلِهِ عِلْمًا وَلَا فَهْمًا فِي الدِّين
فَضْلاً عَن وَرَعٍ أَو صَلَاحٍ، وَهُوَ قَوْلٌ لا طَائِلَ تَحْتَهُ وَقَائِلُهُ لَيْسَ بِأَحْرَصَ علَى دِينِ الإِسْلَامِ مِن رَسُولِ اللهِ وَلا مِن أَبِي بَكْرٍ وَلَا مِن
عُمَرَ وَلَا مِن عُثْمَانَ وَلَا مِن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وَقَائِلُ هذَا القَوْلِ الفَاسِدِ لَيْسَ بِأَوْرَعَ مِن أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ
والأَوْزَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، فَكُلُّ هؤُلاءِ قَد كَفَّرُوا الكَافِرَ المُعَيَّن الَّذي ثَبَتَ كُفْرُه، وَهُم أَئِمَّةُ هُدًى.
هؤلاءِ يُقَالُ لَهُم: لَو أنَّ إِنْسَانًا سَرَقَ لَكُم أَمْوالَكُم أَكُنْتُم تَدَّعُون عَلَيهِ أَم علَى السَّرِقَةِ؟ وَلَو أنَّ إِنْسَانًا قَتَلَ لَكُم أَوْلاَدكم أَكُنْتُم تَدَّعُونَ
هؤلاءِ يُقَالُ لَهُم: لَو أنَّ إِنْسَانًا سَرَقَ لَكُم أَمْوالَكُم أَكُنْتُم تَدَّعُون عَلَيهِ أَم علَى السَّرِقَةِ؟ وَلَو أنَّ إِنْسَانًا قَتَلَ لَكُم أَوْلاَدكم أَكُنْتُم تَدَّعُونَ
علَى القَاتِلِ بِعَيْنِهِ أَم عَلَى الفِعْلِ الذِي هُوَ القَتْلُ؟ فَإِنْ كُنْتُم فِي مِثْلِ هذِهِ الأُمُورِ التِي هِيَ كَلَا شَىءٍ بالنِّسْبَةِ لِلْكُفْرِ لَا تَقْبَلُونَ إِلَّا الادِّعَاءَ
علَى الفَاعِلِ بِعَيْنِهِ وتُسَمُّونَهُ باسْمِهِ "سارِقٌ" و"قاتِلٌ"، فَلِمَاذَا تَهَاوَنْتُم فِي أَمْرِ الكُفْرِ فَسَكَتُّم عَن القَوْلِ لِمَنْ كَفَرَ "كَفَرْتَ ارْجِعْ إِلَى
الإِسْلَامِ بالشَّهَادَتَيْنِ"؟ وإنْ كَانَ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ إِلَى الإِسْلَامِ قُلْتُم لِلنَّاسِ: "هذَا كَافِرٌ" تَحْذِيرًا لَهُم مِنْهُ. ثُمَّ قَوْلُكُم: "لَا نُكَفِّرُ المُعَيَّنَ
" مَعْنَاهُ أَنْ يُتْرَكَ علَى الكُفْرِ وَلَا يُؤْمَرَ بالشَّهَادَتَيْنِ، وَهَذَا غَشٌّ لِلنَّاسِ.
وهُنا نَسُوقُ الأدِلَّةَ علَى جَوَازِ تَكْفِيرِ المُعَيَّنِ الذِي ثَبَتَ كُفْرُهُ:
1- مِن القُرْءَانِ:
قول الله تعالى ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ [سورة الكهف: 37]
فهذا الذي أنكر البعث وأنكر الجزاء والحساب وأنكر الآخرة قال له صاحبه في وجهه "كفرت بالله" وهذا تكفير للمعين،
والقرءان أورده وما عاب عليه، ففي ذلك استدلال على جواز أن يقال للكافر بعينه "يا كافر" سواء كان كافرًا أصليًا أم مرتدًّا.
وقد ذكر بعض المفسرين مثل الإمام البغوي والإمام المفسر النحوي أبي حيان الأندلسي في تفسيرَيهما أنَّ المؤمن فِي هذِه القِصَّةِ
قال لصاحبه الكافر "أكفرت" في وجهه.
2- مِن الحَدِيثِ:
فمنه ما رواه مسلم في صحيحه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُما إنْ كَانَ كَمَا قَالَ
وإلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ"، فقول الرسول "إنْ كَانَ كَمَا قَالَ" معناه إنْ كَفَّره بِحَقّ فلا يكفر، وأما إن كفّره بغير حقّ وبلا تأويل هو يَكْفُر،
ففي قوله "إنْ كَانَ كَمَا قالَ" دَلِيل ظاهر على جواز تكفير الكافِر المُعَيَّن.
ومِنهُ مَا ذَكَرَه الإمام العمراني الشافعي في كتاب البَيان أنه رُوِيَ: أن رجلًا مَرَّ بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يَقسِم الغنيمة،
ومِنهُ مَا ذَكَرَه الإمام العمراني الشافعي في كتاب البَيان أنه رُوِيَ: أن رجلًا مَرَّ بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يَقسِم الغنيمة،
فقال: يا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ فإنك لم تَعْدِلْ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَيْلَكَ، إذَا لَم أَعْدِلْ فَمَنْ يَعْدِلُ"، ثم مَرَّ الرَّجُل،
فَوَجَّهَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر وراءه ليقتله فوجَدَه يصلي، فقال: يا رسول الله وَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فوَجَّهَ عُمَرَ ليقتله
فوجده يصلي، فقال: يا رسول الله وجدته يصلي، فوجَّه بعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقال: "إنَّكَ لَن تُدْرِكَهُ" فذهب علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فلم
يجده. انتَهى الحديث. فأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ لأنَّهُ نَسَبَهُ إِلى الجَوْرِ وذَلِكَ يُوجِبُ كُفْرَه،
وقد عَلِمَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَبَرِ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه يُصَلِّي، فَدَلَّ علَى أنه لا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِنَفْسِ الصَّلاةِ
(أَي بَل بالرُّجُوعِ عَنِ الكُفْرِ والنُّطْقِ بالشَّهَادَتَيْنِ) انتَهَى كَلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق