بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 1 فبراير 2021

تهذيب النور في جواز التوسل والاستغاثة بالأنبياء والصالحين وأهل القبور

 الحمد لله الذي أذل البدع وأهلها وأعز السنة ومن استأهلها فقيض لها في كل زمان طائفة لا يضرها من خذلها مسلطةً سيوف الأدلة على من حرف الشريعة أو بدلها وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله النبي الأمي الذي علم الأمة التوحيد وأسس لنا قواعد الشريعة والإسلام وتركنا على الواضحة وأتم لنا ديننا

والذي قرن الله اسمه باسمه وقال فيه قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين وعلى آله وأصحابه الذي فازوا بصحبته ونالوا بركته أما بعد .

تهذيب النور في جواز التوسل والاستغاثة بالانبياء والصالحين وأهل القبور

خرج علينا من القرون المتأخرة بعض الأقوال التي يضحك لها الصبيان من عدم جواز التوسل بالنبي الأمين صلى الله عليه وسلم والصالحين واتهموا أهل الإسلام المتوسلون بالشرك والزندقة وتبديل هذا الدين وتبعهم بعض الجهال فرددوا أقوالهم التي شذت عن الإجماع وجمهور المسلمين . فكان لزاما علينا التوضيح والرد على الغلاة المتعصبين الذين أنكروا ما ثبت في الشرع المبين بالدليل المتين .

بعد أن بدلوا الحقائق البهية، وخالفوا السواد الأعظم من أمة النبي الأمين وخالفوا صريح الكتاب وصحيح السنة وضربوا بأقوال جل علماء الأمة عرض الحائط بلا حياء ولا إستحياء وحصروا الحق في أقوالهم الباطلة .

وصدق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل عن ابن عمر-رضي الله عنه-:

“إن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبداً، وإن يد الله مع الجماعة، فاتبعوا السواد الأعظم، فإن من شذ في النار”

رواه الترمذي (٢٠٩٣)، والحاكم (١/١٩٩-٢٠٠)، وأبو نعيم في الحلية (٣/٣٧)وابن مندة،من طريق الضياء عن ابن عمر والحديث صحيح بمجموع طرقه

والسواد الأعظم من جل علماء المسلمين دونوا آرائهم الواضحة وطفحت كتبهم بما ينص على استحباب التوسل بالنبي صلوات الله عليه وتسليمه وأهل الله من الأولياء والصالحين ولم ينكر نكير إلا في القرون المتأخرة وكأنهم يرمون أئمة المذاهب وجل العلماء طيلة هذه القرون السابقة بل ومن بعدها بالشرك والكفر والابتداع أعوذ بالله من هذا وأستغفر الله من هذه الأقوال فلا ينكر نكير توسل الأئمة الكمل مثل الإمام النووي شارح صحيح مسلم والإمام ابن حجر العسقلاني شارح صحيح البخاري والإمام القرطبي وسلطان العلماء العز ابن عبد السلام وغيرهم الكثير كما سنرى في صلب الأدلة التي سنوردها مع بيان أقوالهم وهم ممن حفظوا لنا هذا الدين ونقلوه إلينا رضي الله عنهم وأرضاهم

وهذه المطوية التي التقطنا مادتها من جل كتب العلماء فصرفنا عنان الجهد لالتقاط ما هو مطلوب البيان في هذا المقام وسنعرض في هذه المطوية الملتقطة من أقوال العلماء مع بعض الشروح لما استعصى من الكلمات في بعض الأدلة في الاستعانة والتوسل والاستغاثة بالنبي وبالصالحين

وما دعانا إلى صرف الجهد والتقاط أقوال جل علماء الأمة هو رمي الجهلاء لسواد الأمة الإسلامية بالشرك والالحاد والحقيقة أن لو كان هذا شركاً أو منفذاً للوقوع في الشرك كما يدعي من حرم التوسل والاستغاثة لكان أمراً عظيماً لأنه بذلك يكون قد اتهم محمداً بن عبد لله عليه الصلاة والسلام بِالتَّقْصِيرِ في أداء رسالته وترك اُمْتُهُ تتردى في مهاوي الضلال، وتكون الأمة ـ على مرّ الأزمنة السابقة ـ قد وقعت في الشرك، وهو أمر لا يجوز عقلاً ولا شرعاً، وكيف يستقيم ذلك مع قوله صلى الله عليه وسلم : “تركتكم على الواضحة”! واليوم أكملت لكم دينكم

عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنّه لم يكن نبي قبلي إِلَّا كان حقاً عليه أن يدل اُمْتُهُ على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم)

صحيح مسلم: ٣/١٤٧٢ كتاب الإمارة.

فإذا كان الأمر (التوسل والاستغاثة بهذه الدرجة من الخطورة على عقائد المسلمين لما أغفل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر ولكان نهى عنه بكل شدّة ، بل نبينا صلى الله عليه وسلم هو من علمنا التبرك والتوسل كما سنرى ، بل إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد تبرّك بوضوء المسلمين، كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة:

فعن ابن عمر قال: قلت يا رسول الله, أتوضأ من جرّ جديد مخمّر أحبّ إليك, أم من المطاهر؟ قال: “لا, بل من المطاهر, إن دين الله يسّر الحنيفية السمحة”. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إلى المطاهر فيؤتى بالماء فيشربه, يرجو بركة أيدي المسلمين.

ذكر في مجمع الزوائد: 1\214، وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثّقون ، كنز العمال: 7\112، ح 13281

وذكره السيوطي في الشمائل الشريفة ونقل تصحيح الهيثمي موافقا له ( ص 272 – 273 طبعة دار طائر العلم للنشر والتوزيع بتحقيق حسن بن عبيد باحبيشي ) برقم ( 490 )
صححه المناوي في التيسير ( 2 / 525 طبعة مكتبة الإمام الشافعي – الرياض – 1408هـ – 1988م الطبعة الثالثة )

وذكره من وجه اخر الإمام البيهقي في الشعب ( 3 / 30 طبعة دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى ، 1410 ، بتحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول ) برقم ( 2791 ) ،

وقد رواه القضاعي في مسنده ( 2 / 104 طبعة مؤسسة الرسالة – بيروت الطبعة الثانية ، 1407 – 1986 ، بتحقيق حمدي بن عبدالمجيد السلفي ) مختصرا برقم ( 977 )
وابن عدي في ( الكامل ) ( 2/ 783 )

ورواه ابو نعيم في الحلية ( 8 / 203 طبعة دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الرابعة ، 1405 )

بل حتى شيخ السلفية الألباني رحمه الله قال : قال الألباني في السلسلة الصحيحة ( 5 / 154 ) برقم ( 2118 ) : ( ” كان يبعث إلى المطاهر ، فيؤتى بالماء ، فيشربه يرجو بركة أيدي المسلمين ” .

أخرجه الطبراني في الأوسط ( ص 35 ) و أبو نعيم في الحلية ( 8 / 203 ) عن حسان بن إبراهيم الكرماني عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال : ” قلت : يا رسول الله ! الوضوء من جر جديد مخمر أحب إليك ، أم من المطاهر ؟ قال : لا بل من المطاهر ، إن دين الله يسر ، الحنيفية السمحة ” ، قال : فذكره.

وقال : ( لم يروه عن عبد العزيز إلا حسان ) .

قلت ( الألباني ) : و هو مختلف فيه ( يعني حسان ) والأكثرون على توثيقه ، و الذي يترجح عندي أنه وسط حسن الحديث ، ولاسيما و قد خرج له البخاري في صحيحه .
وانظر تحسين الألباني للحديث في السلسلة الصحيحة المختصر ( 5 / 154 طبعة مكتبة المعارف – الرياض ) برقم ( 2118 ) ، وفي صحيح الجامع حديث رقم ( 4894 ) ..
وعندما ضعف الشيخ الحويني هذا الاثر لانه تفرد به واحد عند الطبراني ولو نظرنا من هو حسان بن ابراهيم لوجدناه قد احتج به البخاري ومسلم وهو من رجالهما فكيف يضعف الآثر لتفرد ثقة به؟؟

تفرد الثقة مقبولة كما هو معلوم عند المبتدئين.

وليعلم أحبائنا المسلمون أننا سنورد فقط أمثلة من أنواعها وليس من باب الإحصاء فإن إحصائها لا يتيسر للباحث وفي ما سنورده الكفاية بإذن الله لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد

وسنقسم هذه المطوية إلى خمسة فصول لتخدم المقام الذي نحن بصدده


الفصل الاول:- مصطلحات لغوية

الفصل الثاني:- ما أستند إليه المخالفون وتوضيح الإشكال

الفصل الثالث: توضيح مهم في مسألة التوسل والاستغاثة والمدد

الفصل الرابع:- الحياة البرزخية وحقيقتها

الفصل الخامس:- أدله التوسل بالأحياء والأموات من الكتاب والسنة وأفعال وأقوال السلف والائمة

الفصل السادس:- فصل في أسماء أشهر علماء ألامه الإسلامية المتوسلين

الفصل الأول : مصطلحات لغوية

الوسيلة في اللغة : المنزلة عند الملك , والوسيلة:-الدرجة , والوسيلة:-القربة , وَسَلَ فلان إلى الله وسيلة إذا عمل عملا تقرب به إلى الله , والواسل:- الراغب إلى الله
ويقال توسل إليه بوسله إذا تقرب إليه بعمل ,وتوسل إليه بكذا أي تقرب إليه بحرمه آصرة تعطفه عليه

إذاً الوسيلة :- الوصلة والقربى وجمعها الوسائل

( لسان العرب لابن منظور ج ١١ ص ٧٢٤ مادة< وسل>)

لخص أبو البقاء المعاني المتعددة للدعاء مستشهدا بآيات القرآن الكريم ، قال : ” والدعاء : الرغبة إلى الله والعبادة نحو ( وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرّك ) ، والاستعانة نحو ( وَادْعُوا شُهَدَاءكُم ) ، والسؤال نحو ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ، والقول نحو ( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ) ، والنداء نحو ( يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ) ، التسمية نحو ( لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا )

أبو البقاء الكليات ص ٤٤٧ 1- الوسيلة 2- الدعاء

قال ابن منظور: “دعا الرجلَ دعوًا ودعاءً: ناداه. والاسم: الدعوة. ودعوت فلانًا: أي صِحت به واستدعيته – لسان العرب مادة (د ع و).

وانظر ايضا : مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصبهاني (ص315-316)

والدعاء شرعا : أقصى نهاية الخضوع والتذلل بشرط نية التقرب فالعبادة لا تطلق إلا على العمل الدال علي الخضوع المتقرب به لمن يعظمه باعتقاده تأثير في النفع والضر وعلى هذا فشرط كونها عبادة نية التقرب للمعبود.

قال الخطابي: (معنى الدعاء استدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ. وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرُّؤ من الحول والقوّة، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه” – شأن الدعاء)

شأن الدعاء للخطابي ص4

قال الزبيدي صاحب تاج العروس ( الدعاء ليس إلا إظهار غاية التّذلّل والافتقار)

إتحاف السادة المتقين 5/4

•قال الحافظ ابن حجر: «الدّعاء هو غاية التّذلّل والافتقار » [فتح الباري 11/95].

3- الاستغاثة

الاستغاثة لغة : طلب الغوث والنصر هي طلب العبد الإغاثة والمعونة ممن يسعفه ويدفع عنه عند الوقوع في شدة ونحوها .

وشرعا : لاستغاثة هي بمعنى طلب التوجه من المستغاث به إلى الله تعالى في قضاء الحاجة إذ ليس لأحد مع الله فعل أو ترك وإنما المستغاث به سبب للشفاعة والدعاء ولقضاء الحاجة.

تكون طلب العون وتفريج الكروب ، فلا تختلف الاستغاثة عن التوسل

قال تعالى { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ .. }[القصص ١٥]

4- الاستعانة

فهي طلب العون ممن يملكه على وجه الحقيقة وهو الله تبارك وتعالى أو ممن أعطاهم الله بمنه وكرمه القدرة عليها، وهم أنبياءه وأولياؤه.

5- الجاه

الجاه : المنزلة والقَدْرُ عند السلطان.

لسان العرب.. والقاموس المحيط (1/1607)

6- التوجه لغة

(وجه ) انقاد واتبع يقال قاد فلان فلانا فوجه انقاد واتبع والمولود خرجت يداه من الرحم أولا وإلى الشيء توجه بمعنى ولى وجهه إليه وفي المثل ( أينما أوجه ألق سعدا )
( اتجه ) إليه أقبل بوجهه عليه ( أصله اوتجه )

الوجهة ) الجانب والناحية والموضع الذي تتوجه إليه وتقصده وكل مكان استقبلته والقبل وشبهها ووجهة الأمر وجهه

(2/953\2/954 ) المعجم الوسيط

7- الشفاعة

قال الراغب في المفردات ص 263

الشفاعة : الاِنضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه.

8- المدد

وورد في لسان العرب عن معنى كلمة مدد : مددنا القوم، أي صرنا لهنا أنصاراً ومدداً. وأمدَّ الأمير جنده بالخيل والرجال وأعانهم وأمدهم بمال كثير وأغناهم.. والمدد: العساكر التي تلحق بالمغازي في سبيل الله والإمداد أن يرسل الرجل مددا

لسان العرب مادة (م د د ).

وقال الإمام الفيومي رحمه الله تعالى: أمددته بمدد: أعنته وقويته به [2]

المصباح المنير مادة (م د د)

6- التبرك

التبرك لغة : طلب البركة، والبركة هي: النماء والزيادة مادة برك، انظر لسان العرب: 10/390،

قال ابن منظور: بارك الله الشيء، وبارك فيه وعليه: وضع فيه البركة، وطعام بريك كأنّه مبارك

لسان العرب: 10/390

قال الفيومي: بارك الله تعالى فيه فهو مبارك، والأصل: مبارك فيه

المصباح المنير: 1/45.

والتبرّك في مفهومه الاصطلاحي يراد به طلب البركة عن طريق أشياء أو معان ميّزها الله تعالى بمنازل ومقامات خاصة،أي طلب الحصول على الخير على وجه السبب.
قال الراغب الأصفهاني: البركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء، قال تعالى: { لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ }الأعراف-96، { وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ }الأنبياء-50، تنبيها على ما يفيض به من الخيرات الإلهية.

الفصل الثاني ما أستند إليه المخالفون وتوضيح الإشكال

استند أصحاب هذا الرأي إلى آيات الكتاب الحكيم وبعض الأحاديث وسنعرضها جميعا بإذن الله تعالى ونورد الأدلة على قصور الفهم الذي أدى إلى الإشكال

اولاً:- الإشكالات في فهم الآيات من الكتاب الحكيم.

1- قول الله تعالى : (لاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
سورة يونس 106\107
العنكبوت : 17.

سورة الأحقاف : 5\6.

سورة الجن ، آية : ١٨

[الزمر:٣]
3- وقوله تعالى ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون . وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) ٤- قال تعالى (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا )) ٥- قال تعالى ((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)) 6- قال تعالى: “إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين “( لأعراف ١٩٤ )

2- وقوله تعالى: (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )

الرد على الإشكالات في هذه الآيات:-
استدل أهل الإنكار بآيات نزلت في المشركين لا تنطبق على أهل التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالصالحين ولا تقربهم لاختلاف الحال كلياً
وكما ذكر البخاري عن قول ابن عمر رضي الله عنهما
في الخوارج يقول البخاري:
«وكان ابن عمر يراهم شرار الخلق، وقد قال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين».
ومما استند إليه من حرم التوسل أنهم قالوا إن العبرة في الآيات هي عموم اللفظ وليس في خصوص السبب وهذا قول حق أريد به باطل فلا أحد ينكر عموم اللفظ ولكن المستدعي للنظر والفهم أن هذه الآيات لا تشمل المسلمين لاختلاف حالهم عن حال الكفار جملا وتفصيلا فالدعاء في هذه الآيات بمعني العبادة لأصنامهم والمتوسلون يدعون الله الواحد الأحد والكفار يدعون آلهتهم من دون الله فأحوال الكفار في من نزلت فيهم الآيات لا يرتبط بأي صلة تشير إلى أهل القبلة من المسلمين!!!!
فشتان بين يدعوا الله متوسلا بجاه نبيه وصالحيه وبين من يدعوا غير الله فكيف يعمم الحكم على أمه الإسلام؟؟
فرق كبير بين ما يقول يا رب أعطني كذا بحق فلان..
وبين من يقول اُعْلُ هُبَل..خذلني آلات ويعتقد أنهم آلهة من دون الله.!!
ولكنا نجد أهل الفتنة يشرقون ويغربون ويقولون هذا ما قاله الكفار
{ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }
ونحو قوله تعالى
{ فلا تدعوا مع الله أحداً}
ولكنهم قد تناسوا أن هذه الآيات قد جعلت في أهل الشرك وما من موحدا متوسلاً يعبد نبي أو ولي.
فكل آية تدل على المعنى الصريح الواضح ووضع الكفار وهو العبادة للأوثان من دون الله والفرق بين دعاء المشركين لغير الله وبين استشفاع المؤمنين إلى ربهم واضح بيِّن لكل ذي لبٍّ قويم , فالمشركون كانوا يتخذون من يدعونه إلهاً من دون الله فيدعونهم استقلالاً من دون الله
وسيتضح ذلك من أوجه عديدة
الوجه الأول:- فالمشركون جعلوا أصنامهم آلهة تعبد والمسلمون ما اعتقدوا في إله غير الله فليس لنا غير إله واحد الله جل جلاله ويظهر جليا الفرق بين المسلمين وبين عباد الأصنام وغيرهم في قول الله تعالى في الكفار
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) مريم : ٨١-

الوجه الثاني :- الأنبياء جميعاً عليهم الصلاة والسلام عند المسلمين هم أنبياء معصومون بشر لهم خواص خاصة من الله بها عليهم وأعطاهم ما لم يعطه لبشر وليسوا آلهة تعبد من دون الله

الوجه الثالث:- الأولياء هم أولياء محفظون وصلوا إلى رتبة الولاية بالعمل الصالح وعبادة رب العباد وليسوا آلهة تعبد,والا كان الأولى أنبياء الله تعالى عليه السلام

الوجه الرابع:- ورد في الآيات أن الكفار وجدوا ضالتهم في عبادة هذه الأصنام فاستحقت العبادة بالنسبة لهم وعبدوها بالفعل كما في قوله تعالى

(وما نعبدهم إلا ليقربونا)

أما المسلمون فلا إله لهم غير الله تعالى ولا يستحق العبادة غيره سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم وما عبدوا غيره جل جلاله.

الوجه الخامس:- أن المشركون عبدوا أصنامهم وأنبيائهم وصالحيهم وزعموا أن ذلك ليقربوهم إلى الله والمسلمون عبدوا الله وحده ولم يعبدوا غيره وتوسلوا بالأنبياء والصالحين رجاء تحقيق مطالبهم من الواحد القهار

فدعاء المشركين دعاء آلوهية وتعبد، ودعاء المسلمين توسل واستشفاع فشتان بين الاثنين فكيف يعمم أهل الجهل القول علي المسلمين؟

الوجه السادس:- الكفار اتخذوا أصنامهم وأنبيائهم وصالحيهم آلهة من دون الله والإله هو المستحق للعبادة فكانت عبادتهم لهم على اعتبار الألوهية وليس على اعتبار التوسل والاستشفاع والتبرك فكانوا يسجدون لها تعظيما وإجلال وخضوعا لها واعتقدوا أنها تنفع وتضر استقلالا

وما قالوا نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله إلا بعد أقامه الحجة عليهم وهذا من تلبيس الشيطان عليهم ومن جحدهم بآيات الله والمسلمون اتخذوا الله إله واحدا لا شريك له وعرفوا قدر الأنبياء والصالحين وان النفع والضر بيد الله تعالى وان القدرة المطلقة من صفات الآلوهية ويعطي الله ما يشاء لمن يشاء ولا حد لقدرته المطلقة

وقوله تعالى في الآية الكريمة (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)

فإنما كانت لإظهار أن علل عباد الأوثان والأصنام التي عللوا بها عبادة الأصنام إنما هي عله فاسدة وجاءت الآية من باب التنبيه على ضلالتهم وهذا ما ذكر في أكثر من آية في الكتاب الحكيم من اعتقادهم أن أصنامهم تضر وتنفع استقلالا وأنهم خضعوا لها وعبدوها من دون الله تعالى.

فلما أقيمت عليهم الحجة بأنها لا تنفع ولا تضر قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . وهذا من جحدهم بآيات الله تعالى . ومن كذبهم الذي أظهره الله في أكثر من موضع في الكتاب الحكيم. وهذا ما لا ينطبق على أهل الإسلام..

وهذا واضح وصريح في جميع الآيات من أن الكفار قد عبدوا أصنامهم وأنبيائهم وجعلوهم آلهة تنفع وتضر وترزق فأضافوا إليهم صفات الألوهية ونسبوا إليهم القدرة استقلالاً

فالآية جاءت لإظهار العلة وبيان جحدهم وبيان كذب دعواهم والاستدلال بالآية في غير محله وذلك لأن هذه الآية الكريمة صريحة في الإنكار على المشركين عبادتهم للأصنام واتخاذها آلهة من دونه تعالى وإشراكهم إياها في دعوى الربوبية على أن عبادتهم لها تقربهم إلى الله زلفى فكفرهم وإشراكهم من حيث عبادتهم لها ومن حيث اعتقادهم أنها أرباب من دون الله .

و هذه الآية تشهد بأن أولئك المشركين ما كانوا جادين فيما يحكي ربنا عنهم من قولهم مسوغين عبادة الأصنام : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، فإنهم لو كانوا صادقين في ذلك لكان الله أجل عندهم من تلك الأصنام ، فلم يعبدوا غيره وقد نهى الله المسلمين من سب أصنامهم

بقوله تعالى : (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )

روى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه أنه قال : (( كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فيسب الكفار الله عز وجل ، فأنزل الله : ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ، هذا سبب نزول هذه الآية .

فهي إذن تنهى المؤمنين نهي تحريم شديد أن يقولوا كلمة نقص في الحجارة التي كان يعبدها الوثنيون بمكة المشرفة لأن قول تلك الكلمة يتسبب عنه غضب أولئك الوثنيين غيرة على تلك الأحجار التي كانوا يعتقدون من صميم قلوبهم أنها آلهة تنفع وتضر وإذا غضبوا قابلوا المسلمين بالمثل فيسبون ربهم الذي يعبدونه وهو رب العالمين ويرمونه بالنقائص وهو المنزه عن كل نقص ولو كانوا صادقين بأن عبادتهم لأصنامهم تقربهم إلى الله زلفى ما اجترؤا أن يسبوه انتقاماً ممن يسبون آلهتهم فإن ذلك واضح جداً في أن الله تعالى في نفوسهم أقل من تلك الحجارة .

وقل ذلك أيضاً في قوله تعالى : (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )

فإنهم لو كانوا يعتقدون حقاً أن الله تعالى الخالق وحده وأن أصنامهم لا تخلق لكانت عبادتهم لله وحده دونها أو لكان على الأقل احترامهم له تعالى فوق احترامهم لتلك الحجارة ، وهل هذا يتفق مع شتمهم له عز وجل غيرة على حجارتهم وانتقاماً لها منه سبحانه وتعالى ؟ إن البداهة تحكم أنه لا يتفق أبداً ، وليست الآية التي معنا وحدها تدل على أن الله تعالى أقل عند أولئك المشركين من حجارتهم بل لها أمثال !

منها قوله تعالى : (وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ)

فلولا أن الله تعالى أقل في نفوسهم من تلك الحجارة ما رجحوها عليه هذا الترجيح الذي تحكيه هذه الآية واستحقوا عليه حكم الله عليهم بقوله : (سَاء مَا يَحْكُمُونَ ).

ومن هذا القبيل قول أبي سفيان رضي الله عنه قبل إسلامه : ((اُعْلُ هُبل)) كما رواه البخاري ينادي صنمهم المسمى بهُبل أن يعلو في تلك الشدة رب السماوات والأرض ويقهره ليغلب هو وجيشه جيش المؤمنين الذي يريد أن يغلب آلهتهم ، هذا مقدار ما كان عليه أولئك المشركون مع تلك الأوثان ومع الله رب العالمين .

وهذا يظهر جلياً في آيات الكتاب الحكيم لمن ألقى السمع وهو شهيد فالكفار جحدوا بوجود الله تعالى وعبدوا أصنامهم

قال تعالى (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً) الفرقان 60

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) مريم : 81

(إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوء) هود : 54

(إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) العنكبوت :17

فهذه الآيات تدل وتصرح بعبادتهم الأوثان من دون الله تعالى فكيف تنطبق هذه الآيات على المتوسل وهو من عبد الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد!!

قال تعالى (ألَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) الزمر : 36:38

الأية هنا تصرح بأن المشركين يخوفون الرسول صلى الله عليه وسلم بآلهتهم

قال البغوي في تفسير الآية : “ … وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ … ” وذلك أنهم خوفوا النبي صلى الله عليه وسلم معرة معاداة الأوثان

وقالوا : لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون

تفسير البغوي ج4 ص 69

قال تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) يونس 1

(أَفَرَأَيْتُمُ اَللَّات وَالْعُزَّى * وَمَناةَ الثَّالِثَةَ اَلْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ اَلْأُنْثَى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) النجم : 19:23

” وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْض كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ ” البقرة : 116

فكلامهم صريح بنسبة الضرر والنفع إلى أصنامهم استقلالا التي عبدوها من دون الله فكيف تنطبق هذه الآيات على المسلمين وهم يعبدون الله الواحد الأحد؟؟

فإن جميع هذه الآيات تدل وبصراحة على أن شرك المشركين كان في دعاء الآلهة التي عبدوها من دون الله ، وهل هناك حاجة لأدلة أصرح من هذه الآيات؟

ونرى في الآيات وسنرى في جميع التفاسير أن المشركين عبدوا أصنامهم من دون الله فالآيات نصت على أنهم عبدوا أصنامهم وكذلك هذا ما جاء في جميع التفاسير وما قاله أهل التفسير وكذلك تسمية أصنامهم آلهة تستحق العبادة,بنات الله,عبدوا من دون الله,شريك لله,

وهذا ما لا يقول به مسلم فلا يوجد من يشهد لسانه وقلبه ان لا اله الا الله محمد رسول الله ويعبد غير الله فهو جل جلاله المستحق للعبادة.

فالمشركون كانوا يعبدون الآوثان من دون الله والفرق بين دعاء المشركين لغير الله وبين استشفاع المؤمنين إلى ربهم واضح بيِّن لكل ذي لبٍّ قويم , فوسيلة الشئ غيره.

فالمشركون كانوا يتخذون من يدعونه إلهاً من دون الله فيدعونهم استقلالا من دون الله اما التوسل من المسلمين فهو من عباد الله مستشفعين إلي الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد!!


الكشاف للزمخشري

وقرأ ابن مسعود بإظهار القول: «قالوا ما نعبدهم» وفي قراءة أبيّ:

ما نعبدكم إلا لتقربونا على الخطاب، حكاية لما خاطبوا به آلهتهم. وقرىء: «نعبدهم» بضم النون اتباعاً للعين كما تتبعها الهمزة في الأمر، والتنوين في { عَذَاب ٱرْكُضْ } والضمير في { بَيْنَهُمْ } لهم ولأوليائهم. والمعنى: أن الله يحكم بينهم بأنه يدخل الملائكة وعيسى الجنة، ويدخلهم النار مع الحجارة التي نحتوها وعبدوها من دون الله يعذبهم بها حيث يجعلهم وإياها حصب جهنم.

واختلافهم: أن الذين يعبدون موحدون وهم مشركون، وأولئك يعادونهم ويلعنونهم، وهم يرجون شفاعتهم وتقريبهم إلى الله زلفى. وقيل: كان المسلمون إذا قالوا لهم: من خلق السمٰوات والأرض، أقرّوا وقالوا: الله، فإذا قالوا لهم:

فما لكم تعبدون الأصنام؟ قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى؛ فالضمير في { بَيْنَهُمْ } عائد إليهم وإلى المسلمين. والمعنى: أن الله يحكم يوم القيامة بين المتنازعين من الفريقين،

مفاتح الغيب للرازي

أن الضمير في قوله: { مَا نَعْبُدُهُمْ } ضمير للعقلاء فلا يليق بالأصنام الثاني: أنه لا يبعد أن يعتقد أولئك الكفار في المسيح والعزيز والملائكة أن يشفعوا لهم عند الله، أما يبعد من العاقل أن يعتقد في الأصنام والجمادات أنها تقربه إلى الله، وعلى هذا التقدير

فمرادهم أن عبادتهم لها تقربهم إلى الله، ويمكن أن يقال إن العاقل لا يعبد الصنم من حيث إنه خشب أو حجر، وإنما يعبدونه لاعتقادهم أنها تماثيل الكواكب أو تماثيل الأرواح السماوية، أو تماثيل الأنبياء والصالحين الذين مضوا، ويكون مقصودهم من عبادتها توجيه تلك العبادات إلى تلك الأشياء التي جعلوا هذه التماثيل صوراً لها.

حاصل الكلام لعباد الأصنام أن قالوا: إن الإله الأعظم أجل من أن يعبده البشر لكن اللائق بالبشر أن يشتغلوا بعبادة الأكابر من عباد الله مثل الكواكب ومثل الأرواح السماوية، ثم إنها تشتغل بعبادة الإله الأكبر، فهذا هو المراد من قولهم: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى }.

واعلم أن الله تعالى لما حكى مذاهبهم أجاب عنها من وجوه: الأول: أنه اقتصر في الجواب على مجرد التهديد فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَـٰذِبٌ كَـفَّارٌ } والمراد أن من أصر على الكذب والكفر بقي محروماً عن الهداية، والمراد بهذا الكذب

وصفهم لهذه الأصنام بأنها آلهة مستحقة للعبادة مع علمهم بأنها جمادات خسيسة وهم نحتوها وتصرفوا فيها، والعلم الضروري حاصل بأن وصف هذه الأشياء بالإلهية كذب محض، وأما الكفر فيحتمل أن يكون المراد منه الكفر الراجع إلى الاعتقاد، والأمر ههنا كذلك فإن وصفهم لها بالإلهية كذب، واعتقادهم فيها بالإلهية جهل وكفر.

تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } يعني الأصنام والخبر محذوف. أي قالوا: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } قال قتادة: كانوا إذا قيل لهم مَن ربكم وخالقكم؟ ومن خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء؟ قالوا: الله ، فيقال لهم ما معنى عبادتكم الأصنام؟ قالوا ليقربونا إلى الله زلفى، ويشفعوا لنا عنده. قال الكلبي: جواب هذا الكلام في الأحقاف

{ فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَة }

تفسير القرآن الكريم ابن كثير

وقال قتادة في قوله تبارك وتعالى: { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ }: شهادة أن لا إله إلا الله. ثم أخبر عز وجل

عن عباد الأصنام من المشركين: أنهم يقولون: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } أي: إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صور الملائكة المقربين في زعمهم، فعبدوا تلك الصور؛ تنزيلاً لذلك منزلة عبادتهم الملائكة؛ ليشفعوا لهم عند الله تعالى في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمور الدنيا، فأما المعاد، فكانوا جاحدين له، كافرين به. قال قتادة والسدي ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد: { إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } أي: ليشفعوا لنا ويقربونا عنده منزلة، ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك.

وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون قديم الدهر وحديثه، وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بردّها، والنهي عنها، والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وأنّ هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم، لم يأذن الله فيه، ولا رضي به، بل أبغضه ونهى عنه، { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ }

تفسير فتح القدير للشوكاني

وجملة { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى } في محل نصب على الحال بتقدير القول، والاستثناء مفرّغ من أعمّ العلل، والمعنى: والذين لم يخلصوا العبادة لله، بل شابوها بعبادة غيره قائلين:

ما نعبدهم لشيء من الأشياء إلا ليقرّبونا إلى الله تقريباً، والضمير في نعبدهم راجع إلى الأشياء التي كانوا يعبدونها من الملائكة، وعيسى، والأصنام، وهم: المرادون بالأولياء، والمراد بقولهم: { إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى } الشفاعة، كما حكاه الواحدي عن المفسرين.

قال قتادة: كانوا إذا قيل لهم: مَن ربكم، وخالقكم، ومن خلق السمٰوات، والأرض، وأنزل من السماء ماء؟ قالوا: الله، فيقال لهم: ما معنى عبادتكم للأصنام؟ قالوا: ليقرّبونا إلى الله زلفى، ويشفعوا لنا عنده. قال الكلبي: جواب هذا الكلام قوله في سورة الأحقاف:

{ فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً ءالِهَةَ } [الأحقاف: 28]. والزلفى اسم أقيم مقام المصدر، كأنه قال: إلا ليقرّبونا إلى الله تقريباً. وفي قراءة ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد: (قالوا ما نعبدهم)، ومعنى { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } أي: بين أهل الأديان يوم القيامة، فيجازي كلا بما يستحقه. وقيل: بين المخلصين للدين، وبين الذين لم يخلصوا، وحذف الأوّل لدلالة الحال عليه، ومعنى { فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }: في الذي اختلفوا فيه من الدين بالتوحيد، والشرك، فإن كلّ طائفة تدّعي أن الحقّ معها { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَـٰذِبٌ كَـفَّارٌ } أي: لا يرشد لدينه، ولا يوفق للاهتداء إلى الحقّ من هو كاذب في زعمه: أن الآلهة تقربه إلى الله، وكفر باتخاذها آلهة، وجعلها شركاء لله، والكفار صيغة مبالغة تدلّ على أن كفر هؤلاء قد بلغ إلى الغاية. وقرأ الحسن، والأعرج كذاب على صيغة المبالغة ككفار، ورويت هذه القراءة عن أنس.

تفسير القرآن للفيروزآبادي

وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ }

عبدوا { مِن دُونِهِ } من دون الله كفار مكة { أَوْلِيَآءَ } أرباباً اللات والعزى ومناة قالوا { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } قربى في المنزلة والشفاعة { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } وبين المؤمنين يوم القيامة { فِي مَا هُمْ فِيهِ } في الدين { يَخْتَلِفُونَ } يخالفون { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي } لا يرشد إلى دينه { مَنْ هُوَ كَاذِبٌ } على الله { كَـفَّارٌ } كافر بالله وهم اليهود والنصارى وبنو مليح والمجوس ومشركو العرب

تفسير بحر العلوم للسمرقندي

قوله عز وجل { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ }

يعني عبدوا من دونه أرباباً، وأوثاناً { مَا نَعْبُدُهُمْ } على وجه الإضمار، قالوا مَا نَعْبُدُهُمْ يعني يقولون ما نعبدهم، وروي عن عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب أنهما كانا يقرآن وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قالوا (مَا يعبدهم) بالياء، وقراءة العامة مَا نَعْبُدُهُمْ على وجه الإضمار لأن في الكلام دليلاً عليه { إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى } يعني ليشفعوا لنا، ويقربونا عند الله ويقال ليقَربونا إلى الله زلفى يعني منزلة. يقول الله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } يعني يقضي بينهم يوم القيامة { فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من الدين ثم قال عز وجل { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي } أي لا يرشد إلى دينه { مَنْ هُوَ كَـٰذِبٌ كَـفَّارٌ } في قوله الملائكة بنات الله وعيسى بن الله، كفار، يعني كفروا بالله، بعبادتهم إياهم، ويقال معناه: لا يوفق لتوحيده من هو كاذب على الله، حتى يترك كذبه ويرغب في دين الله

النكت والعيون للماوردي

والذين اتخذوا من دونه أولياء } يعني آلهة يعبدونها.

ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } قال كفار قريش هذه لأوثانهم وقال من قبلهم ذلك لمن عبدوه من الملائكة وعزير وعيسى، أي عبادتنا لهم ليقربونا إلى الله زلفى

تفسير معالم التنزيل للبغوي

{وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ } ، أي: من دون الله، { أَوْلِيَآءَ } ، يعني: الأصنام، { مَا نَعْبُدُهُمْ } ، أي قالوا: ما نعبدهم، { إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللهِ زُلْفَىۤ } ، وكذلك قرأ ابن مسعود، وابن عباس.

قال قتادة: وذلك أنهم إذا قيل لهم: مَنْ ربكم، ومَنْ خلَقكم، ومَنْ خلق السموات والأرض؟ قالوا: الله، فيقال لهم: فما معنى عبادتكم الأوثان؟

قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى، أي: قربى، وهو اسمٌ أقيم في مقام المصدر، كأنه قال: إلا ليقربونا إلى الله تقريباً ويشفعوا لنا عند الله، { إِنَّ ٱللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } ، يوم القيامة، { فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } ، من أمر الدين، { إِنَّ ٱللهَ لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ كَـٰذِبٌ كَـفَّارٌ } ، لا يرشد لدينه من كذب فقال: إن الآلهة تشفع. وكفى باتخاذ الآلهة دونه كذباً وكفراً.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية

وقوله تعالى: { والذين اتخذوا } رفع بالابتداء، وخبره في المحذوف المقدر، تقديره: يقولون ما نعبدهم، وفي مصحف ابن مسعود: ” قالوا ما نعبدهم ” ، وهي قراءة ابن عباس ومجاهد وابن جبير. و: { أولياء }

يريد بذلك معبودين، وهذ مقالة شائعة في العرب، يقول كثير منهم في الجاهلية: الملائكة بنات الله ونحن نعبدهم ليقربونا، وطائفة منهم قالت ذلك في أصنامهم وأوثانهم. وقال مجاهد: قد قال ذلك قوم من اليهود في عزير، وقوم من النصارى في عيسى ابن مريم وفي مصحف أبي بن كعب: ” ما نعبدكم ” بالكاف ” إلا لتقربونا ” بالتاء. و { زلفى} بمعنى قربى وتوصلة، كأنه قال: لتقربونا إلى الله تقريباً، وكأن هذه الطوائف كلها كانت ترى نفوسها أقل من أن تتصل هي بالله، فكانت ترى أن تتصل بمخلوقاته.

زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي

قوله تعالى: { ما نَعْبُدُهم } أي : يقولون ما نعبُدُهم { إلا لِيُقَرِّبونا إِلى الله زُلْفى } أي: إِلاّ لِيَشْفَعوا لنا إِلى الله، والزُّلْفى: القُرْبى، وهو اسم أُقيم مقامَ المصدر فكأنه قال: إلاّ لِيُقَرِّبونا إِلى الله تقريباً.

إنَّ الله يحكمُ بينهم } أي: بين أهل الأديان فيما كانوا يختلفون فيه من أمر الدّين. وذهب قوم إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك.

قوله تعالى: { إنَّ الله لا يَهْدي } أي: لا يُرْشِد { مَنْ هو كاذبٌ } في قوله إِن الآلهه تشفع { كَفَّارٌ } أي: كافر باتِّخاذها آلهة. وهذا إِخبار عمن سبق عليه القضاء بحرمان الهداية.

تفسير القرآن لابن عبد السلام

الدِّينُ الْخَالِصُ } شهادة أن لا إله إلا الله، أو الإسلام ” ح ” ، أو ما لا رياء فيه من الطاعات. { مَا نَعْبُدُهُمْ }

قالته قريش في أوثانها وقاله من عبد الملائكة وعُزيراً وعيسى { زُلْفَى } منزلة، أو قرباً، أو الشفاعة ها هنا.

تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي

وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ }

أي آلهة وهو مبتدأ محذوف الخبر تقديره: والذين عبدوا الأصنام يقولون { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى } مصدر أي تقريباً { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } بين المسلمين والمشركين { فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } قيل: كان المسلمون إذا قالوا لهم من خلق السماوات والأرض؟ قالوا: الله، فإذا قالوا لهم: فما لكم تعبدون الأصنام؟ قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى. والمعنى أن الله يحكم يوم القيامة بين المتنازعين من الفريقين { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ كَـٰذِبٌ كَـفَّارٌ } أي لا يهدي من هو في علمه أنه يختار الكفر يعني لا يوفقه للهدى ولا يعينه وقت اختياره الكفر ولكنه يخذله،

لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن

والذين اتخذوا من دونه }

أي من دون الله { أولياء } يعني الأصنام { ما نعبدهم } أي قالوا ما نعبدهم { إلا ليقربونا إلى الله زلفى } يعني قربة وذلك أنهم كانوا إذا قيل لهم من خلقكم وخلق السموات والأرض ومن ربكم قالوا الله فقيل لهم فما معنى عبادتكم الأصنام فقالوا ليقربونا إلى الله زلفى وتشفع لنا عنده { إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون } أي من أمر الدين { إن الله لا يهدي } أي لا يرشد لدينه { من هو كاذب } أي من قال إن الآلهة تشفع له { كفار } أي باتخاذه الآلهة دون الله تعالى

البحر المحيط لأبو حيان

{والذين اتخذوا }: مبتدأ، والظاهر أنهم المشركون، واحتمل أن يكون الخبر قال المحذوف المحكى به قوله: { ما نعبدهم } ، أي والمشركون المتخذون من دون الله أولياء قالوا: ما نعبد تلك الأولياء { إلا ليقربونا إلى الله زلفى } ، واحتمل أن يكون الخبر: { إن الله يحكم بينهم } ، وذلك القول المحذوف في موضع الحال، أي اتخذوهم قائلين ما نعبدهم.

{إن الله يحكم بينهم }: اقتصر في الرد على مجرد التهديد، والظاهر أن الضمير في بينهم عائد على المتِّخذين، والمتَّخذين

والحكم بينهم هو بإدخال الملائكة وعيسى عليه السلام الجنة، ويدخلهم النار مع الحجارة والخشب التي نحتوها وعبدوها من دون الله، يعذبهم بها، حيث يجعلهم وإياها حصب جهنم.

اللباب في علوم الكتاب لابن عادل

الرابع: أن يكون ” الَّذين ” عبارة عن الملائكة

وما عبدوا من دون الله كعُزَيْرٍ، واللاَّتِ والعُزَّى ويكون فاعل ” اتَّخَذَ ” عائداً على المشركين ومفعول الاتّخاذ الأول محذوف هو عائد الموصول، والمفعول الثاني هو: ” أَوْليَاء ” والتقدير: والذين اتخذهم المشركون أولياء.

ثم قال اللَّهُ تَعَالَى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } أي من أصر على الكذب والكفر بقي مَحـرُوماً من الهداية.

والمراد بهذا الكذب وصفهم للأصنام بأنها آلهة مستحقة للعبادة مع علمهم بأنها جمادات خسيسة، ويحتمل أن يكون المراد بالكفار كفران النعمة لأن العبادة نهاية التعظيم وذلك لا يليق إلا ممن يصدر عنه غاية الإنعام وهو الله تعالى، والأوثان لا مدخل لها في الإنعام فعبادتها توجب كفران نعمة المنعم الحق.

فكما راينا جميع أهل التفسير ذكروا عبدوا,نعبد, الخ الخ , تسمية أصنامهم آلهة تستحق العبادة,بنات الله,عبدوا من دون الله,شريك لله ، وهذا ما لا يقول به مسلم فلا يوجد من يشهد لسانه وقلبه ان لا اله الا الله محمد رسول الله ويعبد غير الله والعايذ بالله فالتوسل غير العبادة كلياً فهو جل جلاله المستحق للعبادة.

- قال تعالى: “إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين“.

هذه الآية واردة فيمن يعبدُ غير الله تعالى، ولا يجوز الاستدلال بها للرد على المتوسلين إلى الله بخلقه ثم إن المراد بالآية هو الأصنام ومن عبدوهم من دون الله لا الموتى من الأنبياء والأولياء والصالحين.

والمستدعي للنظر والفهم أن هذه الآيات لا تشمل المسلمين لاختلاف حالهم عن حال الكفار جملا وتفصيلا فالدعاء في هذه الآيات بمعني العبادة لأصنامهم.

((وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ))

هذا توبيخ للمشركين في دعواهم مع الله غيره في المسجد الحرام هو لله اصطفاه لهم , واختصهم به , ووضعه مسكناً لهم .

وأحياه بعد الممات على يد أبيهم , وعمره من الخراب بسلفهم , وحين بلغت الحالة إليهم كفروا هذه النعمة , وأشركوا بالله غيره وما كان المتوسل يشرك احدا أياً كان في العبادة مع الله كما بينا سابقاً.

فالمشركون كانوا يعبدون الآوثان من دون الله والفرق بين دعاء المشركين لغير الله وبين استشفاع المؤمنين إلى ربهم واضح بيِّن لكل ذي لبٍّ قويم , فالمشركون كانوا يتخذون من يدعونه إلهاً من دون الله فيدعونهم استقلالا من دون الله أما التوسل فهو من عبد الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد!!

- وقوله تعالى : ( أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض ؟ أإله مع الله ؟ ) سورة النمل : 62

- وقوله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (٦٠)غافر

- قال تعالى ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ اَلدَّاعّ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (١٨٦) البقرة

الرد على الإشكالات في هذه الآيات:-

فهذه الآيات لا تنكر الاستغاثة والتوسل فمن استعان بمخلوق أو سأله أو طلب منه، معتقِداً أنه ينفع ويضر بنفسه استقلالا دون الله فقد أشرك..وهذا لا خلاف عليه فهذه الآيات شاملة لدعاء الشخص نفسه ولدعاء المستغاث به وكل من الاستغاثة والتوسل ليس فيهما دعاء غير الله بما اختص به وحتى حين يطلب المستغيث أو المتوسل قضاء الحاجة من المستغاث به مباشرة لا يريد الموحد بالله منه إلا أن يسعى في قضاء حاجته بالطرق المقدورة له عند من بيده الأمر وحده الله جل جلاله فهو في حقيقته استشفاع لطلب السعي والتسبب العادي في إجابة الدعاء وقضاء الحاجة.

أما التوسل فهو مشروع ولا أحد يظن كما بينا مسبقا أن التوسل والاستغاثة بالأنبياء والصالحين ليس إلا تشفعاً بهم لله عز وجل فالله هو المتصف بالقدرة المطلقة ويعطي ما يشاء لمن يشاء من عباده فيعطي لهم بعض القدرة المقيدة وهل هذا على الله بكثير..؟

والأنبياء والأولياء ما هم إلا سبباً في الضر والنفع بإذن الله تعالى والفاعل هو الله جل جلاله كما بينّا وسنبين في معرض المطوية.

والاستغاثة والتوسل إذا أطلقت على المخلوق فهي من قبيل الاشتراك اللفظي والمجاز وكل المؤمنين يعلمون أن المغيث هو الله وما النبي أو الولي إلا من قبيل التسبب.

والمستدعي للنظر في أغلب الآيات أن الكفار عبدوا أصنامهم فإن جميع هذه الآيات تدل وبصراحة على أن شرك المشركين كان في دعاء الآلهة التي عبدوها من دون الله وقولهم لقربونا إلي الله زلفي أو أن الله هو الخالق هو من الكذب فالمشركين أقروا بألسنتهم فقط ولم يكن هذا ايمان فهم كاذبون افاكون.

اتعلمون كيف يكون أفاكون كاذبون ؟ انظر إلى قول الله تعالى ( ولئن سألتهم من خلق السموات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون ) العنكبوت : 61
اتعلم كيف ينطق الكفار بألسنتهم فقط؟؟

قال الله تعالى ( يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم ) * التوبة : 8

قال تعالى : ( إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) الزمر : 3

قال القرطبي في التفسير ( 13 / 161 ) : ( أي كيف يكفرون بتوحيدي وينقلبون عن عبادتي)اهــ

ونقول هذا معناه : أنهم يقولون ذلك بألسنتهم فقط عند إقامة الحجج عليهم وهم في الحقيقة لا يقولون بذلك

ويظهر هذا في قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربه )

وجاء في الاثر حدثنا عبد الله قال : حدثني أبي ، قثنا محمد بن عبد الله قثنا كثير بن زيد ، عن المطلب بن عبد الله قال : قرأ ابن الزبير آية فوقف عندها أسهرته حتى أصبح ، فلما أصبح قال : من حبر هذه الأمة ؟ قال : قلت : ابن عباس ، فبعثني إليه فدعوته ، فقال له :

إني قرأت آية كنت لا أقف عندها ، وإني وقفت الليل عندها فأسهرتني ، حتى أصبحت ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) فقال ابن عباس « لا تسهرك فإنا لم نعن بها ، إنما عني بها أهل الكتاب ، ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله )، وهو ( الذي بيده ملكوت كل شيء ) ، ( وهو يجير ولا يجار عليه ) سيقولون الله فهم يؤمنون ههنا وهم يشركون بالله »


فضائل الصحابة احمد بن حنبل 3\334

مختصر قيام الليل للمروزي، ص 149)

وذكر مختصرا في تفسير الإمام الطبري.

إذاً فكلُّ آيةٍ تدل على المعنى الصريح الواضح ووضع الكفار وارجع إلى الكلام عن هذه الآية : (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)

وهو العبادة للأوثان من دون الله والفرق بين دعاء المشركين لغير الله وبين استشفاع المؤمنين إلى ربهم واضح بيِّن لكل ذي لبٍّ قويم , فالمشركون كانوا يتخذون من يدعونه إلهاً من دون الله فيدعونهم استقلالاًَ من دون الله والقول أن الكفار كانوا موحدين توحيد ربوبية هو من الجهل الفظيع

هل هؤلاء الكفار في الآيات التي سردناها موحدين أم مشركين ؟

فإما أن يقول المعترض بأنهم مشركون أم يقول البعض بأنهم موحدون لأن الذي نعرفهُ وندين الله تعالى به هو أن الناس ينقسمون الى قسمين إما كُفار وأما موحد وقول البعض بأن هناك من هو موحد توحيد ألوهية وليس موحد توحيد ربوبية أو العكس يقتضي وجود منزلة بين المنزلتين . ونحنُ لا نعرف إلا موحد أو مشرك

ثم يامن قسمتم التوحيد الى توحيد الوهية وربوبية واسماء وصفات !

اليس التوحيد من أعظم المهمات التي بعث بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء؟؟؟

إذاً لماذا لم يقل نبينا عليه الصلاة والسلام ( ايها الناس أعلموا أن التوحيد ينقسم الى توحيد الوهية وربوبية واسماء وصفات ) ؟

أنا أجيبكم على ذلك لأنه : سَرَابٌ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً َ

ثم هل ورد في حديث من الآحاديث أن الرجل إذا وضع في قبره يسألهُ الملكان ( هل كُنت موحد توحيد ألوهية أم كنت موحد توحيد ربوبية ؟)

ثم هل من قال فيهم سبحانه وتعالى:

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (العنكبوت:23)

( بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة: من الآية5)

( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ )(البقرة: من الآية61)

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (آل عمران: من الآية4)

(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (آل عمران:70)

)َضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ) (آل عمران: من الآية112)

(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ) (النساء: من الآية155)

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ)(لأنفال: من الآية52)

(وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (يونس:95)

(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النحل:104)

(ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) (الروم:10)

(كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (غافر:63)

(وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)(الأنعام: من الآية33)

والظالمين المراد به هنا هم الكافرين ، فالخلق والإنعام والإيجاد والرزق ووو كلها من آيات الله , فوصف الله الكفار بأنهم جاحدون أي كافرون بآيات الله ( توحيد الربوبية على زعمكم )

فهل من يكفر بآيات الله يعترف بالله لا رب سواه؟ ؟

مالكم كيف تحكمون ؟

ثم أين العقول يا أصحاب العقول؟

ما معنى كلمة ( موحد ) ؟ فهي في مفهومكم مُتجزئ الى ثلاثة ؟؟

لعمري إن توحيد الوهابية أشبه بتوحيد النصارى أصحاب عقيدة التثليث ، ومما سبق في الآيات وما طرحناه نجد أن الكفار والمشركين يقولون نعبدهم

ويقول الله تعالى : عبدوها يعبدوها

و الآيات الواضحة جداً ولا تحتاج إلى فهم خاص ولا تحتاج إلى منظار فالكلمات واضحة وضوح الشمس

عبدوها يعبدون نعبدهم عبدوا

فهم يعبدون أصنام وبشر كعبادة المسلمين لرب العالمين يسجدون لها ويجعلونها آلهتهم فهي التي تضرهم وتنفعهم من دون الله أي ولذلك عبدوها فكيف ينطبق هذا على أمة التوحيد فهم قد عبدوا أصنامهم وأنبيائهم وجعلوهم إلهة تنفع وتضر وترزق وتخلق وتميت وتحيي فهي في قلوبهم وعقولهم مكان الله تعالى والعياذ بالله فأضافوا إليهم صفات الألوهية ونسبوا إليهم القدرة استقلالاً من دون الله فآلهتهم عندهم ترزقهم وتنصرهم ولا يوجد في قاموسهم الله عز وجل.

ولا أحد من المسلمين المتوسلين المستغثين بأحد من عباد الله يعبد بشراً او صنماً أو حجراً ولا يعتقد في أحدٍ من خلق الله نفعاً ولا ضراً بدون الله فلا إله الا الله المتصف بصفات الكمال سبحانه وحده القادر القدير.

ثانياً – بيان الإشكال في الأحاديث النبوية الشريفة

فعن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن الدعاء هو العبادة)

فنقول لهم إن التوسل لا يسمي عبادة قطعاً ولا يقال فيه عبادة بل هو وسيلة إلى العبادة ومعلوم لذوي الألباب أن وسيلة الشيء غيره بالضرورة ، فإن التوسل ليس فيه تقرب للمتوسل به ولا تعظيمه وإيصاله إلى مرتبه الألوهية بأنه ينفع ويضر ويرزق بل المتوسل به هو وسيلة رجاء تحقيق مطالبه من الله تعالى فالله وحده النافع الضار ومن المعلوم أن الناس منذ القرون السابقة للإسلام إلى الآن لا تخلو من التعظيم للأمراء والولاة والسلاطين وكبرائهم وهذا أمر دنيوي ليس من باب العبادة ولا يقصد به عبادتهم أو تعظيمهم تعظيم الآلوهية لأن هذا التعظيم في أمر دنيوي لم يبلغ نهايته والتعظيم الناشئ عنه لم يبلغ غايته في التذلل والعبادة.

ولأنه هذا التعظيم لم يصل إلى التعظيم الإلهي والاعتقاد بالنفع والضر استقلالا ولا يشمل غاية الخضوع والتذلل ومثل هذا لا يمكن أن يكون عبادة..ويظهر هذا بوضوح لذوي الألباب ومدى الاختلاف بين الوسيلة والعبادة من تعريف الوسيلة والتوسل والعبادة .

ويظهر من معنى العبادة أن الكفار ممن عبدوا الأصنام والأنبياء والصالحين إنما وصلوا إلى تعظيمها والخضوع التام لها والتذلل لهذه الأوثان فاعتقدوا أنها تجلب النفع وتدفع الضر فكانت بمثابة الآلهة لهم فعبدوها من دون الله العزيز .

و كل دعاء ليس عبادة فهو كما يكون بمعنى العبادة مثل في قوله تعالى (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك) يونس ١٠٦

وبمعني السؤال كقوله تعالى (وادعوا شهداءكم)البقرة ٢٣

وبمعني القول إلخ كما ذكرنا في تعريف العبادة فليرجع اليه ، فيكون بناء على ما سبق أن المقصود بالدعاء هو دعاء الله تعالى لا مطلق الدعاء أي أن سؤال الله تعالى هو أعظم العبادة فإذا كان الطلب من الله سمي سؤالاً ودعاءً ولا يقال للطلب من غير الله تعالى دعاءً وبناءً على ذلك فالأحرى ألا يقال لذلك الطلب دعاء بمعنى العبادة لأنه لا يجوز أن يطلق على الطلب من غير الله تعالى دعاء فمن قال يا سيد أعطني درهما !!!!

وطلب من العبد أيكون هذا من الدعاء ويحكم عليه بالشرك؟

ما لكم كيف تحكمون ، كما أن النداء في حد ذاته ليس دعاء سواء للحي أو الميت

جاء في مصنف الإمام عبد الرزاق (٣ / ٥٧٦ / حديث ٦٧٢٤ بتحقيق المحدث الأعظمي) بسند صحيح عن نافع قال :كان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتاه . اهــ .

ولم يكن هذا من ابن عمر عبادة مع أنه نداء باتفاق العقلاء :….

فهل يقال إن النداء هنا عبادة وكفر وشرك؟

إن كان كل دعاء عبادة على حد زعم البعض يكون الفهم الصحيح لقوله تعالى { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا}

على تفسير الوهابية سيكون لا تجعلوا عبادة الرسول بينكم كعبادة بعضكم بعضاً وبهذا تقولوا أن الله يأمرُنا بعبادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من عبادتنا لبعضنا، وبذلك تأتونا باجدد التفاسير لكتاب الله عز وجل

- وقوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله فهذا الحديث المقصود به النهي عن الغفلة عن أن ما كان من الخير على يد الأسباب فهو من الله وعليه فالمقصود أنه إذا أراد الاستعانة بأحد المخلوقات (وهذا لا يخفي على عاقل لابد منها وشيء ضروري في الحياة الدنيا) فاجعل كل اعتمادك عل الله تعالى ولا تحجبنك الأسباب عن رؤية المسبب ذو الجلال والإكرام..

وقد فسر ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله عقب هذه الجملة (وأعلم على أن آلامه لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وان اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله لك.) فاثبت الرسول نفعا وضرا للعباد بما كتبه الله وإنما كانوا سبباً والمسبب هو جل جلاله.

ولا يملك أحدا لنفسه فضلا عنه غيره نفعا ولا ضرا فالنفع والضر محدود ومقيد بان المسبب هو الله تعالى ونسبته إلى الخلق على سبيل التسبب والتكسب لا على سبيل الخلق والإيجاد والقوة والقدرة فنسبه هذه الأفعال للعباد إنما هي من تعبيرات المجاز إي هي في الحقيقة مجازيه ليست حقيقية ، وما شابه ذلك من الأحاديث أيضا له نفس المعنى ، فإنها إرشاد إلى عدم الغفلة عن الفاعل المختار وليس مرادًا ألا يطلبها العبد إلا من الله لأن طلبها من العباد لتحصيل أفعال الله هو من اتخاذ الأسباب المشروعة وترتيب الأسباب على مسبباتها فدعاء الله مجرداً من الوسائل ودعاؤه مقروناً بها كلاهما مشروع وهي من الله في كل الأحوال خلق الفعل في العبد ومن العباد التسبب فيها.

فالمثبت في الاستغاثة والإعانة والاستعانة لله تعالى هو الخلق والإيجاد ، والمثبت للعبد هو التسبب في ذلك بالدعاء والشفاعة أو غيرهما لدى من بيده الأمر كله. الله الواحد الأحد.

والحديث ليس فيه أصلا بمعنى لا تسأل غير الله ولا تستعن بغير الله وإنما هو كقوله: صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي»

أخرجه أبو داود (٤٨٣٢) والترمذي وقال حديث حسن (٢٣٩٥) وأحمد (٣/٣٨) والدارمي (١٩٨٥) والبغوي (٣٤٨٤) والحاكم (٤/١٢٨) وصححه ووافقه الذهبي وحسنه ابن حبان (٥٥٤) والطيالسي (٢٢١٣) وأخرجه أيضا أبو يعلى (١٣١٥).

فهل في هذا الحديث أن مصاحبة غير المسلم حرام؟!

وهل يفهم منه أن إطعام غير التقي حرام؟!

وقد رخص الله في كتابه بإطعام الأسير الكافر بل مدح ذلك بقوله : (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) ( سورة الإنسان الآية (8).

الحديث الضعيف الذي أورده الإمام أحمد 5\317 وابن سعد في الطبقات الجزء الأخير من الحديث (قوموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نستغيث به من هذا المنافق:فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإمام أحمد 5\317 وابن سعد في الطبقات

وفي رواية أخرى( لا توجد في نسخ الطبراني ولا يوجد اي دليل يفيد وجودها )

فهذا الحديث ضعيف منكر لا يصلح للاستدلال به فيه راو لم يسم وقال فيه ابن كثير في تفسيره ٣\١٧٤ وهذا الحديث غريب جدا وفيه علة..

وهل يصلح حديث مضطرب ضعيف جداً وأصلاً هو منكر للاستدلال به في قضية كفر وإيمان وشرك وتوحيد كما يقول المخالف..

وإذا سلمنا بصحة الحديث-ونحن لا نسلم به- حتى على الرغم من ثبوت العكس وأنه مضطرب لا يصلح للاستدلال فالمعنى أيضاً كما ذكر أهل العلم كأنما الرسول يقول لهم إذا استغثتم بي فإنما تستغيثون بالله على الحقيقة

كمثل قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى} الأنفال ١٧

وقوله تعالى (إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) الفتح:10

ولا يكون معناه منع الاستغاثة لأنه يضاد آيات صريحة و أحاديث كثيرة صحيحة

وقد نصت بعض الآيات في الكتاب الحكيم على ذلك ودعت المسلمين للذهاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم للاستغفار لهم والتوسل به وهذا من الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم وهذا ما يثبت أن الحديث مضطرب معلول ضعيف لا يصح الاستنا عليه.

يقول الله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } سورة النساء الآية 64

فاستمداد الإنسان بالإنسان الآخر أمر واقع في الحياة البشرية وجائز عند جميع الأمم

وهنا استغاثه الذي من شيعته بسيدنا موسى عليه السلام { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ .. }[القصص ١٥]

والاستغاثة والطلب من العباد ذكرت في أكثر من موضع في الكتاب الحكيم مما يظهر أن المعنى للحديث لو سلمنا بصحته ليس على ظاهرة كما يدعي البعض قوله تعالى (فأعينوني بقوة) ونحو (واستعينوا بالصبر والصلاة) ، مثل بني إسرائيل طلبوا من موسى الماء والمطر وهم في التيه ليخلصهم من الظمأ إذ يقول سبحانه (وَأَوْحَيْنَا إِلى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ) لأعراف: ١٦٠

قد طلب سليمان من حضّار مجلسه إحضار عرش المرأة التي كانت تملك قومها ولم يطلب ذلك من الله إنما طلبه بإذن الله تعالى من أحد الحاضرين والجدير بالذكر هنا أن هذه الآية تدل أيضا على كرامات الأولياء في إحضار العرش!!

كما يحكي سبحانه (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ)

فطلب الاستسقاء وإحضار العرش من أشخاص وهي من الأمور الخارقة التي لا يقدر عليها العباد إلا بإذن رب العباد.

لو كان طلب الخوارق من غيره سبحانه شركاً كيف طلب بنوا إسرائيل من نبيّهم موسى عليه السلام ذلك الأمر؟

أو كيف طلب سليمان من أصحابه إحضار ذلك العرش من مكان بعيد؟؟

وغيرها الكثير من آيات الكتاب الحكيم والحديث الصحيح : ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)

وقال صلى الله عليه وسلم: ( أن لله خلقاً خلقهم لحوائج الناس يفزع الناس إليهم في حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله)

روى الطبري بإسناد رجاله ثقات كما قال الحافظ الهيثمي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجه بأرض فلاة فليناد: أعينوا عباد الله“.

في هذا الحديث جواز استغاثة المخلوق والاستعانة به فيما يقدر عليه العباد فهذا دليل جواز استعانة العباد بعضهم ببعض بل والحث على ذلك وإكرام المعين لغيره بمعونة الله الكبرى فالاستغاثة المطلقة والإعانة المطلقة فهما مختصان بالله تعالى وغيرها الكثير فيما سنوضحه فيما بعد

فلا ينكر هذا الحديث أن صح التوسل والاستغاثة لان من قال اللهم أسالك بجاه نبيك أو بمنزله نبيك أن تشفني فهو سأل الله متوسلاً بجاه نبيه عليه الصلاة والسلام ، فطلب الشيء الخارق من النبي والأولياء مع الاعتقاد أن الله من يتصف بالإعانة المطلقة والقدرة المطلقة جائز شرعا كما أسلفنا وقلنا وكما ورد في الكتاب الحكيم

والطلب في حقيقته من الله جل جلاله ، ولتوضيح مدى ضعف الحديث الذي لا يصح للزيادة والإيضاح على الرغم من اختلاف المعنى الذي ذهب إليه أهل الأنكار من علل الحديث اضطراب معناه ففي رواية أنه لا يقام لي..وفي الأخرى- الغير موجودة والتي ساقها ذكرها الحافظ نور الدين الهيثمي وعزاها للطبراني بهذا اللفظ الغريب ولم يسوق لها اسناداً يذكر !!أنه لا يستغاث بي

أ – انفرد به ابن لهيعة وهو معلول


قال الحافظ في تهذيب التهذيب ٥\٣٧٧

(وقال البخاري: تركه يحيي بن سعيد وقال ابن مهدي: لا أحمل عنه شيء, وقال ابن خزيمة في صحيحه: وابن لهيعة لست ممن يخرج حديثه في هذا الكتاب إذا انفرد وإنما أخرجته لان معه جابر بن إسماعيل)

وقال فيه الكثير من العلماء(ابن المديني: قال لي بشر بن السري لو رأيت ابن لهيعة لم تحمل عنه, قال ابن معين كان ضعيفاً لا يحتج بحديثه,كان من شاء يقول له حدثنا,قال الخطيب:فمن ثم كثرت المناكير في روايته لتساهله, وقد ضعفه الكثير من العلماء بل اجتمع العلماء على تضعيف حديثه وتركه وقال فيه الإمام أحمد بن صالح: ابن لهيعه ثقة وما روي عنه من الأحاديث فيها تخليط يطرح ذلك التخليط, وقال مسعود عن الحاكم: لم يقصد الكذب وإنما حدث من حفظه بعد احتراق كتبه فأخطأ….وقد ترك المختلط من أحاديثه الكثير من العلماء وضعفه الكثير مثل الجوزجاني,ابن أبي حاتم ,محمد بن سعد,مسلم,الحاكم أبو أحمد,ابن حبان,أبو جعفر الطبري,ابن كثير,وغيرهم الكثير)

* حديث جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاجِعُهُ الْكَلَامَ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ فَقَالَ جَعَلْتَنِي لِلَّهِ عَدْلًا ؟ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ.

فالروايات تشرح المعنى فقد ورد في الروايات : قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد .

وهذا الحديث يعني أن أفعال العباد يجب ردها إلى مشيئة الله عز وجل وفي الحديث أرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة من سواه بان يقولو ثم أي شاء الله ثم رسول الله وهذا من الادب كما في قوله تعالى ولا دخل بالحديث بالتوسل ولا الاستغاثة ومثله مثل حديث اذا استعنت استعن بالله فليراجع والحديث ورد بروايات عديدة.

روايات الحديث

عَنْ قُتَيْلَةَ امْرَأَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ : ﴿ أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ وَتَقُولُونَ وَالْكَعْبَةِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَيَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ ﴾ {النسائي}

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ﴿ إِذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ وَلَكِنْ لِيَقُلْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ ﴾ {سنن ابن ماجه}

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ﴿ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَعَلْتَنِي وَاللَّهَ عَدْلًا بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ ﴾ {أحمد}

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : ﴿ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ فَقَالَ بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ ﴾ {أحمد}

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : ﴿ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاجِعُهُ الْكَلَامَ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ فَقَالَ جَعَلْتَنِي لِلَّهِ عَدْلًا مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ ﴾ { أحمد }

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ﴿ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه ببعض الكلام فقال : ما شاء الله وشئت ، فقال : جعلتني لله عديلاً ، لا بل ما شاء الله وحده﴾ . مصنف ابن أبي شيبة

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ﴿ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم في بعض الأمر فقال الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلتني والله عدلا بل ما شاء الله وحده ﴾ السنن الكبرى للبيهقي

قول الرجل : ما شاء الله وشئت 19809 – أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن أيوب عن غيلان بن جرير عن أبي الحلال العتكي قال : انطلقت إلى عثمان فكلمته في حاجة ، فقال لي حين كلمته : ما شئت ، ثم قال : بل الله أملك ، بل الله أملك {مصنف عبد الرزاق}

عن قتيلة امرأة من جهينة : ﴿ أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنكم تنددون وإنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت وتقولون والكعبة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة ويقول أحدهم ما شاء الله ثم شئت ﴾ {السنن الكبرى للنسائي}

عن قتيلة بنت صيفي الجهنية ، قالت : جاء حبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : نعم القوم أنتم يا محمد لولا أنكم تشركون قال : وما ذاك ؟ قال : تقولون والكعبة إذا حلفتم قال : فأمهل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ثم قال : إذا حلفتم فقولوا ورب الكعبة فقال : نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون لله نداً قال : وما ذاك ؟ قال : تقولون : ما شاء الله وشئت قال : فأمهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : من قال : ما شاء الله فليقل ثم شئت))الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم

وروى الطحاوي بإسناده عن حذيفة رضي لله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ﴿ لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان ﴾

وفي رواية جابر بن سمرة رضي الله عنه : ﴿ أسمعها منكم فتؤذيني فلا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء محمد ﴾.

شرح الحديث

قال الإمام النووي رحمه الله في كتابه الأذكار :

فصل في بيان أن العطف على مشيئة الله تعالى مشيئة غيره بثم لا بالواو :

روينا في سنن أبي داود بالاسناد الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ﴿ لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا ما شاء الله ثم ما شاء فلان ﴾ .

قال الخطابي وغيره : هذا إرشاد إلى الأدب ، وذلك أن الواو للجمع والتشريك ، و ” ثم ” للعطف مع الترتيب والتراخي ، فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة من سواه.

قال العلامة ابن علان في شرحه على الأذكار :

قوله لأن الواو للجمع والتشريك أي فربما توهم مقارنة مشيئة العبد بمشيئة الله سبحانه لو أتى بالواو وليس الأمر كذلك إذ مشيته تعالى هي السابقة فأتى بثم الدالة على هذا المعنى وفقاً لذلك الإيهام .

فهذا الحديث خارج نطاق الموضوع لانه لا يقوم احد بعمل بمشيئته بل بمشيئة الله تعالي فتنبه.

والدليل على ذلك ما ورد في صحيح مسلم أعوذ برسول الله

أخرج الإمام مسلم عن ابن مسعود: ( أنه كان يضرب غلاماً فجعل يقول “أعوذ بالله قال: فجعل يضربه فقال :أعوذ برسول الله: فتركه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الإمام مسلم ٣\1281 حديث ابن مسعود أعوذ برسول الله منك.

4- حديث ذات الانواط

فالامر لا يحتاج إلى شرح في الأصل وإستدلال البعض به هو من الخطأ الجسيم في فهم الادلة من حديث أبي واقد الليثي قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين ونحن خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين ونحن حديثوا عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون حولها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله أكبر إنها السنن قلتم كما قالت بنو إسرائيل لموسى { اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَة ، قَالَ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ لتركبن سنن من كان قبلكم }.

ولاحظ اللفظ الثاني أخرجه الترمذي وغيره من رواية واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين ونحن حديثوا عهد بكفر، وكانوا أسلموا يوم فتح مكة، قال: فمررنا بشجرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، وكان للكفار سدرة يعكفون حولها، ويعلقون بها أسلحتهم يدعونها ذات أنواط، فلما قلنا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- قال:” الله أكبر، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنوا إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون، لتركبن سنن من كان قبلكم “.

وذات الأنواط هي شجرة كانت تعبد في الجاهلية وهي سمرة كان المتعبدون لها ينوطون بها سلاحهم ويعكفون حولها.


ولتوضيح المعنى

اولاً:- قوله” كانوا أسلموا يوم فتح مكة ” يفيد أن الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم :” اجعل لنا ذات أنواط .. ” لم يمض على إسلامهم سوى أيام لأن فتح مكة كان في رمضان لثلاث عشرة ليلة بقين منه وكان غزو النبي صلى الله عليه وسلم لهوازن يوم حنين بعد الفتح في الخامس من شوال أي بين فتح مكة وغزوة حنين خمسة عشر يوماً فقط على الراجح من أقوال السلف والمؤرخين ـوكان إسلام هؤلاء بين وخلال هذه الأيام فقط فهم كانوا حديثوا عهد بكفر فكان يجب توضيح الإسلام لهم ونهيهم عن التشبه بالمشركين ، فأن ذات الانواط شجرة كان الكفار يعلقون عليها أسلحتهم تعظيما لها وعبدوها من دون الله تعالي وكانوا يذبحون لها ويعتقدون انهم تنصرهم علي الاعداء وسؤال حديثوا عهد بكفر كان مشابهة الكفار والتشبه بهم وهذا ما يفيده جواب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم لأنهم أرادوا تقليد المشركين وذات الانواط عظمت من الكفار وعبدت وكان يدار حولها اعتقادا في ضرها ونفعها ويخرجون اليها كل عام للعبادة وهذا ما نصت عليه كتب السيرة والاحاديث والتفسير فكان النهي حتي عن تعليق اسلحتهم مثل الكفار حتي لا يستدرجوا وهم حديثي العهد بالاسلام إلى عبادتها وقد كان العرب في الجاهلية أهل شرك يعبدون الأصنام، ويجعلون منها شركاء لله، فجاء الإسلام بالتوحيد ونفي الشركاء، وإبطال عبادة الأصنام وقد شرع أحكاماً كثيرة لسد ذرائع العودة إلى الشرك.!!!!

ولذلك كان رد نبينا صلى الله عليه وسلم قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنوا إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة.

ثانثاً:- النهي عن مشابهة الكفار حتي للتعليق الاسلحة لانه لا يوجد علة شرعية في هذا والخوف من استدراجهم لعبادتها ، وقولنا بأن شجرة ذات أنواط كان المشركون يعظمونها من غير علة صحيحة وذلك لأن هذه الشجرة ليست معظمة كتعظيم بيت الله الحرام فإن المشركين كانوا يعظمون بيت الله الحرام فجاء الإسلام يدعو بتعظيمه والتشديد على حرمته.

كان للعرب المشركين أربعة أشهر حرم فجاء الإسلام وأقرها بأنها أشهر حرم فتلك الأمور كان المشركون يعظمونها ولا يعبدونها أما هذه الشجرة فكانت تعظم وتعبد من دون الله تعالى فكانت تشمل المعنى اللغوي والمصطلحي للعبادة ولذلك نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

وتعظيم الكفار للأصنام والأشجار كان تعظيم عبادة فكانت لهم آلهة من دون الله ، والقاعدة أن تعظيم الأشياء متوقف على علةٍ صحيحةٍ ، وهي تعظيم الشرع لها. وكذلك عدم تقليد المشركين والتشبه بهم فيما لا تتحقق فيه المصالح الشرعية.

و المعنى يتضح في قول النبي صلى الله عليه وسلم في أفضلية الصلاة في مسجده وفيما بين قبره الشريف ومنبره أليس هذا تبرك ببقعة ولها أفضلية فيتضح المعنى في الحديث أنه لا يوجد علة شرعية لهذا العمل.

وتواتر الحديثُ المعروف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما بين بيتي (قبري) ومنبري روضة من رياض الجنَّة“.

وفي النصِّ عنه صلى الله عليه وسلم:”إن منبري على تُرع الجنَّة“. والتُرعة هي الروضة على المكان المترفع خاصة.

وما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما وتتبعه لأماكن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهل كان لا يعلم الشرك من غير الشرك العياذ بالله؟؟؟

وهذا الحديث يثبت ما قلنا عن محمد بن عمران الأنصاري عن أبيه أنه قال : عدل إليّ عبد الله بن عمر وأنا نازل تحت سرحة بطريق مكة فقال: ما أنزلك تحت هذه السرحة؟ فقلت: أردت ظلها، فقال: هل غير ذلك؟ فقلت: لا، ما أنزلني إلا ذلك، فقال عبد الله بن عمر: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : «إذا كنت بين الأخشبين من منى ونفخ بيده نحو المشرق فإن هناك وادياً يقال له: السرر، به شجرة سر تحتها سبعون نبيا» ( (حديث صحيح).

موطأ مالك: كتاب الحج، باب جامع الحج، رقم (949)، ط. دار إحياء التراث العربي- مصر، النسائي: كتاب مناسك الحج، باب ما ذكر في منى، رقم (2995)، ط. مكتب المطبوعات الإسلامية- حلب، وفي الكبرى رقم (3986)، ط. دار الكتب العلمية- بيروت، البيهقي في السنن الكبرى رقم (9392)، ط. مكتبة دار الباز- مكة المكرمة، ابن حبان في صحيحه رقم (6244)، ط. مؤسسة الرسالة- بيروت.

قال الزرقاني: وفيه التبرك بمواضع النبيين شرح الزرقاني 2/ 530، ط. دار الكتب العلمية- بيروت

قال ابن عبدالبر: وفي هذا الحديث دليل على التبرك بمواضع الأنبياء والصالحين ومقاماتهم ومساكنهم، وإلى هذا قصد عبد الله بن عمر بحديثه هذا، والله أعلم ( التمهيد 13/ 66-67)

ــــــــــــــــــ

وقد فهم الأئمة الاعلام مثل الإمام ابن حجر العسقلاني إمام الدنيا في الحديث حديث تتبع ابن عمر رضي الله عنها لأماكن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني : ومحصل ذلك أن ابن عمر كان يتبرك بتلك الأماكن , وتشدده في الاتباع مشهور

ولا يعارض ذلك ما ثبت عن أبيه أنه رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان فسأل عن ذلك فقالوا : قد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم , فقال : من عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض , فإنما هلك أهل الكتاب ; لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعاً ; لأن ذلك من عمر محمول على أنه كره زيارتهم لمثل ذلك بغير صلاة أو خشي أن يشكل ذلك على من لا يعرف حقيقة الأمر فيظنه واجباً , وكلا الأمرين مأمون من ابن عمر , وقد تقدم حديث عتبان وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته ليتخذه مصلى وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين….

ــــــــــــــــــ

قال الحافظ الزبيدي في الإتحاف في شرح الحديث (ج4 ص429): وإنما كان ابن عمر يصلي في هذه المواضع للتبرك

ــــــــــــــــــ

عن نافع عن ابن عمر: انّه كان في طريق مكة يقول برأس راحلته يثنيها ويقول: لعلَّ خُفاً يقع على خف ، يعني راحلة النبي(صلى الله عليه وسلم)

سير أعلام النبلاء 3: 237 ، حلية الأولياء 1: 310

فتح الباري ابن رجب 3:294

ــــــــــــــــــ

كان ابن عمر يتبرّك بمقعد النبي (صلى الله عليه وسلم) من منبر

وفاء الوفاء 4: 1406

ــــــــــــــــــ

عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عبد القاري انّه نظر إلى ابن عمر وهو يضع يده على مقعد النبي (صلى الله عليه وآله) من المنبر ثم يضعها على وجهه.

المغني لابن قدامة 3: 559 .

وغيرها من اللأدلة التي ستاتي في صلب الموضوع

ومن أقوال العلماء مثلاً في التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري ج 2 ص 222 قال:

حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا أنس ابن عياض قال حدثني عبيد الله عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الايمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها .

الحافظ ابن حجر في فتح الباري ج 4 ص 81 في شرح حديث رأي ابن حجر العسقلاني

قوله كما تأزر الحية إلى جحرها : أي أنها كما تنتشر من جحرها فطلب ما تعيش به فإذا راعها شئ رجعت إلى جحرها كذلك الإيمان انتشر في المدينة

وكل مؤمن له من نفسه سائق إلى المدينة لمحبته في النبي صلى الله عليه وسلم فيشمل ذلك جميع الأزمنة لأنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للتعلم منه وفي زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم للاقتداء بهديهم ومن بعد ذلك لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه .

انتهى

قال القاضي ناقلاً عن العلماء في الشفا بتعريف حقوق المصطفى

مما لم يزل من شأن من حج المرور بالمدينة ، و القصد إلى الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، والتبرك برؤية روضته و منبره و قبره ، و مجلسه ، و ملامس يديه ، و مواطئ قدميه ، و العمود الذي كان يستند إليه ، و ينزل جبريل بالوحي فيه عليه ، و بمن عمره و قصده من الصحابة و أئمة المسلمين ، و الاعتبار بذلك كله .

الشفا 319

ــــــــــــــــــ

ولنري فهم السلف الصالح لهذا الحديث ومعنى عبادة الكفار لهذه الشجرة بمعنى العبادة الشرعي.

قال الإمام الرازي في التفسير الكبير في تفسير سورة البقرة : ( 108 ) …

الرابع : سأل قوم من المسلمين أن يجعل لهم ذات أنواط كما كان للمشركين ذات أنواط ، وهي شجرة كانوا يعبدونها ويعلقون عليها المأكول والمشروب ، كما سألوا موسى أن يجعل لهم إلهاً كما لهم آلهة .

في البحر المحيط

وفي الحديث مروا في غزوة حنين على روح سدرة خضراء عظيمة فقيل يا رسول الله إجعل لنا ذات أنواط

وكانت ذات أنواط سرحة لبعض المشركين يعلقون بها أسحلتهم ولها يوم يجتمعون إليها فأراد قائل ذلك أن يشرع الرسول ذلك في الإسلام ورأى الرسول عليه الصلاه والسلام ذلك ذريعة إلى عبادة تلك السرحة فأنكره وقال { اللَّهِ أَكْبَرُ * قُلْتُمْ * وَاللَّهُ * كَمَا قَالَ بَنِي إِسْراءيلَ } { اجْعَلْ لَّنَا إِلَاهًا } خالقاً مدبراً لأن الذي يجعله موسى لا يمكن أن يجعله خالقاً للعالم ومدبّراً فالأقرب أنهم طلبوا أن يعين لهم تماثيل وصوراً يتقربون بعبادتها إلى الله تعالى وقد حكى عن عبادة الأوثان قولهم { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } وأجمع كلّ الأنبياء عليهم السلام على أن عبادة غير الله كفر سواء اعتقد كونه إلهاً للعالم أو أن عبادته تقرب إلى الله انتهى

وقال أبو السعود في تفسير الآية سورة البقرة 108

وقيل سأله عليه السلام قوم من المسلمين أن يجعل لهم ذات أنواط كما كانت للمشركين وهي شجرة كانوا يعبدونها ويعلقون عليها المأكول والمشروب وقوله تعالى { كما سئل موسى } مصدر تشبيهي أي نعت لمصدر مؤكد محذوف وما مصدرية أي سؤال مشبها بسؤال موسى عليه السلام حيث قيل له أجعل لنا إلها وأرنا الله جهرة وغير ذلك ومقتضى الظاهر أن يقال كما سألوا موسى لأن المشبه هو المصدر من المبنى للفاعل أعني سائلية المخاطبين لا من المبني للمفعول أعني مسؤولية

قال الإمام القرطبي في تفسير آية : {اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة}

قال القرطبي : ونظيره قول جهال الأعراب وقد رأوا شجرة خضراء للكفار تسمى ذات أنواط – لأنهم كانوا ينوطون بها سلاحهم أى يعلقونه – وكان الكفار يعظمون هذه الشجرة فى كل سنة يوماً ، قال الأعراب : ” يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الله أكبر . قلتم والذى نفسى بيده كما قال قوم موسى { اجعل لَّنَا إلهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } لتركبن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة حتى إنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه “

قال القاضي عياض في مشارق الأنوار على صحاح الاثار في شرح غريب الحديث (الموطأ – والبخاري – ومسلم )

ذات أنواط شجرة عظيمة خضراكانت الجاهلية تأتيها كل سنة تعظمها وتعلق بها أسلحتها وتذبح عندها قريبا من مكة وذكر أنهم كانوا إذا حجوا وضعوا عليها أرديتهم ودخلوا بغير أردية تعظيماً لها . ج1 ص 11

وهكذا في باقي الأقوال أي أن الكفار كانوا يعظمون هذه الشجرة تعظيم عبادة فهم عبدة الأصنام والأوثان فكانوا يعبدونها من دون الله

حديث قطع شجرة الرضوان

(فقد رأى عمر قوماً يتناوبون مكاناً يصلون فيه فقال: ما هذا؟ قالوا مكانٌ صلى فيه رسول الله قال: أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد، إنما هلك من كان قبلكم بهذا. من أدركته فيه الصلاة فليصلّ وإلا فليمض» (أخرجه ابن وضاح القرطبي في كتاب البدع والنهي عنها 41 واللفظ له وابن أبي شيبة في المصنف 2/376

فالأثر روي عن نافع مرسلاً في كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح القرطبي وقد نبه على ذلك أيضا محقق الكتاب انظر البدع والنهي عنها ، برقم (107) [ تحقيق عمرو عبد المنعم ]

فهذا الاثر منقطع في الاصل وليس فيه حجة وقد صححه الحافظ ابن حجر العسقلاني على الرغم من أن نافعاً لم يُدركَ عمر بن الخطّاب فالحديث مرسل والحافظ ابن حجر العسقلاني نفسه أجاب عن ذلك كما سنعرضه فلا يفرح المعترض بتصحيحه ، وإنما الصحيح هو ما ورد في صحيح البخاري في أن الشجرة قد خفيت عن الجميع .

فكيف يقطعها امير المؤمنين؟

ورواة البخاري كلهم ثقات.

ذكر البخاري بإسناده عن طارق بن عبدالله قال : انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون قلت : ما هذا المسجد ؟ قالوا : هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان ، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته ، فقال سعيد : حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة قال : فلما خرجنا من العام المقبل أنسيناها فلم نقدر عليها ، فقال سعيد : إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم ، فأنتم أعلم!!(صحيح البخاري ج4/ص1528)

وقال الإمام الحاكم في معرفة علوم الحديث ص65

والحديبية بئر وكانت الشجرة بالقرب من البئر ، ثم إن الشجرة فُقدت بعد ذلك فلم يجدوها وقالوا إن السيول ذهبت بها ، فقال سعيد بن المسيب : ( سمعت أبي وكان من أصحاب الشجرة يقول : قد طلبناها غير مرة فلم نجدها ) أهـ

قال الطبري :

وَزَعَمُوا أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَرَّ بِذَلِكَ الْمَكَان بَعْد أَنْ ذَهَبَتْ الشَّجَرَة , فَقَالَ : أَيْنَ كَانَتْ , فَجَعَلَ بَعْضهمْ يَقُول هُنَا , وَبَعْضهمْ يَقُول : هَهُنَا , فَلَمَّا كَثُرَ اِخْتِلَافهمْ قَالَ : سِيرُوا هَذَا التَّكَلُّف فَذَهَبَتْ الشَّجَرَة وَكَانَتْ سَمُرَة إِمَّا ذَهَبَ بِهَا سَيْل , وَإِمَّا شَيْء سِوَى ذَلِكَ .

أي ان الشجرة لم تقطع لأنها لم تكن موجودة فيكف يكون الاطمئنان إلى هذا الحديث وهو مقطوع ومتنه أيضاً يضاد حديث صحيح في البخاري ومسلم؟؟؟

وإذا قلنا بصحة الأثر وأنه صحيح كما صرح الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله وأن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قطع الشجرة فنقول:

سيدنا عمر رضي الله عنه شديد الغيرة على الآثار النبوية عظيم العناية بها والحماية لها ، فعمر رضي الله عنه لم يقطعها ليمنع التبرك بالآثار أو لأنه لا يرى ذلك ولم يقع ذلك المعنى في قلبه أصلا ولم يخطر على باله أبداً بدليل أنه رضي الله عنه ثبت عنه التبرك وطلب التبرك بالآثار ونحوها . اي انه رضي الله عنه لما رأى الناس مجتمعين على شجرة زعموا أنها شجرة الرضوان التي حصلت عندها بيعة الرضوان وذكرها الله تعالى في كتابه بقوله:

لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } ، إذ كان رضي الله عنه يعرف حق المعرفة أن الشجرة غير معروفة ولا أحد يعلم مكانها فضلاً عن عينها وأن أصحابها الذين حضروها وشهدوها وبايعوا تحتها هم بأنفسهم لا يعرفونها فكيف بغيرهم بل قد صرحوا بذلك كما جاء في الصحيحين فتكون هذه الشجرة التي قطعت ليس لها أي أثر من الصحة للتبرك بها وعندما قصدوها بالتوجه إلى الله تعالى وهذا عمل باطل لأنهم نسبوا شيئاً لا تصح نسبته إلى رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم حيث نسبوا هذه الشجرة إليه أو أضافوها عليه صلى الله عليه وآله وسلم، فاشتدت عندها غيرة سيدنا عمر بهذه الإضافة المشكوك بأمرها!!!

كما أنه لم يتفق رأي رجلين على شجرة واحدة بالتعيين ، فإذا كان هذا في خلال سنة واحدة في عهد واحد ومع توافر وجود أصحاب الرضوان الذين حضروا عندها وبايعوا تحتها فما بالك بشجرة ظهرت في زمن عمر بعد سنوات عديدة فقام بقطعها لهذا السبب لانها ليست شجرة الرضوان ومما يدل على التوهم فعلاً قول ابن تيمية.

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( أمر عمر رضي الله عنه بقطع الشجرة التي توهموا أنها الشجرة التي بايع الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم تحتها بيعة الرضوان لما رأى الناس ينتابونها ويصلون عندها كأنها المسجد الحرام أو مسجد المدينة ) اهـ (اقتضاء الصراط المستقيم 1/306)

ولذلك قطعت لأن ليس لها اي أثر من الصحة للتبرك بها ، والدليل على ما قلناه هو في صحيح البخاري عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه جاء في العام التالي لعام بيعة الرضوان ( أي بعد صلح الحديبية) قال : فبحثنا عن الشجرة فلم يقع عليها رجلان!!!

وقد وضح ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني فقال في حديث تتبع ابن عمر رضي الله عنها لأماكن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يقول ابن الحافظ ابن حجر العسقلاني :

ومحصل ذلك أن ابن عمر كان يتبرك بتلك الأماكن , وتشدده في الاتباع مشهور , ولا يعارض ذلك ما ثبت عن أبيه أنه رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان فسأل عن ذلك فقالوا : قد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم , فقال : من عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض , فإنما هلك أهل الكتاب ; لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعاً ; لأن ذلك من عمر محمول على أنه كره زيارتهم لمثل ذلك بغير صلاة أو خشي أن يشكل ذلك على من لا يعرف حقيقة الأمر فيظنه واجباً , وكلا الأمرين مأمون من ابن عمر , وقد تقدم حديث عتبان وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته ليتخذه مصلى وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين….ا.هـــ

ولِمَ لا ؟ وقد قال سيدنا عمر رضي الله عنه كما جاء في صحيح البخاري الجزء الاول صحيفة 58

(قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت الآية: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)).

فالذي يعظم مقام سيدنا إبراهيم عيه السلام كيف لا يعظم مقام نبيه صلى الله عليه وسلم ويتهم من قام بالصلاة هناك بالشرك؟؟

واليك فعل امير المؤمنين سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وارضاه الاثر ورد في مسند الامام احمد , والمختارة وتاريخ دمسق لابن عساكر, وفضائل بيت المقدس لابن قدامة,
وفي الاصابة لابن حجر نسبه الي يعقوب بن شيبة , والبداية والنهاية لابن كثير وغيرهم.

عن أبي سنان، عن عبيد بن آدم، وأبي، مريم وأبي شعيب أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه كان بالجابية فذكر فتح بيت المقدس قال فقال أبو سلمة فحدثني أبو سنان عن عبيد بن آدم قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لكعب أين ترى أن أصلي فقال إن أخذت عني صليت خلف الصخرة فكانت القدس كلها بين يديك فقال عمر رضي الله عنه ضاهيت اليهودية لا ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم إلى القبلة فصلى ثم جاء فبسط رداءه فكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس‏‏)

انتهي بهذا اللفظ عند كل من رواه.

أخرجه الإمام أحمد في مسنده – 1 / 268 ، 269 ، تحقيق أحمد شاكر وقال : ” إسناده حسن “

كنز العمال / ج: 14 ص: 143

جمع الزوائد / ج: 4 ص: 6

سيدنا عمر ابن الخطاب امير المؤمنين رضي الله عنه وقوله في مسجد قباء

قال سيدنا عمر رضي الله عنه : لو كان مسجد قباء في أفق من الآفاق ضربنا إليه أكباد المطي .

رواه عبد الرزاق في المصنف وإسناده قوي.

وله طريق آخر رواه ابن أبي شيبة في تاريخ المدينة المنورة وهو صحيح بتعدد طرقة

مصنف عبد الرزاق (5/133) وتاريخ المدينة المنورة (1/49)

وما ورد من احتفاظه بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كخاتمه وغيره كما سنرى

روى الإمام البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : اتخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتماً من ورق وكان في يده ثم كان بعد في يد أبي بكر ثم كان بعد في يد عمر ثم كان بعد في يد عثمان حتى وقع بعد في بئر أريس نقشه محمد رسول الله .

رواه البخاري في الصحيح في كتاب اللباس باب خاتم الفضة ، قال الحافظ ابن حجر : جاء في رواية النسائي : أنه التمس فلم يوجد ، وجاء في رواية ابن سعد : أنه كان في يد عثمان ست سنين . اهـ

(فتح الباري ج10 ص313)

احتفاظ الخلفاء الراشدين ومنهم سيدنا عمر رضي الله عنه بحربة النبي صلى الله عليه وسلم

روى الإمام البخاري بسنده إلى الزبير رضي الله تعالى عنه قال : لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه وهو يكنى أبا ذات الكرش فقال : أنا أبو ذات الكرش فحملت عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات ، قال هشام : فأخبرت أن الزبير قال : لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطأت فكان الجهد أن نزعتها وقد انثنى طرفاها ، قال عروة : فسأله إياها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأعطاه ، فلما قبض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخذها ثم طلبها أبو بكر فأعطاه إياها ، فلما قبض أبو بكر سأله إياها عمر ، فأعطاه إياها ، فلما قبض عمر أخذها ، ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها ، فلما قتل عثمان وقعت عند آل علي فطلبها عبد الله ابن الزبير ، فكانت عنده حتى قتل .

رواه البخاري في كتاب المغازي باب شهود الملائكة بدراً ..

وقوله فحملت عليه بالعنزة . العنزة بفتح النون هي كالحربة ، وقال بعضهم : هي شبه العكاز .

وحاصل القصة هو أن الزبير قتل عبيدة بن سعيد بن العاص يوم بدر طعنه في عينه بالعنزة فمات ، ثم طلب النبي – صلى الله عليه وسلم – منه تلك العنزة عارية فأعطاه ، فلما قبض – صلى الله عليه وسلم – أخذها الزبير ثم طلبها أبو بكر من الزبير عارية فأعطاه وبقيت عنده إلى أن مات ثم رجعت إلى الزبير صاحبها الأول ثم طلبها عمر من الزبير فأعطاه وبقيت عنده مدة حياته ثم رجعت إلى الزبير صاحبها الأول ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها فلما قتل عثمان وقعت عند عليّ فطلبها الزبير صاحبها الأول فكانت عنده حتى قتل.

أنظر (الفتح ج7 ص314 ، وعمدة القاري ج17 ص107) .

ونحن نتساءل لماذا هذا الحرص العظيم والاهتمام بهذه الحربة والحراب كثيرة ، ولعل هناك ما هو أحسن منها وأجود وممن هذا الحرص ؟ إنه من الخلفاء الأربعة الراشدين المهتدين أئمة الدين وأركان التوحيد وأمناء الدين

محافظة عمر بن الخطاب على ميزاب العباس رضي الله عنهما لأنه وضعه – صلى الله عليه وسلم-

عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال : كان للعباس ميزاب على طريق عمر – رضي الله عنه – فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة وقد كان ذبح للعباس فرخان ، فلما وافى الميزاب صب فيه من دم الفرخين فأصاب عمر فأمر عمر بقلعه ثم رجع فطرح ثيابه ولبس غيرها ، ثم جاء فصلى بالناس فأتاه العباس فقال : والله إنه الموضع الذي وضعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فقال عمر للعباس : عزمت عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ففعل ذلك العباس .

كذا في الكنز (ج7 ص66) .

وقال الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة في كتابه المغني :

فصل : ولا يجوز إخراج الميازيب إلى الطريق الأعظم ولا يجوز إخراجها إلى درب نافذ إلا بإذن أهله .

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : يجوز إخراجها إلى الطريق لأن عمر – رضي الله عنه – اجتاز على دار العباس وقد نصب ميزاباً إلى الطريق فقلعه ، فقال العباس : تقلعه وقد نصبه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيده ؟ فقال : والله لا نصبته إلا على ظهري وانحنى حتى صعد على ظهره فنصبه . اهـ من المغني لابن قدامة (4/554) .

ثالثا:-ًالرد على شبهات ونقول المخالف لبعض العلماء

يستند المخالفون لبعض الأقوال من الأئمة الذين صرحوا بالتوسل والاستغاثة في جميع أقوالهم ولكن بعض أهل البدع يقوم بلي عنق الكلام لبعض الأئمة وأغلب نقولهم الأخرى من أئمة معاصرين أو تاريخ وفاتهم قريب يتبعون الشيخ ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب فقط والذين شذوا بأقوالهم عن جمهور الأمة الإسلامية وإجماعها في هذه المسائل او نقولات مثلاً عبارة عن لي عنق الكلام مثل الإمام السبكي فيقول المعترض مثلاً قال الإمام السبكي في (فتاويه 1/13) تعليقا على هذه الآية “ادعوني أستجب لكم” بأن هذه الآية تفيد أنه لا يستعان بغير الله».‏

نقول : هذا القول لا ينكر الاستغاثة والتوسل فمن استعان بمخلوق أو سأله أو طلب منه معتقداً أنه ينفع ويضر بنفسه استقلالاً دون الله فقد أشرك.. وهذا لا خلاف عليه والاستغاثة والتوسل إذا أطلقت على المخلوق فهي من قبيل الاشتراك اللفظي والمجاز وكل المؤمنين يعلمون أن المغيث هو الله وما النبي أو الولي إلا من قبيل التسبب. وفي ذلك يقول الإمام السبكي نفسه ليوضح قوله . قال الإمام تقي الدين السبكي رحمه الله:

وأما الاستغاثة: فهي طلب الغوث، وتارة يطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالى وحده، كقوله تعالى: {إذ تستغيثون ربكم} . وتارة يطلب ممن يصح إسناده إليه على سبيل الكسب، ومن هذا النوع الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذين القسمين تعدى الفعل تارة بنفسه كقوله تعالى: {إذ تستغيثون ربكم} {فاستغاثه الذي من شيعته} ، وتارة بـحرف الجر كما في كلام النحاة في المستغاث به، وفي كتاب سيبويه رحمه الله تعالى فاستغاث بهم ليشتروا له كليبا . فيصح أن يقال استغثت النبي صلى الله عليه وسلم وأسْتُغِيْثَ بالنبي صلى الله عليه وسلم بمعنى واحد، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه على النوعين السابقين في التوسل من غير فرق، وذلك في حياته وبعد موته، ويقول استغثت الله وأستغيث بالله بمعنى طلب خلق الغوث منه .

فالله تعالى مُسْتَغَاثٌ فالغوث منه خَلْقًا وإيجادًا، والنبي صلى الله عليه وسلم مستغاثٌ والغوث منه تسببًا وكَسْباً، ولا فرق في هذا المعنى بين أن يُستعمل الفعل متعديا بنفسه أو لازما أو تعدي بالباء، وقد تكون الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم على وجه آخر، وهو أن يُقال استغثتُ اللهَ بالنبيِ صلى الله عليه وسلم كما تقول سألت الله بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيرجع إلى النوع الأول من أنواع التوسل، ويصح قبل وجوده وبعد وجوده، وقد يُحذفُ المفعول به ويقال استغثت بالنبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى . فصار لفظ الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم له معنيان:

أحدهما : أن يكون مستغاثا.

والثاني : أن يكون مستغاثاً به، والباء للاستعانة فقد ظهر جواز إطلاق الاستغاثة والتوسل جميعاً، وهذا أمر لا يُشَكُّ فيه، فإن الاستغاثة في اللغة طلب الغوث وهذا جائزٌ لغةً وشرعاً من كل من يقدر عليه، بأي لفظ عبر عنه كما قالت أم إسماعيل: أغث إن كان عندك غواث).

شفاء السقام ص187 .

أو مثلاً يقولون لهذا حكى ابن حجر الهيتمي إجماع الحنابلة على أن من يجعل بينه وبين الله تعالى وسائط يدعوهم ويسألهم كفر إجماعا

فنقول :- كلان ابن حجر يعني من دعي من غير الله وسائط اي طلب منهم استقلالاً وكان دعائهم دعاء الوهية لهذه الوسائط وهذا واضح في كلامه وكلام جميع من استندوا إلى أقوالهم من جعل لله نداً يدعوه كدعاء الله فنسبوا إليهم الضر والنفع استقلالاً وليس بإذن الله فجعلوهم آلهةً مع الله .

وفي ذلك يقول الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله:

( من خرافات ابن تيمية التي لم يقلها عالم قبله وصار بها بين أهل الإسلام مثلة أنه أنكر الاستغاثة والتوسل به صلى الله عليه وآله وسلم، وليس ذلك كما افترى، بل التوسل به حسن في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه في الدنيا والآخرة )

فمما يدل لطلب التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم قبل خلقه وأن ذلك هو سِيرَةُ السلف الصالحِ الأنبياءِ والأولياءِ وغيرهم ، – فقول ابن تيمية ” ليس له أصل ” من افترائه – : ما أخرجه الحاكم وصححه أنه صلى الله عليه وسلم قال : ” لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد صلى الله عليه وسلم إلا ما غفرت لي، فقال الله: يا آدم كيف عرفت محمداً ولم أخلقه ؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك – أي: قدرتك – ونفخت في من روحك – أي :سرك الذي خلقته وشرفته بالإضافة إليك بقولك: ونفخت فيه من روحي – رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي، وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك ” ، والمراد بـ (حَقِّهِ) صلى الله عليه وسلم رُتْبَتُه ومنزلته لديه تعالى، أو الحق الذي جعله الله سبحانه وتعالى له على الخلق، أو الحق الذي جعله الله تعالى بفضله لَهُ عليه كما في الحديث الصحيح ” قال فما حق العباد على الله ” لا الواجب ، إذ لا يجب على الله تعالى شيء، ثم السؤال به صلى الله عليه وسلم ليس سؤالاً له حتى يوجب إشراكا، وإنما هو سؤال الله تعالى بمن له عنده قَدْرٌ عَلِيٌّ ومَرْتَبَةٌ رفيعةٌ وجاهٌ عظيمٌ.

فمن كرامته صلى الله عليه وسلم على ربه أن لا يخيب السائل والمتوسل إليه بجاهه، ويكفي في هوان منكر ذلك حرمانه إياه.

وفي حياته صلى الله عليه وسلم ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه – وقوله: إنه غريب أي: باعتبار أفراد طرقه – ” أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله لي أن يعافيني ، فقال: إنْ شِئْتَ دعوتُ وإن شِئْتَ صَبَرْتَ وهو خيرٌ لك، قال فادعه – وفي رواية – ليس لي قائد وقد شق علي، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في قضاء حاجتي لِتُقْضَى لِيْ اللهم شفعه فيَّ” وصححه أيضا البيهقي وزاد ، ” فقام وقد أبصر ” وفي رواية ” اللهم شفعه في وشفعني في نفسي ” وإنما علمه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم يدع له لأنه أراد أن يحصل منه التوجه وبذل الافتقار والانكسار والاضطرار مستغيثاً به صلى الله عليه وسلم ليحصل له كمال مقصوده ، وهذا المعنى حاصل في حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، ومن ثم استعمل السلف هذا الدعاء في حاجاتهم بعد موته صلى الله عليه وسلم ، وقد علمه عثمان بن حنيف الصحابي راويه لمن كان له حاجة عند عثمان بن عفان زمن إمارته رضي الله عنه، وعسر عليه قضاؤها منه، ففعله فقضاها. رواه الطبراني والبيهقي.


وروى الطبراني بسند جيد ” أنه صلى الله عليه وسلم ذكر في دعائه بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي ” ولا فرق بين ذكر التوسل والاستغاثة والتشفع والتوجه به صلى الله عليه وسلم أو بغيره من الأنبياء وكذا الأولياء وفاقاً للسبكي، – وإن منعه ابن عبد السلام، بل الذي نقله بعضهم عنه أنه منعه بغير نبينا صلى الله عليه وآله وسلم – وذلك لأنه ورد جواز التوسل بالأعمال كما في حديث الغار الصحيح مع كونها أعراضاً؛ فالذوات الفاضلة أولى؛ ولأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه توسل بالعباس رضي الله عنه في الاستسقاء ولم يُنْكَرْ عليه، وكأن حكمة توسله به دون النبي صلى الله عليه وسلم وقبره إظهارُ غايةِ التواضعِ لنفسه، والرفعة لقرابته صلى الله عليه وسلم ، ففي توسله به – أي: العباس – توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وزيادة.

لا يقال لفظ التوجه والاستغاثة يُوْهِمُ أن المتوجَّهَ والمُسْتَغَاثَ به أعلى من المُتَوَجَّهِ والمستغاثِ إليه؛ لأن التوجه من الجاه وهو علو المنزلة ، وقد يتوسل بذي الجاه إلى من هو أعلى جاها منه ، والاستغاثة طلب الغوث والمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره؛ وإن كان ذلك الغير أعلى منه.

فالتوجه والاستغاثة به صلى الله عليه وسلم وبغيره ليس لهما معنى في قلوب المسلمين غير ذلك، ولا يَقْصُدُ بهما أحدٌ منهم سواه، فمن لم ينشرح صدره لذلك فليبك على نفسه، نسأل الله العافية.

والمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى ، والنبي صلى الله عليه وسلم واسطة بينه وبين المستغيث، فهو سبحانه مستغاث به ، والغوث منه خلقا وإيجادا ، والنبي مستغاث والغوث منه تسببا وكسبا، ومستغاث به – والباء للاستعانة – .

ولا يعارض ذلك قول أبي بكر رضي الله عنه : قُومُوا نَسْتَغِيثُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله عز وجل لأن في سنده ابن لهيعة ، والكلام فيه مشهور ، وبفرض صحته فهو على حد {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}. و (مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ)، أي : أنا وإن استغيث بي، فالمستغاث به في الحقيقة هو الله ، وكثيراً ما تجيء السنة بنحو هذا من بيان حقيقة الأمر، ويجيء القرآن بإضافة الفعل لمكتسبه، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمْ الْجَنَّةَ بعَمَلِه) مع قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل:32).

وبالجملة فإطلاق لفظة الاستغاثة لمن يحصل منه غوثٌ ولو تسبباً وكسباً أمر معلوم لا شك فيه لغة ولا شرعاً، فلا فرق بينه وبين السؤال، لا سيما مع ما نقل أن في حديث البخاري رحمه الله تعالى في الشفاعة يوم القيامة (فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم) ، وقد يكون معنى التوسل به صلى الله عليه وسلم طلب الدعاء منه، إذ هو حي يعلم سؤال من يسأله، وقد صح في حديث طويل : أن الناس أصابهم قحط في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وأخبره أنهم يسقون فكان كذلك، وفيه ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون، وقل له : عليك الكيس الكيس أي : الرفق – لأنه رضي الله عنه كان شديدا في دين الله فأتاه خبره فبكى ، ثم قال يا رب لا آلو إلا ما عجزت عنه. – وفي رواية – أنَّ رائِيَ المنامَ بلالُ بن الحارث المزني الصحابي رضي الله عنه.

فعلم أنه صلى الله عليه وسلم يُطْلَبُ منه الدعاء بحصول الحاجات كما كان في حياته صلى الله عليه وسلم لعلمه بسؤال من يسأله كما ورد، مع قدرته على التسبب في حصول ما سئل فيه بسؤاله وشفاعته صلى الله عليه وسلم إلى ربه عز وجل ، وأنه صلى الله عليه وسلم يُتَوَسَّلُ به في كلِّ حالٍ قبل بروزه لهذا العالم وبعده في حياته وبعد وفاته ، وكذا في عرصات القيامة فيشفع إلى ربه ، وهذا مما قام الإجماع عليه وتواترت به الأخبار ، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ” أوحى الله إلى عيسى صلوات الله على نبينا وعليه وسلامه : يا عيسى آمن بمحمد وَمُرْ مَنْ أدركَهُ من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب، فكتبت عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن” فكيف لا يتشفع ويتوسل بمن له هذا الجاه الوسيع، والقدر المنيع عند سيده ومولاه المنعم عليه بما حباه به وأولاه).

انتهى كلام ابن حجر. الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرم من ص171 إلى 176.

3- كلام الإمام الزبيدي

قال العلامة الزبيدي : «وقبيح بذوي الإيمان أن ينزلوا حاجتهم بالمخلوق وهم يسمعون قوله تعالى : “ أليس الله بكاف عبده ” (اتحاف السادة المتقين (9/498))

نقول هذا لا يستلزم تحريم الإمام للتوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم

كلام الزبيدي رحمه الله محمول على التذلل للخلق والخضوع وطلب الامر استقلالاً وحجب الأسباب عن رؤية المسبب ولا يحمل كلامه لا على طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه ولا على التوسل فهذا ليس فيه ذل لغير الله بل هو مشروع بنص القرآن . القول لا ينكر الاستغاثة والتوسل فمن استعان بمخلوق أو سأله أو طلب منه معتقدا أنه ينفع ويضر بنفسه استقلالا دون الله فقد أشرك وهذا لا خلاف عليه . والاستغاثة والتوسل إذا أطلقت على المخلوق فهي من قبيل الاشتراك اللفظي والمجاز وكل المؤمنين يعلمون أن المغيث هو الله وما النبي أو الولي إلا من قبيل التسبب.

لأنه هو نفسه يقول في ( تاج العروس ) : وأتوسل إلى الله تعالى بخاتم أنبيائه عليه أفضل الصلاة والسلام أن يرزقني وإياهم وجميع المسلمين حسن الختام آمين .

وتوسل بالنبي فقال ” بجاه سيدنا محمد وآله “

التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح ( ص : 9 ) .

وذكر في كتابه إتحاف المتقين بشرح إحياء علوم الدين ج 10 ص 130 صفوان بن سليم عند أحمد بن حنبل فقال : هذا رجل يستسقى بحديثه وينزل القطر من السماء بذكره )

وروى الإمام مرتضى الزبيدي في شرح الاحياء ( 10/ 333 ) :

عن الشعبي قال حضرت عائشة رضي الله عنها فقالت : إني قد أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثا ولا أدري ما حالي عنده فلا تدفنوني معه ، فاني أكره أن أجاور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أدري ما حالي عنده ثم دعت بخرقة من قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ضعوا هذه على صدري وادفنوها معي لعلي أنجو بها من عذاب القبر.

4- ويذكرون كلام طويل لابن الجوزي

ونقول لهم كلامه لا يحمل على الاستغاثة والتوسل والتبرك بل كما ذكرنا في جميع الأقوال السابقة

كتاب الوفاء في فضائل المصطفى لابن الجوزي , أفرد باباً حول التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) وباباً للاستشفاء بقبره الشريف ومما ذكره في بعض كتبه

قال ابن الجوزي في المنتظم في الجزء الخامس في حوادث سنة إحدى وستين ما نصه :

( وأخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد العتيقي قال‏:‏ سمعت أبا بكر محمد بن الحسن بن عبدان الصيرفي يقول‏:‏ سمعت جعفر الخلدي كان بي جرب عظيم فتمسحت بتراب قبر الحسين فغفوت فانتبهت وليس عليّ منه شيء‏.‏)

قال ابن الجوزي في الوفا عن أبي بكر المنقري قال :

كنت أنا والطبراني وأبو الشيخ في حرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكنا على حالة فأثر فينا الجوع، فواصلنا ذلك اليوم، فلما كان وقت العشاء حضرت قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقلت: يا رسول الله الجوع الجوع!! وانصرفت، فقال لي أبو الشيخ: اجلس فإما أن يكون الرزق أو الموت.

قال أبو بكر فنمت أنا وأبو الشيخ والطبراني جالس ينظر في شيء، فحضر بالباب علوي فدق الباب، فإذا معه غلامان مع كل واحد منهما زنبيل كبير في شيء كثير فجلسنا وأكلنا وظننا أن الباقي يأخذه الغلام، فولى وترك عندنا الباقي، فلما فرغنا من الطعام، قال العلوي: يا قوم أشكوتم إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ فإني رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في النوم، فأمرني بحمل شيء إليكم).

الوفا بأحوال المصطفى ج 2 ص 803

وقال ابن الجوزي في المنتظم في الجزء الحادي عشر في أحداث سنة ست وعشرين ومائتين

( أنبأنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أنبأنا أبو بكر البيهقي أنبأنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري قال‏:‏ سمعت أبا الحسن محمد بن الحسن السراج الزاهد – وكان شديد العبادة – قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام كأنه قد أقبل إلى أن وقف على قبر يحيى بن يحيى وتقدم وصف خلفه جماعة من أصحابه فصلى عليه ثم التفت إلى أصحابه فقال‏:‏ هذا القبر لأمان لأهل هذه المدينة ‏‏).

الحافظ ابن الجوزي توسل بقوله : ” بحق محمد صلى الله عليه وسلم ” زاد المسير ( 4 / 253 )

الحافظ البيهقي روى عنه ابن الجوزي في المنتظم ( 11 / 211 )

من مناقب أحمد بن حرب ” استجابة الدعاء إذا توسل الداعي بقبره “

5- ومن بعض الاقوال للائمة والعلماء والتي تنص على عدم اتخاذ واسطة

فنقول لهم ليس المقصود بالواسطة في حديثهم غير الوسطة الشركية وإلا فهم يقولون بالتوسل

ابن عقيل( حنبلي ) : وكان يقول فى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم ” يا محمد إني أتوجه بك إلى ربى ” – (التذكرة 87 ) المكتبة الظاهرية بدمشق .

ابن مفلح الحنبلى : ذكر قصة العتبى وأقرها – المبدع ( 3 / 259)

البهوتى ( حنبلي ) : ذكر قصة العتبى وأقرها – كشف القناع ( 2 / 516)

ابن نجيم الحنفي : رخص في زيارة قبور الصالحين للترحم والتبرك – البحر الرائق شرح كنز الحقائق.

وغيرها الكثير من أقوال الائمة قام المعترض بلي عنقها لتوافق هواه وسنعرض الكثير من الإقوال للعلماء التي تثبت ما ذكرنا لتقف علي كذب وتدليس بعض المخالفين في الموضوع فتبه لذلك ، وقبل عرض الأدلة نسرد فصل من كتاب محدث الحرمين والحجاز سيدي العلامة محمد بن علوي المالكي رحمه الله لتوضيح معني الواسطة الشركية وقد نقلنا بعضه في أول البحث

الواسطة الشركية

يخطئ كثير من الناس في فهم حقيقة الواسطة فيطلقون الحكم هكذا جزافاً بأن الواسطة شرك ، وأن من اتخذ واسطة بأي كيفية كانت فقد أشرك بالله ، وأن شأنه في هذا شأن المشركين القائلين : ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) ، وهذا كلام مردود ، والاستدلال بالآية في غير محله ، وذلك لأن هذه الآية الكريمة صريحة في الإنكار على المشركين عبادتهم للأصنام واتخاذها آلهة من دونه تعالى وإشراكهم إياها في دعوى الربوبية على أن عبادتهم لها تقربهم إلى الله زلفى ، فكفرهم وإشراكهم من حيث عبادتهم لها ومن حيث اعتقادهم أنها أرباب من دون الله .

وهنا مهمة لابد من بيانها وهي أن هذه الآية تشهد بأن أولئك المشركين ما كانوا جادين فيما يحكي ربنا عنهم من قولهم مسوغين عبادة الأصنام : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، فإنهم لو كانوا صادقين في ذلك لكان الله أجل عندهم من تلك الأصنام ، فلم يعبدوا غيره ، وقد نهى الله المسلمين من سب أصنامهم بقوله تعالى : (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) .

روى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه أنه قال : (( كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فيسب الكفار الله عز وجل ، فأنزل الله : ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ، هذا سبب نزول هذه الآية . فهي إذن تنهى المؤمنين نهي تحريم شديد أن يقولوا كلمة نقص في الحجارة التي كان يعبدها الوثنيون بمكة المشرفة ، لأن قول تلك الكلمة يتسبب عنه غضب أولئك الوثنيين غيرة على تلك الأحجار التي كانوا يعتقدون من صميم قلوبهم أنها آلهة تنفع وتضر ، وإذا غضبوا قابلوا المسلمين بالمثل فيسبون ربهم الذي يعبدونه ، وهو رب العالمين ، ويرمونه بالنقائص وهو المنزه عن كل نقص ، ولو كانوا صادقين بأن عبادتهم لأصنامهم تقربهم إلى الله زلفى ما اجترؤا أن يسبوه انتقاماً ممن يسبون آلهتهم فإن ذلك واضح جداً في أن الله تعالى في نفوسهم أقل من تلك الحجارة .

وقل ذلك أيضاً في قوله تعالى : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) ، فإنهم لو كانوا يعتقدون حقاً أن الله تعالى الخالق وحده وأن أصنامهم لا تخلق ، لكانت عبادتهم لله وحده دونها أو لكان على الأقل احترامهم له تعالى فوق احترامهم لتلك الحجارة ، وهل هذا يتفق مع شتمهم له عز وجل غيرة على حجارتهم وانتقاماً لها منه سبحانه وتعالى ؟ إن البداهة تحكم أنه لا يتفق أبداً ، وليست الآية التي معنا وحدها تدل على أن الله تعالى أقل عند أولئك المشركين من حجارتهم بل لها أمثال ! منها قوله تعالى: (وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) ، فلولا أن الله تعالى أقل في نفوسهم من تلك الحجارة ما رجحوها عليه هذا الترجيح الذي تحكيه هذه الآية واستحقوا عليه حكم الله عليهم بقوله : (سَاء مَا يَحْكُمُونَ ).

ومن هذا القبيل قول أبي سفيان رضي الله عنه قبل إسلامه : ((أعْلُ هُبل)) كما رواه البخاري ينادي صنمهم المسمى بهُبل أن يعلو في تلك الشدة رب السماوات والأرض ويقهره ليغلب هو وجيشه جيش المؤمنين الذي يريد أن يغلب آلهتهم ، هذا مقدار ما كان عليه أولئك المشركون مع تلك الأوثان ومع الله رب العالمين .

فليعرف هذا حق المعرفة فإن كثيراً من الناس لا يفهمونه ويبنون عليه ما يبنون .

ألا ترى أن الله لما أمر المسلمين باستقبال الكعبة في صلاتهم توجهوا بعبادتهم إليها واتخذوها قبلة ؟ وليست العبادة لها وتقبيل الحجر الأسود إنما هو عبودية لله تعالى ، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، ولو أن أحداً من المسلمين نوى العبادة لهما لكان مشركاً كعبدة الأوثان .

فالواسطـة لابد منها وهي ليسـت شركاً وليس كل من اتخذ بينـه وبين الله واسطة يعتبر مشركاً وإلا لكان البشر كلهم مشركين بالله لأن أمورهم جميعاً تنبني على الواسطة ، فالنبي صلي الله عليه وسلم تلقى القرآن بواسطة جبريل ، فجبريل واسطة للنبي صلي الله عليه وسلم وهو صلي الله عليه وسلم الواسطة العظمى للصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فقد كانوا يفزعون إليه في الشدائد فيشكون إليه حالهم ويتوسلون به إلى الله ويطلبون منه الدعاء فما كان يقول لهم أشركتم وكفرتم فإنه لا يجوز الشكوى إليَّ ولا الطلب مني بل عليكم أن تذهبوا وتدعوا وتسألوا بأنفسكم فإن الله أقرب إليكم مني ، لا بل يقف ويسأل مع أنهم يعلمون كل العلم أن المعطي حقيقة هو الله وأن المانع والباسط والرازق هو الله ، وأنه يعطي بإذن الله وفضله ، وهو الذي يقول :

((إنما أنا قاسم والله معطي)) ، وبذلك يظهر أنه يجوز وصف أي بشر عادي بأنه فرج الكربة وقضى الحاجة أي كان واسطة فيها فكيف بالسيد الكريم والنبي العظيم أشرف الكونين وسيد الثقلين وأفضل خلق الله على الإطلاق ؟ ألم يقل النبي صلي الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح : ((من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا)) الخ ؟

فالمؤمن مفرج الكربات .

ألم يقل صلى الله عليه وسلم : ((من قضى لأخيه حاجة كنت واقفاً عند ميزانه فإن رجح وإلا شفعت له))؟

فالمؤمن قاض للحاجات .

ألم يقل في الصحيح : ((من ستر مسلماً)) .. الحديث ؟

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن لله عز وجل خلقاً يفزع إليهم في الحوائج)) ؟.

ألم يقل في الصحيح : ((والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه)) ؟.

ألم يقل في الحديث : ((من أغاث ملهوفاً كتب الله له ثلاثاً وتسعين حسنة)) ؟ رواه أبو يعلى والبزار والبيهقي .

فالمؤمن هنا فرج وأعان وأغاث وقضى وستر وفزع إليه مع أن المفرج والقاضي والستار والمعين حقيقة هو الله عز وجل ، لكنه لما كان واسطة في ذلك صح نسبة الفعل إليه .

وقد جاء في الأحاديث النبوية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث كثيرة تفيد أن الله سبحانه وتعالى يدفع العذاب عن أهل الأرض بالمستغفرين وعُمّار المساجد وأن الله سبحانه وتعالى يرزق بهم أهل الأرض وينصرهم ويصرف عنهم البلاء والغرق .

روى الطبراني في الكبير والبيهقي في السنن عن مانع الديلمي رضي الله تعالى عنه أنه قال : قال النبي صلي الله عليه وسلم : ((لولا عباد لله رُكَّع وصِبْيَةٌ رُضَّع وبهائم رُتَّع لصُبَّ عليكم العذاب صباً ثم رضّ رضاً)) ..

وروى البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم)) ..

وروى الترمذي وصححه والحاكم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لعلك ترزق به)) ..

وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : ((إن لله عز وجل خلقاً خلقهم لحوائج الناس يفزع إليهم الناس في حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله تعالى)) ..

رواه الطبراني في الكبير وأبو نعيم والقضاعي وهو حسن .

وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ولا يزالون في حفظ الله عز وجل ما دام فيهم)) .

وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ((إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه بلاء)) ..

ثم قرأ ابن عمر : ( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ) رواه الطبراني .

وعن ثوبان رفع الحديث قال : ((لا يزال فيكم سبعة بهم تنصرون وبهم تمطرون وبهم ترزقون حتى يأتي أمر الله)) ..

وعن عبادة بن الصامت قال : قال صلى الله عليه وسلم : ((الأبدال في أمتي ثلاثون ، بهم ترزقون وبهم تمطرون وبهم تنصرون)) . قال قتادة : إني لأرجو أن يكون الحسن منهم .. رواه الطبراني .

ذكر هذه الأحاديث الأربعة الحافظ ابن كثير في التفسير عند قوله تعالى : ( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ ) – في سورة البقرة – وهي صالحة للاحتجاج ، ومن مجموعها يصير الخبر صحيحاً .

وعن أنس قال قال رسول الله : ((لن تخلو الأرض من أربعين رجلاً مثل خليل الرحمن ، فبهم تسقون وبهم تنصرون ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه آخر)) .. رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن . (كذا في مجمع الزوائد ج10/62)

الواسطة العظمى :

وفي يوم المحشر الأعظم الذي هو يوم التوحيد ويوم الإيمان يوم يبرز العرش ، يظهر فضل الواسطة العظمى صاحب اللواء المعقود والمقام المحمود والحوض المورود الشافع المشفع الذي لا ترد شفاعته ولا تضيع ضمانته عند من وعده بأن لا يخيب ظنه ولا يخزيه أبداً ولا يحزنه ولا يسوؤه في أمته حيث يتوجه الخلق إليه ويستشفعون به فيقوم فلا يرجع إلا بخلعة الإحسان وتاج الكرامة المتمثل في قول الله له : يا محمد ارفع رأسك واشفع تشفع وسل تُعطَ .

وبهذا تبطل حجج من حرم التوسل بهذه الآيات والأحاديث وتسقط استدلالاتهم التي في غير موضعها فهي جهالات صادرة من أناس ادعوا الكملات فجعلوا ذات نبينا صلى الله عليه وسلم كما آلات والعياذ بالله..


الفصل الثالث : توضيحات في التوسل والاستغاثة والمدد

اولاً: (توضيح لابد منه)

اعلم أن جميع المسلمين على علم يقيني بأن الله تعالى هو السيد المطلق للخلائق أجمعين وكلهم عبيدة وهم درجات في العبودية

اعلم أخي المسلم أن التوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم والصالحين ما هي إلا لكونهم أحباب الله تعالى ومن عباده المقربين إليه سبحانه وتعالي لا لأجل تعظيمهم تعظيم الربوبية فالفرق واضح بين سؤال الله بأحد خلقه وبين سؤال غير الله فالمتوسل لا يعتقد إلا أن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى وأنه هو المعطي المانع ما شاء فالله هو المعين والمغيث والمجيب الحقيقي .

فالتوسل بالأنبياء والصالحين المقصود بهم أنهم أسباب ووسائل لنيل المقصود وان الله تعالى هو الفاعل كرمه لهم لا أنهم هم الفاعلون..

كما في قوله تعالى (فيه شفاء للناسالنحل 69

فالعسل بنفسه لا يشفي بل الشافي هو الله تعالى والعسل سبب جعل الله فيه بقدرته الشفاء وطلب بني إسرائيل من سيدنا موسى عليه السلام أن يستسقي لهم والفاعل الحقيقي هو الله ، ولتعلم أخي أن التوسل مستحب وهو أحد طرق الدعاء وباب من أبواب التوجه لله تعالى فالمقصود الأصلي الحقيقي هو الله والمتوسل به إنما وسيلة ومن اعتقد غير ذلك فقد أشرك..وإن التوسل ليس أمرا إجباريا وليست الإجابة متوقفة عليه بل هو من طرق الدعاء لالتماس الإجابة تقبل الله دعائنا ودعاء المسلمين جميعا.

وما ظهر في القرون المتأخرة من تحريم التوسل لا أساس له من الصحة ويخالف الشرع والدين لان من أنكر التوسل قد أجاز التوسل بالأعمال الصالحة وما التوسل بالأنبياء والصالحين إلا توسل بأعمالهم التي كانت سببا في قربتهم لله الواحد الأحد..فمن توسل بالنبي وسال الله بجاه نبيه وبحبه له فقد نبع هذا من حبه وإيمانه بنبيه ولعلمه أن الله يحب نبيه وإيمانا أن نبيه هو من علم ألامه التوحيد وكان الواسطة بين الله وعبيده في تعليمهم هذا الدين ونقل شرائعه.

فمن توسل بولي إنما توسل به لمكانته عند الله وحب الله له وصلاح أعماله ولولا محبة الله للصالحين وإيمانهم ما توسل بهم أحد ، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء هم من جمله عبيد الله تعالى وهم درجات كما لا يخفي علي احد من المسلمين و لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم من دون الله تعالى ضرا أو نفعا..فلا أحدا من أمة الإسلام بتوسله عظم الأنبياء والأولياء تعظيم الألوهية لأنهم يقرون ويعلمون أنهم من جمله عبيد الله تعالى وأنما توسل بهم بقدرهم ومنزلتهم عند الله تعالى.ولا يخفي قدر النبي صلى الله عليه وسلم المقدم على قدر جميع الأنبياء عليهم السلام المقدمون على قدرآل البيت والصحابة المقدمون على الأولياء الخ ..

إذا فالتوسل بالذات الطاهرة الفاضلة إنما هو توسل بأعمال الصالحين وإيمانهم وحب الله لهم وقربهم منه ، والتوسل وطرقه هذه كلها قربات هي من صلب التوحيد ولا تمت إلى الشرك بصلة إلا إذا قصد المتقرب عبادة الرسول أو القبر أو صاحب القبر ، وهذا ما لم يقع فيه مسلم شهد الشهادتين بل الأصل أن القدرة المطلقة هي من خصائص الذات الإلهيه
وهذا لا يخفي على العوام فضلا عن الخواص

واعلم أخي إن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم جائز في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا وبعد موته في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة كما سنبين من صريح الكتاب وصحيح السنة وقد يقول البعض مجازا مثل أن يقول يا محمد اشفني أو يا حسين ارزقني

فاعلم حياك الله أن من له أدنى اطلاع على اللغة يعلم أن هذا القول مجازا وأن ما تخفيه الصدور اعلم به من لا تخفي عليه خافيه في الأرض ولا السماء والأمر أن أصحاب هذا القول هم في قريرة أنفسهم يعلمون حق العلم أنه وحده سبحانه وتعالى هو النافع والضار ولا يقع في ملكه إلا ما يريد وذلك طمعا في الإجابة لما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من منزلة عند الله وهذا ضرب من أضرب المجاز ولا يستطيع أحد ممن له أدنى مسكة في علم الشريعة واللغة العربية أن ينكر وجود المجاز في القرآن الكريم والسنة الشريفة..

فما قصد الاستغاثة أو التوسل استقلالا إنما قوله هذا مجازا وتصريحه به لا يخل بعقيدته بل نقول إن الأمر لا يستوجب تلك الحرب على القائل بل يكفي من المعترض مثلاً التوجيه والإيضاح وتوجيهه وتعليمة أدب التوسل الصحيح وليس تكفيره

ولو قام أحدنا بسؤال احد المسلمين في قوله يا حسين اشفني هل الحسين رضي الله عنه يشفي أم الله ؟

لنهرك قائلا الله الشافي المعافي والله يحب الحسين فيشفيني بقدره ومنزلته عنده .

وما قصد طلب الشفاء من الحسين استقلالا فانظر حياك الله هذه امثله واقعية محسوسة وملموسة فكيف نحكم على القائل بالكفر والشرك وهو مؤمنا موحدا بالله الواحد الأحد؟

وهي من الممكن أن نحملها على المجاز كما قلنا مثل القول هذا الطعام أشبعني وهذا الماء رواني وهذا الدكتور عالجني وهذا الدواء شفاني . فهذا كله مجازا والفاعل الحقيقي هو الله تعالى المشبع والراوي والشافي والمعالج حقيقيا هو الله تعالى..وكل هذه أسباب ولهذا يجب أحمال الكلمات على الوجه الصحيح وعدم الإسراع في التكفير بل وجب التنبيه والنصح وتعليمه ادب التوسل فعلاً وقولاً ليكون القول خاليا من أوجه الطعن من الجاهلين امثال المعترضين . والنداء او طلب المدد من الأنبياء او الاولياء جائز شرعاً وعمل به الائمة والعلماء كما سنوضح .

المدد

والمدد ايضاً ينطبق عليه ما قلنا فإذا قال المسلم: مدد يا الله أي أعنِّي وأمدَّني بقوتك وانصرني على عدوك وزدني بالرحمات والبركات وأمدني بالمقدرة على طاعتك ومحاربة نفسي وشيطاني .

وأما إذا قال مدد يا أولياء الله فمعناه علمونا مما علمكم الله وأمدونا مما أمدكم الله سبحانه به من العلوم والعرفان وساعدونا بما ينفعنا لسيرنا وأرشدونا في سلوكنا إلى محبة الله بإذن الله

إذا كان المسلم يعتقد أن الله تعالى بيده مقادير كل شيء فلا شريك معه في إيجاد أو إمداد وأنه هو الخالق الموجد المؤثر بقدرته وأنه يخلق على أيدي خلقه كلهم ما شاء فلا مانع من إسناد تلك المقادير إلى الأسباب التي تظهر على أيديها لسانا وهذا كإسناد تلك المقادير إلى الأسباب التي تظهر على أيديها لسانا وهذا كإسناد التثبيت إلى الملائكة بإذن الله تعالى في قوله تعالى: ﴿ ِإذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ [الأنفال: 12]، وكإسناد الوهب بإذن الله إلى سيدنا جبريل عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً ﴾ [مريم: 19]، وكإسناد التدبير إليهم في قوله تعالى: ﴿ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ﴾ [النازعات: 5]، وكإسناد إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله إلى سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: ﴿ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ ﴾ [آل عمران: 49]، فيجوز للمسلم أن يقول: (مدد يا رسول الله) معتقدا أن الله ممِده ويمد به من شاء من خلقه.

وقد ذكر الشيخ الازهري حفظة الله

يترتب هذا على المعنى المقصود لدى القائل، فإن كلمة مدد ـ مرفوعة ـ هكذا على ظاهرها تشبه أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف تقديره أنت مدد أو هو مدد، أو تكون مبتدأ حذف خبره وحذف معه أيضا مسوغ الابتداء بالنكرة، فكأن التقدير مدد الله أنت سببه، أو هو سببه، أو سيدي فلان سببه، ومن الصور الدارجة أن تجد أحد الناس في مجلس فيأتي ذكر شيخ عارف كالبدوي مثلا، فيقول العامي مدد يا سيدنا البدوي، ولو سألت هذا العامي ما أراد بهذه الكلمة لم يتمخض كلامه عن شيء واضح، والذي يظهر من حاله أنها كلمة ظنها من المدح فاعتاد أن يطق بها دون فهم لمعانيها، فتشبه إذا أخذنا بظاهرها أن تكون كما تقدم من أنها في كلام أغلب العوام جملة من مبتدأ وخبر وكأن العامي يقول أنت مدد يا سيدي فلان أي أنت سبب المدد أو أنت في ذاتك مدد من الله لهذه الأمة، أو يقصد العامي إذا حصلت له حلاوة في نفسه من ذكر ولي فيقول مدد يقصد أنني أشعر بحلاوة سببها ذكرك فالمدد في قلبي وروحي سببه ذكر سيرتك فهذا وجه ..

المدد للشيخ يوسف خطار

معنى لفظ المدد : يختلف معنى كلمة (مدد) باختلاف نية قائلها . وورد في لسان العرب عن معنى كلمة مدد: مددنا القوم ، أي صرنا لهنا أنصارا ومددا . وأمدَّ الأمير جنده بالخيل والرجال وأعانهم وأمدهم بمال كثير وأغناهم..

والمدد : العساكر التي تلحق بالمغازي في سبيل الله والإمداد أن يرسل الرجل مددا). لسان العرب مادة (م د د )

وقال الإمام الفيومي رحمه الله تعالى : أمددته بمدد : أعنته وقويته به) . المصباح المنير مادة (م د د)

فإذا قال المسلم : مدد يا الله أي أعنِّي وأمدَّني بقوتك وانصرني على عدوك وزدني بالرحمات والبركات وأمدني بالمقدرة على طاعتك ومحاربة نفسي وشيطاني.

وأما إذا قال : مدد يا أولياء الله فمعناه علمونا مما علمكم الله وأمدونا مما أمدكم الله سبحانه به من العلوم والعرفان وساعدونا بما ينفعنا لسيرنا وأرشدونا في سلوكنا إلى محبة الله بإذن الله: وما كان هذا إلا لأن أكثر العباد فقدوا من يدربهم ويؤدبهم بالإسلام وبأخلاق سيد الأنام صلى الله عليه وآله وسلم فإنهم بحاجة إلى من يعينهم ويمدهم بالعلم ويعلمهم أدب طريقة السير والسلوك والمدد بالمعنى الذي ذكرناه موجود حسا ومعنى في حياتنا فلا يستطيع أحد أن ينكر أن الإنسان يستعين بوسائط النقل كالسيارة والطيارة والباخرة والقطار لقضاء الحوائج الدنيوية والانتقال بواسطتها من بلد إلى آخر لا يصل اليه الإنسان بدونها إلا بشق الأنفس هذا وإن البحارة والطيارين يستولون على وجهة سفرهم بحرا وجوا بواسطة قطعة معدنية يقال لها: البوصلة ترشدهم إلى الجهة المطلوبة ولا ينكر هذا فهل الاستعانة بالمعدن تخرج عن الملة؟! وهل ترفض مساعدة ثمينة يقدمها الينا من له خبرة في سلوك طريق محبة الله المحفوفة بشتى أنواع المخاطر للوصول من خلال ذلك المدد وتلك المساعدة بلا مشقة ولا تعب.. علما بأن أقل الأعداء في هذا الطريق النفس والشيطان والهوى..؟!

ومن هنا يظهر لنا أن الإنسان بحاجة إلى الاستعانة بأشياء كثيرة من مخلوقات الله لتمده بمدد قد سخره الله له على أيدي خلقه ومصنوعاتهم من أي نوع كانت. وهناك فرق بين مدد الخالق سبحانه ومدد المخلوق فكلمة مدد تأتي بمعنى المساعدة والمعاونة وهي مستحبة في كل أنواع البر بجميع الطرق التي أجازها الشرع الحنيف فاستعانة الناس بعضهم ببعض في الأمور لا مفر منها ولا غنى عنها والإنسان مأمور بها لا سيما في أمور البر والتقوى فقد قال الله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}سورة المائدة الآية 2.

فالتعاون بين الخلائق هو المدد أي المساعدة ونصرة بعضهم لبعض فلو طلب الإنسان من بني جنسه الإمداد فليس بمعنى أنه يطلب منه كما يطلب من ربه ولكن بالمدد والقدرة التي أمده الله بها والإمداد بالمعنى المذكور على قسمين:

القسم الأول : هو مدد صرف من الله سبحانه وهو ما لا يتم على الحقيقة إلا منه ولا تكون الإغاثة للخلق إلا به سبحانه قال الله تعالى

{كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا}سورة الإسراء الآية (20)

والمعنى كما قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى :

نزيده من عطائنا على تلاحق من غير انقطاع، نرزق المؤمنين والكفار وأهل الطاعة وأهل المعصية( فتح القدير (3/217).

والقسم الثاني : وهو ما يجريه الله سبحانه على يد ملائكته الكرام بما آتاهم الله من القوة والأسرار وعلى يد أنبيائه عليهم الصلاة والسلام بواسطة المعجزات وعلى يد أوليائه بطريق الكرامات.

والفرق جلي واضح جدا : وهو أن الله سبحانه يمد من يشاء من عباده من خزائن فضله ورحمته بالمعونة والإغاثة والنصرة على الكفار والمشركين متى شاء وكيفما شاء ولا يتوقف عطاؤه تعالى على إذن أحد أو رضاه وأما أنبياؤه وأولياؤه فلا يكون إمدادهم للطالبين إلا بإذن الله ومشيئته ورضاه وهو بالحقيقة مستمد من إمداد الله تعالى والأمثلة على ذلك كثيرة جدا .

وقد جعل الله تعالى في هذه الدنيا ملائكة لهم وظائف وأعمال ظاهرية وباطنية ويخدمون بها خلق الله تعالى بما أمرهم به الله.

قال الإمام الرازي رحمه الله في تفسيره للآية الكريمة : {من الله ذي المعارج} سورة المعارج الآية (3)

وعندي فيه وجه رابع : وهو أن هذه السماوات كما أنها متفاوتة في الارتفاع والانخفاض والكبر والصغر وقوتها وشدة القوة على تدبر هذا العالم (أي بحسب أمر الله تعالى لها) فلعل نور إنعام الله وأثر فيض رحمته لا يصل إلى هذا العالم إلا بواسطة تلك الأرواح إما على سبيل العادة أو لا تفسير الفخر الرازي (24/122)

وقال أيضا رحمه الله تعالى في تفسير قول الله تعالى: {وما منا إلا له مقام معلوم}: وهذا يدل على أن لكل واحد منهم مرتبة لا يتجاوزها ودرجة لا يتعدى عنها، وتلك الدرجات إشارة إلى درجاتهم في التصرف في أجسام هذا العالم تفسير الفخر الرازي (26/174).

ولقد سخر الله ملائكة لمعرفة وكتابة أفعال العباد بأمر منه جل وعلا وهو في الوقت نفسه ينسب المعرفة والكتابة لنفسه قائلا سبحانه: {إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} سورة يس الآية (12).

قال الإمام الطبري رضي الله عنه : أي ونكتب ما قدموا في الدنيا من خير وشر ومن صالح الأعمال وسيئها) صفوة التفاسير (3/8).

وقال تعالى في حق الملائكة {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} سورة ق الآية (18)).

وسخرهم أيضا لحفظ العباد وكذلك نسب الحفظ لذاته سبحانه وتعالى فقال: {فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين} سورة يوسف الآية (64)).

وقال سبحانه وتعالى أيضا في حق الملائكة {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} سورة الرعد الآية (11).

وسخر ملك الموت لقبض الأرواح وفي نفس الوقت أيضا نسب ذلك لنفسه سبحانه فقال: {والله خلقكم ثم يتوفاكم} سورة النحل الآية (70).

وقال عز وجل في حق الملائكة : {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} سورة السجدة الآية (11).

فالفعل في هذه الآية راجع لملك الموت بأمر الله وإذنه سبحانه .

وعلى هذا فإن الله تعالى قد أمد الملائكة بأسرار يحفظون بها عباد الله بتسخير منه عز وجل ، فهو فعال لما يريد فمهما ظهر من الملائكة الكرام من عجائب وغرائب لا يكون ذلك منهم على الحقيقة فهم مسخرون بأمر الله فقد قال عنهم ربنا تعالى: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} سورة التحريم الآية (6).

وقد جعل الله تعالى في هذه الدنيا لخلقه ما جعل للملائكة الكرام عليهم السلام من وظائف وأعمال ظاهيرة وباطنية وزودهم بإمدادات وقدرات نورانية فقد أكرم الله أنبياءه ورسله وأولياءه بشيء من الأسرار التي تجعلهم قائمين بها على نصرة دين الله ويمدون بها من شاؤوا بإذن ربهم ورضاه لإقامة دين الله جل جلاله وقال الإمام البيهقي رحمه الله تعالى في تفسير قول الله سبحانه: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} سورة البقرة الآية (255) أي لا يعلمون من علمه إلا ما شاء أن يعلمهم إياه بتعليمه(8) الأسماء والصفات للبيهقي ص (143).

وقال البغوي رحمه الله تعالى في تفسير قوله سبحانه في حق سيدنا الخضر رضي الله عنه : {وعلمناه من لدنا علما} سورة الكهف الآية (65) أي علم الباطن إلهامامعالم النزيل في التفسير (3/584).

والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أرفع درجة وأجل قدرا عند الله من الملائكة عليهم السلام فلذلك أمدهم ببعض صفاته وأجرى على أيديهم بعض الخوارق التي لو سمع بها من ينكر المدد لأول وهلة ولم يعلم أنها صدرت عن رسول مؤيد لحكم على قائلها بالكفر والخروج عن الملة فورا!! وأدل دلالة على هذا ما أجراه الله على يد سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام فلنسمع إلى قول الله تعالى وهو ينسب إلى نفسه إحياء الموتى قائلا: {فالله هو الولي وهو يحيى الموتى وهو على كل شيء قدير}سورة الشورى الآية (9) ، ثم يقول في حق سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام {وإذ تخرج الموتى بإذني} سورة المائدة الآية (110) ، وكذلك ينسب شفاء المرض اليه سبحانه وتعالى فيقول: {وإذا مرضت فهو يشفين} سورة الشعراء الآية (80) ، ثم يقول في حق سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام: {وتبرى الأكمه والأبرص بإذني } سورة المائدة الآية (110)

وينسب الخلق إلى نفسه سبحانه وتعالى فيقول: {وخلق كل شيء فقدره تقديرا} سورة آل عمران الآية (49) ، ثم يقول في حق سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني} سورة المائدة الآية (110)

وليس ذلك فحسب بل بعد أن أمد الله سيدنا عيسى بتلك الصفات نراه يتكلم بلسان المدد الإلهي فينسب الأسباب إلى نفسه والفعل الحقيقي إلى مسببها فيقول: {أني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله} سورة آل عمران الآية (49) ، وهذه الآية أكبر دليل على جواز إطلاق مثل هذه الألفاظ على من جعل الله المقدرات على يديه من باب المجاز الذي لا سبيل لإنكاره كما مر معنا في باب التوسل.

ثم إن هذا في الحقيقة أعظم من كلمة مدد في مضمونها ودلالتها فالبركات والخيرات التي يمد الله تعالى بها أحدا من مخلوقاته يستفيد منها كل من حوله من المؤمنين فقد قال الله تعالى في حق سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام : {قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك}سورة هود الآية (48) . أي وخيرات عظيمة عليك وعلى ذرية من معك من أهل السفينة صفوة التفاسير (2/17)

وقال القرطبي : دخل في هذا كل مؤمن إلى يوم القيامة تفسير القرطبي (9/48)

ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير» أخرجه البخاري (2101) ومسلم (6635) وأحمد (4/408) وابن حبان (561) والطيالسي موقوفا (515) والقضاعي (1380) عن أبي موسى وأخرجه أيضا البغوي (3483).

وما يمد الله سبحانه وتعالى به رسله وأنبياءه إنما هو في سبيل إقامة الحجة ونشر الدعوة وقد علمنا أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الأنبياء على الإطلاق كما قال صاحب الجوهرة رحمه الله تعالى: وأفضل الخلق على الإطلاق … نبينا فمل عن الشقاق

وبهذا يكون المدد المعطى له صلى الله عليه وآله وسلم من الله سبحانه وتعالى أرقى وأعظم من جميع ما أعطيه سائر الأنبياء والمرسلين لأن الله بعث كل نبي مبلغا وداعيا لقومه ولكن بعثة الحبيب المصطفى كانت للخلق كافة.

قال أحد الصالحين : إن الإمداد الذي يفيضه الله على أنبيائه كالأمانة المستعارة عندهم ليعلموا بواسطتها لهداية الخلق إلى طاعة ربهم ألم يقل الله تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وآله وسلم {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} سورة الشورى الآية (52) ، وقال أيضا سبحانه وتعالى في حقه صلى الله عليه وآله وسلم {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} سورة الجمعة الآية (2) .

فما دام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حاملا الرحمة والرأفة الإلهية للعالمين وأسرار التزكية للعالم باجمعه فهذا يعني أنه يمد الخلق بإذن الله بالرحمة والرأفة والآية الكريمة واضحة في كلمة {ويزكيهم} واستطاع بفضل الله وبواسطة عطاء الله له تزكية من اتبعه وأطاعه فأصلح من كانوا أشر الناس في الجاهلية وأفظهم قتلا وكفرا فأصبحوا بعدها ألطف الناس وأحسنهم أخلاقا ودينا وإيمانا .

وإن الله تعالى أعطى سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم المقدرة والإمداد ليرشد الخلق.

هو يحمل في صدره المبارك مددا نورانيا يمد به عباد الله بإذن الله وقال القاضي البيضاوي في تفسير الآية الكريمة {إني جاعل في الأرض خليفة} سورة البقرة الآية (30).

قال : إن استخلافه سبحانه وتعالى ليس مبنيا على العجز والاحتياج ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بل هو مبني على قصور المستخلف عليه .. فمعاملته تعالى في إفاضة الكمالات والمعارف على خلقه إنما هي بحسب استعداداتهم فمن كان مستعدا لاستفاضتها بلا واسطة يفيض عليه بنفسه بلا واسطة ملك ومن كان لا يقبلها إلا ممن كان من جنسه يفيض عليه بواسطة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن الأنبياء قوتهم النظرية فائقة على قوى سائر الأنام من حيث إنهم يتمكنون بقواهم على استنباط أنوار العلوم والمعارف لكونهم اعطوا مصباح البصيرة المودع في زجاجة القلب الكائنة في مشكاة الجسد الموقدة تلك الزجاجة من زيت الروح الصافية عن الكدرات بحيث يكاد زيتها لغاية صفائه يضيء ولو لم تمسسه نار .أهـ انتهى كلام البيضاوي

حاشية تفسير القاضي البيضاوي (1/24 أو 27). .

فالمدد إذاً هو النور الرباني الذي يفيضه الله تعالى على قلوب أنبيائه وأوليائه من الرحمات والبركات والأسرار وفي الحقيقة إن كل دليل ذكرناه في معرض إثبات التوسل عامة وبالغائبين والأموات خاصة يصلح لأن يكون دليلا لإثبات المدد وسنذكر هنا بعضها ونزيد عليها إن شاء الله تعالى فمن ذلك ما رواه سيدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى قال: «إذا انفلتت دابة أحدكم في أرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا علي دابتي فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم» أخرجه الطبراني في الكبير (10518) وأبو يعلى (5269) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (17105)

(نظرة) : وما يقال في معنى المدد وطلبه من الله عن طريق الأحياء والمنتقلين يقال كذلك في معنى (النظرة) فإن من يقول لفظ (نظرة) وهو يتوسل أو يستغيث إنما يقصد أن يقول : انظر الي (يا رسول الله أو يا ولي الله) نظرة رحمة وإغاثة واشفع لي عند ربك يقضي حاجتي . هذا هو نفس معنى (أغيثوني – أعينوني – يا محمد – يا محمداه) وغيرها من الألفاظ التي مرت معنا بصدد الكلام عن الأدلة.

وطالبو المدد من الأنبياء والصالحين لا يدفعهم إلى ذلك إلا اعترافهم بتقصيرهم في أداء ما افترض الله عليهم على الوجه الكامل وعدم وصولهم لمقامات الإحسان فطلبوا الإمداد والمساعدة من الله بواسطة المصطفين الأخيار والأولياء الأبرار لما لهم من قوة ومقدرة كبيرة بفضل الله على الطاعة والصدق والصفاء والعبادة والإخلاص والمعرفة بآداب العبودية وما هذا إلا اقتداء بما أمر الله به صحابة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} سورة النساء الآية (64)

فالآية المباركة ترشدنا إلى أدب السؤال والطلب فأمر أولا بالمجيء إلى رسول الله ثم استغفار المذنب بنفسه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم اعترافه بعدم أهليته للطلب من الله لسواد صحيفته مع الله فيطلب من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يستغفر له وما ذلك إلا لأن استغفار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لهم افضل واقرب قبولا منهم لما عنده من إخلاص وصفاء قلب وقوة في الطاعة أعظم مما عند السائل المستغفر فالسائل يسأل ربه أولا ومن ثم يطلب المدد ممن هو أرفع منه اعترافا بتقصيره وبأنه ليس أهلا لإجابة دعائه وبهذا يكون ملتزما بالكتاب والسنة حالا ومقالا.

فقول السائل : مدد يا رسول الله أي استغفر لي وعلمني مما علمك الله بإذن الله وكذلك إذا قال : مدد يا أولياء الله أي يطلب منهم التوسط له عند سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بطلب الشفاعة والمغفرة والإحسان ، فكل إنسان مبتدئ في أمور الدين والتزكية يحتاج إلى علم من سبقه في هذا المجال.

والذي يذهب إلى الطبيب ويستغيث به بقوله : يا طبيب خلصني من آلامي هل يكون مخطئا لأنه يستغيث بإنسان ليمده بالشفاء بواسطة العقاقير بالطبع لا لأن الله جعل الوسائط والأسباب بين خلقه وسعي العباد لكسب الأرزاق وكذلك معالجة المرأة العاقر بالعقاقير والأدوية مع العلم يقينا أن الله سبحانه هو رازق العباد بالأموال والبنين لا ينافي قول الله {ويمددكم بأموال وبنين} سورة نوح الآية (12) ، ومما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى بحكمته قد سخر الخلائق بعضها لبعض، وليفيد بعضها بعضا بإذنه تعالى، فكل نوع يفيد نوعه، فالشمس تعكس نورها على القمر في الليل، والقمر يعكس ضوءه على الأرض ويقال لهذه الظاهرة : (مدد انعكاس).

فمن هنا نرى بأن الإنسان يستفيد من هذه الأنوار المخلوقة بوسائط ووسائل، فالله عز وجل قادر أن ينير الأرض بدون شمس ولا قمر وهو ليس بحاجة لهما ولا لغيرهما من مخلوقاته.

قال تعالى {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا} فالشمس والقمر ليسا أعظم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي وهبه قوة أعظم من الشمس والقمر تضيء بنور سراج قلبه عالم القلوب بإذن ربه لقوله تعالى {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا}سورة يونس الآية (5).

فإن طلب المريد المدد من شيخه ما هو إلا انعكاس قلب الولي الكامل الذي هو أفضل عند الله من الشمس والقمر على قلب المريد ولا شك أن الشيخ هو أحد وراث النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال «إن العلماء ورثة الأنبياء» وقال في الحديث نفسه «وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب » رواه ابن حبان (ج1/88) وأبو داود (3641) وابن ماجه (223) والدارمي (1/98) وأحمد (5/196) والترمذي (2682) .

قال «كفضل القمر» لأنه صلى الله عليه وآله وسلم هو الشمس المضيئة كما أن الشمس تعكس نورها على القمر والقمر يعكس نوره على الأرض كذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعكس نوره على قلوب الأولياء وهم يعكسون ذلك النور على المريدين.

وإذا ثبت الاستمداد بين الجمادات فيما بينها ، فكيف ينتفي بين المخلوقات البشرية والله خلق الإنسان في أحسن تقويم وكرم بني آدم؟!

قال المحدث الورع الفقيه الإمام ابن أبي جمرة الأندلسي رضي الله عنه في شرحه لحديث الإفك : … ولهذا المعنى جعل صلى الله عليه وآله وسلم لقيا المؤمن لأخيه المؤمن ببشاشة الوجه صدقة لأن المؤمن يستمد من أخيه بحسب ما يظهر على ظاهره، كما أن أهل البواطن يستمد بعضهم من بعض بحسب ما يكون في بواطنهم .. بهجة النفوس (3/62 – 63) .

وقد أورد الإمام الفقيه محمد أمين أفندي المشهور بابن عابدين في رسالته : (الفوائد المخصصة) حيث يقول : … وقد رأيت فيها رسالتين الأولى لعمدة المحققين فقيه النفس أبي الإخلاص الشيخ حسن الشرنبلي الوفائي رحمه الله تعالى وشكر سعيه والثانية لحضرة الأستاذ من جمع بين علمي الظاهر والباطن مرشد الطالبين ومربي السالكين سيدي عبدالغني النابلسي قدس الله تعالى سره وأعاد علينا من بركاته آمين فأردت أن أذكر حاصل ما في هاتين الرسالتين مستعينا بالله تعالى مستمدا من مدد هذين الإمامين الجليلين… .

فهذا الإمام الجليل ابن عابدين الذي لا يخفى على أحد من طالبي العلم الشريف مكانته العلمية يستمد من أمداد الصالحين وهو رحمه الله تعالى يعلم يقينا أن الذي أمد هؤلاء الأكارم إنما هو الله سبحانه وهو يطلب مدد ربه بواسطة صلاح وتقوى هؤلاء الأكارم والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ومن هنا يتبين لنا جواز الاستمداد من الأولياء (أي طلب المدد منهم) بشرط أن يعتقد المرء عند الطلب أن ما من شيء يجري في هذا الكون إلا بإذن الله تعالى ومشيئته وعلمه .

وإن الولي إذا أمد الطالبين فإنما يمدهم مما أمده الله به فهو لا يفيد الناس بشيء من دون الله إنما الضار والنافع في الحقيقة هو الله تعالى فجميع الفوائد التي ظهرت على أيدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء رضي الله عنهم من عجائب المعجزات وغرائب الكرامات ما هي إر إشارات على نعم المنعم العظيم سبحانه التي أظهرت على يد من أنعم عليه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وإن إمداد الله لرسله وأوليائه يكون حسب ما يريد الله ويشاء وإمداد الرسل والأولياء لباقي العباد يكون أيضا حسب ما يريد الله ويشاء هذا ولم ترد آية أو حديث بتكفير من يستمد من الأنبياء والصالحين الاستمداد الشرعي الصحيح ومن ادعى يلزمه الدليل: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} سورة البقرة الآية: (111))

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

(أنتهي النقل الموسوعة اليوسيفية)


بعض من المجاز في القرآن الكريم والسنة الشريفة :

١- فقد أسند الله تعالى إلى سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص مجازا فقال جل جلاله حكاية عنه (وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله) فما دام قد وجه الإذن الإلهي لعبد محبوب عنده فلا حر إذا في قول الإنسان يا عيسى أحي ميتي واشف مريضي لأن الله تعالى أجاز ذلك بإلهام سيدنا عيسى هذا الكلام وإثباته قرآنا يتلى إلى يوم القيامة مع العلم أن إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتي أمور لا يقدر عليها حقيقة إلا الله وحده ورغم هذا رضي من عبده عيسى عليه السلام قوله وأقره عليه.

٢- ومثل هذا قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ( لخادمه ربيعة بن كعب الأسلمي سلني فقال أسألك مرافقتك في الجنة فقال أو غير ذلك فقال هو ذاك قال أعني على نفسك بكثرة السجود) وسؤال الجنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغاثة وطلب لما لا يقدر عليه إلا الله ولم ينكر عليه الصلاة والسلام سؤاله ولم يقل له لا تسأل غير الله .

٣- ومن المجاز قوله تعالى حكاية عن جبريل عليه السلام (لأهب لك غلاما زكيا) فإسناد الوهب إليه مجاز والواهب حقيقة هو الله تعالى وحده

4- ومنها قوله تعالى (وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر) والنصر حقيقة على الله تعالى وحده

٥- ( فأعينوني بقوة ) والمعين الحقيقي هو الله.

٦- ومنها قوله جل وعلا (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا) مسندا التثبيت إلى الملائكة مجازا ، والأمثله كثيره في هذا الباب فقد طلب الكثير من الصحابه رفقه الرسول في الجنة وأجابهم بالإثبات وغيرها الكثير.

الفصل الرابع : فصل في الحياة البرزخية وحقيقتها

لا بد من إثبات حياة الأنبياء في قبورهم فإذا اتضح ذلك تبين جواز خطابهم ومناداتهم لأنهم يسمعون .

الحياة البرزخية حياه حقيقية وهذه الحياة لا تعارض وصفهم بالموت قال الله تعالى ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) ، قال تعالى ( أنك لميت وأنهم لميتون) . فهنا الحياة البرزخية لا تعارض وصف البشر بالموت فإن الموت يطرأ على الجسد لا الروح فعالم البرزخ عالم حقيقي لا مثالي ولا خيالي فهو مثل عالم الآخرة والحساب .

والأدله كثيره ووفيرة في سماع وإحساس الميت سواء كان مؤمنا أو كافرا . إنهم أحياء في قبورهم حياه برزخية فالأنبياء والأولياء يسمعون توسلنا ويقضون حوائجنا والأدلة علي ذلك كثيرة كما سنرى

اعلم ان البعض توهمم أن الأموات لا يسمعون ظنوا أن قول الله تعالى (وما أنت بمسمع من في القبور) دليلا على ذلك وليس كذلك بل هذه الآية دليل على أن الكفار المصرين على الباطل لن ينتفعوا بالتذكير والموعظة كما أن الأموات الذين صاروا إلى قبورهم لن ينتفعوا بما يسمعونه من التذكير والموعظة بعد أن خرجوا من الدنيا على كفرهم، فشبه الله تعالى هؤلاء الكفار المصرين بالأموات من هذا الوجه، ونص على ذلك أهل التفسير

قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط ما نصه :

{وما أنت بمسمع منفي القبورأي هؤلاء من عدم إصغائهم إلى سمع الحق بمنزلة من هم قد ماتوافأقاموا في قبورهم فكما أن من مات لا يمكن أن يقبل منك قول الحق فكذلكهؤلاء لأنهم أموات القلوب)

تفسير ابن كثير ج: 3 ص: 553

( قوله تعالى إن الله يسمع من يشاء أي يهديهم إلى سماع الحجة وقبولها والأنقياد لهاوما أنت بمسمع من في القبورأي كما لا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم وهم كفاربالهداية والدعوة إليهاكذلك هؤلاء المشركون الذين كتب الشقاوة لاحيلة لك فيهم ولا تستطيع هدايتهم.)انتهى

جاء في مختصر تفسير ابن كثير رحمه الله للشيخ الصابوني (3/45) في تفسير آية (وما أنت بمسمع من في القبور) إن المعنى :

((أي كما لا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم وهم كفار بالهداية والدعوة إليها كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك فيهم، ولا تستطيع هدايتهم (إن أنت إلا نذير).انتهى

قال الطبري في تفسيره (مجلد 11 جز 25 صحيفة 12):

وقوله (إنك لا تسمع الموتى) يقول: (إنك يا محمد لا تقدر أن تفهم الحق من طبع الله على قلبه فأماته لأن الله قد ختم عليه أن لا يفهمه (ولا يسمع الصم الدعاء) يقول: ولا تقدر أن تسمع ذلك من أصم الله عن سماعه سمعه (إذا ولوا مدبرين) يقول: إذا هم أدبروا معرضين عنه لا يسمعون له، لغلبة دين الكفر على قلوبهم ولا يصغون للحق ولا يتدبرون ولا ينصتون لقائله، ولكنهم يعرضون عنه وينكرون القول به والاستماع له. انتهى

قال الإمام القرطبي:

((“وما أنت بمسمع من في القبور” أي الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم؛ أي كما لا تسمع من مات، كذلك لاتسمع من مات قلبه. وقرأ الحسن وعيسى الثقفي وعمرو بن ميمون: “بمسمع من في القبور” بحذف التنوين تخفيفا أي هم بمنزلة أهل القبور في أنهم لا ينتفعون بما يسمعونه ولايقبلونه. ))

وفي تأويل مختلف الحديث :

(وأما قوله تعالى (إنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور) فليس من هذا في شيء لأنه أراد بالموتى ههنا الجهال وهم أيضا أهل القبور يريد إنك لا تقدر على إفهام من جعله الله تعالى جاهلا ولا تقدر على إسماع من جعله الله تعالى أصم عن الهدى وفي صدر هذه الآيات دليل على ما نقول لأنه قال لا يستوي الأعمى والبصير يريد بالأعمى الكافر وبالبصير المؤمن ولا الظلمات ولا النور يعني بالظلمات الكفر وبالنور الإيمان ولا الظل ولا الحرور يعني بالظل الجنة وبالحرور النار ) ( تأويل مختلف الحديث ج:1 ص:152 )

وذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري :

(( انك لا تسمع الموتى ) فقالوا معناها لا تسمعهم سماعا ينفعهم أو لا تسمعهم الا أن يشاء الله وقال السهيلي عائشة لم تحضر قول النبي (ص) فغيرها ممن حضر أحفظ للفظ النبي (صلى الله عليه وسلم) وقد قالوا له يا رسول الله اتخاطب قوما قد جيفوا فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم قال وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحال عالمين جاز أن يكونوا سامعين إما بآذان رؤوسهم كما هو قول الجمهور أو باذان الروح على رأي من يوجه السؤال إلى الروح من غير رجوع إلى الجسد ) (فتح الباري ج:3 ص:234 ) .

في حاشية السندي :

( 2076 – وهل بن عمر بكسر الهاء أي غلط وزنا ومعنى كذا قاله السيوطي ( إنك لا تسمع الموتى ) الحديث لا يقتضي أنه المسمع لهم بل يقتضي أنهم يسمعون فليكن المسمع لهم في تلك الحالة هو الله تعالى لا هو صلى الله تعالى عليه وسلم على أنه يمكن أن الله تعالى أحياهم فلا يلزم أسماع الموتى بل الاحياء كما قال قتادة وأيضا الآية في الكفرة والمراد أنك لا تجعلهم منتفعين بمايسمعون منك كالموتى والحديث لا يخالفه ولا يثبت الانتفاع للميت وبالجملة فالحديث صحيح وقد جاء بطريق فتخطئته غير متجهة والله تعالى أعلم قوله ، ) (حاشية السندي ج:4 ص:111 ) .

وفي شرح السيوطي لسنن النسائي :

(2076- وهل بن عمر بكسر الهاء أي غلط وزنا ومعنى وإنما قال النبي (ص) أنهم الآن يعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت قوله ( إنك لا تسمع الموتى )قال البيهقي العلم لا يمنع من السماع والجواب عن الآية أنهم لا يسمعهم وهم موتى ولكن الله أحياهم حتى سمعوا كما قال قتادة ولم ينفرد بن عمر بحكاية ذلك بل وافقه والده عمر وأبو طلحة وبن مسعود وغيرهم بل ورد أيضا من حديث عائشة أخرجه أحمد بإسناد حسن فان كان محفوظا فكأنها رجعت عن الإنكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة )

( شرح السيوطي لسنن النسائي ج:4 ص:111) .

وفي فيض القدير :

(وأخذ ابن تيمية من مخاطبته للموتى أنهم يسمعون إذ لا يخاطب من لا يسمع ولا يلزم منه أن يكون السمع دائما للميت بل قد يسمع في حال دون حال كما يعرض للحي فإنه قد لا يسمع الخطاب لعارض وهذا السمع سمع إدراك لا يترتب عليه جزاء ولا هو السمع المنفي في قوله ( إنك لا تسمع الموتى ) ( النمل / 80 ) إذ المراد به سمع قبول وامتثال أمر جاء في كثير من الروايات كان إذا وقف على القبور قال السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون قال البطليوسي وهذا مما استعملت فيه إن مكان إذا فإن كلا منهما يستعمل مكان الآخر )

( فيض القدير ج:5 ص:131 ) .

وفي غريب الحديث :

(وعلى هذا المعنى يتأول قوله تعالى ( فإنك لا تسمع الموتى ) يريد والله أعلم الكفار أي إنك لا تقدر أن تهديهم وتوفقهم لقبول الحق وقد كانوا يسمعون كلام الله بآذانهم إذا تلي عليهم إلا أنهم إذ لم يقبلوه صاروا كأن لم يسمعوه ، قال الشاعر أصم عما ساءه سميع )

( غريب الحديث ج:1 ص:342 ) .

الشيخ محمد الأمين الشنقيطي كلام الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في مسألة سماع الأموات ننقله جميعه للفائدة وبه الأحاديث التي نريد ان نضعها فتاملها جيداً :-

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : ” عند قوله تعالى : ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا ) أي كافرًا فأحييناه أي بالإيمان والهدى وهذا لا نزاع فيه وفيه إطلاق الموت وإرادة الكفر بلا خلاف وكقوله لّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ وكقوله تعالى وَمَا يستوي الأحياء وَلاَ الأموات أي لا يستوي المؤمنون والكافرون ومن أوضح الأدلّة على هذا المعنى أن قوله تعالى إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى الآية وما في معناها من الآيات كلّها تسلية له صلى الله عليه وسلم لأنه يحزنه عدم إيمانهم كما بيّنه تعالى في آيات كثيرة كقوله تعالى قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ وقوله تعالى وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ وقوله وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وقوله تعالى فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ وكقوله تعالى فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ وقوله تعالى فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى ءاثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الْحَدِيثِ أَسَفاً وقوله تعالى لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ إلى غير ذلك من الآيات كما تقدّم إيضاحه ولما كان يحزنه كفرهم وعدم إيمانهم أنزل اللَّه آيات كثيرة تسلية له صلى الله عليه وسلم بيّن له فيها أنه لا قدرة له صلى الله عليه وسلم على هدي من أضلّه اللَّه فإن الهدى والإضلال بيده جلَّ وعلا وحده وأوضح له أنه نذير وقد أتى بما عليه فأنذرهم على أَكمل الوجوه وأبلغها وأن هداهم وإضلالهم بيد من خلقهم ومن الآيات النازلة تسلية له صلى الله عليه وسلم قوله هنا إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى أي لا تسمع من أضلّه اللَّه إسماع هدى وقبول وَمَا أَنتَ بهادي الْعُمْىِ عَن ضَلَالَتِهِمْ يعني ما تسمع إسماع هدى وقبول إلاّ من هديناهم للإيمان بآياتنا فَهُم مُّسْلِمُونَ ، والآيات الدالَّة على هذا المعنى كثيرة كقوله تعالى إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ وقوله تعالى وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ وقوله تعالى إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء وقوله تعالى أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ إلى غير ذلك من الآيات ولو كان معنى الآية وما شابهها إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى أي الذين فارقت أرواحهم أبدانهم لما كان في ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم كما ترى واعلم أن آية النمل هذه جاءت آيتان أُخريان بمعناها الأولى منهما قوله تعالى في سورة الروم فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ وَمَا أَنتَ بهادي الْعُمْىِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِئَايَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ولفظ آية الروم هذه كلفظ آية النمل التي نحن بصددها فيكفي في بيان آية الروم ما ذكرنا في آية النمل والثانية منهما قوله تعالى في سورة فاطر إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ وآية فاطر هذه كآية النمل والروم المتقدمتين لأن المراد بقوله فيها مَن فِى الْقُبُورِ الموتى فلا فرق بين قوله إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وبين قوله وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ لأن المراد بالموتى ومن في القبور واحد كقوله تعالى وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى الْقُبُورِ أي يبعث جميع الموتى من قُبِر منهم ومن لم يقبر وقد دلَّت قرائن قرءانيّة أيضًا على أن معنى آية فاطر هذه كمعنى آية الروم منها قوله تعالى قبلها وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ لأن معناها لا ينفع إنذارك إلا من هداه اللَّه ووفّقه فصار ممن يخشى ربّه بالغيب ويقيم الصلاة وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ أي الموتى أي الكفار الذين سبق لهم الشقاء كما تقدّم ومنها قوله تعالى أيضًا وَمَا يستوي الأعمى وَالْبَصِيرُ أي المؤمن والكافر وقوله تعالى بعدها وَمَا يستوي الأحياء وَلاَ الأموات أي المؤمنون والكفار ومنها قوله تعالى بعده إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ أي ليس الإضلال والهدى بيدك ما أنت إلا نذير أي وقد بلّغت التفسير الثاني هو أن المراد بالموتى الذين ماتوا بالفعل ولكن المراد بالسماع المنفي في قوله إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى خصوص السماع المعتاد الذي ينتفع صاحبه به وأن هذا مثل ضرب للكفار والكفار يسمعون الصوت لكن لا يسمعون سماع قبول بفقه واتّباع كما قال تعالى وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء فهكذا الموتى الذين ضرب بهم المثل لا يجب أن ينفى عنهم جميع أنواع السماع كما لم ينف ذلك عن الكفار بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذين ينتفعون به وأمّا سماع آخر فلا وهذا التفسير الثاني جزم به واقتصر عليه أبو العباس ابن تيمية كما سيأتي إيضاحه إن شاء اللَّه في هذا المبحث وهذا التفسير الأخير دلَّت عليه أيضًا آيات من كتاب اللَّه جاء فيها التصريح بالبكم والصمم والعمى مسندًا إلى قوم يتكلّمون ويسمعون ويبصرون والمراد بصممهم صممهم عن سماع ما ينفعهم دون غيره فهم يسمعون غيره وكذلك في البصر والكلام وذلك كقوله تعالى في المنافقين صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ فقد قال فيهم صُمٌّ بُكْمٌ مع شدّة فصاحتهم وحلاوة ألسنتهم كما صرّح به في قوله تعالى فيهم وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ أي لفصاحتهم وقوله تعالى فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ فهؤلاء الذين إن يقولوا تسمع لقولهم وإذا ذهب الخوف سلقوا المسلمين بألسنة حداد هم الذين قال اللَّه فيهم صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ وما ذلك إلاَّ أن صممهم وبكمهم وعماهم بالنسبة إلى شيء خاص وهو ما ينتفع به من الحقّ فهذا وحده هو الذي صمّوا عنه فلم يسمعوه وبكموا عنه فلم ينطقوا به وعموا عنه فلم يروه مع أنهم يسمعون غيره ويبصرونه وينطقون به كما قال تعالى وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شيء وهذا واضح كما ترى ، وقد أوضحنا هذا غاية الإيضاح مع شواهده العربية في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة البقرة في الكلام على وجه الجمع بين قوله في المنافقين صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ مع قوله فيهم وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وقوله فيهم سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ وقوله فيهم أيضًا وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ وقد أوضحنا هناك أن العرب تطلق الصمم وعدم السماع على السماع الذي لا فائدة فيه وذكرنا بعض الشواهد العربية على ذلك مسألة تتعلق بهذه الآية الكريمة اعلم أن الذي يقتضي الدليل رجحانه هو أن الموتى في قبورهم يسمعون كلام من كلّمهم وأن قول عائشة رضي اللَّه عنها ومن تبعها إنهم لا يسمعون استدلالاً بقوله تعالى إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وما جاء بمعناها من الآيات غلط منها رضي اللَّه عنها وممن تبعها وإيضاح كون الدليل يقتضي رجحان ذلك مبني على مقدّمتين الأولى منهما أن سماع الموتى ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في أحاديث متعدّدة ثبوتًا لا مطعن فيه ولم يذكر صلى الله عليه وسلم أن ذلك خاص بإنسان ولا بوقت والمقدمة الثانية هي أن النصوص الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم في سماع الموتى لم يثبت في الكتاب ولا في السنة شيء يخالفها وتأويل عائشة رضي اللَّه عنها بعض الآيات على معنى يخالف الأحاديث المذكورة لا يجب الرجوع إليه لأن غيره في معنى الآيات أولى بالصواب منه فلا ترد النصوص الصحيحة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بتأوّل بعض الصحابة بعض الآيات وسنوضح هنا إن شاء اللَّه صحة المقدمتين المذكورتين وإذا ثبت بذلك أن سماع الموتى ثابت عنه صلى الله عليه وسلم من غير معارض صريح علم بذلك رجحان ما ذكرنا أن الدليل يقتضي رجحانه أمّا المقدمة الأولى وهي ثبوت سماع الموتى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فقد قال البخاري في صحيحه حدّثني عبد اللَّه بن محمد سمع روح بن عبادة حدّثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة أن نبيّ اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلمّا كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها ثم مشى واتّبعه أصحابه وقالوا ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان أيسرّكم أنكم أطعتم اللَّه ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقًا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا قال فقال عمر يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما تكلم من أجساد لا أرواح لها فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمّد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم قال قتادة أحياهم اللَّه له حتى أسمعهم توبيخًا وتصغيرًا ونقمة وحسرة وندمًا فهذا الحديث الصحيح أقسم فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم أن الأحياء الحاضرين ليسوا بأسمع لما يقول صلى الله عليه وسلم من أولئك الموتى بعد ثلاث وهو نص صحيح صريح في سماع الموتى ولم يذكر صلى الله عليه وسلم في ذلك تخصيصًا وكلام قتادة الذي ذكره عنه البخاري اجتهاد منه فيما يظهر وقال البخاري في صحيحه أيضًا حدثني عثمان حدّثني عبدة عن هشام عن أبيه عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال وقف النبيّ صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ثم قال إنهم الآن يسمعون ما أقول فذكر لعائشة فقالت إنما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى حتى قرأت الآية انتهى من صحيح البخاري وقد رأيته أخرج عن صحابيين جليلين هما ابن عمر وأبو طلحة تصريح النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن أُولئك الموتى يسمعون ما يقول لهم وردّ عائشة لرواية ابن عمر بما فهمت من القرءان مردود كم سترى إيضاحه إن شاء اللَّه تعالى وقد أوضحنا في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى أن ردّها على ابن عمر أيضًا روايته عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن الميّت يعذّب ببكاء أهله بما فهمت من الآية مردود أيضًا وأوضحنا أن الحقّ مع ابن عمر في روايته لا معها فيما فهمت من القرءان وقال البخاري في صحيحه أيضًا حدّثنا عياش حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد قال وقال لي خليفة حدثنا ابن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس رضي اللَّه عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال إن العبد إذ وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل محمّد صلى الله عليه وسلم فيقول أشهد أنه عبد اللَّه ورسوله فيقال أنظر إلى مقعدك من النار أبدلك اللَّه به مقعدًا في الجنّة الحديث وقد رأيت في هذا الحديث الصحيح تصريح النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن الميّت في قبره يسمع قرع نعال من دفنوه إذا رجعوا وهو نص صحيح صريح في سماع الموتى ولم يذكر صلى الله عليه وسلم فيه تخصيصًا وقال مسلم بن الحجاج رحمه اللَّه في صحيحه حدّثني إسحاق بن عمر بن سليط الهذلي حدّثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال : قال أنس كنت مع عمر ح وحدثنا شيبان بن فروخ واللفظ له حدّثنا سليمان بن المغيرة بن ثابت عن أنس بن مالك قال كنّا مع عمر بين مكّة والمدينة فتراءينا الهلال الحديث وفيه فقال إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول هذا مصرع فلان غدًا إن شاء اللَّه قال فقال عمر فوالذي بعثه بالحقّ ما أخطأوا الحدود التي حدّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجعلوا في بئر بعضهم على بعض فانطلق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إليهم فقال يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعدكم اللَّه ورسوله حقًّا فإني قد وجدت ما وعدني اللَّه حقًّا قال عمر يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كيف تكلّم أجسادًا لا أرواح فيها قال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا عليّ شيئًا حدّثنا هداب بن خالد حدّثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ترك قلتى بدر ثلاثًا ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال يا أبا جهل بن هشام يا أُميّة بن خلف يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة أليس قد وجدتم ما وعدكم اللَّه حقًّا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًّا فسمع عمر قول النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول اللَّها كيف يسمعوا وأنّى يجيبوا وقد جيفوا قال والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر ثم ذكر مسلم بعد هذا رواية أنس عن أبي طلحة التي ذكرناها عن البخاري فترى هذه الأحاديث الثابتة في الصحيح عن عمر وابنه وأنس وأبي طلحة رضي اللَّه عنهم فيها التصريح من النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن الأحياء الحاضرين ليسوا بأسمع من أولئك الموتى لما يقوله صلى الله عليه وسلم وقد أقسم صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم يذكر تخصيصًا وقال مسلم رحمه اللَّه في صحيحه أيضًا حدّثنا عبد بن حميد حدّثنا يونس بن محمد حدّثنا شيبان بن عبد الرحمان عن قتادة حدّثنا أنس بن مالك قال قال نبيّ اللَّه صلى الله عليه وسلم إن العبد إذا وُضع في قبره وتولّى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال يأتيه ملكان فيعقدانه الحديث وفيه تصريح النبيّ صلى الله عليه وسلم بسماع الميّت في قبره قرع النعال وهو نصّ صحيح صريح في سماع الموتى وظاهره العموم في كل من دفن وتولّى عنه قومه كما ترى ومن الأحاديث الدالَّة على عموم سماع الموتى ما رواه مسلم في صحيحه حدّثنا يحيى بن يحيى التميمي ويحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد قال يحيى بن يحيى أخبرنا وقال الآخران حدّثنا إسماعيل بن جعفر عن شريك وهو ابن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن عائشة رضي اللَّه عنها أنّها قالت كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلّما كان ليلتها من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدًا مؤجلون وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون اللَّهمّ اغفر لأهل بقيع الفرقد ولم يقم قتيبة قوله وأتاكم ما توعدون وفي رواية في صحيح مسلم عنها قالت كيف أقول لهم يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم اللَّه المستقدمين منّا والمستأخرين وإنّا إن شاء اللَّه بكم للاحقون ثم قال مسلم رحمه اللَّه حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا حدّثنا محمد بن عبد اللَّه الأسدي عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول في رواية أبي بكر السلام على أهل الديار وفي رواية زهير السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء اللَّه بكم للاحقون نسأل اللَّه لنا ولكم العافية انتهى من صحيح مسلم وخطابه صلى الله عليه وسلم لأهل القبور بقوله السلام عليكم وقوله وإنا إن شاء اللَّه بكم ونحو ذلك يدلّ دلالة واضحة على أنهم يسمعون سلامه لأنهم لو كانوا لا يسمعون سلامه وكلامه لكان خطابه لهم من جنس خطاب المعدوم ولا شكّ أن ذلك ليس من شأن العقلاء فمن البعيد جدًّا صدوره منه صلى الله عليه وسلم وسيأتي إن شاء اللَّه ذكر حديث عمرو بن العاص الدالّ على أن الميّت في قبره يستأنس بوجود الحيّ عنده ، وإذا رأيت هذه الأدلّة الصحيحة الدالَّة على سماع الموتى فاعلم أن الآيات القرءانية كقوله تعالى إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وقوله وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ لا تخالفها وقد أوضحنا الصحيح من أوجه تفسيرها وذكرنا دلالة القرائن القرءانية عليه وأن استقراء القرءان يدلّ عليه ، وممّن جزم بأن الآيات المذكورة لا تنافي الأحاديث الصحيحة التي ذكرنا أبو العباس ابن تيمية فقد قال في الجزء الرابع من مجموع الفتاوي من صحيفة خمس وتسعين ومائتين إلى صحيفة تسع وتسعين ومائتين ما نصّه وقد تعاد الروح إلى البدن في غير وقت المسألة كما في الحديث الذي صححه ابن عبد البرّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال ما من رجل يمرّ بقبر الرجل الذي كان يعرفه في الدنيا فيسلّم عليه إلاّ ردّ اللَّه عليه روحه حتى يردّ عليه السّلام وفي سنن أبي داود وغيره عن أوس بن أبي أوس الثقفي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال إن خير أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليَّ من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة عليّ قالوا يا رسول اللَّها كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت فقال إن اللَّه حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء وهذا الباب فيه من الأحاديث والآثار ما يضيق هذا الوقت عن استقصائه مما يبيّن أن الأبدان التي في القبور تنعم وتعذّب إذا شاء اللَّه ذلك كما يشاء وأن الأرواح باقية بعد مفارقة البدن ومنعمة أو معذّبة ولذا أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالسّلام على الموتى كما ثبت في الصحيح والسنن أنه كان يعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا السّلام عليكم أهل الديار من المؤمنين وإنّا إن شاء اللَّه بكم لاحقون يرحم اللَّه المستقدمين منّا ومنكم والمستأخرين نسأل اللَّه لنا ولكم العافية اللَّهمّ لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم وقد انكشف لكثير من الناس ذلك حتى سمعوا صوت المعذّبين في قبورهم ورأوهم بعيونهم يعذّبون في قبورهم في آثار كثيرة معروفة ولكن لا يجب أن يكون دائمًا على البدن في كل وقت بل يجوز أن يكون في حال وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بدر ثلاثًا ثمّ أتاهم فقام عليهم فقال يا أبا جهل بن هشام يا أُميّة بن خلف يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة ا أليس قد وجدتم ما وعدكم ربّكم حقًّا فإني وجدت ما وعدني ربي حقًّا فسمع عمر رضي اللَّه عنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول اللَّها كيف يسمعون وقد جيفوا فقال والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر وقد أخرجاه في الصحيحين عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبيّ صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر فقال هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا وقال إنهم ليسمعون الآن ما أقول فذكر ذلك لعائشة فقالت وَهِم ابن عمر إنما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنهم ليعلمون الآن أن الذي قلت لهم هو الحق ثم قرأت قوله تعالى إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى حتى قرأت الآية ، وأهل العلم بالحديث اتّفقوا على صحة ما رواه أنس وابن عمر وإن كانا لم يشهدا بدرًا فإن أنسًا روى ذلك عن أبي طلحة وأبو طلحة شهد بدرًا كما روى أبو حاتم في صحيحه عن أنس عن أبي طلحة رضي اللَّه عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش فقذفوا في طوى من أطواء بدر وكان إذا ظهر على قوم أحبّ أن يقيم في عرصتهم ثلاث ليال فلمّا كان اليوم الثالث أمر براحلته فشدّ عليها فحركها ثم مشى وتبعه أصحابه وقالوا ما نراه ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفاء الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان أيسرّكم أنكم أطعتم اللَّه ورسوله فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقًّا فهل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقًّا قال عمر بن الخطاب يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما تكلم من أجساد ولا أرواح فيها فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم قال قتادة أحياهم اللَّه حتى أسمعهم توبيخًا وتصغيرًا ونقمة وحسرة وتنديمًا وعائشة قالت فيما ذكرته كما تأوّلت ، والنص الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مقدّم على تأويل من تأوّل من أصحابه وغيره وليس في القرءان ما ينفى ذلك فإن قوله تعالى إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى إنما أراد به السماع المعتاد الذي ينفع صاحبه فإن هذا مثل ضربه اللَّه للكفار والكفار تسمع الصوت لكن لا تسمع سماع قبول بفقه واتّباع كما قال تعالى وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء فهكذا الموتى الذين ضرب بهم المثل لا يجب أن ينفى عنهم جميع أنواع السماع بل السماع المعتاد كما لم ينف ذلك عن الكفّار بل انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به وأمّا سماع آخر فلا ينفى عنهم وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن الميّت يسمع خفق نعالهم إذا ولّوا مدبرين فهذا موافق لهذا فكيف يرفع ذلك انتهى محل الغرض من كلام أبي العباس ابن تيمية وقد تراه صرّح فيه بأن تأوّل عائشة لا يردّ به النصّ الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم وأنه ليس في القرءان ما ينفي السماع الثابت للموتى في الأحاديث الصحيحة ، وإذا علمت به أن القرءان ليس فيه ما ينفي السماع المذكور علمت أنه ثابت بالنصّ الصحيح من غير معارض ، والحاصل أن تأوّل عائشة رضي اللَّه عنها بعض آيات القرءان لا تردّ به روايات الصحابة العدول الصحيحة الصريحة عنه صلى الله عليه وسلم ويتأكّد ذلك بثلاثة أمور ، الأول هو ما ذكرناه الآن من أن رواية العدل لا تردّ بالتأويل الثاني أن عائشة رضي اللَّه عنها لما أنكرت رواية ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنهم ليسمعون الآن ما أقول قالت إن الذي قاله صلى الله عليه وسلم إنهم ليعلمون الآن أن الذي كنت أقول لهم هو الحق فأنكرت السماع ونفته عنهم وأثبتت لهم العلم ومعلوم أن من ثبت له العلم صحّ منه السماع كما نبّه عليه بعضهم الثالث هو ما جاء عنها مما يقتضي رجوعها عن تأويلها إلى الروايات الصحيحة قال ابن حجر في فتح الباري ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيّد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة وفيه ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وأخرجه أحمد بإسناد حسن فإن كان محفوظًا فكأنها رجعت عن الإنكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصّة انتهى منه واحتمال رجوعها لما ذكر قوي لأن ما يقتضي رجوعها ثبت بإسنادين ، قال ابن حجر إن أحدهما جيّد والآخر حسن ثم قال ابن حجر قال الإسماعيلي : كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه لكن لا سبيل إلى ردّ رواية الثقة إلا بنصّ مثله يدلّ على نسخه أو تخصيصه أو استحالته انتهى محل الغرض من كلام ابن حجر ، وقال ابن القيّم في أوّل كتاب الروح المسألة الأولى وهي هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أم لا قال ابن عبد البرّ ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال ما من مسلم يمرّ على قبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلّم عليه إلاّ ردّ اللَّه عليه روحه حتى يردّ عليه السّلام فهذا نصّ في أنه يعرفه بعينه ويردّ عليه السلام ، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم من وجوه متعدّدة أنه أمر بقتلى بدر فألقوا في قليب ثم جاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا فإني وجدت ما وعدني ربّي حقًّا فقال له عمر يا رسول اللَّه أتخاطب من أقوام قد جيفوا ؟ فقال والذي بعثني بالحق ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنّهم لا يستطيعون جوابًا وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن الميّت يسمع قرع نعال المشيّعين له إذا انصرفوا عنه وقد شرّع النبيّ صلى الله عليه وسلم لأُمّته إذا سلّموا على أهل القبور أن يسلّموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم أن الميّت يعرف زيارة الحي له ويستبشر له قال أبو بكر عبد اللَّه بن محمّد بن عبيد بن أبي الدنيا في كتاب القبور باب في معرفة الموتى بزيارة الأحياء حدّثنا محمّد بن عون حدّثنا يحيى بن يمان عن عبد اللَّه بن سمعان عن زيد بن أسلم عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلاّ استأنس به وردّ عليه حتى يقوم حدّثنا محمّد بن قدامة الجوهري حدّثنا معن بن عيسى القزاز أخبرنا هشام بن سعد حدّثنا زيد بن أسلم عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال إذا مرّ الرجل بقبر أخيه يعرفه فسلّم عليه ردّ عليه السلام وعرفه وإذا مرّ بقبر لا يعرفه فسلّم عليه ردّ عليه السلام ، وذكر ابن القيّم في كلام أبي الدنيا وغيره آثارًا تقتضي سماع الموتى ومعرفتهم لمن يزورهم وذكر في ذلك مرائي كثيرًا جدًا ثم قال وهذه المرائي وإن لم تصلح بمجرّدها لإثبات مثل ذلك فهي على كثرتها وأنها لا يحصيها إلا اللَّه قد تواطأت على هذا المعنى وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في العشر الأواخر يعني ليلة القدر فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على شيء كان كتواطئ روايتهم له ومما قاله ابن القيّم في كلامه الطويل المذكور وقد ثبت في الصحيح أن الميّت يستأنس بالمشيعين لجنازته بعد دفنه فروى مسلم في صحيحه من حديث عبد الرحمان بن شماسة المهري قال حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياق الموت فبكى طويلاً وحول وجهه إلى الجدار الحديث وفيه فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار فإذا دفنتموني فسنّوا عليّ التراب سنًّا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي فدلَّ على أن الميّت يستأنس بالحاضرين عند قبره ويسرّ بهم . ومعلوم أن هذا الحديث له حكم الرفع لأن استئناس المقبور بوجود الأحياء عند قبره لا مجال للرأي فيه ومما قاله ابن القيم في كلامه الطويل المذكور ويكفي في هذا تسمية المسلم عليهم زائرًا ولولا أنهم يشعرون به لما صحّ تسميته زائرًا فإن المزور إن لم يعلم بزيارة من زاره لم يصح أن يقال زاره وهذا هو المعقول من الزيارة عند جميع الأُمم وكذلك السلام عليهم أيضًا فإن السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسلم محال وقد علّم النبيّ صلى الله عليه وسلم أُمته إذا زاروا القبور أن يقولوا السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنّا إن شاء اللَّه بكم لاحقون يرحم اللَّه المستقدمين منّا ومنكم والمستأخرين نسأل اللَّه لنا ولكم العافية وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويردّ وإن لم يسمع المسلم الردّ ومما قاله ابن القيم في كلامه الطويل قوله وقد ترجم الحافظ أبو محمد عبد الحقّ الأشبيلي على هذا فقال ذكر ما جاء أن الموتى يسألون عن الأحياء ويعرفون أقوالهم وأعمالهم ثم قال ذكر أبو عمر بن عبد البرّ من حديث ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ما من رجل يمرّ بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فيسلم عليه إلاّ عرفه وردّ عليه السّلام ، ويروى من حديث أبي هريرة مرفوعًا قال فإن لم يعرفه وسلّم عليه ردّ عليه السلام قال ويروى من حديث عائشة رضي اللَّه عنها أنّها قالت قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما من رجل يزور قبر أخيه فيجلس عنده إلاّ استأنس به حتى يقوم واحتجّ الحافظ أبو محمد في هذا الباب بما رواه أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما من أحد يسلّم عليّ إلاّ ردّ اللَّه عليّ روحي حتى أردّ عليه السّلام ثم ذكر ابن القيّم عن عبد الحق وغيره مرائي وآثارًا في الموضوع ثم قال في كلامه الطويل ويدلّ على هذا أيضًا ما جرى عليه عمل الناس قديمًا وإلى الآن من تلقين الميت في قبره ولولا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة وكان عبثًا وقد سئل عنه الإمام أحمد رحمه اللَّه فاستحسنه واحتجّ عليه بالعمل ، ويروى فيه حديث ضعيف ذكر الطبراني في معجمه من حديث أبي أُمامة قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا مات أحدكم فسوّيتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره فيقول يا فلان ابن فلانة الحديث وفيه اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمّدًا رسول اللَّه وأنك رضيت باللَّه ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمّد نبيًّا وبالقرءان إمامًا الحديث


تكملة كلام الشيخ محمد الأمين الشنقيطي

، ثم قال ابن القيّم فهذا الحديث وإن لم يثبت فاتّصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار كاف في العمل به وما أجرى اللَّه سبحانه العادة قطّ بأن أُمة طبقت مشارق الأرض ومغاربها وهي أكمل الأُمم عقولاً وأوفرها معارف تطبق على مخاطبة من لا يسمع وتستحسن ذلك لا ينكره منها منكر بل سنه الأول للآخر ويقتدي فيه الآخر بالأوّل فلولا أن الخطاب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب والخشب والحجر والمعدوم وهذا وإن استحسنه واحد فالعلماء قاطبة على استقباحه واستهجانه ، وقد روى أبو داود في سننه بإسناد لا بأس به أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حضر جنازة رجل فلمّا دفن قال سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل فأخبر أنه يسأل حينئذ وإذا كان يسأل فإنه يسمع التلقين وقد صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن الميّت يسمع قرع نعالهم إذا ولّوا مدبرين ثم ذكر ابن القيّم قصة الصعب بن جثامة وعوف بن مالك وتنفيذ عوف لوصية الصعب له في المنام بعد موته وأثنى على عوف بن مالك بالفقه في تنفيذه وصية الصعب بعد موته لما علم صحة ذلك بالقرائن وكان في الوصية التي نفذها عوف إعطاء عشرة دنانير ليهودي من تركة الصعب كانت دينًا له عليه ومات قبل قضائها ، قال ابن القيّم وهذا من فقه عوف بن مالك رضي اللَّه عنه وكان من الصحابة حيث نفذ وصية الصعب بن جثامة بعد موته وعلم صحة قوله بالقرائن التي أخبره بها من أن الدنانير عشرة وهي في القرن ثم سأل اليهودي فطابق قوله ما في الرؤيا فجزم عوف بصحة الأمر فأعطى اليهودي الدنانير وهذا فقه إنما يليق بأفقه الناس وأعلمهم وهم أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولعلّ أكثر المتأخرين ينكر ذلك ويقول كيف جاز لعوف أن ينقل الدنانير من تركة صعبة وهي لأيتامه وورثته إلى يهودي بمنام ثم ذكر ابن القيم تنفيذ خالد وأبي بكر الصديق رضي اللَّه عنهما وصية ثابت بن قيس بن شماس رضي اللَّه عنه بعد موته وفي وصيّته المذكورة قضاء دين عينه لرجل في المنام وعتق بعض رقيقه وقد وصف للرجل الذي رآه في منامه الموضع الذي جعل فيه درعه الرجل الذي سرقها فوجدوا الأمر كما قال وقصّته مشهورة ، وإذا كانت وصية الميّت بعد موته قد نفذها في بعض الصور أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يدلّ على أنه يدرك ويعقل ويسمع ثم قال ابن القيم في خاتمه كلامه الطويل والمقصود جواب السائل وأن الميّت إذا عرف مثل هذه الجزئيات وتفاصيلها فمعرفته بزيارة الحي له وسلامه عليه ودعائه له أولى وأحرى . فكلام ابن القيم هذا الطويل الذي ذكرنا بعضه جملة وبعضه تفصيلاً فيه من الأدلّة المقنعة ما يكفي في الدلالة على سماع الأموات وكذلك الكلام الذي نقلنا عن شيخه أبي العباس بن تيمية وفي كلامهما الذي نقلنا عنهما أحاديث صحيحة وآثار كثيرة ومرائي متواترة وغير ذلك ومعلوم أن ما ذكرنا في كلام ابن القيّم من تلقين الميّت بعد الدفن أنكره بعض أهل العلم وقال إنه بدعة وأنه لا دليل عليه ونقل ذلك عن الإمام أحمد وأنه لم يعمل به إلاّ أهل الشام وقد رأيت ابن القيم استدلّ له بأدلّة منها أن الإمام أحمد رحمه اللَّه سئل عنه فاستحسنه واحتجّ عليه بالعمل ومنها أن عمل المسلمين اتّصل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار ومنها أن الميّت يسمع قرع نعال الدافنين إذا ولّوا مدبرين واستدلاله بهذا الحديث الصحيح استدلال قوي جدًّا لأنه إذا كان في ذلك الوقت يسمع قرع النعال فلأن يسمع الكلام الواضح بالتلقين من أصحاب النعال أولى وأحرى واستدلاله لذلك بحديث أبي داود سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل له وجه من النظر لأنه إذا كان يسمع سؤال السائل فإنه يسمع تلقين الملقن واللَّه أعلم ، والفرق بين سماعه سؤال الملك وسماعه التلقين من الدافنين محتمل احتمالاً قويًّا وما ذكره بعضهم من أن التلقين بعد الموت لم يفعله إلا أهل الشام يقال فيه إنهم هم أول من فعله ولكن الناس تبعوهم في ذلك كما هو معلوم عند المالكية والشافعية قال الشيخ الحطاب في كلامه على قول خليل بن إسحاق المالكي في مختصره وتلقينه الشهادة وجزم النووي باستحباب التلقين بعد الدفن وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة والإرشاد وقد سئل عنه أبو بكر بن الطلاع من المالكية فقال هو الذي نختاره ونعمل به وقد روينا فيه حديثًا عن أبي أُمامة ليس بالقوي ولكنه اعتضد بالشواهد وعمل أهل الشام قديمًا إلى أن قال وقال في المدخل ينبغي أن يتفقده بعد انصراف الناس عنه من كان من أهل الفضل والدين ويقف عند قبره تلقاء وجهه ويلقنه لأن الملكين عليهما السلام إذ ذاك يسألانه وهو يسمع قرع نعال المنصرفين ، وقد روى أبو داود في سننه عن عثمان رضي اللَّه عنه قال كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميّت وقف عليه وقال استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل إلى أن قال وقد كان سيّدي أبو حامد بن البقال وكان من كبار العلماء والصلحاء إذا حضر جنازة عزى وليّها بعد الدفن وانصرف مع من ينصرف فيتوارى هنيهة حتى ينصرف الناس ثم يأتي إلى القبر فيذكرّ الميّت بما يجاوب به الملكين عليهما السلام انتهى محل الغرض من كلام الحطاب وما ذكره من كلام أبي بكر بن الطلاع المالكي له وجه قوي من النظر كما سترى إيضاحه إن شاء اللَّه تعالى ثم قال الحطاب واستحب التلقين بعد الدفن أيضًا القرطبي والثعالبي وغيرهما ويظهر من كلام الأبي في أوّل كتاب الجنائز يعني من صحيح مسلم وفي حديث عمرو بن العاص في كتاب الإيمان ميل إليه انتهى من الحطاب وحديث عمرو بن العاص المشار إليه هو الذي ذكرنا محل الغرض منه في كلام ابن القيم الطويل المتقدّم ، قال مسلم في صحيحه حدّثنا محمّد بن المثنى العنزي وأبو معن الرقاشي وإسحاق بن منصور كلّهم عن أبي عاصم واللفظ لابن المثنى حدّثنا الضحاك يعني أبا عاصم قال أخبرنا حيوة بن شريح قال حدّثني يزيد بن أبي حبيب عن ابن شماسة المهري قال حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلاً وحوّل وجهه إلى الجدار الحديث وقد قدّمنا محل الغرض منه بلفظه في كلام ابن القيّم المذكور وقدّمنا أن حديث عمرو هذا له حكم الرفع وأنه دليل صحيح على استئناس الميّت بوجود الأحياء عند قبره ، وقال النووي في روضة الطالبين ما نصّه ويستحبّ أن يلقن الميّت بعد الدفن فيقال يا عبد اللَّه ابن أمة اللَّه اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ألا إلاه إلاّ اللَّه وأنّ محمّدًا رسول اللَّه وأنَّ الجنّة حقّ وأن النار حقّ وأن البعث حقّ وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن اللَّه يبعث من في القبور وأنت رضيت باللَّه ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا وبالقرءان إمامًا وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانًا وردّ به الخبر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قلت هذا التلقين استحبّه جماعات من أصحابنا منهم القاضي حسين وصاحب التتمة والشيخ نصر المقدسي في كتابه التهذيب وغيرهم ونقله القاضي حسين عن أصحابنا مطلقًا والحديث الوارد فيه ضعيف لكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم من المحدثين وغيرهم وقد اعتضد هذا الحديث بشواهد من الأحاديث الصحيحة كحديث اسألوا له التثبيت ووصية عمرو بن العاص أقيموا عند قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأعلم ماذا أراجع به رسل ربّي رواه مسلم في صحيحه ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا التلقين من العصر الأول وفي زمن من يقتدى به انتهى محل الغرض من كلام النووي ، وبما ذكر ابن القيّم وابن الطلاع وصاحب المدخل من المالكية والنووي من الشافعية كما أوضحنا كلامهم تعلم أن التلقين بعد الدفن له وجه قوي من النظر لأنه جاء فيه حديث ضعيف واعتضد بشواهد صحيحة وبعمل أهل الشام قديمًا ومتابعة غيرهم لهم وبما علم في علم الحديث من التساهل في العمل بالضعيف في أحاديث الفضائل ولا سيّما المعتضد منها بصحيح وإيضاح شهادة الشواهد له أن حقيقة التلقين بعد الدفن مركبة من شيئين : أحدهما سماع الميّت كلام ملقنه بعد دفنه والثاني انتفاعه بذلك التلقين وكلاهما ثابت في الجملة أما سماعه لكلام الملقن فيشهد له سماعه لقرع نعل الملقن الثابت في الصحيحين وليس سماع كلامه بأبعد من سماع قرع نعله كما ترى وأمّا انتفاعه بكلام الملقن فيشهد له انتفاعه بدعاء الحي وقت السؤال في حديث سلوا لأخيكم التثبيت فإنه يسأل الآن واحتمال الفرق بين الدعاء والتلقين قوى جدًا كما ترى فإذا كان وقت السؤال ينتفع بكلام الحي الذي هو دعاؤه له فإن ذلك يشهد لانتفاعه بكلام الحي الذي هو تلقينه إياه وإرشاده إلى جواب الملكين فالجميع في الأول سماع من الميت لكلام الحي وفي الثاني انتفاع من الميت بكلام الحي وقت السؤال وقد علمت قوة احتمال الفرق بين الدعاء والتلقين وفي ذلك كله دليل على سماع الميّت كلام الحي ومن أوضح الشواهد للتلقين بعد الدفن السّلام عليه وخطابه خطاب من يسمع ويعلم عند زيارته كما تقدّم إيضاحه لأن كلاًّ منهما خطاب له في قبره وقد انتصر ابن كثير رحمه اللَّه في تفسير سورة الروم في كلامه على قوله تعالى فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إلى قوله فَهُم مُّسْلِمُونَ لسماع الموتى وأورد في ذلك كثيرًا من الأدلّة التي قدمنا في كلام ابن القيّم وابن أبي الدنيا وغيرهما وكثيرًا من المرائي الدالَّة على ذلك وقد قدّمنا الحديث الدالّ على أن المرائي إذا تواترت أفادت الحجّة ومما قال في كلامه المذكور وقد استدلّت أُمّ المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها بهذه الآية فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى على توهيم عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما في روايته مخاطبة النبيّ صلى الله عليه وسلم القتلى الذين ألقوا في قليب بدر بعد ثلاثة أيام إلى أن قال والصحيح عند العلماء رواية عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما لما لها من الشواهد على صحتها من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البرّ مصحّحًا له عن ابن عباس مرفوعًا ما من أحد يمرّ بقبر أخيه المسلم كان يعرفه الحديث ، وقد قدّمناه في هذا المبحث مرارًا وبجميع ما ذكرنا في هذا المبحث في الكلام على آية النمل هذه تعلم أن الذي يرجّحه الدليل أن الموتى يسمعون سلام الأحياء وخطابهم سواء قلنا إن اللَّه يردّ عليهم أرواحهم حتى يسمعوا الخطاب ويردّوا الجواب أو قلنا إن الأرواح أيضًا تسمع وتردّ بعد فناء الأجسام لأنا قد قدّمنا أن هذا ينبني على مقدّمتين ثبوت سماع الموتى بالسنة الصحيحة وأن القرءان لا يعارضها على التفسير الصحيح الذي تشهد له القرائن القرءانيّة واستقراء القرءان وإذا ثبت ذلك بالسنة الصحيحة من غير معارض من كتاب ولا سنّة ظهر بذلك رجحانه على تأوّل عائشة رضي اللَّه عنها ومن تبعها بعض آيات القرءان كما تقدّم إيضاحه وفي الأدلّة التي ذكرها ابن القيّم في كتاب الروح على ذلك مقنع للمنصف وقد زدنا عليها ما رأيت والعلم عند اللَّه تعالى.

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشيخ محمد الأمين الشنقيطي 6 / 126- 142 .

وقد جاءت النصوص دالة على أن الميت مع سماعه يتكلم فإن منكرا ونكيرا يسألونه فالمؤمن يوفق للجواب الحق والكافر والمنافق يضل عن الجواب

كما أن في هذا الباب سؤال يلح علينا

الأحياء من الذي خلق أفعالهم وقدراتهم ، هل هو الله ، أم أنهم هم الذين يخلقون أفعالهم؟

إن كان الجواب أن الله هو الذي خلق أفعالم وقدراتهم ( وهو مذهب أهل السنة) فهل يمتنع أن يخلق الله مثل تلك القدرات للأموات ، وهو الذي خلق قدرة النطق والإرادة للجماد ، كما في حنين الجذع ، وحب أحدٍ للمسلمين .. إلخ-؟

أولا حياه الأنبياء

لا يقصد من حياه الأنبياء في قبورهم أنهم لم ينتقلوا من حياتنا الدنيا ولم يقبضهم الله تعالى بل الأنبياء انتقلوا من هذه الحياة الدنيا إلى حياه أخرى وهي حياه الأنبياء في قبورهم وهي الحياة بعد الموت لان البعض قد خلط بين هذا وذك فيظنون أن حياتهم البرزخية كحياتنا التي نعيشها في هذه الدنيا ومن هنا يأتي اللبس والإنكار والاعتراض وكما سنرى من أصح الأدلة والأقوال.

1- حديث الإسراء المتواتر الذي ورد من طريق بضع وأربعين صحابيا وفيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم بهم جماعة وأن سيدنا آدم وغيره من الأنبياء دعوا لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأن سيدنا موسى عليه السلام طلب منه العودة إلى ربه ليطلب منه تخفيف الصلاة عنا حتى خففها الله من خمسين صلاة إلى خمس صلوات في اليوم والليلة فهذا كله دليل حياتهم في دار البرزخ أي القبر بل وحريتهم في الانتقال من مكان إلى آخر ودعاء سيدنا آدم وإرشاد سيدنا موسى لأمر تخفيف عدد الصلوات دليل نفعهم لنا وهم في الحياة البرزخية

أخرجه البخاري (٣٤٩) ومسلم (٤١٣) والدارمي في الرد علي الجهمية وابن منده في افيمان (714) وأبو عوانة (١/١٣٣ – ١٣٥) والأجري في الشريعة ص (٤٨١ – ٤٨٢).

2حديث سيدنا أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مررت بموسى ليلة أسري بي وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر

أخرجه مسلم (٦١٠٧) والنسائي (٦٣١) وأحمد (٣/١٤٨) وأبو نعيم في الحلية (٦/٢٥٣) وأبو يعلى (٣٣٢٥) وابن حبان (٥٠) وابن أبي شيبة (١٤/٣٠٧ ، ٣٠٨) والسيوطي في الدر المنثور (٤/١٥٠) .

3أخرج أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه «قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول والذي نفس أبي القاسم بيده لينـزلن عيسى بن مريم إماما مقسطا وحكما عدلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنـزير وليصلحن ذات البين وليذهبن الشحناء وليعرضن عليه المال فلا يقبله، ثم لئن قام علي قبري فقال: يا محمد لأجبته»

مسند أبي يعلى ح (٦٥٨٤) (١١/٤٦٢)

ورواه الحافظ ابن حجر في المطالب العليا ٤\٢٣ بعنوان حياته صلى الله عليه وسلم في قبره

ذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (١٣٨١٣

وفي قوله لأجبته دلالة ظاهرة علي سماعه إياه

وأخرجه الحاكم في المستدرك وفيه « وليأتين قبري حتى يسلم علي ولأردن عليه) ) المستدرك (٢/٦٥١)

وكما نرى فالحديث له طرق وأسانيد عدة فتجبر بعضها البعض وقد طعن البعض في رواية ابن إسحاق ولكن كما رأينا فهناك أسانيد أخرى قوية وحسنة ولم يعترض أحد على باقي الطرق بل تكلموا وقدحوا في طريق واحد مع وجود الطرق الأخرى الخالية من العلل!!

4- صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون)

أخرجه البيهقي في حياه الأنبياء ص ١٥

وابو يعلي في مسنده ٦\١٤٧

أبو نعيم في أخبار أصبهان 2\44

وابن عدي في الكامل ٢\٧٣٩

قال الهيثمي في المجمع ٨\٢١١ ورجاله أبي يعلي ثقات
وصححه والبزار في مسنده (٢٣٣) (٢٥٦) وابن عساكر في تاريخ دمشق (٤/٢٨٥)

وذكره الحافظ في المطالب العالية (٣٤٥٢) وصححه المناوي وقال إسناده صحيح ويشهد له حديث سيدنا أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مررت بموسى ليلة أسري بي وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر

5- قال الرسول صلى الله عليه وسلم (حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ومماتي خير لكم تعرض على أعمالكم فما رايت من خير حمدت الله وما رايت من شر استغفرت الله لكم)

أخرجه البزار في مسنده ٤-٩ ج ٥ ص ٣٠٨

الديلمي في مسند الفردوس ج ٢ ص ١٣٧

الحارث بزيادات الهيثمي ج ٢ ص ٨٨٤

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٤ وعقب بقوله ورجاله رجال الصحيح

وقال فيه الحافظ العراقي طرح التثريب ج ٣ ص ٢٩٧ اسنادة جيد

وصححه الإمام السيوطي في الخصائص 2\281

ونص المناوي في فيض القدير أنه صحيح ج ٣ ص ٤٠١

ونص الخفاجي على صحته في شرح الشفا ج ١ ص ١٠٢

والزرقاني في شرح المواهب للقسطلاني

وقال الملا على قاري بصحته شرح الشفا ج ١ ص ١٠٢ وقال رواه أيضا الحارث بن اسأمه في مسنده بسند صحيح

وذكره ابن حجر في المطالب العليا ج ٤ ص ٢٢

فالحديث صحيح لا مطعن فيه وهو يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أعمالنا وتعرض عليه ويستغفر لنا فهو حي في قبره ينفع أمه الإسلام بالاستغفار لها فإذا يجوز أن نتوسل به إلى الله تعالى ونستشفع به لأنه يعلم بذلك صلى الله عليه وسلم .. فهو ينفع أمته جمعاء عليه أفضل الصلاة والسلام

6- حديث سيدنا عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام)

أخرجه النسائي (١٢٨١) في عمل اليوم والليلة (٦٦) وأحمد (١/٣٨٧) وأبو يعلى (٥٤١٣) وعبد الرزاق في مصنفه (٣١١٦) وابن أبي شيبة (٢/٥١٧) والدارمي (٢٦٢٧) والبزار (١/٢٩٥) والطبراني في الكبير (١٠٢٨) وأبو نعيم في أخبار أصبهان (٢/٢٠٥) والبغوي (٦٨٧) والخطيب في تاريخ بغداد (١٠٤١٥) وابن القيم في جلاء الأفهام ص (٢٤) والحاكم (٢/٤٢١) وصححه ووافقه الذهبي وابن حبان (٩١٤) وفي الحديث الحث علي الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وآله وسلم وفيه تعظيمه وإجلال منزلته حيث سخر الله تعالى الملائكة الكرام لهذا الشأن العظيم.

7- حديث أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أفضل أيامكم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا على من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة على قالوا كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت يقولون بليت فقال: إن الله حرم علي الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)

أخرجه أبو داود (١٠٤٧) والنسائي (١٣٧٣) وابن ماجه (١٠٨٥) وأحمد (٤/٨) والدارمي (١٥٣٥) وابن خزيمة (١٧٣٣) وابن أبي شيبة (٢/٥١٦) والبيهقي (٣/٢٤٨) والحاكم (١/٢٧٨) وصححه ووافقه الذهبي والطبراني في الكبير (٥٨٩).

ولا تضارب بين هذه الأحاديث وحديث ما من أحد يسلمُ عليَّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام

قال الحافظ ابن حجر في الفتح الجزء السادس ما نصه : ومما يُشكل علي ما تقدم ما أخرجه أبو داود من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه: ما من أحد يسلمُ عليَّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام. ورواته ثقات. ووجه الإشكال فيه أن ظاهره أن عود الروح إلى الجسد يقتضي انفصالها عنه وهو الموت وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة:ـ

أحدها : إن المراد بقوله: رد الله على روحي إن رد روحه كانت سابقة عقب دفنه لا أنها تعاد ثم تنـزع ثم تعاد. الثاني: سلمنا، لكن ليس هو نزع موت بل لا مشقة فيه. الثالث: إن المراد بالروح الملَك الموكل بذلك.

الرابع: المراد بالروح النطق فتجوز فيه من جهة خطابنا بما نفهمه.

الخامس: إنه يستغرق في أمور الملأ الأعلى فإذا سلّم عليه رجع إليه فهمه ليجيب مَن سلّمَ عليه. وقد استشكل ذلك من جهة أخرى وهو أنه يستلزم استغراق الزمان كله في ذلك لاتصال الصلاة والسلام عليه في أقطار الأرض ممن لا يحصى كثرة وأجيب بأن أمور الآخرة لا تدرك بالعقل وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة والله أعلم. اهـ

والأحاديث في هذا الباب كثيره ويكفينا هذا لمن ألقى السمع وهو شهيد ولمن أراد الاستزادة فليراجع

أنباء الأذكياء بحياة الأنبياء

الحاوي للفتاوى

جلال الدين السيوطي

البيهقي جزءا في حياة الأنبياء في قبورهم

ثانيا : حياه الصالحين وغيرهم

1- قال تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عن ربهم يرزقون)

2- وقوله تعالى (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون )

تدل الآيتان علي حياة الذين يقتلون في سبيل الله والقتل في سبيل الله عام يشمل الشهادة في الحروب وفي غيرها كما دلت الأحاديث والآثار علي ذلك ثم إذا كان هذا حال الشهداء فماذا يكون حال الأنبياء عامة وحال نبينا خاصة وقد جمع الله له بين الشهادة والنبوة؟ لا شك أنهم أدنى بهذه المزية منه.

٣ - قوله تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)

فقد قال الحافظ ابن كثير رضي الله عنه عن تفسير هذه الآية : (… وقد ورد أن أعمال الأحياء تعرض علي الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ).

سورة التوبة الآية (١٠٥). تفسير ابن كثير

٤- حديث سيدنا أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: »إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم

أخرجه البخاري (1338) ومسلم (٧١٤٥) وأبو داود (٧١٤٥) وأبو داود (٣٢٣١) والنسائي (٢٠٤٨) وأحمد (٣/١٢٦) وعبد بن حميد (١١٨٠) والبيهقي في إثبات عذاب القبر (13) والأجري في الشريعة ص (٣٦٥) وأحمد في السنة (١٣٥٥) والبيهقي في السنن (٤/٨٠ والبغوي (١٥٢٢) وابن حبان (٣١٢٠) .)

5- ومنها ما ثبت أن أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأضع ثيابي وأقول إنما هو زوجي وأبي فلما دفن عمر معهما فو الله ما دخلت إلا وأنا مشدودة حياء من عمر..

أخرجه الإمام أحمد (٦/٢٠٢) والحافظ الهيثمي وقال رجاله رجال الصحيح مجمع الزوائد (١٢٧٠٤) وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح علي شرط الشيخين (٤/٧) ووافقه الذهبي

فقد كانت السيدة عائشة تدخل وهي مشدودة حياء من سيدنا عمر لأنه ليس من محارمها وهو مدفون بجوار أبيها رضي الله عنهم وزوجها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم..

6- حديث الرجل الذي ضرب خباءه ليلا علي قبر فسمع من القبر قراءة سوره تبارك الذي بيده الملك إلى آخرها فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (هي المانعة هي المنجية)

أخرجه الترمذي (٢٨٩٠) وحسنه السيوطي

7- ما ثبت عن سيدنا شيبان بن جسر عن أبيه أنه قال: (أنا والله الذي لا إله إلا هو أدخلت ثابتا البناني في لحده ومعي حميد الطويل فلما سوينا عليه اللبن سقطت لبنة فإذا أنا به يصلي في قبره)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (٢/٣١٩).

والأحاديث في هذا الباب كثيره ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب الروح لابن القيم..

إذا فهمت ذلك فتدبر الآن في أدلة سماع الأموات بجانب ما اوردنا من كلام العلامة النشقيطي فراجع قوله

1- روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : (وقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ ثم قال: أنهم الآن يسمعون ما أقول….. وفي رواية في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه واله وسلم جعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فانا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) .

أخرجه البخاري (٣٧٥٧) ومسلم (٢٨٧٥)

ذكر العلامة حبيب الله الشنقيطي في كتابه زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم (4/4 – 5) نقلا عن الحافظ ابن حجر في فتح الباري ما نصه : ومن الغريب أن في المغازي لابن اسحق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة – يعني أنها أثبتت أن الأموات يسمعون – وفيه ما أنتم بأسمع لما أقول منهم.

وأخرجه أحمد بإسناد حسن فإن كان محفوظا فكأنها رجعت عن الإنكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة. اه

2قال الحافظ السيوطي (الحاوي 2/421): روى الحافظ ابن عبد البر في الاستذكار و التمهيد من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله : (( ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلِّم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام ))

صححه الحافظ أبو محمد بن عبد الحق . (وهو إمام في العلل ومعرفة الحديث كما في تذكرة الحفاظ للذهبي )(و أشار إلى صحة الحديث صاحب “عون المعبود ” (3/370)

3- في البخاري :

1308 – حدثنا عياش بن الوليد حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد صلى الله عليه وآله فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا قال قتادة وذكر لنا أنه يفسح في قبره ثم رجع إلى حديث أنس قال وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين )

( صحيح البخاري ج:1 ص:462 ) .

ورواية للاستئناس

4- اخرج الامام الطبراني عن الصحابي أبي أمامة الباهلي أنه قال : “إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصنع بموتانا ، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إذا مات أحد منإخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يافلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة فإنهيستوي قاعداً، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة فإنه يقول أرشدنا يرحمك اللهولكن لا تشعرون، فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلاالله وأن محمداً عبده ورسوله وأنك رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدنبياً وبالقرءان إماماً فإن منكراً ونكيراً يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبهويقول: انطلق بنا ما يقعدنا عند من لُقّن حجته، قال (أي أبو أمامة): فقال الرجل: يا رسول الله فإن لم يُعرف أمه، قال: ينسبه إلى أمه حواء، يا فلانابن حواء”.

والحديث له طرق وشواهد كما ذكر الائمة

يقول ا لإمام ابن الملقن رضي الله عنه كما في :”خلاصة البدر المنير“:

“رواه الطبراني في أكبر معاجمه هكذا، وليس في إسناده إلا سعيد بن عبد الله فلاأعرفه، وله شواهد كثيرة يعتضد بها ذكرتها في الأصل”.ا.ه.

وقال الإمام النووي في الروضةِ : (والحديث وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ اعْتَضَدَ بِشَوَاهِدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلَمْ تَزَلْ النَّاسُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ مِنْ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فِي زَمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ )

روضة الطالبين وعمدة المفتين (1 / 192)

َقَالَ ابْنُ الطَّلَّاعِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ : ( هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَعْمَلُ بِهِ ، وَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ لَكِنْ اُعْتُضِدَ بِالْقَوَاعِدِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الشَّامِ ، وَمِمَّنْ وَافَقَ عَلَى نَدْبِهِ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَالْقُرْطُبِيُّ وَالثَّعَالِبِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ ، حَتَّى قَالَ الْأَبِيُّ : وَلَا يَبْعُدُ حَمْلُ : { لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ } عَلَى التَّلْقِينِ بَعْدَ الدَّفْنِ وَلَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ الْبُعْدِ صَرِيحُ لَفْظِ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ : مَوْتَاكُمْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّأْوِيلِ ، وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ التَّعْلِيلُ بِصَيْرُورَتِهَا آخِرَ كَلَامِهِ فَافْهَمْ) .

الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (3 / 281)

ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه التلخيص الحبير : “وإسناده صالح وقد قواه الضياء في أحكامه“ا.ه.

ورد في مجموع فتاوى بن تيمية – المجلد الرابع و العشرون ( 482 – 645 ) هذا السؤال:

هل الميت يسمع كلام زائره، ويري شخصه‏؟ …‏

فأجاب‏ :‏

الحمد لله رب العالمين ، نعم يسمع الميت ـ في الجملة ـ كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه‏)‏‏.‏ وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترك قتلي بدر ثلاثا ، ثم أتاهم فقال‏:‏ ‏(‏يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا‏؟‏ فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا‏)‏‏.‏ فسمع عمر ـ رضي الله عنه ـ ذلك فقال‏:‏ يا رسول الله ، كيف يسمعون، وأني يجيبون، وقد جيفوا‏؟‏‏!‏ فقال‏ :‏ ‏(‏والذي نفسي بيده،ما أنت بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا‏)‏‏ .‏ثم أمر بهم فسحبوا في قليب بدر، وكذلك في الصحيحين عن عبد الله بن عمر‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر فقال‏ :‏ ‏(‏هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا‏؟‏‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏إنهم يسمعون الآن ما أقول‏)‏‏.‏

وقد ثبت عنه في الصحيحين من غير وجه أنه كان يأمر بالسلام على أهل القبور‏.‏ ويقول‏:‏ ‏(‏قولوا‏:‏ السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقـون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجـرهم، ولا تفتنا بعـدهم، واغفـر لنا ولهم‏)‏‏.‏ فهـذا خطاب لهم، وإنما يخاطب من يسمع‏.‏

وروي ابن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السـلام‏)‏‏.‏

وفي السـنن عنـه أنـه قال‏:‏ ‏(‏أكثروا مـن الصـلاة على يـوم الجمعـة، وليلـة الجمعـة، فـإن صلاتكم معروضة على‏)‏،فقالوا‏:‏يا رسول الله،وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت‏؟‏ ـ يعني صرت رميما ـ فقال‏:‏‏(‏إن الله ـ تعالى ـ حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء‏)‏‏.‏وفي السـنن أنه قال‏:‏‏(‏إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام‏)‏‏.‏

فهذه النصوص وأمثالها تبين أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي، ولا يجب أن يكون السمع له دائماً، بل قد يسمع في حال دون حال، كما قد يعرض للحي فإنه قد يسمع أحياناً خطاب من يخاطبه، وقد لا يسمع لعارض يعرض له، وهذا السمع سمع إدراك، ليس يترتب عليه جزاء، ( طيب يا بن تيمية و كيف ترد على وهابية هذا العصر بخصوص الآية الشريفة ؟؟ ) ولا هو السمع المنفي بقوله‏ :‏ ‏{‏ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 80‏]‏، فإن المراد بذلك سمع القبول والامتثال‏.‏ فإن اللّه جعل الكافر كالميت الذي لا يستجيب لمن دعاه، وكالبهائم التي تسمع الصوت، ولا تفقه المعنى‏.‏ فالميت وإن سمع الكلام وفقه المعنى، فإنه لا يمكنه إجابة الداعي، ولا امتثال ما أمر به، ونهى عنه، فلا ينتفع بالأمر والنهي‏.‏ وكذلك الكافر لا ينتفع بالأمر والنهي، وإن سمع الخطاب، وفهم المعنى، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 23‏]‏‏.‏

و في جواب آخر له في مجموع الفتاوى المجلد الرابع و العشرون ( 479 – 645 ) بخصوص سؤال حول تلقين الميت يقول :

(( وقد ثبت أن المقبور يسأل، ويمتحن، وأنه يؤمر بالدعاء له‏.‏ فلهذا قيل‏:‏ إن التلقين ينفعه، فإن الميت يسمع النداء‏.‏ كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إنه ليسمع قرع نعالهم‏)‏، وأنه قال‏:‏ ‏(‏ما أنتم بأسمع لما أقول منهم‏)‏، وأنه أمرنا بالسلام على الموتي‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد اللّه روحه حتى يرد عليه السلام‏)‏‏.‏ واللّه أعلم‏.‏ ))

وجاء في حاشية ابن القيم ج: 8 ص: 280

(ولا ريب أن الميت يسمع بكاء الحي ويسمع قرع نعالهم وتعرض عليه أعمال أقاربه الأحياء فإذا رأى ما يسؤهم تألم له وهذا ونحوه مما يتعذب به الميت ويتألم ولا تعارض بين ذلك وبين قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى بوجه ما)

ابن القيم قال في كتابه “الروح” (5-ومابعدها)

المسألة الأولى وهي هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أم لا؟

قال ابن عبد البرثبت عن النبي أنه قال ما من مسلم يمر على قبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام فهذا نص في أنه بعينه ويرد عليه السلام وفي الصحيحين عنه من وجوه متعددة أنه أمر بقتلى بدر فألقوا في قليب ثم جاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربى حقا فقال له عمر يا رسول الله ما تخاطب من أقوام قد جيفوا فقال والذي بعثنى بالحق ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون جوابا

وثبت عنه صلى الله وآله وسلم أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه وقد شرع النبي لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به..

ثم ذكر نصوصا وآثارا كثير عن العلماء ثم قال:

“ويكفي في هذا تسمية المسلم عليهم زائرا ولولا أنهم يشعرون به لما صح تسميته زائرا فإن المزور إن لم يعلم بزيارة من زاره لم يصح أن يقال زاره هذا هو المعقول من الزيارة عند جميع الأمم وكذلك السلام عليهم أيضا فإن السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسلم محال وقد علم النبي أمته إذا زاروا القبور أن يقولوا سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية . وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويردو إن لم يسمع المسلم الرد وإذا صلى الرجل قريبا منهم شاهدوه وعلموا صلاته وغبطوه على ذلك”ا.هـ

قال الشيخ البهوتي في شرحه على منتهى الإرادات (1/384):

“ويسمع الميت الكلام لأنه عليه السلام امر بالسلام عليهم ولم يكن يأمر بالسلام على من لا يسمع وقال الشيخ تقي الدين استفاضت الآثار بمعرفة الميت أحوال اهله وأحبابه في الدنيا وان ذلك يعرض عليه وجاءت الآثار بمعرفة الميت أحوال اهله وأحبابه في الدنيا وان ذلك يعرض عليه وجاءت الآثار بأنه يرى أيضا ويدري بما فعل عنده ويسر بما كان حسنا ويتألم بما كان قبيحا ويعرف الميت زائرة يوم الجمعة قبل طلوع الشمس قاله احمد وقال في الغنية يعرفه كل وقت وهذا وقت آكد وقال ابن القيم الأحاديث والآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به المزور وسمع سلامه وأنس به ورد عليه وهذا عام في حق الشهداء وغيرهم وانه لا توقيت في ذلك وهو أصح من اثر الضحاك الدال على التوقيت انتهى يشير الى ما روى عن الضحاك قال من زار قبرا يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارة قيل له وكيف ذلك قال لمكان يوم الجمعة ونحوه ما روى ابن ابي الدنيا عن محمد بن واسع قال بلغني ان الموتى يلمون من زارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده ويتأذى بالمنكر عنده وينتفع بالخير”ا.هـ

وقال في كتابه : “كشاف القناع عن متن الإقناع” (2/165) :

“ويسمع الميت الكلام بدليل حديث السلام على أهل المقابر قال الشيخ تقي الدين واستفاضت الآثار بمعرفة الميت بأحوال أهله وأصحابه في الدنيا وإن ذلك يعرض عليه وجاءت الآثار بأنه يرى أيضا وبأنه يدري بما فعل عنده ويسر بما كان حسنا ويتألم بما كان قبيحا وكان أبو الدرداء يقول اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملا أجزى به عند عبد الرحمن بن رواحة وكان ابن عمه ، ولما دفن عمر عند عائشة كانت تستتر منه وتقول إنما كان أبي وزوجي فأما عمر فأجنبي

ويعرف الميت زائره يوم الجمعة قبل طلوع الشمس قاله أحمد وفي الغنية يعرفه كل وقت وهذا الوقت آكد وينتفع بالخير ويتأذى بالمنكر عنده”ا.هـ

قال ابن قدامة في المغني ج: 2 ص: 192

(فصل سئل أحمد عن تطيين القبور فقال أرجو أن لا يكون به بأس ورخص في ذلك الحسن والشافعي وروى أحمد بإسناده عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتعاهد قبر عاصم بن عمر قال نافع وتوفي ابن له وهو غائب فقدم فسألنا عنه فدللناه عليه فكان يتعاهد القبر ويأمر بإصلاحه وروي عن الحسن عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطين قبره أو قال ما لم يطو قبره))

قال ابن مفلح في “فروعه” (2/235):

“ويسمع الميت الكلام ولأحمد من حديث سفيان عمن سمع أنسا عنه مرفوعا إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا وإن كان غير ذلك قالوا اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا وروا أبو داود الطيالسي في مسنده عن جابر مرفوعا وهو ضعيف قال أحمد يعرف زائره يوم الجمعة بعد الفجر قبل طلوع الشمس وفي الغنية يعرفه كل وقت وهذا الوقت آكد وأطلق أبو محمد البربهاري من متقدمي أصحابنا أنه يعرفه.

وقال ابن الجوزي في كتابه السر المصون الذي يوجبه القرآن والنظر أن الميت لا يسمع ولا يحس قال تعالى وما أنت بمسمع من في القبور سورة فاطر 22 ومعلوم أن آلات الحس قد فقدت وأجاب عن خلاف هذا برد الأرواح والتعذيب عنده وعند ابن عقيل على الروح فقط وعند القاضي يعذب البدن أيضا وأن الله يخلق فيه إدراكا وقال ابن الجوزي أيضا ومن الجائز أن يجعل البدن معلقا بالروح فيعذب في القبر وفي الإفصاح في حديث بريدة في السلام على أهل المقابر قال فيه وجوب الإيمان بأن الموتى يسمعون سلام المسلم عليهم وأنه لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمر بالسلام على قوم لا يسمعون

قال شيخنا – أي ابن تيميةاستفاضت الآثار بمعرفته بأحوال أهله وأصحابه في الدنيا وأن ذلك يعرض عليه وجاءت الآثار بأنه يرى أيضا وبأنه يدري بما يفعل عنده ويسر بما كان حسنا ويتألم بما كان قبيحا وكان أبو الدرداء يقول اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملا أخزى به عند عبدالله بن رواحة وهو ابن عمه ولما دفن عمر عند عائشة كانت تستتر منه وتقول إنما كان أبي وزوجي وأما عمر فأجنبي تعني أنه يراها”ا.هـ

ومن المعلوم عند الحنابلة أن ماقدمه ابن مفلح في الفروع فهو المذهب غالبا

قال الإمام المرداوي رحمه الله في كتابه ” الإنصاف” (1/16):

“واعلم أن من أعظم هذه الكتب نفعا وأكثرها علما وتحريرا وتحقيقا وتصحيحا للمذهب كتاب الفروع فإنه قصد بتصنيفه تصحيح المذهب وتحريره وجمعه وذكر فيه أنه يقدم غالبا المذهب”ا.هـ

وقال أيضا : (1/17) :

“فإن اختلفوا-أي الأصحاب ممن ذكرهم- فالمذهب ما قدمه صاحب الفروع فيه في معظم مسائله”ا.هـ

الشيخ مرعي الكرمي ففي مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى (1/934 – 935):

والشرح للرحيباني والمتن للكرمي ومابين القوسين كلام الكرمي:

” (ويسمع الميت الكلام مطلقا) سلاما كان أو غيره لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالسلام عليهم ولم يكن يأمر بالسلام على من لم يسمع (ويعرف ) الميت (زائره يوم الجمعة قبل طلوع الشمس ) قاله أحمد (وفي الغنية يعرفه كل وقت وهذا الوقت آكد انتهى وهذا هو الصواب بلا ريب) قاله أبو محمد البربهاري وقال ابن القيم الأحاديث والآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به المزور وسمع سلامه وأنس به ورد عليه وهذا عام في حق الشهداء وغيرهم وأنه لا توقيت في ذلك وهو أصح من أثر الضحاك الدال على التوقيت انتهى يشير إلى ما روي عن الضحاك قال من زار قبرا يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته قيل له وكيف ذلك قال لمكان يوم الجمعة ونحوه ما روى ابن أبي الدنيا عن محمد بن واسع قال بلغني أن الموتى يعلمون من زارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده (ويتأذى بالمنكر عنده وينتفع بالخير) عنده لمجيء الآثار بذلك

(قال الشيخ) تقي الدين (استفاضت الآثار بمعرفته) – أي الميت – (بأحوال أهله وأصحابه في الدنيا وأن ذلك يعرض عليه وجاءت الآثار بأنه يرى ويدري بما فعل عنده ويسر بما كان ) ما يفعل عنده (حسنا ويتألم بما كان قبيحا) وكان أبو الدرداء يقول اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملا أخزى به عند عبد الله بن رواحة وهو ابن عمه ولما دفن عمر عند عائشة كانت تستتر منه وتقول إنما كان أبي وزوجي وأما عمر فأجنبي تعني أنه يراها”ا.هـ

وفي التاج والإكليل لمختصر خليل (2 / 375) قال :

وقَالَ أَبُو حَامِدٍ : وَيُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ بَعْدَ الدَّفْنِ .

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي مَسَالِكِهِ : إذَا أُدْخِلَ الْمَيِّتُ قَبْرَهُ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَهُوَ فِعْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الصَّالِحِينَ مِنْ الْأَخْيَارِ لِأَنَّهُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إلَى التَّذْكِيرِ بِاَللَّهِ عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَائِكَةِ ..

وجاء في شرح النووي على صحيح مسلم ج: 2 ص: 139

(فيه فوائد منها اثبات فتنة القبر وسؤال الملكين وهو مذهب أهل الحق ومنها استحباب المكث ثم القبر بعد الدفن لحظة نحو ما ذكر لما ذكر وفيه أن الميت يسمع حينئذ من حول القبر وقد يستدل به لجواز قسمة اللحم المشترك ونحوه من الأشياء الرطبة كالعنب)

قال الإمام الجلال السيوطي في كتاب : (الحاوي للفتاوي) -جوابا لسؤال :[هل يسمع الميت كلام الناس وما يقال فيه؟]:

” وأما المسألة الثانية وهي علم الأموات بأحوال الأحياء وبما هم فيه فنعم أيضاً، روى الإمام أحمد في مسنده ثنا عبد الرزاق عن سفيان عمن سمع أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيراً استبشرو وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا»

وقال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا الصلت بن دينار عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن أعمالكم تعرض على عشائركم وعلى أقربائكم في قبورهم فإن كان خيراً استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك»

وروى الطبراني في الأوسط من طريق مسلمة بن علي ـ وهو ضعيف ـ عن زيد ابن واقد، وهشام بن الغاز عن مكحول عن عبد الرحمن بن سلامة عن أبي رهم عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال:«إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة عباد الله كما تلقون البشير من أهل الدنيا فيقولون أنظروا صاحبكم ليستريح فإنه في كرب شديد ثم يسألونه ما فعل فلان وفلانة هل تزوجت؟ فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبله فيقول أيهات قد مات ذاك قبلي فيقولون إنا لله وإنا راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية»

وقال: «إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من أهل الآخرة فإن كان خيراً فرحوا واستبشروا وقالوا اللهم هذا فضلك ورحمتك فأتمم نعمتك عليه وأمته عليها، ويعرض عليهم عمل المسيء فيقولون اللهم ألهمه عملاً صالحاً ترضى به وتقربه إليك»

ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن المبارك عن ثور بن يزيد عن أبي رهم عن أبي أيوب قال: «تعرض أعمالكم على الموتى فإن رأوا حسناً فرحوا واستبشروا، وإن رأوا سوءاً قالوا اللهم راجع به»

وروى الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث عبد الغفور بن عبد العزيز عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «تعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس على الله وتعرض على الأنبياء على الآباء والأمهات يوم الجمعة فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضاً وإشراقاً فاتقوا الله ولا تؤذوا أمواتكم»

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات ثنا القاسم بن هاشم، ومحمد بن رزق الله قالا: ثنا يحيى بن صالح الوحاظي ثنا أبو إسماعيل السلولي سمعت مالك بن الداء يقول: سمعت النعمان بن بشير يقول: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: الله الله في إخوانكم من أهل القبور فإن أعمالكم تعرض عليهم»

وقال: ثنا عبد الله بن شبيب ثنا أبو بكر بن شيبة الحزامي ثنا فليح بن إسماعيل ثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن أبي صالح، والمقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تفضحوا موتاكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور»

وقال: ثنا الحسن ابن عبد العزيز ثنا عمر بن أبي سلمة عن سعيد بن عبد العزيز عن بلال بن أبي الدرداء قال: كنت أسمع أبا الدرداء يقول: اللهم إني أعوذ بك أن يمقتني خالي عبد الله بن رواحة إذا لقيته.

وقال: ثنا أبو هشام ثنا يحيى بن يمان عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال: إنه ليبشر بصلاح ولده من بعده لتقر بذلك عينه.” اهـ.

وجاء في فيض القدير ج: 2 ص: 398

(إن الميت إذا دفن سمع خفق نعالهم أي قعقعة نعالهم أي المشيعين له إذا ولوا عنه منصرفين في رواية مدبرين زاد أبو نعيم في روايته فإن كان مؤمنا كانت الصلاة ثم رأسه والصيام عن يمينه والزكاة ثم يساره وفعل الخيرات ثم رجليه انتهى قال ابن القيم والحديث نص في أن الميت يسمع ويدرك وقد تواترت الأخبار عنهم بذلك وإذا كان يسمع قرع النعال فهو يسمع التلقين فيكون مطلوبا واتصال العمل به في سائر الأعصار والأمصار إنكار كاف في طلبه وعورض بقوله تعالى وما أنت بمسمع من في القبور فاطر وأجيب بأن السماع في حديثنا مخصوص بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال)

وهذا يثبت ان الميت يسمع مخاطبة الاحياء ويعقل كلامهم على عكس ما ذهب إليه المخالف الذين تبنوا الفكر القائم على أن الميت عبارة عن خشبة لا تسمع ولا تشعر !

الفصل الخامس : أدله التوسل والاستغاثة من صريح الكتاب وصحيح السنة

أدله التوسل بالأحياء والأموات من الكتاب والسنة وأقوال العلماء

قبلَ الخوض في الأدلة نذكر بعض أقوال أشد من الفاظ التوسل والاستغاثة التي ينكرها البعض جهلا وتجاهلا وهذه الأقوال في حد ذاتها توسل واستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهي تدخل في صلب الادلة وهي فيض من غيض وإن كان يتسع المقام لذكرنا المئات من هذه الأحاديث

اولا- أقوال أشد من الفاظ التوسل والاستغاثة

1- أعوذ برسول الله

اخرج الإمام مسلم عن أبن مسعود( أنه كان يضرب غلاما فجعل يقول”أعوذ بالله قال:فجعل يضربه فقال:أعوذ برسول الله: فتركه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

أخرجه الإمام مسلم ٣\1281 حديث ابن مسعود أعوذ برسول الله منك

أخرج قصة عاد الثانية أحمد بإسناد حسن عن الحارث بن حسان البكري قال: »خرجت أنا والعلاء بن الحضرمي إلى رسول الله . الحديث وفيه- فقلت : أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد، قال وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث ولكنه يستطعمه )

ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري وقال الإسناد حسن الفتح (٨/٥٧٩

مسند أحمد ح (١٥٩٩٦) (٣/٤٨٢).

عن عاشه رضي الله عنها قالت ( بعثت صفية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام,قد صنعته له وهو عندي فلما رأيت الجارية أخذتني رعدة حتى استقبلتني فضربت القصعة فرميت بها قالت:- فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفت الغضب في وجهه فقلت:أعوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلعنني اليوم)

أخرجه الإمام أحمد 6\277 وقال الهيثمي في المجمع ٤\٣٢١ رواه أحمد ورجاله ثقات

وفي الأحاديث السابقة وردت الاستعاذة بالنبي صلى الله عليه وسلم

فهل يقال إن هذا القول كفر وشرك وهل الصحابه كانوا لا يعلمون مدلول الألفاظ التي تنطقها ألسنتهم؟؟؟

فهنا يظهر جليا أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن القائلين يعلمون الفرق بين الألفاظ إذا أطلقت في حق المولى سبحانه وتعالى وإذا أطلقت في حق المخلوقات فهي من الله ابتداء واستقلالا ونفعا وضرا ومن العبيد والخلق تسببًا.

٢- الشكاوى المختلفة للنبي صلى الله عليه وسلم

وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أنه شكا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم النسيان لما يسمعه من حديثه الشريف وهو يريد أن يزول عنه ذلك فقال رضي الله عنه : يا رسول الله : إني أسمع منك حديثا كثيرا فأنساه فأحب أن لا أنسى فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أبسط ردائك فبسطه فغرف يديه فيه ثم قال: ضمه فضمه قال أبو هريرة فما نسيت حديثا بعد وفي رواية فما نسيت شيئا قط»

أخرجه البخاري (٣٦٤٨) والترمذي (٣٨٣٥).

وعدم النسيان من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله وحده ورغم هذا لم ينكر عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأجابه إلى مطلبه فهذا توسل منه رضي الله عنه بذات سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومكانته عند الله لا بدعائه فحسب لأنه لم يرد أنه دعا له وإنما اغترف له من الهواء وألقاه في ثوبه وأمره بضمه إلى صدره وهذا دليل منه رضي الله عنه على جواز سؤال مثل هذه الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله من غير الله تعالى، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل له لا تسألني وسل من هو أقرب إليك مني بل أجابه إلى مطلبه وقضيت حاجته باللحظة التي ضم فيها الرداء إلى صدره

٣- المفزع إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

عن عمرو ابن العاص قال” كان فزع بالمدينة فأتيت على سالم مولي أبي حذيفة وهو محتب بحمائل سيفه,فأخذت سيفا فاحتبيت بحمائله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم<< يا أيها الناس ألا كان مفزعكم إلى الله ورسوله-ثم قال- ألا فعلتم كما فعل هذان الرجلان المؤمنان”)

أخرجه ابن أبي شيبه ٧\٤٠٠

والطحاوي في شرح معاني الآثار 3\312

4- ما وصف حسان به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :

يا ركن معتمد وعصمة لائذ وملاذ منتجع وجـار مجاور

فوصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ركن المعتمدين وعصمة اللائذين وملاذ القاصدين وجار المستجيرين لم يكن يقصد به أنه عليه الصلاة والسلام يشارك الباري في تلك الصفات بل هي لله بالأصالة وعلي الحقيقة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سبب فيها من باب الإسناد المجازي

٥- ليس لنا إلا إليك يا رسول الله فرارنا

عن انس بن مالك قال:- أتي أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أتيناك ومالنا صبي يغط ولا بعير يئط.

أَتَيْنَاكَ وَالعَذْرَاءُ يُدمى لبَابُهَا وأَلقَى بِكَفَّيهِ الفَتَى لاسْتِكَانَةٍ

ولا شَيْءَ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ عِنْدَنَا ولَيْسَ لَنَا إِلا إِلَيْكَ فِرَارُنَا

وَقَدْ شُغِلَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عَنِ الطِّفلِ مِنَ الْجُوعِ ضعْفاً مَا يَمُرُّ وَلا يحلِي

سِوَى الْحَنْظَلِ اَلْعَامِي وَالعَلْهَزِ الفَسْلِ وَأَيْنَ فِرَارُ النَّاسِ إِلا إِلى اَلرُّسُل

فقام صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر فرفع يديه إلى السماء ثم قال : اللهم اسقنا غيثا مريعا غدقا طبقا نافعا غير ضار عاجلا غير رائت تملأ به الضرع فضحك ? حتى بدت نواجذه ثم قال: لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه، مَن ينشدنا قوله؟ فقال على يا رسول الله كأنك تريد قوله:

وأَبيَضُ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ تُطِيفُ بِهِ اَلْهُلَّاك مِنْ آلِ هَاشِمٍ

ثَمَّال اليَتَامَى عِصمَةٌ لِلأَرَامِلِ فَهُم عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ.

وهنا استغاثة بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم والوجه تارة يأتي بمعنى الذات ومرة بمعنى الجاه.

(أخرجه البيهقي في الدلائل)

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني إسناده ضعيف لكنه يصلح للمتابعة ج ٢ ص ٤٩٥

وذكره ابن هشام في زوائده في السيرة تعليقا عمن يثق به

وذكره محمد خليل الخطيب في الوسيلة ص ٧٣

6- تعظيم النبي لعمه

عن هشام بن عروة قال” أخبرني أبي أن عائشة قالت له: يا ابن أختي لقد رايت من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أمرا عجيبا”

أخرجه الإمام أحمد 6\118

وأبو يعلي ٨\٣٥٣

إذا ليس كل تعظيم عبادة كما يقول المتنطعون ، وينبغي أن يفطن المرء إلى هذه الألفاظ وأن ليس بها شرك كما يدعي البعض ، وكما ذكر الدكتور عمر عبد الله كامل في مجموعته مفاهيم يجب أن تصحح

وينبغي أن يتفطن إلى أن ما يطلق على الخالق والمخلوق من الصفات كالرأفة والرحمة والوجود والعلم والهداية والشفاعة في قوله تعالى : ( قل لله الشفاعة جميعا)

مع قوله صلى الله عليه وسلم : (أعطيت الشفاعة) لا يشتبه على الواعي.

إذ إن مدلولات الألفاظ حين تطلق على الخالق تختلف عن مدلولاتها إذا أطلقت على الخلق من حيث الكمال والكيفية والخلق والتسبب اختلافًا كليًا. فتطلق على الإله بما يناسب مقام الحق. وإذا وصف المخلوق بشيء منها فيكون متصفًا بما يناسب البشرية محدودة ومخلوقة ومكتسبة بإذن الله وفضله وإرادته لا بقوة المخلوق أو تدبيره أو أمره وإنما منّ الله بها على المخلوق قوة وضعفا على ما شاء الله وأراد فلا يرفع المخلوق وصفه بها

أولا:- ليس المقصود بهذه الألفاظ المقارنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ربه بل هي مقارنة بين الخلق بمعنى أنه ليس في الخلق من هو أولى من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يلاذ به ويلجأ إليه ويفزع إليه عند الشدائد ليقوم بالتوسل عند ربه في كشفها مثل ما يكون عليه الحال في يوم الهول العظيم حيث لا يجد الأنبياء والخلائق ملجأ إلا في رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع لهم في كشف كربهم حيث يقول: «أنا لها» ويشفع.

ثانيًا: ليس في المسلمين إطلاقا من يعتقد لأحد فعلا أو تركًا أو رزقًا أو نصرًا أو أحياءً أو إماتةً فحسن الظن بهم- وهو ما أُمرنا به- حمل مثل تلك الألفاظ على المجاز كله لله خلقا وإيجادا أصالة وما نسبتها إلى المخلوق ممن أكرمه الله بحصولها علي يده إلا لأنه هو المتسبب فيها بدعائه لربه وشفاعته عنده.

فليس معنى طلب شيء من المستغاث به عند المسلم إلا الطلب منه بأن يسأل الله تعالى ويشفع عنده بقضاء الحاجة.

وحمل هذه الألفاظ على حقائقها دون اعتبار لقرينة توحيده هو ظلم كبير وخطأ فاحش.)

ذكرنا الاقوال السابقه وهي من الأدله المعتمدة ايضا في التوسل والاستغاثه ونزيدكم من صريح الكتاب وصحيح السنة

أدلة التوسل والاستغاثة

أ :- أدله الكتاب الحكيم

١- قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)المائدة 35

الوسيلة كما أسلفنا هي ما يتقرب به وهنا ما يتقرب به إلى الله

ولفظ الوسيلة عام في الآية فهو شامل للتوسل بالذوات الفاضلة من الأنبياء والصالحين في الحياة وبعد الممات وبالأعمال الصالحة إلخ إلخ

أي الآية تدعوا المؤمنين أن يتقربوا إلى الله بشتى أنواع القربات والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم من القربات بلا شكم كما سيوضح من الأحاديث القادمة وليس هناك ما يخصص وسيلة عن وسيلة فالأمر عام وهو شامل لجمع أنواع التوسل الغير محتوي على مخالف شرعي.. والوسائل والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود

٢- (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُول إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)

النساء ٦٤

والآية صريحة في طلب ذهاب المؤمنين إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستغفار الله عند ذاته الشريفة وأن ذلك أرجي في قبول استغفارهم فهذه الآية عامة تشمل حالة الحياة وحالة الوفاة وغير مخصصه ولا يوجد التخصيص عقلا أو نقلا لان الأنبياء في قبورهم أحياء والنبي صلى الله عليه وسلم يرد علينا السلام وتعرض عليه أعمالنا كما سنوضح في فصل حياه البرزخ

فائدة ودرر من أقوال شيخنا العلامة المحدث الغماري رحمه الله

(وتخصيصها بأحدهما يحتاج إلى دليل وهو مفقود هنا.

فإن قيل: من أين أتى العموم للآية حتى يكون تخصيصها بحالة الحياة يحتاج إلى دليل؟

قلنا: من وقوع الفعل في سياق الشرط، والقاعدة المقررة في الأصول أن الفعل إذا وقع في سياق الشرط كان عَامًّا؛ لأن الفعل في معنى النكرة لتضمنه مصدراً منكراً، والنكرة الواقعة في سياق النفي أو الشرط تكون للعموم وضعاً.

فإن قيل: طلب الدعاء والشفاعة من الحي معقولٌ، أما من الميت فلا، لأنه قد انقطع عن هذه الدنيا فلا يدري ما يقع فيها!!

قلنا: ليس كذلك، بل ثبت التواتر والإجماع أن الأنبياء أحياء في قبورهم، وثبت أن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر لسيئات أعمالنا، كما في حديث عرض الأعمال، بل ثبت لمطلق موتى المؤمنين أنهم يشعرون بمن يسلِّم عليهم ويردون عليه السلام ويستأنسون به ما دام جالساً عندهم إذا كانوا يعرفونه في الدنيا، فكيف يمتنع الدعاء منهم في هذه الحالة بل هو ممكن عقلاً وشرعاً ؟) انتهى

كما سنبين حياه الأنبياء في قبورهم في الفصل القادم إن شاء الله تعالى

وللرد على شبهه أثارها الجهال

قال البعض إن إذ تستخدم للماضي في لغة العرب وإذا للمستقبل وهذا إن دل إنما يدل على جهل القائل بهذه العبارة وقلة اطلاعه وضيق أفقه وان بضاعته في العلم مزجاه. لأنها تستخدم في المستقبل أيضا وهذا ما نص عليه اللغويون وسنبين الآتي.

قال الأزهري في تهذيب اللغة (١٥/٤٧) ما نصّه :

(العرب تضع ” إذ ” للمستقبل و ” إذا ” للماضي ، قال الله عزّ وجل { ولو ترى إذ فزعوا ) انتهى

ومن استعمال إذ للمستقبل قوله تعالى ( ولو ترى إذ وقفوا على النار)

وقوله تعالى (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم )

وقوله تعالى (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت)

وقوله تعالى (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم )

ولها معان أخرى ذكرها ابن هشام في مغني اللبيب ( ١ / ٨٠ _ ٨٣ )

أقوال ائمه التفسير في هذه الآية وعدم تخصيصها بحياة النبي صلى الله عليه وسلم

1- قال الشوكاني:-

(ووجه الاستدلال بها أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره بعد موته كما في حديث : الأنبياء أحياء في قبورهم , وقد صححه البيهقي وألف في ذلك جزءا ) اه نيل الأوطار ٣/١٠٥

وفي معجم الطبراني ٩/٢٢٠ : ( عن عبد الله بن مسعود قال: إن في النساء لخمس آيات ما يسرني بهن الدنيا وما فيها , وقد علمت أن العلماء إذا مروا بها يعرفونها وذكر منها : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما }) اه قال الهيثمي ٧/٧١ : (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) اه ففرح ابن مسعود بهذه الآية ظاهر في أنه عامة

منها قوله تعالى : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله … ) الآية

قال الشوكاني : ( والهجرة إليه صلى الله عليه وسلم في حياته الوصول إلى حضرته وكذلك الوصول بعد موته ) اهنيل الأوطار ٣/١٠٥

2- القرطبي في تفسيره (٥/٢٦٥،٢٦٦)

” روى أبو صادق عن على قال : قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحثا على رأسه من ترابه فقال : قلت يا رسول الله فسمعنا قولك ووعيت عن الله فوعينا عنك وكان فيما أنزل الله عليك { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } الآية وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر أنه قد غفر لك ” آه

3- والثعــالــبي (١/٣٨٦)

 وعن العتبى قال كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله سمعت الله تعالى يقول ولو إنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما وقد جئتك مستعفيا من ذنوبي مستغفرا إلى ربي ثم أنشأ يقول

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه … فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه … فيه العفاف وفيه الجود والكرم

قال ثم انصرف فحملتني عيناي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي يا عتبي الحق الأعرابي فبشره أن الله تعالى قد غفر له انتهى من حلية النووي وسنن الصالحين للباجي وفيه مستغفرا من ذنوبي مستشفعا بك إلى ربي “آه

4- وابن كثير (١/٥٢٠-٥٢١)

” وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبى قال : كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول { ولو إنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما } وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول :


يا خير من دفنت بالقاع أعظمه … فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه … فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال يا عتبي الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له ” آه

5- والنسفي (١/٢٣٠،٢٣١)

” وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبى قال : كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول { ولو إنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما } وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول :


( يا خير من دفنت بالقاع أعظمه … فطاب من طيبهن القاع والأكم

( نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه … فيه العفاف وفيه الجود والكرم )

ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال يا عتبي الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له ” آه

6- والسيوطي في الدر المنثور (١/٥٧٠-٢٣)

” وأخرج البيهقي عن أبي حرب الهلالي قال : حج أعرابي إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله جئتك مثقلا بالذنوب والخطايا مستشفعا بك على ربك لأنه قال في محكم تنزيله ولو إنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما

7- قال العدوي الحمزاوي في كنز المطالب ( ص ٢١٦ ) :

ومن أحسن ما يقول بعد تجديد التوبة في ذلك الموقف الشريف، وتلاوة ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرسول ) الآية: نحن وفدك يا رسول اللّه وزوارك، جئناك لقضاء حقك وللتبرك بزيارتك والاستشفاع بك مما أثقل ظهورنا وأظلم قلوب

٣- قال الله تعالى في قصة موسى

فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ )

فالاستغاثة بما يقدر عليه العباد لا عليها غبار ولا يختلف عليها أحد فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شرك إذ إن المسبب الحقيقي هو الله تعالى.. لم يكن في استغاثة الرجل لموسى عليه السّلام بأس طالما كان يستغيث به وهو يعلم بأنّ قوة موسى عليه السّلام مستمده من الله تعالى وبإذن الله تعالى

4- قال تعالى : ( وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ( 248 ) سوره البقرة

قال الحافظ ابن كثير في التاريخ : قال ابن جرير عن هذا التابوت :

وكانوا إذا قاتلوا أحد من الأعداء يكون

معهم تابوت الميثاق الذي كان في قبة الزمان كما تقدم ذكره , فكانوا ينصرون ببركته وبما جعل الله فيه من السكينة والبقية مما ترك ال موسى وال هارون فلما كان في بعض حروبهم مع أهل غزه وعسقلان غلبوهم وقهروهم علي أخده فانتزعوه من أيديهم .

قال ابن كثير :

(وقد كانو ينصرون علي أعدائهم بسببه , وكان فيه طست من ذهب كان يغسل فيه صدور الأنبياء . ( البداية ج ٢

وقال ابن كثير في التفسير :

كان فيه عصا موسى وهارون ولوحان من التوراة وثياب هارون ,

ومنهم من قال : العصا والنعلان . تفسير ابن كثير ج ١

وقال القرطبي :

(والتابوت كان من شأنه فيما ذكر أنه انزله الله علي آدم عليه السلام فكان عنده إلى أن وصل إلى يعقوب عليه السلام فكان في بني اسرئيل يغلبون به من قاتلهم حتى عصوا فغلبوا على التابوت غلبهم عليه العمالقه وسلبوا التابوت منهم (. تفسير القرطبي ج ٣

وهذا في الحقيقه ليس إلا توسلا باثار اولئك الأنبياء . وتوسلا ببركه التابوت.

ولكل من ذكر ان ذات النبي عليه الصلاة والسلام والصالحين لا تجلب نفعا

٥- (ما كان الله ليعذبهم وانت فيهم ) (الآية، جزء ٩، س انفال)

فهذه الايه تدل على ان حلول ذات النبي عليه الصلاة والسلام مانعة من نزول العذاب على الكفار ولا يمكن القول ان النبي صلى الله عليه وسلم نفعهم بدعائه ولا بشفاعته لان هذه الاشياء لا تكون للكفار..فكانت ذات النبي صلى الله عليه وسلم نافعه حتي للكفار في وجوده في وسطهم وتشعر هذه الآية بأن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا انفصل عنهم وتركهم فحينئذ ينزل عليهم العذاب فوجود النبي بذاته بينهم صلى الله عليه وسلم حال دون عذابهم…!!

فهذا الوجه سر بلاغته أن فيه دلالة على أن بركة النبي صلى الله عليه وسلم وبركه المؤمن متعدية, حتى إنها لتطال من يستحق نزول العذاب, فوجود الصالحين يكون مانعاً من نزول العذاب بالكفار

فكيف لا تكون ذات افضل الخلق اجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم غير نافعه للمسلمين؟؟

فنفع بذاته وهذا ما يؤدي إلي أن التوسل بذاته الشريفة نافع للمسلمين باذن الله تعالي !!!

٦- {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض}

اخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله

ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض

قال: يدفع الله بمن يصلي عمن لا يصلي، وبمن يحج عمن لا يحج، وبمن يزكي عمن لا يزكي.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض…} الآية.

يبتلي الله المؤمن بالكافر، ويعافي الكافر بالمؤمن.

وأخرج ابن جرير عن الربيع {لفسدت الأرض} يقول: لهلك من في الأرض.

وأخرج ابن جرير عن أبي مسلم. سمعت عليا يقول:

لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم.

فهذا الوجه فيه دلالة على أن بركة المؤمن متعدية، حتى إنها لتطال من يستحق نزول العذاب، فوجود الصالحين يكون مانعاً من نزول العذاب بالكفار

فهنا نفع المؤمنون بذاتهم بعضهم البعض وبأعمالهم وبدعائهم بل ونفعوا الكفار..!

٨- وقال تعالى: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون علي الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله علي الكافرين)

سورة البقرة الآية ٨٩]

روى أبو نعيم في دلائل النبوة من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت يهود بني قريظة والنضير من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم يستفتحون الله يدعون على الذين كفروا يقولون: اللهم إنا نستنصرك بحق النبي الأمي إلا نصرتنا فينصرون فلما جاءهم ما عرفوا يريد محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ولم يشكوا فيه كفروا به ولهذا الأثر طرق كثيرة.

تفسير القرطبي

قوله تعالى: ولما جاءهم-يعني اليهود- -كتاب- يعني القرآن- من عند الله مصدق-نعت لكتاب ويجوز في غير القران نصبه على الحال وكذلك هو في مصحف أبي النصب فيما يروي لما معهم- يعني التوراة والإنجيل يخبرهم بما فيها- وكانوا من قبل يستفتحون- أي يستنصرون

والاستفتاح: الاستنصار استفتحت استنصرت وفي الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم (يستفتح بصعاليك المهاجرين ) أي يستنصر بدعائهم وصلاتهم ومنه

فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده والنصر فتح شيء مغلق فهو يرجع إلى قولهم فتحت الباب.

وروي النسائي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

(إنما نصر الله هذه ألامه بضعفائها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم)

وروي النسائي أيضا عن أبي الدرداء قال سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول

( أبغوني الضعيف فإنكم إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم)

قال ابن عباس ( كانت يهود خيبرتقاتل غطفان فلما التقوا هزمت يهود فدعت يهود بهذا الدعاء: وقالوا- انا نسألك بحق النبي الامي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا اخر الزمان أن تنصرنا عليهم قال فكانوا اذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان, فلما بعث النبي صلي الله عليه وسلم كفروا فانزل الله تعالي( وكتنوا من قبل يستفتحون علي الذين كفروا) اي بك يا محمد الي قوله (فلعنه الله علي الكافرين)

وفي تفسير النيسابوري

ما نصه: قوله يستفتحون على الذين كفروا وذلك أن اليهود قبل مبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونزول القرآن يسألون به الفتح والنصرة على المشركين إذا قاتلوهم يقولون: اللهم انصرنا بالني المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين : قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم.

وقال في تفسير الكشاف وفي تفسير الخازن ما نصه: وكانوا يعني اليهود من قبل أي من قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستفتحون أي يستنصرون به على الذين كفروا يعني مشركي العرب وذلك أنهم كانوا إذا حزبهم أمر ودهمهم عدو يقولون: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد صفته في التوراة فكانوا ينصرون وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين قد أظل زمان بني يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما جاءهم ما عرفوا أي الذي عرفوه يعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عرفوا نعته وصفته وأنه من غير بني إسرائيل كفروا به أي جحدوا وأنكروا بغيا وحسدا ونحوه في تفسير البغوي والنسفي.

وفي روح المعاني:

وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا نزلت في بني قريظة والنضير كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل مبعثه قاله ابن عباس وقتادة والمعنى يطلبون من الله تعالى أن ينصرهم به على المشركين كما روى السدي أنهم كانوا إذا اشتد الحرب بينهم وبين المشركين أخرجوا التوراة ووضعوا أيديهم على موضع ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا:اللهم إنا نسألك بحق نبيك الذي وعدتنا أن تبعثه في آخر الزمان أن تنصرنا اليوم على عدونا فينصرون فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به كنى عن الكتاب المتقدم بما عرفوا لأن معرفة من أنزل عليه معرفة له ووجه الدلالة من هذه الآية ظاهر فإن الله سبحانه أقر استفتاح اليهود بالرسول ولم ينكره عليهم وإنما ذمهم على الكفر والجحود بعد إذ شاهدوا بركة الاستفتاح بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...