بسم الله الرَّحمن الرحيم
الحمد لله رب العالـمين وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وإمام المتقين نبينا مُحمد وعلى جَميع إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى ءاله الطيبين.
قال الإمام النسفي (461-537 هـ) في العقائد ما نصه ( عن الله سبحانه وتعالى) " ليس بعرض، ولا جسم، ولا جوهر، ولا مصوّر، ولا محدود، ولا معدود، ولا متبعض. ، و لا متحيز، ولا متركب، ولا متناه، ولا يوصف بالماهية، ولا بالكيفية و لا يتمكن في مكان، و لا يجري عليه زمان ولا يشبهه شىء" ا.هـ.
الشرح:
قال الإمام النسفي رحمه الله في كتابه العقيدة النسفية:ليس بعَرَضٍ
الشرح: أن الله تبارك وتعالى ليس عرَضاً، لأن العرض هو ما لا يقوم بنفسه بل يقوم بمحل، فالعرض لا يقوم بذاته بل يفتقر إلى محل يقوم به ويكون ممكناً، ومنه ما لا يبقى زمانين -المقصود بالزمان هنا أصغر زمن (مثل اللحظة)- كالحركة لأن كل فرد من أفراد الحركات لا يدوم أكثر من زمان واحد، قال بعض العلماء: العرض منه ما يـبقى زمانين ومنه ما لا يبقى زمانين، مثال عن الأول اللون ومثال عن الثانى الحركة، لذلك لا يجوز تسمية الله بالعرض.اهـ
قال الإمام النسفي رحمه الله:ولا جسم.
الشرح: أنه قد تقدم تفسير الجسم. ومن أطلق على الله الجسمية فهو كافر، حتى لو قال أنا لا أقصد المؤلَّف المركب، كما نُقل عن الإمامِ أحمد بن حنبل. وقد ذَكر الفقيه المتكلم ابنُ المعلم القرشىّ فى كتابه نَجْمِ المهتدِى إكفارَ الذى يعتقدُ إن الله جسمٌ كبير قاعد على العرش، قال: لأنه عبد غيرَ الله، وقال: بعضُ الناس أطلق على الله التحيزَ فى جهة والجسمية وقالوا لا نعنى بذلك التأليفَ والتركيب، قال: هؤلاء أيضاً كفروا، لأن هذه التسمية فى اللغة ليس معناها كما يقولون، فلماذا تجرؤا وأطلقوها على الله؟! مع علمهم بأنها مُنْبِئَةٌ عن وصفِ الله بمستحيل لذلك لا يعذرون، وقد ذكر هذا الشرحَ المتولى فى كتابه الغُنية، والمتولى من كبار علماء الشافعية من أصحاب الوجوه، قال وما الفصل -أى أين الحد الفاصل- بينكم وبين من يسمى الله جسداً أو غير ذلك من الإنسان يعنى أى إنسان يختار لله ما شاء من الأسماء ويقول ما قصدت كذا وهذا إلحاد. وقال المشبهةُ لا نشاهدُ من الموجودات إلا جسماً أو عرضاً والله لا يجوز أن يكون عرضاً لأن العرض مفتقر إلى الجسم قالوا: إذاً يكون الله جسماً -تعالى الله عن ذلك-، أهلُ السنة قالوا: منشأُ تخبُطِكُم أنكم أخذتم بقياس الغائب على الشاهد، وحكمتم على ما لا يُحَس كما تحكمون على ما يُحَس وهذا فاسد، واعتمادُكم فى هذا الأمر على مجردِ الوهم، ولا ينبغى الاعتمادُ فى هذا على الوهمِ إنما على العقل، ومن جرَى على كلامكم يقول: إن ما نراه فى الأجسام أنه يجوز الفناء عليها فمن جرى على قاعدتكم يُجيزُ الفناء على الله من إعطاء الغائب حكم الشاهد وهذا ضلال.اهــ
قال الإمام النسفي رحمه الله:ولا جوهر.
الشرح: أنه مستحيل عقلاً أن يكون الله عز وجل جوهراً، لأن الجوهر فى عُرفِ المتكلمين من أهل السنة هو الجزء الذى تناهى فى الصِغَر مع التحيز إلى حدٍ أنه لا يقبل الانقسام، والله منزه عن ذلك، وأما لو أراد شخص بالجوهر الشىء الذى ثبت وجودُه الذى وجودُه ثابت لا فى مكان فهذا المعنى صحيح نسبَتُه إلى الله لكن مع ذلك لا يجوز إطلاق هذا الاسم عليه، وإنما امتَنَع ذلك لعدمِ ورودِ الشرعِ به، كيف نوفّق بين هذا وبين ما قلناه قبل عن المريد والشائى؟
الجواب: أن من أهل العلمِ مَن قال: يجوزُ إطلاق اسمٍ لم يرد على الله عز وجل إذا كان مشتقاً غيرَ جامد وصفاً ولا يوهم نقصاً. بهذه الشروط بعضُ العلماء كالغزالى أجازوا إطلاقَ الاسمَ غير الوارد على الله، وكلمة الجوهر لا تنطبقُ عليها هذه الشروط، كما أن كلمة الروح لا تنطبق عليها هذه الشروط لأنها جامدة مثلاً، ومن هنا أهل العلم ضلَّلوا سيد قطب لإطلاقه لفظَ القوة على الله ولفظَ الريشة المبدعة الخالقة، لأن القوة والريشة ليسا وصفين. لذلك الغزالى أجاز إطلاق الطاهر على الله ولم يجيزُ أن يُطلَق القوة على الله الطاهر على وزن فاعل.اهــ
قال الإمام النسفي رحمه الله:ولا مصوَّر.
الشرح: أن الله عز وجل لا يجوز أن يكون ذا صورة كالإنسان والفرس ونحوِ ذلك لأن الصورة من صفات الأجسام والله ليس جسماً.اهــ
قال الإمام النسفي رحمه الله:ولا محدود.
الشرح: أن الله عز وجل منزه عن أن يكون ذا حدٍّ، وليس معنى ذلك أنه جسم ممتد بلا حد، إنما معنى ذلك أنه ليس جسماً، ولذلك هو ليس محدوداً، لأن المحدود لا بد له ممن خصَّه بذلك الحد إن كان كبيراً أو صغيراً، إن كان كبيراً كالعرض أو صغيراً كالذرة -النملة الصغيرة كل مائة نملة وزنُ حبة شعير-، ولا يجوز أن يقال لله حد لا نعلَمُه اللهُ يعلَمُهُ، كما قال بعضُ أسلافِ ابنِ تيمية من الحنابلة، لأن هذا الكلام فيه إثباتُ الحد، والمحدود لا يكون إلا مخلوقاً، العرش نحن لا نعلمُ حدَّه الله يعلم حدَّه لكن هل ينفى هذا أنه مخلوق لا لماذا؟ لأن له حداً، ويكفى لنفى ذلك عن الله قولُ الله عز وجل: {ليس كمثله شىء}، لأن كلمة شىء نكرة جاءت فى معرِض النفى وهذا يفيد العموم، وقد رَوَى أبو نُعيم عن سيدنا على رضى الله عنه نفىِ الحد عن الله، ولا شك أن قولَه مقدَّمٌ على قول ابن الزَّاغُونِى ومن شابهَهُ من المشبهين.
كنا ذكرنا أن قولَه تبارك وتعالى: {ليس كمثله شىء} شىء نكرة فى معرض النفى فتفيد العموم، وهذا فيه ردٌّ على قولِ بعضِ مشبهَةِ هذا العصر حيث فسروا الآية بأن معناها ليس له مثلٌ فيما نعرف هذا تكذيبٌ للدين وخروجٌ عن مقتضى لغةِ العرب، أليسوا يقولون له كيف لا نعرِفُهُ؟! هذا معناه، والحقيقةُ أن هذه الآيةَ تقضِى على تحريفهِم هذا بحسب معناها فى لغة العرب قاضيةٌ على تحريفهم.اهــ
قال الإمام النسفي رحمه الله: ولا معدود.
الشرح: أن الله عز وجل ليس متصفاً بالكثرة (بالعدد)، يعنى أنه منزه عن الكمية المتصلة وعن الكمية المنفصلة، لأن الكمية المتصلة تقتضى التركيب، والكمية المنفصلة تقتضى التعدد، الكمية المركبة من أجزاء متصلة تقتضى التركيب فيها تركيب والتى هى أجزاء منفصلة تقتضى التعدد وكلٌّ منهما منفى عن الله، فالكَمُّ المتصل يقتضى تعدُدَ الذات.اهــ
قال الإمام النسفي رحمه الله: ولا مُتَبَعضٍ ولا متجزئٍ.
الشرح: أن الله عز وجل ليس كَمَّاً يصح أن يقال عن جزءٍ منه أنه بعضُه، لأنه سبحانه وتعالى غيرُ موصوفٍ بالأجزاء.اهـــ
قال الإمام النسفي رحمه الله:ولا متركب.
الشرح: يعنى أن الله عز وجل منزَّهٌ عن أن يكون مركباً من أجزاء لأن هذا موجبٌ للاحتياج. والفرقُ بين قولِنا لا متبعض ولا متجزئ وبين قولنا لا متركب أنه باعتبار انحلاله إلى الأجزاء يسمى متجزءًا وباعتبار التركيب يسمى متركباً. بعضُ عبارات النسفى يغنى عن البعض الآخر، إنما يفعلُ ذلك النسفى لتأكيد المعنى.اهــ
قال الإمام النسفي رحمه الله:ولا متناهٍ.
الشرح: أن التناهى من صفات المقادير والأعداد إذا الشىء معدود ينتهى إلى عدد معين إذا الشىء له مقدار مقدارُه ينتهى إلى حد معين أما الله فخارج عن ذلك سبحانه.اهــ
قال الإمام النسفي رحمه الله: ولا يوصف بالماهِيَّة.
الشرح: أن الماهِيَّةَ هى المجانسةُ للأشياء أن يكون شىءٌ من جنسِ شىءٍ ءاخر، وهذا اللفظ ماهيّة مركبٌ مأخوذٌ من كلمتين مَا هُوَ يعنى من أى جنس هو. اهــ
قال الإمام النسفي رحمه الله:ولا بالكيفية.
الشرح: أن الكيفية هى صفات الأجسام صفات الخلق، من نحو اللون والطعم والرائحة والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة مما هو من صفاتِ الأجسام مما يتبَعُ التركيب، فمراد السلف بنفى الكيفية نفىُ المشابهةِ للمخلوقين. قال القونوى فى شرحه على الطحاوية قال نُعَيم بنُ حمّاد -عالم حديث مشهور من السلف- (مَنْ شَبَّهَ اللهَ بشىءٍ من خلقِهِ فقد كفر، ومن أنكر ما وصفَ الله به نفسَه فقد كفر). وقال إسحق بن راهويه -بلغ درجة الاجتهاد -: (مَن وصفَ الله فشَبَّه صفاتِه بصفاتِ أحدٍ من خلقِ الله فهو كافرٌ بالله العظيم.) ولذلك أيضاً قال الطحاوى: (ومن وصف الله بمعنًى من معانى البشر فقد كفر). وممن نصَّ على نفى الصورةِ والكيفية عن الله الحافظ المحدث الفقيه أبو سليمان الخطابى -عالم بالحديث والفقه-اهـــ
قال الإمام النسفي رحمه الله:ولا يتمكن فى مكان.
الشرح: أن الله منزهٌ عن التمكن فى مكان، لأن التمكنَ عبارةٌ عن نفوذِ بُعْدٍ فى بُعْدٍ ءاخر مُتَحَقَّق أو مُتَوَهَم. مثلاً الكتاب لما يوضع بمكان ما يكون احتل هذا الحيز الذى له أبعاد طول وعَرض وعُمق هذا الحيز قد يكون جسماً مثل إذا كان صندوق إذا وضعت الكتاب فى الصندوق يكون هذا الحيز الصندوق بحجم الكتاب يكون شيئاً متحقَّقاً عرفت تماماً أين هو هذا الحيز وقد تقدر أن هذا الكتاب يحتاج ليوجَد أن يتحيز فى حيزٍ معين من غير أن يكون معيناً فى ذهنك أى حيزٍ هو على التحديد ،فوجود الجسم تمكن الشىء فى مكان يستلزم اتصافَه بالأبعاد والله منزه عن ذلك هذه صفة الأجسام، ودليل العقل على ذلك أن الله لو تحيز فى الأزل للزِم من ذلك قِدَم الحيز الذى يأخُذُه أو لا فيلزَم قيام الحوادث به سبحانه يعنى لو أن الله كان له حيز فإما أن يقال هذا الحيز قديم أزلى وهذا فيه إثبات أزلى مع الله وإما أن يقال إن الحيز حادث وإن الله اتصف بصفةٍ حادثة بتحيزه فى هذا الحيز الحادث وكلا الأمرين محال فاسد. وبعض المشبهة يورد على زعمه دليلاً عقلياً لاتصاف الله عز وجل بجهة العلو فيقول جهةُ السفلِ مستحيلةٌ على الله أو أشرف الجهات جهةُ العلو إذاً الله موصوف بجهة العلو. والجواب على هذا سهل، يقال الجهات من حيث ذاتُها لا تقتضى الكمال، يعنى الشىء لا يكون أشرفَ من غيره لكونِه فى جهة العلو دون السفل، فالملائكةِ الحافُّون فى العرش أعلى من الأنبياء لكن الأنبياء أفضل، العرشُ أعلى من الأنبياء مكاناً مع ذلك الأنبياءُ أفضل، إذا سكن الملك فى الوادى والحارس على رأس الجبل يصير الحارس أعلى رتبةً من الملك؟! لا، ثم إن هذا الخلاء هذا الفراغ الذى لا يحتوى أجساماً عند أهل الحق يتناه له نهاية، هذا الخلاء لا يمتد إلى ما لا نهاية، وكذلك الأجرام -الأجسام- لا تمتد إلى ما لا نهاية، الخلاء والملاء ينتهيان بانـتهاء العالم.اهــ
قال الإمام النسفي رحمه الله:ولا يَجْرِى عليهِ زمان.
الشرح: أن الزمان عند أهل السنة مقارنةُ متجددٍ بمتجددٍ ءاخر، أو بعبارة أخرى متجددٌّ يُقَدَّر به متجدّدٌ ءاخر، يعنى أنت لما تقول أنا استغرق منى هذا العمل ساعة يعنى استمريت فى العمل مدة أَقيسها بذهنى بمدة دوران العقرب الوقت الذى يحتاجُه عقرب الساعة دورة كاملة دوران العقرب شىء متجدد وعملك متجدد فقارنت متجدداً بمتجددٍ ءاخر عملُك اقترن استمر نفس مدة دوران العقرب دورة كاملة عملُك قارن هذا فالزمان هو هذا، فالزمان هو مقارنة متجدد بمتجدد ءاخر تقدير متجدد بمتجدد ءاخر. وعند الفلاسفة الزمان هو حركة الفَلك -مكان تحرك الكواكب-، وعلى كلٍ الله منزه عن ذلك جميعاً. لذلك يقال لا يمر على الله زمان لأن الله عز وجل ليس متجدداً.اهــ
قال الإمام النسفي رحمه الله: ولا يشبهه شىء.
الشرح: أن الله تبارك وتعالى لا يماثلُه شىء. وذلك لأنه إذا أريد بالمثل ما يسد مَسَدَّ الآخر من جميع الأوصاف فلا أحد فى الخلق يسُدُّ مَسَدَّ الله عز وجل، وذلك لأن أوصاف الله عز وجل أعلَى وأجل من أوصاف المخلوقين، وما يُنسَبُ إلى الإمام الأشعرى أنه قال المثلان هما الذان يسد أحدُهما مسدَّ الآخر من جميع الجهات لا يثبت عنه، لا تحفظ له عبارة صريحة فى ذلك، وهذا مخالف لما تقتضيه اللغة، لأنه معروف فى اللغة إطلاق المثل على ما يماثل الآخر من بعض النواحى من بعض الجهات كما جاء فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح رباً إلا مثلاً بمثل يداً بيد سواءاً بسواء" [رواه مسلم وغيره] وهنا لم يقصد الرسول بالمثل إلا التماثل فى الكَمية وليس فى باقى الصفات، لذلك لما يقال الله ليس له مثل لا يراد بذلك أن الله ليس له من يَسُدُّ مَسدَّه نفىُ من يسد مسد الله فقط إنما المراد نفىُ المماثلة من أى وجهٍ من الوجوه أى أن الله ليس له مَن يشبهُهُ ولو بوجهٍ واحد من الوجوه، كما قال الإمام أبو حنيفة: أَنـَّى يُشبِهُ الخالِقُ مَخْلُوقَه.اهــ
والله تعالى أعلم.
وءاخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين,,,
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق