بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 9 سبتمبر 2018

لا تثبت لله صفة إلا بالكتاب أو خبر مقطوع له بصحته

ذكر الحافظ الفقيه البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه ونصه : " لا تثبت الصفة لله بقول صحابي أو تابعي إلا بما صح من الأحاديث النبوية المرفوعة المتفق على توثيق رواتها ، فلا يحتج بالضعيف ولا بالمختلف في توثيق رواته حتى لو ورد إسنادٌ فيه مُختَلَف فيه وجاء حديث ءاخر يَعْضِدُه فلا يُحتجُّ به " .
قال فيه أيضًا ما نصّه : " وإذا روى الثقة المأمون خبرًا متصل الإسناد رُدّ بأمور : أحدهما : أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه لأن الشرع إنما يَرِدُ بمجوّزات العقول وأما بخلاف العقول فلا ، والثاني : أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ ، والثالث : أن يخالف الإجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له ، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحًا غير منسوخ وتجمع الأمة على خلافه " انتهى .
الثالثة : ذكر علماء الحديث أن الحديث إذا خالف صريح العقل أو النصّ القرءاني أو الحديث المتواتر ولم يقبل تأويلاً فهو باطل ، وذكره الفقهاء والأصوليون في كتب أصول الفقه كتاج الدين السبكي في " جمع الجوامع " وغيره .
قال أبو سليمان الخطابي : " لا تثبت لله صفة إلا بالكتاب أو خبر مقطوع له بصحته يستند إلى أصل في الكتاب أو في السنة المقطوع على صحتها ، وما بخلاف ذلك فالواجب التوقف عن إطلاق ذلك ويتأول على ما يليق بمعاني الأصول المتفق عليها من أقوال أهل العلم من نفي التشبيه " .
قاعدة مهمة :
إن الشرع إنما ثبت بالعقل ، فلا يتصوّر وروده بما يكذب العقل فإنه شاهده ، فلو أتى بذلك لبطل الشرع والعقل معًا ، إذا تقرّر هذا فنقول : كل لفظ يرد من الشرع في الذات والأسماء والصفات بما يوهم خلاف العقل فلا يخلو إما أن يكون متواترًا أو ءاحادًا ، فإن كان ءاحادًا وهو نصّ لا يحتمل التأويل قطعنا بتكذيب ناقله أو سهوه أو غلطه ، وإن كان ظاهرًا فالظاهر منه غير مراد ، وإن كان متواترًا فلا يُتصوّر أن يكون نصًّا لا يحتمل التأويل ، فلا بدّ أن يكون ظاهرًا أو محتملاً ، فحينئذٍ نقول الاحتمال الذي دلّ العقل على خلافه ليس بمراد منه ، فإن بقي بعد إزالته احتمال واحد تعيّن أنه المراد بحكم الحال ، وإن بقي احتمالان فصاعدًا فلا يخلو إما أن يدلّ قاطع على تعيين واحد منها أو لا ، فإن دلّ حمل عليه ، وإن لم يدلّ قاطع على التعيين فهل يعين بالظنّ والاجتهاد ؟ اختلف فيه ، فمذهب السلف عدم التعيين خشية الإلحاد " .
وقال الشيخ الفقيه شيث بن إبراهيم المالكي ( توفي سنة 598 هـ ) ما نصّه : " أهل الحق جمعوا بين المعقول والمنقول أي بين العقل والشرع ، واستعانوا في درك الحقائق بمجموعهما فسلكوا طريقًا بين طريقي الإفراط والتفريط ، وسنضرب لك مثالاً يقرّب من أفهام القاصرين ذكره العلماء كما أن الله تعالى يضرب الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ، فنقول لذوي العقول : مثال العقل العين الباصرة ، ومثال الشرع الشمس المضيئة ، فمن استعمل العقل دون الشرع كان بمنزلة من خرج في الليل الأسود البهيم وفتح بصره يريد أن يدرك المرئيات ويفرق بين المبصَرات فيعرف الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، والأحمر من الأخضر والأصفر ، ويجتهد في تحديق البصر فلا يدرك ما أراد أبدًا مع عدم الشمس المنيرة وإن كان ذا بصر وبصيرة ، ومثال من استعمل الشرع دون العقل ، مثال من خرج نهارًا جهارًا وهو أعمى أو مغمض العينين ، يريد أن يدرك الألوان ويفرق بين الأعراض ، فلا يدرك الآخر شيئًا أبدًا ، ومثال من استعمل العقل والشرع جميعًا مثال من خرج بالنهار وهو سالم البصر ، مفتوح العين والشمس ظاهرة مضيئة ، فما أجدره وأحقّه أن يدرك الألوان على حقائقها ، ويفرق بين أسودها وأحمرها وأبيضها وأصفرها .
فنحن بحمد الله السالكون لهذه الطريق وهو الطريق المستقيم ، وصراط الله المبين ، ومن زلّ عنها وحاد وقع في طريق الشيطان المتشعّبة عن اليمين والشمال ، قال تعالى : { وَأَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } سورة الأنعام / الآية 153 .
ومن هنا يعلم أن المشبهة المجسمة تائهون في المعتقد لأنهم خالفوا الشرع والعقل بقولهم إن الله جالس على العرش ، وتارة يقولون إنه مستقرّ عليه ، ومنهم من يقول إنّ الله ترك مكانًا يجلس فيه معه محمدًا يوم القيامة ، وبقولهم إن الله متحيّز في مكان فوق العرش بذاته ، وبقولهم إن الله يتحرّك كل ليلة بنزوله من العرش إلى السماء الدنيا ، حتى إن بعض هؤلاء قال إن الله يضع رجله في جهنّم لكنها لا تحترق والعياذ بالله تعالى ، وغير ذلك من أقوالهم التي تدلّ على التشبيه والتجسيم لقياسهم الخالق على المخلوق ، واتباعهم الوهم .
فنحمد الله تعالى الذي جعلنا على منهج أهل السنة والجماعة الذين تكلموا في أمور التوحيد من باب الاستشهاد بالعقل على صحة ما جاء عن الله ، وعلى صحة ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تفرغ لعبادة الله والا شغلتك الدنيا

 قال رسول الله صَلَّى اللهُ عليهِ وسلم :” قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يا ابْنَ ءادَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتي أَمْلأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ ف...