فانطلق الإمام الحسين ومعه أصحابه ومعه من أهل بيته حتى إذا وصل إلى العراق وقد عرف ماذا فعل عبيد الله بن زياد وعرف تَخَلّي أهل العراق عنه ولم يجد أحدا منهم.
وبعثَ إليه عبيد الله بن زياد بكتيبة فيها أربعة آلاف يتقدمهم عمرو بن سعد أو عمر بن سعد فالتقوا بمكان يقال له كربلاء فطلب منهم الحسين إحدى ثلاث:
أ – إما أن يدعوه يرجع من حيث جاء
ب – وإما أن يذهب إلى ثغر من الثغور فيقاتل فيه
ج – أو يتركوه يذهب إلى يزيد .
فوافــــق عمــر بن سعد، وأرسل يخبر ابن زياد بذلك، فأرسل ابن زياد إلى عمر بن سعد، أن لا يوافق حتى يأتي ابن زياد ويبايعه يعني ليبايع يزيدا، وقد أشار على ابن زياد هذا الرأي شـِمْـر بن ذي الجَوشن قبحه الله، فقال الحسين: والله لا أفعل، فعمر بن سعد تباطأ في القتال فأرسل ابنُ زياد شـِمْـرَ بن ذي الجَوشن، وقال له: إن تقدم عمر فقاتل وإلا فاقتله وكن مكانه، فتحول بعض الجيش الذين كانوا مع عمر بن سعد إلى صف الحسين لما علموا من إصرار أولئك على قتل الحسين، واما هذا عمر بن سعد ءاثر الدنيا وخاف على منصبه، فحاصروا الحسين ومن معه حصارا شديدا حتى منعوا عنهم الماء، فلما أصبح الصباح، وكان يوم العاشر من محرم تهيأ الحسين ومعه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا، وتهيأ عمر بن سعد ومعه أربعة آلاف مقاتل، وقاتل أصحاب الحسين بين يديه حتى تفانوا، وكان أول قتيل من أهل الحسين علي الأكبر بن الحسين، فخرجت زينب أخت الحسين تنكب عليه ثم أدخلها الحسين بيده الفُسطاط ( وهو البيت من الشعر ).
ثم قتل عبد الله بن مسلم بن عقيل ثم قتل عون ومحمد ابنا عبد الله بن جعفر ثم قتل عبد الرحمن وجعفر ابنا عقيل بن أبى طالب ثم قتل القاسم بن الحسن بن علي بن أبى طالب وكذلك قتل عبد الله بن الحسين وأبو بكر والعباس وعثمان وجعفر ومحمد بنو علي ابن أبي طالب اخوة الحسين .
ومكث الحسين وحده لا يأتي إليه أحد إلا رجع عنه، حتى اشتد عطش الحسين فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر بل مانعوه عنه فخلص إلى شربه منه، فرماه رجل بسهم في حلقه فجعل الدم يسيل منه فدعا عليهم.
وهذا الرجل الذي رماه ما مكث إلا يسيرا حتى صب الله عليه الظمأ فجعل لا يروى ويسقى الماء مبردا وتارة يبرد له الماء واللبن جميعا أهلكه الله .
ثم التف حوله أولئك الظلمة، والحسين يجول فيهم بالسيف يمينا وشمالا وهم يتنافرون منه حتى تقدم رجل يقال له زُرعة بن شُرَيْك التميمي فضربه على يده اليسرى وضربه ءاخر على عاتقه وطعنه سنان بن أنس بالرمح فوقع فتقدم أحدهم ليقطع رأسه فشُلت يمينه ثم نزل شـمـر بن ذي الجَوشن ففصل رأسه عن جسده، وقيل ثم جاء عشرة من الخيالة داسوا عليه ذهابا وإيابا .
ووُجِد بالحسيــن حين قُتـل ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة. وهمّ شـمـر أن يقتل علي الأصغر ابن الحُسين زين العابدين وهو صغير مريض ولكن منعوه عنه .
قُتل من أصحاب الحسين اثنان وسبعون نفسا ومن أهل البيت قريب العشرين مع الحسين .
جعفر والعباس ومحمد وعثمان وأبو بكر ( أولاد علي)، علي الأكبر وعبد الله ( أولاد الحسين ) عبد الله والقاسم وأبو بكر ( بنو الحسن بن علي ) عون ومحمد ( من أولاد عبد الله بن جعفر ) . جعفر وعبد الله وعبد الرحمن ومسلم من أولاد عقيل وعبد الله بن مسلم بن عقيل ومحمد بن أبى سعيد بن عقيل وقتل كذلك أخوه من الرضاعة عبد الله بن بُقْطُر .
وكان عمر الحسين يوم قتل ستا وخمسين سنة وكان استشهاده يوم الجمعة في العاشر من محرم سنة إحدى وستين من الهجرة الشريفة فأخذوا رأس الحسين ورءوس أصحابه ( وكان يرى بعض الناس نورا ساطعا من رأس الحُسين إلى السماء وطيورا بيضاء ترفرف حوله ) إلى ابن زياد ثم حملهم إلى يزيد بن معاوية، فلما وضع رأس الحسين بين يدي يزيد، يقال إنه جعل ينكت بقضيب كان في يده في ثغره، فقال له أبو بَرزة الأسْلَمي: والذي لا اله إلا هو لقد رأيت شفتي رسول الله على هاتين الشفتين يقبلهما، ألا إن هذا سيجيء يوم القيامة وشفيعه محمد وشفيعك ابن زياد، ثم قام من مجلسه وانصرف.
أما بقية أهل الحسين ونسائه ومعهم زين العابدين علي بن الحسين فحملهم ابن زياد إلى يزيد كذلك وبقوا هناك فترة ثم أوصلهم الى المدينة المنورة.
ووضع رأس الحسين في دمشق فترة وقيل ثم نقل إلى القاهرة وقيل غير ذلك، وأما جسده الشريف فدُفنَ في كربلاء .
هذا يزيد تظاهر أنه ما أراد قتل الحسين، ولكن لم يفعل شيئا بالقتلة.
وروى الحافظ ابن عساكر أن طائفة من الناس ذهبوا في غزوة إلى بلاد الروم فوجدوا مكتوبا في كنيسة:
أترجو أمةٌ قَتَلَت حُسينـًا شفاعةَ جَدّهِ يومَ الحساب
فسألوهم من كتب هذا فقالوا: إن هذا مكتوب ههنا من قبل مبعث نبيكم بثلاثمائة سنة.
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله في المنام نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم، فقلتُ: بأبي وأمي يا رسول الله ما هذا، قال: ” هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطُه منذ اليوم “.
فكتبوا ذلك اليوم الذي قال فيه وتلك الساعة حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنه قُتل في ذلك اليوم وتلك الساعة .
وكل من شارك في قتله مات ميتة سوء وأكثرهم أصابهم الجنون وأصيبوا بمرض وعاهات في الدنيا، وهذا ابن زياد ما مكث بعد ذلك يسيرا إلا وقطعت رأسه.
ونتذكر في هذه المصيبة ما رواه علي بن الحسين عن جده رسول الله أنه قال: ” ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها فيُحدِثُ لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أصيب منها ” رواه الإمام أحمد وابن ماجه .
وهذا الذي حصل للحسين فهو شبيه بما حصل لنبي الله يحيى قتله ملك من الكفار ثم الله سلّط على هذا الملك ملكا جبارا كافرا فقتل في يوم واحد سبعين ألفا من جنود هذا الملك.
كثير من الأنبياء قتلهم الكفار، الدنيا ليس لها قدر عند الله لو كان لها قدر لا يصاب نبي بمصيبة، الآخرة هي دار الجزاء لأوليائه ولأعدائه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق